Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

من التاريخ : مترنيخ وصناعة السياسة والسلام

$
0
0
هل السياسة الخارجية حرفة؟ سؤال يعرف إجابته كل دبلوماسي ويدرسه كل المشتغلين بعلم العلاقات الدولية، والجميع يصلون لنفس الإجابة وهي أن رجل السياسة الخارجية هو بالفعل صاحب صنعة يقيم من خلالها، وفي أغلب الأوقات يكون رجل السياسة الخارجية المتميز رجل دولة ذا قيمة وقامة عاليتين، ولكن ليس العكس بالضرورة صحيحا، فرجل السياسة الخارجية ينطلق في الأساس من منطلقات وطنية، منبعها سياسة دولته الداخلية لتكييف شكل وطبيعة سياستها الخارجية، ولعل أبرز مثال على ذلك كان السياسي القدير «كليمنز لوثر فون مترنيخ» (Metternich)، الذي كان وزيرا لخارجية الإمبراطورية النمساوية - المجرية في 1809 ثم أصبح مستشارا (رئيسا للوزراء) خلال فترة وجيزة للغاية، وقد تناولته في بعض المقالات السابقة في نفس هذا الباب، فهو الرجل الذي كتب عليه أن يدير ثلاث معارك سياسية دولية كبيرة في حياته، انتصر في اثنتين منهما وخسر الأخيرة منها. فلقد كتب عليه أن يشيد التحالف تلو الآخر لمواجهة التوسعات الثورية لفرنسا التي أدت إلى هزيمة بلاده هزيمة ساحقة في ديسمبر (كانون الأول) 1805 في معركة «أوسترلتز» الشهيرة على أيدي نابليون بونابرت، وقد نجح الرجل في جمع الشمل الأوروبي بالتعاون مع نظيره البريطاني كاستلرى Castlereagh. أما معركته الثانية التي أحرز فيها نصرا غير مسبوق في تقديري، فكانت معركة صناعة السلام في أوروبا من خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في فيينا عام 1815 تحت رعايته السياسية، واستطاع خلاله أن يسيطر على مجريات الأمور ويعيد ترسيم أوروبا بعد الحرب، وخلق توازن جديد للقوى في القارة كفل لها السلام النسبي لمدة مائة عام تقريبا، ولكن مما لا شك فيه فإنه لم يستطع أن يغير مسار التاريخ، فلقد هزم ومعه فكره المحافظ هزيمة نكراء أثناء الربيع الأوروبي الذي اقتلع الفكر المحافظ من أجزاء كثيرة في القارة الأوروبية في 1848 وفتح المجال أمام المد الليبرالي بصفة عامة والمد الثوري في بعض المناسبات. إن المتأمل لصفات وقدرات «مترنيخ»، سيجد فيه رجل الدولة القوي الذي استطاع أن ينقذ بلاده بقوة، فلقد كان مدركا خطورة المد العسكري الفرنسي خاصة على بلاده، وبالتالي فإنه في الوقت الذي كان يسعى فيه لتكوين التحالف الجديد ضد فرنسا بالتعاون مع بريطانيا وبروسيا، فإنه آثر أيضا أن يلعب ببراعة لضمان تحالف يتقي من خلاله شر نابليون، فما كان منه إلا أن سعى لعقد قرانه على ماري لويز الابنة الكبرى للإمبراطور النمساوي فرانسيس الأول، وهو ما ضمن له السيطرة على السيف بيد والدبلوماسية بيد أخرى. ولعل دوره السياسي في إقامة التحالف الأخير ضد فرنسا كان محوريا، وكعادة السياسة الدولية، فإن نهاية الحرب تكون بداية التفاوض، وبالتالي حرص «مترنيخ» على أن تكون بلاده هي صاحبة الدعوة الكريمة لاستضافة كل قيادات أوروبا في هذا المحفل لوضع السياسية الجديدة للقارة وتنظيم العلاقات بين الدول الكبرى فيها، وقد سعى بشكل كبير لاستيعاب كل الأطراف للخروج باتفاق يمنح بلاده أغلبية ما كانت تسعى إليه، وذلك في الوقت الذي لم تكن فيه هذه الدولة صاحبة قيمة عسكرية موازية، ولكن براعة رجل في السياسة الخارجية جعلته يستطيع توحيد كل أوروبا على أهداف بلاده ويضمن رفض الفكر الثوري، من خلال صناعة تحالف دولي كبير ضد هذا التيار، من خلال مجموعات من القمم الدورية لمراجعة التدخل الأوروبي لضرب كل الثورات والفكر الليبرالي لسنوات تالية، ولم يشذ عن هذا النظام سوى بريطانيا لأسباب مرتبطة بتوجهاتها الخارجية الرافضة للارتباط الممتد بالقارة الأوروبية. من ناحية أخرى، استطاع مترنيخ، من خلال المفاوضات الجانبية والخوض في المفاوضات الوعرة، أن يصل إلى النتائج التي ابتغاها، فلقد وقى أوروبا حربا بدأت بالفعل بين روسيا وبروسيا أثناء المؤتمر، كما أنه استطاع أن يوحد الصف الأوروبي من خلال التعامل مع شخصيات مثل القيصر الروسي الإسكندر الثاني الذي كان مثالا للاختلال النفسي والاختلاف الفكري، خاصة عندما أصر على أن يطوع السياسة الأوروبية وفقا لمبادئ الديانة المسيحية، فما كان من «مترنيخ» إلا أن استوعب الرجل بقدرات فائقة من خلال إقناع الدول بالتوقيع على وثيقة «التحالف المقدس» وهو على قناعة تامة بأن الوثيقة لن تمثل أي قيمة سياسية ولكنها كانت ثمنا لضمان دخول المارد الروسي لتوافق الآراء، كذلك تلاحظ قدرة الرجل الفائقة على استخدام كل دولة لموازنة الدولة الأخرى، حتى إن أغلبية من المؤرخين أكدوا أن التوازن السياسي الذي صنعه الرجل استطاع أن يحفظ الأمن الأوروبي النسبي لقرابة مائة عام. إن القدرات الأساسية لمترنيخ كانت محل دراسات تاريخية موثقة، فالرجل كانت لديه متناقضات كثيرة، فلقد كان خجولا وجريئا في آن واحد، كما كان هادئا وحادا عندما دعت الحاجة، كان صريحا وقت الحاجة وكتوما في مناسبات كثيرة، ومما يذكره التاريخ أن الكثير من السفراء كانوا يهابون التعامل مع الرجل لقدراته الدبلوماسية الفائقة، فقدرته على الإقناع كانت فائقة، وقدرته على قيادة المجموعات السياسية كانت من أهم ما ميزته وجعلته بالفعل من أهم أمثلة الدبلوماسية على مر التاريخ، فالرجل كانت له قدرات كبيرة على التنسيق بين معتقداته الشخصية من ناحية ومتطلبات بلاده من ناحية أخرى، فضلا عن قدرته على تطويع النظام الإقليمي لخدمة أهداف بلاده من خلال الدبلوماسية متعددة الأطراف، والثابت تاريخيا أن الرجل لم يكن من الداعين للحرب، بل إنه صاحب مقولة شهيرة بأن «الإنسان لا يستطيع أن يغطي الأرض بالأنقاض دون دفن الإنسان تحتها»، فالحرب له تمثل أداة لتحقيق الهدف السياسي فقط، ومن ثم قوله المأثور «يجب أن نكون دائما حاملين للسيف في إحدى اليدين وغصن الزيتون في اليد الأخرى». أيا كانت رؤيتنا لمعتقدات مترنيخ السياسية، اتفقنا معها أم اختلفنا، ولكننا لا نستطيع أن نغفل أنه من أعظم الشخصيات التي أثرت في السياسة الأوروبية والدولية خلال فترة وجوده على المسرح السياسي، وقد استفسر بعض المؤرخين عن سبب عدم قدرة هذا الرجل على استشفاف مجرى التاريخ وأنه حتما كان سيخسر معركة كبت الفكر القومي وفرض الفكر المحافظ في قارة ذاقت نسيم الليبرالية، والإجابة عن هذا السؤال قد تكمن في أن هناك سياسيين لكل عصر، ولكنه لا يوجد عصر لكل السياسيين لأن هذا معناه ثبات التاريخ، فلقد انتهي عصر الفكر المحافظ في أوروبا ومعه خسفت شمس هذا الرجل لأنه لم يستطع أن يساير الزمن.

تمام سلام عراب التسويات المقبلة تمام سلام عراب التسويات المقبلة

$
0
0
منذ اللحظة الأولى لتكليف النائب البيروتي تمام سلام لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، بدأ أهالي بيروت والمصيطبة (مسقط رأسه)، يتوافدون إلى قصر آل سلام، مهللين ومهنئين «البيك» على تكليفه بإجماع سياسي قلّ نظيره، برغم الانقسامات الداخليّة والإقليميّة. تهافت جيران القصر دفع عناصر الأمن الذين تكاثر عددهم من دركي واحد قبل التكليف، إلى عشرات بعده، إلى محاولة وضع عازل أمام القصر لتنظيم عمليّة دخول المهنئين وتفتيش كل منهم. لكنّ ساكن القصر، وكما يقول مقربون منه لـ«الشرق الأوسط» رفض هذا الإجراء ومنع اتخاذ أي إجراءات أمنيّة باعتبار أن «منزل العائلة مفتوح منذ أكثر من مائة عام، ومن يدخل إلى منزلي لا يمكن أن يخضع للتفتيش». ليس وصول تمام سلام إلى الكرسي الثالث في الدولة اللبنانية بأمر طارئ على عائلة سلام التي تصدّرت المشهد الوطني منذ بداية الألفية السابقة وتربعت على عرش الزعامة البيروتية. سبق لوالده، صائب بيك سلام، أن تولى رئاسة الحكومة اللبنانية لست مرات بين عامي 1956 و1972. كما انتخب نائبا للمرة الأولى عام 1943. ثم أعيد انتخابه في الأعوام 1951 و1960 و1964 و1968 و1972، واستمر بحكم قوانين التمديد للمجلس النيابي حتى سنة 1992. اشتهر والده، كما جده سليم علي سلام، المعروف بأبو علي، أحد نواب مجلس «المبعوثان» العثماني، بمواقفه الوطنية والجريئة والمنفتحة. كذلك، فإن وصول سلام في هذه اللحظة بالذات ليس أمرا مستغربا بالنسبة لكثيرين من عارفي هذا الرجل. يقول هؤلاء إن إرثه العائلي والوطني، إضافة إلى دبلوماسية مواقفه وعقلانية أدائه وعلاقاته الجيدة مع الأطراف كافة، كفيلة مجتمعة بأن تساعده في أن يعبر بلبنان إلى مرحلة أكثر أمنا واستقرارا ونأيا عن محيطه المشتعل. عدا عن أن نشأته في كنف عائلة أطلقت شعارات «لا غالب ولا مغلوب» و«تفهّم وتفاهم» تجعله يدرك جيدا أهمية المحافظة على التوازنات اللبنانية الدقيقة، خصوصا أن الأطراف اللبنانية باتت جميعها على قناعة بأن لبنان لا يحكم إلا انطلاقا من هذه المعادلة. أكثر من ذلك، فإن سلام يكاد يكون رئيس الحكومة الأول منذ اتفاق الطائف، الذي يكلّف من دون أي تدخّل سوري، من قريب أو بعيد، انطلاقا من انشغال سوريا بأزمتها الداخلية منذ أكثر من عامين. حتى أن النائب في تيار المستقبل نهاد المشنوق كتب على صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك» قبل يومين أن «حماية تكليف الرئيس تمام سلام واجب على كل اللبنانيين، لأنه أول رئيس حكومة منذ عام 1990 يأتي من دون رأي أو مشاركة من النظام السوري، ما يعني دخولنا مرحلة جديدة من الاستقلال والاستقرار في لبنان يعبر عنها سلام». ليس بمبالغة القول إن سلام يكاد يكون من السياسيين القلائل الذين لم يسجل له أي موقف انفعالي أو عصبي، حتى في أكثر المحطات الصعبة وطنيا وفي مسيرته السياسيّة، لا سيما بعد تصاعد الحالة الحريرية وتربّعها طوال سنوات على عرش الزعامة السنيّة في لبنان. يجمع أصدقاء سلام على دماثة أخلاقه ومقارباته الواقعية، التي تأخذ بالاعتبار الرأي الآخر ويثنون على نزعته «البروتوكولية» وإخلاصه في الحفاظ على علاقاته الشخصية، كما السياسية حتى الرمق الأخير. ينطلق حبيب أفرام، رئيس الرابطة السريانية في لبنان وصديق الرئيس المكلف منذ سنوات طويلة، في الحديث عن سلام بمقدمة وجدانيّة يقول فيها إن سلام «يختصر بيروت بانفتاحها وبحرها وعلاقاتها الاجتماعية وكنائسها وجوامعها، وهو ما أثبته الإجماع الوطني على تكليفه وعكسه الارتياح الشعبي العام بعد ذلك». تمام بيك، وفق ما يوضحه صديقه لـ«الشرق الأوسط»: «أنيق شكلا ومضمونا»، فهو «واظب على فتح دارته أمام الجميع، حتى في أكثر اللحظات صعوبة. راق في التعاطي ولا ينطق بالسوء». لم يسع سلام، برغم خلفيته العائلية السياسيّة، إلى تسويق اسمه كرئيس للحكومة اللبنانية. يقول أفرام: «لطالما كنا نناديه تحببا دولة الرئيس لكنه لم يسع يوما لأن يكون كذلك ولم يطلب، وهو ما ينسجم مع طباعه وابتعاده عن الوجاهة الفارغة». ويضيف: «التقيته قبل أيام من تكليفه وكنا نتحدث عن هوية البديل عن الرئيس ميقاتي. قلت له إنه قد يكون مرشّحا نموذجيا، لكنّه عاجلني بالإجابة أنا لم أطلب شيئا ولن أسع لشيء، لكن إذا طلبوا مني فأنا مستعد». ويثني نائب رئيس حزب الكتائب سجعان قزي على صفات سلام الشخصيّة. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمام سلام رجل يتمتع بصفات أخلاقية مميزة، جعلته مخلصا في علاقاته الشخصية كما في علاقاته السياسية، إذ تمكن من المزج بين الزعامة التاريخية لآل سلام، التي كان لها دورها في تاريخ لبنان منذ بدايات القرن الفائت، وبين قربه اليومي من الناس والوقوف على حاجاتهم والسعي لتأمين الخدمات». عام 1992، وإثر انتهاء ولاية المجلس النيابي، الذي كان والده أحد أعضائه، عزف الرئيس المكلف عن الترشّح للانتخابات النيابية تضامنا مع مقاطعة المسيحيين الشهيرة للانتخابات في السنوات الذهبية للوصاية السورية على لبنان. ثم تحالف في عام 1996 مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. ونتيجة خلاف مع الأخير، خسر سلام مقعده في انتخابات عام 2000. وعزف عن المشاركة مجددا في انتخابات عام 2005 ليعود إلى المجلس النيابي عام 2009 بعد تحالفه مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وعام 2008، عيّنه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وزيرا للثقافة في حكومته الثانية إثر «تسوية الدوحة» عام 2008. علاقة آل سلام مع عائلة الحريري شهدت مدا وجزرا. يحمّل كثيرون آل الحريري مسؤولية إقصاء الزعامات السنية التقليدية، لا سيما مع تصاعد الحالة التي خلقها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. انتخابات عام 1992 التي أقصت آل سلام، نتيجة خلاف كبير مع السوريين آنذاك، جاءت بالحريري رئيسا للحكومة اللبنانية. يقول أفرام: «رفيق الحريري دخل إلى وسط بيروت، المعروف اليوم بالسوليدير، كما إلى الوسط السياسي بمعية صائب سلام الذي كان يدرك أن الحريري رجل أعمال كبير وله علاقاته العربية كما الدولية. كانت العلاقة بين الطرفين سمنا على عسل. لكن الخلاف الكبير حصل عام 2000 مع إسقاط الحريري الأب لسلام الابن وفوز لائحة الحريري بكافة المقاعد». يضيف أفرام، الذي كان أحد المرشحين على لائحة سلام «تحالف الحريري عمليا مع حزب الله، وأرسلت إشارات سلبية جدا إلى سلام، بعد التضييق عليه، فاختار أن يترك رئاسة مؤسسة المقاصد (تولى رئاستها خلفا لوالده من عام 1982 حتى عام 2000) ليضمن استمرارها واستمرار خدماتها من دون أن يهاجم بأي وسيلة الحريري، ثم عاد وتحالف». ويكتب المؤرخ البيروتي والأستاذ الجامعي الدكتور حسان حلاق (جريدة «اللواء» اللبنانية أمس) عن هذه المرحلة قائلا: «بين أعوام 1982 - 2000، وخلال ثمانية عشر عاما، تولى تمام بيك سلام رئاسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في ظل ظروف أمنية وسياسية ومالية وإدارية صعبة، ورغم ذلك، فقد حققت المقاصد في عهده وثبة في مدارسها وفي المعهد العالي للدراسات الإسلامية ومعهد التربية البدنية ودار المعلمين والمعلمات، وفي مستشفى المقاصد، ومجلة المقاصد، وإذاعة صوت الوطن..».. ويضيف: «بسبب الصراعات البيروتية والمنافسات السياسية الحادة، لم يوفق سلام في الانتخابات النيابية عام 2000.. لهذا، فقد أصدر بيانا تضمن اعتذاره عن متابعة رئاسته لجمعية المقاصد، فاستقال من الرئاسة رغم رفض مجلس الأمناء هذه الاستقالة، غير أن إصراره أوجب تولي الرئاسة نائبه المهندس أمين محمد عمر الداعوق، على أن المقاصديين أصروا على أن يكون رئيس شرف لجمعية المقاصد». القول إن «آل الحريري حجموا الزعامات السنية التقليدية» ليس دقيقا، وفق قزي، نائب رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، حليف آل الحريري منذ عام 2005 وصديق الرئيس سلام، الأب ثم الابن منذ عقود طويلة. يقول قزي: «الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس الراحل حافظ الأسد هما من أبعدا الزعامات السنية التقليدية كآل سلام والصلح واليافي وآل كرامي، وبالتالي ليست الحالة الحريرية هي المسؤولة بالكامل عن إبعاد هذه العائلات». يتوافق قزي مع أفرام على اعتبار أن صائب سلام «كان عراب دخول رفيق الحريري إلى الوسط السياسي البيروتي». ويعتبر أنه «عندما يسمي سعد الحريري اليوم تمام سلام من بيت الوسط رئيسا للحكومة المقبلة، فهذا يعدّ بمثابة موقف وفاء لاحتضان والده من قبل آل سلام». يجمع الفرقاء اللبنانيون على اختلاف توجهاتهم على أن آل سلام حافظوا على مواقفهم الوطنية خلال المراحل السياسية كافة. يوضح قزي في هذا السياق أنه «رغم كل الظروف الصعبة التي مرت على صائب سلام وتمام من بعده، بقيت العائلة على تمسكها بالمبادئ الوطنية. وبقي قصرهم، في عز السيطرة الفلسطينية على ما يسمى بـ«بيروت الغربية»، صلة وصل بين كل الطوائف ومساحة للحوار الوطني. وخلال سنوات الوصاية السورية والتضييق الذي تعرض له، فضل صائب سلام النفي الذاتي طوال 10 سنوات، على الخضوع لمطالب السوريين واستدعاءات غازي كنعان. هذه المبدئية في التعاطي السياسي جعلت عائلة آل سلام بمنأى عن الانقسامات السياسية الحادة. ورغم فوز سلام بمقعده النيابي متحالفا مع لائحة «14 آذار» في بيروت عام 2009. فإن علاقته الشخصية جيدة بمختلف الأطراف السياسية. يقول عارفوه إن علاقته ممتازة بالرئيس اللبناني ميشال سليمان، وكذلك برئيس المجلس النيابي نبيه بري. يقول أفرام في هذا الإطار: «لم ينقطع سلام عن تبادل الرأي مع الرئيس بري حتى في اللحظات السياسية الأكثر صعوبة في البلد، وأعتقد أنه نجح في نسج شبكة علاقات لبنانية وعربية ودولية مع الحفاظ على لبنانيته كاملة». ويعرب عن اعتقاده بأن زيارات التهنئة من قبل سفراء السعودية وروسيا وإيران تعكس حالة ارتياح إقليمية لتكليفه في هذه المرحلة بالذات. قد تكون من إحدى الصفات الإيجابية في سلام، والتي أهلته لتولي مهمة تأليف حكومة في هذه المرحلة بالذات ألا خصومة له مع أي من الفرقاء السياسيين. يعتبره أفرام «نظيف الكف واللسان والتاريخ. ليس علي يديه عمولة أو عمالة أو دم، وهو قادر على أن يكون رجل المرحلة بامتياز»، فيما يؤكد قزي أن «علاقاته السياسية أكثر من جيدة مع حزب الكتائب، وهو حليف لتيار المستقبل، كما أنه على علاقة جيدة بالرئيس بري ولم يقطع مرة خط التواصل مع حزب الله». من المؤكد أن الإجماع السياسي حول سلام في لحظة حرجة، محليا وإقليميا، وعشية استحقاقات عدة أبرزها الانتخابات النيابية، لا يعني أن مهمة سلام في تأليف حكومة اختار لها شعار «حكومة المصلحة الوطنية» وممارسة صلاحياتها باتت عملية سهلة. هذا الأمر تدركه القوى اللبنانية جيدا. ولعل الدعوة التي وجهها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قبل يومين خير دليل على ذلك، حيث طالب «القوى السياسية التي أجمعت على تسمية سلام أن تذهب في اتجاه تسهيل مهمته والإقلاع عن وضع الشروط التعجيزية كما حصل في التجارب السابقة في تأليف الحكومات». واعتبر أن الرئيس المكلف «أصاب باختياره مصطلح حكومة المصلحة الوطنية» التي يفترض أن تبقى فوق كل اعتبار. لا يملك سلام عصا سحرية قادرة على معالجة الملفات الداخلية الشائكة، مع اتخاذ الانقسام اللبناني أشكالا عدة. لكن عارفيه يقولون ويأملون، كما شريحة كبرى من اللبنانيين، أن يفتح تكليفه بابا نحو الحل، مع إدراك القوى السياسية كلها مخاطر انتقال الصراع السوري إلى لبنان ووجوب ترك الساحة المحلية بمعزل عن الغليان الإقليمي. يقول أفرام، الذي يرافق سلام يوميا منذ تكليفه: «يدرك تمام أنه لا يملك حلولا عجائبية أو وصفة تدوير الزوايا اللبنانية، لكن تكليفه في ظل الظرف الإقليمي قد يكون فرصة لإيقاظ اللبنانيين من الحالة السائدة والعبور بهم إلى مرحلة جديدة، مرحلة المؤسسات والدستور والممارسة الديمقراطية الحقيقية». ويضيف: «يمتلك تمام خلفية وطنية وشبكة علاقات جيدة تمكنه من أن يجعل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وبإمكانه أن يلعب دور عراب تدوير الزوايا والتسويات، ليس بمعناها السيئ، لكن واقع الحال يثبت أن النظام اللبناني يحتاج إلى تسويات يومية للاستمرار». ويعرب عن اعتقاده بأن «اللبنانيين اليوم أمام فرص لإعادة صياغة النموذج اللبناني على علاته، وإظهار قدرته على الاستمرار في ظل ما يجري في العراق وسوريا ومصر، ولعل التهدئة في المنطقة تبدأ من لبنان». ولا يحيد قزي كثيرا عما يقوله أفرام. يذكر بمواقف سلام الوطنية تجاه أزمة سوريا، بعيدا عن الانفعال الآني، وبمحافظته على بوصلة الثوابت الرئيسية لناحية مركزية قضية فلسطين ومواقفه العربية، فضلا عن دعمه، أبا عن جد، للميثاق الوطني والتعايش المسيحي - الإسلامي. يرى قزي أن «تسمية فريق 8 آذار، وفي مقدمه حزب الله، لتمام سلام رئيسا للحكومة المقبلة، بعد سفره إلى المملكة وإعلان ترشيحه من قبل فريق 14 آذار يعني أن الرجل مقبول من الجميع، وتأييده نتاج محلي أكثر مما هو ناتج عن موازين قوى دولية». تمام سلام «خيار صائب»، يقول قزي مبتسما، لكن التحديات أمامه كبيرة وواحدة من المعضلات في المرحلة المقبلة بعد التأليف، هي أن «الملفات - الأولويات متساوية، أي أن على الحكومة السعي لإجراء الانتخابات بموازاة عملها على ضبط الوضع الأمني وضبط الحدود ومعالجة البؤر الأمنية، القديمة منها والجديدة، إضافة إلى التزام سياسة النأي بالنفس تجاه أزمة سوريا ومواصلة تنفيذ قرارات الحكومة السابقة». في قصر آل سلام في محلة المصيطبة، الواقع على بعد مرمى حجر من مركزين، يتبع أحدهما حزب الله والثاني حركة أمل، وفود شعبية وزائرون دبلوماسيون. الهواتف لا تتوقف عن الرنين والبرقيات تصل تباعا. في الباحة الأمامية تصرخ سيدة متقدّمة في العمر «رجع الحق لصحابه»، فهل يعيد تمام بيك إلى اللبنانيين حقهم الطبيعي بأمن واستقرار وتداول السلطة؟ * ملفات في انتظار سلام الملفات التي تنتظر إذن حكومة «المصلحة الوطنية» كثيرة وداهمة، والمؤكد أن سلام يدرك أن نزهته الحكومية لن تخلو من مطبات وعراقيل. * يؤكد عارفوه أنه «يدرك جيدا ما هو مقبل عليه ومستعد لتحمل المسؤولية وللتضحية بمقعد نيابي مقابل إنقاذ لبنان». * شعار «المصلحة الوطنية» بقدر ما هو في هذه المرحلة بالذات شعار جذاب وذكي، بعد حكومتي «لبنان أولا» و«كلنا للوطن، كلنا للعمل»، بقدر ما هو فضفاض. * المصلحة الوطنية في لبنان تبدو أشبه بوعاء كبير والجميع يريدون الدلو بدلوهم فيه كلهم يريد «المصلحة الوطنية» ويقول إنه يعمل في سبيل تحقيقها. * من هنا، فإن الرئيس المكلف، بعد اجتياز عقبة تأليف حكومة تريدها «14 آذار» حيادية و«8 آذار» وطنية، أمام مهمة جمع مصالح الفئات المتناقضة من التيارات السلفية وصولا إلى حزب الله تحت راية مصلحة مشتركة. * تمّام سلام في سطور * ولد تمّام سلام في عائلة عرفت بشغفها بالسياسة والشأن العام، وهي عائلة بيروتية عريقة، جذورها ضاربة في السياسة منذ نهاية القرن التاسع عشر. * أبصر النور في 13 مايو (أيار) 1945 في المصيطبة، في دارة يعود بناؤها إلى مائة وعشرين عاما احتضنت أحداثا وطنية وسياسية كثيرة. * والده الزعيم صائب بك سلام، ووالدته تميمة مردم بك، سليلة عائلة دمشقية معروفة، وقد قصد الرئيس المكلف دارتها فور تكليفه لأخذ بركتها. تلقى تمام سلام دروسه في «الليسيه» الفرنسية، ثم في مدارس «المقاصد»، قبل أن ينتقل إلى «برمانا هاي سكول»، وأنهى دراسته العليا في الاقتصاد وإدارة الأعمال في بريطانيا عام 1968. *لم يعمل سلام طويلا في حقل الأعمال، حيث انصرف إلى مرافقة والده في كل نشاطاته، ثم خلفه في رئاسة «جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية» بعد أن كان عضو مجلس أمنائها، وأسس إذاعة «صوت الوطن». يقول عارفوه إن «الشعار الأحبّ إلى قلب تمّام بك هو ذاك الذي كان والده يردده دوما: (لا غالب ولا مغلوب)». وهو متأهل وله ثلاثة أولاد: صائب (على اسم والده)، وتميمة (على اسم والدته)، وثريا.

التسخين الكوري.. هل ينهي هدنة 60 عاما؟ التسخين الكوري.. هل ينهي هدنة 60 عاما؟

$
0
0
ازدادت حدة التسخين في شبه الجزيرة الكورية منذ التجربتين النوويتين اللتين أجرتهما كوريا الشمالية في 12 ديسمبر (كانون الأول) و12 فبراير (شباط) الماضيين. ويتفاقم التوتر بين استفزازات بيونغ يانغ والردود الشديدة اللهجة من واشنطن وسيول، مما يحمل على الخوف من انفجار لا يريد العالم أن يحصل. كل شيء بات في نطاق الممكن.. بعد التصعيد الأخير، وتصاعد الخطاب الحربي، بين الأطراف، وتبني مجلس الأمن الدولي في السابع من مارس (آذار) الماضي بالإجماع عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية. وقبل ذلك وبعده، زاد نظام بيونغ يانغ من لهجته التحذيرية، مهددا سيول بنقض هدنة 1953 التي أنهت الحرب، وواشنطن بـ«حرب نووية حرارية». وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية قد خرقت الهدنة على الأقل سبع مرات في الماضي، فإن هناك تطورات جديدة تجعل من الخرق هذه المرة أكثر خطورة والأمور أكثر سخونة. لماذا ارتفعت حدة التوتر إذن؟ سؤال بدأ يطرح نفسه بقوة. في الأساس، تريد بيونغ يانغ أن تعترف الولايات المتحدة بها قوة نووية، وتوقف «سياستها العدائية» حيالها، كما يقول سكوت سنايدر المحلل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية. ويرى المحللون في الاتجاه الآخر أيضا أن المناورة الأميركية - الكورية الجنوبية، السنوية «فول إيغل» التي تجرى منذ بداية مارس حتى 30 أبريل (نيسان) أججت الأزمة أيضا؟ ويغضب جزء من هذه المناورات بيونغ يانغ لأنه يحاكي إنزال أعداد كبيرة من القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية إذا ما اندلع نزاع. وفي الثامن من مارس حلقت قاذفة أميركية من نوع «بي52» قادرة على حمل عبوة نووية، فوق كوريا الجنوبية في إطار هذه المناورات. وتوعدت بيونغ يانغ آنذاك بـ«رد عسكري قاس» إذا ما قامت الولايات المتحدة بعملية تحليق جديدة. وواشنطن التي لا تريد التراجع، سارعت إلى الإعلان أن طلعات أخرى لطائرات «بي52» قد تمت منذ ذلك الحين، وخصوصا لقاذفاتها الخفية «بي-2» مما اعتبر تحذيرا حازما. وفي المقابل، هددت بيونغ يانغ بضرب الولايات المتحدة وجزيرتيها غوام وهاواي، وردت واشنطن بنشر عدد رمزي من مطارداتها الخفية «إف22» وبطارية صواريخ في غوام ومدمرتين مضادتين للصواريخ في غرب المحيط الهادئ. وعمدت في كل مرة إلى الإعلان عن هذه الخطوات. وقال مسؤول أميركي في هذا الإطار طلب عدم الكشف عن هويته: «إنه ليس نظاما يمكن التأثير عليه بكلمات قاسية فقط». واعتبر كيم جانغ - سو كبير مستشاري الأمن لدى رئيسة كوريا الجنوبية بارك غون - هيه أن تهديدات الشمال كان هدفها إرغام الجنوب والولايات المتحدة على تقديم تنازلات تنقذ ماء الوجه. ويخشى دبلوماسيون أن تخلق هذه التهديدات الشديدة اللهجة وضعا يخرج عن السيطرة فيما قامت الولايات المتحدة بتأخير تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات لتجنب تأجيج التوتر مع الشمال. والأسبوع الماضي قطعت كوريا الشمالية خطوط الاتصال العسكري الساخن مع كوريا الجنوبية، مما يعني تعليق كل الاتصالات العسكرية والحكومية بين البلدين، بعد أن سبقه قطع الخط الساخن للصليب الأحمر بين البلدين. وقالت بيونغ يانغ إنها دخلت رسميا «حالة حرب» مع كوريا الجنوبية وحذرت من أن أي محاولة استفزاز ستتطور سريعا إلى صراع نووي. وطلبت من الدبلوماسيين الأجانب مغادرة أراضيها ومنحت حتى اليوم للمغادرة. وأعلن مسؤول كوري شمالي أن بلاده ستغزو كوريا الجنوبية، وستطلق صواريخ نحوها، ونحو اليابان، ونحو الولايات المتحدة، وحتى صواريخ نووية لضرب واشنطن العاصمة، ونقل تلفزيون كوريا الشمالية صور البيت الأبيض والكونغرس وقد تم تدميرهما. ويسود الولايات المتحدة خليط من خوف وقلة خوف.. خوف لأن كوريا الشمالية تقدر على إطلاق صواريخها، ومن يدري، ربما ستصل إلى كاليفورنيا في الساحل الغربي، أو ربما نيويورك وواشنطن في الساحل الشرقي. وقلة خوف لأن الرئيس باراك أوباما، والمسؤولين العسكريين، والخبراء، كرروا أن كوريا لا تملك تكنولوجيا تجعلها قادرة على الوصول إلى الساحل الغربي، ناهيك بالشرقي. ومع الخوف، أو قلة الخوف، تسود الولايات المتحدة حيرة؛ كيف تجرؤ دولة صغيرة وفقيرة على تهديد أقوى وأهم دولة في العالم؟ لماذا تطور الوضع إلى هذا الحد؟ من المسؤول؟ هل كانت السياسة الأميركية خطأ مما جعل الوضع يتطور هكذا؟ وسارع السناتور جون ماكين (جمهوري، ولاية أريزونا)، وحمل الصين المسؤولية، وقال إنها «فشلت في كبح جماح ما يمكن أن يكون وضعا كارثيا»، وإن الصين يمكن أن تصعد الضغط على كوريا الشمالية باستخدام نفوذها الاقتصادي، وأضاف: «تملك الصين مفتاح حل هذه المشكلة، مثل قطع علاقتها الاقتصادية. لكن حتى الآن السلوك الصيني مخيب جدا. أكثر من مرة، وقعت حروب بعد أن بدأت بالصدفة. لهذا، نخشى تكرار ذلك. هذه حالة خطيرة جدا». وفي إجابة عن سؤال عمن سينتصر إذا نشبت الحرب، قال: «ستفوز كوريا الجنوبية. سنفوز إذا وقع نزاع شامل. لكن الحقيقة هي أن كوريا الشمالية تقدر على إحراق سيول. وواضح أن هذا سيكون كارثة ذات أبعاد هائلة». وقالت مصادر إخبارية أميركية إن هذه ربما أول مرة يتحدث فيها السناتور ماكين عن موضوع سياسي ولا ينتقد الرئيس أوباما. بل إن آراء السناتور تتفق مع آراء قادة في الحزب الديمقراطي. مثل السناتور تشاك شومر (ولاية نيويورك)، من قادة الناقدين للصين في الكونغرس، الذي قال إنه يتفق مع ماكين. وأضاف: «يحمل الصينيون كثيرا من الأوراق. صار واضحا أنهم، طبيعيا، حذرون. لكن، يبدو أن الأمور هذه المرة تسير نحو التطرف». وأضاف: «حان الوقت للصينيين ليضغطوا قليلا على هذا النظام في كوريا الشمالية». وقال السفير الأميركي السابق لدى الصين، جون هلتسمان، إنه لم يحدث أن رئيسا صينيا فعل ما فعل الرئيس الحالي تشي جينبينغ عندما حذر من أن أي بلد «ينبغي أن لا يسمح له بوضع منطقة، بل العالم كله، في هذه الحالة من الفوضى لتحقيق مكاسب أنانية». وأضاف هلتسمان: «يبدو لي، وقد شاهدت زيادة الإحباط بين القادة الصينيين على مدى السنوات القليلة الماضية، أنهم ربما وصلوا درجة نقطة الغليان، الدرجة 212، فيما يتعلق بكوريا الشمالية». وكان البيت الأبيض كرر تصريحات أدلى بها، في الأسبوع الماضي، الرئيس أوباما بأن كوريا الشمالية لا تملك تكنولوجيا تجعلها تؤذي الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة، في الوقت نفسه، مستعدة للدفاع عن أصدقائها هناك. وفي وقت لاحق، قال مستشار البيت الأبيض دان فايفر إن كوريا الشمالية تتبع نمطا واحدا منذ أمد بعيد، وهو «أعمال استفزازية، وخطب تهدد بالقتال»، وأضاف: «المفتاح هنا عند الكوريين الشماليين، وهو أن يوقفوا أعمالهم، ويبدأوا في الوفاء بالتزاماتهم الدولية، ويعملوا على تحقيق الهدف الأهم المعلن، وهو التنمية الاقتصادية». وانضم إلى حملة نقد الصين، وتحميلها مسؤولية أعمال كوريا الشمالية، السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي قال: «ألوم الصينيين أكثر من أي جهة أخرى. إنهم يخشون إعادة توحيد كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية حتى لا تتحولا إلى كتلة اقتصادية عملاقة ومنافسة. وإنهم يخشون أيضا، كوريا ديمقراطية شمالا وجنوبا. لهذا، يدعمون هذا النظام المجنون». في كل الأحوال، لم يتوقع سياسي أو خبير أميركي أن الصين سوف تتخلى عن كوريا الشمالية. أو حتى تنفذ عقوبات قاسية عليها، لكن يقول هؤلاء إن الصين تبدو وقد نفد صبرها، خاصة بعد سنوات من محاولة إقناع كوريا الشمالية بالخروج من العزلة، والتركيز على الإصلاح الاقتصادي. كما أن القادة الجدد في الصين، بما في ذلك الرئيس شي، لا يملكون العلاقات العاطفية نحو كوريا الشمالية التي كان أسلافهم يملكونها، وهم الذين خاضوا معها الحرب الكورية قبل ستين سنة. ولاحظ هؤلاء الخبراء أن الزعيم الكوري الشمالي الشاب، كيم (30 سنة) أخفق أيضا في تقديم الولاء للصين، كما فعل والده، وكما فعل جده. لم يزر الصين منذ أن تولى الحكم عندما توفي والده في نهاية عام 2011. وفي البنتاغون، حذر وزير الدفاع تشاك هاغل بأن خطر كوريا الشمالية «واضح وحقيقي». وأعلنت القيادة العسكرية في المحيط الهادي تحرك سفن نحو المنطقة، وأيضا وضع صواريخ مضادة للصواريخ في غوام وأوكيناوا، بالإضافة إلى تنسيق مكثف مع اليابان. لكن مع بداية الأسبوع أعلن مسؤول في وزارة الدفاع تأجيل اختبار الصواريخ العابرة للقارات من نوع «مينيتمان 3»، التي كان مقررا إجراء الاختبارات الخاصة بها في قاعدة «فاندنبيرغ» الجوية في كاليفورنيا، وذلك جزءا من برنامج طويل المدى. وقال المسؤول: «أخرنا هذا الاختبار لتجنب أي سوء فهم، أو سوء التقدير، في ضوء التوترات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية». في المجالات الاستخباراتية، قالت مصادر إن تفاصيل برامج أسلحة كوريا الشمالية معروفة لوكالات الاستخبارات الأميركية، لكنها تظل سرية. ويبدو أن هناك ثغرات في تلك التفاصيل نظرا للسرية المتشددة في كوريا الشمالية. وقال خبراء عملوا سابقا في هذه الأجهزة الاستخباراتية الأميركية إن كوريا الشمالية نجحت في تصميم، وربما بناء، جهاز نووي مصغر يمكن أن يوضع في صواريخ متوسطة المدى تسميها كوريا الشمالية «نودونغ» لكن الصواريخ متوسطة المدى مثل «نودونغ» ليست قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، لكنها قادرة على الوصول كوريا الجنوبية، واليابان، وأوكيناوا. لكن ليس غوام، وليس ألاسكا، ولا الفلبين، ولا تايوان. وقال الخبراء الاستخباراتيون إن أجهزة الاستخبارات الأميركية تراقب عن كثب تطوير صاروخ «كي إن 8»، الذي يبلغ مداه أطول من مدى «نودونغ». وكان أولا ظهر في عرض عسكري لكوريا الشمالية في العام الماضي. في الشهر الماضي، قال ادميرال جيمس وينفيلد، نائب رئيس الأركان المشتركة: «نعتقد أن صاروخ (كي إن 8) يمكنه الوصول إلى الولايات المتحدة». ويوم الخميس، قال مسؤول أميركي، اشترط عدم ذكر اسمه، إن الولايات المتحدة تعتقد أن صاروخ «كي إن 8» يقدر على ضرب غوام، وألاسكا، وهاواي. واعترف بأن تقدير الولايات المتحدة لهذا الصاروخ «يستند على معلومات استخباراتية محدودة». لكن، يبدو أن غريغ ثيلمان، الذي عمل في جهاز استخبارات وزارة الخارجية، والآن مع «آرمز كونترول» (مراقبة الأسلحة) أقل ثقة في هذا الصاروخ، وقال إنه ربما ليس موجودا. وقال إن بعض الخبراء الأميركيين فحصوا عن قرب صور الصاروخ بعد أن ظهر في العرض في العاصمة بيونغ يانغ، و«خلصوا إلى أنه وهمي، أو نموذج بالحجم الطبيعي». وقال ثيلمان إن هناك صاروخا آخر من نوع «موسودان»، وهو أكبر من «نودونغ» متوسط المدى، لكنه لم يجرب عمليا، وقال: «ليس الصاروخ الذي لم يجرب صاروخ فعال، وليس خطرا يهدد». وحسب معلومات ثيلمان، تملك كوريا الشمالية مئات الصواريخ، معظمها من صواريخ «سكود بي» و«سكود سي» أو شبيهة بها، ويبلغ مداها من 300 كيلومتر إلى 500 كيلومتر (187 إلى 312 ميلا). وأضاف: «لديهم عشرات من صواريخ (نودونغ) التي يبلغ مداها 1300 كيلومتر (862 ميلا). وتسود حالة من التهكم في الشارع الأميركي إزاء تهديدات كوريا الشمالية، وعلى الخصوص تهديدات الزعيم كيم جونغ، لكن تقابلها «مخاوف حقيقية» عندما يتعلق الأمر بإيران، حسب مجلة «سليت»، التابعة لمجموعة «واشنطن بوست». وأشارت مجلة «أتلانتيك» إلى أن خطاب تشاك هاغل، وزير الدفاع الأميركي، الشهر الماضي، وكان خطابا رئيسا له بعد أن صار وزيرا للدفاع، كرر كلمة «إيران» أكثر من 170 مرة. بينما لم يذكر «كوريا الشمالية» سوى 10 مرات فقط. وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في مناظرة واحدة، كرر أوباما والمرشح المنافس ميت رومني «إيران» 47 مرة مقابل مرة واحدة لـ«كوريا الشمالية». وأوضح استطلاع أجراه مركز «غالوب» أن أغلبية الأميركيين لا تهتم كثيرا بما يجري في شبه الجزيرة الكورية، وأن هناك أكثر من سبب: أولا: بعد المسافة. ثانيا: الانشغال بالمشكلات الاقتصادية المحلية. ثالثا: السأم من الحروب بعد أكثر من عشر سنوات منها. رابعا، شبه اقتناع بأن كوريا الشمالية مهرجة أكثر منها خطرة. هل نحن على شفير الحرب في شبه الجزيرة الكورية؟ يؤكد مسؤول أميركي كبير في واشنطن: «لسنا على شفير الحرب، أقله في هذه المرحلة.. لا شيء ميدانيا يحمل على توقع عمل عسكري واسع النطاق من جانب بيونغ يانغ». وعلى غرار معظم المراقبين، يشدد سيغفريد هيكر الأستاذ في جامعة ستانفورد على خواء التهديدات النووية، مشككا في الوقت نفسه في قدرات الكوريين الشماليين. وتساءل: «لماذا يتعين عليهم شن هجوم نووي، فيما هم يعرفون تمام المعرفة أن نتيجته هي دمار بلادهم ونهاية النظام؟»، لكنه لا يستبعد خطر حصول تدهور عبر مواجهة محدودة يعمد إليها الزعيم «الشاب والمبتدئ» كيم جونغ أون. يقول الدكتور راجيسواري بيلاي راجاغوبلان، زميل بارز في مؤسسة «أوبسيرف ريسيرش» للأبحاث، بنيودلهي، إن الغرب ينظر إلى كيم جونغ على أنه «شاب عديم الخبرة، لم تختبر قدراته بعد.. حاول كيم إثبات، من خلال السلسلة الأخيرة من التصريحات القاسية لحكومته، أنه ليس بالشخص الذي يشعر بالخوف من تزايد العقوبات»، التي من شأنها أن تزيد من عزلة نظامه وتعرقل كل الجهود التي يعتزم القيام بها لإحياء اقتصاد بلاده المحتضر. في الوقت نفسه، قال عدد كبير من الخبراء الأميركيين إن كوريا الشمالية، على الأرجح، على مسافة سنوات كثيرة حتى تقدر على إتقان التكنولوجيا لتوجيه ضربة في أميركا. لكن قال بعض الخبراء النوويين إن كوريا الشمالية ربما تملك المعرفة اللازمة لإطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية نحو كوريا الجنوبية واليابان. وقال ديفيد أولبرايت، خبير الأسلحة الفتاكة والصواريخ في معهد العلوم والأمن الدولي، إن كوريا الشمالية يمكنها وضع رأس نووي على قذيفة صاروخية لمسافة 800 ميل (ألف كيلومتر تقريبا). لكن، قال سيغفريد هيكر، خبير أميركي في المجال نفسه، إنه غير محتمل أن تفعل كوريا الشمالية ذلك، في الوقت الحاضر على الأقل، وإنه لا يوجد أي شخص، خارج نخبة صغيرة في قمة الحكم هناك، يعرف حقيقة القوة الكورية الشمالية، خاصة القوة النووية والصاروخية. وأيضا، لا يوجد شخص خارج هذه النخبة يمكن أن يحدد، في يقين، مدى التقدم التكنولوجي لكوريا الشمالية. وقال سيغفريد: «لكن يتفق كثيرون على أن كوريا الشمالية تتوقع هجوما مدمرا عليها إذا بادرت واستخدمت هذه الأسلحة». * حقائق عسكرية * حسب تقديرات الجمعية الآسيوية في نيويورك، يتألف الجيش الكوري الشمالي من مليون جندي نظامي، وخمسة ملايين جندي احتياطي، مما يجعله الجيش الخامس عالميا من حيث عدد القوات النظامية. * تملك بيونغ يانغ أربعة آلاف دبابة، وألفي ناقلة جنود، وثمانية آلاف قطعة مدفعية. لكن، يطغى على معظمها القدم. ولا تملك سلاحا بحريا مميزا باستثناء قوات خاصة وقدرة على زرع ألغام في المياه العميقة. * يتكون السلاح الجوي من 820 طائرة مقاتلة معظمها من طراز «ميغ»، و300 طائرة هليكوبتر. وتتمركز أكثر من 50 في المائة من قوات كوريا الشمالية على بعد 100 كيلومتر من المنطقة منزوعة السلاح التي يبلغ عرضها أربعة كيلومترات وطولها 250 كيلومترا. * تقول «هيئة مراقبة الأسلحة» إن لدى بيونغ يانغ القدرة العملانية على إطلاق صاروخ يبلغ مداه 1300 كلم. وتتابع كوريا الشمالية تجاربها لتخطي هذه المسافة. والصاروخان اللذان نشرتهما على ساحلها الشرقي من نوع «موسودان» يبلغ مداهما نظريا ما بين 3000 و4000 كلم، لكن بيونغ يانغ لم تختبرهما قط. * بالنسبة للقوات الأميركية، فهي تجند مليونا ونصف المليون، ويبلغ عدد قوات الاحتياطي مليونا تقريبا. ويملك السلاح الجوي أربعة آلاف طائرة مقاتلة، وأخرى لنقل معدات وجنود، وأكثر من ألفي صاروخ «كروز»، و450 من الصواريخ العابرة للقارات. * يملك سلاح البحرية 278 سفينة، وأكثر من أربعة آلاف طائرة. ويوجد في كوريا الجنوبية أكثر من 28 ألف جندي أميركي. * ما الوسائل العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة؟ حسب مراكز الدراسات، فإنها كبيرة. فبالإضافة إلى 28 ألفا و500 جندي أميركي في كوريا الجنوبية و50 ألفا في اليابان، تنشر واشنطن نحو ستة آلاف في غوام حيث تقيم قاعدة للقاذفات والغواصات، و50 ألفا آخرين في هاواي. وتجوب أكثر من أربعين سفينة للبحرية الأميركية المحيط الهادي باستمرار. * القاعدة البحرية الوحيدة في يوكوسوكا في اليابان هي مرفأ الرسو لحاملة الطائرات «يو إس إس جورج واشنطن» وسبع مدمرات وطرادين. أما حاملة الطائرات «يو إس إس جون ستينس» والسفن المواكبة، فموجودة في الوقت الراهن في سنغافورة، لدى عودتها من مهمة في الخليج.

قالوا

$
0
0
* «غيروا مساركم إن أردتم. ليس من شيم السيدات التراجع». * مارغريت ثاتشر التي تقام مراسم دفنها اليوم تخاطب المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في أكتوبر (تشرين الأول) 1980 * «طلبت من شريكة حياتي أن تشرفني بأن تصبح أرملتي». * ايان بانكس الروائي البريطاني، المصاب بالسرطان والمحتمل أن يتوفى خلال فترة قصيرة، طلب من صديقته الزواج به حتى تصبح أرملته في حالة الوفاة. * «خطاب لا طائل منه، لا يؤدي سوى إلى تصعيد التوتر». * جاي كارني المتحدث باسم الرئاسة الأميركية حول دعوات كوريا الشمالية المقيمين الأجانب في كوريا الجنوبية إلى التفكير في المغادرة * «استحالة استمرار الوضع الحالي وخطورته على كل الأطراف في المنطقة». * وزير الخارجية المصري محمد عمرو يبحث مع روبرت سري مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط التطورات الراهنة في ملف القضية الفلسطينية * «المشهد أعاد لي ذكريات أيام وجودي في العراق». * الكابتن الأميركي جيم اسيانتي حول تفجيرات بوسطن

بطرس الكبير صانع روسيا الحديثة

$
0
0
لا خلاف على أن بطرس الكبير Peter the Great هو من أهم الشخصيات التي غيرت مجرى التاريخ الروسي، فهو القيصر الذي أدت إصلاحاته ورؤيته لتغيير التاريخ الروسي ووضع هذه الدولة على مسار الدول المتقدمة في العائلة الأوروبية، وخلف هذه الأسطورة شخصية متناقضة الطباع، شديدة الهوى، عنيفة المنحي وشديدة البأس، وهي الصفات التي شاركه فيها كثير من الزعامات الروسية عبر التاريخ التي قُدر لهذا الشعب أن يتعامل معها لقرون ممتدة. ولقد ورث بطرس الكبير حكم روسيا وهي في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية قاسية للغاية، فلقد سعى جدوده من قبله أن يوسعوا إقليم «موسكوفي» على حساب بولندا والسويد والقبائل التي تقطن أوكرانيا، وقد استطاع القادة الروس أن يطردوا التتار تدريجيا، وسعوا من أجل توسيع رقعة أراضيهم، ولكن روسيا لم تكن قوة عسكرية تُذكر كما أن اقتصادها كان بدائيا وهشا، فهي دولة كانت تعتمد على الزراعة في الأساس بينما كانت الصناعة مختفية تقريبا من الساحة الاقتصادية في البلاد، وقد نتج عن هذا التخلف الاقتصادي ظروف اجتماعية قاسية للغاية، فلقد استتب الفقر في البلاد ومعه جاء الجهل واللذان أنجبا حالة من العقم الفكري والاجتماعي حيث سيطر النبلاء أو «البويار Boyar» على الأراضي الزراعية ودخلت البلاد في نظام إقطاعي ليس ببعيد عن العبودية للمزارعين الذين أصبح أكثر من نصفهم مملوكين للإقطاعيين بسبب ارتفاع عبء الضرائب عليهم والاستدانة، ويلاحظ أيضا أن الكنيسة لعبت دورا هاما للغاية في الحفاظ على التقاليد المحافظة في البلاد وكانت عنصرا هاما في المعادلة السياسية تدفع نحو إبقاء الوضع على ما هو عليه. لقد ولد بطرس الأكبر من الزوجة الثانية لوالده القيصر «أليكسيس» الأول، وقد تم وضعه مع أخيه في حكم مشترك تحت وصاية أختهما الكبيرة «صوفيا» بعد وفاة أخيه الأكبر، ولم تكن أخته بلا مطامع سياسية مع عشيقها، وقد كان أخوه يعاني من أمراض عضوية كثيرة كما أنه كان يعاني أيضا من خلل عقلي وبالتالي كانت الأعين كلها متجهة نحو بطرس على اعتباره المستقبل السياسي الحقيقي لروسيا. لقد كان بطرس شخصية غير متوازنة لا جسديا ولا نفسيا، فلقد بلغ طوله أكثر من مترين وكانت تقاطيع وجهه تعكس صفات الخشونة، وكان يتحدث باعوجاج في فمه كما أنه كان يعاني من عدم اتساق يديه ورجليه مقارنة بجسده فكانت يداه صغيرتين للغاية مقارنة بجسده العملاق، أما شخصية هذا الرجل فقد كانت فريدة بعض الشيء في تاريخ القياصرة الروس، فلقد كان رجلا عنيفا، حاد المزاج، متقلب الهوى، ولم يكن قادرا على الجلوس إلا لدقائق معدودات يقوم بعدها بالتجول، وكان كثير العمل فلا ينام إلا القليل، ولم يعر الرجل في سلوكه أي اهتمام لتقاليد البلاط الملكي، فبعد فشل زواجه التقليدي تزوج خادمة من لاتفيا، وعلى غير عادة القياصرة فلم يحاول بطرس تعلم الرياضيات واللغات، ولكنه كان مولعا بأمرين هامين أثرا مباشرة على مستقبل روسيا وهما الفنون العسكرية والميكانيكية، كما أن فضوله دفعه لمحاولة فهم الأدوات والمعدات المختلفة وطريقة عملها، وهو ما ولد لديه حب التصنيع مما دفعه مستقبلا لمحاولة تحديث روسيا صناعيا، كما أن شغفه بالملاحة دفعه لبناء بحرية قوية وأسطولا تجاريا كبيرا. بدأ بطرس صراعه مع أخته «صوفيا» من خلال انقلاب في القصر بمساعدة رجال والده الذين رأوا فيه القائد الأقدر على إدارة البلاد والحفاظ على مصالحهم أمام أخته وعشيقها، فدان له حكم البلاد بعد أن نفى أخته عن العاصمة وقضى على طبقة «الاسترلتسي Streltsi» العسكرية والتي كانت تشبه الانكشارية في الدولة العثمانية أو المماليك في مصر بعد محاولتهم القضاء على حكمه، وقد كان بطرس يضمر لهم الشر منذ أن عايش إحدى ثوراتهم وهو صغير وألقوا الرعب في قلبه فقرر التخلص منهم من خلال الإعدامات الجماعية وبدرجة أقل غرف التعذيب، وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرجل قام بقطع رقاب الكثير منهم بيديه على مرأى ومسمع من الجموع الغفيرة. وبالتخلص من هذه المجموعة دانت له البلاد ولكنه بدأ يواجه معارضة شديدة من الداخل، سواء من زوجته أو طبقة النبلاء وبالأخص الكنيسة ورجالها، فلقد كانت أطواره غريبة عليهم جميعا خاصة بعدما سافر في رحلة طويلة متنكرا إلى أوروبا قام خلالها بالعمل في موانئ روتردام بهولندا ليتعلم كيف يبني السفن، وقام بزيارة العلماء والمخترعين في الربوع الأوروبية، وعمل عاملا في إحدى المصانع الصغيرة، كما تعلم من البلاط الملكي في الدول التي زارها المراسم والأزياء الأوروبية الحديثة، فكانت محصلة الرحلة سعي الرجل لتحويل روسيا من دولة زراعية متخلفة إلى دولة صناعية كبرى أسوة بالدول الأوروبية الأخرى بما في ذلك تغيير العادات والتقاليد الروسية، وعند عودته بدأ يضع اللبنة الأولى من أجل تحقيق حلمه الكبير. كانت أولى خطوات بطرس هي وضع اللبنة الأولى للجيش الروسي الحديث وهو نفس ما فعله محمد علي فيما بعد، فبنى الرجل جيشا على الطراز الأوروبي الحديث واستقدم الخبراء العسكريين من سائر الأنحاء الأوروبية كما أدخل الصناعات العسكرية الحديثة للتخديم على مشروع الجيش الوليد، ونظرا لاهتمامه بأن يكون الجيش الروسي وطنيا فقد أدخل نظام التجنيد، وهو بذلك من أوائل الملوك في أوروبا الذين قاموا ببناء جيش وطني نظامي في ذلك الوقت بعيدا عن المرتزقة والفيالق مدفوعة الأجر، وهو ما ساهم أيضا في تغذية الروح الوطنية. كذلك اهتم بطرس بإقامة أسطول بحري قوي من خلال شراء السفن أو بنائها في الموانئ الروسي بمجرد أن استطاع الجيش فتح منافذ بحرية، وتشير التقديرات التاريخية إلى أن البحرية بلغت قرابة خمسين سفينة كبرى وأكثر من ثمانمائة سفينة صغيرة. أما في المجال الاقتصادي فقد أصر الرجل على تطوير البلاد صناعيا من خلال بناء المصانع الحديثة ونشرها في المدن الهامة بالبلاد، كما قام بالعمل على فتح مجالات أوسع للتجارة الخارجية كما سنرى من أجل تنشيط الاقتصاد الداخلي، وعلى الصعيد الاجتماعي قرر بطرس أن يُدخل تغييرات اجتماعية بقوة السلاح فأصر على أن يحلق للرجال لحاهم تشبثا بالغرب وعين حلاقا عند كل قرية ليجبر ذكورها على ذلك ومن اعترض منهم كان مصيره الضرب، كذلك أصر على تغيير الزي القومي في البلاد ليتواكب مع الغرب، فضلا عن إصراره على تحرير المرأة الروسية من خلال منحها الحقوق الأساسية وعلى رأسها الحق في الزواج بمن تختاره، وهي المتغيرات التي وضعته في معارضة شديدة مع تيارات الشعب المختلفة والتي بدأت تنظر له على اعتباره حليف الشيطان وعدو المسيح، وكانت الكنيسة تؤيد هذا التيار خاصة بعدما قرر عدم تعيين بطريرك جديد عام 1700 بعد وفاة الأخير، وأصر على أن تُحكم الكنيسة الروسية بمجمع من الأساقفة يرأسه أحد المعينين من طرفه كخطوة نحو تقليم أظافر الكنيسة. وهكذا بدأ بطرس الكبير يستعد من أجل جعل روسيا قوة أوروبية كبيرة ويضعها على خريطة الدول الكبرى في القارة من خلال سلسلة من المناورات السياسية والعسكرية كما سنرى.

مادورو.. الحارس الجديد لـ«الثورة البوليفارية» مادورو.. الحارس الجديد لـ«الثورة البوليفارية»

$
0
0
منذ إعلان فوز نيكولاس مادورو، (50 عاما)، بمنصب رئيس فنزويلا منذ يومين، وهناك نقاشات دائرة في الأوساط السياسية في بلاده وخارجها، بشأن ما إذا كان هذا النقابي وسائق الحافلة السابق، يستطيع أن يقود هذا البلد الغني بالنفط والثروات الطبيعية، ويواجه التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعقدة، أم سيفضل الحياة في جلباب هوغو شافيز، والإصرار على تطبيق أفكاره وسياساته دون تغيير. وتمددت النقاشات والتساؤلات إلى الأوساط السياسية العالمية، فيما إذا في الإمكان النظر إلى الانتخابات في فنزويلا باعتبارها فصلا جديدا، يعيد بوصلة العلاقات مع المجتمع الدولي والغربي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، إلى وضعها الطبيعي، من خلال السعي لعلاقات أفضل. والسؤال الأكثر أهمية الذي يدور حاليا أيضا.. هو من هذا الرئيس الجديد الذي يكتنف الغموض جوانب كثيرة من حياته. ما أفكاره؟ وخبراته السياسية؟ لكن أكثر المحللين السياسيين، يعتبرون نيكولاس مادورو الذي يقدم نفسه على أنه «الابن» الروحي لزعيم اليسار الراديكالي هوغو شافيز، لا يملك قوة شخصية، وخطاب سلفه، ويعتقد البعض أنه ما كان سيصبح رئيسا للبلاد، لولا وصية شافيز خلال مرضه بجعله خليفة له. وقد كانت كافية لينتخب رئيسا لهذا البلد النفطي الغني. وكان مادورو يأمل تحقيق نتائج أفضل من تلك التي سجلها سلفه في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) عندما فاز شافيز بأكثر من 55% من الأصوات، لكنه حصل على 50.66% من الأصوات مقابل 49.07% لخصمه الحاكم أنريكي كابريليس. وقد فسر مادورو هذا الفوز الضعيف بأنه «عملية دولية لضرب الديمقراطية في فنزويلا»، وألقي باللوم على المؤامرات الخارجية، لكنه قال إن انتخابه يعني أن شافيز لم يقهر ولا يزال ينتصر في المعارك. ويعتقد خبراء سياسيون ومراقبون أن هذا الفوز الهش، ربما يعد مقدمة مثيرة للقلاقل في ولاية مادورو الأولى في السنوات الستة المقبلة، وربما يهدد مستقبل الشافيزية (نسبة إلى شافيز) بعد وفاة مؤسسها، كما يضع شعبية الحزب الاشتراكي في وضع ضعيف. لكن الحارس الجديد لـ«الثورة البوليفارية» وضامن وحدة المؤمنين بمبادئ شافيز، يؤكد باستمرار وفاءه للرئيس السابق. وقد كشف خلال الحملة الانتخابية القصيرة عن أسلوب خاص به يطغى عليه الجانب الروحي، خصوصا عندما قال إنه رأى شافيز مجسدا بعصفور صغير. ويتندر الفنزويليون على افتقاد مادورو للكاريزما التي تمتع بها شافيز، ويسخرون من تعليقاته الغريبة في بعض الأحيان، ومنها تصريحاته بأن روح شافيز زارته واتخذت شكل عصفور. وقد استغل رسامو الكاريكاتير ذلك، ورسموا مادورو على شكل طائر «تويتر»، وأطلقوا صورا من لعبة الفيديو الشهيرة (عصافير غاضبة) ليسخروا منه. ويواجه رئيس فنزويلا الجديد تحديات كثيرة، سيكون أولها ضرورة فرض سيطرته على البلاد، ومواجهة الانقسامات داخل الحزب الاشتراكي الحاكم، حتى يستطيع معالجة المشاكل المزمنة، مثل معدلات التضخم العالية التي تصل إلى 20%، ومعدلات الجريمة المرتفعة (خاصة في جرائم القتل والخطف)، والفساد المستشري، والبنية التحتية المتهالكة، واعتماد اقتصاد الدولة على تصدير النفط كمصدر رئيس للدخل بعد تأميم مئات الشركات الخاصة في فنزويلا، مما يجعل القطاع غير النفطي غير منتج ويعاني نقص الاستثمارات. ويخشى المراقبون اقتراب فنزويلا من حافة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي مع اضطراب حياة المواطنين لنقص السلع الغذائية والاستهلاكية وسوء إدارة البرامج الاجتماعية. ولا يزال التكهن بسياسات مادورو ضربا من التخمين من قبل المتخصصين بشؤون الدول الشيوعية، الذين يحاولون قراءة ما بين السطور وما وراء خطب المديح لقائده الراحل. وقد يتفق ذلك مع حقيقة أن مادورو لعب الغيتار فترة مع فرقة لموسيقى الروك تعرف باسم «أنيجما» أو اللغز. وتبقى العلامة الأكثر بروزا في مادورو هي شاربه الشهير، الذي أقدم أنصاره، من الرجال والنساء على السواء، على تقليده، بوضع رغوة سوداء فوق شفاهم العليا، ووصفوا الشارب بأنه «شارب أرض الآباء». ولا يعرف الكثير عن حياة مادورو قبل انضمامه إلى شافيز، حين ظهر ذلك الضابط، وكان حينها برتبة ليفتنانت كولونيل، على الساحة السياسية في فنزويلا بانقلاب فاشل. وما يعرف عنه أنه كان يشغل منصب وزير الخارجية في البلاد منذ عام 2006، ثم عينه شافيز نائبا للرئيس في أعقاب فوزه في الانتخابات الرئاسية في السابع من أكتوبر الماضي. ولا يعرف الشيء الكثير عن حياة هذا الرجل الخاصة، إلا أنه يشاطرها مع سيسيليا فلوريس المدعية العامة للجمهورية. وقد تولى في الماضي لفترة وجيزة رئاسة الجمعية الوطنية (البرلمان) (2005 - 2006) بعد انتخابه للمرة الأولى نائبا عام 1999 تحت راية حركة الجمهورية الخامسة التي أسسها شافيز مع وصوله إلى السلطة في العام نفسه. والتقى الرجلان سابقا في إطار الحركة الثورية البوليفارية التي أنشأها شافيز كذلك، ونفذ على رأسها محاولة انقلابه الفاشلة على الرئيس كارلوس أندريس فيريز عام 2002. وقال شافيز عند تعيينه نائبا للرئيس: «انظروا إلى أين وصل نيكولاس، سائق الحافلة نيكولاس. كان سائق حافلة، كم كانوا يسخرون منه». ومنذ بدأ شافيز رحلاته المتكررة للعلاج في كوبا، كان مادورو من زواره المثابرين. وعند عودة الرئيس من زيارة طبية إلى هافانا، كان نيكولاس مادورو إلى جانبه على درج الطائرة، على ما نقل التلفزيون المحلي. كما بات هذا المسؤول، الذي ينتمي إلى الجناح المعتدل في تيار شافيز، مألوفا في اللقاءات الدولية منذ حل محل الرئيس المريض عدة مرات في اجتماعات وقمم مختلفة. ويركز محللون على نبرة المصالحة التي يعتمدها وقدرته الواسعة على التفاوض والتأثير على مختلف توجهات تيار شافيز. ويقول المحلل السياسي ريكاردو سوكري إنه «لا يثير ضجيجا.. ويبدو أنه مستعد للحوار». وتابع الأستاذ في جامعة فنزويلا المركزية: «إنه أيضا خيار (الزعيمين الكوبيين فيدل وراؤول) كاسترو» حليفي الرئيس شافيز. وشددت المؤرخة مرغريتا لوبيز مايا، من جهتها، على «إخلاص.. أفضل متحدث» دولي باسم شافيز، الذي تبنى بالكامل خطابه «ضد الإمبريالية» ودعمه للأنظمة المثيرة للجدل على غرار إيران وليبيا (أيام القذافي) وسوريا. ولا يبدو في واشنطن تفاؤل كبير بأن يقود الرئيس الجديد فنزويلا إلى علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، فتصريحات مادورو خلال الشهور الماضية فقط، حملت قدرا كبيرا من الهجوم على أميركا. وقد ألقى مادورو باللوم على الولايات المتحدة في وفاه شافيز وقال إن شافيز قتل بمؤامرة أميركية. وخلال حملته الانتخابية، اتهم مادورو الولايات المتحدة بالقيام بالتآمر مع النقابات العمالية المعارضة، وهدد بالإعلان عن أدلة لمؤامرة ترعاها الولايات المتحدة لزعزعة استقرار البلاد. وخلال عمله وزيرا للخارجية، وصف مادورو وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، في قمة إقليمية عام 2007، بأنها منافقة، ووصف معتقل غوانتانامو بأنه يمارس فيه فظائع لم ترتكب منذ عهد هتلر. وقد افتعل مادورو مشكلة دبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد وفاه شافيز مباشرة، وقام بطرد دبلوماسيين أميركيين بعد أن اتهمهم بتسميم شافيز والتسبب في موته. وردت الولايات المتحدة بطرد دبلوماسيين فنزويليين، وقللت من اتهامات مادورو ووصفتها بالسخيفة. هذا النهج الميلودرامي فسره البعض بأن مادورو يريد الظهر بمظهر السياسي القوي أمام الناخبين، فالصورة المعروفة عن مادورو هو هذا الرجل صاحب الشارب الكث والبنية القوية والمقرب من شافيز. وقد أثبتت نتائج الانتخابات وفقدان الحزب الحاكم لآلاف الأصوات (التي كسبها شافيز بسهولة قبل ستة أشهر في الانتخابات الرئاسية السابقة) أن مادورو بحاجة للكثير من العمل ليثبت أنه يمكن أن يكون زعيما وصانع سياسات. وقد دعمت واشنطن فكرة إعادة الفرز ومراجعة نتائج الانتخابات، وقال جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض: «النتائج جاءت متقاربة جدا بينه (مادورو) ومرشح المعارضة، وعلى الأقل عضو واحد من المجلس الانتخابي دعا إلى المراجعة، وهي من وجهة نظرنا خطوة مهمة وضرورية يجب القيام بها». وقال باتريك فنتريل، المتحدث باسم الخارجية الأميركية: «إن إعادة فرز الأصوات خطوة مهمة، ومن الحكمة القيام بها لضمان أن جميع الفنزويليين على ثقة بالنتائج». لكن، من الرئيس الجديد لفنزويلا، وما أفكاره وسياساته وخبرته السابقة وأبرز إنجازاته؟ الكثير من التقارير الصحافية تحدثت عن بدايات مادورو المتواضعة كسائق للحافلات في العاصمة كاراكاس، وهناك أخبار بأنه لم يكمل تعليمه الثانوي، لكنه اكتسب خبرة كبيرة في عمله التفاوضي بالاتحادات العمالية واكتسب مهارات قد يحتاجها كرئيس. العائق الرئيس الذي يقف أمام كادورو، هو أنه يفتقد كاريزما هوغو شافيز، فهو شخص لا يسحرك بحماسته وخطبه الحادة مثل شافيز، بل تجده أقرب إلى شخص عادي تقابله كل يوم بالحافلة. تكوين مادورو النفسي والثقافي والسياسي لا يرجح أنه سينظر نظرة أكثر اعتدالا للولايات المتحدة، فهو يدعو للاشتراكية بإيمان كبير، وله علاقات وثيقة بكوبا، حيث تدرب على تنظيم الاتحادات العمالية في شبابه، وهو صديق قديم لكاسترو. وعندما تولى منصب وزير الخارجية، كان له دور فعال في تعزيز العلاقات مع دول مثل إيران وسوريا، والتوسط في محادثات السلام في كولومبيا بقدراته التفاوضية. ويتفاءل خافيير كوراليس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمهرست في ولاية ماساتشوستس، برئيس فنزويلا الجديد ويقول: «إنه يحافظ على صورة الرجل الاجتماعي الودود للشعب، وهو أحد الشخصيات القوية في الحزب الاشتراكي الموحد، ويمتلك قدرات تفاوضية عالية ودعما شعبيا قويا. والوقت الذي أمضاه وزيرا للخارجية قد أصقل قدراته الدبلوماسية، وكان له نجاح واضح في التحول الإيجابي في العلاقات بين فنزويلا وكولومبيا». ويضيف كوراليس: «على الرغم من أنه يحاول اعتماد نهج مماثل لنهج شافيز، فإنني أعتقد أنه سيكون رئيسا ميالا لتحقيق التوافق أكثر من شافيز، وسيعمل على الحفاظ على وحدة ائتلافية مع المعارضة، كما سيحافظ على علاقات قوية مع الجيش الذي أيده وسانده خلال الانتخابات». ويشير أستاذ العلاقات السياسية إلى تقارير تتحدث عن ميل مادورو إلى الوسطية وتفكيره في إزالة بعض القيود الاقتصادية والتقارب مع واشنطن. وفي المقابل، يرى مارك أيزيروت، المحلل بمركز بحوث السياسة الاقتصادية بواشنطن، أن المشاكل الاقتصادية التي تواجه فنزويلا ورئيسها الجديد ستضع البلاد في حالة من الطوارئ، خاصة أن وكالات التصنيف الائتماني تضع فنزويلا ضمن الدول الأعلى في مخاطر الدين العام في أميركا اللاتينية. وإذا كان لدى الرئيس الفنزويلي الجديد بعض الميل إلى إصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة، فإن شرعيته المتأرجحة والفارق الضئيل الذي فاز به في الانتخابات، سيجعلانه يتردد في الإقدام على هذه الخطوة وفقدان أنصاره القليلين من الاشتراكيين. وحول أفكاره وتوجهاته الآيديولوجية، يقول البروفسور رامون بيناجو، بجامعة فنزويلا، إن لمادورو توجها آيديولوجيا قويا قريبا من الفكر الاشتراكي، وهو يعتزم استرجاع الإصلاحات التي وضعها شافيز والتواصل مع جناح اليمين ودعاة القومية. ويقول جيمس روبرتس، الباحث بمركز الدراسات التجارية والاقتصادية الدولية بواشنطن: «إن انتصار مادورو الضعيف سيدفعه إلى اتباع سياسات أكثر اعتدالا، وسيسعى لطلب المساعدة من الولايات المتحدة لاستعادة الاستقرار في فنزويلا ومحاربة الجريمة. ولذا، يتعين على إدارة الرئيس أوباما والكونغرس الأميركي استغلال هذا الانفتاح والسعي لتحويل فنزويلا من دولة اشتراكية تعتمد على تصدير النفط إلى دولة ترتكز على الحرية الاقتصادية». ويؤكد روبرتس انهيار الاقتصاد في فنزويلا ويقول: «عندما تولي شافيز السلطة في عام 1999 سجلت فنزويلا 54 نقطة من مائة في قائمة (وول ستريت) للحرية الاقتصادية، واليوم بعد 14 عاما من حكم شافيز، فإن فنزويلا تسجل 36 نقطة من مائة في الحرية الاقتصادية؛ أي بانخفاض يقترب من 20 نقطة. وتأتي فنزويلا ضمن الدول الأكثر معاناة من القهر في العالم في عام 2013. وتعاني نقصا حادا في الغذاء وعجزا ماليا يصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وانتشار الفساد. وقد وضع المنتدى الاقتصادي العالمي فنزويلا ضمن البلدان المعادية للاستثمار الخاص الأجنبي المباشر. ورغم الثورة النفطية الهائلة لدى فنزويلا، فإن معدلات النمو الاقتصادي ضعيفة». وحول سياسة الولايات المتحدة تجاه حكومة الرئيس الفنزويلي الجديد نيكولاس مادورو، يقول الباحث الأميركي أن على الإدارة الأميركية أن تسعى لعودة فنزويلا إلى النظام العالمي، ويقول: «على الرغم من أن وفاة شافيز قد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، فإن فنزويلا في حاجة إلى إصلاحات فورية وهي تستغرق وقتا وجهدا كبيرين، وقبل ذلك إرادة وعزيمة من الإصلاحيين في فنزويلا». بينما توقع رودريغو باردو، وزير خارجية كولومبيا الأسبق، أن يحافظ مادورو على السير على خطى شافيز لمدة ستة أعوام هي فترة ولايته. ويضيف باردو: «سيحافظ مادورو على السير على نفس خطى شافيز، فلا خيار له غير الحفاظ على الدور الذي تلعبه فنزويلا في أميركا اللاتينية، وفي الساحة الدولية. * محطات في حياة مادورو * تشير المعلومات القليلة المتوافرة عن الرئيس الفنزويلي الجديد أنه ولد في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1962 في عائلة يسارية، وكان أبوه أحد قادة الاتحادات العمالية، وقد بدأ حياته السياسية رئيسا لاتحاد الطلبة في مدرسة خوسيه أفالوس الثانوية بمدينة الفالا على مشارف العاصمة كاراكاس. وتظهر السجلات أنه لم يتخرج في المدرسة الثانوية، وانضم إلى الحزب الاشتراكي وعمل سائقا للحافلات في شركة مترو كاراكاس، واتبع نفس الخطوات التي قام بها والده، حيث أسس أول نقابة للعمال في شركة الحافلات. * خلال بداية التسعينات، أصبح مادورو عضوا في جماعة حركة الجمهورية الخامسة، وهي الجناح المدني لحركة التمرد العسكري التي قادها شافيز، وقاد مادورو حملة لإطلاق سراح شافيز من سجنه بعد فشل الانقلاب الذي قاده في عام 1992. * تعرف مادورو على الكثير من أعضاء حركة أنصار شافيز، وساعد شافيز في خوض الانتخابات الرئاسية عام 1992. في ذلك الوقت، تعرف مادورو على زوجته سيليا فلوريس المحامية البارزة، عندما كانت عضوا في الفريق القانوني الذي تولى الدفاع عن شافيز حتى تم الإفراج عنه عام 1994، وهي تشغل الآن منصب النائب العام. * بعد صعود شافيز إلى السلطة عام 1998، أخد مادورو خطوات سريعة وثابتة في حياته السياسية، ففي عام 1999 كان ضمن الفريق الذي صاغ الدستور الجديد ثم عمل نائبا في «الجمعية الوطنية» حتى عام 2000، ثم انتقل إلى رئاسة السلطة التشريعية. * في عام 2006، عين شافيز صديقه مادورو في منصب وزير الخارجية، و ظل به لمدة ست سنوات. وخلال العام الماضي ظهر اسمه كنائب للرئيس شافيز عندما سافر شافيز الي كوبا لإجراء عملية لاستئصال السرطان. وهو الذي خرج ليعلن نبأ وفاه شافيز وترأس الجنازة.

من يطفئ نيران «الإنقاذ»؟ من يطفئ نيران «الإنقاذ»؟

$
0
0
ظن القيادي الإسلامي السوداني المخضرم غازي صلاح الدين العتباني أن ظل الحركة الإسلامية هو ظله.. فتحدث عن رئيس جديد، ووصف عزوف الرئيس عمر البشير عن الترشح لدورة رئاسية جديدة «تحصيل حاصل»، لأن دستور 2005 حدد للرئيس دورتين، وقد أكملهما، وبالتالي لا يصح ترشحه مرة أخرى. ولأن العتباني يعرف «التقية» ويجيدها، فقد حاول إيجاد مخرج لما صرح به، وقال متراجعا بالإمكان تعديل الدستور، فلم يحاوره ولم يحاسبه على قوله أحد، لكنه وجد نفسه يغادر منصبه كرئيس للهيئة البرلمانية لنواب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حزب الرئيس البشير، لأنه تجرأ على «تأييد» الرئيس في إعلانه التخلي عن الحكم، وحاول إيجاد سند دستوري يقطع الطريق أمام رجعة محتملة عن ذلك الإعلان. قصة العتباني تكشف للناس كم هي معقدة قضية تداول السلطة داخل الحزب الحاكم، ناهيك عن تداولها مع آخر! بدأت الحكاية ولم تنته، بتأكيد الرئيس البشير في حوار مع صحيفة خليجية مجددا، رغبته في التنحي عام 2015، وتحول الأمر لكرة ثلج تزيد حجما كلما اقترب العد العكسي من نهايته، فأعيد كتابة سؤال الرئيس البديل والنظام البديل. يقول معارضو حكم الرئيس البشير، إن أزمة النظام هيكلية، أزمة اقتصادية مستفحلة بسبب انفصال جنوب السودان، وذهاب النسبة الغالبة من عائدات النفظ جنوبا، وزادها سوء طريقة التعامل السياسي في إدارة العلاقة مع جنوب السودان، وأدى إيقاف جنوب السودان لتصدير نفطه لأكثر من عام، إلى تراجع سعر العملة الوطنية الجنيه من (2.7) إلى (7.3) جنيه مقابل الدولار الأميركي، وعاش الناس ضائقة معيشية حادة، بسبب ارتفاع أسعار السلع، وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين مع ثبات الدخول، وانتشرت البطالة الماحقة. سياسيا، فشلت الحكومة في إدارة العلاقة مع الجنوب، بل وصلت بها حافة الحرب، ولولا الأزمة الاقتصادية الخانقة، وضغوط المجتمع الدولي وقرار الأمم المتحدة رقم 2046، لما وصل الطرفان إلى تسوية الحادي عشر من مارس (آذار) الماضي في أديس أبابا. عسكريا، فإن النظام فشل في حل مشكلة دارفور سلميا، وفشل في مواجهة الحركات المسلحة، وواظب على سياسة قديمة اتبعها مع الجنوب «فرق تسد»، فأدت لانفصاله، فهل يا ترى يسوق دارفور لذات المصير؟ سياسة تقوم على استمالة جناح متمرد ومنشق عن حركة مسلحة لا أثر لها على الأرض، أو الاتفاق مع فصيل مسلح ونقض الاتفاق معه، كما حدث لاتفاقية أبوجا عام 2006، مع حركة تحرير السودان جناح مني أركو، التي عادت للتمرد مرة أخرى. ومثل اتفاقيات الدوحة مع أجنحة منشقة من حركة العدل والمساواة، أو صناعة حركة مثل التحرير والعدالة بقيادة تجاني السيسي، لتوقع على اتفاق سلام تعطى بموجبه سلطة وصولجانا. ميدانيا، زاد نشاط الحركات المسلحة الدارفورية، وأصبحت تهدد المدن الكبرى في الولاية المضطربة، وصارت مدينة «نيالا» حاضرة جنوب دارفور تعيش هلعا يوميا، فقوات التمرد لا تبعد عنها أكثر من 25 كيلومترا، فيما تخوض الحركات المسلحة المتمردة، عمليات شبه يومية ضد القوات الحكومية، وتزعم أنها تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وينفي النظام كالعادة، ثم يعلن تحرير المناطق التي أنكر سقوطها بادئ الأمر. وانفلت عقال حلفاء الحكومة من الميليشيات القبلية «الجنجويد»، ولم يعودوا خاضعين لأحد، وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن المعارك القبلية التي دارت في دارفور مؤخرا، أطرافها هؤلاء المسلحون، وأن السلاح الحكومي والسيارات والآليات الحكومية تقاتل مع طرفي المعركة. وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث ولدت الحرب السودان بين القوات الحكومية، وقوات الجيش الشعبي قطاع الشمال بمجرد انفصال، وحولت المنطقة إلى «مأساة إنسانية كبرى»، ونزوح مئات الآلاف من سكانها، وسيطر التمرد على المناطق خارج المدن، وبقاء المدن الكبيرة وحدها بيد الحكومة، وصعوبة التحرك خارج المدن دون حراسة لمسافات لا تتجاوز أحيانا العشرين كيلومترا مغامرة كبرى. وبلغت الحرب ذروتها بطلب قوات الجيش الشعبي - الشمال الأخير من سكان مدينة «كادوقلي» كبرى مدن الولاية مغادرتها، لأنها تنوي الهجوم عليها. سياسيا بلغت الأزمة السياسية بين الحكومة والمعارضة ذروتها، وبلغ عدم الثقة مداه الأقصى، لدرجة أن القوى السياسية المعارضة تعاملت مع دعوة النائب الأول للرئيس، والرئيس نفسه للحوار، باعتبارها مناورة جديدة تريد الحكومة بها كسب بعض الوقت. ويؤيد ما قامت به السلطات مذهب المعارضة، فتم إطلاق عدد محدود من المعتقلين السياسيين، وتراجع وضع الحريات في البلاد، وحدثت انتهاكات جديدة لحرية الصحافة، بلغت حد أن جهاز الأمن أوقف رئيس تحرير إحدى الصحف عن العمل رغم أنفه. بل ودخلت الأزمة «حوش» الحزب الحاكم نفسه، وبرز بشكل لافت الصراع بين صقور الحزب وحمائمه، فور إعلان الرئيس البشير رغبته في التنحي. وخرج إلى السطح معسكران متصارعان داخل الحزب الحاكم، أحدهما تقوده من خلف ستار شخصية من القصر الرئاسي، والآخر يقف خلفه أحد الصقور الجارحة، يسعى كلاهما لحكم السودان. وتقول هذه المصادر، إن أيدي الصقر الإنقاذي ظلت تعمل منذ وقت طويل في تهيئة الأجواء، فهي التي أبعدت رئيس جهاز المخابرات السابق صلاح قوش من منصبيه، وأبعدت القيادي الإسلامي غازي العتباني، وتعمل بكل جد للقضاء على ما تبقى من منافسين، واستخدمت ملفات الفساد بقوة بين التيارين لتصفية الحسابات. ونشطت تيارات إصلاحية وشبابية داخل الحزب، ورفعت صوتا جهيرا مطالبا بالإصلاح، مثل «تيار الإصلاح» في الحزب الحاكم، ومجموعة المجاهدين السابقين «سائحون»، وتنادي بالتغيير الشامل وتقترب مما تنادي به المعارضة السياسية والمسلحة. ويجلس العسكريون في الكرسي الثالث من الصراع، فالمعسكر الذي يقف فيه «أصدقاء الرئيس»، وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، ووزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح، لن يسكت على محاولات الطرفين للاستئثار بالسلطة. ويعيش الجيش صراعه الخاص، فالضباط الذين تمت محاكمتهم بتدبير محاولة انقلابية، بقيادة العميد محمد إبراهيم عبد الجليل «ود إبراهيم»، يمثلون تيارا مؤثرا داخل الجيش يرى أن قيادة الجيش مسؤولة عن ما يحدث في الجيش والبلاد ويدعون لتغييرها. وقدم زهاء (700) ضابط مذكرة تطالب بإصلاح الأوضاع في الجيش عرفت بمذكرة الجيش الثانية، مذكرة الجيش الأولى قدمت في فترة حكم الصادق المهدي، وكان من نتائجها أن جاء انقلاب عمر البشير، ومحاولة النظام إنكارها بادئ الأمر، ثم اضطر للاعتراف بها على استحياء في وقت لاحق. وداخل «الحركة الإسلامية» فإن أصوات الشقاق تسمع من أماكن بعيدة، بلغ علوها ذروته أيام «المؤتمر العام» الذي عقد قبل أشهر، وخرجت بعده تصريحات غاضبة عن «سرقة الحركة» من عضويتها. * إطفاء نيران وطن * «خلفت ثورات الربيع العربي كثيرا من الخراب والدمار في البنى التحتية وأحدثت خسائر بشرية لافته، والمواطن السوداني لن يلجأ لخيارات لا يمكن التكهن بنتائجها». بهذه النظرة استهل الأستاذ بجامعة الخرطوم د. فتح العليم عبد الله حديثه لـ«الشرق الأوسط»، متوقعا وصول الأطراف السودانية لمصالحة وطنية، لأن الدولة تسعى لتجنب تفتيت ودمار الوطن، ولمنع عودة البلاد قرونا إلى الوراء. ويعتقد عبد الله أنه لا خيار إلا الجدية في الوصول لمصالحة لتجنب ما يحيق بالبلاد، ويرى في المصالحة طريقا وحيدا لإطفاء نيران الوطن، ويقول: «تقوم الحرب من أجل السلام، ولا يقوم السلام من أجل الحرب». حدد مساعد الأمين العام للعلاقات الخارجية بحزب الأمة السفير نجيب الخير، عدة عوامل تساعد على «التغيير السلس»، فاستحكام عزلة النظام خارجيا، وخروج قضايا الحرب والسلام من يده، وسوء علاقته بالغرب، لا يترك مجالا أمامه سوى العودة للشعب. ويلعب العجز عن إيقاف الحروب المستعرة في ثلاثة أقاليم دورا مهما في تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية، ويضع البلاد على فوهة بركان، لا مخرج منه غير «الحل الاستباقي». كما تلعب العزلة الاقتصادية، دورا ضاغطا باتجاه الحل السلس، فالحكومة بلا علاقات مع مؤسسات التمويل الدولية والأميركية، ما يجعلها خارج «الاقتصاد العالمي»، وتثقلها 42 مليار دولار دين خارجي، لم تستطع اقتسامها مع الجنوب، ولم تنجح في إلغائها وشطبها. ويوضح أنها فقدت البترول المصدر الرئيسي للعائدات، وتبقت لها عائدات عبوره وحدها، وأن الاتفاق مع دولة الجنوب لا يقوم على أسس راسخة، لأن المشكلات التي أدت إلى الحرب بين الشمال والجنوب لا تزال قائمة، وبالتالي فانهياره وارد، وأن الاتفاق مع قطاع الشمال لن يتم دون التسوية الكلية والشاملة للقضايا العالقة بين الشمال والجنوب، تلك القضايا المفترض حلها قبل تقرير المصير. ويشترط الأخير الاتفاق على الإطار المرجعي للحوار، وتحديد قضاياه، وأهما قضية «الشرعية»، والموقف منها، فالمؤتمر الوطني يفهما بأنها «سياسة الأمر الواقع»، فيما تفهما المعارضة بمعنى «التفويض الشعبي». ويوضح أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يريد حوارا باعتباره حزبا حاكما، فيما تراه المعارضة يقوم على المساواة، يتم من خلاله تحديد مفاهيم التحول الديمقراطي، وقوانين الانتخابات ودوائرها، ومفوضيتها، وألا يستخدم سلطان الدولة في كسبها. بشأن الحوار على الدستور، فإن الخير يرى أن الدستور عبارة عن مدونة للحقوق والواجبات، وبالتالي فإن الحديث عن دستور في الوقت الذي يفقد فيه المواطن إلى الحق الأساسي «حق الحياة» في مناطق الحروب، فإن أي حوار حول الدستور يصبح بلا معنى. ويضيف: «حال تنحي الرئيس، فمن المنطقي تنحي كل الطاقم الذي جاء معه، ليبدأ الناس بداية جديدة، وبآلية توافقية وترتيبات انتقالية، تفضي إلى وضع دستور دائم». * النظام يتداعى يقول إبراهيم السنوسي نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي الذي يقوده حسن الترابي، إن النظام يتداعى، وإن التنافس الحاد، والغلاء والفوضى الأمنية، ترجح حدوث تغيير على طريقة ثورات بلدان الربيع العربي، ولا يستبعد حدوث تفلتات أمنية وفوضى أثناء وبعد الثورة. ويضع «انقلاب القصر» واحدا من الفرضيات القائمة، بسبب الخلافات داخل النظام، ويقول: «نحن نرفض انقلاب القصر لكن إمكان حدوثه ليس بعيدا». ولا يستبعد اجتياح قوات «الجبهة الثورية» للخرطوم، ويعتبره أمرا يتخوف منه البعض الناس لما قد يحدثه من خسائر. وحول «الانتقال السلس» يرى السنوسي أن رئيس النظام وحده يستطيع إطلاق سراح المعتقلين، والحريات الصحافية، وكفالة حرية التعبير، وحق إقامة الندوات والتظاهر، بما يوفر مناخ الحرية اللازم للحوار. وللدخول في حوار يدعو السنوسي إلى إلغاء قانون الأمن باعتباره سيفا مسلطا على رقاب الجميع، وإلى عدم تجاهل الحوار لحملة السلاح، ولأن النظام لم يفعل شيئا من هذا، فإن الإسلامي المخضرم يرى في الدعوة للحوار «بالونة اختبار». * سيلان الدماء استبعد الأكاديمي والناشط في المجتمع المدني د. الباقر العفيف «سيناريو الانتقال السلمي الحضاري» تماما، وقال إن إصلاح الحكومة ذاتيا «غير واقعي»، لأن النافذين في الحكومة ليس لديهم استعداد لقبول بعضهم البعض، ناهيك عن الآخر، وأن بعضهم مقتنع إما أن يكونوا في الحكم أو تحت الأرض، لذا سيواجهون أي هبة شعبية بعنف شديد، ما يرجح احتمال حدوث تغيير «عنيف جدا»، تواجه فيه الحكومة الغضب الشعبي بعنف تسيل جراه دماء كثيرة. ولا يعتبر العفيف دعوة الرئيس للحوار جادة استنادا على تجربة النظام مع الاتفاقات والدعوات، بما في ذلك اتفاقية نيفاشا التي انتهت بكارثة. وأن النظام يحتفظ بالكثير من المساجين السياسيين، ويمنع المجتمع المدني من ممارسة عمله، ويتحكم في الإعلام، وهي مؤشرات على عدم جديته، وبالتالي فإن دعوته للحوار مجرد تكتيك اعتادت الحكومة على لعبه للضغط أو خلق علاقات عامة تكسبها بعض الدعم الدولي. * تجديد البيت الحاكم * يقول القيادي الإسلامي غازي صلاح الدين العتباني: «المجتمعات التي ترهن نفسها للأشخاص غير خليقة بأن تحمل رسالة من أي نوع»، ويرى في اختيار قيادة الأمة عملية تجديدية حيوية، باعتبارها جهدا تربويا وتنويريا عظيما تتدافع في سياقه الآراء والمواقف والبرامج، إزاء كل قضايا الحياة السياسية وغيرها. ويدعو العتباني الذي أبعد من وظيفته كرئيس للهيئة البرلمانية لنواب الحزب الحاكم في البرلمان إلى تجديد القيادة، وإجراء عملية تنقية وتنخيل من بين مواهب الأمة ممن يملكون مقومات القيادة، خصوصا بين أجيالها الصاعدة. ويضيف العتباني في مقالة الذي نشرته مواقع إلكترونية، أن المشكلة ليست في الرئيس ونياته الصائبة، لكن في بعض من يجرون حسابات خاصة دون نظر إلى مصلحة عامة ودون اكتراث لنصوص القانون. * رائحة الشواء * ومن خصائص البيت الحاكم ينظر الكاتب والمحلل السياسي خالد التجاني النور إلى مدى جدية التوجه الحكومي نحو الحوار الشامل، وما تضمنه خطاب الرئيس عمر البشير أمام البرلمان بإطلاق سراح المعتقلين، وعلامة الاستفهام الكبيرة التي خلفها حول دوافع وحسابات الفريق الحاكم. ويقول التجاني في مقاله المنشور في «الأسافير»، إن الإعلان الرئاسي بإطلاق سراح المعتقلين شكل دخانا كثيفا حجب الرؤية عن موقف كان ينتظر أن يأتي بخطوات أكثر تقدما تدفع عجلة الحوار الوطني للدوران والوفاء بمتطلباته. ويرى النور أن هناك ثمة «فيتو» في دوائر البيت الحاكم ضد إطلاق حوار وطني بمواصفات حقيقية وجدية، ويضيف: «سرعان ما انقلبت الأمور باتجاه معركة كسر عظم للسيطرة على مقاليد الأمور داخل البيت الحاكم، وبدا الصراع المكتوم بين الأطراف المتنافسة داخل «المؤتمر الوطني» يأخذ شكل تصفية حسابات تارة باسم خلافة البشير، وتارة باسم محاربة الفساد في توظيف صراعي واضح، وتارة باسم توحيد التعبير الإعلامي عن مواقف الحزب. ويحدد النور سيناريوهات ثلاثة للتغيير تتضمن قبول قادة الإنقاذ لمقترحات النائب الأول علي عثمان محمد طه للخروج من الأزمة الوطنية، بالانخراط في حوار وطني شامل، أو استمرار الاحتقان الحالي بدفع من المتشددين داخل النظام الذين يرفضون رؤية المخاطر المحدقة بالبلاد، ويصرون على الأساليب القديمة لتطيل بقائهم في السلطة، وهو ما يقود لإعادة إنتاج السيناريو السوري في السودان، أو استمرار «توازن الضعف» بين أطراف المعادلة السودانية الذي قد يقود لتآكل وتفتت بطئ للبلاد، وهو قد يفضي إلى تدخل خارجي يفرض تصوراته لتسوية الأزمة السودانية. ويشم التجاني رائحة طبخة خارجية من مطابخ دبلوماسية غربية في الخرطوم، تزعم أن البشير لن يترشح مرة أخرى، وأنه فقط يبحث عن ضمان لتسوية ملف المحكمة الجنائية الدولية، وأن أكثر من عاصمة تريد غمس يدها ودس أنفها في الحالة السودانية. * توازن الضعف * كل الاحتمالات واردة، بعض أطراف المعارضة تدعو النظام لتفكيك نفسه، فيما يقف رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي وحيدا يدعو إلى «كودسا سودانية»، بينما يريد النظام احتواءها، يتسع الرفض الشعبي، والحركات الشبابية، «شرارة، التغيير الآن، قرفنا، حركات الطلاب»، تدعو لانتفاضة شعبية تسقط النظام، لكن الجميع يقفون عند المسافة نفسها من تحقيق أهدافهم، «توازن الضعف. * الربيع السوداني عمره 50 عاما * يطلقون عليها في السودان «الدورة الخبيثة».. انتفاضة شعبية تسقط نظاما ديكتاتوريا عسكريا، يعقبها انقلاب يعيد الديكتاتورية من جديد. هكذا يراوح التاريخ السياسي السوداني المعاصر مكانه، فيما تتراجع البلاد عشرات السنين إلى الوراء. عرف السودان الثورات الشعبية قبل ثورات الربيع العربي بنصف قرن، ففي الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1964 ثار الشعب السوداني وخرج في مظاهرات شعبية عارمة، وأسقطوا حكم الرئيس الفريق إبراهيم عبود. خرج الجميع في مظاهرات تطالب بالحرية، وانحاز خلالها الجيش للشعب، وتنحى الرئيس عبود سلميا. عقب سقوط «الديكتاتورية الأولى» قامت انتخابات حرة ونزيهة تمخضت عنها حكومة منتخبة ديمقراطيا استمرت تحكم لخمس سنوات، لكن صوت المارش العسكري أعاد البلاد مرة أخرى ل«الديكتاتورية»، وجاء انقلاب الرئيس جعفر النميري الذي استمر في الحكم أكثر من 16 عاما. لكن السودانيين عادوا وأسقطوا ديكتاتورية النميري بانتفاضة شعبية وعصيان مدني في السادس من أبريل (نيسان) عام 1985، وانحاز الجيش للمرة الثانية للشعب، وتكونت حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، أعقبتها انتخابات أتت بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا. تكرر السيناريو مرة أخرى ودقت موسيقى الجيش معلنة انقلاب الرئيس عمر البشير المدعوم من الإسلاميين في الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، وظل يحكم البلاد منذ ذلك الزمان. الآن وفي مرحلة الربيع العربي تتشكل في رحم السودان ملامح ثورة جديدة، يرى المراقبون أنها ستكون مختلفة، تنهي «الدورة الخبيثة» وتضع البلاد أمام مرحلة جديدة، كيف ستكون هذه الثورة، سلمية، عنيفة، ربيع سوري، أم ليبي، أم يمني، أم مصري، هي الخيارات الماثلة، لكن السودانيين يرون أن في تجربتهم ما يغنيهم عن تجارب مستوردة.

بطرس الكبير وبناء الدولة الروسية الحديثة

$
0
0
تابعنا في مقال الأسبوع الماضي نشأة القيصر بطرس الأكبر، وكيف أنه استطاع خلال السنوات الأولى من حكمه أن يبسط نفوذه على مقاليد الحكم، وكيف أنه بدأ يدخل الإصلاحات الجديدة لكي يضع روسيا على خريطة القوى الكبرى في القارة الأوروبية، وبمجرد أن بدأ يطمئن للظروف المحيطة به وتأمين جبهته الداخلية بنفي أخته، وسارع بإدخال الإصلاحات الإدارية في البلاد فقام بتقسيم روسيا إلى محافظات على رأس كل واحدة منها محافظ يتم تعيينه من موسكو ويساعده في إدارة المحافظة مجلس من النبلاء، كما قام بتنظيم الدواوين الداخلية بإقامة وزارات على نفس النمط الأوروبي ووضع عليها رجالا أكفاء لإدارتها. ولقد بدأ بطرس مشروعه الخارجي فكانت أولى العقبات التي واجهت الرجل حالة العزلة الجغرافية التي أحاطت ببلاده، فهي لم تمتلك موانئ بحرية يمكن أن تربطها بالعالم الخارجي، وهو ما أدى إلى عدم قدرتها على التواصل تجاريا أو ثقافيا مع أوروبا كما كان يهدف، فضلا عن أن الطرق البرية كانت وعرة وغير صالحة للاستخدام لمدة أشهر طويلة في السنة بسبب البرد القارس إضافة إلى أنها كانت تمر ببولندا والتي كانت في حالة عداء شبه مستمر مع روسيا، وتكالب كل هذه العوامل دفع بطرس الأكبر للاتجاه غربا لإيجاد المنفذ البحري على بحر البلطيق، تماما مثلما فعل بالاستيلاء على ميناء أزووف في البحر الأسود من الدولة العثمانية بهدف إيجاد منفذ بحري جنوبي يضمن طرق التجارة لبلاده. أما على الصعيد الدولي فلقد كانت روسيا تعاني من تعالي السويد والتي استطاعت خلال حكم الملك «جوستافوس أدلوفوس» أن تصبح القوة المهيمنة على شمال القارة الأوروبية بفضل جيشها القوى والذي لم يستطع أحد مواجهته خاصة أثناء «حرب الثلاثين عاما»، وبالتالي كان الصدام مع السويد أمرا حتميا حتى يمكن لبطرس أن يجد المنفذ البحري المطلوب، ولكنه لم يرد أن يكون وحيدا في هذا الصراع فعقد تحالفا مع الدنمارك وبولندا لمهاجمة السويد وكسر هذا المارد مستغلا حداثة سن الملك الشاب «شارل الثاني عشر» بعدما تولى مقاليد الحكم، ولكن على عكس كل التوقعات فإن الملك الشاب كان مولعا بالعلوم العسكرية وسرعان ما قام بتجهيز جيشه وقاد حملة عسكرية سريعة إلى الدنمارك فاحتل عاصمتها وفرض عليها صلحا مذلا، ثم استدار لمواجهة بطرس وجيشه والذي سعى بكل الوسائل للسلم معه وتفادي الحرب بعدما رأى هزيمة الدنمارك، ولكن الملك الشاب تجاهل كل شيء وقاد جيشه وهزم الجيش الروسي الوليد هزيمة ساحقة في معركة نارفا عام 1700 خسرت روسيا بسببها أراضي كثيرة ومعها كبرياءها، ومع ذلك لم يدخل اليأس قلب القصير الروسي إذ إنه سرعان ما بدأ يعيد بناء جيشه بشكل أكثر تنظيما متعلما من دروس الهزيمة، واعتمد في ذلك على المستشارين الأوروبيين لبناء الجيش الروسي الحديث حيث منحهم بطرس الأكبر تسهيلات كثيرة بما في ذلك الجنسية الروسية، وقام بتزويد هذا الجيش بالمعدات الحديثة التي بدأت صناعته تنتجها، واستطاع خلال فترة وجيزة أن يجمع جيشه فبدأ يستعد للجولة الثانية مع الجيش السويدي، وبالفعل اندلعت الحرب وأصر الملك السويدي أن يلقن بطرس درسا عسكريا جديدا، ولكن الرجل كان قد تعلم من هزيمته السابقة ولجأ لاستخدام سياسة الأرض المحروقة حيث أصر على استدراج الجيش السويدي إلى موسكو تدريجيا وتركه فريسة للثلوج والجوع حتى استطاع أن يرهقه ثم واجهه في معركة بوتافا الشهيرة حيث استطاع أن يهزم الجيش هزيمة نكراء، وتشير المصادر التاريخية إلى أن آلاف الجنود السويديين ماتوا بينما استسلم باقي الجيش، وهو ما دفع الملك شارل الثاني عشر للفرار واللجوء لبلاط الدولة العثمانية ليقيم تحالفا جديدا ضد بطرس، وقد استمر الملك في منفاه إلى أن عاد لبلاده مرة أخرى ولكنه لقي حتفه في معركة بالنرويج، وبهزيمته انكسرت شوكة السويد واضطرت للتصالح مع روسيا بشروط مذلة في اتفاقية «نيشتاد Nystad» حيث استولت الأخيرة على أراض كثيرة من دول البلطيق وهو ما منح روسيا أخيرا المنفذ البحري الذي كانت تطمع فيه ليفتح لها منفذا للتعاون مع أوروبا. أما على الصعيد الجنوبي فإن القصة كانت مختلفة تماما، فجهوده لفتح منفذ بحري جديد على حساب الدولة العثمانية باءت بالفشل حيث وجد نفسه محاصرا من القوات العثمانية بسبب اندفاعه العسكري وهو ما اضطره لتسليم ميناء أزوف بالبحر مقابل الهروب من الهزيمة المحققة. وهكذا استطاع بطرس الكبير أن يحقق لروسيا الكثير من خلال سياسته العسكرية والخارجية، وتشير الإحصائيات إلى أن الرجل استطاع أن يزيد رقعة بلاده من 2.1 مليون ميل مربع إلى 5.9 مليون وجعلها القوة الإقليمية المهيمنة في الشمال الأوروبي بدلا من السويد، وهو الموقع الذي لم تفقده روسيا حتى في أحلك الظروف السياسية. أما على الصعيد الداخلي، فلقد كان بطرس الكبير هو مؤسس روسيا الحديثة، فهو الذي اتخذ الخطوات الجريئة والقوية لوضع بلاده كقوة صناعية وليدة، كما أنه قاد الحملة القوية التي أدخلت روسيا ضمن القوى الأوروبية وفتح جسور العلم والتعليم في بلاده، كما أنه بنى عاصمته الجديدة في مدينة سان بطرسبورغ حيث أصر على أن تكون العاصمة الجديدة بعيدة عن القوى الروسية التقليدية وليسمح لنفسه بنسج فكر سياسي واجتماعي جديد في هذا المدينة بعيدا عن مراكز الجذب المحافظة التقليدية، ومع ذلك فإن القدر لم يمهله كثيرا حيث مات الرجل عن عمر لم يتخط الرابعة والخمسين، ولكنه ترك روسيا دولة مختلفة، دولة على أعتاب التقدم فاستطاعت خلال فترة وجيزة أن تصبح من أهم القوى الدولية. حقيقة الأمر أن الجدل حول بطرس يظل محتدما، وأغلبية الآراء رغم التحفظات التي أبدتها على وسائله إلا أنها ترى أن الرجل استطاع بالفعل أن يقود روسيا إلى عالم أفضل ما كان من السهل أن تصل إليه في ظل الظروف الاجتماعية والثقافية المتردية وحالة التخلف الحضاري والفكري والعلمي، فلقد استخدم الرجل سياسة الصدمات ولكن الثمن كان باهظا، كما أن طريقته كان قاسية للغاية، بل إن الثابت تاريخيا أن الرجل عذب ابنه عذابا شديدا لأنه كان يعتقد أنه يتآمر مع أمه ضده، وأيا كان حكم التاريخ على بطرس الكبير، إلا أن الثابت والذي لا مجال للشك فيه هو أن هذا الرجل كانت له رؤية سياسية وقدرة حقيقية على تنفيذها، مما جعله مؤسس روسيا الحديثة. * كاتب مصري

ويليام ألكسندر.. الملك المقبل ويليام ألكسندر.. الملك المقبل

$
0
0
«شرف كبير لي أن أكون في خدمة الشعب الهولندي» بهذه العبارة ابتدر الأمير ويليام ألكسندر ابن ملكة هولندا تعليقه أمام وسائل الإعلام، بعد دقائق من إعلان الملكة بياتريكس في فبراير (شباط) الماضي عن نيتها التنازل عن العرش لابنها. وهو الحدث الذي ينتظره الهولنديون، والمرتقب في 30 أبريل (نيسان) الجاري. وأعلنت الملكة بياتريكس ملكة هولندا في فبراير الماضي في كلمة بثها التلفزيون العمومي عن تخليها عن العرش لصالح نجلها الأكبر الأمير ويليام. وقالت «بياتريكس» التي توجت ملكة في 30 أبريل 1980 أن عام 2013، يوافق الذكرى الـ200 للملكية الهولندية. وقالت الملكة إن ابنها أصبح جاهزا للجلوس على العرش، في كلمة لتطمين الهولنديين. وإنه لن يكون هناك يوم عيد للملكة في هولندا، وإنما سيصبح عيد الملك، وسيكون يوم السابع والعشرين من أبريل كل عام وهو عيد ميلاد الأمير ويليام الذي ولد في اليوم نفسه عام 1967. وصدر طابع بريدي هولندي جديد يتضمن بشكل مؤقت صورة الملكة بياتريكس وابنها ويليام ألكسندر ولي الذي سيصبح بعد 3 أيام 46 عاما. وبعد أن يصبح الأخير ملكا للبلاد سيحمل طابع البريد صورته فقط، وستصبح الأميرة أماليا، 9 سنوات، الابنة الكبرى للأمير ويليام الوريث الشرعي للعرش، وأول من يحمل لقب «ولية عهد» في تاريخ هولندا، وذلك تنفيذا للتعديلات التي أدخلت على الدستور الهولندي عام 1983 التي نصت على السماح للفتيات بتولي هذا المنصب، حتى لو كان لها شقيق أصغر منها. وكان الدستور يحظر ذلك في الماضي. ولدى الأمير ويليام ثلاث بنات مما يعنى أن العرش سيعود للنساء بعد جيل واحد. والأمير ويليام هو أكبر أبناء الملكة بياتريكس وزوجها الأمير كلاوس، تعلم في المدرسة الثانوية البروتستانتية في مدينة لاهاي وبعدها أدى الخدمة العسكرية في البحرية الملكية الهولندية من أغسطس (آب) 1985 إلى يناير (كانون الثاني) 1987 وبعدها انضم إلى جامعة لايدن الهولندية ودرس التاريخ وحصل على الشهادة الأكاديمية. وتقول وسائل الإعلام الهولندية إن الأمير ويليام حصل على لقب «الأمير بيلس» أثناء فترة الدراسة بسبب حماسه الزائد الذي أظهره كطالب في مجال التحصيل العلمي وفي هذه المرحلة كان الأمير يردد أنه لا يوجد لديه رغبة قوية في أن يصبح ملكا. وكان ينظر إلى الأمير في شبابه على أنه شاب طائش غير قادر على تولي مهام الملكية قبل أن يكتسب تدريجيا شرعية لدى الشعب الهولندي. وقبل أيام قليلة من تولية العرش، قال في تصريحات «لست مولعا بالبروتوكول ولا يعنيني بما سيخاطبني الناس سواء بالملك ويليام ألكسندر أو أي تسمية أخرى، ويمكن أن يخاطبوني بالطريقة التي يرغبون فيها والتي تكون سهلة بالنسبة لهم، وسواء نادوني أنا أو زوجتي ماكسيما بأي لقب سواء ملك أو أمير، لا يفرق الأمر معنا كثيرا». وسيحمل ويليام بعد تولية العرش لقب جلالة الملك وزوجته ماكسيما ستحمل لقب جلالة الملكة بينما ستحمل إلام بياتريكس لقب صاحبة السمو الملكي الأميرة بياتريكس. ويقول دورين هرمانس الذي يكتب سيرة العائلة المالكة في تعليق على هذا الأمر إن «الملكة بياتريكس كانت تفضل مناداتها بجلالة الملكة، أما تصريحات الأمير وزوجته فإنها تدل على هبوب رياح جديدة»، وأشار إلى أن الملكة الأم جوليانا، والدة بياتريكس كانت تسمح بمخاطبتها باستخدام كلمة السيدة جوليانا. ويعتبر الأمير ويليام، وهو طيار حاصل على شهادة في التاريخ وخبير في إدارة المياه وحماية البيئة وعضو في اللجنة الوطنية الأولمبية، أكثر تقدمية وقربا من الناس من والدته التي أدخلت مع ذلك الحداثة إلى القصر الملكي من خلال عرض زياراتها الرسمية للخارج في مدونة على الإنترنت. ويقول الباحث في شؤون الأقليات في هولندا نور الدين العمراني، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمير كان شديد الإعجاب بالبرامج التكوينية التي تخلق فرص عمل للشباب بمن فيهم المغاربة والأتراك كما زار وزوجته كلا من المغرب وتركيا، مرات كثيرة، بهدف تحفيز الهولنديين من أصول مغربية وتركية على الاستثمار في مشاريع تكوينية تقدم فرص عمل للشباب. لكن الأمير وزوجته كانا يثيران الجدل من حين لآخر، ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، 2009 اضطر إلى بيع منزله الصيفي في منتجع راق على شواطئ موزمبيق تحت ضغط رأي عام رافض، بسبب الفقر الشديد الذي يعيشه هذا البلد الأفريقي. ويقول الكثير من المراقبين في هولندا إن زواج الأمير، من ماكسيما ثوريغيتا، التي تصغره بأربعة أعوام، (أرجنتينية من أصل إسباني) عام 2002، كان عن علاقة حب وقعت في أبريل 1999 حينما التقاها الأمير في حفل بإشبيلية. وفي أغسطس من العام نفسه استضافها مع أسرتها في عطلة نهاية الأسبوع، وكتبت بعدها الصحف الهولندية عن توقعاتها بوجود علاقة بينهما وأنهما ربما يتزوجان. وأثارت الصحف وقتها معلومات عن والدها، وأنه كان وزيرا للزراعة في عهد الديكتاتور الأرجنتيني الأسبق خورخي فيديلا، الذي اختفى خلاله آلاف الناس عن الأنظار في السجون وغيرها، كما أن الصحف اكتشفت أيضا إن والديها كانا يساندان الديكتاتور بشكل علني. وحدثت احتجاجات بهولندا على زواج وريث العرش بهذه الفتاة كون أن الشك كان يدور حول إن والدها على الأقل كان يعلم بالإعدامات التي ارتكبت أثناء وجوده في السلطة. ومن خلال بحث سري قامت به هولندا برئاسة رئيس الوزراء اتضح فيه أن والدها كان على علم بالإعدامات لكنه لم يشترك شخصيا في ذلك، ولذلك تقرر منعه من حضور مراسم الزواج. وفي يوم عيد ميلادها الثلاثين في 17 مايو (أيار) 2001 منحت ماكسيما الجنسية الهولندية، بعد قرار من البيت الملكي كي تتمكن من الزواج به، وتصبح عضوة في العائلة المالكة. وفي يوليو (تموز) من نفس العام منحه البرلمان الموافقة على الزواج بها، وتم الزواج في 2 فبراير 2002. وبينما كان زواج الأمير ويليام، سلسا، ومر دون عقبات كثير، كان زواج شقيقه الأصغر، الأمير يوهان فريزو، 43 عاما، كارثيا، حيث تم زواجه بـ«ميبل ويس سميث» في عام 2004 دون الحصول على أذن من الحكومة أو البرلمان الهولندي، الأمر الذي أفقده حقه في أن يدرج ضمن التراتبية الخاصة بوراثة العرش الهولندي. ولا يحسب الأمير فريزو رسميا ضمن البيت الملكي، لكنه يعتبر فردا من الأسرة المالكة. واضطر للتخلي من لقب الوريث الثاني لعرش هولندا قائلا إنه سيتزوج الفتاة التي يحبها رغم عدم حصوله على موافقة الحكومة على ذلك. وقال يان بيتر بالكنده رئيس وزراء هولندا وقتها إنه لا يستطيع تأييد هذا الزواج بعد أن اعترف الأمير يوهان وخطيبته ميبل ويس سميث وكلاهما عمره 35 عاما وقتها بأن علاقة ميبل سميث بأحد المجرمين كانت أعمق مما ذكرته هي أصلا. ويقضي القانون الهولندي بضرورة أن يحصل أفراد العائلة المالكة الذين يطمحون في اعتلاء العرش على إذن من الحكومة والبرلمان بالزواج لأن مجلس الوزراء سيتحمل المسؤولية عن أعمالهم. وفي رسالة إلى رئيس الوزراء، قال الأمير يوهان إنه قرر الزواج بويس سميث متخليا عن حقه في عرش البلاد. وبعد شهرين من خطبتهما، أصدرت ويس سميث بيانا قالت فيه إنها تعرفت على المجرم كلاس برينسما لبضعة أشهر عندما كانت طالبة وإنها انفصلت عنه عندما علمت «بالأعمال التي يقوم بها». ولكن علاقتها ببرينسما الذي قتل بالرصاص في صراع بين عصابات عام 1991، عادت إلى الأضواء، عندما قال أحد حراسه الشخصيين السابقين إن الاثنين كانت تربطهما علاقة حب. وعقب إعلان الملكة بياتريكس نيتها التخلي عن العرش لابنها الأكبر ويليام ألكسندر جاءت ردود الأفعال من اليمين إلى اليسار تحمل كلمات دافئة وتتباهى بالطريقة النموذجية لكيفية انتقال قيادة الدولة بعد فترة من الوفاء في الالتزامات. وقال حزب الحرية الذي يقوده اليميني المتشدد خيرت فيلدرز، إن الملكة عملت 33 عاما في خدمة الشعب الهولندي وتعتبر مثالا عظيما للكثيرين، من جانبه تعهد رئيس الوزراء الهولندي مارك روتا بأن يكون الاحتفال بتولي الأمير ويليام لعرش هولندا، تاريخيا لا ينسى ووصف الملكة بأنها أيقونة هولندا وأنها أصبحت رمزا وشدد على ثقته بقدرة وجاهزية ملك المستقبل ويليام ألكسندر وزوجته ماكسيما، على القيادة. وارتفع سعر الإعلان لمدة نصف دقيقة في وسائل الإعلام الهولندية، في يوم الاحتفال بتنازل الملكة بياتريكس عن العرش الهولندي إلى ابنها ولي العهد، إلى 45 ألف يورو، حسب مؤسسات الإعلان الهولندية. وقالت هذه المصادر إن لحظة تسليم الملكة العصا لابنها كإشارة عن تسلم العرش، ستكون أغلى لحظة إعلانية في وسائل الإعلام وتتراوح ما بين 35 إلى 45 ألف يورو. وذكرت وكالة الأنباء الهولندية نقلا عن متحدثة باسم إحدى شركات الإعلان (شركة «ستار») قولها «إنها لحظة تاريخية، وهي من اللحظات القليلة التي يمكن أن يراها المواطن في حياته، وسيكون الأمر من خلال بث حي وليس من خلال أخبار في نشرة وبالتالي سيزداد عدد المشاهدين، مما يشكل فرصة كبيرة للمعلنين». ومن المقرر أن تنتقل الملكة بياتريكس للعيش في منزل سبق أن اشترته في عام 1963 بمدينة أوترخت، وقضت فيه عدة سنوات وظهرت منه لأول مرة ومعها كلاوس، الذي أصبح فيما بعد زوجها. ولم يكن معروفا للعامة في ذلك الوقت. ومنذ جلوسها على العرش، أظهرت الملكة بياتريكس انخراطا في الحياة العامة بهولندا خلافا للنموذج البعيد عن الأضواء الذي اتبعته والدتها جوليانا. كما أنها اختارت خصوصا تحويل قصر لاهاي المدينة التي تحتضن مقري الحكومة والبرلمان، «قصر عمل» حيث اعتادت على استقبال وزراء وسفراء وممثلين عن المجتمع المدني. وكان مشهد تنازل الملكة الأم جوليانا لابنتها بياتريكس قبل ثلاثة عقود شاهده 7 ملايين شخص. وبعد توقيع الملكة في قصر أمستردام على التنازل عن العرش، سيخرج الملك الجديد وزوجته من شرفة القصر لتحية الجماهير، ثم يقام احتفال رسمي، وبعدها سيتراجع ثمن الإعلان ليصل إلى 20 ألف يورو، لكل نصف دقيقة ومع مرور الوقت وخلال ساعات المساء سينخفض الثمن ليصل إلى 7 آلاف يورو. وستقوم محطة «إن إو إس» الهولندية بتصوير الحفل ونقله إلى وسائل الإعلام الأخرى. وقد حظرت سلطات بلدية أمستردام تصوير المناسبة، وسيطبق حظرا على استخدام الكاميرات المتحركة أو ما يطلق عليها الكاميرات الطائرة، فوق ميدان «الدام» المواجه للقصر الملكي، ومن يخالف ذلك سيتعرض لعقوبة الحبس لمدة ستة أشهر، والغرامة المالية لما يقرب من 8 آلاف يورو ومصادرة الكاميرا، حسب ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية. كما أعلنت بلدية أمستردام أنه خلال الأيام الثلاثة ابتداء من 30 أبريل وحتى الأول من مايو سيطبق الحظر على تحليق الطائرات الصغيرة التي يتم التحكم فيها عن بعد أو التي تستغل للتصوير وذلك لتفادي مثل هذه الطائرات في تنفيذ أي عملية هجومية خلال الاحتفال. كما سينتشر عدد من القناصة فوق أسطح المباني القريبة من مكان الاحتفال لمراقبة هذا الأمر. وسيكون هناك عشرة آلاف جندي موزعون في عدة أماكن بالعاصمة أمستردام حسب ما ذكر ابرهارد فاندرلان عمدة أمستردام خلال اجتماع لمجلس المدينة وأكد على العمل المشترك بين البلدية والشرطة بنسبة 100%. وتقول جانبت نمور، في إذاعة هولندا العالمية «لن تشهد شوارع أمستردام في 30 أبريل 2013 أعمال الشغب مثل تلك التي شهدتها في نفس اليوم من عام 1980. ولن يتعرض الابن لما تعرضت له والدته بياتريكس في حفل تتويجها ملكة على هولندا. الجو العام الذي جاءت به بياتريكس إلى العرش كان أكثر صعوبة ومختلفا عن الجو الذي ستتنحى فيه عن العرش». ولقيت المقابلة التلفزيونية التي أجراها التلفزيون الهولندي مع ولي العهد وزوجته مؤخرا حفاوة واسعة، وقُدر عدد المشاهدين بما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون. وتحدث خلالها ملك المستقبل بكل ثقة وارتياح عن دوره وأهميته حتى ولو كان مقتصرا على المراسم الاحتفالية. وقال «إذا قرر مجلس النواب أن يكون دوري كملك محصورا فقط بالمراسم الاحتفالية والرسمية، سأوقع بكل بساطة على هذا القانون. حتى ولو اقتصر عملي على قص الشرائط الاحتفالية، سيحمل هذا الدور مضمونا كبيرا». وأثارت هذه المقابلة الكثير من التعليقات وردود الفعل المرحبة والسعيدة بالزوجين الملكيين، خاصة على شبكة الإنترنت، وعلق أحدهم بالقول «كان ويليام ألكسندر في المقابلة حيويا وناضجا وجادا ومرحا.. لقد استمتعت بالاستماع إليه. كانت مقابلة جيدة.. من الواضح أن هذا الرجل ينضج ويصبح قوة واضحة.. وهو ما أدهشني ولم أكن أتوقعه». وقال آخر «أناس رائعون ومقابلة جيدة.. لقد تحققت أمنيتي.. ويليام وماكسيما يتحدثان باسترخاء وبمضمون جيد». وأضاف «رأيت ملكا أمامي يتحدث بثقة وهدوء». لكن هذه المقابلة حركت من جديد الجدل نفسه الذي يدور من وقت لآخر بين المغردين الهولنديين وعلى صفحات «فيس بوك». تقول الصحافية الهولندية «يمكن تلخيصه على الشكل التالي: الأعباء المالية التي تترتب على الخزينة الهولندية هي الحجة الأبرز للمطالبين بإلغاء هذه المراسم، فيما يقول المدافعون إن هذا البيت كان وما زال رمزا لوحدة البلاد.. ولا يعنينا أبدا كم تكلف هذه الإجراءات». ويقول الصحافي الهولندي ستيفنن دي يونغ إن الإيمان أو المعتقد الوحيد المتبقي لدينا.. في 30 أبريل هو أننا سنحتفل ليس فقط بانتقال التاج ولكن سنظهر هولندا بأبهى حلتها. ويضيف «العالم كله سيرى كم نحن سعداء بالزوجين الملكيين، وسنرقص في الشوارع فرحا». * مراسم التسليم والتسلم * بعد توقيع الملكة في قصر أمستردام على التنازل عن العرش في 30 ابريل الحالي، سيخرج الملك الجديد وزوجته من شرفة القصر لتحية الجماهير، ثم يقام احتفال رسمي. * حظرت سلطات بلدية أمستردام تصوير المناسبة، وسيطبق حظر على استخدام الكاميرات المتحركة أو ما يطلق عليها الكاميرات الطائرة، فوق ميدان «الدام» المواجه للقصر الملكي * سيطبق حظر تحليق الطائرات الصغيرة التي يتم التحكم فيها عن بعد أو التي تستغل للتصوير وذلك لتفادي مثل هذه الطائرات في تنفيذ أي عملية هجومية خلال الاحتفال * كما سينتشر عدد من القناصة فوق أسطح المباني القريبة من مكان الاحتفال لمراقبة هذا الأمر * سيكون هناك عشرة آلاف جندي موزعون في عدة أماكن بالعاصمة أمستردام * ارتفعت شعبية الملك الجديد قبل أيام من تنصيبه * 45 ألف يورو ثمن الإعلان لنصف دقيقة خلال وقت الاحتفال وشركات الإعلان تقول إنها لحظة تاريخية

قالوا

$
0
0
* «ليست لطيفة». * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يصف تصريحات وطلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بخصوص إرجاء زيارته المقررة لقطاع غزة.. وقال أردوغان إنه سيتخذ القرار النهائي لتوقيت الزيارة بعد اجتماع مقرر مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن * «الاستقالة نهائية ولا رجعة عنها». * وزير التربية العراقي محمد علي تميم يقدم استقالته من الحكومة احتجاجا على مقتل وإصابة العشرات خلال اقتحام قوات الأمن ساحة اعتصام مناهض لرئيس الوزراء بمحافظة كركوك * «غزو ألماني». * زعيم حزب «حركة 5 نجوم» الإيطالي المعارض بيبي جريلو أمس الثلاثاء يقول إن بلاده تحتاج إلى احتلال ألماني يساعد في جعل الساسة أكثر أمانة وكفاءة * «أشكركم على دعمكم لي.. عليكم أن تقولوا للجميع إنني لست حرة». * ليو شيا زوجة المعارض الصيني السجين الحائز جائزة نوبل ليو شياوبو بعد أن سمحت لها السلطات الصينية بحضور محاكمة شقيقها المتهم بالاختلاس.. في رحلة نادرة خارج منزلها في بكين حيث تقضي عقوبة الإقامة جبرية * «نرى جميعا أن الأوضاع تسوء في سوريا.. ولا يمكننا تجاهل مخاطر العواقب الإقليمية المحتملة لذلك على أمن الحلف». * الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) آندريه فوغ راسموسن محذرا من عواقب محتملة للنزاع في سوريا على الشرق الأوسط بأكمله

مصر وإيران.. علاقة مرتبكة مصر وإيران.. علاقة مرتبكة

$
0
0
قضية السياحة الإيرانية لمصر فجرت نقطة خلافية بين البلدين تتعلق بمزارات الشيعة. وبدأت مصر دعوتها للسياح الإيرانيين لزيارتها بالقول إن هؤلاء السياح سيفرض عليهم خط سير محدد لا يتضمن زيارة المساجد ومراقد آل البيت التي يفضل معتنقو المذهب الشيعي زيارتها، كما يحدث في عدد من المدن العراقية. لكن مسؤولين إيرانيين ردوا قائلين إن زيارات الإيرانيين ستكون مفتوحة ومن دون أي شروط مسبقة، وإن سياحة الإيرانيين لن تقتصر على الشواطئ والمواقع الأثرية الفرعونية، بل ستشمل كل ما يريد الإيرانيون زيارته، بما في ذلك مساجد آل البيت المنتشرة في القاهرة وعدد من مدن الصعيد. وقبل السيطرة على هذا الخلاف المبكر حول تحديد أماكن السياح الإيرانيين، كانت هناك قضايا خلافية أخرى ممتدة على مدى عقود. العلاقات المصرية - الإيرانية، المقطوعة منذ أكثر من ثلاثين عاما، ما زالت «محلك سر»، وتواجه عراقيل تحول دون عودتها حتى الآن، رغم مرور أكثر من عامين على سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي اعتبرته طهران لعقود خصمها اللدود. وبدا في الشهرين الأخيرين أن هناك «تقاربا إخوانيا» تجاه إيران تقابله «معارضة سلفية» شديدة، مما جعل مشهد علاقة مصر وإيران «مرتبكا»، لكن مصادر في الحكومة المصرية تقول إن تحسين العلاقات يسير إلى الأمام، لكنه ببطء «لأن الأمر يتعلق بالرأي العام الداخلي والحسابات الإقليمية والدولية». وزاد عدد الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين المصريين والإيرانيين، بين القاهرة وطهران منذ صيف العام الماضي، إلا أن عودة العلاقات ظلت متعثرة. ولم تكتمل خطة حكومية بالقاهرة لجلب السياح الإيرانيين إلى مصر، وما يمكن أن يتبع ذلك من تعاون اقتصادي، لكن التيار السلفي المصري، الذي دعم فوز الرئيس الحالي محمد مرسي، يرفض أي تقارب مع إيران، محذرا في الوقت نفسه من أطماع طهران في التمدد الشيعي، ومن مواقفها المساندة للرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه مؤسسة الأزهر أمام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حين زار مصر مطلع العام الحالي. يقول الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة عين شمس المصرية، إن العلاقات بين البلدين مرهونة بثلاثة ملفات رئيسة.. الملف الأول القضية السورية، والثاني يخص علاقات مصر مع الغرب، والثالث يتعلق بالداخل المصري. ويضيف الدكتور لاشين عن الملف الأول قائلا: «نعرف أن النظام المصري الآن يعلن دعمه للثورة السورية والفصائل الإسلامية المسلحة في الثورة السورية، وفي المقابل هناك الدعم الذي تقدمه إيران للرئيس الأسد، وهنا توجد منافسة بين مصر وإيران في الملف السوري، وأعتقد أنه سيكون عقبة في طريق العلاقة بين البلدين». أما الملف الثاني الذي يمكن أن يكون من عوامل الأزمة في العلاقات المصرية - الإيرانية أيضا، كما يوضح الدكتور لاشين، فهو «العلاقات المصرية - الأميركية - الإسرائيلية»، قائلا: «أعتقد أن رؤية الإيرانيين لهذه العلاقة ستكون بمثابة عائق كبير جدا في عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، خاصة أن أميركا وإسرائيل تعارضان ذلك، ولا أعتقد أن النظام المصري يريد أن يفسد علاقته مع الغرب». وبالنسبة للملف الثالث، فيزيد الدكتور لاشين موضحا أنه «يتعلق بالداخل المصري، وهو أمر ذو حساسية ولا يرحب بأي تقارب بين مصر وإيران». ويضيف أن عودة العلاقات بين البلدين «لن تجد ترحيبا من التيار السلفي الذي دعم وصول تيار الإخوان المسلمين للحكم.. من الصعب جدا أن يقبل هذا التيار بعودة العلاقات بين مصر (السنية) وإيران الشيعية»، مشيرا مع ذلك إلى أن النظام الحالي له فواتيره التي ينبغي له أن يسددها، مثل مساندة السلفيين للرئيس مرسي في الوصول إلى الحكم، وما لهذا الأمر من تأثير على الموقف المتردد تجاه التقارب مع إيران. ويرى الدكتور لاشين أن الزيارات المتبادلة بين مصر وإيران «لا تزيد على كونها محاولات في مجال تحسين العلاقات». ويوضح: «لا ننكر أن العلاقات بين (الإخوان) وإيران قديمة منذ الثورة الإيرانية سنة 1979. وبينهما اتفاق آيديولوجي، لكن هذا لا يمنع من أن هناك بعض العلاقات التي تتم من وراء الستار وليست ظاهرة بشكل يمكن تأسيس نظرية عليه». وتحدث الرئيس مرسي مؤخرا عن أن العلاقة مع إيران لا تمثل مشكلة بالنسبة لبلاده، وقال حين سئل في مقابلة تلفزيونية حول التقارب بين مصر وإيران، وهل هي رسالة إلى دول الخليج: «إنه يتعجب من تلك الأحاديث، فدول الخليج وغيرها لديها تمثيل بشكل أو بآخر مع إيران، وبالتالي أين الرسالة في التقارب بين إيران ومصر»، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يوجب القلق من هذا التقارب. ويرى أيضا أن تعامل بلاده مع إيران أو غيرها «ليس موجها ضد أي جهة، وإنما لتحقيق مصلحة مصر»، قائلا حول دور إيران في الأزمة السورية، إنه طلب من إيران أن تكون جزءا من حل الأزمة السورية والعمل على وقف نزيف الدم، محملا كل الأطراف مسؤولية ما يدور في سوريا. لكن حلفاء مرسي من التيار السلفي الذي عضده في انتخابات الرئاسة يرى العكس. ويقول بسام الزرقا، المستشار السابق لمرسي، إن شروط التيار السلفي لعودة السياحة الإيرانية لمصر، هي أن تتوقف طهران عن مشاركتها في قتل السوريين من خلال دعمها لنظام الرئيس السوري، وأن تتوقف عن إثارة القلاقل التي تغذيها في دول الخليج، وكذلك أن تتوقف عن اضطهاد أهل السنة في إيران، مشددا على ضرورة رفض مصر لأي تقارب مع طهران في الوقت الحالي. وفي مجلس الشورى المصري، يقول عماد المهدي، وكيل لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بالمجلس والقيادي في حزب النور السلفي، إن الرئاسة المصرية تريد على ما يبدو تحقيق مصالح من «اللعب بالورقة الإيرانية»، مشيرا إلى أن التيار السلفي، الذي يمثل ثاني أغلبية بعد أغبية نواب «الإخوان» في مجلس الشورى، يعارض السياحة الإيرانية ويعارض التقارب مع طهران، ولديه تخوفات كبيرة من هذا الملف الذي يؤثر على أمن مصر القومي بالسلب. وزار مصر بالفعل نحو 50 سائحا إيرانيا مطلع هذا الشهر، أعقبها قيام سلفيين بالهجوم على منزل القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، السفير مجتبي أماني، مما دفع الحكومة المصرية إلى إرجاء الرحلات السياحية بين البلدين إلى منتصف يونيو (حزيران) المقبل «لتقييم التجربة»، لكن، وزيادة في الارتباك، قالت مصادر إيرانية إن طهران هي من أوقف هذه الرحلات، وأنها طلبت من المصريين ضمانات حتى تعود السياحة مرة أخرى، ومعها «فرص للتعاون الاقتصادي». ويرى الدكتور صفوت عبد الغني، القيادي بالجماعة الإسلامية، وعضو مجلس الشورى بمصر، أن إيران تسعى لنشر مذهبها ومحاولة حصار الدول السنية، و«نحن نراقب ما تفعله، سواء في مصر أو سوريا أو البحرين أو أفريقيا». يأتي ذلك في وقت أخذت فيه قضية العلاقة مع إيران مسارات أخرى وصلت إلى المحاكم بإقامة دعاوى تطالب القضاء بإصدار أحكام تلزم رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ووزراء الخارجية والداخلية والسياحة ومفتى الجمهورية منع السياحة الإيرانية، لأنها حسب الدعوى التي رفعها المحامي عبد الرحمن أبو عوف، تمثل خطورة على الأمن القومي المصري. الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بمصر، والمحلل السياسي المتخصص بالشؤون الإيرانية والتركية، يرى أن العلاقات بين البلدين لم تشهد التطور الذي كان متوقعا بعد عامين من سقوط النظام السابق، مشيرا إلى أنه لم يحدث تبادل للسفراء، إضافة إلى غياب التنسيق أو التحالف الاستراتجي بينهما، مشيرا إلى أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني علي صالحي كانت تعكس رغبة إيران في فتح آفاق تعاون مع مصر والطموح في عودة العلاقات لمستوى تبادل السفراء. «الزيارات تظل مجرد زيارات، ما لم يتبعها تنفيذ عملي للوعود التي يطلقها هذا الجانب أو ذاك». ولا يرى أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، اللواء محمد قشقوش، أي مؤشر آيديولوجي على الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في مصر وإيران، قائلا إن هذه الزيارات تأتي لحضور مؤتمر هنا أو هناك، مثل حضور الرئيس مرسي مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران العام الماضي، وحضور الرئيس نجاد مؤتمر القمة الإسلامية في القاهرة هذا العام. وتبدو الملفات الرئيسة التي تهم البلدين لا يوجد حولها في الحقيقة نقاط التقاء. ويشير قشقوش إلى أن الرئيس مرسي قال أكثر من مرة إن أمن «الخليج خط أحمر»، لافتا إلى أن مصر قد تحاول مستقبلا لعب دور مواز، لكن المشكلة في يد إيران.. «حين يكون هناك احتلال إيراني للجزر الإماراتية الثلاث، وترفض الذهاب للتحكيم الدولي فهذا يعني أن إيران هي المخطئة، ثم تقوم بتصعيد الأمور في البحرين»، وعليها أن تصدر إشارات تهدئ من روع الخليج. ويقول المراقبون إن مصر تريد الضغط على الغرب والخليج من خلال «الورقة الإيرانية»، بينما تريد إيران موطئ قدم لها على مياه البحر المتوسط وهي على وشك خسارة حليفها السوري. ويقول اللواء قشقوش عن محاولات إيران التقارب مع مصر في هذا التوقيت: «قد تكون إيران ترى أن النظام السوري على وشك أن يسقط، ويهمها أن يكون لها امتداد استراتيجي على البحر المتوسط. وقد تكون تفكر في ملء هذا الفراغ عن طريق مصر». ويضيف قائلا: «أعتقد أن مصر أكبر من هذا، لأن إيران ترى أن سقوط سوريا سيؤثر في حزب الله وسيؤثر على المنطقة، ولبنان ستتأثر وغزة كذلك»، مضيفا أن «إيران لم تقدم الخطوة التي تجعل مصر وتجعل العرب والخليج متشجعين للتقارب معها. لكن هل هذا ممكن؟». يقول اللواء قشقوش: «إن زيارة بعض المسؤولين الإيرانيين لمصر تجعلنا نقول إن إيران تعتقد أنها تمد يدها وتجد مصر جاهزة لهذه اليد، لكن مصر متحفظة، وأعتقد أن تحفظها في محله.. بوابة مصر الشرقية في الخليج، وأمن مصر يبدأ من الخليج». ويتابع قشقوش قائلا إن تهديد إيران للخليج يهدد مصر، وذلك ما تفعله إيران مع الخليج، والتدخل في الشؤون العربية يجعل مصر والعرب غير مستريحين من التصرفات الإيرانية.. «إيران تستطيع أن تبدد هذه المخاوف إذا كانت تريد أن تأخذ خطوة إلى الأمام، خاصة أنها تستشعر قرب انتهاء النظام السوري». ويزيد قشقوش قائلا: «مصر لن تسمح لإيران بأن تكون قريبة منها على حساب الخليج». ويعتبر وزير السياحة هشام زعزوع، أكثر وزراء الحكومة المصرية تعرضا للهجوم من عدة أطياف مصرية خاصة التيار السلفي بسبب تشجيعه للسياحة الإيرانية إلى بلاده. وزار الوزير زعزوع إيران قبل نحو شهرين لتوقيع اتفاق جلب السياح إلى مصر، التي يعاني فيها القطاع السياحي تدهورا كبيرا بسبب القلاقل الأمنية التي تضرب البلاد منذ سقوط النظام السابق. ويقول زعزوع، بعد أن اضطرت بلاده إلى وقف السياحة الإيرانية لمدة 45 يوما، إنه سيلتقي السلفيين في مجلس الشورى للتحاور معهم حول السياحة الإيرانية، وهو يرى أن التيار السلفي لديه تخوف من أنه سيحدث تشييع لمصر مع تدفق السياحة الإيرانية، لكنه قال: «أنا شخصيا أرى في ذلك مبالغة». ويوجه السلفيون انتقادات لحزب الحرية والعدالة أيضا باعتباره حزبا إخوانيا تابعا للرئيس مرسي، ولا يعترض على سياسات تقاربه مع طهران. ويقول ناصر الدين إبراهيم، النائب السابق عن حزب الحرية والعدالة، إنه يتفهم غضب السلفيين، لكن يوضح في المقابل أن «السياسة تعتمد على التعامل مع من يجاور مصر في الإقليم على كافة المستويات العلمية والاقتصادية والسياحية، خاصة إذا كانت دولة مثل إيران، بحيث يكون هناك نوع من أنواع التكافؤ بقدر يمنع التدخل في شؤوني الداخلية». وتقول إيران إنها لا تسعى لنشر التشيع في مصر، وإنه ليس لها أطماع في المنطقة، وإنها تريد فقط التقارب مع مصر من أجل مصلحة المنطقة والعالم الإسلامي. وفتحت قنوات تلفزيونية شبه رسمية في مصر مجال الحديث لرئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، السفير أماني، وحاول أكثر من مرة إقناع المصريين والسلفيين بـ«حسن نوايا» بلاده. ويقول أبو الحسن نواب، رئيس جامعة الأديان والمذاهب التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا والأبحاث في إيران، في اتصال من مقره بطهران عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط»، إنه توجد «مشكلات في عودة العلاقات بين بلاده ومصر»، مشيرا إلى أن هذه المشكلة «من جانب مصر وليست من جانب إيران». وأضاف: «لا توجد لدينا أي مشكلة من جانبنا». وعن مخاوف بعض المصريين من التشيع، قال نواب، إنه لا توجد مشكلة بين السنة والشيعة، مشيرا إلى أن إيران سوف تستضيف الأسبوع المقبل مؤتمرا لعلماء من العالم الإسلامي، وقال إن 70 في المائة من هؤلاء العلماء من أهل السنة. وقال: «نحن في حوار دائم وشامل في هذا الموضوع». وتابع نواب قائلا عن الأزهر: «ليس لدينا أي مشكلة معه.. الأزهر منا ونحن من الأزهر»، موجها الدعوة لعلماء الأزهر من أجل زيارة طهران. وأضاف موجها حديثه للمصريين المتخوفين من التقارب مع إيران: «أقول للمصريين كما قال (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر: كلنا مسلمون.. توفي رسولنا، صلى الله عليه وسلم، وترك لنا ميراثا 95 في المائة منه مشترك، و5 في المائة منه فيه خلاف»، مشيرا إلى أن بعض المصريين تركوا الميراث المشترك وأخذوا بالـ5 في المائة التي تركز على الخلافات. وبشأن أمن الخليج الذي يطالب به المصريون أوضح أبو الحسن نواب قائلا: «لا توجد مشكلة بين إيران ودول الخليج.. ونحن منذ قرون نعيش مع أبناء دول الخليج بهدوء وراحة». أما بالنسبة لاتهامات قطاع من المصريين لإيران بأنها تدعم النظام السوري ضد شعبه، فقال نواب: «إيران حين بدأت تساعد سوريا قبل ثلاثين سنة، فإنها وجهت هذه المساعدات في كل المجالات للشعب لا إلى النظام»، مشيرا إلى أن موقف إيران وروسيا والصين في المسألة السورية يختلف مع آراء الآخرين، وأضاف: «أعتقد أن المسألة السورية لا بد أن تحل بيد السوريين». ويقول مجتبي أماني إنه حان الوقت لتحقيق التقارب بين أكبر قوتين إسلاميتين في منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن طهران يمكنها مساعدة مصر بما تمتلكه من خبرات في مجال الطاقة النووية وتكرير البترول وصناعة السيارات. ويرى السفير أماني أن أكثر من 60% من المصريين يؤيدون عودة العلاقات بين البلدين، قائلا إن هناك أعداء لا يريدون استقرار مصر أو عودة العلاقات بينها وبين إيران، مشيرا إلى أن اتهام إيران بالسعي إلى نشر التشيع في مصر «اتهام كاذب». وعلى العكس من كل ما سبق، لا يوافق القطب الشيعي المصري، الدكتور أحمد راسم النفيس، على عودة العلاقات المصرية مع إيران، بسبب أن مصر في الوقت الحالي - حسب قوله - لا ترقى إلى كونها دولة، وإنما «إمارة إسلامية حليفة لحماس»، معربا عن اعتقاده أن الوضع في مصر مضطرب ولا توجد استراتيجية ولا رؤية، «وطبعا، القضية لا تتعلق فقط بالملف المصري وحده في ظل حالة الاشتباك القائمة في الإقليم، حيث إن مصر في وضع لا يحسد عليه، وليس من السهل عليها أن تتخذ قرارا منفردا» بشأن إعادة العلاقة مع إيران. ويقول مصدر في الحكومة المصرية عن العلاقات بين مصر وإيران، ولماذا هي ما بين العودة واللاعودة، رغم الزيارات المتبادلة بين البلدين إنه يوجد تضخيم محلي وإقليمي للمخاوف من عودة العلاقات مع طهران، رغم أن العالم كله يتعامل مع إيران، مشيرا إلى أن بلاده حين تسعى للتقارب مع طهران فإن هذا لا يعني أنها قررت أن تدخل في محورها، لأن مصر لديها مواقفها المعروفة للجميع، ومنه الموقف تجاه الأزمة السورية. وتابع المسؤول الحكومي، الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع، متسائلا: «هل يتصور البعض، خاصة في الداخل المصري، أن إيران يمكن أن تغير من طبيعة الشعب المصري أو أن تقوم بنشر التشيع كما يتصور البعض.. هذا تضخيم للأمور»، مشيرا إلى أن مصر «لا يمكن أن تنحاز إلى أي محور غير محورها العربي، ومن يرى غير ذلك فهو لا يفهم عروبة مصر ودورها في المنطقة المبني على هذا الأساس». وعن السبب في عدم عودة السفارات بين البلدين رغم قول الرئيس نجاد حين كان في زيارة لمصر هذا العام إنه سيعاد فتحها قريبا، أوضح المسؤول المصري أن «الأمر لا يتعلق بمسميات، لأن لدينا علاقات فعلية مع الإيرانيين، حيث توجد بعثات يرأسها دبلوماسيون، عدد كبير منهم بدرجة سفير ولا يطلق عليه هذا الاسم ولكنه يعتبر قائما بأعمال فقط»، مشيرا إلى أن مصر لا تريد حدوث ضجة لا مبرر لها من وراء عودة السفراء، و«الأمر برمته في موضوع العلاقة الدبلوماسية الكاملة مع إيران ربما يحتاج لبعض الوقت».

الفاتيكان والقوة الناعمة الفاتيكان والقوة الناعمة

$
0
0
دُعيت لزيارة روما خلال الأسبوع الماضي لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات هناك، وقد اعتذرت عن بعض المناسبات التي كانت معدة على الهامش للهفتي على زيارة الفاتيكان لأسباب سياسية وتاريخية بل وفنية أيضا، فكرست يوما منذ مطلع الصباح إلى ما بعد العصر لزيارة دويلة الفاتيكان والتي هي مقر الكرسي البابوي الذي تتطلع إليه عيون وقلوب ما يقرب من مليار ومائتي مليون كاثوليكي عبر العالم، فهو المكان الذي يقال إن القديس بطرس St Peter صلب فيه رأسا على عقب، وهو ما يجعل من هذه الدويلة التي تعد أصغر دولة أحد أكبر رموز ما يسمى بالقوى الناعمة على المستوى الدولي، واعتقادي أن الفاتيكان تملك أكبر تجمع للقوة الناعمة على المستوى الدولي، كما أنها لعبت دورا سياسيا قويا على مر العصور ولا يزال أثرها السياسي مشهودا له. السور العظيم الذي يحيط بدولة الفاتيكان بني في القرن السادس عشر ليحيط الدولة التي تبلغ مساحتها 400 ألف متر مربع فقط والتي تحتضن الكرسي الرسولي وعلى رأسه البابا الذي يعد رأس كنيسة القديس بطرس والذي قال فيه السيد المسيح «وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي..» (متى 16:13 - 18)، وتجدر الإشارة إلى وجود خطأ شائع وهو الربط بين كياني الفاتيكان والكرسي الرسولي، بينما الحقيقة التاريخية تشير إلى عكس ذلك تماما، فالفاتيكان دولة مستقلة حديثا وتمثل كيانا سياسيا منفصلا حتى وإن كان بابا الكرسي البابوي هو رأسها، فدولة الفاتيكان لديها إداراتها السياسية والإدارية أما الكرسي الرسولي فله تقاليده الأخرى حتى وإن تشابكا. لقد كان الكرسي البابوي يلعب دوره الهام عبر التاريخ الأوروبي من خلال وصايته الروحية على كل مسيحيي أوروبا تقريبا بفضل الوكالة الروحية للقديس بطرس، ولكن مع مرور الوقت بدأ الكرسي يُكون لنفسه دورا سياسيا من خلال ما عُرف في التاريخ بالدولة الباباوية Papal State التي تم تقليم أظافرها مع مرور الوقت خاصة عند توحيد إيطاليا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث أصرت الحكومة الإيطالية المركزية على تجريد الكرسي الرسولي من بعض ممتلكاته وفرضت عليه الضرائب، وهو ما دفع البابا ليقيم في مدينة الفاتيكان، واستمرت الأمور على ما هي عليه من توترات حتى تولي بينيتو موسوليني وحزبه الفاشي الحكم في إيطاليا حيث قرر أن يفتح مجالا للحوار مع الفاتيكان في عام 1926 من أجل التوصل لاتفاق نهائي يحدد العلاقة بين الدولة الإيطالية الموحدة من ناحية والكرسي الرسولي من ناحية أخرى، خاصة أن البابا كان حبيس الفاتيكان منذ توحيد إيطاليا. وقد أسفرت المفاوضات عن التوصل لاتفاقية أو اتفاقيات «لاتيران Lateran» الشهيرة عام 1929 التي نظمت العلاقة بين الطرفين وكان من أهم بنودها: أولا: الاعتراف بسيادة الكرسي البابوي على مدينة الفاتيكان وإعلانها دولة مستقلة ذات سيادة، مع التزام الحكومة الإيطالية بعدم التدخل في الشأن الداخلي لها. ثانيا: عدم المساس بممتلكات الكنيسة فضلا عن الاتفاق على التعويضات التي تمنحها الحكومة الإيطالية لدولة الفاتيكان مقابل الممتلكات التي تم تأميمها، ويحدد الملحق بهذه الاتفاقية حجم التعويض بـ750 مليون ليرة إيطالي، أي المعادل آنذاك لقرابة 40 مليون دولار، فضلا عن امتلاك الكنيسة لسندات إيطالية بقيمة مليار ليرة مقابل 5% فائدة سنويا. ثالثا: اعتبار الكاثوليكية الدين الوحيد بالدولة أو الدين الرسمي للدولة، وتمنح المادة 36 الكنيسة الدور الريادي في الإشراف على التعليم الديني في البلاد، فضلا عن الاعتراف بالزواج الكنسي باعتباره زواجا رسميا. رابعا: نظمت الاتفاقية أيضا التمثيل الدبلوماسي المستقل لدى الفاتيكان، وحق هذا التمثيل الأجنبي في البقاء في إيطاليا ومنحه الضمانات اللازمة لأداء وظائفه، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأعراف الخاصة باستقبال السفارات المعتمدة لدى الكرسي البابوي لا ترحب بأن يكون المعتمد لدى دولة إيطاليا هو نفس السفير لدي الفاتيكان وذلك كنوع من الاحترام لخصوصية واستقلالية هذه الدولة الصغيرة حجما والكبيرة مقاما. لقد كانت هناك عدة أسباب تدفع كلا من موسوليني والبابا للتوصل لهذا الاتفاق، فلقد أدرك الأول بفراسته السياسية حاجته إلى الدعم المعنوي للكنيسة على ضوء ضعف الشعبية الحقيقية للفاشية في إيطاليا، فلقد كان الحزب الفاشي يملك أقل من 10% من المقاعد عندما أجرى موسوليني انقلابه الشهير على الشرعية في البلاد، وهو نفس السبب الذي دفع نابليون بونابرت من قبله للتوصل لاتفاق مشابه مع البابا، أما على الجانب البابوي فإن هذه الاتفاقية منحت للكرسي الرسولي قيمة سياسية هامة للغاية في وقت كانت فيه إيطاليا الموحدة تسعى جاهدة للقضاء على نفوذ الكرسي البابوي وحقه في إقامة الدولة البابوية مثلما كان يحدث من قبل، كما أنها وفرت لها فرصة لاسترداد الأموال والعقارات التي سُلبت منها، فضلا عما مثلته من شرعية جديدة أدت إلى منحها سيادة كاملة واعترافا بها كدولة مستقلة، وقد سمحت هذه الاتفاقية للكرسي الرسولي ممثلا في بابا الفاتيكان بلعب دوره السياسي بشكل أكثر تنظيما وبشكل عصري. وعقب دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بدأت دولة الفاتيكان تأخذ شكلها المعروف اليوم كأصغر دولة في العالم، ويرأسها البابا نفسه الذي يقوم بتشكيل اللجنة البابوية لدولة الفاتيكان من مجموعة من الكرادلة ليكون بمثابة الدعم له في تسيير شؤون الدولة، ولا يزال الفاتيكان يحافظ على تقليده بتولي الحرس السويسري مهمة حماية البابا وهو تقليد متبع منذ القرن السادس عشر ويمكن للزائر أن يرى زيهم اللافت للنظر لكونه يحتوي على مجموعة من الألوان البراقة بالشكل الذي لم يتغير من القرون الوسطي، ولكن الأمن الداخلي يعد مسؤولية «الجندرمة» وتأتي أهميته بسبب الزيارات الخارجية للمدينة.

إنريكو ليتا.. هل يعيد «المرح» للإيطاليين؟ إنريكو ليتا.. هل يعيد «المرح» للإيطاليين؟

$
0
0
إنريكو ليتا الباحث الاقتصادي الكفء الذي اختاره رئيس الجمهورية من كل الفئات جورجيو نابوليتانو ظهر على المسرح السياسي، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين الحزبين الرئيسين في اليسار واليمين اللذين كانا يتعاركان باستمرار ودون هوادة. وتعيين ليتا، البالغ من العمر 46 عاما، رئيسا لوزراء إيطاليا، يجلب روح الشباب إلى قمة السلطة، في بلد اعتاد أن يكون قادته من المتقدمين في العمر. * لا يعرفه غالبية الشعب... وعلى الرغم من ذلك باتوا الآن يعولون عليه كثيرا للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وتفاقم أحوال المعيشية منذ ما يزيد على عامين. هو رئيس الوزراء الجديد الشاب إنريكو ليتا من الحزب الديمقراطي اليساري. ويلخص سائق تاكسي إيطالي بلهجة أهل نابولي الوضع السياسي، في طريقنا إلى مجلس النواب بوسط العاصمة روما، وكأنه محلل سياسي من الطراز الأول «لم نسمع به من قبل.. ولكننا سمعنا باسم عمه جاني ليتا اليد اليمنى لزعيم حزب شعب الحرية اليميني سيلفيو برلسكوني صاحب الفضائح المعروفة، فكل الطبقة السياسية في إيطاليا على شاكلته، فالفساد ونهب الشعب يطالهم جميعا.. ولكنهم متفقون فيما بينهم على حصانة طبقتهم الاجتماعية، فقد خربوا البلد وأوقعونا في أزمة سياسية وأزمة اقتصادية وجففوا مرح الإيطاليين وما زالوا يسدون لنا النصائح». ويتميز رئيس وزراء إيطاليا الجديد، وهو عضو قيادي في الفصيل المعتدل في «الحزب الديمقراطي» (يسار الوسط)، بخبرة واسعة في الشؤون الاقتصادية والأوروبية، فضلا عن تاريخه الأكاديمي. ويسعى حاليا لوقف التدهور الاقتصادي ثم التقشف الذي فرضته حكومة البروفسور ماريو مونتي في العام الماضي، وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب لمنع إيطاليا من اللحاق باليونان، مما أثر سلبا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة دون المساس فعلا بالطبقة الغنية التي حولت استثماراتها إلى الخارج أو لجأت إلى الإنتاج في الصين أو رومانيا أو بولندا لرخص تكلفة الإنتاج هناك وقلة إضرابات العمال، مما أفرز حركة احتجاجية كبيرة تسمى «خمس نجوم» فازت بأصوات 8 ملايين من الناخبين الغاضبين من كثرة التقشف بقيادة الممثل الهزلي طويل اللسان بيبي غريللو (ينعته خصومه بالمهرج)، الذي يصف ساسة إيطاليا بالجيل الهرم المشابه لآثار الرومان، وبأنهم غدوا طائفة فوق الشعب لا يمكن المساس بها مهما ارتكبت من فساد؛ فليس لأفرادها حساب أو سجن بل إنها تعيد طرح نفسها في الانتخابات، حيث تداخلت شعارات أحزاب اليسار واليمين وتفوز بمقاعد البرلمان وتعاود الكرة مجددا. ظهر الآن على المسرح السياسي إنريكو ليتا الباحث الاقتصادي الكفء، الذي اختاره رئيس الجمهورية العجوز والمحترم من كل الفئات جورجيو نابوليتانو، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين الحزبين الرئيسين في اليسار واليمين اللذين كانا يتعاركان باستمرار ودون هوادة. وتعيين ليتا، البالغ من العمر 46 عاما، رئيسا لوزراء إيطاليا، يجلب روح الشباب إلى قمة السلطة في بلد اعتاد أن يكون قادته من المتقدمين في العمر. وقد ظهر في القصر الرئاسي إبان ترشيحه للمنصب وهو يقود سيارته الخاصة من طراز «فيات»، وهي سيارة شعبية. وفي إطار الشفافية، نشر ليتا إقراراته الضريبية على موقعه على الإنترنت، مظهرا أن أرباحه في عام 2011 كانت 142 ألفا و696 يورو، ما يعادل ‏185 ألفا و761 دولارا. وليتا متزوج بمحررة الشؤون السياسية بصحيفة «كورييري ديلا» سيرا جيانا فريجونارا ولديهما ثلاثة أطفال، وهي الزوجة الثانية له. وإنريكو ليتا المولود في مدينة البرج التاريخي المائل بيزا بوسط إيطاليا، شاب لامع منذ تخرجه في جامعة بيزا في العلوم السياسية والاقتصاد، وكان أصغر شاب في تاريخ إيطاليا يعين وزيرا وعمره 32 سنة. وحسب مقربين منه، فإن ليتا يتميز بالذكاء الهادئ والفكر المنظم والاستقامة والسمعة النظيفة والتواضع والمرونة والكفاءة المهنية المميزة والتزامه بالوحدة الأوروبية، التي ألف حولها 10 كتب حتى الآن، أشهرها «نعم، لليورو». كان نائبا للأمين العام للحزب الديمقراطي بيير لويجي برساني الذي استقال إثر فشله في التوفيق بين الآراء المتضاربة وتشكيل حكومة جديدة، وانسحب بعد إعادة انتخاب رئيس الجمهورية قبل أسبوعين، مع بلوغه 88 عاما لعدم توافق الأحزاب على خليفة له، ويمثل ليتا الجناح المعتدل في الحزب المقبل من بقايا حزب الديمقراطيين المسيحيين الذي حكم إيطاليا لـ4 عقود قبل انهياره في تسعينات القرن الماضي بسبب الفضائح حول تمويل الأحزاب. كان المخطط الاقتصادي لسياسة حزب اليسار الديمقراطي في السنوات الأخيرة، ويختلف تفكيره عن اتجاه عمه جاني ليتا المحافظ، وليس لديه إلمام كبير بالسياسة الخارجية أو المنطقة العربية، لكنه من مؤيدي التعاون الوثيق مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة؛ فهو عضو في معهد اسبن الأميركي، وفي اللجنة الثلاثية التي تجمع كبار القادة السياسيين والاقتصاديين ورجال الأعمال في أميركا وأوروبا واليابان. يتميز ليتا بحب المطالعة، ويقرأ كثيرا من الكتب، خاصة للكتاب الإيطاليين الجدد، أمثال سانتو بيازتيزي ومارتشيللو فوا، وهو من أنصار فريق ميلان لكرة القدم (ويملكه رئيس الوزراء الأسبق برلسكوني)، ويحب أغاني المغني الإيطالي المعروف زوكيرو. يسكن إنريكو ليتا في حي شعبي بجنوب روما قرب منطقة الآثار الرومانية القديمة ومقر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ويسمى حي تستاشيو، ويوصف بعد إصلاحه منذ بضعة سنوات بالحي الراديكالي شيك، وكان من المألوف لسكان الحي رؤية ليتا وهو يوصل أولاده الثلاثة بسيارته إلى المدرسة كل يوم، لكن أحد جيرانه قال إنه لم يعد محبا للنكتة في الآونة الأخيرة، بسبب خوفه من تشرذم الحزب الديمقراطي مؤخرا لعدم انضباط بعض أعضائه في التصويت لمرشح الحزب في انتخابات الرئاسة، ومعارضة التيار المقبل من الاتجاه الشيوعي في الحزب للتعاون مع برلسكوني في تأليف الحكومة الجديدة، لأن ذلك يثبت للناخبين أنه لا فرق بين اليسار واليمين في هذه الأيام، لذا سيخسر الحزب من تعاونه مع برلسكوني. تقول سابرينا روزيتي بائعة تذاكر الحافلات العامة التي يستقلها ليتا في دكانها الصغير، حيث تباع السجائر: «إنريكو ليتا معروف لدى الجميع في الحي، لأنه شخص ودود، وهو يسكن في عمارة راقية تم ترميمها ويطلق عليها السكان اسم (الكرملين)، لأن أغلب من يقطنها يعمل في السياسة». وتصفه سيمونا ليناري بائعة الحلويات في الشارع الذي يسكنه ليتا بأنه «شخص مهذب عالي التربية، ويعامل أولاده بكل لطف»، وتضيف: «والآن سيصبح حينا مثل (داونينغ ستريت) في لندن». * الحكومة الجديدة * نجح إنريكو ليتا بدماثة خلقه وذكائه وطريقته الكتومة، وصلته بعمه جاني ليتا المحامي والصحافي المخضرم والمسؤول الثاني سابقا عن شركات الملياردير برلسكوني وأمين عام رئاسة الوزراء في عهد برلسكوني ومرشحه لخلافته أو لمنصب رئيس الجمهورية. الظرف الحالي صعب، فهناك الاحتقان الداخلي، حيث مل الشعب من تخاصم الساسة، بينما توقفت عجلة الاقتصاد، مما ساهم في تيسير تشكيل حكومة من 21 وزيرا، ثلثهم من النساء، وكانت مفاجأة ليتا انتقاءه إيما بونينو وزيرة للخارجية، وهي المعروفة في الأوساط الدولية والمفوضة السابقة في الاتحاد الأوروبي، التي تتقن عدة لغات، من بينها العربية، حيث درستها في مصر، واختياره لأول مرة من أصل كونغولي سيسيل كيينغه لشؤون اندماج المهاجرين الجدد، في حين وصفتها رابطة الشمال الانفصالية بأنها غير إيطالية، لأنها سوداء وتجنست بالجنسية الإيطالية. أغلب الوزراء من الوجوه الشابة الجديدة في السياسة، وأهمهم أنجلينو ألفانو نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية والأمين العام لحزب شعب الحرية، الذي أصر برلسكوني على وجوده لإتمام الصفقة، وكان وزيرا للعدل حين تولى برلسكوني رئاسة مجلس الوزراء. هناك أيضا أصحاب الكفاءات والخبراء، مثل فابريتزيو ساكوماني وزير المال والخزانة والمدير العام السابق للبنك المركزي بنك إيطاليا. تجمع الحكومة بين ممثلي الحزب الديمقراطي وحزب شعب الحرية والمستقلين، وتعارضها حركة «خمس نجوم»، واصفة إياها بأنها تجاهلت رأي ناخبي الحركة، «واعتبرتهم مثل الكلاب». تم تشكيل الحكومة وحلفها اليمين بسرعة خلال عطلة الأسبوع، حين أطلق النار عاطل عن العمل خارج مقر رئاسة الحكومة، أدى إلى جرح اثنين من رجال الدرك (كارابنيري)، وإحدى المارات، لكن ينتظر أن تحوز على الثقة في البرلمان وتبدأ عملها فورا، وأول المشكلات التي ستواجهها هي العودة إلى تنشيط الاقتصاد بعد جموده، واتباع سياسة النمو مع التخفيف من التقشف وتخفيض الضرائب والنفقات وإلغاء أو خفض ضريبة التملك السنوية على المنزل الأول، وثاني المشكلات العويصة ستتمحور حول تعديل قانون الانتخاب الحالي، مما أدى إلى النتيجة الراهنة التي لم تسفر عن فوز واضح لأي طرف، فتعذر تشكيل حكومة من اتجاه معين دون التوصل إلى ائتلاف مع الاتجاهات الأخرى. والأهم من ذلك إعادة الثقة بين المواطنين للمؤسسات السياسية والأحزاب، فالإيطالي العادي أصبح مضطرا في السنوات الأخيرة للجوء إلى أساليب الدهاء، وربما المكر، لتأمين حاجياته وسلامته، ويدل استطلاع الرأي الأخير أن ربع الناخبين يشعرون بالاستياء من السياسة، و22 في المائة يشعرون بالغضب، و13 في المائة بعدم المبالاة، و8 في المائة بالضجر. هل ستصمد الحكومة الجديدة طويلا في وجه التحديات الكبيرة أم ستفشل قريبا لأنها مزيج من كل الاتجاهات ويعود الناخبون إلى صناديق الاقتراع، أم سيطول عمرها حسب نجاحها كل مرة في حل المشكلات المعقدة ووضع الاقتصاد الإيطالي على طريق الشفاء من الركود، أم ستعمر طويلا لأنها الخيار الوحيد في الظروف الداخلية والدولية الراهنة حسب النظام البرلماني الإيطالي؟ يقول مراقبون في الشأن السياسي إن إيطاليا في حاجة إلى تغيير جذري بطريقة سلمية، وهذا ما يدركه إنريكو ليتا، فالجيل القديم قد استنفد وجوده وخبرته.. وإيطاليا لم تتأقلم على العولمة بعد فأوقفت إنتاجها الصناعي تقريبا ما عدا الصناعات الحربية والغذائية وبعض الصناعات المترفة، وباعت كثيرا من دررها للدول الأوروبية القادرة أو الآسيوية الناهضة، وأسعارها باهظة في المأكل والمشرب والملبس، ولم يبقَ لها سوى السياحة والطعام اللذيذ والتراث الثقافي الوافر والذوق الرفيع وذكاء أهلها الفطري وروحهم البهيجة. لكن السؤال: هل ينجح ليتا في إطلاق عملية التغيير الجدي أم أن «سلطة» الحكومة ستكون خلطة تنازلات ذات طعم مر، وأنها ليست سوى «حكومة الديمقراطيين المسيحيين بواجهة شابة حديثة» ونعود إلى دائرة فارغة من جديد؟ الجو الحالي يدعو إلى التفاؤل على الرغم من الانتقادات المعروفة التي تذكر ليتا بعدائه السابق للتعاون مع برلسكوني والوقوع في حبائل ألاعيبه السياسية، ويبدو أن أوروبا والمستثمرين يثقون بقدرة إيطاليا على تجاوز العقبات، فهي شهيرة في ابتكار حلول مقبولة في اللحظة الأخيرة، والمؤشرات الاقتصادية ما زالت على حالها، على الرغم من استمرار الأزمة لعدة شهور؛ فإيطاليا مصنفة دولة من الدرجة الثانية منذ العام الماضي، وهي دولة هشة بالمقارنة مع غيرها، لكنها لم تستدِن من صندوق المساعدات الأوروبي حتى الآن بسبب نجاح ماريو مونتي رئيس الوزراء السابق في الابتعاد عن الهاوية. تاريخ ليتا ينبئ عن نجاحه في كل عمل أوكل إليه سابقا، ولعله ينجح هذه المرة، إلا إذا قرر برلسكوني سحب الكرسي من تحته، حسب توقيت معين، حين يحس برلسكوني بأنه سيتمكن من تحسين وضعه الانتخابي، فقد نجح برلسكوني حتى الآن في حماية نفسه من ملاحقة القضاء طالما أنه بقي لاعبا أساسيا في السياسة. * محطات في حياته - باحث اقتصادي وسياسي معتدل من حزب اليسار الديمقراطي ولد في بيزا بمقاطعة توسكانا في 20 أغسطس (آب) 1966. - درس العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة بيزا وتعرف عام 1990 على بنيامينو أندرياتا من الحزب الديمقراطي المسيحي المختص بالاقتصاد، وأصبح مديرا لمكتبه حين عين أندريانا وزيرا للخارجية في حكومة تشامبي. - عمل رئيسا لتنظيم الشباب في الحزب الديمقراطي المسيحي في عامي1990 - 1991. - تم تعيينه في وزارة الخزانة عام 1996 أمينا عاما للجنة اليورو وساهم في دخول إيطاليا في العملة الأوروبية الموحدة. - انتخب نائبا للرئيس في حزب صغير عام 1997 يسمى الحزب الشعبي الإيطالي. - عين وزيرا لشؤون الاتحاد الأوروبي عام 1998 في حكومة داليما اليسارية الأولى وعمره 32 عاما ثم وزيرا للصناعة والتجارة في حكومة داليما الثانية. - انتخب نائبا في مجلس النواب لأول مرة عن حزب مارغاريتا، برئاسة عمدة روما روتيللي عام 2001. - عمل في حكومة برودي اليسارية أمينا عاما لشؤون رئاسة مجلس الوزراء. - انضم عام 2007 للحزب الديمقراطي اليساري ثم انتخب نائبا للأمين العام للحزب. - متزوج من الصحافية جانا فراغونارا (45 سنة) التي تعمل في إحدى أهم الصحف الإيطالية «كورببري ديللا سيرا»، وله ثلاثة أولاد ويتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى الإيطالية.

قالوا

$
0
0
* «أوروبا تعيش أزمة شرعية». * رئيس الحكومة الإيطالية انريكو ليتا أثناء عرض برنامج حكومته قال: إن الاتحاد الأوروبي يمر في أزمة وينبغي أن يبذل جهودا «ليصبح محركا للتنمية المستدامة»، معربا من جهة أخرى عن تأييده لقيام «أوروبا فيدرالية» * «إيران لم تتجاوز بعد الخط الأحمر الذي تحدثت عنه في الأمم المتحدة ولكنها تقترب منه بشكل منهجي». * رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول تطوير إيران برنامجها النووي. وأضاف خلال جلسة كتلة الليكود البرلمانية: يتعين علينا ألا نسمح لإيران بتجاوز هذا الخط * «من دون تأخير ومن دون شروط». * الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوجه نداء جديدا ملحا إلى السلطات السورية للسماح لفريق من خبراء الأمم المتحدة بالتحقيق ميدانيا حول استخدام أسلحة كيماوية في النزاع السوري * «نعم، تلقى مكتب مستشار الأمن القومي دعما من الحكومة الأميركية.. ولكن على نطاق صغير». * الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يؤكد أن مكتبه تلقى أموالا نقدية من الحكومة الأميركية لصالح «أغراض صحية ودفع إيجار المساكن» * «إسبانيا على حافة الانهيار العصبي». * بيدرو المودوفار المخرج الإسباني الشهير صاحب فيلم «النساء على حافة الانهيار العصبي» يعلق على تدهور الأوضاع في بلده بسبب الأزمة الاقتصادية

تونس.. صراع الهوية تونس.. صراع الهوية

$
0
0
إلى أين تسير تونس الجديدة؟ بعد أن تعاقبت صيحات الفزع التي تحذر من مخاطر الصراعات التي تشق نخبها وساستها ومجتمعها المدني بسبب التناقضات الآيديولوجية والسياسية والحزبية بين قطبي العلمانية والحداثة والانفتاح من جهة والهوية العربية الإسلامية من جهة ثانية. هل تسير تونس نحو القطيعة والمواجهة؟ هل تتعمق الهوة بين «المعسكرين الحداثي العلماني والسلفي؟» هل يدخل المجتمع التونسي نحو حرب استنزاف طويلة أكثر تعقيدا بين فرقائها الحزبيين والسياسيين أم ينجح صناع القرار فيها في بناء مسار توافقي عقلاني وسطي جديد؟ كلها أسئلة تبحث عن إجابات على أرض الواقع السياسي التونسي حاليا. * عندما تشكلت أول حكومة ائتلافية في تونس من بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي المنتخب في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، كان الرهان الأكبر بالنسبة لزعماء تونس ما بعد زين العابدين بن علي، هو تقديم نموذج للعالم العربي والإسلامي أساسه «التوافق السياسي بين التيارين الإسلامي والعلماني». نموذج يثبت أن الدول العربية يمكن أن تتأقلم مع النماذج الغربية العصرية للتعددية والتداول على السلطة مثلما تأقلمت معها الدول ذات الأغلبية الإسلامية من خارج الوطن العربي مثل تركيا وإندونيسيا. لكن تعاقب الأحداث والاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية في تونس ما بعد الثورة كشفت أن التناقضات داخل المجتمع التونسي ونخبه، أعمق من أن يجمدها إعلان رسمي من أعلى هرم السلطة المؤقتة التي تتكون من تحالف هش بين رموز تيارين يتصارعان في تونس منذ مرحلة ما قبل استقلال تونس عن فرنسا عام 1956، وخصوصا منذ بروز جماعات الإسلام السياسي أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. المتابعون لتطور الأوضاع في «تونس الحديثة» يرون أن رموز هذين التيارين انخرطا في «حرب استنزاف شاملة وطويلة» ومواجهات لفظية ومادية وصدامات كان «الغالب» فيها دوما خلال الحقبة السابقة «العلمانيون» و«الحداثيون» أي التيار الأول بزعامة الحبيب بورقيبة الذي تبنى مقولات العلمانيين الفرنسيين والغربيين وكان متأثرا كثيرا بمنهج الزعيم التركي العلماني المتشدد مصطفى كمال أتاتورك. يقول المؤرخ والخبير في التيارات السياسية التونسية المعاصرة الدكتور محمد ضيف الله لـ«الشرق الأوسط»، إن «نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي والفريق الذي حكم تونس ما بين 1987 و2011 ورث عن بورقيبة ورفاقه توجها علمانيا معارضا بقوة لتيارات الإسلام السياسي». بل اعتمد بن علي وحلفاؤه الليبراليون واليساريون في الحقبة الأولى من حكمه في سياسة استئصال واجتثاث المنابع لتيار الإسلام السياسي بمكوناته. لكن رغم كل الضربات التي تلقاها التيار الإسلامي في عهدي بورقيبة وبن علي ثم من قبل النخب العلمانية بعد 14 يناير (كانون الثاني) 2011، عاد بقوة إلى السطح مستفيدا من عوامل كثيرة من أبرزها انهيار الهياكل العليا في مؤسسات رئاسة الجمهورية والأمن الوطني والحزب الحاكم الذي قاد البلاد خلال العقود الماضية. وحسب المراقبين السياسيين في تونس فإن نتائج انتخابات أكتوبر 2011 وكل استطلاعات الرأي التي سبقتها والتي عقبتها وكذلك «المواجهات الحزبية والسياسية في مدن تونس وقراها خلال العامين الماضيين» أكدت أن هذا التيار الجديد بات يستقطب قطاعا عريضا من النخب السياسية والنشطاء، وما لا يقل عن نصف المجتمع. وقد أعاد الجناح الحزبي والسياسي الإسلامي الراديكالي (أو الإخواني) تشكيل نفسه منذ مطلع 2011 مستفيدا من رصيد المجتمع الديني ومن تراكمات داخل الأوساط الشعبية والنخب لصالح «الإسلام السياسي» تحت تأثير بعض الدعاة والواعظين وثلة من علماء جامع الزيتونة ومشايخها ونشطاء قوميين عرب وإسلاميين من أبرزهم إمام جامع عقبة بن نافع سابقا الشيخ عبد الرحمن خليف والشيخ محمد الصالح النيفر الزيتوني اللذين تمردا منذ مطلع الستينات على الزعيم بورقيبة واضطهدا لأنهما عارضا مواقفه من صوم رمضان ومن إغلاق الجامعة الزيتونية، وثم قادة الجماعة الإسلامية وحركة الاتجاه الإسلامي ثم حزب النهضة بزعامة الشيخين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو. ضمن هذا المشهد العام يتساءل التونسيون.. إلى أين تسير تونس الجديدة؟ بعد أن تعاقبت صيحات الفزع التي تحذر من مخاطر الصراعات التي تشق نخبها وساستها ومجتمعها المدني بسبب التناقضات الآيديولوجية والسياسية والحزبية بين قطبي العلمانية والحداثة والانفتاح من جهة والهوية العربية الإسلامية من جهة ثانية. * المسلمون علمانيون بالضرورة؟ * قسم كبير من مثقفي تونس العلمانيين والمعارضين بقوة للتيار السلفي يعتبرون أن الدولة يجب أن تكون علمانية أي أن ترفض الخلط بين الدين والسياسة لأن الإسلام ليس دين الدولة بل دين غالبية المواطنين المسلمين وهم علمانيون في غالبيتهم بالضرورة لأنهم ضد توظيف الدين في اللعبة السياسية على حد تعبير العميد السابق لكلية الآداب الدكتور علي المحجوبي والأمين العام لحزب نداء تونس الدكتور الطيب البكوش وهما من أبرز زعامات التيار العلماني واليسار الاشتراكي في تونس. وفي الوقت الذي يعلن فيه عدد من قادة حركة النهضة وتيار الإخوان المسلمين انبهارهم بتجربة التوافق السياسي الإسلامي العلماني في تركيا وبسياسات حزب العدالة والتنمية التركي ذي الميول الإسلامية، يستدل خصومهم مثل الجامعي والناشط اليساري علي المحجوبي أو رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس - مقولات الزعيم التركي رجب الطيب أردوغان التي تدافع عن علمانية الدولة وعن الهوية الإسلامية لغالبية الشعب التركي «الدولة علمانية والمجتمع مسلم». وحسب هؤلاء فإن الصراعات السياسية في تونس ما بعد الثورة بين الحداثيين العلمانيين والإسلاميين السلفيين، محورها سياسي والخلافات حول المشروع المجتمعي. وخصوصا حول النظرة إلى دور المرأة ومكاسبها والحريات العامة والفردية ومن بينها الاختلاط وحرية اللباس وتناول المشروبات الكحولية والسباحة بملابس قصيرة في الشواطئ والحق في الإفطار لغير الصائمين، على حد تعبير الناشط الحقوقي اليساري صالح الزغيدي الكاتب العام للجمعية التونسية للدفاع عن العلمانية. ويتهم صالح الزغيدي وأنصاره مثل سمير الطيب القيادي في حزب «المسار الاجتماعي» (الحزب الشيوعي سابقا) قيادات التيارات السلفية والإسلامية وخصوصا قيادة حركة النهضة بمحاولة التأسيس لدولة استبداد ديني تخلف دولة الاستبداد السياسي والفساد المالي لمرحلة ما قبل الثورة. ويساند هذا التمشي رموز بارزون للتيار العلماني مثل إياد الدهماني القيادي في الحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي ومية الجريبي. ويعتبر إياد الدهماني أن الاستبداد الديني سيكون أسوأ من النظام السابق الذي نخره الاستبداد السياسي. * التوافق بين الإسلاميين والعلمانيين؟ * لكن تصريحات «القيادات السياسية المعتدلة في حركة النهضة مثل رئيس الحكومة الجديد علي العريض ومستشاره السياسي البارز المحامي نور الدين البحيري ترفض شيطنة العلمانيين للتيار الإسلامي. في هذا السياق أورد علي العريض أن الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وظف خلال العقود الماضية من قبل أنظمة الاستبداد لتقسيم المجتمع التونسي على أسس عقائدية ودينية وليس على أسس مواطنين يحكم لصالحهم أو ضدهم حسب حقوق وواجبات يضبطها القانون ومن بينها الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية. ورفض زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، تهمة توريط تونس ما بعد الثورة في حرب استنزاف غير عقلانية بين الإسلاميين والعلمانيين، ويعتبر أن نقطة القوة المركزية في التجربة الديمقراطية التونسية الجديدة السعي للتوافق السياسي الوطني بين مختلف الفرقاء الحزبيين والسياسيين حول حكومة تضم في نفس الوقت إسلاميين وعلمانيين متحزبين ومستقلين. ويستدل العجمي الوريمي مسؤول قطاع الثقافة في قيادة حزب النهضة الإسلامي بتنازل حزب الإسلاميين الفائزين بالأغلبية في الانتخابات عن مواقع مركزية في الدولة بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية وحقائب السيادة في الحكومة. كما يستدل عبد العزيز التميمي - عضو مجلس الشورى في حركة النهضة - بقرار حركته تجنب الصدام مع كل العلمانيين المعارضين لتطبيق الأحكام الشرعية في تونس حتى لا يقسم البلد إلى علمانيين معارضين للحدود وإسلاميين لهم توجهات سلفية يدعمون تطبيق الحدود ويتمسكون على التنصيص على ذلك في الدستور. وينوه الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز الإسلام والديمقراطية بتونس وواشنطن بعدم إصرار قيادة النهضة على أن يتضمن الدستور الجديد فصلا يفرض تطبيق الشريعة والإحكام الشرعية. * ربيع أم شتاء؟ * لكن ماذا عن تخوفات نشطاء مئات الجمعيات النسائية والحقوقية وعشرات الأحزاب العلمانية من المد السلفي والأصولي في تونس ومن ما تقول إنه استبدال الاستبداد السياسي بآخر ديني؟ وكيف يمكن تفسير تجمع عدد كبير من قادة النخبة في تونس ومن زعامات الأحزاب اليسارية والليبرالية وتلك التي خرجت من رحم حزب بورقيبة وبن علي في جبهة سياسية موسعة تحت عنوان «التحالف من أجل تونس» ترفع شعارا مركزيا واضحا: التحضير لجبهة انتخابية كبيرة ضد التيار الإسلامي عامة وحركة النهضة خاصة.. حتى لا يتحول الربيع العربي في تونس إلى شتاء أصولي؟ زياد الدولاتلي مسؤول المكتب السياسي والعلاقات الدولية في مجلس الشورى التابع لحزب حركة النهضة يرفض «شيطنة الإسلاميين ويسجل أن ضحايا القمع من الإسلاميين لم يثاروا من جلاديهم رموز النظام العلماني رغم استلامهم السلطة وانهيار مؤسسات السيادة في العهد السابق. ويعتبر الإسلامي عماد الحمامي عضو المجلس الوطني التأسيسي التونسي (البرلمان الانتقالي) أن الإعلان عن مسار واضح للإنصاف والمصالحة الوطنية الشاملة خطوة ستتحقق قريبا وهي خيار استراتيجي ورسالة سياسية وطنية توافقية واضحة لا لبس فيها من قبل المعتدلين في التيارين العلماني والإسلامي على أن ربيع تونس لن يتحول إلى شتاء أصولي سواء كانت هذه الأصولية إسلامية أو علمانية. واستدل عماد الحمامي وزياد الدولاتلي بكون حكومة التوافق الحالية بين الإسلاميين والعلمانيين لم تمنح أي حصانة للإرهابيين عندما رفعوا شعارات سلفية دينية ولم تمنع السياحة والشواطئ والسفور.. إيمانا منها بكون الحرية هي القدرة على السير في أكثر من اتجاه. كما اعتبر حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة ورئيس حكومة الائتلاف الثلاثي المستقيل أن وجود إسلاميين وعلمانيين معتدلين في السلطة أكبر ضمانة لمنع المتشددين السلفيين والإرهابيين والمجرمين من أن يحولوا ربيع تونس إلى شتاء أصولي.. رغم التخوفات الصادرة عن تيار عريض من النخب والجمعيات النسائية والحقوقية التونسية وزعاماتها مثل السيدة سعيدة قراش والمحامين اليساريين عبد الستار بن موسى والمختار الطريفي. ويعتبر راشد الغنوشي أن العلمانيين أنواع والسلفيين أنواع والإسلاميين مدارس كثيرة في تونس.. وقد نجح الحوار مع أنصار السلفية العلمية رغم اعتراضات كثير من العلمانيين فيما لم تترد الحكومة في التعامل بصرامة مع أنصار جماعات السلفية الجهادية القريبة من القاعدة. وبعيدا عن تهويل البعض لعدد من الظواهر ومحاولة آخرين التقليل منها فإن نقاط استفهام غامضة تفرض نفسها في ظل الاستقطاب الثنائي الواضح للحياة السياسية في تونس بين تيار علماني مؤثر في النخب والمجتمع المدني وآخر إسلامي له عمق شعبي كبير: هل تسير تونس نحو القطيعة والمواجهة؟ هل تتعمق الهوة بين المعسكرين الحداثي العلماني والسلفي؟ هل يدخل المجتمع التونسي نحو حرب استنزاف طويلة أكثر تعقيدا بين فرقائها الحزبيين والسياسيين أم ينجح صناع القرار فيها في بناء مسار توافقي عقلاني وسطي جديد؟ هذا النفس التفاؤلي تلمسه عند عدد كبير من قادة التيار العلماني المتحالف مع حركة النهضة الإسلامية، مثل خالد بن مبارك القيادي في حزب المؤتمر والوزير المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية الانتقالي المنصف المرزوقي. يقول بن مبارك: «القابلية للديمقراطية موجودة في كل الشعوب والمجتمع التونسي أثبت أنه مؤهل لأن يقود تجربة ديمقراطية نموذجية في المنطقة». * شروط العلمانيين: * لكن هذا النفس المتفائل لا يجد صداه في أوساط تيار عريض من العلمانيين سواء كانوا من بين المتشددين في عدائهم لتيار الإسلامي السياسي مثل قادة الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي التروتسكي أو الواقعيين الذين يقرون بأن لا مفر للحداثيين من التوافق مع الإسلاميين المعتدلين. لكن هؤلاء البراغماتيين - مثل الدكتور الطيب البكوش - الأمين العام لاتحاد نقابات العمال سابقا وأمين عام حزب نداء تونس حاليا - يقدمون شروطهم للتوافق السياسي المنشود. حسب البكوش المصطلحات السياسية المستخدمة من قبل قيادات النهضة والعلمانيين - مثل الديمقراطية والتعددية والهوية - مشتركة ولكن الدلالات مختلفة مما يفسر الاختلافات. وإذا سلمنا أن الانتقال الديمقراطي يعني الانتقال من حال الديمقراطية إلى حال منشودة من الديمقراطية أي أن لأي يؤدي إلى انتقال من استبداد إلى آخر.. فضلا عن أن يكون كما يعتبر كثير من العلمانيين أن من بين المخاوف التي يثيرها الخطاب السياسي لقياديين بارزين في التيار الإسلامي والترويكا التعالي على الخصوم والمنافسين السياسيين انطلاقا من مفهوم خاطئ للشرعية يثير جدلا في مرحلة الانتقال الديمقراطية بسبب الخلط بين الشرعية الانتخابية - شرعية صناديق الاقتراع - والشرعية التوافقية التي لا مجال لتجاهلها في المراحل الانتقالية والاستثنائية مثل تلك التي تمر بها تونس منذ عامين.. فضلا عن الحاجة إلى أن تكتسب الأغلبية شرعية الأداء والإنجازات.. وهي مقياس قد يدعم الشرعية الانتخابية وقد يضعفها. في نفس السياق يعتبر علي المحجوبي العميد الأسبق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية أن أخطر ما يهدد وحدة تونس مجتمعا ونخبا الاختلاف في مفهوم العلاقة بين الدين والسياسة وعدم اتهام العلمانيين سياسيا بكونهم ملاحدة وزنادقة وكفار بسبب سلوكياتهم الليبرالية وملابس النساء أو الخلافات حول بعض بنود مشروع الدستور وخلط بعض الإسلاميين القياديين بين العقيدة الإسلامية وتوظيف المعتقدات الدينية والمقدسات المشتركة في اللعبة السياسة والانتخابية. * عنق الزجاجة؟ * تكشف المواقف المتباينة لرموز التيارين العلماني والإسلامي عمق التناقضات.. وأن البلد مقسم فعلا لمعسكرين كبيرين.. الأول محوره الدين والهوية، والثاني السلوكيات الليبرالية وحقوق المرأة ومكاسب الدولة الحديثة في عهد بورقيبة وبن عل. العقلاء والوسطيون يقرون أن البلد في حاجة ملحة لتعميق التفكير.. وتوسيع مجالات الحوار المباشر عوض استخدام ورقة الشارع وتبادل الضغط عبر وسائل الإعلام والمظاهرات والاعتصامات وحملات العنف اللفظي والمادي.. والتشويه والتشويه المضاد. قد ينتصر منطق الوسطية في بلد في رصيده أكثر من 3 آلاف عام من الانفتاح على الآخر: منذ انفتاح إمبراطورية قرطاج على ثقافات اليونان وروما إلى مراحل تحقيق المغاربيين توازنا بين هويتهم البربرية والشمال أفريقية وانتمائهم للفضاء الثقافي والحضاري الجديد العربي الإسلامي. كما تلعب لصالح تونس أوراق كثيرة من بينها أنها شهدت منذ مطلع القرن التاسع عشر نهضة فكرية وثقافية وسياسية.. وكانت أول بلد عربي يسن دستورا وقوانين مدنية لتنظيم الدولة.. وخلال حقبة النضال ضد الاحتلال الفرنسي وبعده وفقت نخب تونس بين هويتها العربية الإسلامية ومكاسب الثقافات الغربية.. وبعد إعلان الاستقلال مباشرة تبنت تونس استراتيجية لم تتبنها غالبية الدول العربية إذ خصصت ثلث موازنة الدولة للتعليم وخصوصا لتعلم ثقافات أوروبا ودفع المجتمع التونسي نحو التقدم بنسق سريع.

معاوية رجل الدولة معاوية رجل الدولة

$
0
0
من الجمل الخالدة في التاريخ الإسلامي مقولة «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني.. ولو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا شدوها أرخيتها وإذا أرخوها شددتها»، كذلك مقولة «ما من شيء ألذ عندي من غيظ أتجرعه»، إنهما المقولتان الصادرتان عن رجل يعد في تقديري من أقدر رجال الدولة في التاريخ الإسلامي، فهو الذي استطاع أن يتغلب في دربه على أعتى المصاعب، ومع ذلك وضع قاعدة قوية استمرت واحدا وتسعين عاما، وعندما ورثت الدولة العباسية دولته الأموية، فإنها لم تُغير كثيرا في حجم الدولة والتي وصلت لقرابة مليون كيلومتر مربع، كما لم تغير في قواعد تسييرها التي أرساها معاوية بن أبي سفيان ومن بعده، ولذا فهو بحق سياسي من الطراز الأول، ولكن مما لا شك فيه أنه أيضا من أكثر الشخصيات التاريخية التي حظيت باختلافات فكرية وعقائدية بسبب الخلاف السياسي الذي وقع بينه وبين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ولكن الاختلافات حول شرعيته ليس هنا مجال مناقشتها، فالمقصود اليوم إبراز دوره كرجل دولة وحنكته السياسية والاستراتيجية التي لا خلاف عليها. لقد تميز معاوية بن أبي سفيان بفراسة وذكاء شديدين منذ نعومة أظافره، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن أمه هند بنت عتبة زوجة عزيز مكة أبي سفيان بن حرب الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إن من دخل بيته فهو آمن كانت ترى فيه عن سائر إخوته خليفة والده في إمارة قريش، ولكن زلزال الرسالة والنبوة على أيدي الرسول عليه الصلاة والسلام غير بقوة شرعية النظام الحاكم في قريش وأخرجها من الظلمات إلى النور، فانقلبت الآية لا سيما بعد تأخر دخول أبي سفيان بن حرب وأسرته في الإسلام فأصبحوا «الطلقاء» بعد أن كانوا الأمراء، وإزاء هذا المتغير الجديد بدأ معاوية صعوده السياسي وسط عمالقة ممن لهم السبق، كما أن المجتمع الجديد لم ينس واقعة محاولة والدته أكل كبد حمزة عم النبي، فنعته خصومه بأنه «أبن آكلة الكبد»، بينما حذره أبوه بجملة في إحدى رسائله له قائلا: «إن هذا الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسول الله، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة وسادة وصرنا أتباعا»، وعلى الرغم من أن التيار السياسي والاجتماعي كان ضد معاوية فإنه استعان بعدد من الأحداث التي كفلت له القدرة على مواجهة الواقع الجديد، وعلى رأسها تقريب الرسول عليه الصلاة والسلام له وجعله من كتبة الوحي وزواج أخته بالمصطفى عليه الصلاة والسلام. لم يتقلد معاوية أي وظيفة قيادية في عهد الرسول ومن بعده أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولكن الأخير فتح المجال لبني أمية من خلال تأمير أخيه يزيد بن أبي سفيان الجيش الإسلامي المتوجه إلى الشام، أما معاوية فكانت بدايته في فتح قيسرية بتوجيه من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي ولاه فيما بعد إمارة بجنوب الشام في العام الهجري السابع عشر، ثم تم إسناد فلسطين والأردن ومن بعدهما ولاية الشام كلها له، وقد آثر معاوية منذ البداية أن يقرب أهل الشام له، ومع مرور الوقت بدأت الشام تدين له بالولاء التام، فلقد لعب دورا كبيرا في جعلها المركز الأساسي للتجارة في الدولة الإسلامية وهو ما فتح لها المجال لمزيد من الانتعاش الاقتصادي، كما أنه أصلح الشوارع واهتم بالزراعة وبرفعة الرعية هناك وهو ما ضمن له حب وتأييد أهل الشام. كذلك استحدث معاوية أول أسطول في التاريخ الإسلامي، حيث أصر الرجل على إقامة أول عمارة إسلامية على الرغم من معارضة القيادة السياسية لبعض الوقت، وبمجرد بنائها بدأت يد الدولة الإسلامية تطول المناطق التي كانت مستعصية عليها لا سيما الجزر التي كانت تقع أمام سواحل الشام، وهو ما وقى الدولة الإسلامية شرورا بيزنطية كثيرة وكسر تسيد أسطولها لشرق البحر المتوسط، وفكرة إقامة الأسطول في حد ذاتها عمقت من الموقع الجيوستراتيجي للشام كطريق تجاري هام في الدولة الإسلامية، وجعلتها القاعدة السياسية والاقتصادية الهامة وأثرت مباشرة على تأمينها ورفاهيتها الاقتصادية مما زاد من شعبية معاوية، لا سيما بعدما أمن الحدود الشمالية للبلاد. ولكن الزلزال الخطير الذي هز الأمة الإسلامية بمقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه هز شرعية معاوية، خاصة بعدما تولى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) الولاية، وهنا آثر معاوية أن يمنع البيعة له مستندا إلى ضرورة القصاص لمقتل الخليفة عثمان، كما أنه آثر أيضا أن لا يدخل في الصراع الداخلي بعد انشقاق طلحة والزبير عنه وحدوث موقعة الجمل، وهو ما جعله ينتظر قدوم الحرب إليه مثبتا وضعه السياسي والعسكري بدعم قوي من أهل الشام، ثم كانت واقعة صفين الشهيرة ولكنه استطاع أن يعالج الأمر سياسيا من خلال التحكيم الذي أضر بالإمام علي بن أبي طالب وفق ما أورده المؤرخون، ولكن الحظ خدم معاوية كثيرا فلقد نجا من محاولة الاغتيال التي دبرت للتخلص منه ومن عمرو بن العاص والإمام علي (كرم الله وجهه) في وقت واحد، فكانت النتيجة انفراده بالحكم بعدما آل لواء المعارضة للحسن بن علي رضي الله عنهما الذي آثر الصلح فدانت الدولة الإسلامية لمعاوية وبايعه أغلبية من المسلمين فيما عرف بعام الجماعة في 41 هجريا، وقد حكم معاوية تسع عشرة سنة، فأسس لدولة الخلافة الأموية وأدخل البريد ونظم الدواوين، كما توسعت الدولة الإسلامية في عهده بشكل كبير وينسب له فضل أول محاولة لإسقاط القسطنطينية بمحاصرتها بالأسطول لسنوات طويلة، كما أن توسعاته الخارجية شرقا وغربا كانت محل تقدير لدى الجميع، وقد تجلت عظمته السياسية في الوسيلة التي تعامل بها مع المعارضة الداخلية حيث استخدم اللين في أغلب المناسبات والشدة في مناسبات أقل في محاولة للم الشمل مستعينا على ذلك بجملته الشهيرة «إني لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر (خلف) أذني». هكذا أصبح معاوية بن أبي سفيان أحد أعظم الشخصيات السياسية في التاريخ الإسلامي لما يملكه من رؤية وبعد نظر وفراسة سياسية، وهو ما سمح له بأن يؤسس لحكم جديد ويغير المعادلة السياسية السائدة، ولكن الملاحظ أن الصرح السياسي الهائل والعظيم الذي شيده معاوية ممثلا في الدولة الأموية واجه في مناسبات كثيرة أزمة شرعية منذ ميلاد الدولة وحتى مماتها حيث استمرت الحركات الثورية طوال فترة وجودها إلى أن أزيلت على أيدي الدولة العباسية. * كاتب مصري

سليم إدريس: اللواء الذي كسب ثقة الغرب سليم إدريس: اللواء الذي كسب ثقة الغرب

$
0
0
يمثل اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، الوجه الحسن للثورة السورية الساعية إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، مقابل وجه آخر أخاف الغرب يتمثل في جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي نبتت في سوريا بعد اندلاع الأزمة واستطالة عمرها. ففي مقابل النفوذ العسكري الكبير لهذه التنظيمات، وضعف قيادات الجيش الحر، كان سليم إدريس خيارا ثالثا انتصر في مؤتمر المعارضة المسلحة في أنطاليا، رغم قصر المدة التي فصلت انشقاقه عن النظام، وعن ترؤسه المعارضة المسلحة، والتي لم تزد على 6 أشهر فقط. وقد لمع نجم إدريس بعد نجاحه في قيادة الجيش الحر إلى مرحلة جديدة، بعد أن استطاع النفاذ إلى مراكز القرار الدولي، وحصوله على الاعتراف ووعود التسليح. لكن مهمة إدريس لا تبدو سهلة، في وسط تجاذبات دولية وإقليمية ومحلية تعصف بالمعارضة السورية سياسيا وعسكريا، فهو مضطر إلى مواجهة الزعماء المحليين الذين يحاولون أن ينشئوا لهم موطئ قدم في الأراضي السورية، بالإضافة إلى «المواجهة الحتمية» مع الإسلاميين الراديكاليين. ويسعى إدريس بشدة إلى تنظيم المقاتلين، ونقلهم إلى مرحلة الجيش النظامي بدلا من مرحلة الكتائب القائمة حاليا، مطمئنا الغرب والعرب بأن العسكر لا يريدون السلطة بعد إسقاط النظام، متعهدا بإعادة كل قطعة سلاح يحصل عليها إلى من قدمها وفق أرقام متسلسلة. وقف إدريس بلباسه العسكري المرقط أمام البرلمان الأوروبي مخاطبا برلمانيي الاتحاد بكل ثقة طلبا لدعم عسكري ولوجيستي لجيشه الناشئ الساعي إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو يحظى على ما يبدو بثقة الحكومات الغربية لدرجة أن الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما تراهن عليه كما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، وتعتبره قادرا على بناء جيش متماسك من المعارضة بإمكانه إلحاق الهزيمة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد والتصدي للجماعات المتطرفة وبالتالي المساعدة في بناء دولة سوريا جديدة مستقرة. ووصلت الصحيفة إلى حد وصف إدريس بأنه «حجر الزاوية في استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة، حيث إن مواقفه المسؤولة والمعتدلة كانت العامل الذي جعل الإدارة تراهن عليه». وكان إدريس قد وجه رسالة إلى الرئيس الأميركي قال فيها: «أتفهم سيدي الرئيس الأسباب التي تقف وراء حذرك الشديد بشأن التدخل في سوريا، ونحن بحاجة ماسة إلى دعمكم سواء من حيث المساعدة المالية والعينية أو التدريب، أو تزويدنا بمعدات متقدمة تساعدنا على تقديم الدليل على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية وللتصدي للآثار الهمجية الناجمة عن ذلك». وختم إدريس رسالته قائلا: «ربما كان الأمر الأكثر أهمية أن سوريا الحرة المستقبلية لن تكون بحاجة إلى أسلحة دمار شامل، بل إلى التخلص من الأسلحة الكيماوية، التي لا معنى لها والتي يمتلكها الأسد». يتحدر اللواء سليم إدريس من قرية المباركية الواقعة شرق محافظة حمص، انخرط في السلك العسكري النظامي في وقت مبكرا من حياته وتابع تحصيله العلمي في العلوم العسكرية في موازاة تدرجه في الرتب العسكرية فحصل على شهادة دكتوراه في اختصاص «الردارات الإلكترونية». وبات محاضرا في أكاديمية الأسد العسكرية في حلب ومدير معهد الهندسة فيها، إضافة إلى وصوله إلى رتبة لواء. عمل إدريس في مجال تأليف الكتب المتخصصة بالعلوم العسكرية حيث وصل عدد مؤلفاته إلى 12 كتابا معظمها عن المعالجات المنطقية. وأشرف على مشروع تحديث مؤسسة مياه حلب بسبب خبرته في مجال الاتصالات والمعلوماتية. لا ينتمي إلى أي حزب أو تيار سياسي، إضافة إلى إتقانه خمس لغات أجنبية، بينها الإنجليزية الأمر الذي سهل عليه إلقاء خطابات في الكثيرة من المحافل الدولية كالاتحاد الأوروبي. إنشق إدريس في 20 أغسطس (آب) 2012 بتسهيل من الجيش السوري الحر حيث انتقل مع عائلته، المكونة من زوجته و3 أولاد، إلى تركيا ليعود بعدها إلى الداخل ويعمل في مناطق ريف إدلب وحلب، حيث تم انتخابه رئيسا لهيئة أركان الجيش الحر في 7 ديسمبر (كانون الأول)2012. ويتسم اللواء إدريس، الذي درس الهندسة في ألمانيا بآرائه المعتدلة البعيدة عن أي نفس طائفي. وهو يعادي جبهة النصرة حسب ما قال لصحيفة «واشنطن بوست»، مشيرا إلى إنه أمر رجاله بوقف التعاون معها. وكرر تصريحات سابقة أعلن فيها استعداده للتفاوض بشأن الانتقال السياسي مع قادة عسكريين في جيش النظام، على ألا تكون أياديهم ملطخة بدماء المدنيين. كما أبدى اللواء إدريس استعداده للقاء المسؤولين الروس. وقال: «إذ كانت لديهم مصالح فإننا سنناقش الدور الروسي في المستقبل وسنكون إيجابيين جدا». الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتعليق فورا «مستعدون للتفاوض معه». إلا أن مصادر في المعارضة السورية تنظر بحذر وريبة إلى قبول روسيا دعوة إدريس إذ يشير عضو الائتلاف الوطني المعارض وممثله الدبلوماسي في أميركا، نجيب الغضبان إلى أن الروس دائما يناورون في الموضوع السوري. ويرفض الغضبان حصر مهمة إدريس بالتفاوض مع الروس فالرجل كما يؤكد عرف كيف يخاطب الغرب وتحديدا الولايات المتحدة ما جعله مصدر ثقة للقيادات الغربية. ويضيف: «لقد قدم إدريس وجهات نظر تطمئن العقل الأميركي السياسي ومنها نيته تكوين جيش وطني محترف يتبع لقيادة سياسية يكون ولاؤه الرئيس للوطن وليس للنظام. إضافة إلى تأكيده على رفض انضمام جبهة النصرة الإسلامية والجماعات الجهادية المماثلة في تركيبة الجيش الحر حيث أكد في أكثر من مقابلة له أن الفكر التكفيري خطر على سوريا أكثر مما هو خطر على الآخرين. ويوضح بالنسبة للواء إدريس مواجهة الجماعات الجهادية ضرورة حتمية لكن ذلك لا يحدث إلا بدعم القوى العسكرية المعتدلة وهذا ما أكده أكثر من مرة أمام قادة غربيين. ويسعى إدريس إلى تشكيل نواة حقيقة لجيش تحدد له مهمات راهنة ومستقبلية إذ سبق له أن أكد عزمه تجميع قوى قوامها 30 ألف جندي من المنشقين عن الجيش السوري لتأمين حقول النفط وصوامع الحبوب ومخازن القطن فضلا عن نقاط العبور على الحدود التركية العراقية. وبحسب اللواء إدريس فإن، «العالم سيتعامل مع هذه القوة على أنها مركزية لحماية الموارد الوطنية وليست مجرد مجموعة معينة لبيع النقط». ويؤكد الغضبان أن «الأميركيين يحبذون التعامل مع مؤسسات وليس مع أفراد، ووجود إدريس حاليا على رأس المجلس العسكري الأعلى شجعهم على التعاطي معه»، مشيرا إلى أن مواقف إدريس المتوازنة حيال الكثير من القضايا التي تشكل هواجس بالنسبة للأميركيين أعطته مصداقية عالية عندهم، مثل قضية الأقليات التي طرحها اللواء إدريس أكثر من مرة مشددا أن جيشه سيضم جميع الشرائح والطوائف ولن يحمل لونا مذهبيا محددا. ويلفت الغضبان إلى أن إدريس لديه نظرة استراتيجية بسبب حيازته على شهادات جامعية في العلوم العسكرية تجعله يفهم طبيعة العلاقة بين العسكر والمدنيين بحيث تكون القيادة العسكرية تحت سقف القرار السياسي الوطني. ورغم هذه الثقة التي يحظى بها إدريس من جانب الغرب فإن أصواتا داخل الجيش الحر تمثل نواته التأسيسية الأولى تنظر إلى الرجل بطريقة مختلفة، إذ يؤكد أحد الضباط من الذين شغلوا مناصب قيادية في الجيش السوري الحر خلال المراحل الأولى لتأسيسه أن سليم إدريس هو نقطة تقاطع مصالح أجهزة الاستخبارات العربية والإقليمية والدولية، قائلا، إن الرجل يتلقى التعليمات هو وأركان هيئته من الأجهزة الاستخبارتية دون أن يمتلك حق الاعتراض على أي قرار مهما كان حجمه. ويميز الضابط المنشق بين من يسميهم «الثوار الحقيقيون» الذين يمثلهم العقيد رياض الأسعد وعبد الجبار العكيدي ومالك الكردي وأحمد حجازي وعارف الحمود وبين أولئك الذين أجبرتهم الظروف على الانشقاق ومنهم سليم إدريس، لافتا إلى وجود سنة كاملة تفصل بين إعلان رياض الأسعد انشقاقه وبين إعلان سليم إدريس انشقاقه، قائلا: «لقد كان الأخير يقاتل إلى جانب النظام بينما كنا نحن نجاهد لرص صفوف الكتائب المقاتلة بهدف إسقاط النظام». ويؤكد أحد الضباط في الجيش الحر، أن «إدريس ضابط مهندس أي أنه ينتمي إلى الجناح التقني في العلوم العسكرية وليس إلى الجناح التخطيطي القتالي الميداني ما يجعله في موقع غير مناسب». ويضيف المصدر ذاته أن «شخصية اللواء ضعيفة يمكن تسييرها حسب أهواء الجهات الممولة للثورة وهذه ليست من صفات القادة الذين تطمح الثورة السورية بالسير خلفهم لتحقيق أهدافها». وعن آلية انتخاب إدريس، قال المصدر: «لقد كان الهدف إزاحة الضباط الذين يحملون الفكر الثوري وإحضار من يخضع لضغوط وابتزاز الدول الكبرى، في هذا المناخ تم انتخاب سليم إدريس وفرضه على الثورة» ويتابع: «لقد كان إدريس حصيلة التدخل المخابراتي الشامل بشؤون الثورة السورية». وكان إدريس قد انتخب رئيسا لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر، في ختام اجتماعات مطولة عقدها في مدينة أنطاليا في تركيا ممثلون عن مختلف فصائل المعارضة السورية المقاتلة في الداخل، فيما استبعد قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد ومنح «مكانة تكريمية». وجاء انتخابه بأغلبية الأصوات، فيما فاز العقيد مصطفى عبد الكريم بموقع معاون الرئيس، والعقيد عبد القادر صالح كمساعد لرئيس الأركان. ووصل عدد المشاركين آنذاك، إلى 550 يمثلون مختلف الفصائل المقاتلة داخل سوريا. ويحمل الضابط السابق في الجيش الحر الذي يعيش حاليا في أحد المخيمات في تركيا دون أن يشغل منصبا عسكريا هيئة الأركان التي يرأسها إدريس مسؤولية التراجع الميداني من جانب المعارضة، مشيرا إلى أن أسباب التأخير تتعلق بعقلية إدريس التي تميل إلى التنظيم أكثر مما تشتغل بالتخطيط العسكري على الأرض. ويكشف المصدر أن اللواء إدريس عين 4 مساعدين له مدنيين ليس لهم خبرة في المجال العسكري، منهم عبد القادر الصالح وحمزة الصالح إضافة إلى أن مجلس الدفاع الأعلى يضم 21 مدنيا. ويضيف: «وجود مدنيين أمر غير سليم في القيادات العسكرية وإذا كان لا بد من الاستعانة بهم، فإن ذلك يتم بغرض المشورة والنصح لا أكثر». ويوضح المصدر أن «هيئة الأركان الحالية ليست بنية عسكرية قائمة على أساس مهني بقدر ما هي خليط من العسكر العديمي الخبرة والمدنيين». ويأخذ المصدر العسكري السابق على إدريس قبوله الترفيع العسكري إلى رتبة أعلى ليصبح لواء، معتبرا الأمر مخالفة لقواعد التدرج المناصبي داخل المؤسسة العسكرية، كما يجزم بأن اللواء سيفشل في تشكيل جيش وطني يسقط نظام الأسد ويساعد على تمرير مرحلة انتقالية، مشيرا إلى أن كتائب كثيرة لا تخضع لهيئة الأركان بسبب مصادر تمويلها إضافة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بتجنيد ضباط وجماعات عسكرية كي تضمن لنفسها وجودا عسكريا في مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد. في المقابل، يشير الناطق باسم هيئة الأركان العليا في الجيش السوري الحر العقيد قاسم سعد الدين إلى أن اللواء سليم إدريس يملك حسا وطنيا وقوميا إضافة إلى كفاءته وخبرته العسكرية وثقافته العالية وتمكنه من اللغات الأجنبية ما يجعله شخصا مناسبا في موقع مناسب. ويسخر سعد الدين من مقولة أن إدريس يميل في تفكيره إلى التنظيم وليس إلى القيادة الميدانية، معتبرا أن رئيس هيئة الأركان يتابع التفاصيل الميدانية بنفسه ويعطي التعليمات بشأنها، مشددا على أن حيازة إدريس على شهادة في العلوم العسكرية وتخصصه في الهندسة ليس نقصا في تاريخه العسكري على العكس هو مكسب له، حيث يتم ردم الفجوة بين التنظير العسكري وتطبيقه في الواقع. ويشدد سعد الدين على أن لدى اللواء إدريس رؤية استراتيجية لتكوين جيش مهني محترف غرضه تحرير البلاد وتأمين وصولها إلى الديمقراطية الفعلية. وعن تأخر انشقاقه، قال: «اللواء كان يدرس في أكاديمية الأسد مواد متعددة في العلوم العسكرية ومع بداية الثورة صار يشعر بضرورة الانشقاق وضميره لم يعد يسمح بالمتابعة، لكن الظروف لتأمين ذلك أخذت وقتا. وينفي سعد الدين أن يكون إدريس تابعا لأي جهة عربية كانت أو دولية، مشيرا إلى أن الرجل يسعى لتنفيذ إجراءات لصالح الشعب السوري، ويضيف: من ضمن مهام اللواء التواصل مع الدول الداعمة للثورة السورية من أجل تنسيق سبل الدعم وطرقه، فهل يعتبر ذلك تابعية؟ وبخصوص الرتبة العسكرية التي تم ترفيع إدريس ليشغلها فيصبح لواء بدلا من عميد، قال: «هذا أمر ثانوي وعابر أمام المهام التي تنتظرنا من تحرير البلاد وإقامة جيش قوي ودولة ديمقراطية».

قالوا

$
0
0
* «لا بد من التزام إسرائيل بالوقف الكامل للبناء الاستيطاني في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس الشرقية» * عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف يرد على تقارير تقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر بتجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية مؤقتا * «على الدول الأوروبية أن تفتح أبوابها للتونسيين» * حسين الجزيري الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج بالحكومة التونسية المؤقتة * «الولايات المتحدة تؤمن حقا بأن لنا مصالح مشتركة مهمة جدا في سوريا» * وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول النزاع في سوريا مؤكدا أن موسكو وواشنطن لهما مصالح مشتركة في ذلك البلد * «إسرائيل انتهكت أجواء لبنان للاعتداء على سوريا بهدف تأجيج الوضع المتأزم أصلا في المنطقة» * رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي * «التعديل سيأتي في وقته.. ولا أحد يتمتع بحماية في الحكومة» * الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يتحدث للمرة الأولى بعد سنة على انتخابه عن «تعديل» وزاري، من دون أن يحدد موعدا لذلك

3 سيناريوهات أمام الجزائر 3 سيناريوهات أمام الجزائر

$
0
0
جددت الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الأسبوع الماضي، وتطلبت نقله على وجه السرعة للعلاج في فرنسا، الجدل حول المستقبل السياسي القريب للبلاد وسيناريوهات أي انتقال محتمل للسلطة. ورغم أن عددا معتبرا من الجزائريين باتوا مقتنعين بأن الطارئ الصحي الجديد للرئيس بات عائقا أمام احتمال ترشحه لولاية رابعة في انتخابات ربيع عام 2014، فإن بعض السياسيين راحوا يرسمون سيناريوهات أخرى تتعلق بانتقال للسلطة قبل ذلك الموعد، خصوصا مع تكثيف الجدل حول الاحتكام للمادة 88 من الدستور التي تتحدث عن إعلان شغور منصب الرئيس في حال مرض خطير. يؤكد مراقبون لصيقون بمراكز القرار في الجزائر، أن إصابة الرئيس بالوعكة الأخيرة هي من ضمن وعكات يتعرض لها في فترات متقاربة، ولا يتم الحديث عنها أبدا. لكن الرئاسة سارعت هذه المرة إلى الإعلان عنها رسميا، وهو ما لم يحدث من قبل.. مما فتح باب التأولات على مصراعيه. البعض يرى أن الوعكة الصحية أنهت حلم الولاية الرابعة بالنسبة للرئيس، وآخرون يرون أنها قد تكون تحضيرا عمليا لها. فالرئيس بوتفليقة سيعود من باريس وبمهرجان وتظاهرات واحتفالات، ستوصف بالعفوية وسترفع فيها شعارات الولاية الرابعة، ومنها تبدأ مرحلة أخرى للإعداد الفعلي لولاية أخرى له. يقول جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد المعارض، ومتزعم ما يعرف بجبهة معارضة ترشح بوتفليقة لولاية رابعة بالجزائر، أن عجز الرئيس بدنيا يمنعه من الاستمرار في الحكم، مما سيحرم المنتفعين من سياساته من مواصلة نهب ثروات البلاد. ويرى جيلالي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن الجزائر مقبلة على ثلاثة سيناريوهات، بعد الوعكة الصحية التي أصابت الرئيس، «الأول أن يستعيد الرئيس عافيته بما يسمح له الاستمرار في الحكم حتى نهاية ولايته، فينظم انتخابات رئاسية ويسلم السلطة لشخص آخر.. وهو سيناريو لا أعتقد حدوثه، أما السيناريو الثاني، أن يعود الرئيس إلى تسيير دفة الحكم، لكنه سيكون ضعيفا بدنيا وسيعلن عن انتخابات مبكرة في الخريف المقبل، والسيناريو الثالث، أن يستمر الوضع الصحي للرئيس، وبالتالي سيتم الإعلان عن شغور المنصب وستنظم الانتخابات في الآجال المعلن عنها دستوريا». ويرى جيلالي أن «أسوأ سيناريو يمكن توقعه، أن يطلب بوتفليقة لنفسه ولاية رابعة في حال استرجع لياقته وعاد إلى النشاط من جديد». ويوجد الرئيس منذ السبت 27 أبريل (نيسان) الماضي بفرنسا، للعلاج بعد أن أصيب بجلطة دماغية لم تترك آثارا سلبية عليه، بحسب الأطباء الذي نصحوا عائلة الرئيس بنقله إلى باريس لإجراء فحوصات طبية، في نفس المستشفى الذي خضع فيه لعملية جراحية عام 2005. وأوضح جيلالي أن الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس، الحالي الحديث عنها بمناسبة اقتراب موعد انتخابات الرئاسة (ربيع 2014)، «لم تعد مطروحة في اعتقادي منذ 27 أبريل الحالي»، في إشارة إلى يوم إصابة الرئيس بجلطة في الدماغ. وأضاف أن ترشح بوتفليقة لفترة جديدة ستكون كارثية على البلاد. ويتزعم سفيان جيلالي منذ شهور حملة ضد استمرار بوتفليقة في الحكم، وأطلق ما سمي جبهة ضد الولاية الرابعة بمعية رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ورجل الثورة محمد مشاطي (92 سنة). وعلى مدى سنوات، اعتاد الرئيس بوتفليقة والمحيطون به، تسيير الأخبار المتعلقة بمرضه بطريقة خاصة. فقد كان الرئيس، وفي كل مرة يتفاقم فيها الحديث عن تعرضه لطارئ صحي، يلجأ إلى كاميرات التلفزيون العمومي لتفنيد تلك الأخبار. ويحتفظ المهتمون بقضية مرض الرئيس بحادثتين بهذا الخصوص، الأولى عندما تنقل إلى مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة لزيارة عالم الدين المصري يوسف القرضاوي الذي أصيب بوعكة، وحينها انتشرت بقوة إشاعة تتحدث عن وفاته. والثانية لما استقبل عائلة لاعب كرة القدم الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، زين الدين زيدان مع شقيقيه مصطفى والسعيد، في الإقامة الرئاسية جنان المفتي وحينها كانت إشاعة وفاته ووفاة شقيقه الطبيب مصطفى، انتشرت بسرعة وأخذت بعدا تعدى حدود البلاد. وبعدها بأسابيع توفي مصطفى متأثرا بسرطان. ويوجد شبه إجماع في الأوساط السياسية والإعلامية، على أن فضائح الفساد التي كتبت عنها الصحافة في المدة الأخيرة والتي أشارت إلى تورط شقيقه ومستشاره السعيد فيها، تركت أثرا بالغا في نفسية بوتفليقة وانعكست على صحته التي هي أصلا متردية منذ سنوات. واللافت في تعاطي السلطات هذه المرة مع ملف الرئيس الطبي، أنها لأول مرة تكشف عن طبيعة مرض بوتفليقة. ففي نهاية 2005 قالت الرئاسة، إنه نقل إلى فرنسا لإجراء فحوصات طبية معمقة، واتضح فيما بعد بأنه أصيب بنزيف حاد في المعدة. وأثير جدل حول إصابته بورم ترفض السلطات الاعتراف به. وظل ملف صحة بوتفليقة سرا من أسرار الدولة طيلة 7 سنوات ونصف، ولكنه دخل رسميا ساحة التداول السياسي، كما ظلت الإشاعة حول مرضه تغذي صفحات الجرائد طول تلك المدة. ويطرح الإعلان عن مرض الرئيس والكشف رسميا عن طبيعة ما يشكو منه، مسألة خلافته والسيناريوهات المطروحة بخصوص الشخصيات المؤهلة لقيادة للبلاد. يقول إنور مالك المحلل السياسي الجزائري المقيم بفرنسا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «صحة الرئيس بوتفليقة ليست على ما يرام هذا أمر مفروغ منه، ووعكته الصحية تندرج في إطار تدهور حالته منذ العملية الجراحية التي أجريت عليه بفرنسا نهاية 2005. وكان وضعه الصحي هو الأمر الذي قد يفسد خطة الولاية الرابعة، ولذلك وجب مواجهة الأمر قبل موعد انتخابات الرئاسة المنتظرة في ربيع العام المقبل». ويقول مالك، وهو ضابط عسكري سابق: «في تقديري الشخصي، لن يغادر بوتفليقة الحكم لأن في ذلك سيعني سقوط رؤوس كثيرة من المستفيدين من بقاء نظام حكمه.. وآخرين متورطين في قضايا فساد وجدوا في فترة حكمه، (14 سنة)، ما لم يجدوه حتى في فترة رئاسة الشاذلي بن جديد (1979 - 1992) التي وصفت بالسوداء، بل حتى أيضا في العشرية الحمراء حيث كان الجزائري لا يهمه ثروة بلاده بقدر ما يهمه عنقه فقط». ويقصد بالعشرية الحمراء في لغة الجزائريين، بفترة تسعينات القرن الماضي حيث حصد الإرهاب أكثر من 150 ألف روح، بحسب حصيلة رسمية. ويقول إنور مالك: «هناك توجه بلا شك في أعلى هرم السلطة، لا يريد أصحابها ولاية رابعة لبوتفليقة، ولكن هؤلاء ليسوا بالقوة التي تهدد الجهة الأقوى التي تريد له البقاء في قصر المرادية (مبنى الرئاسة). الآن يوجد صراع بلا شك وقد سقطت رؤوس كأحمد أويحيى (رئيس الوزراء السابق) وغيره وحتى تلك التي يطاردها الفساد ممن كانت تحسب على الدائرة المغلقة للرئيس بوتفليقة.. إن السيناريو الأقرب إلى الحقيقة، في نظري هذه اللحظة، هو نجاح أنصار الولاية الرابعة في التسويق لها حتى من خلال الوعكة الصحية للرئيس، ويبقى الأمر يخضع للمفاجآت المعروفة في المشهد السياسي الجزائري سواء بالوفاة أو بأشياء أخرى». بدوره، ذكر المحلل السياسي الجزائري، العربي زواق، أنه ليست هذه المرة الأولى التي ينقل فيها الرئيس بوتفليقة للعلاج في الخارج، لكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها بصفة رسمية وعلى لسان الوزير الأول بأن الرئيس قد نقل إلى فرنسا للعلاج، وهو ما يعني أننا أمام وضع شبيه بذلك الذي تعرض له عام 2005، مع ما تبع ذلك من إجراء لعملية جراحية ومكوث بالمستشفى الباريسي لعدة أشهر، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستجدات المرحلة، وهي أن الرئيس هذه المرة في حالة صحية ضعيفة، وأضعف مما كان عليه عام 2005، كما أن البلد يتخبط هذه المرة في مشكلات واضطرابات اعترفت السلطة بأنها خطيرة مثل ملفات الفساد والاضطرابات التي يعيشها الجنوب الجزائري، زيادة على هذا فإن العالم كله شهد تغيرات في هذه المرحلة، باستثناء الجزائر وكوريا الشمالية، والأخطر من كل هذا، أن ولاية بوتفليقة تقترب من نهايتها، وكل شيء متوقف على التساؤل المطروح على كل لسان، وهو هل سيترشح الرئيس لرابعة؟ ويرى زواق المعروف بكتاباته المعارضة لسياسات الرئيس، أن الذين يعرفون نفسية بوتفليقة يجزمون بأنه غير مستعد لمغادرة الحكم لو بقي قادرا على الحركة، وسيترشح حتما حتى ولو كان غير قادر على الخروج ولو مرة واحدة لتنشيط حملته الانتخابية، ويكفيه أن يوجه خطابا عبر التلفزيون، لكن هل الجزائر مقفرة من كل مكامن القوة إلى الدرجة التي يفعل بها رجل مريض كل هذا دون أن يقول له طرف آخر لا؟!! وأضاف زواق: «المؤكد أن بوتفليقة نجح في تحويل الساحة السياسة إلى صحراء جرداء قاحلة، كما أنه قزم المؤسسة العسكرية إلى الدرجة التي أصبح البعض من الجزائريين يشك، في أنها تشكل رقما يمكن الاتكال عليه في حالة تأزم الأوضاع إلى درجة خطيرة. والحقيقة التي يمكن الجهر بها، هي أنه شتان بين مؤسسة الجيش التي كان يقودها جنرالات بحجم جنرالات مطلع تسعينات القرن الماضي والمؤسسة العسكرية الحالية، وشخصيا أشك أن هذه المؤسسة تستطيع منع بوتفليقة من الترشح إذا ما رغب في ذلك حتى ولو أعلن عن ترشحه وهو ممدد فوق سرير». وحول البدائل المطروحة لخلافة الرئيس في حال المانع الصحي، يقول زواق: «بالنسبة للبدائل المطروحة لخلافة بوتفليقة، شخصيا لا أرى من هو مؤهل لرئاسة الجزائر لو ترشح بوتفليقة، وكل الذين سينافسونه سيكونون مجرد أرانب لتسخين الحملة الانتخابية كما حدث في انتخابات الرئاسة الماضية، وهذا لأننا تعودنا في الجزائر على أن نتائج الانتخابات الرئاسية محسومة مسبقا لمن يسمى مرشح السلطة، فإذا ما تقدم بوتفليقة فسيتقدم كمرشح للسلطة بطبيعة الحال، أما إذا ما حدث تطور ما وأصبح بوتفليقة عاجزا وغير قادر حتى على الظهور في التلفزيون، فأرى شخصيا أسماء مثل أحمد أويحيى أو علي بن فليس (رئيس الحكومة الأسبق) والشريف رحماني (وزير الصناعة الحالي) وبدرجة أقل أحمد بن بيتور (رئيس الحكومة الأسبق). وتصنيفي لبن بيتور في ذيل الترتيب، راجع إلى أنه الوحيد الذي يتكئ على نفسه وقدراته فقط، هذا الاحتمال سيطرح في حالة العجز التام لبوتفليقة، أما في حالة عجزه عجزا جزئيا، أي أنه لا يترشح لكن تكون له كلمة في اختيار مرشح السلطة القادم، في هذه الحالة أرشح الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي يمكن الجزم بأنه يحظى برضا الجيش وفي نفس الوقت رضا بوتفليقة. ويرى إنور هدام القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، المحظورة، واللاجئ بالولايات المتحدة، على صفحته بـ«فيس بوك»، بخصوص مصير الحكم بعد مرض الرئيس، إن «بلدنا الجزائر في حاجة إلى إرادة سياسية وطنية، من أجل استعادة الثقة بين جميع التيارات السياسية، ومن أجل انحياز المؤسسة العسكرية والمخابراتية إلى الشعب، حتى نتمكن معا من تحقيق تغيير حقيقي للنظام السياسي القائم وطبيعة صنع القرار فيه.. إننا في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية (تنظيم أسسه في المنفى) نرى أن أحد معالم التغيير المنشود، يكمن في إحداث القطيعة التامة والفعلية مع النظام القائم وتدابيره للهروب إلى الأمام بل إلى المجهول. إننا مع السيناريو الذي يعتمد أولوية استعادة السيادة للشعب، وفتح المجال لجميع أبناء وبنات الشعب للمشاركة في التنافس السياسي التعددي النزيه لخدمة الشعب». ويقول رشيد تلمساني أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إن «إعلان مرض الرئيس حدث غير عادي في تقاليد النظام الجزائري، الهدف منه تحضير الرأي العام لخلافة بوتفليقة». ويعيد مرض الرئيس الجزائري الذي سبق أن قضى فترة نقاهة طويلة في 2005، إلى الواجهة مسألة خلافته قبل أشهر من انقضاء ولايته الرئاسية الثالثة، بحسب تلمساني. ويضيف: «قبل الجلطة الدماغية الصغيرة التي تعرض لها، كان الرئيس متأكدا من انتخابه لولاية رابعة، حتى إن المتعاطفين معه كانوا يحضرون لطلب ترشحه بمناسبة نهائي كأس الجزائر بين مولودية الجزائر واتحاد الجزائر الأربعاء». لكن بعد هذه الأزمة الصحية فإن المعطيات تغيرت، بحسب تلمساني الذي أشار إلى احتمالات أخرى، في حالة أن الرئيس يكمل ولايته الثالثة ولا يترشح لخمس سنوات أخرى. في هذه الحالة ستدخل الجزائر في مرحلة انتقال ديمقراطي للسلطة. وفي هذه الحالة أيضا ستطرح مسألة أخرى، وسيصبح المجال السياسي مفتوحا لأول مرة في تاريخ الجزائر ولن يكون بمقدور الديوان الأسود (النافذون أصحاب القرار السياسي) اختيار مرشح النظام وسينقسم الجيش إلى عدة مجموعات». أما ضابط الجيش السابق والمحلل السياسي أحمد عظيمي فيرى أن بوتفليقة يمكن أن يعلن انتخابات رئاسية مسبقة كما فعل سلفه اليمين زروال في 1998. وأبدى عظيمي قناعته بأن سن الرئيس، 76 سنة، ومرضه لن يسمحا له بالترشح لولاية رابعة في 2014. وقال: «إذا قرر البقاء إلى نهاية ولايته فسيسعى لأن تكون له كلمته في اختيار من يخلفه، لكني أعتقد أن المسؤولين الجزائريين غير مستعدين لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة. الأمور لم تتضح بعد». ومعروف في الجزائر أن الجيش منذ الاستقلال الجزائر في 1962، هو الذي يختار الرئيس، من أحمد بن بلة (1962 - 1965) وهواري بومدين (1965 - 1978) والشاذلي بن جديد (1979 - 1992) ومحمد بوضياف الذي استدعي من منفاه الإرادي في المغرب ليتم اغتياله بعد ستة أشهر في يونيو (حزيران) 1992 واليامين زروال (1994 - 1999) وأخيرا بوتفليقة.

عبد الملك بن مروان: المؤسس الثاني للدولة الأموية عبد الملك بن مروان: المؤسس الثاني للدولة الأموية

$
0
0
يعد عبد الملك بن مروان المؤسس الثاني للحكم الأموي بعد معاوية بن أبي سفيان، فلقد انتهى حكم معاوية بن يزيد بن معاوية بتنازله عن الحكم لمرضه وأصبح بنو أمية في مهب الريح على خلفية انتشار خلافة عبد الله بن الزبير والذي نادى بنفسه خليفة للمسلمين وبدأت الأقطار الإسلامية تخضع له الواحدة تلو الأخر حتى استطاع في فترة وجيزة أن يسيطر على مصر والعراق والحجاز وبدأت جيوشه تستعد لغزو الشام، وأمام هذا الضغط اضطر الأمويون لجمع صفوفهم، حيث استقر رأيهم على تولي مروان بن الحكم الخلافة فبويع في المناطق التي لا تزال خاضعة للأمويين، وكانت فترة ولايته هامة للغاية حيث استعاد هيبة الدولة الأموية واسترد مصر من أيدي والي عبد الله بن الزبير وولى أخاه عبد العزيز بن الحكم (أبو الخليفة عمر بن عبد العزيز)، ولكن القدر لم يمهله أكثر من ذلك فمات الرجل تاركا الأمر لابنه عبد الملك بن مروان مخالفا بذلك الاتفاق الذي تم إبرامه بين أعيان بني أمية، ولكن هذه كانت سنة السياسية فكل رجل يفضل ولاية العهد لابنه حتى وإن كانت معقودة لغيره من الأقارب. تشير المصادر التاريخية إلى أن عبد الملك كان شاعرا ورجل علم، يتمتع بكرم شديد، كما أن الله من عليه بما يمكن أن نطلق عليه في لغتنا الحديثة بـ«الكاريزما» حيث كان محببا لكل رجاله وكل من أتي في طريقه، إضافة إلى ذلك فقد كان الرجل حازما كل الحزم عند اللزوم، وقد بلغت حنكته السياسية أقصاها فلم يعزل كل من حاربه، بل إنه استعمل من القادة اللذين كانوا يحاربونه وعلى رأسهم المهلب بن أبي صفرة، وهو ما يعكس قدرة فائقة على استغلال الظروف والأشخاص وتوظيفها لصالح الدولة، وهي الصفات التي كفلت له القدرة على التعامل مع كل المشكلات التي واجهت حكمه وخروجه منها منتصرا، خصوصا حربه مع عبد الله بن الزبير والذي لم يكن من السهل مواجهته على ضوء شرعيته القوية استنادا إلى كون والده أحد العشرة المبشرين بالجنة، وجده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أوردت كتب التاريخ لنا جملة شهيرة لعبد الملك يقارن فيها نفسه بعبد الله بن الزبير فيقول: «ما أعلم أحدا أقوى على هذا الأمر مني، فإن ابن الزبير لطويل الصلاة وكثير الصوم ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسا». تولى عبد الملك بن مروان الحكم في العام الخامس والستين الهجري في الفترة التي كانت الدولة الأموية تواجه المخاطر من اتجاهات كثيرة، فلقد واجه الرجل مجموعة من الانتفاضات التي كانت كفيلة باقتلاع الحكم الأموي على رأسها الخلافة الموازية لعبد الله بن الزبير وثورة المختار بن أبي عبيد فضلا عن القلاقل الداخلية في الشام واستعداد قيصر الروم لاسترداد الشام مرة أخرى، وكما لو أن هذه الأمور لم تكن كافية فلقد عانى الرجل من أزمة مالية حادة، ومع ذلك فقد احتفظ برباطة جأشه وحافظ على صفوف جيشه وقاد في بعض المناسبات جيوشه بنفسه ليدب الحماس في جنوده ويحمي دولته. كانت خلافة عبد الله بن الزبير أخطر التهديدات التي واجهت حكم عبد الملك في ذلك الوقت، فلقد كان الرجل يتمتع بثقل سياسي كبير بين المسلمين، ولم يكن أمام عبد الملك إلا مواجهته بكل قوة وحزم، ولكنه تعثر بعض الشيء في البداية لا سيما وأنه اضطر لمواجهة عدو جديد له وللزبير على حد سواء وهو المختار بن أبي عبيد أحد مدعي التشيع وحارب كلا من عبد الملك وابن الزبير، وقد لقيت قوات الدولة الأموية هزيمة نكراء على أيدي المختار قتل فيها قائد الجيش الأموي، ومع ذلك لم ييأس عبد الملك فلم شمل جيشه لمواجهة ابن الزبير والذي كان أخوه مصعب قد هزم المختار وتخلص من شروره. أدرك المسلمون أن المعركة الفاصلة باتت آتية بين الخليفتين في مكة والشام، وأن هذا الأمر سيحسم في العراق وليس في أي مكان آخر، فلقد انتزعت مصر من عبد الله، وبقي العراق في أيدي بن الزبير، ولو دانت العراق ومصر والشام ما استطاع الحجاز الوقوف أمام القوة الأموية المتجددة، لذلك فقد أصر عبد الملك أن يقود جيوشه بنفسه لمواجهة مصعب بن الزبير وواجهه في معركة قوية للغاية انتهت بهزيمة مصعب فدانت العراق لعبد الملك وأصبح الأمر مسألة وقت قبل القضاء على الخلافة الموازية لابن الزبير، وقد أرسل عبد الملك رجله القوى الحجاج بن يوسف ليحاصر الحرم ويضربه بالمنجنيق بعدما لجأ ابن الزبير إليه وتحصن به، فلما ظفر به حز رقبته وأرسلها لعبد الملك في الشام وصلب باقي جسده أمام الحرم ولم يدفنه إلا بعدما تدخلت أمه. وقد واجه عبد الملك أيضا مشكلات الخوارج وخروجهم عليه في مناسبات كثيرة، وقد صدر لهم ببصيرته النافذة أحد أبرع قواده وهو المهلب بن أبي صفرة، والذي استطاع أن يقهرهم في سلسلة من المواجهات، ولكن أخطر هذه الحركات كانت الحركة التي قادها شبيب بن يزيد والذي تصدى له الحجاج بن يوسف واستطاع بعد معارك ضارية أن يقضي عليه. هكذا واجه عبد الملك كل هذه المشكلات والتي لم تثنيه عن الإصلاحات الداخلية، فلقد شهدت أغلبية الولايات التي كانت خاضعة له عمليات تطوير في بنيتها الأساسية حتى في العراق ذاتها والتي كانت مركزا لمشكلات الحكم الأموي، كذلك دأب الرجل على الإصلاحات الداخلية وعلى رأسها تعريب الدواوين والتي كانت بالقبطية في مصر وبالفارسية في بلاد فارس وباليونانية في الشام، وقد أصر الرجل على ضرورة توحيد لغة الدواوين لضمان وحدة الدولة وتثبيتا لكيانها السياسي، وينسب لعبد الملك أيضا أنه أول من أمر بصك العملة الموحدة، وهو ما ضمن مزيدا من السيطرة المركزية على أطراف الدولة الأموية. استمر حكم عبد الملك بن مروان قرابة واحد وعشرين عاما، وقد عهد الرجل ولاية العهد لابنه الوليد بن عبد الملك قبيل موته في عام 86 هجريا بعد حكم دام طويلا استطاع خلاله أن يجدد دماء الدولة الأموية ويبعث فيها الروح مرة أخرى بعد الثورات والفوضى التي نالت منها، وهو ما يعكس حقيقة أن رجال الدولة عملة نادرة تحتاج إلى رباطة جأش وقدرة على المواجهة والموازنة في آن واحد، فها هو الرجل يحيي الدولة الأموية للمرة الثانية رغم المخاطر التي واجهته والتي قضت على ممالك كانت من قبله وممالك جاءت من بعده ولكن هذه سمة رجال الدولة المتميزين.
Viewing all 383 articles
Browse latest View live