Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

تأسيس مقديشو وحكامها عبر التاريخ تأسيس مقديشو وحكامها عبر التاريخ

$
0
0
* قيل إن اسم مقديشو محرف عن كلمة «مقعد شاه» (أي كرسي الملك)، إشارة إلى المكان المفضل الذي اتخذه الحاكم الفارسي مقرا له عندما حكم الفارسيون المدينة في أوائل القرن السادس الهجري، ثم أصبح ينطقها الصوماليون بمقديشو. * اختلف المؤرخون حول تحديد تاريخ تأسيس مدينة مقديشو، بعض الروايات تقول إنها شيدت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وبعض الروايات تشير إلى أن بناءها يرجع إلى ما قبل الميلاد. * تتابع على حكم مقديشو عدد كبير من الدول والسلطنات، أسس بعضها المهاجرون العرب والفارسيون، والبعض الآخر كان تابعا للخلافة الإسلامية، كما كان بعض هذه الدول تابعا لسلطنات قبلية صومالية إضافة إلى الاحتلال البرتغالي والإيطالي. وأهم هذه الدول والسلطنات: * دولة حمير: في عهد أسعد بن كرب أحد ملوك الدولة الحميرية في اليمن في القرن الرابع الميلادي. * الدولة الأموية: في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. * دولة حلوان: في أوائل القرن السادس الهجري، وحكمها حاكم من حكام حلوان من طرف محمد شاه المنسوب إلى ولاية حلوان في العراق. * دولة زوزان: في أوائل النصف الثاني من القرن السادس الهجري بعد دولة حلوان. * الدولة الشيرازية: في القرن السابع الهجري، وكانوا مشتهرين ببناء المساجد الضخمة في المدينة التي تحمل الطابع الفارسي في العمارة. * دولة فخر الدين: أسسها السلطان أبو بكر فخر الدين في القرن الثالث عشر الميلادي وحتى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي. وقد قام الرحالة العربي ابن بطوطة بزيارة مقديشو عام 1331م في عهد سلطان من هذه الأسرة هو السلطان أبو بكر شيخ عمر، كما ذكره ابن بطوطة في رحلته. * البرتغاليون: وقد حكموا مقديشو لفترة قصيرة أخضعوها لحكمهم عام 1499. * دولة المظفر: في أوائل القرن السادس عشر الميلادي. * دولة ياقوب: وهي سلطنة صومالية من قبيلة أبجال، وقد حكمت مقديشو لفترة طويلة في القرن الثامن عشر الميلادي. * الدولة العمانية: في عهد السلطان برغش العماني سلطان زنجبار الذي بسط نفوذه على ساحل أفريقيا الشرقية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي. وقد أصبحت مقديشو فعلا عام 1871م تابعة سياسيا للسلطان العماني في زنجبار . * إيطاليا: التي احتلت المدينة عام 1892 بعد عقد أبرمته الحكومة الإيطالية مع السلطان العماني، تنازل بموجبه عن سواحل الصومال لصالح إيطاليا مقابل 140 ألف روبية سنويا. * في بداية الخمسينات أصبحت مقديشو تتمتع بإدارة محلية صومالية بعد وضع الصومال تحت الوصاية الدولية في الفترة ما بين 1950 - 1960؛ حيث أصبحت عاصمة الصومال منذ الاستقلال في يونيو (حزيران) عام 1960.

مقديشو.. الوجه الآخر مقديشو.. الوجه الآخر

$
0
0
تحقق سلام نسبي في مقديشو، وانحسرت موجات العنف والقتال القبلي إلى درجات قصوى، بعد أن تمكنت القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي من السيطرة عليها بعد حرب دامية استمرت نحو 6 سنوات ضد متمردي «الشباب المجاهدين»، أدت إلى هجرة نصف سكانها على الأقل (يبلغ سكانها نحو مليونين) إلى المناطق المجاورة لها. وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أخلى المهجرون المناطق التي نزحوا إليها وعادوا إلى مقديشو ومعهم عادت الحياة إلى المدينة المدمرة وتلك قصة تستحق رواية المشهد الآخر المغيب عمدا أو سهوا عن المشهد الإعلامي في الخارج. كانت الحياة تتوقف في مقديشو بعد الساعة الخامسة مساء، الكل يلجأ إلى مخبأه أو منزله، ولا يكسر الصمت سوى طلقات الرصاص هنا وهناك.. أما الآن فإن الحركة تستمر حتى قبل منتصف الليل بقليل. وقد تم فتح الشوارع التي أقفلت بسبب الحرب والتي لم تكن مطروقة منذ سنوات طويلة، وأعيد تأهيلها الآن، حيث تعج بالسيارات والمارة والمحلات التي تعرض بضائع من كل لون ومن كل أصقاع العالم. وتباهي محافظ مقديشو الحالي محمود أحمد نور، الذي يحمل الجنسية البريطانية ومن سكان العاصمة البريطانية لندن، بأن مقديشو ستصبح بعد فترة وجيزة مقصدا للسياح كما كانت قبل عشرين عاما. شواطئ رملية مترامية لم يكن يجرؤ أحد على ارتيادها في الماضي أصبحت متاحة لجميع الأعمار، في انفتاح نسبي، لتجعل مقديشو كأنها العنقاء التي تولد فتية من رمادها المحترق، بعد عمر مديد. كان محافظ مقديشو يتحدث في شاطئ ليدو الشهير بشرق العاصمة، حيث تمكن السكان لأول مرة من ارتياد هذا الشاطئ الذي كان مهجورا بسبب الحرب، وأصبح الآن يعج بالمطاعم والفنادق ووسائل الترفيه المختلفة، حيث تتوجه إليه العائلات في أيام العطل ويقضون فيه ساعات طوال، وتقدم هذه المطاعم مختلف أصناف الأطعمة المحلية والأجنبية، وانتشرت الاستراحات والشاليهات على سواحل كانت موحشة حتى وقت قريب، ويخيل إليك وأنت تمشي في هذا الشاطئ بأن سكان مقديشو اكتشفوا فجأة بأنهم على بعد أمتار من رمال الشاطئ، فالحرب منعت السكان من الاقتراب من مناطق الشواطئ التي تحولت إلى جبهات حرب، وبعدها إلى أوكار للعصابات المسلحة. وليس المهجرون هم الذين عادوا إلى مقديشو فحسب، ولكن تدفق على المدينة المغتربون الصوماليون في الخارج، وبالذات العائدون من أوروبا والولايات المتحدة باحثين عن الفرص الجديدة في هذه المرحلة، بعضهم يبحث عن فرص تجارية ومكاسب مادية عن طريق توفير الخدمات التي لم تكن متوفرة من قبل، فيما يبحث البعض الآخر عن مناصب سياسية بعد أن تشكلت حكومة دائمة لأول مرة منذ عشرين عاما. وتأثرت أحياء مقديشو إيجابا بعودة هذه الأعداد الغفيرة من سكانها، وأصبحت أسعار الأراضي والعقارات ترتفع بشكل جنوني. يقول أحد سمسارة العقارات يدعي عبد الرحيم أن أسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير، وأشار إلى أن أرضا تبلغ مساحتها 570 مترا مربعا فقط وصل سعرها إلى مليون دولار، ورفض مالكها بيعها لأنه يريد سعرا أعلى، وعروض الشراء تنهال عليه يوميا، مع أن سعر هذه القطعة لم يكن يتجاوز 50 ألف دولار قبل فترة وجيزة. وتقع هذه الأرض في شارع مكة الشهير الذي دبت فيه الحياة منذ فترة وجيزة أيضا. ولشارع مكة حكاية أخرى وهي أنه كان يقع في منطقة تماس أثناء الحرب الأهلية في منطقة مرتفعة نسبيا فلم يتمكن أي من الأطراف السيطرة عليها أثناء الحرب الأهلية، وبعد أن تمت إعادة فتحه تحول إلى مركز تجاري، ينافس سوق البكارو الشهيرة. وانتقلت إليه الشركات والمحلات وتحول إلى أغلى منطقة في مقديشو سواء في الشراء أو الإيجار. وشارع مكة هو أول شارع عادت إليه الحياة الليلية في مقديشو، بعد أن نصبت فيه أعمدة الإنارة لأول مرة منذ عشرين عاما، حيث تبرعت الحكومة النرويجية مؤخرا لبلدية مقديشو بمشروع لإنارة الشوارع باستخدام الطاقة الشمسية. وتتلألأ أنوار الأعمدة في مشهد لم يعتده سكان مدينة مقديشو منذ فترة طويلة جراء الحرب التي دمرت الكثير من المنشآت والبنية التحتية، لتدب الحياة في هذا الشارع بعد أن كان السكان يلوذون ببيوتهم خوفا من طوارق الليل. وأعطت هذه الأنوار لأصحاب المحلات، ابتداء من المطاعم والبقالات والمتاجر الكبرى (المول)، وحتى لمحلات الحلاقة الفرصة لمزاولة أعمالهم حتى قبل منتصف الليل بقليل. وفي ظل عدم وجود هيئة قومية للطاقة أو شبكة للكهرباء، كان السكان في مقديشو يلجئون إلى شركات خاصة لتزويد منازلهم بالكهرباء على نطاق محدود، ولا ترغب تلك الشركات في إنارة الشوارع العامة دون مقابل مادي من الحكومة، لذلك كانت الشوارع تغرق بالعتمة طوال الليل. وقد تم توسيع مشروع إنارة الشوارع باستخدام الطاقة الشمسية، ليشمل شارعا مهما آخر من شوارع مقديشو وهو «شارع القلب» الكائن بوسط مقديشو. هنا بدأ السكان يخرجون إلى الشوارع خلال الليل بما يشبه الاحتفالية، وأغرى المشهد صبية الحي بالخروج إلى الشارع للعب كرة القدم، وتجرأ الكبار على زيارة الجيران أو الذهاب لأداء صلاة العشاء في المسجد القريب، وحتى حفلات الأعراس التي كانت تقام نهارا في السابق تقام الآن خلال الليل، وذلك علامة أخرى بأن مقديشو تغيرت كثيرا خلال فترة قصيرة. وقد انعكست هذه التطورات الإيجابية على صورة مقديشو في الخارج، وتشجع الراغبون في زيارة مقديشو للقدوم إلى هنا بحثا عن الفرص. ويسجل الأتراك - بعد الصوماليين - حضورا لافتا في مقديشو في الأشهر الأخيرة، وبدأت شركة الخطوط الجوية التركية «تركش آيروايز» بتسيير رحلات منتظمة بين مقديشو وإسطنبول، (بمعدل ثلاث رحلات في الأسبوع) كأول شركة طيران دولية تهبط بمطار مقديشو الذي تمت إعادة تأهيله هو الآخر. وقد أصبحت إسطنبول الجسر الذي يربط بين مقديشو والعالم الخارجي. واستحوذت «تركش آيروايز» على حركة نقل المسافرين من وإلى مقديشو، الأمر الذي جعل الوصول إلى العاصمة الصومالية سهلا أكثر من أي وقت مضي. ويتحدث سكان لـ«الشرق الأوسط»، بأنهم باتوا يستقبلون أقاربهم وأصدقاءهم القادمين من عواصم عالمية في مواعيد محددة في المطار، عكس الماضي، كما يمكن أن تجد اعتذارا من شركة الخطوط، بسبب عدم وجود أماكن شاغرة على رحلاتها الخارجية. والأتراك عموما هم حديث الناس هنا في مقديشو، تقابلهم في كل مكان، فمنذ زيارة أردوغان التاريخية لمقديشو في أغسطس (آب) عام 2011 دفعت تركيا عشرات من شركاتها التجارية ومنظماتها الإنسانية إلى الصومال ولدعم الحكومة الصومالية بطرق مختلفة. فالطريق بين المطار ووسط المدينة وصفه رئيس الوزراء التركي عندما سلكه بأنه أشبه «برحلة سفاري» ووعد بتحويله إلى طريق سريع، وهو ما يجري عمله حاليا. وتعمل السفارة والقنصلية التركيتان على مدار اليوم لخدمة الأتراك الموجودين في مقديشو الذين يقدرون بالمئات، وكذلك الصوماليين الذين يرغبون في السفر إلى تركيا سواء لغرض التجارة أو الدراسة أو العلاج. وجعل نجاح شركة الخطوط الجوية التركية في مقديشو شركات طيرن أخري منافسة مثل «مصر للطيران» تفكر في تسيير رحلات منتظمة إلى مقديشو لربط مقديشو بالعالم الخارجي. وتنفذ الشركات التركية في مقديشو مشاريع متنوعة من بينها تشييد الطرق، وتأهيل شبكة الصرف الصحي، وبناء المستشفيات والمدارس والجامعات أيضا، كما أعادت الشركات التركية تأهيل المطار وتجهيزه لاستقبال الطائرات الكبيرة وإعادة تشغيل هيئة الطيران المدني، وإعادة شركة الخطوط الجوية الصومالية في استثمار مشترك بين رأسمال تركي وصومالي أيضا. وساهمت هذه المشاريع التركية في تغيير وجه مقديشو النمطي الذي كان يطاردها خلال العقدين الماضيين، وجه الدمار والحرب والاقتتال القبلي. وتعهد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أثناء زيارته الأخيرة لمقديشو ببناء مبنى للبرلمان الصومالي مكان مجلس الشعب الحالي المدمر وقال في خطاب ألقاه في البرلمان الصومالي: «إن تركيا ستقوم بإعادة بناء مقر البرلمان الصومالي، كجزء من المشاريع التركية التي تنفذها لتطوير المؤسسات الحكومية في الصومال»، وأنه سيلتقي بنواب البرلمان الصومالي المرة القادمة في المبنى الجديد الذي ستبنيه شركة إنشاءات تركية. من الناحية الاقتصادية يتصدر ميناء مقديشو المشهد، حيث يستقبل السفن القادمة من أصقاع الدنيا بعد أن تم تعميق غاطس الميناء ليستقبل السفن العملاقة، وأنشئ فيه قسم جديد للحاويات لأول مرة منذ عشرين عاما، كما بدأ تصدير المواشي الحية عبر هذا الميناء حيث غادرت أول شحنة من المواشي إلى سلطنة عمان الأسبوع الماضي. وفيما تستعد شركات أخرى لبدء تصدير فاكهة الموز التي تشتهر بها الصومال، تدرس عدة شركات تركية وصومالية تشييد فنادق خمس نجوم في مقديشو، ويتردد في الأوساط التجارية في مقديشو اسم «منتجع البسفور» الذي قيل إن شركة إنشاءات تركية تعتزم إقامته في مقديشو، واختارت له منطقة فسيحة مطلة على البحر. وفي قطاع الفن تم تجهيز المسرح الوطني الذي يسع لـ2000 متفرج ليصبح مرة أخرى رائدا في مجال الغناء والموسيقى والمسرح وتقام حاليا مسابقة كبيرة لنجوم الغناء الجدد، تقدم لها مئات الشباب. وتتولى هذا البرنامج لجنة من كبار الفنانين القدامى لتشجيع الجيل الجديد على تقديم الفن الراقي الذي اشتهرت به مقديشو في السبعينات والثمانينات. كما عادت الأنشطة الرياضية بقوة وتقام منافسات الدوري المحلي للأندية ودوري المحافظات الذي يتميز هذا العام بإقامته في استاد مقديشو الرياضي الذي فرشته منظمة الفيفا بالعشب الأخضر هدية لعشاق كرة القدم في المدينة. في مقديشو تقود المرأة السيارة، وهذا مظهر آخر من مظاهر التغير في المدينة، حيث كانت الأسباب الأمنية تمنع المرأة المقدشية من قيادة المركبات، والأجيال الجديدة لم تتعود رؤية المرأة وهي تمسك بمقود السيارة، لكن ذلك كان مألوفا قبل عقدين. ودور المرأة في المشهد السياسي والاجتماعي في مقديشو لافت للنظر أيضا، ففي الحكومة الجديدة تشغل سيدة منصب وزير الخارجية، إلى جانب نيابة رئيس الوزراء وكذلك وزيرة الخدمة الاجتماعية التي تأتي تحتها وزارات الصحة والتعليم والشباب والعمل والرياضة أيضا. وفي أي منطقة توجهت إليها في مقديشو تقابلك المعاهد والجامعات الأهلية الجديدة التي تجاوز عددها الثلاثين حاليا، فيما يعرف محليا بـ«حمى الجامعات» ويتخرج من هذه الجامعات آلاف الطلبة والطالبات كل عام، وبعضها يتيح فرصة دراسة مرحلة الماجستير أيضا. كل هذا حدث في أشهر قليلة، والناس هنا متفائلون إلى أبعد الحدود، وإن كانوا يحملون جراحات الماضي وسنوات طويلة من الفوضى واللادولة وفقدان أبسط مظاهر النظام، صوت الرصاص والمدافع يكاد يختفي كلية، وحل محلة صوت المطارق، وهدير البلدوزارات التي تتحرك هنا وهناك لتسوية الأرض ورفع الأنقاض. جولة قصيرة في أسواق مقديشو تجعلك وجها لوجه مع بضائع من كل لون من أحدث المنتجات التكنولوجية، المصنعة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، إلى البضائع المقلدة الرخيصة الثمن، والميناء الدولي في مقديشو يعمل 24 ساعة والبواخر القادمة من الصين والهند وجنوب شرق آسيا تنتظر إفراغ حمولتها، فهذا الميناء يخدم مناطق واسعة في دول القرن الأفريقي. تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت هي الأكثر انتشارا في العاصمة الصومالية، وهي رخيصة بالمقارنة مع دول المنطقة، ويستخدم الشباب هواتف الجيل الثالث المربوطة بشبكة الإنترنت، وانتهى زمن كان الجوال خطرا على حياة حامله فيخفيه عن الناس حتى لا يجلب أنظار المسلحين الذين كانوا لا يترددون عن إطلاق النار على حامليه إذا لم يسلموه طواعية. ومن الأشياء التي تفتقدها مقديشو، النوادي الأدبية، والمكتبات العامة، والمتاحف أيضا، فالثقافة ومصادرها متاحة لشريحة قليلة من الناس. منذ وقت قريب كان الزوار الأجانب والدبلوماسيون بوجه خاص لا يمكثون في مقديشو إلا بضع ساعات من النهار، وبعد لقاءاتهم مع المسؤولين الرسميين يعودون بالطائرة إلى نيروبي، لكن الوضع اختلف الآن، فهناك عدد كبير من البعثات الدبلوماسية الأجنبية التي تقيم في العاصمة فإلى جانب سفراء الدول المجاورة (إثيوبيا وكينيا وجيبوتي واليمن والسودان) هناك بعثة الأمم المتحدة وبعثة الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، وسفراء 7 دول أوروبية هي بريطانيا وإيطاليا وألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وفنلندا، وبلجيكا، والخمسة الأخيرون قدوما أوراق اعتمادهم دفعة واحدة إلى الرئيس الصومالي الأسبوع الماضي. أما سفير المملكة المتحدة فهو معتمد في مقديشو منذ العام الماضي.

نهاية الحرب العالمية الأولى

$
0
0
تناولنا في مقال الأسبوع الماضي كيف أن التوترات والتحالفات أدت في نهاية المطاف إلى حالة من الاحتقان، التي تفجرت في أعقاب سلسلة من الأحداث المتوالية، والتي لم يستطع أحد منعها على الرغم من أن بعض ضبط النفس كان كفيلا بتفادي تفجرها، وبمجرد أن اندلعت الحرب لجأت ألمانيا لمحاولة حسم الأزمة على الجبهة الغربية من خلال تنفيذ خطة «فون شلايفن» (Von Schlieffen)، وكانت هذه الخطة التي وضعها رئيس الأركان الألماني الأسبق تتمحور حول القضاء السريع على القوة العسكرية الفرنسية واحتلال باريس، وذلك للسعي الفوري من أجل التفرغ للجبهة الشرقية ومواجهة روسيا، التي تعد ماردا عدديا يحد قدراته الكفاءة القتالية الضعيفة، فضلا عن التفرغ لمساعدة الدولة النمساوية المجرية، التي تعد الحليف الأكبر والأول لألمانيا. بالفعل بدأت الحرب بتنفيذ دقيق للخطة الألمانية من خلال التعبئة العامة القوية بتسخير شبكة السكة الحديد والطرق للآلة العسكرية، التي كان يتوقع لها أن تعيد مجد حرب 1870 عندما دمرت القوات الفرنسية تماما، واحتلت باريس في أسابيع قليلة، ولكن المقاومة البلجيكية الشرسة لعبت دورا مهما في تعطيل الجيش الألماني خاصة في منطقة الأردين، وهو ما أكسب وقتا ثمينا للجيوش الفرنسية للسيطرة على الموقف والتعبئة بالشكل الذي يسمح لها بالصمود أمام المارد العسكري الألماني، وعندما وصلت القوات الألمانية بالقرب من باريس كان الجنرال «جوفر» (Joffre) قد أتم استعداداته بالكامل بوضع كل الفرنسيين على أتم الاستعداد، بما في ذلك سائقو المواصلات العامة والعمال، وعند هذا الحد بدأت معركة «المارن» (Marne) الشهيرة، التي استمرت لفترة طويلة ولم تستطع خلالها الآلة العسكرية الألمانية كسر القوات الفرنسية التي صمدت بكل قوة. أدى فشل الهجوم الألماني إلى حالة من التوازن العسكري على الجبهة الغربية، فلم يستطع الجيش الألماني دخول باريس، كما أن القوات الفرنسية لم تستطع طرد الجيوش الألمانية من أراضيها، وهو ما أدخل الطرفين في معادلة عسكرية صعبة زاد من تعقيدها دخول الطرفين فيما عرف بـ«حروب الخنادق» (Trench Warfare)، ولكن الحالة على الجبهة الشرقية كانت مختلفة تماما، فقد أسندت قيادة الجيش الشرقي إلى الثعلب العسكري القديم «هندنبورغ» (الذي أصبح فيما بعد الرئيس الألماني، والذي سلم السلطة لهتلر)، وقد نصبا للجيش الروسي فخا عظيما، حيث استدرجوه وطبقوا عليه ما عُرف بالتطويق المزدوج، وألحقوا بالجيش الروسي هزيمة منكرة في معركة «تاننبرج» الشهيرة، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجنود الروس في مذبحة بشرية مريعة. لقد كان من المفترض أن تؤدي هذه المعركة لكسر الشوكة الروسية على الجبهة الغربية، ولكن الآلة العسكرية الروسية لم تفتقد أبدا للأعداد الضخمة، كما أن الجيوش النمساوية المجرية لم تكن بأي حال من الأحوال أحسن حالا من الجيوش الروسية، بل إن القيادة العسكرية الروسية حققت بعض الانتصارات الملحوظة ضد القوات النمساوية المجرية، وهو ما دفع ألمانيا لتعزيز وجودها في الشرق لمحاولة تدارك الفشل النمساوي، وهو ما كان له آثاره السلبية على دعم القدرات الألمانية لحسم الصراع على الساحة الغربية، وبناءً عليه استمر الوضع المعقد على هذه الساحة، ولكن الجيوش الفرنسية بالتعاون مع الجيوش الإنجليزية تحركت بقوة لمحاولة طرد الجيوش الألمانية فيما عرف بهجوم «السوم» (Somme). وعلى الرغم من النجاحات التي حققها هذا الهجوم، فإنه لم يستطع كسر القوات الألمانية بشكل يجعلها تضطر للانسحاب والتراجع من الأراضي الفرنسية، ولكنها بدأت تكسر العزيمة الألمانية للاستمرار في الحرب، وهو ما بدأ يضغط عليها من أجل حسم الأمر على الساحة الشرقية لمحاولة تكثيف وجودها العسكري في الغرب، الذي بدأت جبهته تشهد تطورا جديدا متمثلا في استخدام الأسلحة الكيميائية، فضلا عن مشاركة الدبابات بشكلها البدائي لأول مرة، وهو ما رفع حجم الخسائر البشرية بشكل مريع وبات ينذر بحالة حرب ممتدة لا نهاية لها في الأفق. بدأ السعي الألماني لمحاولة كسر الجبهة الروسية بأسرع وقت ممكن، فما كان منهم إلا أن استغلوا نشوب الثورة الروسية في مارس (آذار) 1917 لمحاولة التعجيل بسقوط الحكومة الانتقالية التي يرأسها «ألكسندر كارنسكي»، وبالتالي بدأت تتحرك من أجل تسهيل انتقال الزعيم الروسي «لينين» من سويسرا إلى بلاده بعدما وعد بالانسحاب من الحرب تماما، ونقل قواته من شرق أوروبا، وبمجرد أن استتب الأمر للبلاشفة، بدأ لينين يسعى لإخراج بلاده من دائرة الحرب، وأرسل وفدا للتفاوض مع الألمان، وتم التوقيع على اتفاقية «برستليتوفزك» (Brestlitovk) في مارس 1918، التي بمقتضاتها تنازلت روسيا عن كل ممتلكاتها في شرق أوروبا بلا مقابل، ومع ذلك فإن ألمانيا لم تكن قادرة على الصمود لمدة طويلة، فلقد جاء الانسحاب الروسي متأخرا متواكبا مع ظروف اقتصادية ألمانية قاسية للغاية وحالة من النقص الشديد في الغذاء والمواد الأولية، فضلا عن أن الاقتصاد الألماني كان محاصرا بشكل كبير بسبب الحرب، وقد زاد من الحسرة الألمانية انضمام الولايات المتحدة الأميركية إلى حلبة الصراع الدائر في أوروبا إثر إغراق الغواصات الألمانية بالخطأ للسفينة الأميركية «لوسيتانيا»، التي أعقبها إغراق سفينة «الألجونكوين»، وهو ما دفع الرئيس الأميركي «وودرو ويلسون» للسعي الفوري للانضمام للحرب إلى جانب الحلفاء، مما كان له أكبر الأثر في دعم القدرات العسكرية لدول التحالف من خلال جيش كبير بقيادة الجنرال «بيرشينج»، خاصة أن فرنسا كانت منهكة للغاية. وعلى الرغم من أن ألمانيا سعت لاستغلال الهدوء على الجبهة الشرقية بسبب الثورة الروسية من خلال التجهيز لحملة قوية على فرنسا، فإنها لاقت ما حدث في معركة «المارن» نفسه، فلم تستطع ألمانيا أن تكسر الصمود الفرنسي، وعلى الرغم من استمرار الهجوم لأسابيع، فإنها فشلت تماما في كسر العزيمة الفرنسية، وهو ما أدى إلى تأكد الجانب الألماني من أنه غير قادر على كسب هذه الحرب، خاصة أن الظروف الاقتصادية باتت تنذر بخطر وشيك، ولم يستمر الوضع هكذا كثيرا، فسرعان ما اضطر القيصر «ويلهيلم الثاني» إلى التنازل عن العرش والهروب إلى هولندا إثر انتشار الثورات في ألمانيا ووقوف الجيش على جانب الشعب ضده، وهكذا اضطرت ألمانيا إلى وقف الحرب والسعي للهدنة الفورية. ولعل أهم ما يمكن ملاحظته هو أن الحرب انتهت وألمانيا تحتل جزءا لا بأس به من الأراضي الفرنسية، ولكنها كانت مهزومة سياسيا، وكان على أوروبا أن تجتمع مثلما اجتمعت في فيينا عام 1815 وفي وستفاليا عام 1648 لإعادة صياغة النظام الأوروبي من جديد، ولكن حكمة الساسة الدوليين التي سيطرت على هذه المجالس كانت غائبة، فجاء النظام هشا، وأقرب ما يكون إلى هدنة لمدة 20 عاما.

فرنسا ـ حزب الله.. علاقات معقدةفرنسا ـ حزب الله.. علاقات معقدة

$
0
0
يروي إيلي برنابي، سفير إسرائيل السابق في باريس أنه ذهب لمقابلة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ليقنعه بضرورة النظر إلى حزب الله اللبناني على أنه «منظمة إرهابية مسؤول منذ ولادته في عام 1982 عن عمليات خطف وقتل واعتداءات إرهابية وخطف طائرات وقصف إن على الأراضي اللبنانية أو في الخارج والتي أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص...». وبحسب السفير الإسرائيلي السابق، فإن شيراك رفض الإصغاء بل رد عليه قائلا: «حزب الله حزب سياسي لبناني، وهو جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي في هذا البلد، وجزء من توازنه الطائفي». وكان رد برنابي عليه: «لماذا تعتبرون حركة حماس منظمة إرهابية وترفضون الحكم عينه على نظيرتها اللبنانية؟». ومجددا، بحسب برنابي، فإن النظرة الفرنسية لم تتغير رغم لائحة طويلة من الأعمال الإرهابية أو مشاريع الاعتداءات التي ينسبها لحزب الله في الأرجنتين والهند وتايلاند وجورجيا وكينيا وقبرص، ناهيك من عملية الاعتداء على سياح إسرائيليين في مطار بورغاس في بلغاريا التي أوقعت ستة قتلى بينهم خمسة إسرائيليين وسائق بلغاري وعشرات الجرحى. وفي 5 فبراير (شباط) الماضي، أعلن وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف رسميا أن حزب الله هو المسؤول عن العملية الانتحارية وأن الشخصين المسؤولين عنها وهما يحملان الجنسيتين الكندية والأسترالية ينتميان إلى حزب الله. ويتساءل السفير الإسرائيلي السابق عن «مغزى» الممانعة الأوروبية حتى الآن في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية «رغم الدلائل» والاستمرار في سياسة النعامة و«دفن الرأس في الرمال»؟ غير أن حزب الله يرد على ذلك بالتنديد بـ«حملة الافتراءات» ضده التي تقف وراءها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وينفي كليا أي علاقة له بتفجير بورغاس. والواقع أنه بعد سبعة أشهر على اعتداء بورغاس، ورغم الاتهامات البلغارية الرسمية والضغوط الإسرائيلية ــ الأميركية على الاتحاد الأوروبي لوضع حزب الله على لائحة الاتحاد الإرهابية، فإن الدول الأوروبية الـ27 رفضت حتى الآن بدفع من فرنسا وإيطاليا، بالدرجة الأولى، الخضوع للضغوط المذكورة. وفي سياق الضغوط الأميركية على الاتحاد الأوروبي، أعلن نائب الرئيس جو بايدن في كلمة له أخيرا أمام مؤتمر مجموعة الضغط الإسرائيلية ــ الأميركية «أيباك» أن حزب الله، حسب كلامه: «يطرح نفسه على أنه مجموعة رعائية سياسية واجتماعية بينما هو يتآمر ضد أبرياء من أوروبا الشرقية إلى شرق أفريقيا، من جنوب شرقي آسيا إلى أميركا الجنوبية». وأضاف بايدن: «نحن نعلم ما تعلمه إسرائيل: حزب الله منظمة إرهابية...نقطة على السطر. ونحن نحث كل بلد يتعامل مع حزب الله أن يبدأ معاملته على هذا النحو ويسميه منظمة إرهابية»، مشيرا إلى الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل إقناع الأوروبيين بوضع حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية وفرض عقوبات عليه إذ «علينا معا أن نعمل على مواجهة حزب الله أينما يزرع بذور الكراهية». وقبل بايدن، كتب توماس دونيلون، مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي، في صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا حث فيه الأوروبيين على التحرك والتشدد في التعامل مع حزب الله مشيرا إلى أن واجب أوروبا هو «العمل الجماعي للرد بحزم على الهجوم الذي استهدف أرضا أوروبية بوضع حزب الله على لائحتها للمنظمات الإرهابية». ونبه دونيلون الأوروبيين إلى أنه «ما عاد بمقدورهم الاستمرار في تجاهل الخطر المتمثل بحزب الله على أوروبا والعالم، إذ من التوهم النظر إليه على أنه لاعب سياسي يتحلى بالمسؤولية في لبنان». غير أن كل الحجج والضغوط لم تفلح في حمل باريس على تغيير موقفها، الأمر الذي تبدى في اجتماعات الاتحاد الأوروبي ورفض فرنسا وضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي المحددات التي تدفع فرنسا إلى الرفض؟ وهل الموقف الذي أعلنه الرئيس السابق شيراك والأسباب التي ذكرها ما زالت هي نفسها التي تتحكم بالسياسة الفرنسية؟ أم ثمة أبعادا أخرى إقليمية ودولية أو ذات علاقة بالمصالح الفرنسية في لبنان والمنطقة هي التي تحمل باريس على الثبات على نهج معتدل إزاء الحزب المذكور؟ خلال السنوات الأخيرة، خرج مسؤولان فقط عن الخط الرسمي الفرنسي التقليدي تجاه حزب الله بوصفهما إياه بالإرهابي أو الأعمال التي يقوم بها بـ«الإرهابية». الأول، كان رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان (1997ــ2002) خلال زيارة قام بها إلى إسرائيل وإلى أراضي السلطة الفلسطينية في شهر فبراير عام 2000. فقد قال جوسبان، بمناسبة محاضرة ألقاها في جامعة بيرزيت: «إن فرنسا تدين الهجمات التي يقوم بها حزب الله وكل الهجمات الإرهابية التي تحصل وتحديدا ضد الجنود والمدنيين الإسرائيليين». ولدى خروجه من الجامعة، تعرض جوسبان لرشق بالحجارة من عشرات الفلسطينيين لا بل إنه أصيب في رأسه. وأثارت تصريحاته شبه أزمة بينه وبين رئيس الجمهورية جاك شيراك. وأصدر الإليزيه بيانا ذكر فيه جوسبان بأن «المواقف التي تنقلب على حياد الدبلوماسية الفرنسية تطيح بمصداقية سياستنا الخارجية». بعدها وبالنظر إلى أولوية رئاسة الجمهورية على رئاسة الحكومة فيما يتعلق بالسياستين الخارجية والدفاعية، فقد عادت باريس إلى مواقفها التقليدية. وثمة من يعتقد أن جملة جوسبان ساهمت في خسارته الانتخابات الرئاسية التي خاضها بوجه شيراك في عام 2002. ودفعته هزيمته المرة حيث لم يتأهل للدورة الثانية إلى الخروج نهائيا من الحياة السياسية. أما الشخصية الثانية التي لم تتردد في الربط بين حزب الله والإرهاب فهي الرئيس السابق نيكولا ساركوزي المعروف بصداقاته الإسرائيلية وتحديدا مع بنيامين نتنياهو. فخلال حرب إسرائيل على لبنان عام 2006. كان ساركوزي يشغل منصب وزير الداخلية ولم يتردد، في حديثه عن حزب الله، في الإشارة إلى أنه «يخاطر بأن يسلك سلوكا إرهابيا». وبعد انتخابه، في عام 2007 وبمناسبة زيارة رسمية قام بها لإسرائيل، دعا ساركوزي الحزب المذكور إلى «التخلي عن العمل الإرهابي». لكن رغم هذه المواقف، فإن سياسة فرنسا لم تتغير واستمرت على تواصل مع حزب الله الذي دعته للمشاركة في مؤتمر الحوار اللبناني في مدينة سيل سان كلو في عام 2008 الذي دعت إليه الخارجية الفرنسية عددا من الأفرقاء السياسيين اللبنانيين. ولم يتوقف نواب حزب الله ووزراؤه لاحقا عن المجيء إلى باريس كما أن السفارة الفرنسية في بيروت استمرت في التحاور مع الحزب خصوصا بعد قيام الفينول 2 التي لعبت فيها باريس دورا رياديا. تقوم سياسة باريس الثابتة تجاه لبنان التي أكدتها أعلى المراجع الفرنسية وفي كل مناسبة ومهما يكن لون الحكومة يمينية أم يسارية، على الإعلان عن التمسك بسيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه وبأولوية المؤسسات الدستورية والديمقراطية وبوحدانية السلاح الشرعي. وتضاف إلى ذلك دعوة باريس الدائمة إلى توافق اللبنانيين فيما بينهم وتعايش مكونات الكيان على تنوعه الذي كانت لفرنسا اليد الطولى في إنشائه مع نهاية الحرب العالمية الأولى وانتدابها على لبنان من قبل عصبة الأمم. وتتمسك باريس بالتعايش باعتباره الضمانة الأولى للاستقرار السياسي والأمني. وفي الموضوع السوري، تدعم فرنسا سياسة «النأي بالنفس» التي اختطها لبنان الرسمي وتحفز اللبنانيين على التمسك بما يسمى «وثيقة بعبدا» التي تؤكد على هذا التوجه. وأكثر ما يقلق باريس، وفق ما يكرره مسؤولوها منذ بداية الأزمة السورية هو أن تتمدد إلى لبنان الذي تعتبره «الحلقة الأضعف» والأكثر تعرضا لانعكاساتها من بين كل بلدان الجوار. وعلى «الجبهة» اللبنانية ــ الإسرائيلية، تتمسك باريس بتنفيذ الطرفين اللبناني والإسرائيلي القرار الدولي رقم 1701 الذي وضع حدا للحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006. وترى المصادر الفرنسية أن أبرز دليل على نجاعة القرار المذكور أن الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية ما زالت هادئة منذ سبع سنوات رغم استمرار الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان وصعوبة إيجاد حل لقرية الغجر واستمرار الخلاف على تحديد هوية مزارع شبعا... ولم تخل السنوات المنقضية من أحداث توتر بين اليونيفيل وتحديدا القوة الفرنسية التي تتكون في الوقت الحاضر من 850 رجلا و«جمهور» حزب الله في الجنوب وفي مناطق انتشار القوات الدولية. كذلك عرفت الحدود بعض التوتر الذي بقي ضمن الحدود التي يمكن التحكم بها. وقالت الخارجية الفرنسية الجمعة الماضي إن باريس «مستمرة في لعب دورها في إطار القوات الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل) نظرا للدور المحوري الذي تلعبه في المحافظة على استقرار جنوب لبنان» مضيفة أن دورها «أصبح أكثر محورية مع تزايد التوترات الإقليمية». وككل مرة، تؤكد باريس «تمسكها بأن تلعب اليونيفيل دورها الكامل وتنفذ كامل المهمة التي أوكلها إليها مجلس الأمن الدولي». كل هذه المواقف «الرسمية» تصب كلها في اتجاه واحد هو المحافظة على استقرار لبنان وتنوعه الثقافي والبشري والديني. ولذا، فإن نوعية العلاقة الفرنسية مع حزب الله تطوع من أجل هذا الهدف الأعلى بانتظار أن تنضج الظروف الإقليمية يوما حتى يعود حزب الله يوما ما حزبا مدنيا من غير جناح عسكري. ولكن إذا كانت هذه عناصر الموقف الفرنسي الرسمي، فكيف يقومه الخبراء وأهل السياسة؟ «الشرق الأوسط» اختارت طرح هذه الأسئلة على دوني بوشار، الدبلوماسي السابق مستشار المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية الخبير في شؤون الشرق الأوسط وعلى النائب في البرلمان الفرنسي جيرار بابت، الذي رأس سابقا مجموعة الصداقة الفرنسية ــ اللبنانية في البرلمان. يقول دوني بوشار إن باريس تنظر إلى حزب الله على أنه «حزب سياسي له نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة وبالتالي يتمتع بالشرعية المتأتية عن العملية الانتخابية». وبنتيجة ذلك، فإن باريس «تقيم معه علاقات ثنائية جيدة عبر سفارتها في بيروت مع وزراء ونواب الحزب وعلى كل المستويات»، فضلا عن ذلك، تسعى فرنسا لإقامة «علاقات جيدة ومتوازنة مع كل الطوائف اللبنانية ومنها الطائفة الشيعية» التي تعتبرها من الطوائف «المهمة» في لبنان والتي «من الصعب الالتفاف عليها». ولذا، فإنها «شريك» تتعامل معه فرنسا من خلال علاقاتها مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري ومن خلال حزب الله. غير أن هناك عوامل أخرى يشير إليها دوني بوشار وتتحكم بعلاقات باريس بالحزب المذكور وأولها وجود اليونيفيل في جنوب لبنان ومن ضمن صفوفها القوة الفرنسية الأمر الذي يدفع الباحث الفرنسي إلى وصف هذه العلاقة في الجنوب بأنها «بالغة الحساسية». ويرى بوشار أن ما يزيد في حساسيتها التوتر الإضافي المتأتي عن الوضع في سوريا وارتداداته لبنانيا ومواقف الأطراف اللبنانية منها ما يعني عمليا أن باريس مدعوة لأخذ هذا العامل بعين الاعتبار في رسم سياستها على المسرح اللبناني. غير أن بوشار الذي يرى أن «الوضع أصبح أكثر حساسية مما كان عليه من قبل» بسبب العوامل المشار إليها، يشير إلى «وجود توافق ضمني بين اليونيفيل وحزب الله لتحاشي قيام تصعيد خطير يفضي إلى أحداث لا تحمد عقباها» بين الجانبين. وما يشير إليه بوشار تلميحا تقوله مصادر سياسية فرنسية صراحة وفحواه أن قبول فرنسا وضع حزب الله على لائحة الإرهاب «يرجح أن ينعكس توترا في العلاقة بين اليونيفيل وأنصار حزب الله» خصوصا أن باريس تتبع نهجا بالغ التشدد إزاء النظام السوري الذي يحظى بدعم الحزب غير المشروط. وتضيف المصادر الفرنسية أن «ما يصح على الملف السوري يصح أيضا على الملف النووي الإيراني» حيث تلتزم باريس أيضا إزاءه موقفا متشددا يتناقض تماما مع آيديولوجيا والتزامات وولاءات حزب الله. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الباحث جوزيف بحوت وهو أستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس أن الرضوخ لمطلب إسرائيل وواشنطن «سيضع اليونيفيل في وضع لا يطاق» في جنوب لبنان لأن تقبل القوات الدولية في هذه المنطقة «يعود في جزء كبير منه لحسن العلاقات التي ما زالت قائمة بين الغرب وتحديدا فرنسا وحزب الله». ومن جانبه يرى النائب جيرار بابت في موضوع اليونيفيل أن «مصلحة حزب الله أن يحافظ على الهدوء في جنوب لبنان ولا يفتعل المشاكل». وينفرد النائب الفرنسي بنظرة خاصة به إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن المخاطر بالنسبة لليونيفيل «يمكن أن تأتي من جانب السلفيين أكثر مما تأتي من جانب حزب الله». ويدعو بابت بلاده على أخذ هذه المخاطر بعين الاعتبار في موضوع اليونيفيل بالطبع ولكن على نطاق أوسع لجهة الدعم الذي تقدمه فرنسا للمعارضة السورية مع ما يحمل ذلك من مخاطر متأتية عن صعود التيارات السلفية وانعكاساتها على لبنان والمنطقة. ويشير بابت إلى أنه «حان الوقت» للحكومة الفرنسية أن تعيد تقويم موقفها خصوصا أن الجانبين الأميركي والروسي «يبحثان عن مخرج يجنب انحدار سوريا إلى وضع الفوضى الشاملة والاستفادة من التجربة الليبية وقبلها التجربة الأفغانية». ويضع بابت علاقة باريس بحزب الله في إطار العلاقات العامة الفرنسية ــ اللبنانية. غير أنه يرى فيها «خروجا من الرؤية السابقة التي كانت تركز سابقا على العلاقة الفرنسية ــ المارونية» كأساس لما هو قائم بين بيروت وباريس. وبرأيه أن علاقة فرنسا بحزب الله «حيوية بالنظر للحقائق القائمة على الأرض». ولذا، فإنه يدعو لأن تكون «مصدرا لاستقرار الوضع الداخلي في لبنان». ومن زاوية العلاقات المثلثة الفرنسية ــ الإيرانية ــ حزب الله، يرى بابت أن معاودة المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني بين طهران ومجموعة الست لا بد أن ينعكس إيجابيا على هذه العلاقة في حال أفضت إلى نوع من التفاهم. يبقى موضوع حزب الله على الأجندة الأوروبية. وبهذا السياق تقول المصادر الفرنسية إنه «يمكن تصور حلول وسطية» توفق بين التيارين الرئيسيين داخل مجموعة الـ27 ومنها على سبيل المثال استهداف الجناح العسكري لحزب الله أو وضع أسماء الأشخاص المعنيين بعملية بورغاس على «اللائحة السوداء» تماما كما حصل مع اسم عماد مغنية، القائد العسكري في حزب الله الذي بقي اسمه على اللائحة المذكورة حتى مقتله في تفجير سيارته في دمشق عام 2008.

قالوا

$
0
0
«إن ذاكرة العالم قصيرة. الفشل والأخطاء المأساوية التي ارتكبت في العراق لا تؤخذ بعين الاعتبار كما يجب». هانس بليكس، الدبلوماسي السويدي كبير مفتشي الأمم المتحدة في العراق سابقا، بمناسبة مرور عشر سنوات على اجتياح العراق بحجة حيازته أسلحة دمار شامل، يدعو المجتمع الدولي إلى عدم تكرار الخطأ نفسه عبر شن حرب على إيران «شريك حقيقي للسلام». الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس يقول إنه يعرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ سنوات، ويدعو إلى استئناف المفاوضات بين بلاده والفلسطينيين كجزء من حل الدولتين «تكرهه الطبقات المتسلطة، لكن التاريخ سيخلد هوغو شافيز». المخرج الأميركي أوليفر ستون، نجم هوليوود المعروف بآرائه الليبرالية، في تأبينه للرئيس الفنزويلي الذي توفي قبل أيام «لا أحد فوق القانون». رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد إصدار الحكم بالسجن على كريس هيون الوزير السابق في حكومته وزوجته فيك برايس في تهمة تعطيل مجرى العدالة «لن يستطيع كريستوف مواجهة الأساليب الخسيسة في الفاتيكان، تكفيه الدسائس الموجودة في فيينا». إيليونور شونبورن والدة الكاردينال النمساوي كريستوف شونبورن المرشح لتولي منصب بابا الفاتيكان، تأمل ألا يصبح ابنها على رأس الكنيسة الكاثوليكية، وقالت: «جميع الأسرة خائفة من أن ينتخب كريستوف لمنصب البابا».

العريض.. الآمال والتحدياتالعريض.. الآمال والتحديات

$
0
0
زج به الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في السجن، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1990، وفي اليوم نفسه من عام 2010، أضرم محمد البوعزيزي، النار في جسده ليؤجج الثورة التونسية، وفي التاريخ نفسه، من عام 2011 عين وزيرا للداخلية في أول حكومة لحزبه النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي. تسلم علي العريض، القيادي في النهضة، والسجين السياسي السابق، مهامه على رأس وزارة الداخلية، وكاد من شدة ارتباكه وقتها، أن ينزل إلى موقعه السابق في سراديب التعذيب بوزارة الداخلية، التي ذاق ويلاتها لسنوات مريرة، لولا أن تدخل المستشارين وموظفي الوزارة، الذين أكدوا له أن مكتبه فوق في الطوابق العليا لمبنى الوزارة وليس في السراديب السفلى المعدة لتعذيب المعارضين وإذاقتهم أشد أنواع الممارسات اللاإنسانية في سراديب لا ترى النور. ويروي علي العريض نفسه المشهد قائلا إنه «عندما دخلت مبنى وزارة الداخلية، وجدت نفسي أعيد سيناريو 1990 عندما كنت موثوقا وأنا أنزل إلى سراديب وزارة الداخلية، ولم أفق سوى على أصوات المستشارين والضباط يشيرون علي بأن مكتبي فوق.. مكررينها عدة مرات فوق فوق». وبعد نحو السنة من إدارته لوزارة الداخلية، وجد نفسه من جديد أمام أحد تحديات مهمة وجديدة وهو يشرف على رئاسة الحكومة بعد استقالة حمادي الجبالي القيادي في نفس حركة النهضة. وينقسم الشارع التونسي مثل النخبة تماما في تقييم رئيس الوزراء التونسي الجديد، علي العريض، الذي يركن إليه مهمة إخراج البلاد من عنق الزجاجة إلى بر الأمان، وتحقيق أهداف الثورة. ويتساءل كثيرون هل يستطيع هذا الرجل الخمسيني، الذي حكم عليه بالإعدام مرتين في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أن ينقذ الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فترة زمنية لا تزيد على العشرة أشهر، هي الموعد الذي حدده العريض نفسه لعمل حكومته. وأجاب العريض أثناء الإعلان عن تشكيلة الحكومة، وكذلك أثناء عرض حكومته على المجلس الوطني التأسيسي، على أسئلة الشارع والنخبة في ما يخص الدستور، والانتخابات، ومدة عمل الحكومة، لكن البعض يعتقد أن الفشل هو ما ينتظره بالنظر للتحديات الجسيمة وانقسام الوسط السياسي، وارتفع سقف المطالب الجماهيرية، ومن بينها تحقيق الأمن والاستقرار، والتنمية، وتوفير العمل للعاطلين. وهي مطالب عجزت عن تحقيقها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وآخرها حكومة الباجي قايد السبسي. وبالنظر إلى الفترة التي تفصل عن نهاية العام، والمنتظر أن تتحقق فيها المطالب المعلنة، فإن كثيرين يرون أن مهمة العريض تكون أشبه بالمهمة المستحيلة، لكنها ستكون الفترة الأهم (ربما) في تاريخ تونس. هذه الفترة هي المنعرج الحقيقي لنقل تونس من أوضاع مضطربة إلى الاستقرار، عبر جسر انتقالي ينقل البلاد من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، أو الارتداد إلى حكم استبداد أشد وطأة على التونسيين مما عاشته البلاد طيلة نصف قرن. لم يكن أحد يتصور أن يصبح علي العريض الذي صدر ضده حكم بالسجن لمدة 15 عاما، قضى منها 10 سنوات في غرفة منفردة، فرضت فيها عليه العزلة التامة، وحكم عليه بالإعدام مرتين، الرجل الأول يتمكن من إدارة إحدى الوزارات المهمة في معظم بلدان العالم وما بالك إذا كان الأمر في بلد ثائر كل مكوناته في حالة غليان. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت أداءه في وزارة الداخلية، فإن قيادات من المعارضة قبل أعضاء الحكومة يقرون بصرامة وعزم علي العريض في تنفيذ أصعب المخططات والبرامج وأنه يعيش على وقع أحد الأمثال الشعبية التونسية المعروفة «الدوام ينقب الرخام”. وجاء الآن الدور على رئاسة الحكومة. يقول محمد البراهمي القيادي بـ«حركة الشعب» (حزب قومي عربي تأسس بعد الثورة) إنه رأى أن العريض رجل وفاقي في أغلب الأحيان واعتبره رجلا وفاقيا وهو الاختيار الأفضل بالنسبة لحركة النهضة، وتجربته في الداخلية ستعطيه فرصة لمعالجة ملفات صعبة خلال فترة رئاسته للحكومة خلفا لحمادي الجبالي. وتقر المعارضة بتحول علي العريض في مدة زمنية وجيزة من قيادي في حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي بأيديولوجيتها ومرجعيتها المحافظة، إلى رجل دولة له الكفاءة والقدرة الفائقة على التعامل مع أصعب الملفات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت فترة إشرافه على وزارة الداخلية، فان التونسيين قد شهدوا خلال الفترة التي تولاها على وزارة الداخلية تحسنا تدريجيا للانفلات الأمني والاعتصامات والاحتجاجات التي عرفتها البلاد بعد الثورة. وتمكن من التفرقة الجيدة بين اللجوء إلى القوة للجم الانفلات الأمني واحترام وحماية حقوق الإنسان فيما يشبه العامل التاريخي مع «شعرة معاوية”. يقول بلقاسم حسن الأمين العام لحزب الثقافة والعمل المعارض عن علي العريض رئيس الحكومة الجديد هو”مناضل إسلامي بارز عرف الكثير من الاضطهاد والمعاناة اشتهر بقدراته التنظيمية الكبيرة وبمحبة إطارات حركة النهضة له. حافظ على بساطته وعلى هدوئه وأكد بدوره قدرة فائقة على خدمة الشأن العام دون أن يفقده المنصب صدق المناضل. واكب علي العريض مؤسسات حركة النهضة وخصوصا المؤتمر ومجلس الشورى منذ أوائل الثمانينات. وأشرف بين سنة 1982 وسنة 1986 على لجنة مشروع الأولويات الذي أفرز ورقات أساسية في بلورة مشروع الحركة من بينها تقييم مسار الحركة منذ النشأة حتى سنة 1984. ووضع الاستراتيجية المؤقتة للحركة التي أجابت على أولويات الحركة وتصورها لمنهج التغيير وبلورة طبيعتها كحركة سياسية مدنية سلمية، إلى جانب تحديد معالم الرؤية التنظيمية لحركة النهضة. تولى العريض عدة مسؤوليات في صلب حزب حركة النهضة بعد الثورة، ومنها رئيس الهيئة التأسيسية للحركة وظل في هذه المهمة حتى انعقاد المؤتمر التاسع للحركة الذي تم في يوليو (تموز) 2012. عرف العريض في الأوساط السياسية التونسية بقدراته التنظيمية العالية، والعمل بروح الفريق، لذلك لم تعرف تسميته رئيسا للوزراء اعتراضا صريحا من أي سياسي تونسي، وإن انتقد بعضهم بعض قراراته خاصة في مسألة تعامل وزارة الداخلية مع أحداث مدينة سليانة يوم 27 نوفمبر 2012 واستعمال الشرطة لخراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين المطالبين بالتشغيل والتنمية، وقبلها أحداث السفارة الأميركية يوم 14 سبتمبر (أيلول) من نفس السنة. وقال عنه عبد الرءوف العيادي رئيس حركة وفاء المعارضة لـ«الشرق الأوسط» علي العريض شخصية مناضلة لا يمكن أن نبدي اعتراضا على تعيينه على رأس الحكومة ونتمنى أن يتبنى في برنامجه الحكومي مشروع المحاسبة والمصالحة. تولى علي العريض حقيبة وزارة الداخلية في حكومة حمادي الجبالي بداية من 24 ديسمبر من سنة 2011 على إثر فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي (البرلمان)، وواصل مهامه إلى أن رشحه مجلس الشورى لحركة النهضة يوم 22 فبراير (شباط) الماضي، رئيسا للحكومة الجديدة خلفا لحكومة حمادي الجبالي المستقيلة. وحصل علي العريض على أكثر من 50 في المائة من أصوات أعضاء مجلس الشورى المكون من 150 عضوا في مرحلة أولى، قبل أن ترتفع النسبة إلى 60 خلال الجولة الثانية من التصويت. وكانت مؤسسة «ذي أتلانتك كاونسل» وهي مركز بحوث أميركي مقره واشنطن قد أصدرت تقريرا عن الوضع في تونس بعنوان «تونس في ظل حكومة العريض سوف تواصل مسار الانتقال الديمقراطي». وكان ذلك بعد أيام من الإعلان عن تعيين علي العريض رئيسا للحكومة التونسية. وقالت إن رئيس الحكومة المكلف قد تولى مهامه في مناخ سياسي أكثر استقطابا من المناخ الذي تولي فيه سلفه مهامه في ديسمبر 2011. وأضاف التقرير أن تكليف العريض يعني اعتماد حركة النهضة سياسة أقل ليونة ولكنه لا يعني نهاية الديمقراطية في تونس. وأعرب الجانب الأميركي عن اعتقاده بأن علي العريض سيكون أكثر تمسكا بمواقفه من الجبالي ولكنه ليس من الواضح إلى أي حد أو في أي المجالات بالذات سيكون ذلك. وأضاف أن «أحد دروس الأزمة الأخيرة هي أن مجلس الشورى هو الذي يملك زمام تسيير سياسات حركة النهضة بشكل كامل ومن ثمة فهو يملك في كثير الحالات زمام تسيير سياسات الحكومة». وهذا الأمر قد تكون له انعكاساته خلال الفترة القصيرة التي سيقضيها على رأس الحكومة. وقد اختار مجلس الشورى علي العريض ليس لأنه متصلب مثلما وصفه الكثيرون في وسائل الإعلام الدولية، وإنما لأنه جزء من المؤسسة السياسية لحركة النهضة وهو يحظى باحترام كبير في مجلس الشورى. والذين لا يشعرون بالارتياح حيال تسمية علي العريض، رئيسا للوزراء يتحدثون عن تقييمهم لفترة توليه وزارة الداخلية ومن هؤلاء القيادي في الحزب الجمهوري نجيب الشابي «نحن نعرف أن أحداث 9 يناير (كانون الثاني) 2012 وقعت في فترة تولي علي العريض حقيبة الداخلية، حيث استخدمت الشرطة وسائل القمع من عصي وغاز مسيل للدموع لأن المتظاهرين تحدوا قرار منع التظاهر، كما وقعت في عهد العريض، أحداث السفارة الأميركية، وفي عهده حدثت أحداث سليانة التي تعرض فيها المتظاهرون للرش الناري». ويقول الشابي: «أحترم علي العريض شخصيا وقد عرفته منذ زمن طويل، وعندما التقينا أثناء المشاورات التي أجراها مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ذكرته بلقاءاتنا، لكنه أشار إلى أننا نعرف بعضنا منذ الثمانينات وذكرني بلقاء جمعنا مع صحافية فرنسية إبان ملاحقة النظام السابق لحركة النهضة». ويؤكد الشابي، على أن «تغيير وزراء السيادة خطوة جيدة، وبقي الإسراع في إعداد الدستور، وتشكيل اللجنة العليا المستقلة للانتخابات، وضرورة الاهتمام بالملفات التي لا تقبل التأجيل وفي مقدمتها الحالات الاجتماعية الصعبة». وإن كان الشابي متفائلا حيال القضايا الدستورية، فإنه يرى بأن الوضع الاجتماعي، وغلاء الأسعار، وحل مشكلة البطالة، وإتمام إنجازات المشاريع المبرمجة في ميزانيتي 2012 و2013 تبقى رهن الإرادة السياسية، ورضا المعارضة، وإقناع قطاعات واسعة بتمشي حكومة علي العريض. الوزير لدى رئيس الوزراء، ووزير العدل السابق، نور الدين البحيري، يرى بأن علي العريض نجح وهو على رأس وزارة الداخلية وإن شاء الله سينجح وهو رئيس للوزراء. وتابع: «هناك الكثير مما قاله علي العريض، فالجادون يذكرون جملته الشهيرة الموجهة للشعب، هناك من يخدم الشعب وهناك من يخدم بالشعب، (أي يلعب بالشعب) بينما الآخرون يبحثون عن التعابير حمالة الأوجه والتي يفسرونها كما يشاؤون، فكل إناء بما فيه ينضح، وكل يفسرها حسب اهتماماته». ويعتقد البحيري أن علي العريض كان جادا عندما حاول جاهدا أن يلفت أنظار المعارضة والشعب لما تتطلبه المرحلة في خطاب إعلان الحكومة عندما قال: «بلادنا في حاجة لربح الوقت بحاجة إلى العمل، بحاجة إلى الانضباط بحاجة لادخار جهودها في الإنتاج وفي التعليم وفي الصحة. بحاجة لوحدة وطنية قوية بحاجة لأن يعي كل مواطن وكل مواطنة إمكانيات هذه البلاد والمراحل التي تمر بها ومسؤوليته الوطنية في الحفاظ على أمنها واستقرارها، ووحدة ترابها ووحدتها الاجتماعية وكذلك في تحقيق أهداف الثورة وبالوعي بأن الديمقراطية مطلب حقيقي يجب الصبر عليه ويجب عدم الضيق به حتى ثماره».وأردف: «الديمقراطية لا تعطي ثمارها إلا بعد بضع الوقت». وأوضح البحيري أن 51 في المائة من حكومة علي العريض، هي من الكفاءات المستقلة، وبعضها تم اقتراحه من خارج حزب حركة النهضة، حتى نبعد أي شبهة عن الانتخابات القادمة التي يجب أن تجرى في إطار الشفافية وقال إن تحييد وزارات السيادة كان مطلب المعارضة، وما فعلناه كان من أجل وطننا ومن أجل أن تمر المرحلة الانتقالية الثانية بكل سلام وتتأسس فيها المؤسسات التي ستحقق أهداف الثورة. ولا يرى البحيري بأن كل شيء تحقق بل حققنا قدرا كبيرا مما نريد في ما يتعلق بتركيبة الحكومة التي تتركب من 3 أحزاب رئيسية وعدد كبير من المستقلين. وكان العريض قد تحدث في خطاب التكليف عن فترة عمل الحكومة وأشار إلى وجود اتفاق ضمني في هذا الخصوص تدارسنا فترة عمل الحكومة وهي نهاية العام، هذه الحكومة لمدة يكون أقصاها نهاية 2013 وحول موعد الانتخابات قال العريض: «كما تعلمون تحديد التاريخ من مشمولات المجلس الوطني التأسيسي ولكن كل المقاربات داخل الأحزاب والشخصيات المكونة للحكومة ستكون بين أكتوبر ونوفمبر القادمين وأتوقع أن لا تتجاوز شهر نوفمبر والأفضل في أكتوبر وعلى كل حال سيتم تحديد التاريخ الأسبوع القادم». البحيري أشاد بموقف علي العريض من العنف «عندما يواجه علي العريض العنف الذي تقوم به جهة يطلق عليه رجل دولة ويمتدح، وعندما يواجه عنفا آخر يقال عنه ما يقال، نحن لا نؤمن بازدواجية المعايير» وأضاف: «علي العريض أكد أن أي وزير يدخل الحكومة يجب أن يلبس جبة الدولة ويفكر في مصلحة الدولة». وأن كل من يتطاول على الدولة ويخرق قوانينها أو أي شكل من أشكال التنظيم الموازي أو النيل منها سنتصدى له بكامل الجدية دون استثناء، نتصدى بالقانون في كنف القانون. وأنه لا بد من استتباب الأمن وأن تكون الدولة محترمة وهيبتها مصانة، والقانون فوق الجميع. لعلي العريض تاريخ مع السياسة حيث قام بدور قيادي بعد المحاكمة التاريخية لقيادات حركة النهضة سنة 1981 على إثر تقدم الحركة بطلب الاعتراف الرسمي بها من قبل نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وقد صدر حكم غيابي بالإعدام في حق العريض، وألقي عليه القبض بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 الذي قاده الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وفي إطار تهدئة الأجواء السياسية التي كانت مشحونة آنذاك أصدر بن علي عفوا عن القيادات النهضوية، التي وجدت نفسها أمام مصير أكثر قمعا في عام 1990، عندما كان علي العريض يشغل مهمة الناطق الرسمي باسم حركة النهضة. وألقي القبض على علي العريض، وحوكم ضمن الآلاف من قيادات حركة النهضة ومناضليها في ضائقة 1992، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 15 عاما، قضى منها 10 سنوات في غرفة منفردة، فرضت فيها عليه العزلة التامة. لقد نجا العريض من الإعدام مرتين، سنة 1987 وسنة 1990، وتمت تسميته مرتين وزيرا للداخلية سنة 2011 ورئيسا للوزراء عام 2013، ولا يعرف ماذا يخبئ التاريخ لعلي العريض، وما إذا كان سيكون على موعد مع الرئاسة سواء في 2014 أو 2019. * محطات في حياة العريض * ولد علي العريض رئيس الحكومة التونسية الرابعة بعد الثورة يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1955 بمدينة جرجيس بالجنوب الغربي التونسي وهو يبلغ الآن 58 سنة وهو بذلك يعد أصغر رؤساء الحكومات الأربع الذين تم تعيينهم منذ الإطاحة بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي (محمد الغنوشي عمره 74سنة، الباجي قائد السبسي عمره 87 سنة وحمادي الجبالي لا يزيد عمره على 64 سنة). * تربى العريض في منطقة عرفت بالمحافظة المبدئية على مجموعة من القيم والتقاليد الأصيلة، وهو ابن المرحوم المقاوم عبد اللطيف العريض. ولا تزال منطقة جرجيس تعيش على نفس الوتيرة المحافظة وتعتمد العائلات هناك على إنتاج غابات الزيتون. كما تعرف المنطقة بإنتاج الإسفنج، من أعماق البحر وهو عمل شاق يتطلب المخاطرة للوصول إلى أفضل قطعه. وعلى الرغم من موقع جرجيس على ساحل البحر، فإن الطابع المحافظ لا يزال مسيطرا على سلوك أغلبية العائلات. * أتم العريض دراسته الجامعية بتونس العاصمة وتخرج مهندسا في البحرية التجارية، وهو أحد أهم قادة حركة النهضة منذ تأسيسها في السبعينات من القرن الماضي. قام بدور قيادي بعد محاكمة قيادة الحركة سنة 1981 في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة وحكم ضده بالإعدام غيابيا سنة 1987، وألقي عليه القبض بعد استحواذ الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي على السلطة في 7 نوفمبر 1987 ليصدر عليه نفس الحكم بالإعدام. لكن حكم الإعدام لم ينفذ ضده ثم صدر في حقه عفوا فيما بعد. * تولى العريض الأمانة العامة لحركة النهضة إلى أن ألقي عليه القبض في ديسمبر سنة 1990، وحوكم ضمن قيادات الحركة على أثر قرار نظام بن علي التخلص من الحركة الإسلامية واتهامها سنة 1992 بتدبير محاولة انقلابية ضده بالتعاون مع مجموعة من العسكريين. وحكم عليه بخمسة عشر عاما سجنا قضى منها عشرة أعوام في زنزانة انفرادية. وبعد خروجه من السجن، عاد إلى الظهور والمشاركة باسم حركته في هيئة 18 أكتوبر (تشرين الأول) للحقوق والحريات التي جمعت إسلاميين ويساريين وليبراليين وقوميين.

إيران تكثف من مناوراتها.. ودخول «باب المندب» في الخطاب السياسي

$
0
0
تخطط إيران حاليا لإجراء المزيد من المناورات كجزء من عشرات المناورات التي أعلنت طهران عنها خلال السنوات الماضية، ففي عام 2012 وحده أعلنت إيران عن أربع مناورات عسكرية على الأقل، امتدت على طول مياه الخليج العربي وصولا إلى بحر العرب، كانت تصفها وسائل الإعلام الإيرانية دائما بالأضخم والأوسع والأكثر إثباتا لقدرات إيران العسكرية، وبينما كانت تلك المناورات تدور في وسائل الإعلام المحلية أكثر منها على الأرض وفي البحر، دأبت إيران على مزامنتها بالتلويح بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي - الممر الحيوي لنحو نصف نفط العالم، وسط تصعيد دولي للعقوبات على طهران بسبب ملفها النووي المثير للجدل، لكن القديم الجديد في تصريحات العسكريين الإيرانيين بإدخال مضيق باب المندب على البحر الأحمر إلى الخطاب السياسي الإيراني، بعد أن اعترفت طهران بأن قطعها البحرية تراقب المضيق لرصد أي تحرك من «قطع معادية»، معلنة أنها بدأت مناورات عسكرية بحرية تحت اسم «الولاية 91» تستغرق في مضيق هرمز في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بهدف استعراض القدرات العسكرية الإيرانية في هذا الممر الحيوي لشحن النفط والغاز. وامتدت مساحة تلك المناورات من عمق الخليج العربي على سواحل محافظة بوشهر باتجاه منطقة مساحتها نحو مليون كيلومتر مربع، مرورا بمضيق هرمز وخليج عمان ومناطق شمالية من المحيط الهندي، في محاكاة لصد هجوم من قبل عدو افتراضي في طريقه للاقتراب من مياه بحر عمان والخليج العربي لمهاجمة السواحل الإيرانية، بحسب وسائل الإعلام الإيرانية. وفي الوقت الذي أكد فيه جنرال عسكري إيراني أن هذه المناورات تأتي «للدفاع عن الحياض المائية لإيران»، قال المتحدث باسم المناورات، العميد البحري رستجاري، إن «مجموعة السفن الحربية الإيرانية الثالثة والعشرين، المؤلفة من المدمرة (جمران) وحاملة المروحيات (بوشهر)، تؤدي حاليا مهام المراقبة الدورية في مضيق باب المندب والمياه الحرة»، وهو ما كانت إيران تكرره دائما من خلال الإيحاء بأنها قادرة على أن تهاجم عدوا في منطقة أبعد بكثير من شواطئها وتصل إلى باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يؤدي إلى قناة السويس. وتوجد إيران عسكريا في مناطق متعددة حول باب المندب، مثل إريتريا، حيث كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية في وقت سابق عن أن إيران تدرب أعدادا كبيرة من الحوثيين في دولة إريتريا المجاورة لليمن والمطلة على المضيق على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، مشيرة إلى أن لدى اليمن ما يثبت تهريب إيران لأسلحة عبر سفن مهربة إلى جزر تتبع إريتريا، ثم يتم نقل هذه الأسلحة عبر شحنات صغيرة إلى الحوثيين في محافظة صعدة التي يسيطرون عليها شمال البلاد، بينما تتحدث تقارير إعلامية كثيرة عن أن إيران تمتلك قواعد عسكرية فعالة في إريتريا، وهي تعمل بصمت لمد أذرعها إلى مضيق باب المندب الاستراتيجي، والهدف الرئيسي التضييق على دول الخليج. ولليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على باب المندب لامتلاكه جزيرة بريم، إلا أن القوى الكبرى وحليفاتها عملت على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله، وذلك لأهميته العالمية في التجارة والنقل، كما سعت الأمم المتحدة في عام 1982 لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية ودخلت اتفاقيتها المعروفة بـ«اتفاقية جامايكا» حيز التنفيذ في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1994. وتبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولا وممر هرمز ثانيا مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة. وتهديد هذين الممرين أو قناة السويس وحدها يحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

إيران.. صراع البحارإيران.. صراع البحار

$
0
0
خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية، كثفت إيران من وجودها في المياه الدولية، وأرسلت سفنها إلى مناطق لم ترتدها من قبل، في خطوات أثارت مخاوف دولية من أهداف إيران بعيدة المدى. ورغم أن طهران تقول إن انتشار سفنها وبوارجها في مياه المحيطات هو مجرد رسالة سلام، فإن مسؤولين وخبراء دوليين رأوا في الخطوة الإيرانية تهديدا للسلام العالمي. وبعد انتشار سفنها المكثف في الخليج، غزت البوارج الحربية الإيرانية مياه المحيط الهادي للمرة الأولى منذ 3 عقود.. وأجرت خلال السنوات القليلة الماضية تدريبات عسكرية كثيرة لتحسين القدرات الدفاعية لقواتها البحرية لاختبار تكتيكاتها وأسلحتها العسكرية الحديثة. ودأب القادة الإيرانيون على إطلاق تصريحات عن توسعات بحرية في مياه المحيطات، وبناء قواعد بحرية وأسلحة ذات تقنيات متطورة، وأن القوات البحرية الإيرانية أزاحت الستار عن عوامة مطورة وطوربيد جديد له القدرة على إطلاق صاروخ «سيناء 7». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أعلنت إيران نيتها صناعة غواصة نووية وطوربيد جديد له القدرة على إطلاق الصواريخ والتهرب من تقنيات الرادارات الغربية، كما أعلن قادة الجيش الإيراني أنهم سيقومون ببناء قواعد بحرية جديدة في أماكن، مثل ميناء جوادر على الحدود مع باكستان. وأعلن قائد القوة البحرية للجيش الإيراني تزويد قواته بطائرات من دون طيار، تنطلق من القواعد البحرية وتقوم بتنفيذ مهمات استطلاعية وهجومية ودفاعية، وأكد أن إيران سوف تستخدم تلك الطائرات من دون طيار عندما يقتضي الأمر. وأيضا.. أجرت طهران الكثير من المناورات البحرية، تم خلالها اختبار تقنيات جديدة، وتزويد القوات البحرية بطائرات من دون طيار تنطلق من القواعد البحرية لتنفيذ مهمات استطلاعية ودفاعية. ومن أهم المناورات التي قامت بها قوات الحرس الثوري الإيراني، مناورات «الرسول الأعظم 8» في منطقة سركان جنوب شرقي إيران، وقبلها مناورات «فتح 91» في الخليج لاختبار وتقييم الخطط البحرية للوحدات البحرية والصاروخية، ومناورة بحرية مشتركة مع سلطنة عمان في يناير (كانون الثاني) بهدف الرقي باستعداد قوات الجانبين والتصدي للقرصنة البحرية، ومناورة رابعة قامت بها مؤخرا أطلقت خلالها صاروخ «كروز نصر» البحري وصاروخ رعد وصاروخ ميثاق. وأعلن الأدميرال حبيب الله سياري، قائد القوات البحرية بالجيش الإيراني، الأسبوع الماضي، في تصريحات، دخول وحدة من الأسطول البحري الإيراني إلى مياه المحيط الهادي (لأول مرة منذ ثلاثة عقود) بعد مرورها من مضيق مالاكا في ماليزيا، الذي يعد من الممرات المائية المهمة في العالم. ويعد هذا هو أول وجود للقوات البحرية الإيرانية في خليج مالاكا منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وقد أبحرت مجموعة السفن الـ24 (التي تضم حاملة المروحيات خارك والمدمرة سبلان) من ميناء بندر عباس جنوب إيران، وبعد أن مرت بخليج عدن وقرب مضيق باب المندب تحركت نحو شرق المحيط الهندي وعبرت من جنوب شبه القارة الهندية وسريلانكا وخليج البنغال ودخلت مضيق مالاكا، ورست في ميناء جانغ جيانغ الصيني قبل أن تعود أدراجها إلى إيران. وخلال الشهرين الماضيين، رست بارجتان حربيتان إيرانيتان في ميناء بالسودان، حيث يرى البعض أن طهران تسعى لتأسيس مقر دائم في سواحل البحر الأحمر. وخلال الأسابيع الماضية، أزاحت القوات البحرية الستار عن عوامة مطورة وطوربيد جديد له القدرة على إطلاق صاروح «سينا 7»، وبث التلفزيون الإيراني خبرا عن تدشين غواصتين جديدتين. ودأبت طهران على طمأنة الدول الأخرى، خصوصا جيرانها، بأن جيشها لا يشكل تهديدا لأي دولة، مؤكدة أن عقيدتها الدفاعية مبنية على الردع. ويقول الأدميرال سياري، إن هدف التعزيزات البحرية الأخيرة هو تعزيز علاقات الصداقة والعلاقات التجارية بين إيران والصين. كما شدد على أهمية تأمين منطقة مثلث مضايق هرمز وباب المندب ومالاكا. ويرى الخبير الاستراتيجي اليمني عمر عبد العزيز أنه من البديهي أن تفكر إيران بطرقها الخاصة للسيطرة على أوسع مناطق في البحار المحيطة بها في منطقة الخليج، وباب المندب، الذي بدأت تمد أذرعها إليه: «لأننا، وإن لم نكن في حالة حرب معلنة بين إيران ودول المنطقة، إلا أننا نعيش حربا جيوسياسية، تمثل حالة من الاشتباك المستمر بين إيران ودول المنطقة». وأضاف: «عندما نتكلم عن مضيق باب المندب، فنحن نتحدث عن ممر دولي شديد الأهمية يوازي مضيق هرمز من الجهة الثانية ويعتبر المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يؤدي إلى قناة السويس»، ويقول إن «مضيق باب المندب يمكن أن يعطل حركة الملاحة الدولية التي تتم حاليا عبر قناة السويس انطلاقا من البحر الأحمر». ويرى الخبير الاستراتيجي أن «أهمية مضيق هرمز تكمن في الاقتصاد النفطي وعبوره لما يزيد على 40% من نفط العالم يوميا، أما مضيق باب المندب فهو أشمل من الناحية التجارة الدولية، لذلك نشاهد إيران تتبع سياسة تتمثل في الضغط العسكري من خلال مشاريع عسكرية معلنة ومناورات عسكرية، وتحركات قد لا يعلن عنها». ويخلص عبد العزيز للقول: «إن المضيق يمثل أهمية كبيرة للتجارة الدولية، وإيران في إطار صراعها مع الغرب تحاول أن تزيد أذرعها طولا في محيطها الجغرافي، تمكنها من المبادأة الاستراتيجية لاستباق أي هجوم عليها». وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، قللت من أهمية تلك التحركات والمناورات الإيرانية، واعتبرتها مجرد مزاعم، وقللت من التصريحات والتقارير التي تشير إلى تطور القدرات العسكرية الإيرانية البحرية. وقال الكولونيل جاك ميلر، المسؤول الصحافي لمنطقة الشرق الأوسط بمكتب وزير الدفاع الأميركي، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «الولايات المتحدة لا تشعر بالقلق من تحركات البحرية الإيرانية في منطقة المحيط الهادي»، مؤكدا استعداد القوات الأميركية في المنطقة للرد على أي تهديدات، بغض النظر عن الاستقطاعات المفروضة على الميزانية الأميركية التي تجبر «البنتاغون» الأميركي على تخفيض حجم القوات الأميركية في الخارج والحد من خطط التدريب ونشر القوات. وقال الكولونيل ميلر: «لا نشعر بالقلق من تلك المزاعم الإيرانية، ونحافظ على وجود قوي للبحرية الأميركية في منطقة الخليج، إضافة إلى الحفاظ على شراكات قوية مع حلفائنا في الخليج ومنطقة آسيا والمحيط الهادي، والهدف من ذلك هو الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وسوف نستمر في الاستعداد للرد على أي تهديدات في المنطقة». وأضاف الكولونيل ميلر: «إننا مستمرون في مراقبة الأنشطة الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة، ومرتاحون جدا لوضعنا الخاص في المنطقة، أما أهداف البحرية الإيرانية من تلك التحركات، فنحن لن نتكهن بشأن دوافع أو الحقيقة وراء تلك التقارير والتصريحات الصادرة من البحرية الإيرانية». وقلل الكولونيل ميلر من قدرة إيران على تصنيع غواصة نووية (التي تتطلب تخصيب اليورانيوم بنسبة 97%)، وقال: «في حال أرادت إيران تخصيب يورانيوم لإنتاج وقود نووي لاستخدامه في غواصات نووية، فإن ذلك يتطلب من إيران أن تخطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخططها لتخصيب اليورانيوم، ونحن لسنا على علم بأي إخطارات إيرانية بهذا الشأن». لكن التحركات الإيرانية في مياه الخليج أثارت مخاوف أعضاء الكونغرس الأميركي من أن تستغل إيران تقليل حجم القوات البحرية الأميركية في المنطقة. وقال الجنرال جيمس ماتيس، رئيس القيادة المركزية بالجيش الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، الأربعاء الماضي: «إن إيران هي التهديد الأكبر للرخاء والاستقرار في المنطقة، وأنه رغم العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تواصل إيران تصدير عدم الاستقرار والعنف في المنطقة وما وراءها»، مشيرا إلى تهديداتها للممرات البحرية الإقليمية وامتلاكها لصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى وشبكة من الأنشطة غير المشروعة والقرصنة الإلكترونية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وأشار الجنرال ماتيس إلى أن مخاطر سوء التقدير الإيراني والدعم المستمر لنظام الأسد في سوريا، سيؤديان إلى صراع كارثي، وحذر ماتيس من محاولة إيران الاستفادة من تخفيض الوجود العسكري الأميركي، وقال: «ما زالت لدينا حاملة طائرات واحدة هناك، وأحذر أي عدو قد يعتقد أنها فرصة لاستغلال هذا الوضع»، في إشارة واضحة إلى إيران. وأوضح الجنرال ماتيس أن أي تحركات من العدو ستواجه برد أميركي قوي، محذرا من التقليل من القوة العسكرية الأميركية، وقال: «لدينا ما يلزم لجعل هذا اليوم أطول أيام العدو وأسوأها، وسنرسل حاملة الطائرات الثانية إلى هناك سريعا لتقديم الدعم»، مشيرا إلى إمكانية انطلاق السلاح الجوي والبحري خلال مهلة قصيرة، وإلى انطلاق حاملة الطائرات (يو إس إس هاري ترومان) والوصول إلى منطقة الخليج خلال أسبوعين. وعلى خلاف تأكيدات الخارجية الأميركية والبيت الأبيض لشدة تأثير العقوبات الدولية على إيران وتفاؤلهما بأن تسفر المفاوضات الدبلوماسية مع إيران عن حل لقضية الملف النووي - قال الجنرال ماتيس إنه لا يعتقد أن إيران ستتنازل عن أنشطة تخصيب اليورانيوم، لكنه في الوقت نفسه أيد سياسة الرئيس أوباما في إعطاء الوقت للعقوبات لتأتي بتأثيرها. وقال مصدر مسؤول بالإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن يدرك الإيرانيون أن قوة النيران الموجودة على حاملة طائرات أميركية واحدة كافية لردع إيران عن القيام بأي شيء»، مؤكدا قوة الجيش الأميركي وأسلحته الجوية والبحرية وامتلاكه أعلى تكنولوجيا عسكرية في العالم بما يمكنه من الرد القوي والردع الحاسم. وتنشر الولايات المتحدة حاملة الطائرات «يو إس إس جون ستينيس) في منطقة الخليج إلى جانب عدد من السفن العسكرية الأخرى التي تقوم بدوريات في مناطق استراتيجية بالخليج قبالة المياه الدولية لإيران، كما توجد حاملة الطائرات (يو إس إس دوايت أيزنهاور) في البحر المتوسط. لكن المحللين الغربيين يحذرون من التطور السريع في قدرات القوات البحرية الإيرانية وحرس الثورة الإسلامية. وينظر المحللون إلى الدوريات التي يقوم بها الأسطول الإيراني في شمال المحيط الهندي وخليج عدن وفي مضيق باب المندب والبحر الأحمر عند قناة السويس، على أنها تحركات تقوم بها إيران لتعزيز وجودها في تلك المناطق بما يمكنها من مواجهة تعطيل محتمل للممرات الملاحية الحيوية مثل مضيق هرمز، كما يمكنها من تهريب الأسلحة للمجموعات الإرهابية في دول بالقارة الأفريقية. ويقول مايكل روبين بمعهد أميركان إنتربرايز، إن أنظار العالم تتركز على البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، في حين أن طهران تركز على تطوير القوات البحرية للجيش وحرس الثورة. ويدلل روبين على ذلك بمحاولات الجمهورية الإسلامية خلال السنوات الماضية تعزيز وجودها في المياه الدولية وبحر عمان والمحيط الهندي، وتأسيس مقر عسكري في ميناء جاسك الصغير الواقع في بحر عمان خارج مضيق هرمز، مشيرا إلى التصريحات الكثيرة من قادة الجيش والبحرية عن تصنيع حاملات طائرات وغواصة نووية وطائرات من دون طيار. ويضيف روبين، «في خضم هذه التصريحات، فإن القوات البحرية الإيرانية التابعة للجيش ولحرس الثورة قد شهدت تطورا ملحوظا»، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979، قامت السفن البحرية الإيرانية في الأشهر الماضية بعبور قناة السويس لأول مرة، وكذلك فإن القوات البحرية الإيرانية تتصدى للقراصنة خارج منطقة القرن الأفريقي. ويؤكد الباحث الأميركي أن إيران لديها طموحات لتعزيز نفوذها في بحر عمان وشمال المحيط الهادي، وهو علامة على سعي إيران لإغلاق مضيق هرمز إذا اقتضت الضرورة، وأن الأهداف الإيرانية قد تؤدي إلى انتهاء عهد الملاحة الآمنة في شمال المحيط الهندي سريعا. ويحذر روبين قائلا: «كلما زاد نشاط البحرية الإيرانية، زاد قلق الدول العربية من استراتيجية الولايات المتحدة لإضعاف التهديدات الإيرانية». ويؤكد فيكتور ديفيز هانسون، المؤرخ بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد، أن الولايات المتحدة تتراجع عن دورها في ريادة العالم وفي الحفاظ على السلام الدولي، ويقول: «هذه السياسة الأميركية للقيادة من الخلف، التي ظهرت في ليبيا ومالي، تدفعنا لنعترف بحقيقة أن العالم كان مكانا أفضل بكثير بعد عام 1945 بسبب وجود الولايات المتحدة كقوة عالمية، وسيصبح العالم مكانا أسوأ بسبب تغيب الولايات المتحدة على نحو متزايد».

«فرساي» ورجال السلام الثلاثة

$
0
0
إن صناعة السلم هي بالتأكيد أصعب من صناعة الحرب، فالحرب لها شروطها وقوانينها، أما السلم فلا توجد له معادلات واضحة المعالم صريحة التضاريس، فهو صناعة أقرب ما تكون لصناعة الساعات، تحتاج إلى دقة ورؤية وقدرة على الربط مع الزمن، وهي عناصر كثيرة لم تكن متوفرة في صناع السلام والنظام الدولي الجديد عقب الحرب العالمية الأولى في باريس عندما افتتحت أعمال مؤتمر «فرساي» في 18 يناير (كانون الثاني) 1919، فقد كانت آمال الأوروبيين معقودة على رجال الدولة المشاركين في المؤتمر بعدما فقدت البشرية ما يقرب من سبعة عشر مليون نسمة، وما يقرب من عشرين مليون جريحا، كما وصل حجم الدمار الذي ألحقته هذه الحرب إلى قرابة 185 بليون دولار بالأسعار السائدة في ذلك الوقت. وعلى عكس اتفاقية فيينا عام 1815، فإن «فرساي» افتقر لشخصية مثل المستشار النمساوي «مترنيخ» أو وزير الخارجية الإنجليزي «كاسلريه»، فلقد أعقب الجلسات العامة جلسات مغلقة «للكبار الخمس»، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان، والواقع أن الدول الثلاث الأول وقياداتها هي التي وقعت عليها مسؤولية صياغة السلام العالمي الجديد وكان على الباقي مجرد إقرار هذا السلام، حتى إن ممثل اليابان لم يكن مهتما إلا بحصول بلاده على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادي بينما لم يستطع المفاوض الإيطالي الخروج بالمكاسب التي كانت تقع في بؤرة اهتمامه، وهو ما جعل القادة الثلاثة لفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا غير أهل لصياغة السلام، وذلك للأسباب التالية: أولا: كان رئيس الوزراء الفرنسي «كليمنسيو Clemenceau» هو الشخصية المهيمنة على المؤتمر مثلما فعل مترنيخ في عام 1815 في فيينا، ولكنه لم يكن يتمتع برؤيته وقدراته السياسية وحنكته المهنية، فلقد عاصر «كليمنسيو» الحربين الرئيسيتين لبلاده مع ألمانيا وذاق مرارة الهزيمة عام 1871، كما أنه شاهد الدمار الذي لحق ببلاده جراء الحرب العالمية، وقد أثر ذلك على تركيبته التفاوضية أثناء صياغة السلام فكان هدفه القضاء على كل قدرات ألمانيا وتحجيمها وتكبيلها بمديونيات واسعة النطاق في شكل تعويضات حرب، وقد باءت كل محاولات المفاوضين الآخرين لإثنائه عن هدفه هذا بالفشل، فكانت روحه الانتقامية هي التي سيطرت عليه وجعلته يلهث وراء سلام في شكل سراب من صنعه مبني على دحض ألمانيا، غير عابئ بتجربة المستشار النمساوي «مترنيخ» والذي ذاق نفس مرارة الهزيمة على أيدي نابليون إمبراطور فرنسا في مطلع القرن الماضي، ومع ذلك فقد سعى لاستيعاب فرنسا في المنظومة الأوروبية بحيث تصبح هذه المنظومة هي خير ضامن لأمن بلاده، وهو الدرس الذي لم يستطع كليمنسيو تعلمه فهو لم يعبأ ببناء نظام دولي قادر على استيعاب ألمانيا وحماية أمن بلاده. ثانيا: كان الرئيس الأميركي «وودرو ويلسون Wilson» هو الشخصية التي كانت كل أوروبا تنظر لها بعين الفخر والاعتزاز الممزوجة بالخلاص، فلقد تصور الجميع بعد حجم الدمار الذي لحق بهم أن «ويلسون» هو المخلص الذي أتي بفكر جديد من شأنه أن يغير من أنماط السياسة الأوروبية بعيدا عن الحروب وما يترتب عليها من دمار وخراب، وعندما أقلع الرجل على ظهر السفينة «جورج واشنطن» متوجها إلى أوروبا للمشاركة في صناعة السلم والنظام الأوروبي والدولي الجديد كانت نشوة الفكر الليبرالي الذي بشر به الرجل تملؤه، فلقد أطلق الرجل مبادئه الأربعة عشر قبل أيام من بدء مؤتمر السلام في فرساي، وكانت تتضمن عددا من المبادئ الرئيسية التي يجب أن تسير عليها العلاقات الدولية وعلى رأسها حق تقرير المصير أي حقوق القوميات والشعوب المحتلة في إقامة دولها المستقلة، كما تضمنت أيضا ضرورة إلغاء الدبلوماسية السرية والتي كانت السبب من وجهة نظره في إشعال الحرب، إضافة إلى مبادئ حرية التجارة وحرية الملاحة الدولية خارج المياه الإقليمية وإنشاء منظمة دولية متعددة الأطراف تكون مهمتها حفظ السلام العالمي. حقيقة الأمر أن الآمال المعقودة على الرئيس ويلسون كانت أكبر من حجمه السياسي، فلقد كان الرجل أستاذا جامعيا بدأ تيار الفكر الليبرالي الحر في نظريات العلاقات الدولية، ولكنه لم يكن سياسيا متمرسا في السياسة الدولية، كما أن بلاده لم تكن مستعدة بعد للانخراط في السياسة الدولية ومشكلاتها، فكفاها المشاركة في حرب ليس لها فيها ناقة ولا جمل، وبالتالي فإن الساحة الداخلية الأميركية لم تكن مواتية بالقدر الكافي، كما أن الساحة الدولية لم تكن مستعدة لقبول أفكاره والتي كان ينظر لها على اعتبارها مثالية ستنكسر حتما على واقع السياسة الدولية وفكرة المصلحة التي تدار بها، ومع ذلك فإن الاستقبال الحافل الذي لاقاه «ويلسون» لدى الشعوب الأوروبية جعله يتخيل أنه سيكون قادرا على تطبيق مفاهيمه السياسية بدعم من فكرة الدولة الأميركية الفتية في زمن شاخت فيه الدول وعجز فيه الساسة عن إدارة العلاقات الأوروبية فدمروها، ولكن فكر هذا الرجل اصطدم بواقع لم يكن الرجل قادرا على استيعابه، فالسياسة الخارجية لا تصنع على أكتاف الشعوب أو هتافات الجماهير. ثالثا: كان الطرف الأخير في المعادلة السياسة هو السياسي البريطاني لويد جورج، وقد مثل الرجل السياسة العملية لبلاده والتي كانت تقليدا راسخا على مدار القرون الثلاثة السابقة، فلقد اتبعت بريطانيا سياسة توازن القوى وكان هدفها الأساسي هو ألا تتوحد القارة الأوروبية تحت أي ظرف من الظروف سواء تحت لواء دولة واحدة أو تحالف عدد من الدول، وقد سعى «لويد جورج» لتفعيل نفس هذا المبدأ، فكان يهدف لمحاولة كبح جماح فرنسا على المستوى القاري، فلم يكن راغبا في أن تصبح فرنسا هي صاحبة الكلمة العليا في القارة، بالتالي فإنه كان يسعى لموازنة أطماعها من خلال الاعتراض المستمر على تقليص أية فرص أمام النمو الألماني، ولكنه في نفس الوقت كان على دراية كاملة أن الفرصة لو سنحت، فإن ألمانيا ستعود أقوى من قبل، بالتالي فإنه كان يتأرجح بين قلقه من فرنسا وبريطانيا، فكان تارة يساند فرنسا وأخرى يساند المطالب الألمانية المشروعة، ولكن التوازن العام للاتفاقية جعله يميل لصالح الحليف الفرنسي التقليدي. لقد لعبت الشخصيات الثلاث دورا حاسما في خروج صلح فرساي على النحو الذي خرجت به، ففكرة «السلام العادل والدائم» التي أطلقها ويلسون واحتضنها ظاهريا كل من «لويد جورج» و«كليمنسيو» لم يكتب لها الحياة، فالصراعات والمصالح بين الدول والممزوجة بقصر النظر السياسي أسهمت في خلق سلام مشوه كما سنرى أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صناعة السلام غالبا ما تكون أصعب من صناعة الحرب، فالتدمير سهل لضعيفي الرؤية، والبناء أصعب لمن لهم جلد أما السلام الممتد فيحتاج لرؤية وبعد نظر كثيرا ما يضن الزمان بساسة يمتلكون هذه الصفات.

الأردن: ديمقراطية العشائر الأردن: ديمقراطية العشائر

$
0
0
جاءت نتائج الانتخابات النيابية الأردنية التي جرت مؤخرا لتؤكد الدور المحوري للعشائر في العملية السياسية، وهو ما يؤكده اكتساح 37 عشيرة لـ91 مقعدا من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها، 150 مقعدا بنسبة 60 في المائة في حين حصدت 16 عشيرة من هذه العشائر 70 مقعدا، تقدمتها قبيلة بني حسن التي حصلت وحدها على 13 مقعدا. * كانت المفارقة الكبرى في الانتخابات الأردنية الأخيرة أن الأحزاب السياسية الوسطية الموالية للنظام، لم تتمكن من الظفر إلا على 13 مقعدا، فازت بها 9 أحزاب، في حين خرج التيار القومي واليسار الذي خاض الانتخابات بائتلاف من 4 أحزاب صفر اليدين منها. ويقول خبراء في الشأن السياسي الأردني ومراقبين، إن الانتخابات الأخيرة أفرزت «نواب خدمات» يعملون لمتابعة برامج ناخبيهم، وليس لديهم أي برامج سياسية أو اقتصادية، لإدارة الدولية، رغم أن من بينهم أكاديميين بالجامعات ورجال أعمال، وأطباء، وضباط متقاعدين. ويؤكد هؤلاء أن الدولة الأردنية أدركت بعد تحليل هذه النتائج، أن الإصلاح السياسي الذي تنادي به منذ سنوات، لا يمكن أن يتحقق إلا بتعديل القوانين المنظمة للعملية السياسية وعلى رأسها قانون الانتخاب الذي أفرز هذه النتائج، وأعاد العشائر إلى واجهة العمل السياسي على حساب الأحزاب السياسية. ويزيد من تعقيد القضية، أن العشائر الأردنية التي طالما كانت صمام الأمان للنظام والدولة، قد وصل إليها هي الأخرى، الربيع العربي من خلال الاحتجاج المتنامي، على الواقع الاقتصادي والسياسي التي تعيشه البلاد. وفي ظل وضع اقتصادي ضعيف، وتآكل الأجور ومحدودية الدخل وتضاعف الدين العام للدولة ليبلغ 25 مليار دولار، وانتشار الفساد في بعض أجهزة الدولة وخصخصة الشركات الحكومية، انعكس هذا الواقع على بأبناء العشائر، الذين بدأوا يجاهرون بالتظلم والاحتجاج والمطالبة بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي، ومحاربة الفساد والعدالة في توزيع مكاسب التنمية، خصوصا أنهم يعتمدون في حياتهم على الزراعة وتربية المواشي وما تدره عليهم الوظائف المدنية والعسكرية. ومع أن مؤسسة الحكم والعشائر الأردنية وما تمثله من حراك شعبي متفقة على مبدأ الإصلاح السياسي إلا أن الاختلاف يدور حول سرعة وتيرة هذا الإصلاح، وهو ما أكده العاهل الأردني في أكثر من مناسبة أن الإصلاح يجب أن يكون بالتدرج حتى بلوغ غاياته المنشودة بتشكيل الحكومات البرلمانية. وأنجزت الدولة الأردنية حتى الآن 42 تعديلا على الدستور، إلا أن بعض الأحزاب والحراكات الشعبية من العشائر الأردنية ترى أنها غير كافية، وأن هناك حاجة إلى تعديلات دستورية تحد من صلاحيات رأس النظام في إقالة الحكومات وتشكيلها وإجراء انتخابات وفق قانون يفرز تمثيلا حقيقيا للمجتمع الأردني بكافة منابته وأصوله. ويرى الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب حسين بني هاني، أن العيب في قانون الانتخاب الحالي الذي أفرز مجلس النواب غير متجانس، في التوجهات الفكرية والبرامجية. ويقول إن الكتل التي تشكلت لغايات انتخابية، لم يكن لديها البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية باستثناء عدد قليل منها. ويؤكد بني هاني أن تغيير قانون الانتخاب سيصحح من معالم السلوك الديمقراطي، خصوصا أن هناك إرادة سياسية لتعديله. ويتابع: «مطلوب زيادة عدد القوائم العامة إلى 40 في المائة على أن تكون محصورة بالأحزاب السياسية، وتوسيع الدوائر المحلية.. وإذا ما تحقق ذلك فإن العشائر سيتقلص دورها. وعندها ستكون هناك أحزاب لديها برامج سياسية وعملية مقنعة قابلة لتطبيق. أما إذا لم يتم تعديل القانون فإن أي انتخابات ستجرى مستقبلا فإن النتيجة ستكون إفراز نواب خدمات ليس لديهم أي برامج سياسية لقيادة البلاد». ورغم ذلك يرى بني هاني أن أعضاء المجلس الحالي الذين تم انتخابهم بعملية شفافة ونزيهة شهدت لها كل المنظمات التي قدمت إلى الأردن من أجل مراقبة العملية الانتخابية سيفاجئون الشعب الأردني بأدائهم الإيجابي، لأسباب أولها: تغيير الصورة النمطية عن المجالس السابقة بأنها كانت مطية للحكومة، إضافة إلى أن الأعضاء سيحاولون المحافظة والدفاع عن هيبة المجلس واستقلاليته، وكذلك سيقوم المجلس بالعمل على تغيير قانون الانتخاب من أجل إعطاء المزيد من الزخم لعملية الإصلاح السياسي. وكشف بني هاني عن أن الهيئة المستقلة للانتخاب ستقدم مسودة بتصوراتها من أجل تعديل قانون الانتخاب إلى الحكومة ومجلس النواب من أجل إطلاعهم على تجربة الهيئة خلال عملية الانتخاب. من جانبه يقول أمين عام الحزب الوطني الدستوري الأردني الدكتور أحمد الشناق، والذي قاطع الانتخابات إنه بعد نشأة الدولة الأردنية عام 1921 شكل شيوخ العشائر وأبناؤها الأحزاب وتبنت الهم الوطني الأردني والقضايا القومية، وعقدت المؤتمرات الوطنية وانبثقت عنها الكثير من الأحزاب وتشكلت قياداتها من شيوخ ووجهاء وأبناء العشائر. ويضيف أنه بعد الاستقلال شارك أبناء العشائر في التنظيمات السياسية والحزبية، وبالتالي ليس هناك تناقض بين التركيبة العشائرية الأردنية للمجتمع أو التركيبة الحزبية، وما يجري على الساحة الوطنية ما هي إلا ذرائع حكومية واهية حتى تبقى الانتخابات النيابية على أساس الصوت الواحد لغايات الانتخاب الفردي والتمثيل الفردي الضيق لانفراد السلطة التنفيذية بإدارة شؤون الدولة. وذكر الشناق أن الدوائر الانتخابية ظلت 8 منذ الاستقلال وحتى عام 1989، ثم ارتفعت إلى 16 دائرة انتخابية. ولم يعرف الأردن الانتخاب الفردي حتى جاء قانون عام 1993 الصوت الواحد الذي شكل اعتداء على التاريخ البرلماني الأردني تحت ذريعة خدمة العشائر الأردنية ولكنه حقيقة هو انفراد سلطة واحدة في إدارة الدولة، والقرار السياسي. ويشير إلى أنه منذ قيام الدولة الأردنية وحتى عام 1957 لم يأت رئيس وزراء من أصول شرق أردنية، وإنما كانوا من أصول عربية، سوريا أو عراقية أو حجازية أو فلسطينية، ومن تلاهم بعد ذلك كانوا من عائلات أردنية كريمة لا تنتمي لعشائر كبيرة، فالعشائر بأبنائها كانت على الدوام عامل استقرار الدولة والنظام السياسي واستكمال مشروع الدولة ومؤسساتها. ويقول إن الأمر ظل كذلك إلى أن وصل الحال أصبحت معه العشائر تشكل عقبة في وجه الإصلاح للإبقاء على تغييب دور البرلمان الممثل للشعب واصطناع الانتخاب الفردي بالتمثيل الضيق على مختلف المكونات الأردنية، ليبقى النائب خادما لجهة تمثيله الضيق عشائريا. ويخلص الشناق إلى أن وجود العشائر الأردنية لا يناقض الديمقراطية وروافدها الحزبية، ولا تناقض في تمثيلها من خلال توسيع دوائرها الانتخابية، وأن ما يجري وما عانيناه من خلال البرلمانات الديكورية، التي اعتبرت أنها تمثل العشائر، هو أن هناك انفرادا أو مجموعات ادعت الليبرالية والإصلاح لتنفرد بالقرار الاقتصادي والسياسي، مستفيدة من تلك الأوضاع، ولتضع البلاد في مأزق اقتصادي. فالقصة ليس للعشائر صلة بها، وإنما هي مجموعة من أشخاص أخذت اسما ليبراليا وأوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، لينهض أبناء العشائر الآن مع أبناء الوطن نحو الإصلاح بكافة جوانبه. أما رئيس الحركة الوطنية الأردنية الدكتور أحمد عويدي العبادي فيرى أن الديمقراطية هي جزء من ثقافة العشائر، وهي راسخة ومتوارثة، بينما ديمقراطية الدولة جاءت ضمن قوانين وأنظمة تتغير وتتقلب، مشيرا إلى أن الدولة في الأردن في عالم والعشائر في عالم آخر، وفي فترة من الفترات كان النظام السياسي لا يتجاوز خصوصية العشائر وخطوطها الحمراء ولكن في الأعوام التالية تجاوز النظام كل الخطوط الحمراء والذي أحدث شرخا شاسعا بين العشائر ونظام الدولة الأردنية. وقال العبادي إن الدولة لم تحقق للعشائر شيئا، بل على العكس فإن العشائر هي التي حافظت على كيان الدولة وهي نقطة التوازن، بل هي المارد الذي لم يستطع أحد تجاوزه، بينما مؤسسات الدولة يتم تجاوزها بتعديل القوانين. وأشار إلى أن استقرار الدولة قائم على عدم تحرك العشائر، خصوصا أنها الكتلة الحرجة في الأردن، وعدا ذلك فإنه قابل للحركة. وأضاف العبادي أن قرار الحكم ليس للعشائر، ولكن في نهاية المطاف الحكم هو في صالح العشائر بمعنى أن صاحب القرار لا يستطيع تجاوز العشائر. بالنسبة للمعارضة يرى العبادي أنها معارضة عشائر، وليس معارضة أحزاب ونقابات أو غيرها، مؤكدا أن معارضة العشائر، عبر التاريخ في الأردن منذ زمن اليونان وما قبله تبدأ بالشعور بالظلم، ثم الاحتجاج ثم لا قدر الطامة الكبرى، ونحن الآن في مرحلة الاحتجاج، مشيرا إلى أن الملك الراحل الحسين بن طلال كان لا يتجاوز العشائر ويستمع جيدا لها وعلى تواصل مستمر معها، أما الآن فإن الوضع مختلف تماما، حيث لا يوجد اهتمام وهناك ازدراء وإساءة وإذلال للعشائر، حيث تم استقطاب أناس في العشائر ليسوا ممن لهم قاعدة شعبية، بل هم نكرات في عشائرهم. وبالنسبة للانتخابات النيابية الأخيرة قال إن النظام استطاع أن يلهو بعقول الناس وأن يركز من خلال أدواته الإعلامية والأمنية بأن المشكلة هي في قانون الانتخاب، وتابع بالقول: «أود التأكيد على أنه إذا غير أو عدل القانون فإن الفرز سيكون كما يريده النظام فهو الذي يصوت ويفرز عنا ويخرج من يريد ولذلك نحن في الحركة الوطنية الأردنية نطالب بإلغاء الانتخابات لأننا لا نؤمن بها لأنها كانت محسومة والنتائج معروفة سلفا ومن طلبوه للترشح، سواء صوت أو لم يصوت فإنه ناجح وبالتالي أدعو إلى عدم ذم القانون ولا الناخبين لأن أصواتهم لم تفرز وتم تزوير إرادتهم». وقال إنه لو أعطيت الفرصة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة فإنها ستفرز من هو أجدر بالمهمة وأكبر دليل في منتصف الخمسينات من القرن الماضي كانت هناك انتخابات حرة ونزيهة تم انتخاب أردني مسيحي من أبناء الكرك عن مقعد القدس بالضفة الغربية لأنه تم إعطاء الناس حريتهم بالاختيار وتم على أساس من هو أجدر من الناس، أما عندما يتم التلاعب بالانتخابات فإنه لا يمكن فرز إلا الشخص الذي تريده أجهزة النظام. بالنسبة للمحاصصة في الأردن فإن العشائر متجذرة بهويتها منذ أوائل التاريخ وإن الجنسية للعشائر هي محصلة للهوية الوطنية الشرعية وعلى عكس الأطراف أخرى في المجتمع قدمت إلى الأردن فإن شرعيتها كمواطنين بدأت منذ حصولها على الجنسية الأردنية. ولذلك الذين بدأت شرعيتهم بالحصول على الجنسية يتحدثون عن المحاصصة، أما بالنسبة للعشائر فإننا نتحدث عن التوزيع العادل للمناصب في الدولة حسب المناطق الجغرافية وكذلك لا يجوز أن يبقى شخص سنوات في منصب وزير يتنقل من مكان إلى آخر ونحن نؤمن بالتوزيع العادل وليس بالمحاصصة ولكن لا نمانع لطلاب المحاصصة أن يكون لهم جزء من المناصب ضمن التوزيع العادل. من جانبه، يرى الدكتور سعد أبو دية أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية أنه ما زال الوعي النيابي والانتخابي والحزبي محدودا وما زالت الحكومة تسبق النواب والناخبين بخطوة والمهم دائما أن تكون الحكومة على كفاءة وإذا كانت على كفاءة فإن أمور البلد بخير. وبالنسبة للعشائر في موضوع الحكم يؤكد أبو دية إن العشائر كانت وما زالت صمام الأمان وإن دورها في التفاعلات السياسية في الآونة الأخيرة قل عما كان عليه قبل أن يعود للحراك بعد ظهور طبقه مغامرة من موظفين أو وزراء كبار، مؤكدا أن المقبل من الأيام في الأردن يعتمد على حكمة الحكومة ومبادراتها وحيادها واستفادتها من الجميع والابتعاد عن عمل يستفز قوى موجودة كانت في الأصل صمامات أمان مثل العشائر. وقال: «لقد كانت هناك تفاعلات دائما ما بين الإدارة والعشائر بحيث إن العشائر كانت دائما هي ركيزة للاستقرار أو التغيير وكان تأثير العلاقة التبادلية بين العشائر والإدارة عامل قوة للإدارة. وتأثرت قوة الدولة بهذا العنصر كما تأثر هذا العنصر نفسه بقوة الدولة. إن هذا العنصر كان عاملا حاسما عبر التاريخ. ومن أكبر الضوابط والمقومات على قوة الدولة». من جانبه، يرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، أن المفاجأة الأبرز في الانتخابات النيابية الأردنية، تجلت في وصول الاقتراع العام إلى معدل يقارب الـ57 في المائة.. وهي نسبة تزيد بعشر نقاط، عن أكثر التقديرات تفاؤلا التي سبقت يوم الاقتراع. وقد شهدت دوائر الكثافة السكانية للأردنيين من أصول فلسطينية ارتفاعا ملحوظا في معدلات الاقتراع راوحت ما بين 25 و30 في المائة في الانتخابات الماضية، إلى ما يتراوح ما بين 30 و40 في المائة، وذلك على الرغم من مقاطعة قوى نافذة في هذه المناطق، للعملية الانتخابية. في المقابل، سجلت دوائر الكثافة العشائرية، تراجعا بالقدر ذاته في معدلات الاقتراع، إذ انخفضت من معدلات طالما راوحت ما بين 75 و85 المائة، إلى معدل راوح ما بين 65 و75 في المائة.. وهذه ظواهر تستحق القراءة والتمحيص. من جانبه، يرى وزير الإعلام الأردني الأسبق طاهر العدوان أنه من الصعب أن ينقلب المجتمع بين يوم وليلة على ما اعتاد من ممارسات وخيارات في موسم الانتخابات، وأن القوانين وحدها وحتى إرادة السياسيين لا تستطيع تغيير قرار مواطن تعود منذ 20 عاما على فهم الانتخابات بأنها اختيار لشخص وليس لبرنامج حزبي سياسي أو اقتصادي. ويؤكد أنه عندما يقف أمام ورقة الاقتراع ليختار سيضع كل تصوراته وقناعاته عن مرشح الوطن المطلوب خلف ظهره وسيخضع لمفاهيم العشائرية والمصالح الشخصية. ويضيف العدوان أن نتائج الانتخابات جاءت لتكريس قوة أنصار الصوت الواحد وهي قوة متراكمة تعتمد على ما استقر من سلوكيات الناخبين بعد خبرة خوض خمس حملات انتخابية لمجالس نيابية سابقة على هذا القانون خلال عقدين. ويشير إلى أنه من الواضح أن الرأي العام الأردني وبعد عامين من الربيع العربي ومن ترديد شعاراته والجدالات التي شهدها الشارع في جميع المناطق، لم يظهر تغييرا كبيرا في سلوكه الانتخابي أمام تجربة (القوائم الوطنية) المتواضعة، بل إنه نقل إليها عيوب وسلبيات الصوت الواحد فغدت القوائم وكأنها طبعة غير منقحة. كما ترجح نتائج هذه الانتخابات رأي الذين يدعون إلى التدرج والتطور في الوصول إلى الديمقراطية النيابية التي يركز عليها الملك في أوراقه النقاشية، هذه الفسحة الزمنية في المستقبل ضرورية من أجل تغيير المفاهيم وتوجيه السلوك الانتخابي للناخبين نحو الخيارات التي تخدم الوطن وتقدم مصالح الأردن والأردنيين في إنجاز إصلاح حقيقي يحمل الاستقرار الدائم ويدفع بثبات نحو التمسك بالقانون والمؤسسات. هذه الفسحة الزمنية ضرورية لكن في إطار خطة وطنية شاملة لتطبيق مراحل التطور نحو الديمقراطية البرلمانية خطة تبدأ باستخلاص الدروس من نتائج انتخابات المجلس السابع عشر إذا ما تقرر إعادة النظر بالقانون الانتخابي. وحتى في مصر وتونس اللتين تغير فيهما النظام خلال أسابيع من الثورة لم ينجحا في تطبيق الديمقراطية الناجزة حتى الآن، ونرى كيف أن مصر تدخل عام الثورة الثالث وهي لا تزال في حالة عدم يقين وسط مواجهة شعبية ورسمية تدور حول مفاهيم الإصلاح بما يرجح قيمة الأفكار القائلة إن التحول إلى الديمقراطية لا يأتي فقط من السلطة، لكن وبدرجة أكبر من تغيير الوعي الشعبي بما يؤثر إيجابا على السلوك الانتخابي للناخبين.

قالوا

$
0
0
* «إذا أردت أن يحبك الناس فاعمل في السينما». * ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق ينصح توني بلير، الذي بدا حزينا في الذكرى العاشرة لاجتياح العراق، لأن الجمهور لم يقبل قراره * «أسعد اختياركم عالم كرة القدم أيضا، فقد بلغنا أن قداستكم من هواة هذه الرياضة، وأنكم تشجعون فريقا لقبه (الكتيبة المقدسة)». * السويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، يبعث برسالة تهنئة إلى فرنسيس الأول بابا الفاتيكان، العاشق لكرة القدم، بمناسبة اختياره للمنصب الجديد * «إنها الرقصة الأخيرة». * رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول ما تم الاتفاق عليه مع باقي الأحزاب بخصوص الخروقات الصحافية التي مارستها بعض الجرائد الشعبية سابقا * «تهميش السنة كارثة لا تغتفر». * الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، ينتقد قرار الحكومة العراقية تأجيل انتخابات مجالس المحافظات في مدينتي الموصل والأنبار، وقال إنه «أمر لا يجوز» * «يجب أن نكون أمناء، وأن نصارح أنفسنا بأننا لا يمكن أن نستمر على هذا المنوال إلى الأبد». * أسبن بارث وزير الخارجية النرويجي ورئيس مجموعة تنسيق عمل الأطراف المانحة للشعب الفلسطيني، يقول إن الوقت يوشك على النفاد للوصول إلى حل سلمي للنزاع في الشرق الأوسط

فيليب غوردون.. رجل المهام المتعددة فيليب غوردون.. رجل المهام المتعددة

$
0
0
خلال الأيام الماضية، اختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما، مستشارا جديدا في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، ويرافقه اليوم في زيارته المنطقة، التي تبدأ من إسرائيل، والضفة الغربية. بات فيليب غوردون، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية خلال السنوات الـ4 الماضية، يجمع حاليا بين أكثر من وظيفة داخل البيت الأبيض؛ «مبعوث» و«مستشار» ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض. وهو ما لم يحدث من قبل. وحسب بيان البيت الأبيض، سيكون غوردون مسؤولا أمام أوباما مباشرة عن شمال أفريقيا والخليج أيضا. وبهذا، لن يكون فقط مسؤولا عن الصراع العربي - الإسرائيلي، مثل موفدين رئاسيين سابقين. هذه المرة، ستغطي الوظيفة دول «ربيع العرب»، وإيران، وعملية السلام، وأمن الخليج. وأضافت المصادر أن اسم المنصب الجديد يوضح تغييرات في المنطقة في نظر الرئيس أوباما، الذي يميل إلى وضع مشكلة فلسطين جزءا من مشكلات ومواضيع أخرى تهم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقال توم دونيلون، مستشار أوباما للأمن القومي، في البيان الذي أصدره البيت الأبيض، إن غوردون «عضو أساسي» في فريق السياسة الخارجية لأوباما. ووصفه بأنه «الشخص الأمثل» في تنسيق السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وأضاف دونيلون: «عمله مع حلفائنا الأوروبيين، وشركائنا، كان أساسيا في صياغة السياسة الخارجية، وفي معالجة القضايا في العالم، بما في ذلك ليبيا، وسوريا، وإيران، وأن عمل غوردون في مجالات الأمن الدولي، والاقتصاد الدولي، والشؤون الأوروبية، والشرق الأوسط، يجعل منه الشخص الأمثل لتنسيق سياستنا في أوقات التحديات الكبرى». لم تكن صدفة أن صار غوردون مساعدا لوزيرة الخارجية في سنة 2009. هذا مجال تخصصه منذ أن كان طالبا في جامعة أوهايو في الثمانينات. نال بكالوريوس في اللغة الفرنسية والفلسفة. ثم انتقل إلى جامعة جونز هوبكنز، فرع واشنطن العاصمة، قسم الدراسات الدولية العليا، ونال ماجستير ودكتوراه في العلاقات الدولية. وخلال إدارة الرئيس السابق كلينتون، عمل في مجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض، في القسم الأوروبي، ثم خبيرا في الشؤون الأوروبية والعالمية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الدولية (لندن)، ومعهد الدراسات الأوروبية في فونتينبلو (فرنسا)، والجمعية الألمانية للشؤون الخارجية (بون)، ومعهد بروكنغز (واشنطن). عندما كان في بروكنغز، ترجم كتاب الرئيس الفرنسي ساركوزي: «شهادة: فرنسا وأوروبا في القرن الحادي والعشرين». ومن الكتب التي ألفها خلال 10 سنوات تقريبا «التحدي الفرنسي: التعود على العولمة» و«فرنسا في عصر العولمة» و«فرنسا وألمانيا والتحالف الأوروبي». غير أنه كتب أيضا عن الشرق الأوسط، وخاصة من وجهة نظر أوروبية، مثل كتابه «هلال الأزمة: الاستراتيجية الأميركية الأوروبية في الشرق الأوسط». وخلال حملة أوباما للانتخابات الرئاسية سنة 2008، ومع آخرين في معهد بروكنغز، عمل مستشارا في الشؤون الخارجية. وبعد فوز أوباما، اختاره مساعدا لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للشؤون الأوروبية. ويشرف هذا المنصب على 50 دولة في أوروبا، وآسيا، بالإضافة إلى حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية. وخلال هذه السنوات، عمل في مجال الشرق الأوسط في نطاق عمله الأوروبي، وأشرف على تعاون أميركا وأوروبا في الانسحاب من العراق، وفي حرب أفغانستان، ثم خطة الانسحاب منها، وفي مواجهة «ربيع العرب»، وبرنامج التسلح النووي الإيراني، ومشكلة فلسطين، وغيرها. وتقول مصادر إخبارية أميركية إن غوردون سيكون مبعوثا رئاسيا لـ«الشرق الأوسط» من نوع جديد؛ فأولا: يتخصص في الشأن الأوروبي، وتتأثر نظرته الأميركية بالنظرة الأوروبية لمشكلات الشرق الأوسط. وثانيا: سيكون أقرب إلى الرئيس من أي مبعوث رئاسي سابق، لأنه يعمل داخل البيت الأبيض. وثالثا: يعتبر دبلوماسيا أكثر من سياسي، بالمقارنة مع مبعوثين سابقين، مثل السيناتور السابق جورج ميتشل. وأشارت المصادر إلى أن غوردون لن يكون غريبا على البيت الأبيض، لأنه عمل فيه خلال إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون. وعندما كان هناك، عُرفت عنه الرغبة في التعاون مع الآخرين، خاصة لأن أجواء البيت الأبيض لا تخلو من منافسات لقرب الجميع من الرئيس. وإذا اختار الرئيس أوباما سوزان رايس، السفيرة في الأمم المتحدة، مستشارة له للأمن القومي، لن تكون غريبة على غوردون الذي تعاون معها عندما كان في الخارجية. لكن، لم تُعرف بعد تفاصيل التنسيق بين الوظيفتين، لأن مستشار الرئيس لـ«الشرق الأوسط» في الماضي كان يعمل تحت رئاسة مستشاره للأمن الوطني. في كتابه «هلال الأزمة: الاستراتيجية الأميركية الأوروبية في الشرق الأوسط»، تحدث غوردون عن قضايا كثيرة تتعاون فيها الولايات المتحدة وأوروبا. وأشار إلى مشكلتي أرمينيا وتركيا، وأرمينيا وأذربيجان. وقالت مصادر إخبارية أميركية إن التأثير الأوروبي كان واضحا في دور غوردون في التوسط، باسم الولايات المتحدة، بين أرمينيا وأذربيجان اللتين ظلتا تتنازعان منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ونيلهما استقلالهما. وكان غوردون قال إن «محاولاتنا المشتركة، مع شركائنا الدوليين، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، في القوقاز، نجحت في تحقيق تقدم كبير. لكن لا يزال الجدل حول الأراضي والإصلاحات السياسية والاقتصادية يعرقل تسوية نهائية». وأضاف، في خطاب بجلسة فرع لجنة الشؤون الأوروبية، التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: «تزيد الولايات المتحدة تفاعلها مع مجموعة (مينسك) لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، لتساعد أذربيجان وأرمينيا في تسوية النزاع بينهما». وأكد حقيقة أن النزاع، المعروف باسم «نزاع قره باغ»، إشارة إلى المنطقة الجبلية المتنازع عليها، اندلع بين جمهوريتي جنوب القوقاز؛ أذربيجان وأرمينيا، عام 1988. لكن غوردون، في جلسة مجلس الشيوخ، تحاشى الحديث عن المطامع الأرضية لأرمينيا في أذربيجان. ربما حتى لا يفسد دوره كوسيط بين الدولتين. ولم يقل حقيقة أن نسبة 20 في المائة من الأراضي الأذربيجانية، خاصة إقليم قره باغ، و7 مناطق صغيرة مجاورة، تظل تحت احتلال القوات المسلحة لأرمينيا. غير أن غوردون أعرب عن أمله في تحقيق تقدم أكثر، وأشار إلى تقدم كان حدث عام 1994. وحسب تصريحات غوردون، يتوقع أن يستمر في معالجة هذه المشكلة لأنها، جغرافيا، تقع في الشرق الأوسط، ولىنها مرتبطة بقضايا أخرى. وقال: «تربط الولايات المتحدة بين جهودها في مناطق كثيرة، منها: القوقاز الجنوبية، والشرق الأدنى، والبرنامج النووي الإيراني والقضايا الإقليمية الأخرى، في تنسيق مستمر في نطاق التعاون القائم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». وهناك أيضا دور غوردون في محاولات الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا. وتحدث عنه في كتابه «هلال الأزمة»، وأشار إلى أن هذا نزاع أقدم من الذي مع أذربيجان، لأنه يعود إلى استعمار تركيا لأرمينيا لمئات السنين، بما في ذلك تمرد الأرمن، واتهامهم لتركيا بأنها ارتكبت مذبحة لهم في ذلك الوقت. وكان غوردون تحدث، في السنة الماضية، في الاجتماع السنوي للمجلس التركي في الولايات المتحدة، الذي يجمع أميركيين من أصل تركي، وتطرق إلى العلاقات بين أرمينيا وتركيا. وقال إن تطبيع العلاقات الأرمينية التركية سيترك أثرا إيجابيا على تطور المنطقة. وقال: «ليست هذه المنطقة في حاجة إلى حدود مغلقة وعقبات. إنها في حاجة إلى حدود مفتوحة، وإلى علاقات دبلوماسية قوية وعالية المستوى». وذكر غوردون أنه ما زال هناك وقت، وأنهم يأملون إلى درجة كبيرة في أن تركيا ستتخذ الخطوات للتصديق على المذكرات الأرمينية التركية. وعن المشكلات في هذه المنطقة، قال غوردون: «نعتبر أنه على الولايات المتحدة وأوروبا العمل معا لإنهاء النزاعات في أوروبا، ودعم الدول الإقليمية للتوصل إلى الديمقراطية والسلام والتنمية». وتقول مصادر إخبارية أميركية إن جهود غوردون في الشرق الأوسط يمكن أن تستفيد من علاقته السابقة مع روسيا، واتصالاته المكثفة وزياراته الكثيرة إلى موسكو. لكن، حتى في آخر تصريح له، اعترف غوردون بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا تواجه تقلبات ومشكلات، وقال: «لا تزال هناك صعوبات»، لكنه أضاف: «على كل حال، يمكننا القول إن عملنا مع روسيا قد يدعم أمن أميركا وأولوياتها الدولية». ولا بد أنه يقصد أن روسيا يمكن أن تساعد، خاصة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، حيث تتعرض المصالح الأميركية، من وقت لآخر، إلى الخطر. وعلى الرغم من أن غوردون سيكون موفدا إلى دول «ربيع العرب»، لا يتوقع أن يشترك مباشرة في جهود إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، وسيترك ذلك لزملائه السابقين في رئاسة الخارجية، مثل ريتشارد بيرنز، نائب الوزير، غير أنه، في الوقت نفسه، سيعمل من داخل البيت الأبيض لحل المشكلة. ولهذا، يقدر على أن يستفيد من خبرته السابقة مع الروس. ويمكن أن يتعاون مع بيرنز، ولن يكون ذلك صعبا عليهما، لأنهما تعاونا في ظل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. وبالنسبة لإيران، ظل غوردون يشترك في وضع وتنفيذ المقاطعات الأميركية والدولية، وخاصة في دفع الدول الأوروبية للاشتراك في هذه المقاطعات. وكان قد سئل عن هذا الموضوع خلال استجواب في الكونغرس في الشهر الماضي عن إيران، مع أخبار بأن الاتحاد الأوروبي يواجه ضغوطا أميركية لسد ثغرات في القوانين المصرفية تستغلها إيران. وكان 36 عضوا من مجلس الشيوخ أرسلوا رسالة إلى الاتحاد الأوروبي دعت لإغلاق «ثغرة مهمة في سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العقوبات» المفروضة على إيران. أرسلوا الخطاب إلى هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، الجهاز التشريعي للاتحاد الأوروبي. وركز الخطاب على برنامج «تارغيت 2»، عن نظام مدفوعات عبر الحدود الدولية يستعمله البنك المركزي الأوروبي، وقال أعضاء مجلس الشيوخ إن إيران تستغل البرنامج لتسيير معاملاتها التجارية في أوروبا وخارج أوروبا. وقالت الرسالة: «نحن ننشادكم بشدة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لقطع قدرة إيران على استخدام أرصدتها من اليورو لإفشال العقوبات المفروضة عليها». وفي استجواب الكونغرس، قال غوردون إنه يعمل مع «أصدقائنا الأوروبيين» لحل المشكلة. وكان واضحا أنه لا يريد أن يعتقد الأوروبيون أن الأميركيين يضغطون عليهم. ويقود حملة الكونغرس السيناتور مارك كيرك (جمهوري من ولاية إلينوي). ووقع على الخطاب قادة من الحزبين منهم: الجمهوريان ماركو روبيو، وسوزان كولينز، والديمقراطيان ديان فينشتاين وتشارلز شومر. وقبل سنة، كان غوردون تعاون مع السيناتور كيرك، عندما قاد السيناتور حملة فرض عقوبات على إيران في مجال النفط. وهي الحملة التي أيدها مجلس الشيوخ بأغلبية مائة عضو مقابل لا شيء. وعمل غوردون على ضمان اشتراك الأوروبيين في هذه العقوبات. وقبل سنتين، تعاون غوردون أيضا مع السيناتور كيرك عندما قاد السيناتور حملة ضد شركة «سويفت» البلجيكية التي تشرف على الاتصالات الإلكترونية بين البنوك. وكانت الشركة تسمح لبنوك إيرانية باستعمال شبكتها في المعاملات المالية. وقبل صدور مشروع قانون من الكونغرس، تراجعت «سويفت»، وحذفت إيران من قائمة الدول التي تشترك في شبكتها. في ذلك الوقت، ركزت مصادر إخبارية أميركية على دور غوردون. وفي الشهر الماضي، في مؤتمر صحافي في بروكسل، تحدث غوردون عن الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران، حتى لا تنتج قنبلة نووية. وقال: «لدينا سياسة ذات مسارين نحو إيران. وأنا أود أن أوضح بجلاء أننا عاقدو العزم في المسارين. في مسار، ما دامت إيران لا تتقيد بتعهداتها تجاه المجتمع الدولي، وقرارات مجلس الأمن بخصوص برنامجها للتخصيب النووي، نحن مصممون على مواصلة حشد الدعم الدولي لزيادة الثمن الذي تدفعه إيران بسبب إحجامها عن التقيد بالتزاماتها». وأضاف غوردون: «لكن في الوقت ذاته، نحن صادقون في رغبتنا في تسوية هذه (القضية) دبلوماسيا، وأعتقد أن الرئيس أوباما كان واضحا كل الوضوح حينما أعلن أننا جاهزون للتفاوض». لا شك أن غوردون، في منصبه الجديد، سيركز على الموضوع الإيراني. وتعتقد مصادر إخبارية أميركية أنه، في المستقبل إذا قل التوتر بين إيران وأميركا، سيقوم باتصالات مباشرة باسم الرئيس أوباما مع الدول العربية لتفسير أي تغيير في السياسة الأميركية نحو إيران. ولا بد أن اتصالاته تشمل إسرائيل أيضا. وكان قال في مؤتمر بروكسل الصحافي، ردا على سؤال حول تصريحات إسرائيلية بأن ضرب إيران سيأتي لا محال: «لا أود أن أتكهن بما قد تقوم به إسرائيل. لكن صار واضحا أن الكلام عن مثل هذا العمل يعرب عما يعرفه الجميع، وهو تزايد المخاوف في جميع أنحاء المنطقة، وفي إسرائيل. هذا هو ما يعتبره الإسرائيليون تهديدا محتملا لوجودهم. وهو سبب مقنع لزيادة جهودنا في أوساط المجتمع الدولي لنبين لإيران أن ثمة طريقا مختلفا إلى الأمام، وهو طريق الدبلوماسية. ولنظهر لها كذلك أنه إذا فشل المسار الدبلوماسي فهي تجازف بمخاطر حقيقية بزيادة عزلتها». * رأي إيجابي: * قال بوب براكنيل، خبير في كلية الحرب البحرية، إنه يتابع غوردون منذ أن كتب كتابه عن التحالف بين الولايات المتحدة والأوروبيين لغزو العراق. وقال إن غوردون من أكثر المتحمسين للتحالف، لكنه لم يكن متحمسا للطريقة التي عالج بها التحالف الصراع مع الرئيس العراقي صدام حسين. وأضاف أن غوردون يختلف عن خبراء أميركيين في العلاقات الأميركية الأوروبية، مثل روبرت كاغان، الذي، منذ غزو العراق، وحتى اليوم، يرفع شعار «الأوروبيون من الزهرة، والأميركيون من المريخ»، كدليل على اختلاف وجهات النظر بين الجانبين. وكان كاغان، ولا يزال، من أكثر الخبراء الأميركيين تطرفا في الدعوة إلى الحلول العسكرية، خاصة في المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة في العالم الثالث. وقال براكنيل إن غوردون، على الرغم من انتقاداته لبعض السياسات الأوروبية الأميركية المشتركة، يؤمن بأن الجانبين يشتركان في هوية تاريخية وثقافية واحدة. غير أن غوردون يعترف بالجذور التاريخية الأعمق للأوروبيين بالمقارنة مع الجذور الأميركية. ولهذا، يرى غوردون أن الأميركيين يقدرون على الاستفادة من الخبرة الأوروبية القديمة، خاصة في مشكلات العالم الثالث، وأن غوردون يشير دائما إلى أن دولا أوروبية كثيرة انتقدت التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، وأن الولايات المتحدة وقعت في المأزق الأوروبي (الفرنسي) نفسه هناك في خمسينات القرن الماضي، عندما تدخلت هناك، وأن الولايات المتحدة يجب أن تستفيد، على المدى البعيد، من الدروس الأوروبية التاريخية. * رأي سلبي: * غاري شميت، الخبير في معهد «أميركان إنتربرايس» المحافظ في واشنطن والمعلق في مجلة «ويكلي ستاندارد» المحافظة، شن هجوما عنيفا على غوردون. وكتب أنه ينحاز إلى الآراء الأوروبية، والتفسيرات الأوروبية للتاريخ، وخاصة عند الحديث عن قضايا العالم الثالث. وأشار إلى أن غوردون، عندما كان خبيرا في معهد «بروكنغز» في واشنطن، وهو معهد معتدل بالمقارنة مع معهد «أميركان إنتربرايس»، كان منحازا ضد الرئيس السابق بوش الابن في مشكلات بوش مع الأوروبيين، خاصة بعد غزو العراق. وأيضا، انضم غوردون إلى الأوروبيين في نقد انسحاب بوش من اتفاقية كيوتو لحماية البيئة. وأيضا، انتقد عطف بوش على أرمينيا في نزاعها مع تركيا، وموضوع إبادة الأرمن على أيدي الأتراك مع نهاية الحرب العالمية الأولى. وأيضا، انتقد شمت غوردون في آرائه عن الشرق الأوسط، وقال إنه يعارض الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وإنه عارض غزو العراق. وأشار إلى كتاب غوردون عن دور التحالف الأميركي الأوروبي في غزو العراق. * من أقواله * في «هلال الأزمة»: «تشكل المنطقة الممتدة من باكستان إلى لبنان أكبر تحدٍّ لأمن أوروبا وأمن الولايات المتحدة. لكن، لفترة طويلة، ظل كل جانب يعالجها بطريقة خاصة. جاء وقت التعاون لمواجهة هذه التحديات». * في «كسب تركيا»: «لا بد من (غراند بارغين)، أي مساومة: عظيمة، بين الأتراك والأكراد، تضع نهاية حاسمة لصراع استمر قترة طويلة، وأثر على الدول الأخرى التي فيها أكراد، مثل: إيران والعراق وسوريا. وعلى ضوء ذلك، العودة إلى موضوع إدخال تركيا في الاتحاد الأوروبي». * في «سياستنا نحو العراق»: «(بعد) الانسحاب من العراق، لا بد أن نحافظ على قوات كافية في المنطقة حتى نمنع أي دولة من الاعتداء على دولة أخرى، وحتى نمنع الإرهاب من إيجاد قاعدة له في المنطقة». * في «التحالف النووي مع الهند»: «في عالم مثالي، لا بد من العمل على وقف انتشار الأسلحة النووية حتى يكون العالم أكثر سلاما. لكن، واقعيا، إذا لم نتعاون مع الهند نوويا، فسنؤذي مصالح الهند، وسنؤذي مصالحنا». * في «سياسة أوباما الخارجية»: «يفهم أوباما والديمقراطيون أن فشل السياسة الخارجية لبوش لم يكن بسبب التنفيذ، ولكن بسبب اعتقادات وإطارات خطأ. لهذا، يقدم أوباما، ليس فقط فرصة لتغيير سياستنا الخارجية، ولكن، أيضا، استراتيجية فكرية جديدة ومتكاملة». * في «الحلفاء في الحرب»: «منذ قبل الحرب العالمية الثانية، كانت السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط مختلفة، بل متناقضة، مع السياسة الأميركية. ثم جاء قرار الرئيس بوش بالتدخل في العراق وزاد الانقسامات. الآن، لا بد من سياسة أوروبية أميركية متعاونة». * في «التحدي الفرنسي»: «في سنة 1999، اعتقل الفرنسي راعي الخراف جوزي بوف بعد أن حاول تدمير مطعم (ماكدونالد) الأميركي في جنوب فرنسا.. هذا يمثل صراع فرنسا للمحافظة على هويتها في ظل العولمة».

نهاية حرب قومية.. بداية تحالف ديني نهاية حرب قومية.. بداية تحالف ديني

$
0
0
يوجه زعيم تنظيم حزب «العمال الكردستاني» المحظور، عبد الله أوجلان نداء غدا الخميس لوقف إطلاق النار، في رسالة نقل عنه وصفها بأنها «تاريخية» كخطوة أولية لبدء عملية سلام بين تركيا وأكرادها الذين تمردوا عليها عسكريا منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي بهدف «الاستقلال». قد لا يصح إطلاق صفة التاريخية على نداء أوجلان، لأنه التاسع من نوعه منذ القبض عليه بواسطة قوة كوماندوز تركية في كينيا عام 1989 ووضع في سجن مشدد الحراسة في جزيرة «إمرالي»، في وسط بحر مرمرة قبالة إسطنبول، التي تخضع للسلطات العسكرية، لكن التاريخي فعلا سيكون تجاوب السلطات التركية مع هذا النداء، وهو أمر متوقع، نتيجة قيام الحكومة التركية للمرة الأولى بمقاربة جدية لهذا الملف تهدف إلى تأمين جبهتها الداخلية في منطقة تعج بالصراعات القائمة، والصراعات المحتملة. * رغم أن حكومات حزب العدالة والتنمية الحاكم قامت بثلاث مبادرات حيال المسألة الكردية منذ تسلم الحزب الحكم، أبرزها الاعتراف بوجود «مسألة كردية» كانت المؤسسة العسكرية ترفض الاعتراف بها، وتصر على وصمها بأنها حركة إرهابية فقط، غير أن هذه المبادرات وقفت عند تحسين بعض شروط الحياة لأكراد تركيا في ظل وقوف الحكومة بين تيارين متشددين، أحدهما كردي يرفض الانتماء إلى تركيا وثانيهما قومي تركي يرفض الاعتراف بالقوميات الأخرى. ويقول مراقبون إن أنقرة تريد هذه المرة بالفعل إيجاد حل ما للقضية، في إطار سعيها إلى إخماد بؤر التوتر الداخلية للتفرغ للقضايا الأخرى الشائكة كالوضع السوري والعلاقات المتوترة مع طهران وبغداد، بالإضافة إلى عدم السماح لخصومها ومنافسيها في المنطقة باستغلال الورقة الكردية، كما حصل بعد اندلاع الأزمة في سوريا عندما بدأت عمليات «الكردستاني» تتخذ طابعا هجوميا وشكلت إزعاجا حقيقيا لتركيا الساعية إلى بناء تحالف عريض في منطقة الشرق الأوسط تكون زعيمته أو أحد المؤثرين الفاعلين فيه. يقول ليفنت توزال، النائب المتحالف مع الأكراد في البرلمان التركي لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة الحرب قد فشلت تماما، وهذا يعني أننا بدأنا مرحلة جديدة في تاريخ تركيا»، معتبرا أن «حكومة العدالة والتنمية التي تمتلك الأغلبية البرلمانية العظمى في تركيا هي التي تستطيع أن تسير هذا المرحلة بالدعم الكبير من ناخبيها». ويشير توزال إلى أنه «نظرا للتطورات الإقليمية تحاول حكومة العدالة تسمية المرحلة بمرحلة إنهاء الإرهاب لإرضاء بعض ناخبيها، إلا أنها تريدا أن تظهر بمظهر حكومة قوية على أبواب الانتخابات ودولة قوية تؤخذ بعين الاعتبار فيما يجري من تطورات إقليمية في المنطقة». ويقول «هذه المرحلة ليست جديدة هي بدأت مع بداية العام الحالي وخاصة بعد الزيارات التي قام بها النواب (الأكراد) إلى عبد الله أوجلان والتي أحيت أمل السلام في الشارع من جديد، وقد رفعت من الآمال الرسائل التي نقلها نواب حزب السلام والديمقراطية للشعب التركي وحكومة العدالة والتنمية وإلى الشعب الكردي، وهذه الرسائل كانت عبارة عن أن حقبة جديدة بدأت للشعب الكردي في تركيا، وهذا يعني أن مرحلة حمل السلاح انتهت وبدأت مرحلة زمنية جدية، وهذا سيكون من خلال النضال والحوار الديمقراطي على كافة السبل وهذا يعني أن هذا الأسلوب هو الأنجع لحل معضلات الشعب الكردي والشعب التركي وشعوب المنطقة عامة». أما عمر فارق أونصال، وهو عضو برلمان سابق عن حزب العدالة والتنمية، ورئيس جمعية المظلومين الحقوقية، وكان من عداد الهيئة التي تسلمت الأسرى الأتراك لدى «الكردستاني» الأسبوع الماضي، فيرى أن الجميع «تعب وسئم من الحرب ولهذا ولدت فرصة السلام واقتنع الطرفان بأنه لا مفر من تأسيس أسس سليمة لإحلال السلام في تركيا». ويشير الدكتور آتيلا آيتكين أستاذ العلوم السياسية وإدارة المجتمع جامعة الشرق الأوسط - أنقرة، إلى أن «هذه المرحلة تعود إلى عدة سنوات سابقة حين بدأت الحكومة البحث عن حلول للمعضلة الكردية تحت مسميات كثيرة ولكن باءت تلك المرحلة بالفشل»، معربا عن اعتقاده أن المرحلة التي بدأت بين مسؤولين من الاستخبارات التركية وبين قادة الكردستاني في مدينة أوسلو قد انقطعت، وهذه هي مرحلة جديدة. ويرد آتيلا إعادة فتح هذا الملف من قبل الحكومة التركية إلى «فشل مخططاتها حيال الوضع في سوريا وبقاء النظام السوري إلى يومنا هذا، ولهذا أرادت البحث عن حليف لها في المنطقة لاستعادة دورها في المخطط الشرق الأوسطي والأكراد هم أفضل حليف لهذه المرحلة»، أما السبب الثاني فهو - كما يؤكد آتيلا - «تحول تركيا إلى نظام رئاسي وهذا يحتاج إلى تغيير دستوري شامل، موضحا أن رئيس الوزراء التركي الراغب بهذا التحول يحتاج إلى أصوات البرلمانيين الأكراد وهم لا يخفون دعمهم لتغيير الدستور في هذا الشأن، ولهذا أقول إن هذه المرحلة ليست استمرارا للمراحل القديمة بل هي مرحلة جديدة قامت بطرحها الحكومة وتدفع بها إلى الأمام». ويشدد آتيلا على أنه إذا تم هذا الاتفاق بين حكومة العدالة والتنمية والأكراد فإنه سينعكس على العراق وسوريا. ويقول: «الحكومة التركية تسعى لإنشاء حلف سني في المنطقة وإذا حصل وتحقق هذا الحلف فسينعكس سلبيا على العراق وسوريا، وإذا قرأنا ما قاله عبد الله أوجلان مما تسرب إلى الإعلام فإنه يشير إلى مثل هذا التحالف بين الأتراك والأكراد، ويذكر بالوضع السياسي الذي منحه السلطان عبد الحميد للأكراد وما تلفظ به من مقولات حول الأقليات وخاصة الأرمنية. فإذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية علمية فإن هذا التحالف سيكون تحالفا على أساس ديني أي تحالف سني»، مشيرا إلى أن هذا التحالف قد يؤدي إلى «اتحاد عثماني جديد ولكن على طراز عبد الحميد على أساس سني بحت»، مشيرا في المقابل إلى «وجود تيارات علوية ويسارية في الكردستاني وكيف ستتعامل مع الموضوع، هذا أمر آخر ستكشفه الأيام، وإذا نجح هذا الاتفاق فسيكون أول تأثير له في سوريا ومن ثم سينعكس على العراق مباشرة، وهذا الاتفاق سيقوي من شوكة حكومة تركيا في المنطقة والعالم». ويرى النائب توزال أن «هذه المرحلة لن تكون سهلة ولا سريعة، ولكن التهدئة ووقف إطلاق النار وقيام البرلمان بالتعديلات القانونية التي نوه إليها أوجلان وصياغة دستور جديد يقبل حقوق الأكراد ويضمن مستقبلهم ويسمح لهم بحرية استخدام لغتهم ستكون محور المفاوضات للمرحلة المقبلة»، مشيرا إلى أن «جميع هذه الخطوات أعلنت على لسان عبد الله أوجلان ولكن لم يسمع أحد منا موقف رجب طيب أردوغان وحكومته إلى حد الآن. ولكن لو نظرنا إلى تصريحات وزير العدل سعد الله أرجن نجد أنه يوجد الآن عمل على تعديلات قانونية. نحن نأمل أن لا تكون هذه مناورات من الحكومة استثمارا للانتخابات بل يجب أن تكون هي بداية لمناخ ديمقراطي يعيش به الشعبان بحقوق متساوية، فإذا حققنا هذا فإننا سنقف أمام رياح الفتنة التي تعصف بالشرق الأوسط، ولهذا من واجب حكومة العدالة والتنمية أن تعمل ما في وسعها كي لا تضيع هذه الفرصة لإنشاء دولة قوية ديمقراطية عادلة، لأن الأكراد وحزب العمال الكردستاني وعبد الله أوجلان أثبتوا حسن نيتهم وهم الآن ينتظرون الرد من حكومة تركيا ورئيسها. وأعتقد أنه على البرلمان التركي أن يستجيب لنداء عبد الله أوجلان ويبدأ في صياغة التعديلات القانونية التي ستمهد الطريق أمام هذه المرحلة». وقال توزال إن معلوماته تفيد بأن عبد الله أوجلان سيعلن غدا إعادة تشكيل ديمقراطي في تركيا، وهذا التشكيل لا يمكن أن يحقق دون موافقة وتنفيذ الدولة وحكومة أردوغان، فاستصدار القوانين ومن ثم انسحاب المقاتلين إلى خارج الحدود هي التي ستحقق الوسط الديمقراطي للعيش مع الآخر وتدفع عجلة المرحلة إلى الأمام، مشيرا إلى أن مرحلة سلام جديدة ستبدأ في يوم عيد الأكراد وهو عيد النوروز وهذا بالنسبة لهم إنجاز معنوي كبير جدا، ولكن بالنسبة للوضع السياسي وتغيره فسيسبقه تعديلات دستورية وحكم ذاتي ديمقراطي والتعليم باللغة الأم وهذه المراحل ستأخذ فترة طويلة لأنها تحتاج إلى تهيئة الشارع في تركيا لها. من جهته يأمل أونصال بإعلان وقف لإطلاق وتحديد مرحلة زمنية لانسحاب المقاتلين مما سيسرع من صياغة القوانين التي ستمهد للسلام الدائم، و«بهذا تتحول تركيا من تركيا التي تتقاتل مع إخوتها إلى تركيا التي تتحد معهم من أجل مستقبل باهر للجميع. فعلى صعيد المنطقة تركيا التي ستحل المعضلة الكردية ستكون أكثر ليونة في إنشاء علاقات مع الجيران مثل سوريا والعراق، أنا أرى أن مرحلة السلام في تركيا سيتبعها مرحلة نمو اقتصادي كبير جدا»، معتبرا أنه «إذا استطاعت تركيا حل المعضلة الكردية فهذا يعني أن إقامة علاقات مع العراق وسوريا ستكون بالسهلة، والحل لا يقسم تركيا بل يكبرها، فلا داعي للقلق، أين المشكلة إذا أراد ابن هذه البلد أن يتعلم بلغته الأم، فالرد على هذا الطلب الطبيعي بالقتل والترهيب لا تقبله أي معايير ولا أعراف دولية ولا دينية، يجب أن ننظر إلى الموضوع بأن تركيا تريد أن تصلح الأخطاء التي وقعت فيها منذ عقود». ويضيف: «المرحلة الحالية يقودها عبد الله أوجلان شخصيا، وحسب معلوماتي فإنه يريد تغييرا في مادة الدستور التي تعرف المواطن وأن تكون بعيدة عن وصفه بوصف عرقي أو قومي، وأن تعدل مادة الدستور التي تجعل اللغة التركية لغة التعليم الوحيدة واستبدالها بالحق في التعليم باللغة الأم، والطلب الثالث هو تعديل قوانين الحكم المحلي تماشيا من الانطباق مع قوانين الاتحاد الأوروبي فإذا تحققت هذه الشروط فإن العدالة والتنمية، والسلام والديمقراطية، وأوجلان سيلتقون في نفس النقطة». ولا تتطرق المعلومات السائدة بعد إلى وضع أوجلان، الذي سقط حكم الإعدام بحقه فقط بسبب الضغوط الدولية غير المسبوقة التي مورست على تركيا حلال محاكمته في التسعينات. فتركيا مصرة على عدم الكلام عن إطلاق سراحه، أو حتى وضعه في الإقامة الجبرية، لما لهذه الخطوة من تداعيات في الداخل التركي الذي نظر إلى أوجلان على أنه «العدو رقم واحد» لتركيا خلال العقود الماضية. ويبدو أن مصير أوجلان ينتظر المصالحة الشاملة، فتركيا لن تخاطر بإطلاقه بأقل من صفقة شاملة تنهي المشكلة من جذورها، وإلا فإنها تخاطر بوضع قنبلة موقوتة في عمقها، وهو ما لا تقبل به. وعن مصير أوجلان يقول أونصال: «إلى الآن يتركز الحوار والمفاوضات على عملية السلام، أما الوضع الخاص بعبد الله أوجلان فسيدخل مرحلة السلام، أما إذا استطاعت تركيا أن تحقق السلام الداخلي فإن مباحثات أوسلو التي ركزت على وضع المعتقلين ستدخل حيز التنفيذ لأن الموضوع لا يقتصر على أوجلان، فهناك عشرات الآلاف من المعتقلين وسيكون هناك مفاوضات حولهم أثناء استمرار مرحلة السلام». غير أن عملية السلام هذه دونها عوائق داخلية، فالمتشددون الأتراك - كما الأكراد - يقفون أمام أي حل فعلي للأزمة لا يتجاوب مع تطلعاتهم. ولذلك كان من الطبيعي أن تشهد أي عملية مفاوضات ما يعطلها ويحاول إفسادها، كما حصل مع اغتيال الناشطات الكرديات في باريس، وحتى تسريب مضمون محادثات أوجلان مع الوفد الكردي أخيرا. وبينما يرى أتيكين أن الأحزاب القومية التركية «قد همشت» ولن تشكل خطرا على العملية، أظهر استطلاع للرأي نشر مؤخر أن نحو نصف الأتراك يؤيدون مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة التركية والزعيم الانفصالي السجين عبد الله أوجلان. وأعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم نتائج استطلاع للرأي يتعلق بالمفاوضات الجارية بين الحكومة التركية وأوجلان في سجن جزيرة ايمرلي. وأشارت نتائج الاستطلاع الذي أجرى في 28 محافظة تركية على أن نسبة 51% تؤيد الحكومة التركية بمفاوضاتها الجارية مع أوجلان للتوصل لحل الإرهاب والقضية الكردية، كما تؤيد نسبة 40% إجراء مفاوضات مع قياديي المنظمة الانفصالية في جبال قنديل شمال العراق، بينما ترى نسبة 95% أن هناك إمكانية وسهولة التعايش بين الأتراك والأكراد. ويرى النائب توزال أنه «من الطبيعي أن يكون هناك صعوبات تواجه أي مرحلة من المراحل، فمن ناحية الأكراد الذين يفقدون أبناءهم سواء في الجيش التركي أو مع الفدائيين ستكون هذه المرحلة مرحلة إنعاش ديمقراطي، أما من ناحية الشعب التركي فإنها بالنسبة له أيضا فرصة لا تعوض لإحلال السلام مع جميع القوميات المكونة لشعب تركيا وإلا فلن ينعم بالأمن والأمان». ورأى أن «المواقف التي ستتخذها أحزاب المعارضة مهمة جدا للغاية، فبالنسبة لحزب الشعب الجمهوري لم يعلن موقفه ويكتفي بالقول إنه لا يوجد لديه أي معلومات حول المرحلة ويحتاج إلى توضيحات لما يجري، أما حزب الحركة القومية فموقفه واضح وصريح وهو معارض ويستخدم أسلوبا استفزازيا وينتقد بحدة لدرجة التخوين وهذه التصرفات ستنعكس على المناقشات التي ستجري في المجلس بحدة». وتابع قائلا: «أستطيع أن أقول إن شعوب تركيا جاهزة لتقبل هذه المرحلة لأنها تريد الأمن والسلام، وعلى الرغم من المعارضة السلبية التي ستكون من قبل المعارضة فإن الأغلبية العظمى في تركيا تدعم هذه المرحلة، ولهذا يجب على الحكومة استغلال هذه الظروف المهيأة لتنقية النفوس وقبول الحوار للعيش بسلام لجميع مكونات شعب تركيا من أغلبيات وأقليات». أما أونصال فيؤكد أنه «مع وجود ردود فعل سلبية من الجهات القومية والوطنية معارضة لهذه المرحلة، إلا أن الأغلبية العظمى من الشارع بجميع أطيافه تدعم هذه المرحلة». ويقول إن «تركيا عاشت حوالي 30 عاما من الحرب نتج عنها مقتل 50 ألفا من كلا الطرفين. عشرات الآلاف من الشباب دخلوا وما زالوا في المعتقلات كما أنه يوجد عشرات آلاف المشردين في جميع أنحاء العالم ناهيك عن آلاف من الجرحى والمعاقين استثمارات البلاد ضاعت هباء و300 مليار دولار كانت تكلفة هذه الحرب». * الخطوات المقبلة * لا ينطلق نداء أوجلان الذي سوف يبث غدا في الاحتفال الذي يقيمه الأكراد لمناسبة عيد النوروز من فراغ، فهو يأتي نتيجة لمفاوضات مكثفة أجرتها الاستخبارات التركية معه وبتنسيق مباشر من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي يعول على إنهاء هذا الملف. * تقول التسريبات التي ظهرت في الإعلام التركي إن هذه المرحلة سوف تبدأ بإعلان «الكردستاني» وقفا لإطلاق النار، وتوجيه أوجلان نداء للمقاتلين بالانسحاب من الأراضي التركية باتجاه العراق لا سوريا، وفي هذا مؤشر هام. * تستمر هذه المرحلة نحو 9 أشهر تكون خلالها النقاشات دخلت مرحة التعديلات الدستورية التي يفترض بالبرلمان التركي إقرارها لمنح الأقلية الكردية بعض الحقوق التي تطالب بها ومن ضمنها الفصل بين القومية والمواطنة، أي تغيير تعريف المواطن التركي إلى مواطن في الجمهورية التركية. * ثم منح الأكراد حق تعلم لغتهم الأم واعتبار الكردية لغة رسمية في الأقاليم الكردية، بالإضافة إلى تعزيز سلطات المجالس المحلية التي يسيطر حزب السلام والديمقراطية على معظمها في المناطق الكردية، ليتحول الأمر من مطالبة الأكراد بالاستقلال أولا ثم إلى الحكم الذاتي ثانيا، فإلى الحكم المحلي ثالثا أو ما بدأ الساسة الأكراد والأتراك تسميته بالحكم الذاتي الديمقراطي الذي يتلاءم مع النظرة الأوروبية إلى المجالس المحلية.

صناعة فشل السلام في فرساي

$
0
0
تناولنا في المقال السابق الشخصيات الثلاثة التي كفل القدر لها أن تتولى صياغة مستقبل العالم بعد الدمار الذي لحق به جراء الحرب العالمية الأولى؛ فلقد عكف الرئيس الأميركي ويلسون ورئيس الوزراء الفرنسي كليمانصو، ونظيره البريطاني لويد جورج على صياغة الاتفاقية الدولية التي من شأنها أن تحقن دماء أوروبا وتعيد لها الأمن والسلم المفقودين، ولكن كما رأينا، فإن رؤية كل سياسي منهم شابها القصور، فلقد كان الثلاثة المهيمنين على مؤتمر فرساي ينظرون برؤية غير واقعية لفلسفة السلام، فما كان منهم إلا أن تجاهلوا الأهداف والمصالح للاعبين الآخرين سواء في القارة الأوروبية أو خارجها، فخرج السلام مشوها والتوازن مكسورا. في التقدير، فإن الملف الألماني كان أخطر ما تناوله المؤتمر، فلقد فشل الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني في تحجيم كليمانصو بالشكل المناسب في هذا الملف، حيث أصر الرجل على تقليم أظافر الدولة الألمانية بحيث لا تقوم لها قائمة مرة أخرى في أوروبا، وعلى الرغم من جهود الدول الأخرى في موازنة هذه الأهداف، فإن الرجل كان له ما أراد، ففرض على الألمان قبول الشروط الفرنسية، فألمانيا لم تُستشر في صياغة المواد الخاصة بها في الاتفاقية، ولكن الصياغة قُدمت لها وتم إمهالها أسابيع قليلة لقبولها، فما كان منها إلا أن قدمت مذكرة مضادة تضمنت مقترحات محددة للتخفيف من الإجحاف الذي أصابها، فقام الحلفاء بالنظر فيها، واضطر كليمانصو لقبول بعض التعديلات القليلة، وتم إعادة الصياغة الجديدة بشروط فادحة، فلقد أصر الرجل على أن تتضمن اتفاقية السلام عددا من الشروط الأساسية وعلى رأسها: أولا: تم تحميل ألمانيا مسؤولية اندلاع الحرب في إطار ما عرف بالمادة «231» وهو ما مهد لقيامها بتحمل تعويضات حرب بلغت ما يقرب من 130 مليار مارك من الذهب، وهو مبلغ كان كفيلا بأن يكسر الميزانية الألمانية لعقود مقبلة، وقد أصرت فرنسا على أن تدفع ألمانيا كل هذه التعويضات وكانت لها بالمرصاد، حتى إنه عندما لم تستطع ألمانيا دفع هذه المبالغ قامت فرنسا وبلجيكا باحتلال المنطقة الغربية الغنية بالموارد الطبيعية فيما عرف بحادثة «الروهر» Ruhrعام 1924. ثانيا: تم وضع حد أقصى للقوات المسلحة الألمانية بلغ مائة ألف جندي، ولم يسمح لها بتخطي هذا الرقم تحت أي ظرف من الظروف، وهو ما اعتقد كليمانصو أن فيه أمن بلاده، فبهذا العدد لا تستطيع ألمانيا أن تحمي حدودها ناهيك بالقدرة على شن حرب؛ ويضاف إلى هذا أن الاتفاقية وضعت أيضا سقفا على حجم التسلح الألماني بما في ذلك تقويض البحرية الألمانية تماما لضمان عدم قيامها بتهديد المصالح الاستراتيجية البريطانية، كما تم نزع سلاح المنطقة الغربية بالكامل والمعروفة بـ«أرض الراين» Rhineland بحيث أصبح هذا الجزء من ألمانيا مجرد منطقة عازلة بين وسط وشرق ألمانيا من ناحية، وفرنسا من ناحية أخرى. ثالثا: وإمعانا في إحكام السيطرة على ألمانيا، تقرر أيضا أن يتم إنشاء دولة «تشيكوسلوفاكيا» جنوب ألمانيا لتمثل إطارا عازلا، وتم ضم أجزاء من جنوب ألمانيا لهذا الكيان الجديد بحيث أصبح ما يزيد على ثلاثة ملايين ألماني يعيشون تحت رحمة حكومة غريبة عنهم فيما عرف بـ«الإقليم الجنوبي» أو الـ«Sudetenland»، وهو الإقليم الذي طالب به هتلر فيما بعد، واضطر رئيس الوزراء البريطاني تشيمبرلين ومعه الساسة الفرنسيون لقبوله وتم تدوينه في معاهدة ميونيخ الشهيرة عام 1938. رابعا: واتباعا للسياسة نفسها تقرر تقليم أظافر ألمانيا شرقا من خلال تقوية دولة بولندا على حساب ألمانيا، فتم شطر ولاية بروسيا التي تعد مهد القومية الألمانية من خلال منحها ما يسمى «الممر البولندي» Polish Corridor الذي عزل شرق بروسيا عن ألمانيا الوطن الأم ومنح بولندا السيطرة على هذا الممر لمزيد من الإضعاف لألمانيا وشطر وحدتها الإقليمية، وهو مقترح كان له أسوأ الأثر بالنسبة له. لم يكن التعامل مع ألمانيا هو وحده الخطر الداهم الذي بات يهدد القارة الأوروبية، فأخطر ما أسفر عنه مؤتمر السلام في فرساي هو التجاهل الكامل لمفاهيم القومية أو حق تقرير المصير، اللذين كان الرئيس الأميركي ويلسون قد طرحهما في نقاطه الأربع عشرة، ففي سبيل التحصين أمام ألمانيا قام الحلفاء بتفصيل دول حولها لاحتواء أية محاولات توسعية مستقبلية، فما كان منهم إلا أن جمعوا التشيك مع السلوفاك في دولة اسمها تشيكوسلوفاكيا لا رابط لها من حيث القومية أو الأسس السياسية، فكان الهدف منها هو تكتيل قوميتين لأهداف سياسية، وهو ما حدث نفسه مع جزء كبير من البلقان من خلال تفصيل دولة سميت يوغوسلافيا ضمت عرقيات مختلفة تماما مثل الكروات والصرب والبوسنيين والسلوفينيين، وذلك على الرغم من عدم وجود أي شيء يربطهم بعضهم ببعض، فالعرقيات لم تكن وحدها العامل المفرق بينهم ولكن الديانة كذلك؛ فلقد شملت مسيحيين أرثوذكسا وكاثوليكا ومسلمين، وهو الزواج السياسي الذي استيقظ العالم على طلاقه في تسعينات القرن الماضي بحرب ضروس وجرائم ضد الإنسانية أودت بحياة الآلاف. وعلى خلفية هذه الظروف اضطرت ألمانيا لقبول الاتفاقية، فقام رئيس الوزراء الألماني جوستاف باور بإعلان موقف بلاده في خطبته الشهيرة في البرلمان في 22 يونيو (حزيران) التي برر فيها أسبابه للتوقيع بتأكيد «أن لحظة الحياة أو الموت تحت تهديد الاحتلال قد جاءت، وأنا الآن أُعلن اعتراضي على اتفاقية العنف والدمار.. أنا أعترض على استعباد الشعب الألماني وعلى تهديد السلام العالمي في شكل اتفاقية سلام»، وعلى الرغم من ذلك، فإنه البرلمان الألماني قد أقر هذه الاتفاقية تحت وطأة التهديد بالغزو بأغلبية 227 صوتا مقابل 138. ولعل أهم درس خرج به العالم من هذه الاتفاقية هو أن صناعة السلام غالبا ما تكون أصعب من صناعة الحرب، فأغلب المؤرخين يشيرون إلى أن هذا السلام الهش كان مجرد هدنة بين حربين عالميتين، وقد دفعت فرنسا ثمنا باهظا لضعف رؤية كليمانصو، بينما دفعت بريطانيا ثمن عدم قدرتها على إثناء فرنسا عن عزمها على تدمير ألمانيا سياسيا، على حين دفع الشعب الأميركي ثمن عزلته السياسية التي تلت الحرب بالدخول في حرب عالمية جديدة. وحقيقة الأمر أن هذه الاتفاقية تعد نموذجا دوليا للخسارة الجماعية؛ فالقوة غير دائمة، والأمن يحفظه التوازن وليس القضاء على مقدرات وقوة الدول. * كاتب مصري

هيتو.. رجل المرحلة هيتو.. رجل المرحلة

$
0
0
دخلت المعارضة السورية، أمس، مرحلة «المؤسساتية العربية» من بابها العريض عبر شغرها لمقعد سوريا الدائم في الجامعة العربية. لكن اللافت كان طريقة دعوة رئيس الدورة الحالية للقمة العربية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، للوفد السوري، إذ قال: «أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، استأذنكم في دعوة السيدين معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وغسان هيتو رئيس الحكومة السورية المؤقتة والوفد المرافق لهما لشغل مقعد الجمهورية العربية السورية في هذه القمة». وهذا يعني أن هيتو أصبح، وبفعل الاستحقاق العربي في الدوحة والخطاب السياسي الرسمي المرافق له، رجل المرحلة إلى جانب الخطيب، الذي لا تزال شعبيته في الشارع السوري تزداد يوما بعد يوم. ويتقاسم رجل المرحلة المقبلة هيتو، مع رجل المرحلة السابقة الخطيب، في عدة نقاط، لعل أبرزها هي أن أيا منهما لا ينتمي إلى معسكر «المخضرمين» سياسيا، فالأول داعية إسلامي وإمام لمسجد بني أمية الكبير في دمشق، وقد خرج من سوريا بعدما اعتقل لعدة مرات وبعدما شعر بأنه سيكون أكثر فاعلية في الخارج من وجوده في الداخل، أما الثاني فهو رجل أعمال ومدير لشركة اتصالات في الولايات المتحدة، وقد ترك هو الآخر منصبه وبلده المضيف واقترب من سوريا وبدأ بالعمل الإغاثي، الذي يقال إنه برع وأبدع فيه. وعلى عكس الطريقة التي أتى بها الخطيب، لم يمر اختيار «رئيس وزراء» الحكومة السورية المؤقتة بهدوء كما جرت العادة عندما تولى الخطيب رئاسة الائتلاف، فكان نصيب هيتو كثيرا من الانتقادات التي تداخلت مع الثناء الذي وجه للمعارضة لقيامها بخطوة في اتجاه إسقاط النظام، كما يرى الكثير من المعارضين الذين كانوا يدفعون في هذا الاتجاه منذ البدايات. وصل هيتو إلى رئاسة الحكومة من الصفوف الخلفية، كثير من المعارضين لم يكونوا يعرفونه، وكذلك المقاتلين. وعندما صوت «المجلس الوطني» لترشيح 3 من أعضائه، حل هيتو ثالثا بعدد أقل من الأصوات عن الثلاثي أسامة القاضي وبرهان غليون وسالم المسلط، فنال 13 صوتا فقط مقابل 24 صوتا للمسلط. وعندما انسحب غليون دخل هيتو السباق، لكنه بقي الأقل حظا. لكن قبل يوم واحد من الانتخابات، بدا أن هيتو يتقدم بعد محادثات ومفاوضات قادها أكثر من طرف، ليصبح اسمه في يوم الانتخاب شبه وحيد في المعركة، إلى أن تم انتخابه «تحت جنح الظلام»، كما يقول أحد الذين جمدوا عضويتهم في الائتلاف احتجاجا. وعلى عكس الكلمة التي ارتجلها الخطيب في 19 مارس (آذار) 2013 بمناسبة اختيار أول رئيس حكومة مؤقتة من الائتلاف، والتي خرجت عباراتها من قلبه فنطق بها لسانه قبل أن تمر بالعقل، فضل هيتو إخراج كلمة منمقة من جيبه، ابتدأها بكل هدوء، «المهمة الأولى والأساسية التي نضعها نصب أعيننا، تتمثل في استخدام كل الوسائل والأساليب لإسقاط هذا النظام الأسدي»، مضيفا أن الحكومة ستبدأ عملها من الأراضي المحررة بالتعاون مع «الجيش الحر» وقيادة الأركان والكتائب. يضاف إلى هدوء هيتو ورصانته، التي لا تفاجئ الدائرة المقربة منه، خبرة إدارية يتمتع بها قليلون من المعارضين السوريين. وفي هذا الصدد، يقول عضو الهيئة القانونية في الائتلاف هشام مروة إن هيتو «يتمتع بخبرة واسعة في المجال الإداري، بالإضافة إلى مؤهلاته العلمية الكبيرة» معتبرا أن نجاحه الإداري هو من سلط الأضواء عليه. ويشير مروة إلى أن علاقته مع المجلس الوطني بدأت بشكل مباشر عندما التحق بالمجلس في عام 2012، لكن معرفته بدأت قبل ذلك عندما انضم في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 إلى مجموعة من الناشطين، بينهم نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض السيدة سهير الأتاسي، عملوا في الحقل الإغاثي، حيث لفت عملهم الدول المانحة لدقته وفاعليته. وأشاد مروة بشجاعة هيتو «الذي قبل هكذا منصب» رغم أنه يحمل الجنسية الأميركية، خصوصا، نافيا بشدة ما يتهمه به معارضوه من أنه «مرشح قطر» لرئاسة الحكومة، معتبرا أن هيتو «لم يكن من ضمن الأسماء التي يدعمها التيار المحسوب على قطر». وأوضح أن هيتو حل رابعا في تصويت «المجلس الوطني» على المرشحين لرئاسة الحكومة، ولم يكن اسمه سيدخل في التصويت لولا انسحاب برهان غليون من الانتخابات، مشيرا إلى أن «المجلس الوطني» كان حريصا على مرشح توافقي، فدفع بأكبر عدد من المرشحين للحصول على توافق على أحدهم. كما ينفي أن يكون من جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا في المقابل إلى أن بعض أقربائه قد يكونون من الجماعة، لكن هذا لا يعني أنه منهم، فسوريا فيها تنوع كبير. وفي المقابل، يؤكد عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» مروان حجو لـ«الشرق الأوسط» أن «والده كان إخوانيا، وقد لوحق من قبل النظام، لكن هو أقرب إلى الكتلة الإسلامية التي يرأسها المعارض عماد الدين رشيد»، مشيرا إلى «أن المكتب الإعلامي في الائتلاف الذي يرأسه أحد أقرباء هيتو، ويدعى خالد الصالح، ساهم في التسويق له كأن سوريا لا تحتوي على أشخاص بكفاءته لشغل هذا المنصب». ورغم أن هيتو يظهر غالبا مرتديا سروال جينز وقميصا قطنيا، ورغم لكنته الأميركية الواضحة، فإن خطابه «يحوي نفحات دينية وإيمانية»، فقد قال خلال مؤتمر أقيم السنة الماضية من أجل سوريا في الولايات المتحدة: «الأمل.. يأتي من الله. إخوتنا وأخواتنا في داخل سوريا أدركوا ذلك منذ زمن». وأضاف: «إن الله يحبنا ويعنى بنا، سيقدم لنا العون، سيهتم بالشعب السوري. سيقدم له الغذاء وسيدافع عنه. وحده هو يمكنه القيام بذلك، لكن نحن لا بد لنا من التحرك اليوم». ووصف حجو رئيس الحكومة المؤقتة بأنه «مرشح دولة قطر»، مؤكدا أن هيتو لا يملك خبرة سياسية للتعامل مع الملفات السورية الحساسة، وقال: «غادر غسان هيتو سوريا في الثمانينات بعد تعرضه لمضايقات أمنية بسبب انتمائه الإسلامي، وهاجر إلى الولايات المتحدة ليعيش فيها ما يقارب الـ30 عاما، الأمر الذي جعله بعيدا عن مجريات الأمور في وطنه»، وأضاف: «لقد عاش هيتو في الغرب وعمل داخل الآلية المؤسساتية السائدة فيه، وهي آلية تعمل بطريقة مختلفة عن تلك التي نتعامل بها في بلادنا، هناك فجوة بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي في أساليب العمل». وبينما يؤكد مروة أن هيتو ليس مطلق الصلاحيات، فهو قيد المتابعة من الائتلاف. ويقول: «بعد انتخابه اجتمعنا به، وقرأنا له النصوص المتعلقة بصلاحياته، ثم قرأنا له المادة المتعلقة بعزله والضوابط التي تحكم عمله. ويوضح حجو، وهو واحد من المعترضين على طريقة انتخاب هيتو، حيثيات وصوله إلى منصبه فيقول: «لقد انبثقت من اللجنة القانونية التابعة للائتلاف الوطني لجنة انتخابية مؤلفة من الأعضاء: هشام مروة - هيثم المالح - زياد أبو حمدان - منى مصطفى - مروان حجو»، يتابع: «وبعد مناقشة الكثير من المقاربات والأفكار وإجراء اتصالات مع مختلف الكتل السياسية في المعارضة، انحصر عدد المرشحين بـ6، هم: أسعد مصطفى - غسان هيتو - بهيج ملا حويج - أسامة القاضي - سالم المسلط - جمال قارطجي، فقررنا استدعاء المرشحين للحضور أمام الهيئة العامة للائتلاف بهدف التعرف عليهم قبل إجراء الانتخابات». ويشير حجو إلى أن طلبهم حضور المرشحين لم يتم الاستجابة له، مؤكدا أن «مصطفى الصباغ أمين عام الائتلاف والمسؤول عن الإجراءات التقنية فيه، سعى إلى إحباط أي محاولة للتعرف على المرشحين». ولفت حجو إلى أن «35 عضوا في الائتلاف صوتوا لهيتو من بين 65، مما يعني أن الرجل جاء بتوافق بين أغلبية أعضاء المجلس الوطني وجماعة المجالس المحلية التي تعمل تحت غطاء مصطفى الصباغ». وفي الصباح التالي لانتخابه، واجه هيتو مجموعة من الاعتراضات انتهت بانسحابات من الائتلاف احتجاجا على «طريقة الانتخابات»، بينما تعرضت شخصية هيتو لهجمات من عدد من المعارضين، أبرزهم ميشال كيلو الذي توقع فشل حكومة هيتو، وقال: «لا يجوز أن يضاف إلى (المجلس الوطني) الفاشل والائتلاف الفاشل حكومة فاشلة». وقال إن انتخاب غسان هيتو ليس محل إجماع بين صفوف المعارضة السورية، مشيرا إلى رفض الجيش السوري الحر الاعتراف به. وأشار إلى أن استقالة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب جاءت للسبب نفسه، بعد اعتراض «الجيش الحر» على انتخاب هيتو رئيسا للحكومة، دون توافق. وأضاف: «لا يمكن أن يوافق وطني سوري يحب بلده ويقاتل على الأرض من أجل سوريا ديمقراطية، على هذه التصرفات التي تقوم بها هذه المجموعة داخل التكتل والائتلاف»، وأشار إلى أن هذه الحكومة لن تؤدي إلا إلى استبدال حزب البعث بنظام إسلامي أكثر استبدادا. عمل هيتو مديرا لقسم الاستشارات التقنية بشركة «فايسرف»، كما ترأس قسم المعلومات في شركة «هوم فري» لسنتين، حيث كان أكبر مسؤول تنفيذي في قسمه. وقضى هيتو 11 عاما مع شركة «إينوفار» لتكنولوجيا الاتصالات، في منصب المدير التنفيذي. كما ساعد في تصميم أكاديمية برايتر هورايزنز، وهي أكاديمية تعليمية خاصة، وتولى منصب عضو مجلس إدارة الأكاديمية منذ عام 2001 ولغاية عام 2003، ثم تولى رئاسة مجلس إدارتها حتى عام 2009 حين أوكلت إليه مهام رئاسة الأكاديمية. وهو أيضا عضو مؤسس في جمعية الدعم القانوني للجالية العربية والمسلمة التي تأسست في الولايات المتحدة عام 2001 للدفاع عن الحريات الشخصية والمدنية ومكافحة التمييز ضد العرب والمسلمين والآسيويين بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). بعد اندلاع الأزمة السورية، تفرغ للمساهمة في تأسيس وإدارة وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني في «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية»، التي تم الاعتراف بها دوليا، وباشرت عملها على الحدود السورية - التركية بتوصيل المساعدات والدعم الإغاثي إلى الداخل. كما شارك في تأسيس تحالف «سوريا حرة» بالولايات المتحدة، وتولى منصب نائب الرئيس للتحالف منذ 2011، وهو عضو في مجلس الإدارة في المجلس السوري - الأميركي منذ عام 2012، وهي منظمة أهلية تأسست عام 2005، وتعمل في مجال تطوير ورعاية التعليم والاقتصاد والتنمية البشرية في سوريا. ويقف هيتو اليوم، أمام استحقاق جديد، بعد أن دخل «الجيش الحر» في لعبة رفض تسميته، رغم تأييده مبدأ الحكومة. ويقول الناطق الرسمي باسم «الجيش الحر»، لؤي المقداد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجيش الحر» كان يريد رئيسا للحكومة يتوافق عليها الجميع، لكن بعد ما حصل وجد نفسه مجبرا على اتخاذ هذا الموقف. ويشير المقداد إلى أن الكثير من القيادات الميدانية اتصلوا بهيئة الأركان عند شيوع الخبر للسؤال عن هويته، لأنه لم يكن معروفا بينهم. لكن مصادر في «المجلس الوطني» ترى أن «الجيش الحر» «كيان فضفاض ولا يمكن اختصاره بهيئة أو باسم محدد». وتؤكد أن كتائب كثيرة من «الحر» في دمشق والمنطقة الشرقية من سوريا تؤيد هيتو. بدوره، يؤكد عضو الهيئة القانونية في الائتلاف هشام مروة، أن «هيتو يتمتع بتأييد بعض الكتائب العسكرية في (الجيش الحر)» ويضيف: «(الجيش الحر) كان مع أي رئيس حكومة ينتخب، لكنه تلقى رسائل من داعميه ترفض اختيار هيتو فاضطر إلى اتخاذ هذا الموقف». ويرى مروة أنه حتى الذين يختلفون مع هيتو ليسوا مستعدين لمعاداته، مشيرا إلى أن هيتو حصل على 70% من أصوات أعضاء الائتلاف السوري وهذا لا يأتي من فراغ، موضحا أن الشيخ معاذ الخطيب بنفسه دعا في خطاب استقالته إلى دعمه لإنجاح مهمته. هيتو في سطور * من مواليد دمشق عام 1963، وهو من أصول كردية، يصفه معارفه بأنه «شخص يعمل تحت الضغط»، وأنه يمتلك روحية العمل الجماعي والشخصية المرنة. * غادر هيتو سوريا في عمر مبكر، إلى الولايات المتحدة حيث بدأ دراسته. وبينما أشارت السلطات السورية بعيد انتخابه إلى أنه غادر سوريا «فارا من الخدمة العسكرية» التي تعتبر من بين الأطول في العالم وتمتد إلى نحو سنتين ونصف السنة - يقول المعارضون إنه فر بعد مضايقات أمنية واعتقال عدد من أقاربه. * في الولايات المتحدة، حصل على شهادتي البكالوريوس في الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي من جامعة بورديو في إنديانابوليس عام 1989. ونال درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة إنديانا وسليان عام 1994. * في منفاه، نال الجنسية الأميركية وقد خرجت صحيفة «نيويورك تايمز» بعيد انتخابه بعنوان مفاده «مواطن أميركي يختار كرئيس للحكومة المؤقتة للثورة السورية». * تزوج بمدرسة أميركية وأنجبا 4 أبناء، أحدهم عبيدة لاعب كرة قدم أميركي سابق، كان أكد لصحيفة «نيويورك تايمز» السنة الماضية تسلله إلى سوريا «لمساعدة الثوار» في المجال الإعلامي، صور مقاطع فيديو تجسد معاناتهم ونقل صورهم إلى العالم، كما ساعد في إيصال المساعدات الإغاثية لمحتاجيها. ونقلت الصحيفة أنه كتب رسالة إلى والديه قبل سفره جاء فيها «صنعتما مني ما أنا عليه اليوم. يجب أن أذهب لأقوم بما علي القيام به». وقال هيتو إنه لم يعد لديه خيار إلا الانخراط في الثورة بعد ما قام به نجله.

الغزو الإيراني.. للعراق الغزو الإيراني.. للعراق

$
0
0
دخل عام 2003 التاريخ، بوصفه عاما للغزو الأميركي على العراق. ولكن بعد عشر سنوات يدخل العام نفسه التاريخ بأثر رجعي، ليكون عاما لبدء تاريخ جديد من العلاقة مع إيران والعراق. فبعد قرون من الخلاف على التاريخ وعقود من صراع على الجغرافيا، وحرب امتدت لعشر سنوات، جاء عام 2003 ليسطر عهدا جديدا. ودخلت الدبابات الأميركية بغداد عصر يوم التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 بعد رحلة بدأت من أم قصر يوم العشرين من مارس (آذار). وعصر التاسع من أبريل تولت دبابة أميركية ضخمة وبترتيب مقصود من قبل جماعة المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي الذي كان فصيل المعارضة الأوسع نفوذا وقربا من الإدارة الأميركية آنذاك، إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في قلب بغداد. وعلى الرغم من الدلالة الرمزية لمثل هذا الحدث فإن تداعياته الواقعية بدأت تأخذ أشكالا وصيغا مختلفة فيما بعد. لم يكن مثل هذا الحدث (الاحتلال العسكري لدولة مستقلة وذات عمق تاريخي موغل في القدم) مألوفا لأغلب دول المنطقة، ومنها إيران التي وإن فرحت لسقوط نظام عدوها اللدود صدام حسين الذي خاض معها حربا طاحنة استمرت ثمانية أعوام (1980 - 1988) إلا أنها كانت في غاية القلق على الخطوة الأميركية التالية. وبعد شهور مما وصف أولا على أنه «تحرير» من نظام ديكتاتوري شمولي و«سقوط» لعاصمة الرشيد بغداد، بدأت الولايات المتحدة تغوص في المستنقع العراقي. وكلما غاص الأميركيون في هذا المستنقع كان الإيرانيون أكثر جيران العراق تنفسا للصعداء واستثمارا لذلك وفرحا به. والأسباب وراء ذلك معروفة.. ويجملها الكاتب والمفكر العراقي حسن العلوي (نائب مستقل في البرلمان العراقي)، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في عوامل تاريخية، تعود إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وهي الفترة التي تحولت فيها إيران إلى التشيع، وكان لديها إشكال مع العراق وقتها وهو أن كل أئمة إيران الشيعية مدفونون في العراق ما عدا الإمام الثامن علي بن موسى الرضا الذي دفن في إيران بقرار من الخليفة المأمون حيث كان «الرضا» وليا للعهد آنذاك. ويضيف العلوي في قراءته التشخيصية للعلاقة بين العراق وإيران أن «المزارات الدينية هي في الواقع إشكال إيران أكثر مما تفكر في العراق كوطن، والسبب في ذلك أن إيران لا تفكر على مستوى الجغرافيا في العراق إلا لجهة صلتها بالتاريخ». وإلا فإن إيران أكثر تطورا على مستوى الاقتصاد والموارد من العراق، لذلك فإنها تسعى إلى ترسيخ عقيدتها بالتشيع. ويضيف العلوي أسبابا أخرى لتصور شكل هذه العلاقة المعقدة منها «الحرب العراقية - الإيرانية حيث إن إيران ظلت تنظر للعراق كخصم تستفيد منه في حالة الضعف ولذلك فإنها تمكنت من بناء قوة بعد الحرب مع العراق حيث ليس لديها شعور بالنكسة ولم تكتب جريدة إيرانية واحدة عن خسارتها في الحرب وبينما دخل العراق الكويت بعد حربه مع إيران دخلت إيران روسيا ولكن بحثا عن اكتساب مصادر قوة جديدة على مستوى العلماء». وبعد سقوط نظام صدام حسين تحول العراق من وجهة نظر العلوي إلى «دولة ضعيفة وهو ما جعل معظم دول جواره الجغرافي تحصل على مكاسب مختلفة ولكن إيران هي الأوسع نفوذا ولها في ذلك مبررها العقائدي (التشيع) كما أن معظم الحركات الإسلامية العراقية التي تحكم الآن نشأت وترعرعت في إيران». ويكشف العلوي ما يبدو وكأنه واحد من أسرار الحرب الأميركية على العراق قائلا إن «إيران التي استفادت اليوم من نتائج الغزو الأميركي على العراق كانت قد ساندت الغزو حيث حصل اتفاق إيراني - أميركي عن طريق الدكتور أحمد الجلبي بأن تكون إيران داعمة للتغيير على الطريقة الأميركية وقد ذهب الجلبي إلى إيران ليدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ». * نفوذ من ثقب الإبرة: دعمت إيران فكرة التغيير في العراق دون أن يتغير خطابها تجاه أميركا بوصفها الشيطان الأكبر. لكن ما إن سحب هذا «الشيطان» جنوده بنهاية عام 2012، حتى ظهرت طهران كوريث شرعي للتركة الأميركية، وظهر للعلن أول اعتراف بالتغيير الذي حدث في العراق، واستقبلت طهران كل زعماء العراق، كما زار رئيسها أحمدي نجاد ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني بغداد فضلا عن كل وزراء خارجيتها ورؤساء مجلس الشورى. واتسع النفوذ.. ونطاق السياحة الدينية بشكل غير مسبوق (3000 زائر رسمي يوميا) في وقت ارتفع فيه معدل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 11 مليار دولار سنويا. ومع أن هناك من يربط بين حجم التبادل التجاري والنفوذ لجهة القول إن تركيا يجب أن تكون الأكثر نفوذا لأن حجم تبادلها التجاري مع العراق يربو على الـ18 مليار دولار سنويا فإنه بالعودة إلى رؤية العلوي بأن إيران لا تقيم وزنا للعلاقة الاقتصادية مع العراق ولا تعول عليها لكونها متطورة اقتصاديا، فإن هناك من يرى الأمر بطريقة مختلفة لجهة أن النفوذ الإيراني في العراق لم يعد اليوم مثلما كان عليه قبل عشر سنوات. فالنفوذ الإيراني الذي كان الأوسع من نوعه خلال الأعوام الأولى من التغيير فإنه اليوم لا يبدو كذلك نظرا لما تعانيه إيران الآن من أوضاع سياسية واقتصادية تجعلنا يمكن أن ننظر إلى هذا النفوذ من ثقب إبرة. الكاتب والخبير العراقي بالشؤون الإيرانية سرمد الطائي يطرح رؤيا مختلفة قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «شيعة العراق كانوا مصابين بالدوار في ظل نظام قمعي هو نظام صدام حسين، لكن الآن بعد عشر سنوات اختلف الأمر بالنسبة لشيعة العراق حيث أصبحوا أثرياء وأقوياء ويحكمون بينما الآن الأمر يختلف بالنسبة لشيعة إيران الذين يعانون العقوبات الدولية وعملتهم شبه منهارة حيث صار الآن شيعة إيران هم من يحتاج شيعة العراق لا العكس». ويمضي الطائي في تفسير فرضيته قائلا «لا ننسى المعادلات الإقليمية والدولية مثل انهيار أهم حلفاء إيران وهو النظام السوري ولذلك فإن رجلا طالما يوصف بأنه أسطوري مثل الجنرال قاسم سليماني كان حتى قبل سنوات يرسل أبو مهدي المهندس إلى العراق ليحل في ظرف ساعات أعقد مشكلة بينما اليوم نجد زعماء مثل عمار الحكيم أو مقتدى الصدر يتكلمون بشكل واضح في نقد السياسات الإيرانية كما أن الصدر يسكن بيروت الآن وليس قم مثلما كان عليه قبل بضع سنوات، ويعقد صفقاته في أربيل لا في قم»، معتبرا أن «هذا التغيير ليس أمرا سهلا ومحصلته أن العراق مهما مرت به ظروف معينة لن يكون لقمة سائغة في فم إيران على الرغم من أنه لا ينكر أن هناك نفوذا إيرانيا وتدخلا في الشأن العراقي مثل آخرين من دول الجوار ودول المنطقة، ولكن علينا أن لا ننظر إلى الأمور من زاوية واحدة بل من زوايا مختلفة وبالتالي فإن المعطيات تقول إن هذا النفوذ يتراجع فإيران لم تجبر الآن كل الشيعة أن يكونوا مع المالكي في مجلس الوزراء». فرضية الطائي بدت صامدة إلى حد ما حتى عندما طرح القيادي في ائتلاف دولة القانون سامي العسكري وهو مقرب من زعيم الائتلاف ورئيس الوزراء نوري المالكي رؤية أخرى سواء لأسباب نمو النفوذ الإيراني وللكيفية التي يتعامل معه المالكي بوصفه الشيعي الأول في العراق على مستوى المنصب والمسؤولية (رئيس وزراء لدورتين من 2006 حتى اليوم). يقول العسكري لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك شتائم وتهما لإيران بأنها تتدخل في الشأن العراقي وأن غالبية هذه التهم تأتي من الأشقاء العرب وما أريد أن أقوله هنا أن العرب هم من أتاح لإيران أن يكون لها نفوذ في العراق حيث إن غياب العرب فسح المجال لإيران التي حضرت بقوة». ويضيف العسكري قائلا «علينا أن لا ننظر إلى التدخل الإيراني من زاوية سلبية فقط فالعرب وإن غابوا عن العراق لجهة عدم الاعتراف بنظامه الجديد فإنهم انهمكوا على قدم وساق في إرسال المزيد من المجرمين تحت بند المجاهدين إلى العراق لقتل أبنائه بينما إيران تعاملت مع الواقع الجديد بما في ذلك الوجود الأميركي في العراق وفق رؤية براغماتية حيث كانت أول من اعترف بالوضع الجديد». وردا على سؤال للعسكري بوصفه مقربا من صانع القرار السياسي في العراق حول مدى تدخل إيران في القرار السياسي يقول العسكري إن «هذا الأمر غير صحيح تماما وهناك الكثير من الأدلة التي تدحضه وكنت شاهدا على بعضها منها مثلا أن إيران كانت ترفض أن يوقع المالكي اتفاقية مع الولايات المتحدة ووقفت ضدها بقوة ولكن المالكي وقع الاتفاقية ولو كانت إيران هي التي تصنع القرار العراقي أو حتى تؤثر فيه لمنعت المالكي من توقيع الاتفاقية مع واشنطن». ويضرب العسكري مثلا آخر بأن «إيران كانت تريد من المالكي أن يترك البصرة عندما أوقف المالكي هناك ميليشيا مقتدى الصدر عند حدها حيث ولد ذلك انزعاجا لدى الإيرانيين». ويكشف العسكري الذي كان في واشنطن مؤخرا أن «نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أخبرنا في اجتماع خاص أن المالكي رجل وطني حيث إنه لا يخضع لإيران ولا يخضع لنا». ويختم العسكري رؤيته قائلا إن «العرب وبعد أن عجزوا عن مواجهة إسرائيل وجدوا في إيران عدوا بمواصفات جيدة وإيران لأسباب عقائدية تملك مواصفات العداوة». * نصر بلا حرب لكن المفكر والسياسي العراقي المعروف الدكتور غسان العطية لديه رؤية لطبيعة النفوذ أو الغزو الإيراني للعراق تجمع بين ما هو سياسي وما هو أكاديمي. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول الدكتور العطية إن «ما فشلت إيران في تحقيقه خلال 8 سنوات من الحرب مع العراق حققته بعد الاحتلال الأميركي للعراق دون إطلاق رصاصة واحدة. ومع أن الانتصار الأميركي كان سهلا لكن الولايات المتحدة الأميركية فشلت في مرحلة ما بعد سقوط النظام حيث ارتكبت الإدارة الأميركية أخطاء وخطايا كثيرة في العراق». ويضيف العطية أن «الولايات المتحدة لجأت إلى نظام المحاصصة الطائفية والإثنية وتعاملت مع منتصرين ومهزومين. فالإسلام الشيعي من موقع قوة والطرف الآخر مهزوم (في إشارة إلى العرب السنة) والطرف الكردي من موقع المنتصر بينما الطرف الآخر العربي يستجيب لتطلعاته وكل واحد يحمل أجندة مختلفة». ويضيف العطية أن «الرقم العربي العراقي تم تغييبه تماما حيث لا يوجد حل إلا من خلال الرقم الرابع حيث يوجد رقم شيعي وسني وكردي ولذلك لا بد أن يكون هناك الرقم الرابع ويعتمد على نفسه وتتم تقويته». ويرى العطية أن «هناك اليوم تحولا في الشارع العربي في العراق فمن صعد على أكتاف السنة لم يحقق ما كان قد وعد به وكذلك من صعد على أكتاف الشيعة من السياسيين وهو ما جعل كل طرف من هذه الأطراف يسعى لكسب تأييد من خارج العراق فالقيادات الإسلامية الشيعية اعتمدت على إيران ولهذا السبب ازداد النفوذ الإيراني. حتى إن هذا النفوذ امتد للأكراد بل وحتى لشخصيات وأحزاب عربية سنية». ويؤكد العطية أن «الإدارة الأميركية اعترفت أنها ارتكبت أخطاء في العراق وبالتالي لم يعد أمام عرب العراق الذين يشكلون نسبة 80% من السكان أن يستعيدوا وحدتهم لأن العراق الآن مهدد بالتقسيم ولا حل إلا بهذه الوحدة التي هي الطريق لهذا الإنقاذ ولكن مما يؤسف له أن كل دول المنطقة لا تزال تتعامل معنا إثنيا وطائفيا». * ماذا يقول الأميركيون تؤكد إيما سكاي الباحثة بمعهد جامعة بيل جاكسون للشؤون الدولية أن إيران هي الدولة الأكثر نفوذا في العراق اليوم بلا منازع. وتملك سكاي خبرة عميقة في الشأن العراقي، فقد عملت في العراق من عام 2003 إلى عام 2004 منسقا لمحافظة كركوك ومن عام 2007 إلى عام 2010 مستشارة سياسية للجنرال ريموند أوديرنو القائد العام للقوات الأميركية في العراق آنذاك. وتضيف أن العراق وإيران خاضا حربا دموية لمدة ثماني سنوات، وكانت النتيجة هي لجوء النخبة العراقية إلى القوى الخارجية للحصول على الدعم فيما يتعلق بالانقسامات الداخلية، ولم يكن ذلك في تفكير الولايات المتحدة عندما أطاحت بنظام صدام حسين المناهض لإيران في عام 2003. لكن الولايات المتحدة فشلت في الاستفادة من نجاحها في إسقاط نظام صدام حسين وبناء نظام سياسي جديد بين النخب العراقية، وأدت الحرب الأميركية على العراق إلى انهيار الدولة وخلق وضع يسمح بتمكين النخبة الشيعية المنفية من الوجود بقوة على حساب السنة وممثلي التيار الصدري الذين بقوا في العراق منذ عهد صدام. وكانت النتيجة هي التمرد والحرب الأهلية. وتقول سكاي «بدا فشل الولايات المتحدة واضحا خلال المفاوضات المطولة بعد انتخابات عام 2010 حيث لعبت إيران دورا حاسما في ضمان اختيار رئيس الوزراء نوري المالكي لرئاسة الوزراء لمرة ثانية. وفي المقابل انحصر تركيز الولايات المتحدة على انسحاب القوات الأميركية من العراق في الوقت المحدد مما طغى على التركيز في الانتقال إلى علاقة استراتيجية طويلة الأمد مع العراق. وفشلت الولايات المتحدة في إبرام اتفاقية تحدد وضع القوات الأميركية في العراق مما أعطى الانطباع أن إيران طردت الولايات المتحدة من العراق». وحول مستقبل العراق في ظل هذا النفوذ الإيراني الكبير تقول سكاي «إن مستقبل العراق سيظل يشهد حالة من عدم الاستقرار وسوف تتحدد معالم هذا المستقبل من خلال الديناميكيات الداخلية العراقية، وتأثيرات الصراع في سوريا الذي أصبح جزءا من صراع إقليمي واسع في المنطقة». وتضيف سكاي «ما زالت الولايات المتحدة تملك القدرة على التأثير، وهذا يعتمد على ما إذا كانت ستستمر في تقديم الدعم غير المشروط لرجل الشيعة القوي في العراق، أم تسعى لتحقيق التوازن بين مختلف الطوائف في العراق للمحافظة على وحدة البلاد، ومنع العودة إلى عصور الاستبداد، من خلال فرض ضغوط على كافة الأطراف». وتؤكد أن تراجع الدور الأميركي في تحقيق ذلك سيكون له آثار على الشعب العراقي الذي عانى في ظل حكم صدام حسين من القهر والحرب الأهلية ولا يزال يأمل في حياه أفضل. ويقول تيد غالن كاربنتر الباحث بمعهد كاتو ومؤلف كتاب «نحو سياسة خارجية حكيمة لأميركا» إن «أنصار الحرب الأميركية على العراق لم يتوقعوا أن تكون نهاية تلك الحرب الطويلة والمؤلمة لأميركا في العراق هي إفساح مجال أكبر للنفوذ الإيراني في العراق بحيث تصبح طهران هي المستفيد الرئيسي من تلك الحرب. ويكره قادة الولايات المتحدة ذلك لكن عليهم أن يعترفوا أن إيران هي لاعب كبير في منطقة الخليج وصاحبة النفوذ الأكثر تأثيرا في العراق». ويؤكد كاربنتر أن الولايات المتحدة قدمت لطهران خدمة كبيرة من خلال إزاحة النخبة السياسية السنية وإفساح الطريق للتحالف الشيعي الكردي الذي يسيطر الآن على الشؤون السياسية العراقية، واعتبر ذلك الخطر الأكبر الذي كان ينبغي للإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش النظر إليه بجدية قيل الإقدام على غزو العراق. ويوضح الباحث بمعهد كاتو أن الإدارة كانت تعتقد أن حليف طهران الرئيسي في العراق هو رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر، لكن من المفارقة أن القوات الموالية لحكومة المالكي المدعومة من الولايات المتحدة هي القوات التي تعد المصدر الرئيس للنفوذ الإيراني في العراق مثل حزب الدعوة، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، والميليشيات التابعة له، وعلاقة طهران مع تلك الفصائل أكثر اتساعا مما هي عليه مع ميليشيات مقتدى الصدر. ويشير مايكل إيزنشتات مدير مركز الدراسات الأمنية والعسكرية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إلى أن تقييم النفوذ الإيراني الحالي في العراق يؤكد أن طهران هي الفائز في الحرب على العراق سواء من خلال نفوذها السياسي القوي داخل الحكومة العراقية التي تضم عددا من أقرب حلفاء طهران إضافة إلى نفوذها الديني والإعلامي، واستغلالها للفوضى التي أعقبت الربيع العربي في تعزيز وجودها ونشر نفوذها في المنطقة. * مظاهر لقوة النفوذ الإيراني في العراق * على المستوى التجاري والاقتصادي.. ارتفع معدل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 11 مليار دولار سنويا. وتعد إيران في الوقت الحاضر أكبر شريك تجاري للعراق. * بلغت الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى العراق 1.8 مليار دولار في عام 2007 ووصلت إلى 2.3 مليار دولار في عام 2008 وتضاعفت في عام 2010. * المجالات الرئيسة للتجارة هي قطاعات البناء والمواد الغذائية الصناعية. وتستورد البصرة وحدها ما يصل قيمته إلى 45 مليون دولار من السلع مثل السجاد ومواد البناء وغيرها. * على المستوى السياحي هناك أكثر من 40 ألف إيراني يزورون العتبات الشيعية في العراق كل عام بما يشكل دعما للاقتصاد العراقي من خلال دخل السياحة. * على المستوى الدبلوماسي، إيران لديها سفارة في بغداد وأربع قنصليات في البصرة والسليمانية أربيل وكربلاء. العراق لديه سفارة في طهران وثلاث قنصليات في كرمنشاه والأهواز ومشهد. * على المستوى الأمني، يشار إلى وجود نفوذ كبير لفيلق القدس الإيراني، وقائده قاسم سليماني. * من بين العلامات على النفوذ الإيراني الممر الجوي بين إيران ودمشق من خلال العراق والذي تقدم طهران من خلاله المساعدة للأسد في مواجهة المعارضة السورية. ويقول باحثون أميركيون لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان أمل واشنطن أن تحقق علمانية ديمقراطية في العراق ويصبح العراق حصنا ضد كل الإرهاب الراديكالي المتمثل في تنظيم القاعدة وإيران. ويصبح العراق حليفا في الاستراتيجية الأميركية لعزل إيران، وكان هذا التوقع ساذجا لأن قادة الولايات المتحدة كانوا بطيئين في التكيف مع الواقع السياسي في المنطقة.

قالوا

$
0
0
* «التهديدات النووية ليست لعبة». * الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يحذر كوريا الشمالية، ويقول إن الأزمة «قد تجاوزت حدودها»، بعد إعلان نيتها إعادة تشغيل مفاعل نووي أوقفته في 2007 * «قد نكون بحاجة لوفد من العقلاء، لمجموعة حكماء». * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها أمام كتلته البرلمانية، وقال إنه ينوي تشكيل لجنة «حكماء» يكون دورها استشاريا للإشراف على عملية السلام الجارية مع المتمردين الأكراد في حزب العمال الكردستاني * «حتى إشعار آخر». * البابا فرنسيس يؤكد حرصه على البساطة التي تميز حبريته من خلال البقاء في دير القديسة مرتا بالفاتيكان الذي نزل فيه قبل انتخابه بابا للفاتيكان بدلا من الإقامة في الشقة الحبرية الرحبة المخصصة له في الطبقة الثالثة من القصر الرسولي * «لا أستطيع أن أكون جزءا من هذه الحكومة». * وزير خارجية إيطاليا جوليو تيرزي دي سانت أغاتا، في استقالته قائلا إنه يعارض قرار حكومته إعادة اثنين من مشاة البحرية الإيطالية المتهمين بقتل صيادين اثنين إلى الهند * «إنني لست سياسيا، سأتحدث فقط في كرة القدم». * باولو دي كانيو، بعد تعيينه في منصب المدير الفني لنادي سندرلاند الإنجليزي لكرة القدم، اضطر على الفور إلى نفيه أن يكون متبنيا لآراء سياسية فاشية بسبب الانتقادات الحادة التي صاحبت تعيينه، «لا يتوجب علي الإجابة عن أي أسئلة أخرى».

ما بعد معركة «بلاط الشهداء»

$
0
0
كثيرا ما تكون هناك معارك فاصلة في تاريخ البشرية، معركة تكون نتيجتها تغييرا كبيرا في النظام الدولي أو الإقليمي، ومثل هذه المعارك يكون لها آثار عميقة من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي التقدير أن إحدى أهم هذه المعارك كانت معركة «بلاط الشهداء»، وفي التاريخ الغربي تشتهر هذه المعركة بمعركة «تورز» (Tours)، وفي مناسبات أخرى «بواتيه» (Poitiers)، ولعل كل مسمى له سببه، فـ«بلاط الشهداء» نسبة إلى شهداء المسلمين الذين سقطوا في هذه المعركة بعد هزيمة الجيش الإسلامي، أما المسميان الآخران فهما نسبة إلى المدينتين اللتين شهدتا على مقربة منهما أحداث المعركة، فتارة تنسب لمدينة تورز وتارة أخرى لمدينة بواتيه. ولقد دارت رحى هذه المعركة في فترة مفصلية في التاريخ الإسلامي والغربي على حد سواء، فلقد كانت الدولة الأموية في أوج قوتها في عام 732 ميلادية في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، الذي شهد حكمه الذي دام عشرين عاما الاستقرار النسبي مقارنة بخلفاء بني أمية الآخرين، وقد كانت الدولة الأموية تسعى لتوسيع رقعتها السياسية والدينية على حساب الممالك الأخرى التي حولها، بينما كانت أوروبا تمر بمرحلة دقيقة للغاية، حيث كانت تستعد لملء الفراغ الناشئ عن انهيار الدولة الرومانية من خلال سعي الأسرة «الكارولنجية» لمحاولة تركيز السلطة لديها. وقبيل اندلاع معركة «بلاط الشهداء» بسنوات قليلة، كان الملك «بيبين الثاني » (Pepin) قد مات تاركا فراغا في السلطة، فدخلت البلاد في حرب أهلية قوية عام 714 ميلادية بين حفيده «إييدو» وابنه غير الشرعي «شارل»، وقد استطاع الأخير أن يهزم الأول وأن يستولي على الحكم، وبدأ يعضد من قوته من خلال التوسع شمالا في منطقة الراين الألمانية وشمال فرنسا، بينما فر الأخير إلى الجنوب. وقد استمرت حالة عدم الوفاق بين الطرفين طالما لم يظهر العدو الإسلامي أمامهم، وبمجرد أن هزم القائد الأموي عبد الرحمن الغافقي «إييدو» في معركة «بوردو» الشهيرة، فر الأخير إلى «شارل» وطلب منه التحالف ضد القوات الأموية الزاحفة على فرنسا، وقد وافق «شارل» على هذا التحالف شريطة أن يقسم «إييدو» على الولاء له وأن يضم جيشه إليه ليستعد لمحاربة المسلمين. لقد جاء عبد الرحمن الغافقي من الجنوب نحو الشمال، عابرا جبال البرانس التي تفصل الأندلس عن فرنسا، ومعه كثير من المسلمين الذين كان يأملون استيطان هذه الأرض الجديدة في جنوب فرنسا، وقد كانت قوات «الملك شارل» هي أهم عقبة أمام المسلمين للوصول لشمال القارة الأوروبية، وقد جهز المسلمون العدة لمواجهة هذا العدو الجديد من خلال تجميع الكثير من البربر والقبائل الأندلسية التي دخلت الإسلام إضافة إلى القوات العربية، وتختلف المصادر التاريخية في حصر عدد الجيش الإسلامي، فبعضهم يرى أنه وصل إلى ثمانين ألفا، بينما ترى مصادر أخرى أنه كان نحو ثلاثين أو خمسين ألفا، وذلك في الوقت الذي ترى المصادر الغربية أن جيش شارل بلغ قرابة ثلاثين ألفا، ولكن هذا الرقم غير دقيق، وفي التقدير فإن حجم قوات الجيشين كان متقاربا نوعا ما. تتفق مصادر كثيرة على أن الجيشين تواجها لمدة سبعة أيام تقريبا، واقتصرت هذه المدة على المناوشات فقط، وتشير المصادر الغربية إلى أن السبب في ذلك هو أن شارل كان يخشى بأس الجيش الإسلامي الذي كان يفوق عدد جيشه، بينما ترى المصادر الأخرى أن هذه الفترة كان سببها ترقب القائدين لإيجاد الثغرة في الجيش الآخر، ولكن المؤكد أنه بمجرد أن بدأت المعركة شد المسلمون على جيش شارل بكل قوة، ولكن سلاح الفرسان لم يستطع أن يقهر العدو، وقد استمرت المحاولات دون فائدة، ولكن قبل انتهاء اليوم استطاع شارل أن يبعث بجزء من جيشه لتهديد معسكر المسلمين في الجنوب، وهو ما أدى لانكسار الجيش الإسلامي ومقتل الغافقي في المعركة. ترجع الكثير من المصادر الغربية هزيمة الجيش الأموي إلى أن المسلمين كانوا مكبلين بالغنائم إثر هجماتهم على المدن الفرنسية قبيل الدخول في معركة «بلاط الشهداء»، وبالتالي سعى المسلمون لمحاولة حماية الغنائم من الوقوع في أيدي فرسان العدو وهو ما سبب انسحابهم من أرض المعركة، بينما ترى بعض المصادر الإسلامية أن ما حدث كان سعي الكثير من المسلمين لمحاولة حماية أسرهم وذويهم من الوقوع في الأسر وهو ما كسر صفوفهم، ولكن أيا كانت الأسباب فالنتيجة واحدة وهي هزيمة الجيش الأموي وتوقف الزحف الإسلامي حتى سبعين كيلومترا من مدينة باريس، ولكن هذه المعركة كانت لها نتائج فاصلة في التاريخ الأوروبي والإسلامي على حد سواء، ومن أهم هذه النتائج ما يلي: أولا: توقف الزحف الإسلامي الأساسي على غرب وشمال أوروبا، فلقد أدت هذه المعركة إلى كسر فرص المسلمين في تدشين دولة قوية لهم بعد سلسلة جبال البرانس، فلقد فشل المسلمون في إيجاد موطئ قدم لهم في هذه المنطقة تكون انطلاقة مستقبلية لغزو الشمال والغرب الأوروبي، وبذلك اقتصر الوجود الإسلامي على الأندلس، بينما وقفت آخر محاولات الدولة الأموية لفتح القسطنطينية في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، وهو ما وضع الهيكل العام لتماس للدولة الإسلامية في القارة الأوروبية. ثانيا: أدت هذه المعركة إلى تقوية الدور الهام لإمبراطورية الفرانكس Franks في القارة الأوروبية وملء الفراغ السياسي الناتج عن سقوط دولة روما، فلقد أدت هذه المعركة إلى بداية دولة قوية للغاية أسسها «شارل مارتل» (الذي لقب في ما بعد بـ«المطرقة»، لأنه كان يحمل الحديد في يديه أثناء هذه المعركة)، ولم يكن حفيده إلا الملك شارلمان العظيم الذي نصبه البابا إمبراطورا على الممالك الغربية في عام 800. ثالثا: يقال إن هذه المعركة أدت إلى نشأة النظام الإقطاعي في أوروبا، حيث إن «شارل مارتل» وزع الكثير من الأراضي على قواده خلال هذه المعركة ثمنا لوقوفهم معه، ومن هنا بدأت فكرة ربط الإقطاع بالملك والنظام الحاكم في أوروبا. والسؤال الذي حير الكثير من المؤرخين هو: ماذا كان سيحدث لو أن الغافقي استطاع أن يهزم شارل مارتل؟ وهنا، تثور عدة استنتاجات، أولها: أن القوات الإسلامية ما كان له أن تتقدم كثيرا، فالجو لم يكن مناسبا، كما أن القبائل الجرمانية كانت عدوا مهولا لم يكن للمسلمين طاقة بهم، خاصة أن الحرب كانت ستصبح حروب غابات وجبال، بينما يرى فريق آخر أن هذه الحرب لم تكن مستحيلة وكان يمكن للمسلمين أن يتغلبوا على هذه القبائل وكان يمكن مد حدود الدولة إلى مناطق الشمال والغرب الأوروبي ومنافسة الديانة الكاثوليكية، ولكن ظروف الدولة الأموية ما كانت لتسمح لها بلعب دور في هذا الإطار، فبعد خلافة هشام بن عبد الملك بدأت الدولة الأموية تضعف تدريجيا، وسرعان ما دخلت في حرب أهلية جديدة انتهت بخلافة بني العباس، ولو أن الدولة الإسلامية ركزت جهودها على الحرب لكان التاريخ قد تغير، ولكننا نعرف أن التاريخ لا يتغير.

برويز مشرف.. العودة إلى المجهول برويز مشرف.. العودة إلى المجهول

$
0
0
عاد اسم الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف ليتصدر صدر الصحف المحلية والعالمية على حد سواء، لكنه بات غير مؤثر في المشهد السياسي الباكستاني الذي يتسم بالتعقيد. لا شيء يجسد ذلك أكثر من حقيقة أن عدد الصحافيين والإعلاميين الذين استقبلوه في مطار كراتشي عقب عودته من المنفى الاختياري الذي فرضه على نفسه لمدة أربع سنوات كان أكثر من عدد أنصاره ومؤيديه الذين جاءوا للترحيب به. وبعد سنوات طويلة من فقدان السلطة وبريقها، عاد الرئيس السابق ليسيطر على عناوين الصحف المحلية والعالمية. ومع ذلك، يجمع المحللون السياسيون على أن مشرف لم يعد له مستقبل في الحياة السياسية الباكستانية. فالرئيس السابق الذي حكم البلاد منذ انقلاب 1999 حتى استقالته في 2008، حطت طائرته في كراتشي في الرابع والعشرين من مارس (آذار) الماضي، معلنا لمستقبليه عودته. وقال مشرف (69 سنة)، الذي ارتدى قميصا تقليديا مع عشرات من أنصاره المقبلين من كندا والولايات المتحدة وبريطانيا «عدت اليوم إلى بلدي، أين هؤلاء الذين قالوا: إنني لن أرجع أبدا؟». وردد العشرات لدى مرور موكبه «ديكتاتور، اشنقوه» وقذفه أحدهم بحذاء لم يصبه. وأعلنت حركة طالبان باكستان، أنها «أعدت وحدة من الانتحاريين خصيصا لقتل مشرف». وبسبب تلك التهديدات، لم يستطع أنصاره إقامة مهرجانات استقبال كانت مقررة عند ضريح مؤسس باكستان محمد علي جناح، مما أرغم الجنرال المتقاعد على ارتجال مؤتمر صحافي، قال فيه «إن شعبي قال لي أن أعود لإنقاذ باكستان، حتى ولو على حساب حياتي.. أريد أن أقول للذين يطلقون التهديدات: إني مبارك من الله». وأضاف: «لا أخشى سوى الله، وبعودتي أعرض حياتي للخطر». وتابع قائلا في لهجة استنكارية «أين باكستان التي تركتها قبل 5 سنوات؟ إن قلبي اليوم يعتصر ألما للفقر والبطالة والتضخم»، داعيا إلى إنهاء الأعمال العدائية في كراتشي، التي تشهد حرب عصابات على خلفية تنافس سياسي وإثني واقتصادي. ومشرف متهم في 3 قضايا.. هي اغتيال قيادي انفصالي في ولاية بلوشستان (جنوب غرب) المضطربة «أكبر بوغتي» في 2006. وبي نظير بوتو في 2007. وإقالة قضاة بغير حق في العام نفسه. وجمد القضاء الباكستاني مذكرات توقيف بحق الجنرال مقابل كفالة قيمتها 300 ألف روبية نحو (230 يورو). وسيترشح مشرف إلى الانتخابات التشريعية الوطنية التي ستنطلق في 11 مايو (أيار) تحت لواء حزب «رابطة كل باكستان المسلم» الذي أسسه في المنفى. وفي تعليقه على مستقبل مشرف السياسي، يقول رئيس تحرير صحيفة «الأمة» الباكستانية فصيح الرحمن «الجنرال مشرف سياسي سيئ، لكنه قادر على اجتذاب وسائل الإعلام بصورة غريبة». ويرى الكثير من خبراء الإعلام أن بعض السمات الشخصية لمشرف تجعله قادرا على جذب وسائل الإعلام الباكستانية بشكل استثنائي، ففي أعقاب تنحيه عن السلطة، على سبيل المثال، كان الشعب الباكستاني والقوى السياسية يصبون اللعنات عليه بسبب الإجراءات المستبدة التي فرضها على المجتمع الباكستاني للحد من المعارضة السياسية، ولكنه أظهر شجاعة كبيرة واعتذر للشعب الباكستاني عن القرارات الخاطئة التي اتخذها خلال السنوات الأخيرة. وقال خبير إعلامي رفض الكشف عن هويته: «لا أعتقد أن دوافع الإيثار وحب الآخرين هي التي دفعت مشرف للاعتراف بأخطائه على الملأ. في الحقيقة، ربما يكون مشرف أكثر الحكام دهاء ومكرا في تاريخ باكستان من حيث التعامل مع وسائل الإعلام». وبدأ مشرف مسيرته السياسية بانقلاب عسكري، وعقد مؤتمرا صحافيا وقتها، قوبل باستنكار شديد من جانب الإسلاميين الباكستانيين وترحاب كبير من جانب وسائل الإعلام الغربية. وفي صباح الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999 (أي بعد يوم واحد من الانقلاب وإقالة الحكومة)، ظهر مشرف أمام مجموعة من الصحافيين الغربيين في مدينة روالبندي وهو يمسك بكلبين صغيرين. ويقول فصيح الرحمن «كان هذا هو اليوم الذي بدأت فيه وسائل الإعلام الغربية تدرك أن الجنرال مشرف ليبرالي التوجه». وخلال أول زيارة له للهند عام 2000 لعقد قمة مع رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي، أبهر مشرف وسائل الإعلام الهندية بشجاعته وجرأته، حين أعرب عن استعداده للدخول في مناقشات حول الأخطاء التي تنطوي عليها سياسة باكستان المتعلقة بإقليم كشمير، والتي ظلت لفترات طويلة إحدى النقاط التي يتجنب الحكام الباكستانيون الحديث عنها، ولا سيما أثناء زيارة الهند. ولم يكتف مشرف بذلك، ولكنه أعرب عن استعداده لمعالجة الأخطاء الموجودة في السياسة التي تتبعها باكستان فيما يتعلق بدعم الجماعات المتشددة. وقال صحافي باكستاني بارز: «هذا هو ما جعله يحظى بحب وسائل الإعلام الهندية. واستمرت علاقة الإعجاب المتبادل بين مشرف ووسائل الإعلام الهندية حتى رحيله عن السلطة عام 2008». وخلال فترة حكمه، أقام مشرف علاقات شخصية مع الكثير من الصحافيين الهنود البارزين الذين كانوا يؤيدونه في كتاباتهم عندما كان يواجه مشاكل مع معارضيه السياسيين في إسلام آباد. وعلى الجانب الآخر، كان الأمر يختلف تماما مع وسائل الإعلام الباكستانية، ففي بادئ الأمر نال مشرف إعجاب واحترام الصحافيين الباكستانيين ووسائل الإعلام الباكستانية بفضل شجاعته وجرأته. وعن ذلك يقول الصحافي الباكستاني البارز صهيل ناصر: «دائما ما كانت خطاباته ومؤتمراته الصحافية محط أنظار وسائل الإعلام». والآن، عاد مشرف إلى باكستان في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو مرحلة انتقالية سياسية جديدة وانتخابات ستكون هي الأقوى في تاريخ باكستان في ظل المنافسة الشرسة من الأحزاب السياسية الكبرى مثل حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) وحزب الشعب الباكستاني، وعمران خان الذي اخترق الحياة السياسية بعد سنوات طويلة من احترافه للعبة الكريكيت. وفي ظل الأجواء السياسية التي تتسم بالغدر والخداع في باكستان، فقد تخلى الحلفاء السياسيون عن مشرف، رغم أنه هو الذي كان يدعمهم بكل قوة من خلال مؤسسات الدولة القوية عندما كان في السلطة. وقالت المتحدثة باسم حزب الرابطة الإسلامية لعموم باكستان آسيا إسحاق لصحيفة «الشرق الأوسط» إن الحزب، الذي تأسس قبل عامين عندما كان مشرف في منفاه الاختياري، كان بحاجة شديدة لوجود مشرف، مضيفة: «كان من المستحيل أن ينبض الحزب بالحياة في غياب مشرف، أما الآن فقد بعث الحزب من جديد بعد مجيئه». وقالت إسحاق إن الرئيس السابق يعتزم خوض الانتخابات من دائرتين انتخابيتين في البلاد، مشيرة إلى أنه «سيخوض الانتخابات أولا من كراتشي ثم من مدينة شيترال في أقصى شمال البلاد». ويرى محللون سياسيون أن كبرى الأحزاب السياسية ستدخل في منافسة شرسة في الانتخابات القادمة، وأن حزب الحركة القومية المتحدة، الذي كان في تحالف مع مشرف أثناء فترة حكمه الممتدة لمدة تسع سنوات، يهيمن على مدينة كراتشي، التي يعتزم مشرف الدخول في الانتخابات من خلالها. وعندما سألت «الشرق الأوسط» المتحدثة الرسمية باسم مشرف، آسيا إسحاق، عما إذا كان مشرف سوف يخوض الانتخابات ضد حلفائه السابقين أو ما إذا كان التحالف السابق سينسحب من الانتخابات لحساب مشرف، قالت إسحاق: «أنا لا أعرف، دعونا نرى ما سيحدث». أما المدينة الثانية التي يعتزم مشرف المنافسة من خلالها فهي مدينة شيترال الواقعة في أقصى شمال البلاد والتي يهيمن عليها أحزاب دينية ليس لديها أي نية للانسحاب لصالح مشرف. لكن مشرف لا يبدو مستعدا لرفع الراية البيضاء بعد، فقالت المتحدثة باسمه آسيا إسحاق إن الجنرال مشرف سيدشن قريبا حملة انتخابية في جميع ربوع باكستان، وإنه سيتوجه إلى المناطق المختلفة من البلاد للاجتماع بالأفراد ومخاطبة الحشود والترشح للانتخابات. ومن المثير للاهتمام، أن الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد، مثل حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) وحزب الشعب الباكستاني خططت لشن حملة انتخابية شرسة بدأت معالمها بالفعل في الظهور. فعلى سبيل المثال، انتقد رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف بشدة في مؤتمراته الانتخابية الدور الذي لعبه الجيش في السياسة. وبالمثل تباهى قادة حزب الشعب الباكستاني بهزيمة القوى المعادية للديمقراطية في البلاد. وقد تحاشى الحزبان ذكر اسم الجنرال مشرف صراحة في حملاتهم الانتخابية لكن كليهما كان يستهدف دون شك التاريخ الديكتاتوري للجنرال مشرف. على الجانب الآخر، يمكن وصف أولى كلمات الجنرال مشرف في مطار كراتشي بغير المترابطة على الأفضل، والتي انتقد فيها مشرف الحالة السيئة التي صارت عليها باكستان في غيابه، بيد أنه كان مترددا في تحميل أي من الأحزاب المسؤولية على هذه الحالة. هذا التردد كان أكثر وضوحا في سياسة حزبه، فتقول آسيا إسحاق لمراسل «الشرق الأوسط»: «نحن ندخل السياسة بنبرة تصالحية». لكن الخصوم السياسيين يرون في هذه النبرة التصالحية علامة على الضعف. برغم ذلك لم يظهر مشرف أي إشارة على التصالح مع الخصوم السياسيين خلال حكمه الذي امتد على مدى تسع سنوات، والتي حكم فيها مشرف باكستان دون تقاسم للسلطة مع أي مؤسسة أو شخصية عامة. وقد ساعدت الصداقة الشخصية بين مشرف بالرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في تعزيز قبضته على السلطة في باكستان، بعد نجاحه في بعث الحياة في الاقتصاد الباكستاني الميت خلال بضع سنوات قليلة لحكومته. وقال تنوير أحمد خان، وزير الخارجية الباكستاني الأسبق: «غيرت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة، الموقف وأسهمت بشكل كبير في تعزيز موقف الجنرال مشرف في هيكل السلطة وأخذ بيد باكستان للخروج من العزلة الدولية». وعندما وقعت أحداث الإرهاب، كانت باكستان تواجه عامها الرابع من كساد شديد الوطأة. فشهد عام 2000 نسبة نمو بلغت 2.6% فقط، في انخفاض كبير عن متوسط معدل النمو 6.0% الذي شهدته البلاد في الثمانينات والتسعينات، وأدت أحداث 11-9 إلى تراجع حاد في الثقة في الأعمال التجارية في باكستان. والجدير بالذكر أن باكستان واجهت ثلاث جولات من العقوبات في التسعينات 1990 بسبب برنامجها النووي والانقلاب، بيد أن انضمام باكستان في ظل قيادة مشرف إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، شجعه ذلك على طلب دعم اقتصادي طارئ من الولايات المتحدة. فأسقط الكونغرس الأميركي كل العقوبات السابقة قبل أن تنهال المساعدات الأميركية على باكستان، إضافة إلى ذلك قدمت الحكومة الباكستانية طلبا إلى واشنطن لإلغاء كل العقوبات الأميركية، وإسقاط الدين الباكستاني البالغ ثلاثة مليارات دولار، واستئناف المساعدات العسكرية والإسراع في صرف القروض من الولايات المتحدة والبنك الدولي. كانت استجابة الرئيس الأميركي جورج بوش سريعة، فتم رفع كل العقوبات الأميركية والسماح بتدفق المعونات. وككل القادة العسكريين السابقين استغل مشرف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدعم موقفه في بنية السلطة الباكستانية. في الوقت ذاته شرع الرئيس مشرف في إنشاء بنية سياسية طيعة تدين بولائها الأول له. فأنشأت وكالات الاستخبارات الباكستانية بناء على أوامر منه حزب الرابطة الإسلامية الموالي له بعد إجبار سياسيين بارزين على تبديل ولاءاتهم والانضمام إلى حزب الرابطة الإسلامية الموالي للجنرال مشرف. تلا ذلك انتخابات 2002 التي شهدت، بحسب زعم أحزاب المعارضة، تزويرا فاضحا. ويقول سهيل ناصر، الصحافي البارز في صحيفة بارزة تصدر باللغة الأردية: «سارت كل الأنظمة العسكرية السابقة على نفس الطريق، بتجديد حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية وعقد صفقات مع سياسيين بارزين لإكراههم على الحفاظ على ولائهم لحكم الجيش». استغل الرئيس مشرف وكالة الاستخبارات الباكستانية الرئيسية (آي إس آي) لإجبار السياسيين والإقطاعيين السياسيين على نطاق واسع للانضمام إلى حزب الرابطة الإسلامية الموالي لمشرف. ويقول جواد هاشمي، المسؤول البارز في حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) في لقائه مع «الشرق الأوسط»: «تم تجاهل الشعب الباكستاني بشكل كامل خلال سنوات حكم مشرف الذي امتد على تسع سنوات، حيث استغلت آلية الدولة لإنشاء حزب موال لمشرف». امتزجت جهود مشرف بإنشاء كيان سياسي موال له بهجومه على الرموز المعروفة ورئيسي الوزراء السابقين بي نظير بوتو ونواز شريف، حيث ظل كلاهما في المنفى الاختياري طوال السنوات التسع لحكم الرئيس مشرف. عندما صعد حزب الشعب الباكستاني إلى السلطة عام 2008. جاء دور مشرف في الخروج إلى المنفى، إذ لم يكن لديه خيار آخر فقد كان يواجه تهديدات أمنية على حياته من خصومه السياسيين والجماعات الجهادية مثل حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) الذي طالب الحكومة برفع دعوى الخيانة العظمى ضد مشرف. وبعد رحيله عن باكستان واجه الكثير من الاتهامات الجنائية بالقتل، حيث اتهم بمساعدة الجماعات المتشددة في قتل رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، كما اتهم بقتل الزعيم القبلي، أكبر بوغتي في بلوشستان. في الوقت الراهن، ونتيجة لعدم توافر آلية الدولة القوية لمساندته وحزبه السياسي في الانتخابات القادمة، لا يسع مشرف سوى الأمل في أن يتمكن من مواجهة التحديات القانونية التي تنتظره في صورة الاتهام بالقتل. وقالت المتحدثة باسمه، آسيا إسحاق لـ«الشرق الأوسط»: «أول ما يود مشرف القيام به هو المثول أمام المحكمة ومواجهة القضايا التي حيكت ضده. لكن برغم هذه الحالة من العجز، سيظل الرئيس السابق مصدرا جيدا للأخبار بالنسبة لوسائل الإعلام المحلية والعالمية».

«جبهة الإنقاذ» المصرية.. سباق الشارع «جبهة الإنقاذ» المصرية.. سباق الشارع

$
0
0
أين تقف «جبهة الإنقاذ» المعارضة لحكم الإسلاميين في مصر. خلف الشارع أم أمامه؟ الجبهة تقول إنها تسير وراء الشارع، محاولة تحقيق المطالب التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير 2011. لكن التيار الإسلامي له رأي مختلف ويصف الجبهة بـ«جبهة الخراب»، محملا إياها مسؤولية العنف والفوضى. وقبل معرفة الطريقة التي يفكر بها كل طرف من الطرفين حول المسؤولية عن القلاقل التي تضرب البلاد، يتحدث اثنان من الشبان ممن شاركوا في أحداث يناير بقوة عن الطريقة التي ينظر بها كل منهما لـ«جبهة الإنقاذ» التي تم تدشينها أواخر العام الماضي، ويقودها في الوقت الحالي الدكتور محمد البرادعي، وشخصيات سياسية أخرى، من بينها الدكتور عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، وحمدين صباحي رئيس «التيار الشعبي»، وسيد عبد العال رئيس حزب التجمع، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد وغيرهم. يقول أحمد عبد اللطيف، الشهير بـ«أحمد رومي»، وهو من شباب ثورة يناير، ويعمل في الوقت الحالي في المحاماة: «دائما ما يتحدث البعض عن (جبهة الإنقاذ) باعتبار أنها المحرك للجماهير الغاضبة، الموجودة في الميادين والشوارع المصرية احتجاجا على سياسات حكم (الإخوان)، لكن هذا يخالف الحقيقة تماما، وذلك لأن قيادات (جبهة الإنقاذ) من النخب السياسية التي عادة ما تكون علاقتها بالجماهير علاقة معقدة، حيث إن الشارع في أغلب الأوقات يشكك في النخبة، وقليلا ما يثق بقيادة محددة تقوده». ويضيف أن مسألة القيادة الموحدة متوافرة في التنظيمات الدينية من باب السمع والطاعة. ويضيف أحمد عبد اللطيف أن «الوقت الذي تم فيه تدشين (جبهة الإنقاذ) جاء متأخرا، فلو كانت تلك الجبهة قد دشنت في بداية أيام الثورة لكان الوضع اختلف تماما عما نحن فيه الآن، ولكانت هي من يقود الشارع الآن وليس العكس»، مشيرا إلى أن «العلاقة بين (جبهة الإنقاذ) والشارع ليست في اتجاه واحد، بل إن كلا منهما في اتجاه، حيث هناك الكثير من الأطروحات التي تقدمها (جبهة الإنقاذ) تؤكد أن هناك انفصاما تاما بين الجبهة والشارع، فالجماهير التي تتحرك من نفسها والتي تقود نفسها دون قائد والتي تعبر عن غضبها في عدم تحقيق أهداف الثورة التي قاموا بها من جانب السلطة الحاكمة - هي التي تدفع قيادات (جبهة الإنقاذ) للحديث أو المشاركة في أي فعالية ينادي بها الشارع». ويضيف عبد اللطيف: «دائما ما نرى قيادات (جبهة الإنقاذ)، يقولون إنهم يسعون إلى إصلاحات سياسية لخلق توازن سياسي، في الوقت الذي ينادي فيه الشارع بإسقاط النظام». وقد ساعد أيضا في انفصال «جبهة الإنقاذ» عن الشارع، «التشويه المتعمد والمتكرر من التيار الإسلامي للجبهة ولقيادتها، خاصة في المساجد والأماكن الدينية التي تؤثر بشكل كبير في حياة المصريين»، وكذلك لعدم قدرة الجبهة أو أي من قيادتها على مواجهة تلك التيارات نظرا لقلة إمكاناتها. وكل هذه الأمور هي التي أدت إلى أن يكون الشعب سابقا، بل هو المحرك لقيادات «جبهة الإنقاذ» في الأحداث السياسية المطروحة على الساحة، بل هو الدافع المباشر لها وليس العكس. وفي المقابل، يقول أحمد مجدي، وهو من ائتلاف ثوار 25 يناير ويعمل في مجال الإعلام، إن «جبهة الإنقاذ» أنشئت في الأساس لتجميع قوى المعارضة بهدف اللحاق بالتحركات الشعبية غير المنظمة في كل مكان، التي لم تكن لتعرف تحديد مطالب مصوغة بشكل سياسي. فالشارع المصري في حالة غليان بسبب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، والدستور الذي فرض عليهم فرضا بمواده المعيبة التي قسمت الشارع وجعلت حالة الاستقطاب على أشدها.. فكان لا بد من موقف تاريخي تتخذه قوى المعارضة للتجمع في جبهة واحدة ومحاولة ترجمة الغضب الشعبي إلى مطالب واضحة أمام الرئاسة التي تتجاهل مطالب الشعب. ويضيف أحمد مجدي أن «ما يميز (جبهة الإنقاذ) أنها اعترفت في الكثير من المناسبات بأن التحركات الشعبية هي التي تقود الجبهة وليس العكس، وهو ما جعل الكثيرين يثقون بأن أعضاء (جبهة الإنقاذ) ليس هدفهم الركوب على ما يحدث، بل توجيه الغضب في المكان الصحيح.. أيضا ثبات الجبهة وعدم تفككها حتى الآن وسط الهجمات الإعلامية الإخوانية وتشويه المعارضين بشكل مستمر هو إنجاز في حد ذاته، لأنه في الفترة الماضية شكلت الكثير من الجبهات والتكتلات ولاقت الفشل في توحيد الجهود مرات كثيرة وتفككت كلها، ما عدا (جبهة الإنقاذ)». ويعرب مجدي عن مخاوفه من أن تدب الخلافات داخل «جبهة الإنقاذ» في حال ظهور استقطابات سياسية كبيرة مثل الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. ويقول: أتوقع في المستقبل أن تدب الخلافات داخل الجبهة إذا تم تحديد موعد مبكر لانتخابات رئاسية، وهو ما سيفقدها كل تعاطف الجماهير الذين ملوا من المعارضة المنقسمة.. والفرصة الوحيدة السانحة لإسقاط حكم (الإخوان) هو التفاف باقي القوى الوطنية والشعب المصري حول الجبهة وترشيح بديل لمرسي بالاسم، وأن تسبق الجبهة هذه المرة الشارع وتدعو صراحة لإسقاط النظام». المتحدث باسم «جبهة الإنقاذ» خالد داود، وهو قيادي أيضا في حزب الدستور الذي يتزعمه البرادعي، يقول: «نحن نحاول أن نلبي طلبات الشارع ونعبر عن حجم الغضب الذي نراه. وأعتقد أن الشارع دائما متقدم علينا خطوة، ونحاول أن نضع في اعتبارنا المطالب التي نسمعها، ونحن 12 حزبا من توجهات فكرية مختلفة. الهدف الأساسي الدفاع عن مدنية الدولة. وهذا هو الشيء الأساسي الذي يجمع بيننا. أعتقد أن أي أحد لديه دلائل قاطعة على أن الجبهة مسؤولة عن العنف فليتقدم للجهات المختصة، ومن يرى أن الجبهة متورطة في العنف فليتقدم بالدليل». قائلا إن «استخدام هذه اللغة دليل على جو التخويف، وهذه الممارسات لا تختلف عن النظام السابق». ويضيف داود: «تشكيلة الشارع المصري بعد الثورة أصبحت متنوعة.. توجد مجموعات راديكالية شبابية ترى أن هناك شبابا يلقون مصرعهم في الشارع. ولم يأت أحد بحقوق والقصاص لأكثر من 800 مصري قتلوا في أحداث ثورة 25 يناير، بل منذ تولي مرسي الرئاسة لدينا أكثر من 100 شاب قتلوا في الشارع مثل جيكا ومحمد الجندي ومحمد كريستي وعمرو سعد وغيرهم.. هناك شباب نقي، لكن في النهاية يموت وهو يدافع عن قضية.. هؤلاء الشباب يتصرفون بواقع الغضب الذي يشعرون به». ويتابع قائلا عن الحالات التي أصابت المصريين بالإحباط: «عندك أحداث بورسيعد، حيث شعر الناس بغبن ما وبتجاهل من السلطات حين أصدرت أحكاما (واحتجوا عليها) قامت قوات الأمن بفتح النار عليهم وقتلت 43 مواطنا في يوم واحد. وبالتالي، أعتقد أن تحميل الجبهة المسؤولية عن العنف مجاف للحقيقة تماما وغير مدعوم بأدلة، بل على العكس بعض العناصر المتورطة في المواجهات تطلق علينا اسم (جبهة إنقاذ الإخوان)، هذا الشباب الصغير حين نتحدث معهم يقولون علينا أنتم (جبهة إنقاذ الإخوان، ولا تطالبون بإسقاط النظام)، وهم يرون في النهاية أن توجهنا إصلاحي وليس توجها راديكاليا أو ثوريا». ويستكمل داود قائلا: «أعتقد أن هذا حقيقي.. لأننا نحن كـجبهة إنقاذ، الذي يجمعنا كأحزاب مدنية هو ترسيخ تجربة تداول السلطة سليما في مصر مرة كل أربع سنين أو كل 8 سنين، وليس من مصلحتنا انهيار هذه التجربة، ونحن ندرك مخاطر انهيار هذه التجربة، لكننا في نفس الوقت نواجه بعناد من الطرف الآخر.. الدكتور البرادعي دائما يقول في الاجتماعات عندما تطرح هذه النقطة، نحن لا نريد رحيل مرسي، ولكن نريد إصلاح حال البلد. وفي نفس الوقت، لا نستطيع أن نتخلى عن مبادئنا وهي أن تكون لدينا حكومة ذات مصداقية تضم كفاءات وقدرات، وليست مبنية على أساس التمكين والانتماءات الحزبية، وأن يكون لدينا نائب عام مستقل نستطيع أن نثق من خلاله بعدالة القضاء، وأن يكون لدينا دستور محترم، وليس دستور تكتبه فئة واحدة فقط، وأن يكون لدينا برنامج واضح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. هذه هي همومنا كجبهة إنقاذ». ويقول خالد داود أيضا: «أما هموم (الإخوان)، فهي التمكين وإنشاء دولة خاصة بهم وفقا لرؤيتهم ومشروعهم وتجاهل أي مطالب معارضة لهم، وأن يصدروا قوانين كما يريدون حتى لو كانت هذه القوانين تجافي آليات الديمقراطية مثل الإعلان الدستوري، الذي كان السبب الحقيقي للأزمة، من وجهة نظرنا». ويرى البعض أن قيادات «جبهة الإنقاذ» لا تأخذ أمر المعارضة بجدية، خاصة أن كثيرا من المراقبين يلمحون إلى أن الدكتور البرادعي يكتفي بالتعليق على الأحداث على «تويتر» وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن خالد داود يرد قائلا إن «هذا الكلام تخطاه الزمن. وأعتقد أن الدكتور البرادعي، منذ الإعلان الدستوري في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 لم يغادر مصر سوى مرة واحدة مؤخرا، أي منذ أسبوع حين سافر لحضور مؤتمر للمفكرين (في إحدى الدول الخليجية) وعاد». ويوضح داود بقوله: «وبالتالي» الدكتور البرادعي حرص على حضور الاجتماعات الأسبوعية المنتظمة لـ(جبهة الإنقاذ الوطني)، وحريص على المشاركة في كل المناسبات الجماهيرية. وفي عز أزمة الإعلان الدستوري، نزل إلى ميدان التحرير وشارك في عدة مظاهرات ومسيرات، وبالتالي أعتقد أن الوضع اختلف، بل العكس هو مشتبك تماما مع الواقع اليومي، ومهتم بالوضع العام جدا، ويقوم بعمل مقابلات، ويشارك في فعاليات». ويقول داود: «أرجو أن يتم الوضع في الاعتبار أنه للأسف الشديد، وفي الوقت الذي تقيم فيه مؤسسة الرئاسة الدنيا ولا تقعدها بشأن بعض القنوات التلفزيونية التي تتبنى خطا لا ترضى عنه الرئاسة، لدينا قنوات أخرى تملكها تيارات دينية تصدر دعوات بفتاوى بالقتل ضد الدكتور البرادعي وضد صباحي، وتتساهل مؤسسة الرئاسة في هذا الأمر، ولم نر النائب العام يحرك دعاوى ضد هذه القنوات بنفس السرعة التي يتم بها تحريك دعوى ضد النشطاء وضد الإعلامي الساخر باسم يوسف وغيره». ويضيف داود: «وبالتالي أيضا ومن المؤكد أن المخاطر والتهديدات المتواصلة على الدكتور البرادعي تجعل قدرته على المشاركة في بعض الأحيان صعبة، لكن الأصل في المسألة، وهو ما أحب أن ألفت النظر إليه، أن الدكتور البرادعي موجود بشكل متصل على مدى أربعة أو خمسة أشهر، مع الوضع في الاعتبار أن الدكتور البرادعي شخصية دولية وعضو في الكثير من الهيئات الدولية، سواء بحكم منصبه السابق كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو بحكم أنه حائز جائزة نوبل للسلام. ورغم كل هذا، فهو موجود ومشترك ومشتبك». ويزيد داود مشيرا إلى الضغوط التي تتعرض لها «جبهة الإنقاذ»، ويقول: «حين يقوم عضو في حزب الدستور غير راض عن الحزب، فيكتب على (فيس بوك) أن الدكتور البرادعي ذهب للإمارات وأتى بـ4 مليارات دولار، وأن الذي سيتولى إنفاق هذا المبلغ الدكتور البرعي نائب رئيس الحزب وخالد داود أمين الإعلام. وتقوم جريدة (الحرية والعدالة) الإخوانية بنشر الموضوع دون تدقيق ولا تساؤل، فهذا أمر يفوق الخيال ولا يصدق. هذا بالإضافة إلى كمية كبيرة من البلاغات من جانب (الإخوان) ضد الجبهة، بلغ عددها 169 بلاغا ضد قيادات (جبهة الإنقاذ)، فهل هذه طريقة معاملة المعارضة في دولة ديمقراطية». ويقول داود إنه يتم «اتهامنا بشكل دائم بأننا فلول وننتمي إلى الفلول وندافع عن الفلول، رغم أنهم يعلمون جيدا من الموجودون في (جبهة الإنقاذ)، ومن البرادعي ومن صباحي ومن عبد الغفار شكر والدكتور محمد أبو الغار والدكتور عبد الجليل مصطفى، هذه شخصيات كانت في مقدمة صفوف ثورة 25 يناير. لماذا بدلا من التعامل مع مطالب المعارضة بشكل موضوعي، نجد اتهامات بالخيانة والعمالة والتمويل والفلول. هذه أجواء غير مريحة». وحول ما يقال عن محاولات من جانب الرئاسة وجماعة الإخوان لشق صف «جبهة الإنقاذ»، يوضح داود: «ليس هذا القول فقط، بل نتعرض لحملة شائعات كبيرة ضد قيادات الجبهة.. أشاعوا أخبارا من قبل عن وفاة البرادعي وعمرو موسى، وغيرها.. حتى أصبح جزء كبير من عملي، ليس دعم ما تدعو له (جبهة الإنقاذ)، بل أن أنفي الإشاعات المتواصلة عن انسحابات متوالية.. كل فترة، انسحاب عمرو موسى وصباحي و(الوفد)، وانقسامات وخلافات داخل الجبهة. إشاعات تقترب من حد العبث». ومن جانبه، يقول سيد عبد العال، رئيس حزب التجمع، ومن قيادات «جبهة الإنقاذ»، بشأن الاتهامات الموجهة للجبهة من (الإخوان) والإسلاميين، بأنها تقود الشارع إلى الفوضى وإلى العنف: «هذا كلام لا يؤخذ به، لأن جماعة الإخوان المسلمين تعلم جيدا جدا أن الفوضى الموجودة في الشارع مسؤول عنها أجهزة الأمن التابعة لحكومتهم ورئيسهم.. ثم إن الذي أحدث الفوضى في مصر هو سلوك جماعة الإخوان بكسر هيبة القضاء حينما صمتت جماعة الإخوان حين حاصر أنصارهم ومؤيدوهم المحكمة الدستورية، ثم محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، وإصدار الرئيس مرسي لإعلان دستوري بالمخالفة لما أقسم عليه من احترام للدستور والقانون كرئيس جديد للجمهورية لتحصين نفسه وتحصين مجلس الشورى الذي تهيمن على الأغلبية فيه جماعة الإخوان، وتغيير النائب العام بالمخالفة للدستور». ويواصل عبد العال قائلا: «هذا السلوك في كسر هيبة القضاء وهز ثقة المواطن بأحكام القضاء والعدالة القضائية، رتب عند الناس أنه لا توجد دولة قانون، مما أدى إلى انتشار الفوضى في كل مكان، بما في ذلك قتل المتظاهرين دون الكشف عن القتلة، مثل ما حدث في بورسعيد. كل هذا منهج (الإخوان) في إحداث الفوضى حتى يخضعوا الشعب لإرادتهم». وعن ما يقال عن إن «جبهة الإنقاذ» تسير خلف الشارع وليس أمامه.. يوضح عبد العال: «الشارع سابق لـ(جبهة الإنقاذ).. والجبهة تكاد تقود جزءا من القوى الثورية وليس كل القوى الثورية. وتحلم (جبهة الإنقاذ) بتوحيد كل هذه القوى في مسار واحد. ونتمنى أن تقوى الجبهة إلى درجة أن تقود الشارع، ولكن ما يتعلق بالفوضى فإن (جبهة الإنقاذ) ليست مسؤولة عنه.. بل المسؤول عنه كل الإجراءات المخالفة للقانون والدستور التي قام بها المسؤولون والتي أشرت إليها سابقا». ومن التيار الإسلامي، يقول الدكتور هشام كمال، المتحدث باسم «الجبهة السلفية»، إن «الأمر يحتاج إلى تفصيل.. نحن نقول إن هناك أخطاء إدارية في الدولة، وفي نفس الوقت هناك من يريد الانقضاض على الشرعية، وهناك فئة ثالثة فيها غضب. أما بالنسبة للمعارضة، فلدينا معارضة بناءة ومعارضة هدامة. و(جبهة الإنقاذ) تقع ضمن الفصيل الذي تكون أخيرا حتى يقوم بعملية هدم كبرى ويقف ضد المشروع الإسلامي، ويحاول الانقضاض على شرعية هذه البلاد حتى ينفذ المشروع القائم على (علمنة الدولة)». ويضيف الدكتور كمال: «الأمر الآخر هو أن الجبهة بالفعل تحاول، ليس استغلال الغاضبين في الشارع فقط، بل تحاول استغلال الحدث من جانبين.. استغلال بعض أخطاء مؤسسة الرئاسة من جهة، واستغلال بعض الإشكاليات الموجودة في الشارع من جهة أخرى، وذلك لتنفيذ أجندة خاصة بمسألة علمنة الدولة، وليست أجندة خاصة بمصلحة الوطن على حد ما أراه منهم على أرض الواقع». ويقول هشام كمال إن «(جبهة الإنقاذ) استغلت مسألة الإعلان الدستوري الذي حدث في 22 نوفمبر 2012، فتكونت الجبهة ودعت لمظاهرات عارمة ،ووضعت يدها في يد مؤيدي مبارك، أو الفلول كما نسميهم في مصر، وبالتالي بدأت المظاهرات، ثم بدأت في اتجاه العنف، وهذا لم يكن معهودا منذ ثورة 25 يناير». ويتابع كمال بقوله إن «جبهة الإنقاذ»، «عملت غطاء سياسيا على العنف وتسمية العنف بمظاهرات أو غضب. وبالتالي، قاموا بحرق مقرات لجماعة الإخوان، أو على الأقل إذا لم يساهموا في حرق هذه المقرات، فهم الذين مارسوا غطاء كبيرا على مسألة حرق المقرات، وسموا هذا غضبا على جماعة الإخوان المسلمين، وهذه تعمية مقصودة على أفعالهم في هذا المجال، وهي أفعال مشينة جدا مثلت جزءا كبيرا من الاحتقان الموجود في الشارع». وعن نفي «جبهة الإنقاذ» للعنف عن نفسها، واتهامها للتيار الإسلامي و«الإخوان» بالتسبب في الاحتقان الذي تمر به البلاد منذ صدور الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، ومحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي، يرد الدكتور كمال قائلا: «هذا اجتزاء للصورة والمغالطات التي تمارسها (جبهة الإنقاذ) ويتحدثون عما يسمى زورا محاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي. هذه مغالطة رهيبة، لماذا؟ لأن الوقفة الاحتجاجية أمام المحكمة الدستورية لم تكن الأولى. التيارات العلمانية والليبرالية قبل أن يشكلوا (جبهة الإنقاذ) وقفوا أمام مجلس الدولة بالمئات لكي تحكم المحكمة بحل الجمعية التأسيسية الأولى لصياغة الدستور وحكمت المحكمة بحل الجمعية التأسيسية بالفعل، وهذا الأمر سبب احتقانا». ويشير الدكتور كمال إلى أن «الوقفة أمام مدينة الإنتاج الإعلامي كانت رد فعل لمحاولة اقتحام قصر الاتحادية الرئاسي من جانب المعارضين المؤيدين لـ(جبهة الإنقاذ) التي تحاول اجتزاء الصورة واختزالها بشكل يخدم مصالحها، وتغض الطرف عما يفعله من يؤيدونها أو من تستخدمهم في العنف مثل البلطجية والـ(بلاك بلوك) وغيرهم، وتحاول إلصاق التهمة دائما بجماعة الإخوان المسلمين». ويختتم الدكتور هشام كمال قائلا: «توجد ملاحظات على أداء الرئيس محمد مرسي.. نحن لا ننكر ذلك، ونعترض على بعض قراراته، ويوجد أيضا بعض الاحتقان في الشارع، لكن هل هذا يبرر العنف الشديد الذي مورس بحرق 34 مقرا من مقرات جماعة الإخوان، وحرق إطارات وقطع طرق مواصلات وقطع شريط السكك الحديدية.. حتى ميليشيات البلاك بلوك التي وصفتها النيابة العامة بأنها ميليشيات إرهابية، يدافع عنها البعض في (جبهة الإنقاذ) ويرفضون وصفها بالإرهابية، وهذا أمر غير مقبول». * «جبهة الإنقاذ» في سطور * تشكلت في أعقاب إصدار الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا من دون اللجوء للاستفتاء الشعبي عليه في 22 نوفمبر 2012. واتهمت الجبهة الرئيس بالعمل منفردا على توسيع صلاحياته رغم قسمه على احترام الدستور فور انتخابه الصيف الماضي. * تكونت «جبهة الإنقاذ» من قيادات 12 حزبا ليبراليا ويساريا والكثير من الشخصيات العامة. وتولى الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحاصل على جائزة نوبل، موقع منسقها العام. * تضم الجبهة في عضويتها مرشحين سابقين للرئاسة، وقادة أحزاب منهم عمرو موسي الأمين العام السابق للجامعة العربية، وحمدين صباحي زعيم «التيار الشعبي»، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، وعبد الغفار شكر رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، وسيد عبد العال رئيس حزب التجمع، وغيرهم. * شاركت قيادات من الجبهة في غالبية المظاهرات الكبيرة ضد الإسلاميين وضد «محاولات أخونة الدولة» التي نظمها ألوف المصريين طوال الشهور الماضية في ميدان التحرير وأمام القصر الرئاسي ومقر مكتب إرشاد جماعة الإخوان. ومن أبرز الاتهامات الموجهة إليها «انتهاج العنف» و«محاربة المشروع الإسلامي» والسعي لإقامة دولة «مدنية علمانية»، و«السعي لقلب نظام الحكم»، وهو ما تنفيه الجبهة.
Viewing all 383 articles
Browse latest View live