Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

الإبراهيمي.. «الحكيم» في المستنقع السوري الإبراهيمي.. «الحكيم» في المستنقع السوري

$
0
0
رأى بعينيه فشل كوفي أنان سلفه في إدارة ملف الأزمة السورية، لكنه قبل المنصب وهو يدرك صعوبة المهمة.. وصرح بعد اختياره مبعوثا للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا بأن مهمته شبه مستحيلة. فلماذا خاطر هذا الدبلوماسي الجزائري المخضرم، الأخضر الإبراهيمي، بتاريخه السياسي، ومستقبله وقبل بهذه المهمة العسيرة؟.. هل كان يأمل وهو العضو في لجنة «حكماء العالم» في أن يحقق اختراقا ولو بصيصا في الأزمة المستعصية، أم كما تقول روايات، إنه مجرد بحث عن مهمة أو وظيفة من الوظائف والمهام التي توزع في أروقة الأمم المتحدة. دخل الحكيم الإبراهيمي، 79 عاما، صراعا مع الخيوط المتشابكة داخل الأزمة السورية معتقدا أنه سينجح في فك التشابكات وصياغة نسيج جديد لسوريا، لكنه بعد أقل من عام وجد نفسه عاجزا عن إيجاد حل سياسي للأزمة، وأصبح الإبراهيمي بكل تاريخه السياسي مهددا بالفشل في هذا الملف، فهل يطيح هذا الفشل بتاريخه ويلصق وصمة الفشل والإخفاق باسمه، أم سيراه التاريخ مقاتلا شرسا حاول بأقصى طاقاته إيجاد حل للأزمة السورية وما على المرء إلا شرف المحاولة. عندما تم اختيار الإبراهيمي لمنصب المبعوث الأممي إلى سوريا خلفا لكوفي أنان في أغسطس (آب) 2012، رحب المجتمع الدولي به، وأبدى قادة بعض الدول بعض الإشفاق عليه لتحمله مهمة شاقة، من هنا، جاءت نقطة انطلاق الإبراهيمي أقل طموحا من انطلاقة كوفي أنان، كما عبرت عنها تصريحات الإبراهيمي غير المتفائلة في بداية عمله. وقد كانت هذه التصريحات كفيلة بأن تشي باعتماد الإبراهيمي خطوات يمكن وصفها بالحذرة والبطيئة في التعاطي مع الأزمة، رغم تصاعد التكلفة البشرية لكل يوم يمر، ونظام الأسد يعتلي سدة الحكم. وخلال مباحثاته وجولاته بين الدول العربية والغربية ولقاءاته بالرئيس الأسد وحكومته واجتماعات برموز المعارضة السورية لم يجد الرجل سوى الانتقادات اللاذعة من طرفي الأزمة السورية فلا الحكومة السورية رضيت بجهوده ولا استمعت لكلامه بل واتهمته بعدم الحيادية والتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، ولا المعارضة السورية وجدت فيه النصير والمعين، بل نظرت بريبة إلى مواقفه واعتبرت سلوكه معرقلا لتقدم الحل في مجلس الأمن وطالبت باستقالته. وفي مقابلة مع «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)» قال الإبراهيمي: «ربما أفشل ولكن أحيانا يسعفنا الحظ ونتقدم». وفي تصريح لصحيفة «النهار» اللبنانية، قال الإبراهيمي، الذي كان مبعوثا للجنة الثلاثية العربية إلى لبنان في أواخر فترة الحرب الأهلية (1975 - 1990) «عندما كنت وسيطا لإنهاء الحرب في لبنان، لم تكن إمكانات النجاح فيه آنذاك أكبر مما هي الآن في سوريا. وإذا كان مكتوبا لي الفشل فليأت غيري من بعدي وينجح إن شاء الله»، مؤكدا أنه «متسلح بالأمل» على رغم من كل شيء. وشدد فرحان الحاج المتحدث باسم الأخضر الإبراهيمي لـ « الشرق الأوسط» على أن الإبراهيمي أعلن قبل بضعة أسابيع نيته تقديم استقالته لكنه مستمر في عمله حتى يقرر خلاف ذلك. ويؤكد الحاج إحباط الإبراهيمي من فشل الحكومات في المنطقة العربية وفشل المجتمع الدولي في التوحد لإيجاد حل للازمة، وقال: «لقد اعتذر الإبراهيمي للشعب السوري للفشل الجماعي في مساعدتهم، ومع ذلك فهو حتى الآن يواصل العمل للتوصل إلى حل دبلوماسي». ونفي الحاج أن يكون للأزمة السورية تأثير على سجل وتاريخ الإبراهيمي وقال: «كما يظهر في سجل تاريخه فهو رجل لديه إيمان راسخ بالدبلوماسية والحلول التفاوضية للأزمات وأظهر قدرا كبيرا من المثابرة والصبر لتحقيق النتائج المرجوة». ويقول أحد الدبلوماسيين البارزين في البعثة البريطانية للأمم المتحدة لـ « الشرق الأوسط» (رفض نشر اسمه)، «عندما تم اختيار الإبراهيمي كنت متشككا من فرص نجاحه بشدة، وهذا ليس شيئا ضد قدرات الإبراهيمي فهو رجل له نجاحات كدبلوماسي وصانع سلام في بعض من أصعب القضايا لكني تشككت في قدراته على النجاح في الأزمة السورية لأن المشكلة هنا هيكلية فالإبراهيمي لا توجد لديه سلطة، وقدرته على إحكام الخناق على الحكومة السورية وإجبار الرئيس بشار الأسد على الجلوس على مائدة المفاوضات مرتبطة بدعم مجلس الأمن والمجلس منقسم لذا فإن مهمة الإبراهيمي كانت أمرا مستحيلا من البداية». ويضيف الدبلوماسي البريطاني، أعلن الإبراهيمي عن تفكيره في الاستقالة والسؤال ما الذي يجب أن يفعله بان كي مون والجامعة العربية، هل يعينون بديلا جديدا؟ لست متأكدا من أنها خطوة جيدة يمكن اتخاذها في الوقت الحاضر، لأن العملية السياسية ستبقى متوقفة طالما ظل مجلس الأمن منقسما، وأي مبعوث جديد لن يتمكن من تحقيق أي إنجاز». وأشار الدبلوماسي ضرورة توحد أعضاء مجلس الأمن على نفس الصفحة خاصة روسيا والصين وقال: «إذا ما قررت روسيا أن الوقت قد حان للتخلي عن الأسد فإنه قد تكون هناك مساحة للمبعوث الدولي للعمل لكن لا يبدو أن ذلك سيحدث في وقت قريب». ويحظى الإبراهيمي باحترام واسع بين الدبلوماسيين في الأمم المتحدة، وله مكانة خاصة لدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يشيد به وبتحمله للمسؤولية عند الرد على الأسئلة الخاصة بمهمة الإبراهيمي في سوريا، والشائعات بتفكيره في الاستقالة من منصبه. ويصفه مون بكلمات إطراء كثيرة ويشيد بتواضعه. وقد وصفته مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، أنه شخص مقاتل وليس انهزاميا وأن لديه إصرارا على الاستمرار في تأدية مهمته. فيما وصفته كاترين آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بأنه دبلوماسي محنك يملك فهما عميقا للمنطقة. وقلل الدكتور ناصر القدوة نائب المبعوث المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة في تصريحات صحافية من الانتقادات الموجهة للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي مشيرا إلى أن الحل السياسي يتطلب توافقا بين كل من الولايات المتحدة وروسيا. وقال القدوة، إن الانتقادات التي توجه للإبراهيمي وجهت من قبل للمبعوث المشترك الأولي كوفي أنان، وهي ليس لها أساس من الصحة وتلك الانتقادات تأتي من أشخاص ترى في التدخل العسكري حلا لوقف سفك الدماء في سوريا، لكن من يريد مصلحة السوريين وتسوية سلمية لهذا النوع عليه دعم الجهود السياسية والدبلوماسية التي يبذلها السيد الأخضر الإبراهيمي. وشدد القدوة على أن الانتقادات التي توجهها كل من الحكومة والمعارضة للإبراهيمي هي أمر غير مستغرب في حالات الصراع، والنزاعات حيث تقوم الأطراف بالهجوم على الوسيط. وحول تقييمه لنجاح أو فشل الإبراهيمي قال القدوة: «الوضع في سوريا سيئ للغاية، ونحن نحاول بكل ما لدينا من إمكانات وقدرات لكن الأمر في النهاية متروك للشعب السوري، وهو الذي سيفرض موقفه على كل الأطراف في النهاية. وقد قال الإبراهيمي، إن الحل في سوريا لن يكون إلا بتوافق أميركي روسي يليه تفاهمات بين الدول الإقليمية والأطراف السورية التي يجب أن تتفاوض وتتباحث في كل التفاصيل التي يشملها الحل السياسي. وأبدى القدوة تفاؤله بإمكانية الوصول إلى حل سياسي رغم الوضع القائم. ويشيد بيتر هورسفيل - أحد الدبلوماسيين بالأمم المتحدة الذي عمل مع الإبراهيمي لعدة سنوات لـ « الشرق الأوسط», بخبرة الإبراهيمي وتاريخه الطويل ومواقفه التي أكسبته احترام الكثير من قادة الدول، ويقول، إن «تاريخه يشهد بتوليه ملفات دولية مهمة ونجاحه في تحقيق نتائج إيجابية فقد قاد الإبراهيمي بعثة المراقبين في الأمم المتحدة خلال الانتخابات في جنوب أفريقيا عام 1994 حيث تم التصويت لصالح نيلسون مانديلا كأول رئيس لجنوب أفريقيا وشارك أيضا في المفاوضات التي ساعدت في إنهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب اليمن». ويضيف: «إذا نظرنا إلى عمله في الأمم المتحدة وتوليه وظيفتين الأولى كمبعوث خاص للأمين العام (عين من 1997 إلى 1999) والثانية الممثل الخاص للأمين العام من (2001 إلى 2004) تولى مسؤولية أنشطة الأمم المتحدة في أفغانستان وكان أمامه تحد كبير لإعادة بناء أفغانستان ورغم الصعاب نحج في تلك المهمة». وأكد هورسفيل أن قبول الإبراهيمي لمنصب المبعوث الأممي لسوريا هي شجاعة كبيرة وأن الفترة الماضية بذل الإبراهيمي جهودا مضنية للتقريب بين النظام والمعارضة وحشد التأييد الدولي لمساعدة الشعب السوري موضحا أن الإخفاق هو صفة ستلصق بالمجتمع الدولي العاجز عن التوصل لحل وليس صفة تلصق بالأخضر الإبراهيمي. وفي كتابه: «تدخلات حياة في الحرب والسلام» قال المبعوث السابق كوفي أنان، إن «الإبراهيمي لا يلقى الدعم الذي يحتاجه من المجتمع الدولي، وهناك أناس لا يؤمنون بالوساطة والعملية السياسية ويقولون، إن الوساطة مضيعة للوقت ولم يقدموا أي بديل ولم يتدخلوا لحل الأزمة السورية». وأكد أنان في كتابه أنه يشاطر الإبراهيمي رأيه بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع ويقول: «سوريا ليست الحالة التي يكون فيها جانب واحد فائز والآخر ميتا إنه صراع ينذر بحرب طائفية قادمة». ودعا عنان كل من يريد أن يرى نهاية لإراقة الدماء في سوريا لرفع صوته، مضيفا أن «هناك نقص في القيادة بخصوص المجتمع الدولي، نحن بحاجة إلى قيادة من أوباما وبوتين». وأشار إلى أن «خطة النقاط الست التي عمل عليها كانت بداية جدية للحل، لكن دولا كثيرة في المنطقة لم تكن جدية وقد خذلتنا، فكانت تعطينا الدعم الكلامي من جهة وتبيع لسوريا السلاح من جهة أخرى»، مبينا أن «هذه الدول راهنت على أن المعارضة ستحسم المعارك عسكريا على الأرض خلال سنة، لكن مضت أكثر من سنة حتى الآن ولم تحسمها، وعندما تدخلنا بشكل جدي لم تتبن هذه الدول خطة الحل بشكل صادق، فأطالت أمد المعارك والصراع وغشت الشعب السوري والقوى المتصارعة». ويصف أحد العاملين بمكتب الإبراهيمي بالقاهرة أسلوب عمله بأنه شخص هادئ يتجنب التصريحات الساخنة ويميل للدبلوماسية الهادئة والتحدث بهدوء مستخدما عبارات بلاغية عميقة وبعض الفكاهة، ويقول: «حاول الإبراهيمي البحث عن بدائل لخطة سلفه كوفي أنان ونجح جزئيا في التوصل مع الحكومة السورية على وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 بحيث تليها محادثات، لكن وقف إطلاق النار فشل». وأشار إلى أن الإبراهيمي يعمل على استخدام شبكته من الاتصالات لعمل دبلوماسية منسقة لتجنب حرب أهلية تهدد سوريا وجيرانها، رافضا وصف مهمة الإبراهيمي بالفاشلة، وقال: «إعلان فشل مهمة الإبراهيمي في سوريا سيكون إعلانا بسقوط سوريا إلى حرب أهلية لا يعلم أحد مداها» لكن مسؤول دبلوماسي عربي بالأمم المتحدة يؤكد لـ « الشرق الأوسط» أن الإبراهيمي هو «دمية» في يد الغرب لإضفاء مظهر سلمي وشرعي لمطامحهم الإمبريالية، مشيرا إلى أن الإبراهيمي طلب منه توظيف موهبته وخبراته في الدفع بسوريا نحو انتقال سياسي يلبي الطموحات المشروعة للشعب السوري ولم يسند إليه تطبيق خطة كوفي أنان ذات النقاط الست. وشكك الدبلوماسي العرب في قيام الإبراهيمي بتحقيق نجاحات في المهام التي أوكلت إليه، مؤكدا أن مشاركته في لجنة الأمم المتحدة لعلميات حفظ السلام ساعدت في فرض حلول سياسية ضد إرادة الأطراف المتحاربة بدلا من الإشراف على تنفيذ اتفاقات السلام المبرمة بصورة منصفة لهم، ولا يمكن إنكار دوره في إبطال نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر عام 1992 وإجبار الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة وتسهيل استيلاء قادة الجيش على السلطة مما أدى إلى اندلاع العنف بصورة كبيرة في الجزائر. ويبقى الآن.. السؤال القائم.. هل تطيح الأزمة السورية بتاريخ هذا الدبلوماسي المخضرم.. والإجابة لا تزال في رحم الغيب.

قالوا

$
0
0
* «رئيس أبيض يقضي على الفقر أفضل من رئيس أسود محكوم من قبل وول ستريت» * كورنيل ويست الأستاذ الجامعي الأميركي الأسود الذي دعم الرئيس باراك أوباما في حملته الانتخابية سابقا * «قررت أن أستبق الأمور.. وأن أخضع لعملية لاستئصال الثديين بشكل وقائي» * الممثلة الأميركية أنجلينا جولي تكشف عن أنها خضعت لعملية استئصال الثديين للوقاية من خطر الإصابة بالسرطان. * «صورة الإسلام والشخصية العربية تتعرضان لتشويه ممنهج» * الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في كلمته أمام منتدى الإعلام العربي في دبي وطالب «الإعلاميين العرب والمسلمين بأن يعملوا على تصحيح صورة الإسلام والمواطن العربي». * «نأمل أن تكون لدينا فرصة الجلوس إلى هذه الطاولة» * وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ستوكهولم يؤكد أن المعارضة في سوريا ستحصل على «دعم إضافي» إذا رفض بشار الأسد المشاركة في مؤتمر دولي حول سوريا ترغب واشنطن في عقده. * «إن حكومة أردوغان تستثمر تفجيرات تركيا» * وزير الإعلام السوري عمران الزعبي يعرب عن استعداد دمشق للقيام بتحقيق مشترك مع أنقرة حول تفجيري مدينة الريحانية في جنوب تركيا اللذين أسفرا عن مقتل 50 شخصا.

«العزل» السياسي.. يقسم ليبيا «العزل» السياسي.. يقسم ليبيا

$
0
0
وافق المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) في ليبيا على قانون يمنع كل من عملوا في السابق مع نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، من تقلد أي مواقع في الدولة. وارتبط صدور القانون بضغوط مارستها ميليشيات مسلحة على الحكومة والبرلمان ليخرج قانون العزل على عجل، وبطريقة أصابت كثيرا من القطاعات في البلاد بالارتباك. ويقولون «لو كان المعارض منصور الكيخيا، الذي اختطفه القذافي عام 1991 على قيد الحياة، لجرى منعه من تقلد أي مناصب في الدولة الليبية الجديدة، وفقا لقانون العزل السياسي، ولو كان أحمد حواس الذي قاد عملية باب العزيزية للتخلص من القذافي عام 1984 على قيد الحياة، لجرى منعه هو الآخر من شغل أي موقع في النظام الجديد». يقول مؤيدو صدور القانون، إنه كان أمرا لا بد منه لتخفيف حدة الاحتقان التي وصلت إلى أقصاها بين خطاب السياسة وخطاب السلاح، وأنه بغض النظر عن الطريقة التي سيجري بها تطبيق القانون، فإنه سيؤدي إلى التخلص من بعض القيادات التي يشتبه في موالاتها للنظام السابق، وقيامها بعرقلة بناء الدولة الجديدة. بينما يرى معارضو القانون أنه صدر على عجل ونتيجة لعناد بين جماعة محمود جبريل الذي يقود التحالف الوطني، وجماعات أخرى من الإسلاميين. ويرى معارضو القانون أنه غير دستوري لصدوره تحت تهديد السلاح، وأن عدة أحزاب استخدمت ميليشيات مسلحة لممارسة الضغوط من أجل إخراج القانون بالطريقة التي خرج بها. لكن يظل السؤال معلقا في الهواء حين ترغب في معرفة ما إذا كان لقانون العزل تداعيات إيجابية أم سلبية على مستقبل الدولة الليبية، خاصة أن مشروع القانون جرت صياغته منذ البداية بطريقة تصعيدية من جانب التيارات السياسية داخل البرلمان، كما يقول المرشح السابق للحكومة الليبية الدكتور محمد بالروين، لـ«الشرق الأوسط». ويضيف الدكتور بالروين موضحا: «قد يكون للقانون الجديد تداعيات سلبية إذا لم يحسن تطبيقه، لأنه صار نوعا من التجاذبات السياسية التي كان من الممكن أن لا تحدث. القانون جرى توسيعه أكثر من اللازم وشمل أناسا كان من الواجب أن لا يشملهم». ويهدف قانون العزل السياسي إلى إقصاء كل من عملوا أو تهادنوا أو تعاونوا مع نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي منذ وصوله للحكم في سبتمبر (أيلول) عام 1969 حتى انتهاء حكمه في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2011. لكن ما يثير الدهشة أن غالبية من سيقصيهم قانون العزل يشمل عددا كبيرا ممن انشقوا عن القذافي وحاولوا التخلص من حكمه منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى انتفاضة 17 فبراير 2011 المسلحة، ومعظم هؤلاء من التيارات الليبرالية والقومية والمدنية، على رأسهم محمود جبريل الذي قاد حكومة للثوار قاتلت قوات القذافي انطلاقا من الشرق الليبي في ظروف عصيبة. ولا يخفي كثير من الليبيين، بعد الانتهاء من صياغة وإقرار القانون، خوفهم من أن يتسبب في فراغ في إدارة الدولة، خاصة أن القانون يشمل شخصيات كثيرة يمكن أن تخرج بسبب قانون العزل الذي سيبدأ تطبيقه والعمل به الشهر المقبل. ويرى الدكتور بالروين أنه عند التطبيق سيظهر كثير من الأمور التي ربما تؤدي إلى إعادة النظر في بعض المسائل. ويقول إن «آفة القوانين في تطبيقها». ويدعو الدكتور بالروين، وهو أستاذ مخضرم درس في كثير من الجامعات الغربية، إلى أن يكون تطبيق القانون هرميا، وأن يبدأ من الوزارات والمناصب السياسية، على أن «نتريث في بعض المناصب التي ليس بالضرورة يتم فيها الإقصاء، لأنه، في الحقيقة، لا نريد أن نكرر تجربة العراق، ولا أن يكون القانون عقابا يحول دون إتاحة الفرصة للآخرين في بناء الدولة». ويجري الحديث في كثير من المجالس الليبية عن إمكانية التراجع عن «الإجراءات الاجتثاثية» التي سيؤدي إليها التطبيق الحرفي لمواد القانون، الذي سيطال أيضا رؤساء اتحادات طلابية وقيادات محلية بغض النظر عما إذا كانت مثل هذه القيادات الصغيرة أيدت نظام القذافي أم لا، وبغض النظر عما إذا كانت قد عارضته بعد ذلك، وتعرضت للسجن والنفي والملاحقة، أم لا. لكن الدكتور بالروين لا يتحدث هنا عن وضع استثناءات عن التطبيق، وإنما يرى أن لا يكون التطبيق حرفيا وأن يكون هناك بعض التريث في الأمر. ويقول تعليقا على حديث البعض عن أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات: «ليس هناك استثناءات، ولكن أدعو، عند عملية التطبيق، ألا يكون هناك تسرع في التطبيق الحرفي، لأن بعض المناصب، مثل اتحادات الطلبة والإدارات الصغيرة وإدارات الجامعات وغيرها، ليست بالضرورة هدفا في تحقيق مطالب الثورة.. ولن تضر إذا جرى التريث في تطبيق القانون بشأنها». في جلسة سياسية صاخبة شارك فيها عدد من القيادات الليبية الكبيرة أثناء وجودها في العاصمة المصرية القاهرة هذا الأسبوع، كان محور الحديث حول ارتباط قانون العزل السياسي بالميليشيات المسلحة. وتوجد أنواع مختلفة من هذه الميليشيات، وفقا لمسؤول في الأمن الليبي، مشيرا إلى نوع يضم عناصر شاركت بالفعل في الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بالقذافي، وترفض الانخراط في الجيش والشرطة في الدولة الجديدة، بسبب ما تقول إنه وجود قيادات في هاتين الوزارتين كانوا يعملون في نظام القذافي. وأنه من غير المنطقي أن يكون «الثوار» الذين أسقطوا النظام السابق تحت إمرة عناصر معروفة بعملها «ضد الشعب» أيام القذافي. ويقول المسؤول الأمني الليبي الذي لم يرغب في كشف هويته إن النوع الثاني من الميليشيات يضم خليطا من عناصر تمكنت من الاستيلاء على أسلحة من عتاد الجيش الليبي السابق، وتشكلت بعد الإطاحة بنظام القذافي في خضم الفوضى العارمة التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت، ولديها طموحات في الوقت الحالي في شغل مواقع في الدولة الجديدة، خاصة أنها تتعامل «من وراء ستار» مع تيارات قبلية وحزبية، دينية ومدنية، ممثلة في البرلمان. والنوع الثالث من الميليشيات عبارة عن فرق من المسلحين الذين يطمعون في إطالة أمد غياب الدولة، ويستفيدون من استخدامهم لتصفية حسابات بين قبائل وبين تيارات سياسية وتسوية خصومات ثأرية مع عناصر أمنية من النظام السابق. ويضم هذا النوع من الميليشيات عدة آلاف من المحكومين الذين أخرجهم نظام القذافي من السجون أثناء الانتفاضة المسلحة ضده. ومن المعروف أن عشرات المسلحين احتلوا وحاصروا لعدة أيام مقرات وزارات الخارجية والعدل والداخلية والبرلمان وإدارات أخرى ضمن علمية ضغط على الحكومة للمطالبة بالتصديق على قانون العزل. عدد من أعضاء البرلمان الليبي، ممن أصيبوا بالإحباط بسبب اضطرارهم للتصديق على قانون العزل تحت تهديد السلاح، أمضوا أياما في بيروت والقاهرة للاستجمام، وإعادة ترتيب الأوراق. ويقول أحد هؤلاء النواب ممن التقت بهم «الشرق الأوسط» في القاهرة، إن «مشكلة قانون العزل كان يمكن أن تصل إلى الاقتتال الداخلي.. خيار إقرار القانون كان لنزع فتيل الأزمة، وعبور هذه المشكلة.. نحن كسياسيين ننظر لأبعد مما هو موجود اليوم. يمكن في المستقبل الطعن على دستورية القانون، بعد صياغة الدستور الجديد بطبيعة الحال، لكن المشكلة الأخطر من قانون العزل هي استناد بعض السياسيين على ميليشيات مسلحة. وإذا لم تنتهِ هذه الظاهرة، فإن مستقبل ليبيا سيكون غامضا». وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» من العاصمة الليبية طرابلس، يقول عبد الرحمن جماعة المدير التنفيذي لحزب التنمية والرفاه، إن الحزب «يؤيد القانون، ولكن لا نؤيد التوقيت الذي جاء فيه؛ المظاهرات المسلحة التي جاء على أثرها القانون.. التوقيت كان خاطئا جدا، وهذه رسالة خاطئة قد يفهم منها أن القانون صدر بسبب الضغط أو لضعف الحكومة. لم نكن مرتاحين للتوقيت، لكن بالنسبة للقانون فقد كان ضروريا ولا بد من صدوره». وحزب التنمية والرفاه هو حزب الدكتور علي زيدان، رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، ومن غير المتوقع أن يشمله قانون العزل السياسي، لأن الموقع الذي شغله في بداية ثمانينات القرن الماضي كان مجرد دبلوماسي صغير في سفارة الهند، قبل أن ينشق عن نظام القذافي وينخرط في المعارضة الليبية منذ ذلك الوقت. ويوضح عبد الرحمن جماعة قائلا إن الدكتور زيدان استقال من الحزب فور انتخابه رئيسا للحكومة في خريف العام الماضي، و«ليس لدينا معه تواصل على الإطلاق في الفترة الحالية». هل يمكن اختفاء مظاهر التسليح بعد الانتهاء من إقرار قانون العزل؟ هذا أمر لا يبدو قريب التحقق، وفقا لروايات الليبيين أنفسهم. فالمسلحون ما زالوا يتمركزون في المدن الرئيسة، خاصة طرابلس وبنغازي. كما أن كثيرا من الكتائب ما زالت تتمسك بما لديها من أسلحة، بعضها متوسط، وبعضها ثقيل. ومع تصاعد التفجيرات التي تقع في البلاد، أصبح يوجد نوع من الخوف العام من أن تتحول البلاد إلى عراق آخر.. كما أن بعض الشركات والدبلوماسيين تركوا ليبيا، بما في ذلك رعايا الولايات المتحدة الأميركية. ويجيب عبد الرحمن جماعة قائلا: «تعرف أن الثورة في ليبيا كانت حربا شاملة شاركت فيها جميع الأطياف، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من قبل النظام السابق. حرب استمرت نحو 10 أشهر، ولا يمكن لتبعات هذه الحرب وآثارها أن تنتهي في فترة قصيرة. الآن لدينا إشكالية السلاح المنتشر بشكل كبير.. لدينا إشكالية ميليشيات لا تريد الانضمام لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع». ويضيف جماعة موضحا: «رغم كل هذه الإشكاليات، فإنه لم يكن من المتوقع أن يقتصر الأمر على حدوث ما تراه اليوم في ليبيا، بل كان المتوقع أسوأ من هذا بكثير. كان متوقعا وقوع حروب أهلية لا تنتهي، لكن الحمد لله الحال أفضل مما كان متوقعا بكثير. نحن نلوم الدكتور علي زيدان، وإن كان هو جزءا من حزبنا، وهو مستقيل في الوقت الحالي، لأنه رئيس حكومة توافقية وليست حكومة أحزاب، إلا أننا مع ذلك نلومه في تأخير (ضم الثوار إلى) الجيش والشرطة. كان يمكن أن يكون هناك حلول أسرع لكل هذه الإشكاليات». ويرى عبد الرحمن جماعة أن ليبيا يمكن أن يتحقق فيها الاستقرار في الفترة القريبة المقبلة «بشرط أن تبتعد الأحزاب عن السلاح، وأن تكون هناك مفارقة بين السلاح والأحزاب.. توجد ميليشيات تابعة لأحزاب، وهذه حقيقة لا ننكرها. ولا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي ويكون مسلحا في الوقت نفسه.. هذا ليس من الديمقراطية وليس عملا سياسيا، بل عمل إرهابي». ونعود لبعض التعليقات التي وردت في لقاء نواب وقيادات ليبية أثناء زيارتها للقاهرة أخيرا: «لو كان المعارض منصور الكيخيا، الذي اختطفه القذافي عام 1991 على قيد الحياة، لجرى منعه من تقلد أي مناصب في الدولة الليبية الجديدة، وفقا لقانون العزل السياسي، ولو كان أحمد حواس الذي قاد عملية باب العزيزية للتخلص من القذافي عام 1984 على قيد الحياة، لجرى منعه هو الآخر من شغل أي موقع في النظام الجديد». وسيطال قانون العزل السياسي قيادات انشقت عن القذافي، وعملت ضده بطرق سياسية وغير سياسية، منذ سبعينات القرن الماضي، حتى انتهاء نظامه قبل سنتين. ومن بين هؤلاء أعضاء فيما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة الذي جاء بالقذافي ليحكم ليبيا طيلة 42 عاما، ومن بينهم أيضا سياسيون ونشطاء أمضوا جل سنوات عمرهم في العمل ضد القذافي، مثل الدكتور محمد المقريف رئيس البرلمان الليبي الحالي، الذي انشق عن القذافي وعارضه منذ عام 1980، لكن قانون العزل السياسي سيتسبب في إقالته من منصبه، لأنه شغل عام 1978 موقع سفير ليبيا لدى الهند. وقس على هذا الكثير. ويقول الناشط الحقوقي الليبي حسن اجليل: «لم يكن هذا ما يريده الليبيون. غالبية الليبيين يعتبرون قانون العزل مثل مرض السرطان الذي أصاب الحياة السياسية هنا. فجأة اتجهت الأمور إلى العناد، ليخسر الشعب ألوفا من القيادات العليا والوسيطة والقاعدية إلى أجل قد يقصر وقد يطول، انتظارا لوضع الدستور الجديد»، مشيرا إلى أن قانون العزل وتشابكه مع الاستخدام السياسي للميليشيات «معضلة سيكون لها تداعيات خطيرة، إذا لم يتم تدارك الأمر». ويضيف اجليل أن «الغريب أن الذين لن ينطبق عليهم قانون العزل السياسي، هم أعداد غفيرة من المنتمين للجماعة الإسلامية المقاتلة ذات التوجه الديني المتشدد، وكثير من قيادات وأعضاء وكوادر جماعة الإخوان المسلمين.. الجماعة المقاتلة تعاملت مع النظام السابق.. هادنته، وأجرت مراجعات وتصالحت معه منذ عام 2004. وهناك قيادات كثيرة في (الإخوان) عملت مع نظام القذافي في قطاعات تجارية طوال نحو 30 عاما، وشارك بعضها أيضا في الترويج لخلافة سيف الإسلام، نجل القذافي، لوالده، من خلال مشروعه الإصلاحي، ليبيا الغد». والحرب حول قانون العزل السياسي تفجرت أساسا بين التيارات المدنية، وعلى رأسها التحالف الوطني، الذي يقوده جبريل، من جانب، وتيارات الإسلام السياسي التي تقودها جماعة الإخوان من الجانب الآخر. ويرى أحد قيادات الإخوان الليبيين، وهو يفسر ارتياحه لقانون العزل، أن جماعته تستطيع أن تعوض كل الشخصيات التي ستخرج من مواقعها في الدولة، وفقا للقانون الجديد، بشخصيات إخوانية أخرى، بينما التيار المدني لن يمكنه تعويض جبريل الذي تزداد شعبيته ويمثل في حد ذاته «شخصية كارزمية» يمكن أن يؤدي إقصاؤه إلى ضرب التيار المدني والليبرالي في الصميم. ويعلق رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» الليبي إبراهيم عميش، على الملابسات التي جاء بها قانون العزل، قائلا إنه جاء «نتيجة عراك، ونتيجة صدام، ونتيجة تناقضات موجودة بين أطراف داخل المؤتمر الوطني.. كل طرف يريد أن يقصي الآخر». ويضيف عميش قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «في البداية جرى طرح هذا المشروع على أساس أن يُفصل تفصيلا على بعض الأسماء التي تتحرك في الساحة، على رأسها محمود جبريل (المحسوب على النظام السابق وفقا لمعايير القانون الجديد)، بحيث يشمل الشخصيات التي عملت مع النظام السابق خلال السنوات الـ10 الأخيرة من حكم القذافي. وهنا تدخلت جماعة محمود جبريل وقالت إنه إذا كان القانون بهذا الشكل فلا بد أن يكون وفقا لمعايير أخرى وبشكل صحيح، وهو أن يبدأ (بعزل كل من عملوا مع القذافي) من عام 1969، وأن يطبق على كل من عمل وزيرا أو سفيرا». وتأسس «التحالف الوطني الديمقراطي» في المنفى على يد الكيخيا في ثمانينات القرن الماضي، وانخرط فيه كثير من الشخصيات التي عارضت القذافي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعانت الأمرين من الملاحقة والقتل والاختطاف، وأصبح كثير ممن نجا من بطش القذافي في مواقع قيادية في الدولة اليوم، لكن قانون العزل سيطيح بكثير منهم. ويشير عميش إلى أن موضوع العزل يتضمن «عيوبا كارثية»، حيث يشمل أناسا «قاموا بانقلابات ضد القذافي، من بينهم أعضاء كانوا في تنظيم الضباط الأحرار وسجنوا.. مثل عبد المنعم الهوني وعمر المحيشي والضابط محمد كريم. الآن ليبيا في مأزق، وهو أن هناك أناسا يقومون، تحت شعار الثوار، باعتصامات أدت لإقرار القانون.. هذا القانون أصبح يشكل حالة ليبية جديدة، وهي استمرار حالة الثورة التي لا يتحقق من ورائها الاستقرار المطلوب لبناء الدولة، بينما توجد أطراف دولية وأطراف محلية تريد تحقيق الاستقرار بحيث لا تكون هناك جماعات (مسلحة) قادرة على إسقاط الحكومة في أي وقت». ويضيف عميش: «حالة احتلال مقار الوزارات من جانب الكتائب والثوار.. هذه الحالة لا بد أن تصفى وتنتهي. ونحن لا نريد أن يدخل ليبيا قوات أجنبية لحفظ الأمن أو شيء من هذا القبيل، لكننا نسعى (إن شاء الله) للإسراع في قضية الحكم المحلي وفي قضية الدستور. حزبنا سيكون شريكا أساسيا في رسم المستقبل، لأنه طرف في الحوارات الدائرة حاليا في البلاد». لكن هل يوجد بالفعل عدد كبير من الموظفين والقيادات يعرقلون مسار «ثورة 17 فبراير»؟ يجيب رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» قائلا: «هم موجودون الآن، ويشكلون قوة في نظر الآخرين.. يشكلون قوة متهمة بأنها كانت لصيقة بالنظام السابق، ومن الممكن أن توظف جهودها الآن (ضد الثورة)، خاصة أنه يوجد تحت أيديها سلطات إصدار القرار وسلطات مالية. ولو ربطت الأحداث من بداية الثورة، فقد تم القبض على كثيرين من الموالين للنظام السابق كانوا يأتون عبر حدود ليبيا البرية لإثارة القلاقل في الداخل، بمساعدة أطراف ما زالت موجودة في مواقعها في الدولة». ويرى عميش، مثل كثير من المراقبين في ليبيا، أن المشكلة الكبيرة تكمن في العلاقة بين بعض الأحزاب والميليشيات المسلحة، ويقول: «توجد بعض الأحزاب التي لها ميليشيات مسلحة، وعلى رأسها التيار الإسلامي المتطرف. كما أن لدينا في ليبيا كارثة أخرى، وهي وجود أكثر من 18 ألف مجرم محكومين بالإعدام والمؤبد وبسنوات طويلة في السجون، قام النظام السابق بإخراجهم، وهم الآن موجودون في البلاد ويريدون عدم الاستقرار، لأنهم مطلوبون للعدالة. والآن يشكلون كارثة، ويمكن أن يستغلهم أي طرف، وسبق أن استغلتهم بعض الأطراف وهم وراء مقتل كثير من ضباط الأمن وضباط البحث الجنائي في بنغازي». ويشمل العزل السياسي من 5 إلى 6 وزراء، ولذلك سيتطلب الأمر إجراء تعديل وزاري. كما يشمل من 23 إلى 40 شخصية من أعضاء البرلمان، بمن فيهم رئيس البرلمان، المقريف، ونائبه جمعة أعتيقة. وهذا سيتطلب أيضا إجراء بشأن إحلال نواب جدد بدلا من النواب الذين سيعزلون. ويقول رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية نوري العبار، لـ«الشرق الأوسط»، عن آلية إحلال النواب الجدد، إنه سيجري تطبيق «الآلية المتبعة، وهي أن يتم استبدال النائب بالفائز الذي يليه في انتخابات المؤتمر العام الأخيرة، حسب القانون». وعما إذا كان يرى أن قانون العزل يمكن أن يؤدي إلى خفض مستوى التوتر الذي كان موجودا من قبل المسلحين والكتائب، يوضح العبار قائلا: «أعتقد أنه سيكون له تأثير إيجابي، لأن المؤتمر الوطني ظل منذ فترة يناقش الموضوع، وتم تشكيل لجنة خاصة به، وكان مشروع القانون يجري تداوله قبل إقراره. وبالتالي، أعتقد أنه سيحدث نوعا من التوازن بين جميع الأطراف».

تأسيس الدولة العباسية تأسيس الدولة العباسية

$
0
0
يعد مولد الدولة العباسية أحد أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، على مر العصور، لأنها تعد أطول دولة احتلت كرسي الخلافة؛ لمدة تزيد عن نصف الألفية، منذ أن اعتلى أبو العباس الحكم في 132هـ إلى أن احتضرت الخلافة بعد مرحلة من الضعف والتدني، وكان آخر خلفائها المستعصم عام 656هـ، الذي قتل على أيدي المغول، وقد أورد لنا التاريخ رجال دولة من الطراز الأول، مثل السفاح وأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد وغيرهم، كما أن ميلاد هذه الدولة أُحيط بالاضطرابات السياسية وأزمة الشرعية والخلافات الفقهية، ويلاحظ أيضا ارتباط هذا الميلاد بواحدة من أنجح العمليات الاستخباراتية على مر التاريخ، والعمل الخفي لسنوات ممتدة بشكل يدعو لدراستها كحالة تحتاج لدراسة، كما أنها مثال مهم لدور القدر في إنجاح السياسات، ولا يمكن للمرء أن يربط كل هذه الخيوط بغفلة عن مؤسس الدولة العباسية وواضع لبنتها الأولى، أبو العباس، الملقب بالسفاح. لقد كانت الدولة الأموية تموج بالحركات الثورية من شيعة وخوارج وحركات انفصال سياسي على رأسها حركة عبد الله بن الزبير، وكانت هذه الدولة تسعى لاقتلاع جذور الفتن دون جدوى لأسباب تتعلق في الأساس بالتشكيك في شرعيتها، فهي دولة سلطوية بحتة لم يورد لنا التاريخ أنها كانت في أي مرحلة تقبل التسامح، باستثناء فترة حكم الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز ونتوءات قليلة لبعض الخلفاء، مثل معاوية بن أبي سفيان عندما كان الأمر لا يتعرض لملكه مباشرة، ولكن هناك سببا آخر سمح باستمرار الدولة الأموية لفترة زمنية أطول، وهو غياب مفهوم رجل الدولة لدى الثائرين عليهم، فلم يذكر التاريخ شخصية معارضة فذة تملك الحنكة والقدرة على التخلص من هذا الحكم، وكان أقرب شخص لها هو عبد الله بن الزبير، ولكن التاريخ عكس عدم قدرته على لمّ الشمل بالشكل المناسب، كما أن قبضته على أنصاره ومؤيديه لم تكن قوية، وفي كل الأحوال فإن الطريق أمام حركات المعارضة السياسية كان معروفا، وهو مواجهة البطش الأموي؛ إما باتقاء شر الحاكم أو الخروج عليه، كما فعل الشيعة في مناسبات كثيرة، وانتهت ثوراتهم بالقتل والتشتيت في أغلبها. لقد كان العباسيون يمثلون فصيلا ثوريا مختلفا بدأ باتقاء شر الحكام الأمويين وانتهى بالثورة المسلحة عليهم كلما اكتُشف أمرهم، فثوراتهم استمرت لسنوات طويلة في سرية تامة لا يُعرف عنها إلا القليل، ولكنها كانت تعمل من خلال الدعوة لشرعية جديدة وهي الدعوة لآل محمد، دون تخصيص، أي لم يفصحوا عن أي فرع من آل محمد يتم الدعوة له، وذلك حرصا على مساندة الشيعية والمتشيعين لقضيتهم لإزالة ملك بني أمية أولا، فضلا عن خطورة الإفصاح عن الهوية السياسية الجديدة على الساحة الثورية حتى لا يقوم بنو أمية بالقضاء عليهم، كذلك لجأ العباسيون إلى سياسة النفس الطويل حتى يسمحوا بترسيخ الفكرة الجديدة والعمل على أطراف الدولة، كما سنرى. لقد بدأ العباسيون عملهم السياسي السري في الحميمة إحدى القرى القريبة من الشام، حيث بقي فيها علي بن عبد الله بن العباس بمباركة أموية، ولكن مع مرور الوقت بدأ العباسيون يدخلون في اللعبة السياسية ضد بني أمية، خاصة بعد تولية محمد بن علي بن عبد الله وابنه إبراهيم، الذي دأب على الانفتاح السري مع قادة في الكوفة ممن لهم ميول شيعية، وقد بدأ إبراهيم يسيطر على شبكة منظمة من العمل السري السفلي على محاور متعددة، ولعل أهم ما ميز التحرك العباسي، وكان سببا مباشرا في نجاحه، هو تغييرهم للتكتيك الثوري، فهم لم يسعوا للتغير من القلب أو المركز، بل لجأوا للتغير من الأطراف، فكل الثورات التي انتفضت جاءت من القلب؛ سواء في العراق أو الحجاز، ولكنها باءت كلها بالفشل، بالتالي تم توجيه النظر إلى الأطراف، وبالأخص خراسان، التي لم تكن بعد قد تشكلت هويتها السياسية، وهو ما لم يتوقعه بنو أمية على الإطلاق. وتعكس المصادر التاريخية أن العباسيين اتبعوا فكرة التنظيم العنقودي، حيث لم يعرف عضو الشبكة العامل في الشام ما يفعله زميله في الكوفة أو خراسان، وظلت الشبكة محبوكة في أيدي قلة قليلة للغاية، على رأسها شخصية سمتها كتب التاريخ أبا سلمة الخلال، الذي أصبح الرأس المدبر في الكوفة، خلفا لحميه، وسُمّي بوزير آل محمد، وكان هذا الشخص هو الذي ينقل التعليمات العباسية للفرق المختلفة، وكان السلاح الأساسي للدعوة يتمثل في محارب صنديد معروف في التاريخ الإسلامي باسم أبي مسلم الخُراساني، الذي قاد حربا ضروسا بعدما جمع نفرا كثيرا حوله، وواجه أحد أبطال الأمويين المعروفين بشعره العظيم، وهو نصر بن سيار، وانتهت المواجهات بهزيمة ساحقة للأمويين وسقوط خراسان وما حولها للمتشيعين لآل محمد، دون أن يعرفوا بالتحديد أي فرع. تزامن مع ذلك تصعيد آخر، وهو أن الأمويين اكتشفوا أمر إبراهيم بن محمد في الحميمة، فأسند الرجل الولاية لأخيه أبي العباس، الذي كان دون الـ30 من عمره، وقد عمد الرجل إلى استبعاد أخيه أبي جعفر المنصور، وتُرجع بعض المصادر السبب في ذلك لكون أمه غير عربية، وقد هاجر الرجل مباشرة إلى الكوفة مع أهله وشيعته، وتزامن ذلك مع وصول جيوش أبي مسلم الخراساني إلى هناك، وبدأت الشبكة تكتمل معالمها وأطرافها، وبدأت الساحة ممهدة لزوال دولة بني أمية، واستبدال دولة فتية جديدة بها، وهنا يجدر بنا إبراز عدد من النقاط الرئيسة حول سقوط الدولة، التي نوردها فيما يلي: أولا: كما ذكرنا آنفا، فالثورة جاءت من الطرف وليس المركز، فبنو أمية كانوا يسيطرون على المركز بشكل أفضل، وهو ما يعكس تقصيرا شديدا؛ فلم يسمعوا لواليهم نصر بن سيار، وهو يستغيث بشعره قائلا: «أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام فإن يك قومنا أضحوا نياما فقل: قوموا فقد حان القيام» فجاء رد مروان بن محمد بقوله «إن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم أنت هذا الداء الذي ظهر عندك»، وعندما فشل نصر بن سيار في ذلك كانت بداية النهاية لبني أمية وقصر نظر خليفتها. ثانيا: لقد كانت السرّية عنصرا أساسيا في نجاح هذه الحركة السرية، وقد عبر عن ذلك أبو مسلم الخراساني بشعره، في قصيدة قال فيها: أدركت بالعزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني مروان إذا حشدوا ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا فمن رعى غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد ثالثا: إن العباسيين في ثورتهم لم يغيروا قاعدة الثورات الأساسية، التي تطورت بعد ذلك، وهو أن الفصيل الذي يكسب الثورة هو الفصيل الأكثر تنظيما، فلقد ركب العباسيون قوة الدفع الثورية بأقل جهد، فحصدوا أكبر النتائج، وذلك على عكس الشيعة الذين دفعوا بأكثر الجهد، وخرجوا بأقل النتائج، وهو ما يعكس العبقرية السياسية لرجال الدولة العباسية، وعلى رأسهم أبو العباس السفاح، وهو ما سنورده في الأسبوع التالي.

نواز شريف.. أسد لاهور نواز شريف.. أسد لاهور

$
0
0
كثيرا ما يتحدث شريف إلى المقربين منه عن ذكرياته السيئة في هذا المكان، لم يكن من السهل عليه أن ينسى اليوم الذي تعرض فيه للاعتقال من قبل الجيش ليلة الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999، بينما كان يجري محادثة هاتفية في قاعة الاستقبال بمقر مجلس الوزراء، حيث دخل 5 جنرالات من الجيش قاعة الاستقبال وطالبوا شريف، الذي كان في ولايته الثانية، بإلغاء القرار الذي كان قد اتخذه في صباح ذلك اليوم بإقالة رئيس أركان الجيش آنذاك برويز مشرف. وعندما رفض شريف الانصياع، قام الجنرالات بإلقاء القبض عليه ونقله إلى سجن أتوك فورت في ضواحي إسلام آباد، حيث قضى عاما في الحبس الانفرادي. وفي عام 2000، تم نفي نواز شريف في المملكة العربية السعودية من قبل الحكومة العسكرية بقيادة برويز مشرف، واعتقد الجميع أن المستقبل السياسي لشريف قد انتهى إلى الأبد، ولكنه أثبت أن الجميع كانوا على خطأ. وبالنسبة لشريف، فقد جاءت النجاحات السياسية على دفعات واحدة تلو الأخرى، حيث نجح في العودة إلى السياسة الباكستانية خلال الأشهر الأخيرة من عام 2007 عندما بدأت الحظوظ السياسية لمشرف في التراجع، إلا أن شريف قد فشل في تحقيق النجاح بشكل كامل في الانتخابات البرلمانية عام 2008 عندما اضطر للانضمام لصفوف المعارضة في البرلمان بعد الانتخابات. وقال المحلل السياسي البارز حسن أسكاري ريزفي: «لكنه ظل أكثر السياسيين تأثيرا في الفترة التي تلت عودته إلى باكستان». وكان الانتصار الأخير لنواز شريف في الانتخابات البرلمانية عام 2013، عندما برز حزبه السياسي بقوة ونجح في الحصول على أكثر من 126 مقعدا في البرلمان. وقال أحسن إقبال، وهو قيادي بارز بحزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف وأحد المقربين من شريف: «بهذه الطريقة بات بإمكاننا تشكيل الحكومة بأنفسنا دون الحاجة إلى دعم من أي طرف، ولكننا سوف نستعين بكل الأطراف». وقال رئيس تحرير صحيفة «الأمة» الباكستانية اليومية فصيح الرحمن: «مر نواز شريف بالكثير من الإخفاقات والنجاحات خلال مسيرته السياسية، من كونه رئيسا للوزراء للسجن للمنفى في جدة للعودة إلى السياسة الباكستانية، ثم العودة مرة أخرى لرئاسة الوزراء في نهاية المطاف». ولعل أهم ما يميز الحياة السياسية لنواز شريف هو التأرجح صعودا وهبوطا في علاقته بالمؤسسة العسكرية، حيث بدأ حياته محسوبا على الجيش، لكن سرعان ما تحول إلى نمط سياسي مستقل، ثم تمت محاكمته من قبل الجيش خلال نظام مشرف، ويحاول الآن إقامة علاقات سلسلة مع كبار قادة المؤسسة العسكرية. ويوم السبت الماضي، وجه نواز شريف الدعوة لرئيس أركان الجيش الجنرال أشفق برفيز كياني لزيارته في مقر إقامته في لاهور، ودخل الاثنان في مناقشات استمرت لثلاث ساعات حول الوضع الأمني الإقليمي. ويرى محللون باكستانيون أنه يتعين على نواز شريف التوصل إلى حالة من التوافق التام مع المؤسسة العسكرية حول اثنين من القضايا المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية: أولا، يتعين على نواز شريف الحصول على موافقة الجيش لتحقيق أمنية تحسين العلاقات مع الهند، وثانيا، يتعين على الجيش ونواز شريف العمل معا بكل قوة من أجل الوصول إلى توافق بشأن الوضع في أفغانستان، والتي ستبدأ القوات الأميركية الانسحاب منها بداية من عام 2014. وكان نواز شريف، الذي شغل منصب رئيس الوزراء مرتين من قبل، قد بدأ حياته السياسية في الجيش وجهاز الاستخبارات الباكستاني خلال العقد الثامن من القرن الماضي، ثم تحول، نتيجة عدة تقلبات غير عادية في حياته، إلى زعيم محبوب بدأ المطالبة بإرساء قواعد الديمقراطية في البلاد والحد من القمع الأمني، عقب عودته من المملكة العربية السعودية. وحتى قبل صدامه الأخير مع الجيش والذي بدأ عقب الإطاحة بحكومته من قبل الجنرال برويز مشرف في أكتوبر 1999، كان هناك توتر في علاقته بالمؤسسة العسكرية، ولكنه كان يخرج في كل مرة بمزيد من الدعم السياسي من خلال تبني المواقف المعادية للمؤسسة العسكرية. ويستعد شريف، الذي يلقب بين أهله في لاهور بالأسد، لاستعادة عرشه للمرة الثالثة وهو رقم قياسي في باكستان، وهو منفتح للحوار مع طالبان. ويرتدي شريف دائما الزي والقميص التقليديين وسترة، ويعتبر الغرب براغماتيا. وشغل شريف منصب رئيس وزراء باكستان لولايتين غير متتاليتين، أول فترة كانت من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 إلى 18 يوليو (تموز) 1993، والثانية من 17 فبراير (شباط) 1997 إلى 12 أكتوبر 1999. ويرى خبراء سياسيون باكستانيون أن المسيرة السياسية الناجحة لنواز شريف قد بدأت عام 1993 عندما كان رئيسا للوزراء وتحدى الرئيس المدعوم من المؤسسة العسكرية آنذاك غلام إسحاق خان وحاول الحد من السلطات التي يمنحها الدستور الباكستاني لرئيس الجمهورية من خلال إجراء تعديل دستوري. وقام الرئيس خان بإقالة شريف وحل الحكومة، ولكن شريف اكتسب دعما سياسيا هائلا نظرا لتحديه رئيس الجمهورية، في مشهد نادر في السياسة الباكستانية. وقد ولد شريف في مدينة لاهور في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1949 لأسرة ثرية تضم الكثير من رجال الأعمال، وكان والده وأعمامه الستة يديران مسبك للحديد في إقليم البنجاب الهندي قبل أن ينتقلوا إلى باكستان وقت الاستقلال عن الحكم البريطاني. وقالت مصادر من عائلة شريف لـ«الشرق الأوسط»، إن شريف نجح في توسيع أعمال العائلة عقب انتقالها إلى مدينة لاهور، عاصمة إقليم البنجاب الباكستاني، إلا أن عائلة شريف قد فقدت جميع شركاتها بسبب سياسة التأميم التي اتبعها رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو، والد بينظير بوتو، عام 1972. وقال صديق من عائلة شريف: «تعلم نواز شريف بعض الدروس القاسية من سياسات التأميم التي أطلقها ذو الفقار على بوتو حين فقدت العائلة جميع ثروتها». وبدأ شريف حياته السياسة في الجيش وبزغ نجمه كبديل لقيادة بينظير بوتو المحبوبة، وذاع صيته لأول مرة عندما أصبح عضوا في حكومة إقليم البنجاب باختيار مباشر من آخر ديكتاتور عسكري لباكستان، وهو الجنرال ضياء الحق، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المشتركة غلام جيلاني، حيث شغل في البداية منصب وزير المالية، ثم أصبح رئيسا للوزراء فيما بعد. وفي عام 1981، قام الجنرال ضياء الحق بتعيين شريف وزيرا للمالية. وقال سعيد خواجه، وهو مراسل بصحيفة «نواي وقت» الباكستانية وكان يتابع عن كثب الحياة السياسية لشريف: «لقد استغل سلطته السياسية الجديدة لتعزيز موقفه المؤيد لقطاع الأعمال وقدم أربع ميزانيات متعاقبة تهدف لتحقيق التنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية». حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق بجامعة بنجاب في لاهور. وساهم شريف في إنشاء أكاديمية اتفاق الإسلامية في لاهور، حيث يتلقى الطلاب تعاليم الدين، إضافة إلى التدريب الدنيوي العلماني. ويصفه أصدقاء عائلته بأنه مسلم متدين ملتزم بأداء الفروض الدينية، إذ إنه شب في بيئة شديدة الالتزام الديني. كان شريف يهيمن على المشهد السياسي في باكستان قبل أن يتم الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف. وكان يحظى بأغلبية هائلة في غرفتي البرلمان. وكان أخوه، شاهباز شريف، يحكم محافظة البنجاب، أكبر محافظة في الدولة. وكان شريف يسيطر على معظم مؤسسات الدولة بخلاف الجيش القوي. في واقع الأمر، قادت رغبته في السيطرة على مؤسسة الجيش إلى سقوطه في أكتوبر عام 1999 وقتما قام بمحاولة باءت بالفشل لخلع الجنرال برويز مشرف من منصب رئيس أركان الجيش، بينما كان الأخير يقوم بجولة في رحلة لسريلانكا. ورفض جنرالات باكستان قبول إقالة قائدهم، إذ إنها جاءت خلال عام من إجبار شريف رئيس آخر لأركان الجيش، هو الجنرال جيهانغير كرامات، على الاستقالة بسبب قضية سياسية محل خلاف. «كان انقلاب أكتوبر 1999 بمثابة رد على محاولة رئيس الوزراء نواز شريف تقسيم كبار قادة الجيش والسيطرة على الجيش بالاستعاضة عن الجنرال برويز مشرف قائد الجيش بضابط ذي رتبة أدنى معروف بولائه لشريف»، هذا ما قاله حسن عسكري رضوي، وهو محلل مسؤول بارز ومؤلف كتاب «الجيش والدولة والمجتمع في باكستان». أصبح نواز شريف أول رئيس وزراء في عام 1990، وقتما كان يقود تحالفا من الجناح اليميني «إسلامي – جمهوري - اتحاد» (التحالف الديمقراطي الإسلامي) الذي هزم بينظير بوتو وحزبها حزب الشعب الباكستاني في الانتخابات. وثمة دليل مقنع متوفر الآن على أن التحالف الديمقراطي الإسلامي تأسس من قبل المخابرات الباكستانية لمواجهة الشعبية الهائلة لبينظير بوتو، التي كانت تعد في تلك الفترة أشهر الزعماء شعبية في البلاد. حلت بينظير بوتو محل منافسها اللدود شريف في عام 1993، عندما تمت إقالته بموجب مرسوم رئاسي. وتولى شريف مجددا منصب رئيس الوزراء في عام 1997 بأغلبية مريحة. في واقع الأمر، دخل شريف وبوتو في سلسلة من المؤامرات والدسائس والمفاوضات وراء الكواليس مع جنرالات الجيش لضمان رجوعهما إلى السلطة من جديد. وبعد عودته من المنفى، أوضح نواز شريف جليا أنه تخلى عن التقليد السابق الممثل في الانحياز لصف الجيش والتآمر ضد خصومه السياسيين بدعم وكالات الاستخبارات الباكستانية.وقال «وقعنا ميثاق ديمقراطية مع بينظير بوتو وزعماء سياسيين آخرين في لندن، ونصت الوثيقة بوضوح على أنه من الآن فصاعدا، لن نتعاون مع الجيش بغية الصعود إلى السلطة في باكستان. ولن نتفاوض مع الجيش أو وكالات الاستخبارات»، هذا ما صرح به أحسن إقبال لصحيفة «الشرق الأوسط». ويرى محللون سياسيون أنه ليس ثمة شيء في مسيرة الحياة السياسية لنواز شريف من شأنه أن يجبره على تبني موقف مناهض للجيش في السياسة الباكستانية. إنه ينتمي لطبقة سياسية طيعة من رجال الصناعة، وبدأ حياته السياسية تحت رعاية جنرالات الجيش، وتأتي قاعدة ناخبيه من الجماعات المحافظة والدينية بالمجتمع الباكستاني المتحالفة بقوة مع الجيش في الميدان السياسي. رغم المكانة الكبيرة التي احتلها في السياسة الباكستانية قبل الانقلاب العسكري عام 1999 دخل نواز شريف فترة من التيه السياسي عندما اختار أن ينفى هو و40 فردا من عائلته في المملكة العربية السعودية عام 2000، الأمر الذي تسبب في حالة من الإحباط لدى الكثير من مساعديه الذين دخلوا سجون حكومة باكستان العسكرية. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها شريف صراعا مع الجيش أو أن يدعم الجيش الرئيس، فكان مسؤولا كرئيس للوزراء عن سقوط رئيسين باكستانيين هما غلام إسحاق خان عام 1993 والرئيس فاروق أحمد خان عام 1997. واختار الصراع مع أربعة جنرالات تعاقبوا على قيادة الجيش في الفترة من عام 1990 إلى 1999 بشأن قضايا السياسة المختلفة وأجبر أحدهم على الاستقالة عندما اختلف بشكل علني مع شريف حول قضايا سياسية. في عام 1998 اختلف شريف مع رئيس المحكمة العليا آنذاك سجاد علي شاه وهو ما أسفر عن صراع على السلطة. لكن شريف تمكن من اجتياز هذا الصراع على السلطة وأجبر رئيس المحكمة العليا والرئيس فاروق ليغهري على الاستقالة من منصبيهما. لم تكن السياسة الداخلية هي المجال الوحيد الذي صارع فيه شريف التقاليد والماضي، فعلى صعيد السياسة الخارجية مد شريف يد الصداقة إلى الهند رغم حصوله على التأييد السياسي الأكبر من إقليم البنجاب ذي الأغلبية المحافظة والتي تعتبر مهد الحركات العادية للهند. ويقول نصير زايدي، الباحث في معهد الدراسات الإقليمية في إسلام آباد، إنه «تناقض غريب أن يتمكن نواز شريف من الحصول على غالبية الدعم السياسي له من إقليم البنجاب معقل الشعور المعادي للهند، في الوقت الذي امتلك فيه الشجاعة لبدء تطبيع العلاقات مع الهند عندما كان رئيسا للوزراء في الفترة من 1997 إلى 1999». أثناء رئاسته الوزارة استطاع شريف بناء قاعدة دعم شعبي واسعة بين الطبقات الوسطى الباكستانية من خلال توفير الوظائف للشباب المتعلم. لكنه في الوقت ذاته لقي انتقادات بسبب سياساته الجريئة، مثل توفير قروض ميسرة للشباب العاطل لشراء التاكسيات. وكانت أغلب إصلاحات شريف تهدف إلى تحرير السياسات الحكومية وتحرير الاقتصاد. وسرعان ما قام بتفكيك الاقتصاد القائم على الاشتراكية ببيع شركات القطاع العام المعطلة والمفلسة وفتح بورصة لرأس المال الأجنبي ووسع من القيود على صرف العملة. وزادته خلفيته الصناعية وسياساته المتحررة قربا من رجال الأعمال ذوي النفوذ السياسية وطبقات التجار في البلاد. على المستوى الشخصي يحتل شريف مكانة دينية متقدمة، فيقول أصدقاء عائلته إن طبيعته الدينية تعود في الأساس إلى الجو الديني الذي نشأ فيه. فقد تربى في عائلة متدينة تحت رعاية والده الصارم والتقي ميان شريف. وعادة ما تتهمه العناصر الليبرالية بعقد صفقات سرية مع المتطرفين والأحزاب الطائفية. لكن نواز الآن يعود إلى السلطة في إسلام آباد في وقت تعيش فيه الدولة حالة حرب مع المتطرفين والمسلحين. وقد أوضح قادة الجيش قبيل الانتخابات أن العمل ضد المقاتلين لن يتوقف، وفي موقف كهذا لن يتمكن نواز من التسامح مع المقاتلين، على الرغم من إعلانه عن رغبته في بدء محادثات مع طالبان.

قالوا

$
0
0
* «أنا مع هذا الرأي تماما». * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في رده على سؤال لأحد الصحافيين عما إذا كان يعتبر تدخل قوات في الحزب اللبناني في معارك سوريا «تدخلا أجنبيا» * «حرصا على إبقاء الساحة الداخلية مستقرة سياسيا وأمنيا». * الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان يدعو الفرقاء اللبنانيين إلى عدم الانجرار للقتال الدائر في سوريا * «تقول (أبل) إنها أكبر دافع للضرائب بين الشركات في الولايات المتحدة، ولكن من حيث الحجم والنطاق أيضا بين أكبر المتهربين من الضرائب في أميركا». * السيناتور جون ماكين * «توقعت أن تجذبك أكثر التراكتورات». * الأمير هاري مداعبا جده الأمير فيليب عندما استقبله مع جدته الملكة إليزابيث الثانية في الحديقة التي صممت لصالح أعماله الخيرية * «إنني انطوائي بكل تأكيد». * النابغة الأميركي ديفيد كارب مؤسس شركة «تامبلر» التي باعها إلى «ياهو» مقابل 1.1 مليار دولار هذا الأسبوع

التيارات الجهادية في تونس.. سلطة السلاح التيارات الجهادية في تونس.. سلطة السلاح

$
0
0
لم يعد وجود التيار السلفية الجهادي في تونس، ظاهرة عابرة، سرعان ما ستخرج منها سالمة ومعافاة، ولكن الأحداث الأخيرة التي وقعت في جبال الشعانبي، والمواجهات التي وقعت بين جماعة أنصار الشريعة السلفية والأمن التونسي، يوم الأحد الماضي، وتهديد الحكومة باستخدام القوة في مواجهة هؤلاء المتشددين، تنذر بخطر داهم، وحالة من التعقيد، قد لا تبدو نهاية لها قريبة في الأفق. فالترويكا الحاكمة ومن خلفها أحزاب الحوار الوطني، التي تزيد على 30 حزبا، تريد من السلطات عدم التسامح مع هذه الجماعات، بل ويطالبون بوضعها في قائمة الإرهاب. وفي المقابل لا تعترف التيارات السلفية التي تحمل السلاح، بسلطة الدولة وتصف حكامها بـ«الطواغيت». خلال سنوات طويلة مضت كان الحديث عن سلفية تحتكم إلى القوانين وتعترف بالسلطة المركزية. أما الآلاف ممن اختاروا منهم رفع السلاح، فوضعوا وراء القضبان. وأحصت منظمات حقوقية تونسية أكثر من ثلاثة آلاف شاب تونسي اعتقلهم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ورمى بهم في غياهب السجون. وتمكن الكثير منهم من مغادرة الأقبية المظلمة بعد إقرار العفو التشريعي العام في 19 فبراير (شباط) 2011، وهو ما وفر الإطار القانوني لعودة «المحاربين» أو لنقل «الجهاديين» من مناطق التوتر في العالم العربي والإسلامي ومن بلدان غربية إلى تونس وبداية النشاط السياسي العلني. وبعد أكثر من سنتين من نجاح الثورة بدا أن الطابع المسالم للمجتمع التونسي قد غاب وتأثر بشعارات سياسية آتية من كل صوب وحدب ولم تعد هناك سيطرة للشيوخ التونسيين على أبنائهم ومريديهم. وسيطر الخطاب المتشدد على الساحة السياسية في صفوف اليمين واليسار بعد أن اتهم بعض القيادات السياسية الدينية حركة النهضة بممارسة ما بات يعرف في تونس بـ«الإسلام لايت» أي أن يحكم حزب إسلامي التونسيين دون أن يعتمد على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع. وقد دفع هذا الأمر بالشباب التونسي للبحث عن ملجأ مختلف ووجدوا في التيارات المتشددة الملاذ الذي وفر لهم الحماية الاجتماعية وأخرجهم من وضعية دونية إلى وضعية فوقية مكنت السلفية الجهادية من موقع متميز داخل التركيبة الاجتماعية التونسية. وفي هذا السياق قال محمد الصالح الحدري الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي) لـ«الشرق الأوسط» إن «التيارات السلفية استغلت تردد حركة النهضة في حسم كثير من الملفات العالقة من بينها هوية التونسيين في الفصل الأول من الدستور، وعدم الحسم في موضوع علاقتها بالأحزاب العلمانية مما جعلها لا تتخذ مواقف جريئة على حد قوله وابتعدت بالتالي عن انتظار قواعدها باعتماد الشريعة كمصدر للتشريع وهذا أدى إلى تخلي بعض الشباب التونسي عن مناصرته لها والالتحاق بقيادات التيارات السلفي التي أبقت على ثوابتها ولم تغير مواقفها» على حد تعبيره. وخلافا لما نشر من تقارير حول انتماء شباب تونس إلى السلفية الجهادية داخل تونس نفسها، فإن دراسة أعدتها وزارة الداخلية التونسية أظهرت أن الجهاديين التونسيين قد انتشروا في مناطق كثيرة من العالم. وأكدت نفس الدراسة أن أكثر من 1094 جهاديا تونسيا موزعين على عدة بلدان عربية تعرف توترات سياسية من بينهم 566 تونسيا يقاتلون في صفوف الجيش الحر في الحرب السورية المفتوحة. كما بلغ عدد التونسيين الذين انخرطوا في الجماعات الجهادية العراقية نحو 326 مقاتلا منذ بداية الحرب هناك سنة 2003. ويتدرب قرابة 123 تونسيا في الوقت الحالي في معسكرات تابعة للتنظيمات الجهادية في ليبيا. وينشط 25 جهاديا ضمن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الجزائر. كما انضم 30 تونسيا حسب الدراسة نفسها إلى الجماعات الجهادية في مالي وقد لقي ستة منهم حتفهم في المواجهات الأخيرة. ويشارك حاليا 24 جهاديا ضمن صفوف تنظيم القاعدة في اليمن، ولا يزال قرابة 24 تونسيا يقاتلون في العراق وقد اعتقلت السلطات العراقية العشرات منهم. وتؤكد كل هذه الأرقام أن التيار السلفي الجهادي قد استغل مناخ الحريات بعد الثورة لإعادة الانتشار في بلدان الربيع العربي وتشير كثير المعطيات لوجود تنسيق قوي بين تلك التيارات لإيمانها بنفس المبادئ التي من بينها حمل السلاح ضد السلطة القائمة. وفي الداخل التونسي يقدر بعض المختصين في الجماعات الإسلامية عدد المنتمين للتيار الجهادي في تونس بنحو أربعة آلاف جهادي، وهو ما يعني أن «خزان» التيار الجهادي ممتد ولا يمكن حصره البتة في مجموعة محدودة العدد مقدرة بما بين 50 و100 عنصر منتشر في غابات الشعانبي وسط غرب تونس وذلك بعد زرع مجموعة من الألغام في طريق قوات الأمن والجيش. ولم ينفع التشكيك المتواصل في قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الاستقرار على الأراضي التونسية في جعلها بعيدة عن مرمى التيار الجهادي، حيث أظهرت تقارير أمنية تونسية أن العناصر الإرهابية المستقرة في الجبال الصعبة التضاريس في أعلى قمة جبلية بتونس (نحو 1.5 كلم على سطح الأرض) تمتلك من المدخرات والمؤونة والأسلحة ما يجعلها قادرة على تهديد أمن تونس وربما بقية البلدان المجاورة. وحسب تقرير للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين (مقرها تونس) وتضمن تحليلا لملفات 1208 سلفيين تونسيين تم اعتقالهم بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب المعروف بقانون 2003، فإن الشريحة العمرية للمنضمين إلى التيار السلفي الجهادي صغيرة السن وهي عموما تتراوح بين 25 و30 عاما، وتنخفض أحيانا لتصل إلى 19 عاما، وينحدر 46 في المائة من مناطق شمال تونس (تونس الكبرى، بنزرت، جندوبة، وباجة)، و31 في المائة من وسط البلاد (القيروان، سيدي بوزيد، سليانة، القصرين، المهدية، المنستير، سوسة، صفاقس)، و23 في المائة من الجنوب (قفصة، توزر، قابس، مدنين، تطاوين، قبلي). وفي هذا الشأن، قالت منيرة الرزقي، الباحثة التونسية المختصة في علم الاجتماع، لـ«الشرق الأوسط»، إن المنتمين للتيار الجهادي لا يرون العالم وفق ما نراه ولهم منطق خاص في النظر لمختلف المجتمعات. وأضافت أن عمليات غسل دماغ خضع لها الكثير منهم قبل التحاقهم بساحات الجهاد سواء في الخارج أو في الداخل. وأشارت إلى صعوبات قد لا تكون في تعامل قوات الأمن والجيش مع عناصر مسلحة محدودة العدد، لكن المشكلة في تبني الشباب للفكر الجهادي ووجود الآلاف مما يسمى بـ«الخلايا النائمة» ممن اقتنعوا بهذا الفكر وهم مستعدون للدفاع عن معتقدهم بكل الطرق بما فيها استعمال السلاح والخروج عن شرعية الدولة. وشن الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التي تقود عملية الانتقال الديمقراطي هجوما عنيفا على التيار السلفي على الرغم من تأكيده على وجو سلفيين مسالمين في محاولة على ما يبدو للتفرقة بين شقين من السلفيين وهما السلفية العلمية التي لا تتبنى حمل السلاح والسلفية الجهادية التي لا تتوانى في استعمال كل الوسائل لدفع المجتمع نحو تطبيق الشريعة بحذافيرها ولو كان ذلك باستعمال العنف والإكراه. وقال الغنوشي في آخر ندوة صحافية خصصها لأحداث جبل الشعانبي التي وجه فيها الاتهام إلى التنظيمات الجهادية، إنه لا جدوى من التحاور مع التيارات المتشددة في الوقت الحاضر وهو ما قرئ على أنه «ضوء أخضر» لفتح مواجهة كبرى مع التيارات السلفية المتشددة. وقال الغنوشي إن المحافظة على السلم الاجتماعي وعلى دماء المسلمين مسائل مبدئية على السلفيين احترامها وهي الفيصل بين مختلف الأطراف. ومن ناحيته وصف عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» السلفيين المتطرفين بـ«الغزاة» وبالعجز عن العيش في سلام بين التونسيين وقال إن «كل من يجاهد الدولة ويحاربها هو من الغزاة»، وأضاف موضحا «من يسلك هذا الطريق سيؤدي به إلى الجحيم بسبب المعتقدات الخاطئة والمغلوطة» على حد تعبيره. وتختلف رؤية القيادات السلفية حول عملية التعاطي مع الواقع السياسي التونسي بعد الثورة ففي حين ترى قيادات سلفية من التيار الجهادي التكفيري أن المجتمع مكون من «الطواغيت» التي يجب مقاومتها بكل الوسائل بما فيها حركة النهضة التي تعتبرها تلك القيادات تيارات «متأسلمة» وليست مسلمة. وفي هذا الشأن لم توافق بعض القيادات المسالمة دعوات «أبو عياض» زعيم «أنصار الشريعة» لاستعمال القوة في مقاومة النظام والخروج على السلطات القائمة، فقد طالب البشير بن حسن باتباع منهج السلف المعتمد على الرفق والرحمة وحب الخير بعيدا عن منهج التهييج والعنف. وقال إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقال إن من له القدرة على نصحهم ومحاورتهم فعليه عدم التخاذل في ذلك. ويقول التونسي الهادي يحمد المختص في الجماعات الجهادية إن الحديث عن وجود 50 ألفا من أتباع تنظيم «أنصار الشريعة» مبالغ فيه وهو رقم غير دقيق وقال إن الرقم القريب للمنطق لا يزيد على 15 ألف مناصر هم النواة الصلبة لهذا التيار السلفي المتشدد. ويرى أن المتعاطفين مع هذا التيار قد يكونون أكثر والأمر نسبي حسب الأحداث ففيما بات يعرف بـ«غزوة السفارة» الأميركية في أدبياتهم، جلب الهجوم متدينين ومصلين لا صلة لهم بالتفكير المتشدد وذلك بالنظر لموضوع الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام الذي جلب أعدادا كبرى جاءت تدافع عن دين المسلمين. وقال يحمد إن قرار وزارة الداخلية التونسية منع مؤتمر أنصار الشريعة في القيروان ثم في حي التضامن في ضواحي العاصمة التونسية قد أوقع أنصار الشريعة في مطب صعب وأظهر أنه في حالة ضعف ولا يقدر على محاربة الدولة في هذه الفترة بالذات. وفسر التونسي اعلية العلاني المختص في الجماعات الإسلامية انتشار الأفكار المتشددة ووجود قبول في الأحياء الشعبية التونسية وفي أوساط محدودة الثقافة، بالمعاناة منذ عقود من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، وضرب مثالا على ذلك أحياء حي التضامن القريب من العاصمة وخاصة دوار هيشر غرب تونس العاصمة الذي تحول إلى أحد معاقل التيار السلفي الجهادي، وفسر ذلك بالحاجة إلى الانتماء وإلى تحقيق الذات وكذلك بعمليات غسل الدماغ المتكررة والوعود التي تلحق بالجهادي. وأشار إلى أن تلك الأحياء المتكاثرة تمثل بيئة مثالية لامتداد الظاهرة السلفية وانتشارها بين الطبقات المهمشة. وتتالت الدعوات المنبهة خلال الفترة الأخيرة إلى وجود سلفية موازية أساسها عناصر منحرفة وأصحاب سوابق عدلية وعاطلون عن العمل كلهم انضموا إلى التيارات السلفية التي اتضح أنها تتحكم في موارد مالية مهمة وبإمكانها توفير كثير من الامتيازات لمنتسبيها من بينها التجارة في شوارع المدن دون التعرض لهم من قبل قوات الأمن. وفي هذا الشأن، قال رضا بلحاج المتحدث باسم حزب التحرير(حزب ينادي بعودة الخلافة) لـ«الشرق الأوسط» إن التيار السلفي «مفضوح وغير متجانس ومرتع للاختراق من قبل كل الخصوم»، وأضاف بلحاج أن عملية الاختراق يمكن أن تتمّ بانتحال الصفة والشكل والهيئة، وأشار إلى بعض التصريحات المحلية التي أكدت اختراق التيارات المتشددة على غرار تأكيد وصول حاويات من اللحى الاصطناعية إلى تونس والاتهامات الموجهة لبعض عناصر التنظيم السلفي بالانحراف. وقال بلحاج إن بعض عناصر التيار السلفي قد انتحلت هويات غير هوياتها في أحداث جبال الشعانبي وسط غربي تونس على غرار هوية الغريسي المتهم في تلك الأحداث والذي أكدت الجزائر أنه ليس من مواطنيها خلافا لما بينه شكله وأكد أن الهدف من كل ذلك هو إما تشويه التيارات الإسلامية وضربها من الداخل خدمة لأجندات معينة أو للتمعش والاستفادة من الصدقات والأموال في إطار الأجواء الإسلامية. وأشار إلى التستر باللحى الاصطناعية والنقاب بعد القيام بعمليات إجراميّة وهذه ممارسات بعيدة عن أخلاق السلف الصالح على حد تعبيره. واستدرك بلحاج ليؤكد على اتباع نفس سياسة نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في تشويه الدين واللباس الشرعي، وقال إن التيارات الإسلامية عامة والسلفيين على وجه الخصوص أشخاص يهمهم الشأن العام ولهم أفكار واضحة ورؤية مختلفة للواقع وهم مستعدون للحوار وللفهم وللمحاسبة. من جهتها قالت البرلمانية سعاد عبد الرحيم عضوة المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) عن حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» إن عملية الاختراق للتيارات الإسلامية والسلفية باتت يقينا وأمرا لا يمكن أن يرقى إليه الشك وأشارت إلى بعض أصحاب السوابق العدلية المنتمين إلى هذه التيارات قد التحقوا بها للتكفير عن ذنوبهم، على حد تعبيرها، وتحقيق منافع شخصية وأشارت كذلك إلى أن اختلاط هذه المجموعات بالأصيلين من التيارات يشكل خطرا على المجتمع التونسي مما قد يجعل ظاهرة التدين تتراجع بعد ظهور عدّة أحداث عنف نسبت إلى التيار السلفي الجهادي. وعلى مستوى الواقع السياسي التونسي بعد الثورة وقبلها، لم تكن التنظيمات السلفية ناشطة خلال فترة حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وقلص من تحركاتهم ومن أنشطتهم السياسية عبر إقرار قانون مكافحة الإرهاب المؤرخ يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) 2003 وزج بأكثر من ثلاثة آلاف شاب سلفي في السجون حسب المنظمة التونسية «حرية وإنصاف» الحقوقية المستقلة. إلا أن الثورة التونسية أحيت ما كان يعرف بـ«الخلايا» النائمة وأعادت إلى مسرح الأحداث السياسية الكثير من القيادات الجهادية التي كانت تنشط في الخارج (أوروبا وأفغانستان والعراق على وجه الخصوص) ومن بينها «أبو عياض» الذي أسس سنة 2000 تجمع الجهاديين التونسيين في جلال آباد (في أفغانستان)، وهو حسب المتخصصين في الجماعات الإسلامية تلميذ أبو قتادة الفلسطيني، السجين حاليا في بريطانيا بتهمة تهديد الأمن القومي. وللسلفية الجهادية قيادات شابة من بينها أبو أيوب التونسي إلى جانب القيادة الشرعية ممثلة في الشيخ الخطيب الإدريسي (سيدي بن عون ولاية - محافظة - سيدي بوزيد - وسط تونس)، وهو سجين سابق اتهم في عهد بن علي بالإفتاء بجواز القيام بعمليات عسكرية ضد النظام فيما بات يعرف في تونس بأحداث سليمان التي جدت نهاية سنة 2006 وبداية 2007. عقد تنظيم أنصار الشريعة في شهر مايو (أيار) سنة 2011 أول ملتقى له حضره أكثر من 15 ألف مناصر وضم أغلب الطيف الجهادي التونسي، ونظم تحت شعار «اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا». كما عقد التنظيم مؤتمره الثاني في مايو (أيار) سنة 2012 في مدينة القيروان وحضره زهاء 5000 شخص، وتخلله استعراض للرياضات القتالية بالأيدي والعصي والسيوف. وشارك «أنصار الشريعة في تونس» في الكثير من التحركات العنيفة وتتهمه قوات الأمن بالوقوف وراء عدد كبير من أعمال العنف والاحتجاج في الشوارع وتحدي عناصر الأمن وذلك على غرار الهجوم على السفارة الأميركية بالعاصمة التونسية احتجاجا على بث فيلم مسيء للإسلام في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي. وتقول قيادات من التيار السلفي إن السلطات التونسية تعتقل حاليا قرابة 400 من عناصر هذا التنظيم السلفي. وبشأن العلاقة بين حركة النهضة التي ظلت محظورة لمدة فاقت الأربعين سنة والتيارات السلفية الجهادية التي طفت على السطح بعد نجاح الثورة التونسية، قال اعلية العلاني المتخصص في الجماعات الإسلامية في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن حركة النهضة التي أعلنت مدنيتها واختارت صناديق الاقتراع للحكم والتداول على السلطة لم يعد بإمكانها تأجيل المواجهة مع المتطرفين، واعتبر أن الحوار الجدي والمعمق بين التيارات الإسلامية وبقية الأطراف السياسية مسألة حيوية وقد يكون المؤتمر الوطني حول مكافحة التطرف والإرهاب من بين الوسائل المهمة لتجاوز حال اللاحرب واللاسلم التي تسود المجتمع التونسي في الوقت الحالي. وأشار إلى غياب الثورة الثقافية التي تقود إلى ثورة سياسية واجتماعية في حالة تونس وقال إن غياب تلك الأرضية الثقافية والرؤية المناسبة للنمط الاجتماعي المناسب هو الذي أدى على حد تقييمه إلى الوضع السياسي والاجتماعي الحالي الذي يسوده التذبذب وتسيطر عليه عقلية التجاذب. * حقائق... * تنقسم السلفية في تونس إلى شقين أساسيين يختلفان من حيث الخطاب والممارسة هما: السلفية العلمية (معترف بها وتمارس عملها السياسي)، والسلفية الجهادية التي ترفض سلطة الدولة. * التيارات السلفية المتشددة موجودة بكثافة في الأحياء الشعبية التونسية التي ترتفع فيها نسب البطالة والفقر والجريمة. وتجد السلفية الجهادية معقلا أساسيا لها في أحياء «التضامن» الواقع في الضاحية الغربية للعاصمة التونسية وهو يشمل مجموعة من الأحياء التي تفرعت وتوالدت عنه في فترة وجيزة. وتوجد خلايا ناشطة في حي «دوار هيشر» و«البودرية» و«حي خالد بن الوليد» و«حي الانطلاقة». * ينشط السلفيون الجهاديون في أحياء عشوائية أيضا المحيطة بأكبر المدن التونسية من بينها سوسة وبنزرت ومدن الجنوب التونسي. * يقدر المختصون عدد العناصر الجهادية في تونس ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف، ويشيرون إلى تنامي المتعاطفين معها بشكل ملحوظ.

قالوا

$
0
0
* ليس كافيا لتركيا والسعودية أن تكونا قوتين كبيرتين اقتصاديا.. بل عسكريا أيضا من أجل أمنهما وأمن المنطقة * بكر بوزداغ نائب رئيس الوزراء التركي في حوار مع «الشرق الأوسط» * أعين العالم ستكون على إيران بعد الانتخابات الرئاسية * ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني في حوار مع «الشرق الأوسط» * غزة ليست دولة عظمى حتى تهدد مصر وأمنها ا* لدكتور موسى أبو مرزوق القيادي في حماس * الوضع في سوريا يزيد حدة الاحتقان والتوتر في المنطقة * السيناتور الأميركي والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين * ثلاثة لا أتحدث فيها.. الدين والمال والسياسة * جوستين تمبرلايك المغني والممثل العالمي في لقاء مع «الشرق الأوسط»+

الخليفة أبو العباس الخليفة أبو العباس

$
0
0
تناولنا في مقال الأسبوع الماضي الأسس التي قامت عليها الدولة العباسية، ورأينا كيف ألقى القدر على الخليفة أبي العباس الملقب بـ«السفاح» مهمة من أصعب المهام السياسية في التاريخ، فالرجل خرج بأهل داره مهرولا إلى الكوفة بعدما فضح أمرهم، وتم إلقاء القبض على أخيه إبراهيم من قبل عمال مروان بن محمد، فعقد الرجل الأمر لأبي العباس الذي وجد نفسه في الكوفة ضيفا على أبي سلمة الخلال، رجله الذي كان يدير الشبكة السياسية العنقودية ضد الدولة الأموية، وبات جيش أبي مسلم الخراساني الذي قاد الثورة شرقا ضد الأمويين معسكرا في الكوفة، والجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأحداث بما في ذلك السفاح نفسه. لقد كان أبو العباس في مقتبل عمره عندما آلت إليه الأمور، وكان الرجل قانعا حليما لا يعرف عنه إلا الميل للكرم والتعبد والزهد، حتى جاء له الأمر من بعد أخيه إبراهيم بن عبد الله، وقد تحول أبو العباس إلى رجل دولة بأسرع من المتوقع، فسلوكه كقائد سياسي يعكس نضجا سياسيا واضحا لا يمكن إلا أن يكون خلفه بعض الخبرة التي اكتسبها في كنف أخيه وأبيه ممن كانوا يقومون على الدعوة كما سنرى، وقيادته كانت حكيمة ورؤيته ثاقبة وتوازنه السياسي دقيقا، فكان بحق رجل دولة بكل ما تعنيه الكلمة. لقد كان أبو سلمة الخلال مسيطرا على مقاليد الأمور، فأسكن أبا العباس وذويه مكانا معزولا بالكوفة، وكذلك جند خراسان، ولكنه لم يسع لتعريف كل طرف بالطرف الآخر، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الخلال لم يتعجل الأمر في الدعوة لأبي العباس لتولي الخلافة، بل إنه قام بإرسال الرسل إلى ثلاثة من قادة الحركة الشيعية، منهم جعفر الصادق وعبد الله بن المحض بن الحسن، ولكنه لم يصله منهم أي ردود، وذلك في الوقت الذي اكتشف جند خراسان وجود العباسيين في الكوفة، فذهبوا لهم وبايعوا أبا العباس خليفة للمسلمين وهم معزولون، ثم جاء الخلال مهرولا يبايع الخليفة بعدما كشف أمره، ولكن أبا العباس لم ير في استعدائه استفادة، رافضا إضافة عدو إلى قائمة الأعداء، فاحتضنه بحكمة سياسية بالغة قائلا له: «سابقتكم في دولتنا مشكورة وزلتكم مغفورة». وبمجرد أن بايع أهل الكوفة وخراسان أبا العباس الذي كان المرض قد داهمه، خرج الرجل إلى المسجد وخطب فيهم خطبته الشهيرة التي لقب من بعدها بـ«السفاح»، فقال ضمن ما قال: «... أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم، حتى أدركتم زماننا وحباكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا لحمل الأمانة.. أنا السفاح المبيح والثائر المبيد». لقد عكست خطبة السفاح حقائق جديدة حول الدولة وحاكمها الجديد، فلقد جذب تعاطف أهل الكوفة بالمال والعطايا جزاء ما صنعوه لاحتضان الدعوة، كما أنه وضع الشرعية الجديدة ممثلة فيه وفي الدولة التي أكرم الله بها الكوفيين بعد بطش الأمويين، كما أنه وصف نفسه بالثائر والسفاح، الأولى كنية عن القوة والجبروت، والثانية يقال إنها كنية عن الكرم المادي أو التحذير بالقتل، فالأمر قد يحمل المعنيين. خضع الشرق لأبي العباس، ولكن الخليفة الأموي مروان بن محمد كان يستعد لملاقاة هذه القوة الجديدة بينما عسكر جيش آخر في منطقة أخرى بالعراق تحت إمرة زيد بن عمر بن هبيرة، أحد صناديد العرب وقوادها العظام، وعلى الفور استنفر السفاح ووزع القيادة الجديدة على أهله وأعمامه، وهو أمر معروف في الثورات، حيث يتم تثبيت أهل الثقة ورفعهم فوق أهل الخبرة، خاصة في المسائل العسكرية، وإذا ما كان بقاء الدولة على المحك، فأمر عمه عبد الله بن علي لمواجهة مروان بن محمد، بينما بعث أخاه أبا جعفر المنصور ليتولى قيادة الجيش المحاصر لقوات ابن هبيرة في واسط بالعراق، وبالفعل هزم الخليفة الأموي في معركة «الزاب» على ضفاف أحد روافد نهر دجلة، واستمرت جيوش أبي العباس تستولي على مدن الشام الواحدة تلو الأخرى، وهزم مروان مرة أخرى في معركة «بوصير» في بني سويف بمصر، وقطع رأسه وأرسلت للخليفة، وبموته انتهت الدولة الأموية رسميا واستتب الأمر لأبي العباس. وفي واسط رأى ابن هبيرة عدم جدوى استمرار القتال بعد موت مروان بن محمد وانقضاء الدولة الأموية، وبالفعل جرت المفاوضات بينه وبين المنصور حتى كتب له الخليفة صلحا عظيما، ولكنه نقض العهد بعد ذلك وأجبر المنصور على التخلص منه، فغرروا به ووضعوا له المكيدة وقتلوه وهو ساجد، فالرجل لم يكن على استعداد لأن يترك لفلول الأمويين ذيولا، رغم أنه كتب لهم العهد، ولكن عند تشييد الدول كثيرا ما تحدث مثل هذه الأمور للأعداء والحلفاء على حد سواء، غير أن هذه لم تكن شيمة أبي العباس إلا لمن توجس فيهم الخطر، فالرجل لم يغفر لأبي سلمة الخلال خيانته له، فبعث لسيف دولته أبي مسلم الخراساني رسالة تضمنت ضرورة القضاء على الرجل؛ لأنه لم يعد مصدر ثقة، ويمكن أن يهدد سلطان الدولة الناشئة، ومرة أخرى نقض أبو العباس عهده في سبيل دولته، فقتل الخلال وعلق دمه على الخوارج. تورد بعض المصادر التاريخية أن عمال أبي العباس تفننوا في القضاء على من تبقي من بني أمية، بل يورد المؤرخ ابن الأثير أن عمه عبد الله أحضر ما يقرب من تسعين أمويا وأمر بقتلهم، فغطاهم وجلس يأكل غداءه على جثثهم وبعضهم لا يزال تزهق روحه، حتى إن الشعراء كانوا يخرجون بأبيات شعر تؤيد هذه المجازر، منها قول أحد الشعراء: جرد السيف وارفع العفو حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا ومن الطريف وجود شخصيتين بالاسم نفسه كان لهما أثرهما الكبير على مستقبل أبي العباس ذاته، الأولى هي شخصية أبي سلمة الخلال الذي سبق ذكره، ولكن الثانية هي أم سلمة زوجته التي ترجع أصولها إلى بني مخزوم أحد أعرق بطون قريش نسبا، فهي التي رأته وأعجبت به وتزوجته، بل يقال إنها هي التي دفعت مهرها له لأنه كان فقيرا، وقد ظل الرجل قريبا منها إلى أن مات ولم يتزوج عليها أو يعاشر الجواري الحسان برغم وجود من كان يسعى لدفعه في هذا الاتجاه، وقد كانت شخصية قوية جدا، وكان لها تأثيرها الكبير عليه كما ذكرت كتب التاريخ، بل إنه قد لا يستبعد أن تكون أم سلمة أكبر منه سنا. لم يدم حكم أبي العباس إلا أربع سنوات فقط، حيث وافته المنية وهو في مدينة الأنبار وهو في الثانية والثلاثين بسبب مرض ما أصابه، ولكنه ترك دولة جديدة فتية واضعا لبناتها الأولى بشكل دقيق للغاية، كما أنه لم يشذ عن سلوك بني أمية، فعقد البيعة لأخيه المنصور من بعده لأن أولاده كانوا صغارا، فلم يكن الرجل على استعداد لتعريضهم للقتل على أيدي أعمامه وإخوته، خاصة أن أخاه المنصور كان من أقرب الناس إليه، وهكذا بدأت الدولة العباسية، ولكنها كانت بحاجة إلى رجل قوي يستطيع أن يثبت دعائهما ويقوي بنيانها، فكان هذا الرجل هو أبا جعفر المنصور كما سنرى.

كينياتا الابن.. على خطى الأب كينياتا الابن.. على خطى الأب

$
0
0
بمساندة من ناخبين من قبيلة كيكويو أكبر قبيلة كينية في دولة تعلي الولاء القبلي على الآيديولوجية عند الاحتكام لصندوق الانتخاب، فاز أوهورو، 51 عاما، وهو مسجل كأغنى رجل في كينيا، بانتخابات الرئاسة في مارس (آذار) الماضي، بفارق طفيف عن منافسه.. كينياتا الذي يصفه أنصاره بالمحارب.. قاد حملة اتسمت بالبراعة وحسن التمويل ليحصل على أكثر بقليل من نسبة الـ50% المطلوبة كحد أدنى للفوز من الجولة الأولى، ولكن قد تكون تلك المنافسة التي خاضها ليفوز بالمنصب الذي شغله والده بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1963 الجزء الأسهل وربما تنتظر كينياتا الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة أصعب التحديات حين يتولى منصبه. وحتى قبل الاقتراع أشار مانحون غربيون لكينيا بأن فوز كينياتا سيعقد العلاقات الدبلوماسية لأن هو وويليام روتو الذي خاض معه الانتخابات كنائب له موجهة لهما اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية لدورهما المزعوم في عمليات قتل قبلية عقب الانتخابات المتنازع على نتيجتها عام 2007. الخارجية الأميركية كررت أمس موقفها من اتهامات محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس كينياتا، ونائبه ويليام روتو، على ضوء قرار مؤتمر القمة الأفريقية في أديس أبابا، أول من أمس، الذي انتقد المحكمة، واتهمها بالعنصرية ضد الأفارقة. وقال: إنها لا تطارد سوى الأفارقة. وكانت أميركا وضعت نفسها في قفص بخصوص كينيا، أولا.. بتأييدها قرار محكمة الجنايات، قبل خمس سنوات، بمحاكمة كينياتا، بتهمة الاشتراك في قتال بين الأحزاب والقبائل المتنافسة خلال انتخابات الرئاسة سنة 2007. وثانيا، عندما عارضت ترشيح أوهورو لانتخابات الرئاسة بداية هذه السنة، عندما قال جوني كارسون، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وقتها إن العلاقات بين البلدين ستتأثر إذا صار كينياتا رئيسا. في ذلك الوقت، عارضته جنداي فريزر، مساعدة وزيرة الخارجية تحت الرئيس السابق بوش الابن، وقالت: إن إدارة الرئيس باراك أوباما يجب أن تقبل أي نتيجة للانتخابات ما دامت الانتخابات حرة ونزيهة. ولكن مراقبين انتقدوا تصريحات فريزر وذكروها بموقف إدارة الرئيس جورج بوش الابن عندما رفض نتيجة انتخابات حرة ونزيهة في غزة سنة 2006. فازت فيها حركة حماس التي تضعها واشنطن في قائمة الإرهاب. وقبل أسبوعين، أعلن البيت الأبيض أن أوباما، سيقوم بجولة أفريقية، في يونيو، لكنه لن يزور موطن والده كينيا، وهي من أهم دول أفريقيا، ومن أقوى أصدقاء أميركا هناك. وقال البيت الأبيض إن السبب هو أنه، في يوليو، ستبدأ محكمة الجنايات الدولية محاكمة كينياتا ونائبه، و«لا يليق» أن تتم الزيارة في مثل هذه الظروف. وانعكست صعوبة الموقف الأميركي في تعليقات صحف أميركية خلال الأيام الماضية. تساءلت صحيفة «واشنطن بوست».. «ها نحن في وضع لا نعرف كيف نخرج منه. ألم نقل لشعوب العالم إننا نؤيد الانتخابات الحرة والنزيهة؟» وقالت صحيفة «كريستيان سيانس مونيتور».. «ها نحن ندافع عن محكمة الجنايات الدولية مرة أخرى، ونحن حتى لم نوقع على اتفاقية تأسيسها.. وطبعا، نحن لم ننس أن نرفض، مسبقا، أن تنظر المحكمة في أي قضية تخصنا، ناهيك بأننا، طبعا، لن نقبل أي حكم تصدره ضدنا». وقالت مجلة «تايم».. «غريب أن يحدث هذا، وكينيا هي مركز النشاط الاقتصادي في شرق أفريقيا.. وفي نيروبي رئاسة كثير من الشركات الأميركية هناك، مثل شركة (جنرال إلكتريك).. وكثير من المنظمات الدولية والخيرية، مثل مؤسسة فورد الخيرية». وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى معضلة أخرى.. «هل ستمنح الخارجية الأميركية تأشيرة دخول للرئيس كينياتا إذا أراد حضور جلسات الأمم المتحدة، أو إذا أراد القيام بزيارة خاصة للولايات المتحدة، وهو رجل الأعمال الأول في كينيا؟». وقالت: «ليست كينيا فقط من أهم أصدقائنا في أفريقيا، ولكن، أيضا، وضعت هذه المشكلة مصداقيتنا وسط الأفريقيين على المحك». وقالت مجلة «يو إس نيوز».. «زار أوباما كينيا، أو لم يزرها، وحاكمته محكمة الجنايات الدولية، أو لم تحاكمه، يوجد فيها رئيس فاز في انتخابات حرة ونزيهة، بشهادة كل المراقبين الدوليين، بما في ذلك مراقبون أميركيون. وبموافقة المحكمة العليا في كينيا التي تفسر الدستور هناك. وباعتراف منافسه ريلا أودنقا». وأضافت: «أوضحت أولى خطوات اتخذها كرئيس لكينيا أنه يعرف ما يريد.. وأن الوزراء الذين اختارهم يبدون مؤهلين. وأنه لم يختارهم بسبب ولاءات قبلية أو حزبية. وأنه يريد أن يسير على خط الرئيس الأميركي جون كيندي بأن يعتمد على (الأحسن والأذكى). وكوزير سابق للمالية، وكرجل أعمال ناجح، يعرف أهمية الوضع الاقتصادي في كينيا، وأيضا في العالم. وأوضحت آخر الأخبار من كينيا أن رجال الأعمال الأميركيين هناك يؤيدونه». من هو كينياتا؟ وماذا فعل؟ وكيف صار أقوى سياسي؟ وأغنى رجل أعمال؟ وأشهر كيني، ليس فقط في كينيا، ولكن أيضا في العالم؟ ولد كينياتا سنة 1961. ووالده هو جومو كينياتا، قائد منظمة «ماو ماو» التي حاربت الاستعمار البريطاني في كينيا في خمسينات القرن العشرين. ثم صار الأب أول رئيس جمهورية عندما انسحبت بريطانيا من كينيا. وكان رئيسا لأربع عشرة سنة (1964 - 1978). ولم يكن مقاتلا وسياسيا فقط، بل كان مثقفا، وأديبا، وكتب كتبا كثيرة عن الاستعمار الغربي لأفريقيا، وعن القومية الأفريقية، وعن الوحدة الأفريقية. وبالإضافة إلى زعامته لقبيلة «كيكويو»، أكبر وأغنى القبائل في كينيا، لم يكن كينياتا الأب أول من يتمرد على الاستعمار البريطاني وسط قبيلته، فقد سبقه قبل مائة سنة ياكي واهنجا، ضد شركة شرق أفريقيا البريطانية (التي سبقت الاستعمار البريطاني)، وخطفه بريطانيون، وقتلوه. ومع بداية القرن العشرين، توترت العلاقات أكثر بعد كثرة هجرة البريطانيين إلى كينيا، وزمبابوي، وزامبيا، اللتين كانتا تسميان بروديسيا الشمالية، وروديسيا الجنوبية. ويسكن في منطقة قبيلة «كيكويو» في كينيا آلاف البريطانيين، لأنها منطقة مرتفعة، ولا يشتد فيها الحر في الصيف. وصادروا الأراضي وحولوها إلى مزارع بريطانية. وكان إجبار البريطانيين لرجال «كيكويو» بأن يتجندوا، ويحاربوا مع البريطانيين (ضد ألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية) مثل رب ضارة نافعة. فقد كانت فرصة لهؤلاء الأفريقيين ليزوروا الدول الغربية، وليطلبوا لأنفسهم نفس الحرية والحضارة. بعد الحرب العالمية الثانية، قاد الحركة الوطنية كينياتا الأب. وكان قد تلقى تعليمه في مدارس مسيحية بريطانية في كينيا، ثم في كلية وودبروك، في برمنغهام، ثم في مدرسة لندن للاقتصاد. وكتب في صحف بريطانية عن الاستعمار البريطاني لوطنه، وتحالف مع شيوعيين بريطانيين. وغير اسمه من «جون» إلى «جومو» (الحربة المشتعلة). ثم عاد إلى وطنه وصار صحافيا. ثم تفرغ للعمل السياسي، ثم القتال المسلح. وفي وقت لاحق، أصدر كتبا، منها «في مواجهة جبل كينيا» و«أهلي الكيكويو» و«حياة وانغومبي، زعيم كيكويو». لهذا، صارت لقبيلة «كيكويو» وبدرجة أقل، قبائل أخرى، مثل «ماساي» و«لو»، (قبيلة والد أوباما) دور مهم في تاريخ كينيا. ولهذا، صار اسم «كينياتا» هاما في تاريخ كينيا. واليوم، تشهد نيروبي بذلك، حيث يوجد، مطار كينياتا الدولي، ومركز كينياتا الدولي للمؤتمرات، وقبر كينياتا أمام البرلمان، وجامعتان باسمه، ومدارس، ومستشفيات، وضواح، وشوارع كذلك. وفي قلب نيروبي، تمثال كينياتا العملاق (بملابسه القبلية، وعصاه، وهشاشة حشرات اشتهر بحملها حتى عندما زار بريطانيا ودولا أوروبية أخرى). وصورته على فئات العملة الكينية. وحتى وقت قريب كان «يوم كينياتا» يوما وطنيا. لكن، تحالف معارضو الابن كينياتا في البرلمان، وحوله إلى «يوم الأبطال». في هذه الظروف، ولد وتربى كينياتا الابن يوهورو (معناها «الحرية» في اللغة السواحيلية). وهو واحد من أربعة عشر ابنا وبنتا خلفهم كينياتا الأب من ست زوجات رسميات. أكبرهم ولد في سنة 1920 (قبله بأربعين سنة)، وله أخ اسمه بيتر أكبر منه بعام من أم بريطانية، تزوجها والده عندما كان طالبا في مدرسة لندن للاقتصاد. لكنه طلقها عندما رفضت العودة معه إلى كينيا. وهناك أخته مارغريت، التي كانت عمدة نيروبي، ثم سفيرة كينيا في الأمم المتحدة، عندما كان والدها رئيسا. وبيتر، الذي كان مساعدا لوزير المالية. غير أن أهم زوجات كينياتا الأب كانت «نجينا»، السيدة الأولى عندما كان زوجها رئيسا للجمهورية. ووالدة الرئيس الجديد يوهورو، ورجل الأعمال موهوهو. ورغم أن يوهورو اهتم بالسياسة، ظل موهوهو رجل أعمال «غامضا»، ويعتقد أنه هو الذي يدير ثروة آل كينياتا. ويقول معارضو يوهورو إنه يخفي كثيرا من ثروته و«فساده» وراء شقيقه موهوهو. ومثل والده، درس يوهورو في مدرسة مسيحية في كينيا، ثم سافر إلى الغرب. لكنه سافر إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بكلية امهيرست (ولاية ماساتشوستس). وعندما عاد إلى كينيا، أسس شركات زراعية وتجارية. ثم دخل العمل السياسي، وترشح وفاز في البرلمان سنة 2001. وبعد وفاة والده بأربع سنوات، صار وزيرا للحكومة المحلية في إدارة دانيال اراب موي، الذي كان نائبا لوالده لعشر سنوات. وفي سنة 2002 ترشح لرئاسة الجمهورية، بدعم من الرئيس موي (لرد جميل كينياتا الأب نحو موي). لكنه سقط أمام مواي كباكي، الذي صار رئيسا. وفي سنة 2007. ترشح كينياتا الابن لرئاسة الجمهورية مرة أخرى، لكنه سحب ترشيحه بعد اتفاق مع الرئيس كبالي بأن يكون نائبا لرئيس الوزراء، ووزيرا للمالية. واتهم بالاشتراك في الاشتباكات القبلية في تلك الانتخابات، والتي كانت سبب اتهام محكمة الجنايات الدولية له. وفي هذه السنة، ترشح لرئاسة الجمهورية، وفاز بأغلبية قليلة جدا. وكان استغل فترة غيابه عن الحكم، وركز على شركاته، والتي تشمل شركات فنادق خمسة نجوم، وخطوط جوية، وخطوط بحرية، ومزارع تجارية. ويربط معارضو كينياتا اتهامهم له بالفساد باتهامات كانت وجهت إلى والده عندما كان الوالد رئيسا للجمهورية (1964 - 1978)، من بينها اتهام بأنه ديكتاتور، لأنه أسس نظام الحزب الواحد، ولم يكن له منافس في الانتخابات، واتهامه بالفساد، لأنه جمع ثروات كبيرة له، ولعائلته، ولقبيلته، خلال أربع عشرة سنة رئيسا. واتهم أيضا بالتطرف لأنه تحالف مع الشيوعيين عندما قضى 15 سنة في بريطانيا. وطبعا، ينفي الابن ذلك. ويقول: إن نظام الحزب الواحد كان «مرحلة تاريخية في أفريقيا، لا بد منها للانتقال من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الديمقراطية الحقيقية». ويقول: إن والده، لم يكن أبدا، شيوعيا أو يساريا، وانتهجت حكومته سياسات معادية للشيوعية ومؤيدة للرأسمالية. كما نفى تهمة الفساد التي اتهمت بها حكومة والده وقال: إن التهمة كان وراءها «سياسيون ومنافقون أحاطوا به عندما كبر في العمر (توفي الأب وعمره قرابة تسعين سنة)». لكن، حسب تقرير نشرته صحيفة «نيشن» الكينية، استولى كينياتا الأب على مزارع كثيرة من المهاجرين البريطانيين الذين اضطروا للعودة إلى وطنهم بعد استقلال كينيا. وحسب تقرير لجنة التحقيق في الاضطرابات القبلية خلال انتخابات سنة 2007، وطن كينياتا الأب كثيرا من قبيلته، قبيلة «كيكويو» في المناطق الخصبة في «ريفت فالي»، الوادي الذي نشبت فيه الاضطرابات القبلية. ويتعين على كينياتا الابن حاليا أن يحافظ على تحالفه مع روتو الذي ينتمي لقبيلة كالينجين وهي على خلاف قديم مع قبيلة كينياتا بسبب واحدة من أكثر القضايا إثارة للمنازعات في البلاد – ملكية الأرض. وهي قضية حساسة بالنسبة لكينياتا ففي مناظرة رئاسية سئل عن مساحة الأراضي الخاصة به وأسرته إلا أنه تحاشى الإجابة بشكل مباشر وتحدث عن 30 ألف فدان على الساحل. وكان ذلك كافيا لإثارة جدل محموم على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي على الإنترنت وقال منتقدوه إنه يملك أكثر من ذلك بكثير. كما كان عليه أن يواجه سخرية منافسه أودينغا الذي قال: إن كينياتا سيحكم البلاد من خلال موقع «سكايب» الإلكتروني من مقر المحكمة الجنائية الدولية إذا انتخب رئيسا. وتعهد كينياتا خلال حملته الانتخابية قائلا: «يمكنني تولي قضية تبرئة اسمينا.. وفي نفس الوقت اضمن أداء الحكومة مهامها». وربما عملت القضية لصالح كينياتا حين دعت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى الكينيين للتحلي بالحكمة عند اختيار رئيسهم. وأتاح ذلك لأنصاره استغلال مثل هذه التصريحات ووصفها بالتدخل «الاستعماري» و«الإمبريالي» والحديث عن وطنية عائلة كينياتا. ويقول جوديون مورونجا نائب مدير مركز القيادة الأفريقي في نيروبي «استغلت بصفة أساسية كأداة لجمع الأصوات». وتعهد كينياتا الذي يحمل اسم أشهر عائلة في كينيا وتصنفه مجلة «فوربس» كأغنى رجل في البلاد بالتصدي «للقضايا الحقيقية» التي تؤثر على المواطن العادي مثل نقص المساكن والبطالة. وورث كينياتا إمبراطورية والده الراحل الضخمة وأراضي شاسعة وأكبر شركة منتجات ألبان في البلاد وفنادق خمسة نجوم كما يمتلك حصصا في بنوك وشركات تأمين ومدارس راقية ويمكنه الاعتماد علي مساندة كبار رجال الأعمال إذ يهيمن الهنود وقبيلة كيكويو على هذا القطاع. ومع ذلك يراه أنصاره «رجل الشعب» بفضل بساطته ولمسته الشعبية. ويشير كينياتا خريج جامعة امهيرست في ماساتشوستس لخبرته كوزير للمالية ليبرز مهارته في الاقتصاد واستعداده لتبني سياسة متقشفة. وأثناء توليه الوزارة اقترح أن يستخدم وزراء وكبار المسؤولين سيارات أقل فخامة ما لقي قبولا في بلد يعاني من فجوة كبيرة بين الأثرياء والفقراء. وقال بنبرة تحد ميزت حملته الانتخابية «سجلي بوزارة المالية موجود. حين يتعلق الأمر بشفافية وانفتاح الحكومة وهي من ركائز برنامجي الانتخابي». وعلق خبراء ومسؤولون أميركيون على عودة اسم «كينياتا» إلى المسرح العالمي، ناهيك عن الأفريقي. ويقول موانغي كيميني، خبير الشؤون الأفريقية في مركز بروكنغز في واشنطن «مهما يحدث الآن، يقدر الرئيس أوباما على أن يبرهن على التزامه بتطور الديمقراطية في أفريقيا عندما يزور كينيا، وطن والده. وإذا زار كينيا في عهد كينياتا، وصافحه أمام العالم، سيقول العالم إن أول رئيس أفريقي للولايات المتحدة يعود إلى وطن والده، ويصافح ابن أول رئيس لكينيا، ويزور قبر أول رئيس، وواحد من قادة الحركة الوطنية الأفريقية». ويقول رتشارد داوني، نائب مدير القسم الأفريقي في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) في واشنطن «الدور المناسب لنا في كينيا هو أن نراقب التطورات ولا نتدخل في شؤونهم الخارجية. يجب أن نتذكر أنهم لا يعادوننا. بل، بعد انتخاب أول أفريقي رئيسا للولايات المتحدة، صاروا يفتخرون بنا». وقالت روبن برغاتي، مساعدة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية «مثلما أسس، في سنة 1963. منظمة الوحدة الأفريقية قادة مثل جومو كينياتا، جوليوس نياريري (رئيس تنزانيا الأسبق)، كوامي نكروما (أول رئيس لغانا)، وأحمد سيكوتوري (رئيس غينيا الأسبق)، فلكس هوفوت (رئيس ساحل العاج الراحل)، والإمبراطور هيلاسلاسي (إثيوبيا)، قاد في نفس سنة 1963 الزعيم القس مارتن لوثر كينغ مظاهرة الحقوق المدنية للأفارقة في الولايات المتحدة». وقالت برغاتي ذلك في حفل الخارجية الأميركية، في الأسبوع الماضي، بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي). وحضر الحفل سفراء الدول الأفريقية في واشنطن، ومنهم سفير كينيا.

شرارة طرابلس شرارة طرابلس

$
0
0
ليست الجولة الأخيرة (السادسة عشرة)، من المعارك التي شهدتها طرابلس، الأسبوع الماضي، شبيهة بجولات العنف التي سبقتها. فللمرة الأولى بدا أن الأمر يفلت من قبضة السياسيين الذين رفض المقاتلون في باب التبانة تكرارا الاجتماع بهم، وظهر قادة المجموعات المسلحة أو من بات يطلق عليهم اسم «قادة المحاور» في منطقة باب التبانة كقوة تفرض نفسها على الأرض، وتملي شروطها على الأجهزة الأمنية كما على الوزراء والنواب. وللمرة الأولى أيضا هوجم الجيش اللبناني، وقتل له ثلاثة عناصر (أمس)، كما وقع له الكثير من الجرحى، بينما ربط كثيرون بين تطورات معركة القصير في سوريا، وما تشهده طرابلس من مستجدات مقلقة، وتدعو للتساؤل. فهل بات ما يحدث في طرابلس مرتبطا بشكل مباشر بمعارك سوريا؟ وهل ثمة علاقة بالفعل أم أنها مجرد حسابات لبنانية - لبنانية يراد لها أن تكتسي بصبغة إقليمية، لتعطي أبعادا جديدة؟ وهل نيران طرابلس المشتعلة ستبقى محصورة ضمن رقعتها الجغرافية أم أنها ستتمدد إلى كل لبنان، حيث ثمة نماذج مشابهة، صالحة للتفجير في صيدا، والبقاعين الأوسط والغربي، وحتى في بيروت. * طرابلس أو عاصمة الشمال أو عاصمة لبنان الثانية، باتت تعيش على وقع المعارك اليومية، لا يخفي كثيرون ارتباطها الوثيق بما يدور في سوريا، وبشكل أكثر خصوصية بما يدور في منطقة القصير اللبنانية القريبة. سكانها الذين لا يزيد عددهم على 600 ألف نسمة، عبارة عن خليط من مسيحيين ومسلمين (سنة وعلويين)، عرفوا على مدى الأيام بتعايشهم رغم انقساماتهم وميولهم بين يسارية وإسلامية. شارع الكنائس فيها، وكذلك شارع مار مارون، والأحياء المسيحية في الميناء كلها شاهدة على حضور مسيحي لم يكن هامشيا لولا أن الحرب الأهلية قزمته بفعل النزوح القسري. تقدر نسبة السنة في المدينة بـ84%، بينما يشكل المسيحيون نحو 9% من السكان والعلويون 5%. الحروب المتوالية حرمت هذه المدينة من دورها المركزي كعاصمة تجارية واقتصادية للشمال اللبناني كله بمختلف فئاته، حيث كان أهل القرى والجبال من الكورة وبشري وإهدن يأتونها ويقيمون فيها ويتعلمون في مدارسها، ومنها ينطلقون إلى بقاع الأرض. الثورة السورية، وما استجرته من احتقان، جاءت لتقضي على ما تبقى من دور للمدينة. فقد لعبت طرابلس تاريخيا دورا عربيا، ليس فقط سياسيا ولكن اقتصاديا أيضا. فشواطئ المدينة، شكلت باستمرار مرفأ للداخل السوري، ونقطة عبور البضائع التجارية إلى سوريا ومنها إلى العراق، خاصة في فصل الشتاء حين تسد الثلوج الجبال التي تصل بيروت بدمشق. طرابلس الفيحاء التي كان قطارها، قبل الحرب الأهلية عام 1975 ينطلق إلى إسطنبول ومنها إلى أوروبا شمالا أو إلى فلسطين جنوبا (قبل الاحتلال)، صارت محطة قطاراتها المشلولة مشروع متحف لمتعة الذاكرة، وها هي تذوي وتخسر إلى جانب ازدهارها، مكونها السكاني المتنوع، بفعل طرد ذاتي، يجد كل مرة حجة ليدفع بطائفة جديدة، هي من صميم نسيجها الديموغرافي، نحو الهرب إلى خارجها. * طرابلس - القصير * عضو كتلة تيار المستقبل النيابية سمير الجسر يرى أن «التفجير الأخير في طرابلس لا علاقة له باندلاع معارك القصير»، وأن «معظم الرسائل الأمنية المتنقلة مرتبطة بالوضع اللبناني». والأخطر من ذلك كله أن الجسر يعتبر «أن المشاركين في الاشتباكات اليوم ليست هي المجموعات التي درجت على القيام بأعمال مماثلة في السابق». في حين رأى القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش أن الجميع مفاجأ من التطورات المتسارعة في طرابلس، وأن «هناك لغزا كبيرا وراء قرار التفجير في المدينة». الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور عبد الغني عماد، والذي أشرف على موسوعة «شؤون الحركات الإسلامية» الصادرة أخيرا عن «مركز دراسات الوحدة العربية» يعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «أحداث طرابلس جذورها قديمة وليست بنت اليوم كما هو معلوم، لكن إمكانية تجددها تخضع للظرف السياسي. والظروف الحالية، تعتبر أفضل مناخ ممكن لتفعيل خطوط التماس التي لا تزال تخضع لنفس الشروط السابقة. فهناك طرف يدعي أنه جزء من محور كبير هو محور الممانعة، كان يلتزم النأي بالنفس وممثلا بالحكومة. هذا هو الطرف الذي ذهب إلى القصير وأعلن تدخله هناك، وبالتالي كل المجموعات المنضوية تحته تستلحق بالتركيبة، وهذه هي حال جبل محسن، وفي الجهة المقابلة هناك التيارات السلفية، ومن يسمون قادة المحاور». وهؤلاء في رأي عماد «لا يقارنون، لا تنظيما ولا تسليحا بالفريق الأول الذي له شرعية وجود في الدولة اللبنانية»، لكن هذا الصراع «يجد تداعياته في لبنان وفي طرابلس». * «جبل محسن» و«باب التبانة» * تشكل منطقتا جبل محسن وباب التبانة، الضاحية الشمالية لطرابلس، وبوابتها الرئيسية إلى عكار ومن ثم سوريا. كانت باب التبانة سوقا أساسية للتجار ومركز التسوق، حتى عرفت بسوق الذهب لأهميتها القصوى. أما جبل محسن الذي كان مطلع القرن الماضي جبلا صغيرا تكسوه أشجار الزيتون فشكل امتدادا طبيعي لسكان باب التبانة، حيث بنيت فيه المنازل وتراصت لتشكل مقرا لنزوح علوي متزايد من عكار، تماما كما نزح سنة جاءوا بحثا عن لقمة عيش في أقرب مدينة إلى قراهم. في تلك الفترة، لم يحدث الفرز الطائفي تلقائيا وبقي الاختلاط قائما. جاءت المجزرة التي ارتكبها الجيش السوري في باب التبانة عام 1986 وقتل وسجن خلالها المئات، لتشعل في قلوب أهالي التبانة حقدا ليس فقط على النظام السوري وإنما على كل من يحالفه ويواليه سياسيا في جبل محسن. من هنا بدا أن العلاقة بين الطائفتين في الضاحية الشمالية لطرابلس صارت أكثر تعقيدا، وحدث الفرز السكاني تدريجيا، علوي - سني، وفتحت جبهة بقيت مشتعلة لسنوات لم يجمدها بشكل كامل سوى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. مع أحداث 7 مايو (أيار) عام 2008 التي اشتعلت في بيروت بين حزب الله وحلفائه في مواجهة «14 آذار»، انتعشت أحقاد باب التبانة - جبل محسن، وأحس سنة هذه المنطقة الأشد فقرا في لبنان بحسب الإحصاءات، أن عليهم أن يثأروا لكرامة أهلهم في بيروت. من حينها يحصي المراقبون 16 جولة حربية بين التبانة والجبل أوقعت مئات الضحايا وهدمت المنازل، وزادت السكان المعدمين بؤسا. منذ عام 2008 إذن عاد خط تماس التبانة - جبل محسن، ليخلق في طرابلس حربا أهلية مصغرة، محدودة في حيين بائسين مكتظين، يمكن لأي طرف يشاء أن يوظف أحد أطرافهما لتحقيق مآرب قد تصغر أو تكبر. * الثورة السورية شاغلة الفقراء * مع اندلاع الثورة السورية، أعلن المقاتلون في باب التبانة تكرارا مساندتهم لإخوانهم في سوريا الذين يقتلهم النظام، ورافعي رايات الثورة وصور الشهداء السوريين، في حين أعلن «الحزب العربي الديمقراطي» الحزب الوحيد في جبل محسن، وهو من يقود المعارك هناك وعلى رأسه عائلة عيد، أنه مع النظام السوري حتى النهاية، متهما الجيش الحر وجبهة النصرة أنهما يقاتلانه في باب التبانة. هكذا بدا أن طرابلس تغرق في الوحول السورية، ولكن هل هذا صحيح؟ «الأزمة الأمنية التي تعيشها طرابلس سابقة لمعركة القصير التي دخل فيها حزب الله طرفا»، بحسب العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، والخبير الاستراتيجي نزار عبد القادر، وهو يعتبر أن «موضوع طرابلس يستمد جذوره من الحرب الأهلية اللبنانية ووجود القوات السورية في الشمال». ويعزو العميد نزار استمرار التوتر بين المنطقتين إلى استبعاد عائلة عيد التي تتزعم جبل محسن عن القرار السياسي اللبناني، واستثنائها من أي تشكيلة رسمية، مفترضا أن «تصحيحا لهذا الوضع يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في الانتخابات المقبلة». واتهم نزار القوى السياسية في طرابلس، بمن فيهم الوزراء والنواب، بأنهم «أعطوا الأولوية لتنافسهم على الشارع وأصوات سكان الأحياء الشعبية على حساب مصلحة المدينة الوطنية العليا». وأضاف: «لقد زود هؤلاء الزعماء مناصريهم بالمال والسلاح والذخائر ودفعوا لهم المخصصات، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه، ولا تزال النظرة الضيقة ذاتها هي السائدة. مع علم المسؤولين السياسيين بأن لا حل للمشكلة أمنيا دون التوصل إلى ترتيبات تشمل العلويين. فهؤلاء مواطنون لبنانيون، والجميع أبناء مدينة واحدة بصرف النظر عن طوائفهم أو توجهاتهم السياسية أو الفكرية». وإذا ما علم أن قادة المجموعات المسلحة في باب التبانة باتت تطالب بمحاكمة رفعت عيد، الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي، أو بنفيه كليا من المنطقة يفهم أن اقتراح العميد نزار عبد القادر أصعب من أن يمكن تحقيقه. لكن الخبير الاستراتيجي، يعتبر أن «هذا من طرائف الأمور التي يمكن أن نسمعها اليوم. فقد بات المسلحون هم من يقررون متى يقف إطلاق النار، وما هي شروطه، مما يؤشر إلى أن المدينة باتت متروكة لقدرها وكأنما تخلى عنها المسؤولون، أو كأنهم ليسوا معنيين بأمن المدينة ومصير سكانها». ويضيف: «لا يمكن الخضوع لما يقرره الشارع هناك قرار سياسي مسؤول يجب أن يتخذ». ويستدرك العميد نزار: «قد يكون التصعيد في طرابلس المقصود به صرف الأنظار عما يجري في القصير، لكن هذا لا يبرر على الإطلاق ترك طرابلس متفجرة على هذا النحو». * لبنان يعيش على الإيقاع السوري * المحلل الاستراتيجي العميد إلياس حنا يعتبر أن «لا حسم في طرابلس، وإنما هي حرب زواريب وشوارع، ستبقى تشتعل وتنطفئ بانتظار انجلاء الصورة في سوريا». ولا يرى حنا «أن ما يحدث في طرابلس يمكن أن يكون له أي تأثير على ما يجري في القصير، أو ما سنراه بعد ذلك في معركة حمص التي لم تبدأ، بل العكس هو الصحيح، علينا أن ننتظر ونترقب ما سيحدث في القصير وحمص لنرى ما الذي سيحدث بعد ذلك في مناطق لبنانية حدودية مثل وادي خالد وأكروم وغيرهما، وصولا إلى طرابلس». ويلفت حنا إلى أن «كل طرف من الجانبين المقتتلين، قد يعتبر نفسه مستفيدا مما يحدث في طرابلس، لكن الحقيقة أن معارك طرابلس تمتد أسبابها إلى ثمانينات القرن الماضي، ولها مسارها الخاص. لكن المحلل السياسي توفق شومان له رأي آخر ويعتبر أن «ما يجري في طرابلس له علاقة وثيقة بما يجري في القصير. وقد لاحظنا مباشرة أنه بعد الحدث عن تدخل حزب الله هناك، اشتعلت في طرابلس. وكان واضحا أن القادة الميدانيين في المدينة، ربطوا ما يجري عندهم بما يحدث في سوريا». ويضيف شومان: «أرى أن العلاقة باتت مفتوحة بين الجبهتين، لذلك أتصور أنه كلما ارتفع منسوب المعارك هناك سيزداد منسوب الاضطراب في طرابلس وكذلك في مناطق لبنانية أخرى». ويشرح شومان: «أنا من القائلين أن الحرب الأهلية اللبنانية واقعة بالفعل وهي محصورة في الوقت الحالي في طرابلس، واتساعها يحتاج إلى قرار إقليمي ودولي أكثر مما هو محلي». * عدوى النار * المسؤول السياسي لـ«الحزب العربي الديمقراطي» في جبل محسن رفعت عيد حذر من أن تتجه الأمور إلى الأسوأ إذا لم تعالج بجدية، مضيفا: «الوضع لن يقتصر على طرابلس، بل سيمتد إلى المناطق الدرزية والشيعية والمسيحية»، محملا رئيس الجمهورية ميشال سليمان مسؤولية ما يحصل. فإلى أي مدى يمكن اعتبار شرارة طرابلس قادرة على نقل عدواها إلى مناطق لبنانية أخرى، خاصة أن ثمة توترات لها وجه شبه في صيدا والبقاع. تنقسم الآراء حول إمكانية تمدد النار الطرابلسية. المحلل السياسي توفيق شومان يرى أن «سياسة النأي بالنفس سقطت مع سقوط حكومة نجيب ميقاتي، وأصبح الفرقاء المتنازعون وجها لوجه في طرابلس وغيرها». ولذلك فإن «سقوط صاروخين على الضاحية الجنوبية هو تمدد للمعركة، وإن لم يكن بنفس الصورة». وبرأي شومان فإن «المشهد الطرابلسي قد لا يتكرر هو ذاته، لكنه سيتجلى بسيناريوهات مختلفة تبعا لطبيعة كل منطقة. وليس بالضرورة أن نشهد خطوط تماس واضحة المعالم عند كل اشتباك. وبذلك فهناك مناطق مرشحة لأن تشهد توترات متصاعدة مثل صيدا والبقاع الغربي والأوسط». أما العميد إلياس حنا فهو يعتبر «أن لطرابلس خصوصيتها المحلية، من حيث موقعها الجغرافي، وتركيبتها الاجتماعية. وبالتالي لا يصح قياس ما يحدث في طرابلس على ما يمكن أن تشهده مناطق أخرى ليس لها ذات الخصوصية». * الجيش اللبناني الملاذ الأخير * طرابلس ستبقى جولاتها الحربية مستمرة ما لم يتم العثور على حل سياسي جذري، أو نزع السلاح من يد جميع الأطراف، وهو ما يعتبره القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش «أمرا مستحيلا في الوقت الحالي، لأنه بحاجة إلى قرار إقليمي». في حين يجد العميد إلياس خنا «أن الوضع الراهن سيبقي الجيش عالقا بين الطرفين، لا يستطيع أن ينسحب ويترك الساحة، كما أنه لا يستطيع أن يحسم عسكريا، من دون حل سياسي». يجمع اللبنانيون على أنه لا بديل عن الجيش الوطني، ومع ذلك فإن الجيش في باب التبانة تعرض في الجولة الأخيرة من الاشتباكات للنقد، وطالب مقاتلون بتغيير اللواء المكلف بأمن طرابلس، كما تعرض الجنود لإطلاق رصاص مما أودى بحياة ثلاثة منهم. ولم يتوان بعض السياسيين الطرابلسيين عن توجيه اللوم للجيش، سواء باتهامه بالدفاع عن بعض النقاط الحيوية أو بقتل ضحايا بإصابتهم بأعيرة نارية لا يملكها أحد غيره. هنا يعتبر العميد نزار عبد القادر «أن هذا كلام خطير جدا، يتسبب في توسيع الأزمة في طرابلس، ولا يصب في المصلحة الوطنية. والجميع يتحمل المسؤولية، لأنه لا يمكن أن يكافئ الجيش على تضحياته على هذا النحو، وإلا نكون ندفع بالبد نحو الفتنة والحرب الأهلية دون وجود ضابط أو حبل نجاة». لذلك على السياسيين أن «يزينوا تصريحاتهم بميزان الذهب لا أن يطلقوا كلامهم بالمشايلة». ويضيف العميد عبد القادر: «أنا أسأل فقط، إذا أثرنا الشبهات حول العسكريين، وعزلنا الجيش، ما الذي يبقى للبنان؟». * «الفيحاء» حياة على وقع المعارك * الحروب المتوالية حرمت المدينة من دورها المركزي كعاصمة تجارية واقتصادية للشمال اللبناني، حيث كان أهل القرى والجبال من الكورة وبشري وإهدن يأتونها ويقيمون فيها ويتعلمون في مدارسها، ومنها ينطلقون إلى بقاع الأرض. * الثورة السورية، وما استجرته من احتقان، جاءت لتقضي على ما تبقى من دور للمدينة. * لعبت طرابلس تاريخيا دورا عربيا، ليس فقط سياسيا وإنما اقتصاديا ايضا. فمرفأ المدينة شكل باستمرار، نقطة عبور للبضائع التجارية إلى سوريا ومنها إلى العراق، خاصة في فصل الشتاء حين تسد الثلوج الجبال التي تصل بيروت بدمشق. * طرابلس الفيحاء التي كان قطارها، قبل الحرب الأهلية عام 1975 ينطلق إلى إسطنبول ومنها إلى أوروبا شمالا أو إلى فلسطين جنوبا (قبل الاحتلال)، صارت محطة قطاراتها المشلولة مشروع متحف لمتعة الذاكرة. * تخسر الآن إلى جانب ازدهارها، مكونها السكاني المتنوع، بفعل طرد ذاتي، يجد كل مرة حجة ليدفع بطائفة جديدة، هي من صميم نسيجها الديموغرافي، نحو الهرب إلى خارجها.

أبو جعفر المنصور.. فراسة وحنكة ودهاء أبو جعفر المنصور.. فراسة وحنكة ودهاء

$
0
0
لا يمكن لأي قارئ في التاريخ الإسلامي أن يغض بصره السياسي عن حياة رجل مثل أبي جعفر المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين وأمكرهم وأدهاهم بلا منازع، كما أنه كان أكثر الخلفاء بخلا وحرصا على المال، وأكثرهم فتكا بخصومه والمقربين إليه على حد سواء، فهو شخصية المتناقضات التي تميزت بحنكة وفراسة سياسية جعلته بالفعل المؤسس العملي للكيان العباسي، على الرغم من أن أخاه أبا العباس هو الذي وضع قواعد الصرح العباسي، لكن المنصور هو الذي شيد بناء دولة امتدت لقرون طويلة. ولي أبو جعفر الخلافة بعد الموت المفاجئ لأخيه أبي العباس السفاح في غفلة من الزمن، وكان في ذلك الوقت يترأس بعثة الحج، وقد بلغه خبر الوفاة على أيدي عيسى بن موسى الذي بدأ يجمع بالفعل البيعة له باعتباره وليا للعهد، وقد أدرك المنصور أن الأمر صار له لكنه كان منزعجا انزعاجا شديدا، حيث كان مدركا أن أركان الدولة لم تكن ثابتة بعد، وكان يخشى على نفسه من قوة عمه عبد الله بن علي الذي كان واليا على الشام وله باع طويل وقوة لا يستهان بها، لأنه كان الرجل الذي هزم مروان بن محمد في معركة الزاب وكسر شوكة الأمويين، وقد تحرك عبد الله وأعلن نفسه خليفة، ورفض مبايعة المنصور، وأخذ البيعة لنفسه من الناس بالشام. وقد اضطر المنصور أن يضع رجله الأول أبا مسلم الخرساني للقضاء على عمه، وبالفعل استمرت الحرب بينهما لأشهر طويلة حتى انكسر عبد الله بن علي، وبذلك دانت البلاد للمنصور. لقد بدأ المنصور ينظم شؤون البلاد بشكل مهني عال، فاستتب الأمن في عهده، ونظم شؤون الدواوين، وكان المنصور يختار وزراءه ومعاونيه بدقة متناهية، كما أنه كان يضمن ولاءهم تارة بالترهيب وتارة بالترغيب، لكنه لم يكن قادرا على استمالتهم بالمال مثلما كان يفعل أخوه السفاح لبخله، وقد التزم الرجل بمحاولة إرهاب الرعية في كثير من الأحيان لضمان ولائهم، وفي التقدير أن الرجل اتبع ذلك السبيل لظروف نشأة الدولة العباسية وحداثة عهدها، فلقد عانى الرجل كما عانى أخوه وأبوه وأعمامه ورجال الدولة الجديدة من بطش بني أمية، وهو ما خلق لديهم حالة من التوجس والتشكك في من حولهم خاصة المنصور الذي كان يعمل في السر لسنوات طويلة وسط مخاطر محدقة، وتورد بعض المصادر التاريخية أن الرجل كان يغير من سمات وجهه عندما كان يتعامل مع الرعية في محاولة لأن يبرز القوة والبطش حتى يهابوه، فالهيبة كانت مرفوعة عن محبة الرعية. لكن الغدر كان السمة الأساسية في تعامل هذا الرجل، تماما مثلما كان سمة أخيه السفاح، فلقد أدرك الرجل أن الخطر الوحيد الباقي عليه هو سيف الدولة ومؤسس الملك العباسي الحقيقي أبو مسلم الخرساني قاهر الأمويين في خرسان وفارس والعراق، كما أنه كان أداة المنصور للتخلص من معارضيه، وقد لجأ الرجل للحيلة حتى يستدرج أبا مسلم الخرساني، فأمنه تأمينا كثيرا حتى يأتي به إلى بغداد، ووسط بينهما الكثير حتى أمنوه وأتوا به للمنصور الذي فتك به وأمر بقتله ولفه في السجاد، وبموت الخرساني استطاع المنصور أن يطمئن بعد ذلك ويشعر بأنه يحكم بلا أي معارضة حقيقية أو مكمن خطر. لكن الخرساني لم يكن الأخير في قائمة من صفاهم المنصور من خصومه السياسيين، حتى من لم يمثلوا خطرا سياسيا عليه وعلى رأسهم الشاعر العظيم ابن المقفع، ويقال إن السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن ابن المقفع كان قد كتب وثيقة أمان المنصور لعمه عبد الله بن علي، وكان شاهدا على غدره وخيانته لعمه، فأضمر له الخليفة الشر وتم ترتيب الفخ واستدراجه وقتله، وقد قيل إن آخر كلمات ابن المقفع لقاتله هما بيتان من الشعر قال فيهما: «إذا ما مات مثلي مات شخص.. يموت بموته خلق كثير وأنت تموت وحدك ليس يدري.. بموتك لا الصغير ولا الكبير».. لقد عزم المنصور منذ البداية على أن يؤمن ولاية العهد لابنه الأمين بعدما كانت معقودة لابن عمه عيسى بن موسى، فأصر على أن تكون ولاية العهد لابنه بعد عيسى، وكان يعتبر هذه هي الخطوة الأولى، فلم يكن الرجل على استعداد لأن يخسر ذراعه السياسية والعسكرية، وبمجرد أن استتبت الأمور له أجبر ابن عمه على التنازل للعهد لصالح ابنه، ومن نوادر المنصور أنه أراد أن يضمن محبة الرعية لولي عهده الأمين، وعندما شعر بدنو أجله قام بجمع المال من كبار الرعية ووضعه في أكياس عليها أسماء أصحابها، وطلب من ابنه بمجرد وفاته أن يقوم بإعادة توزيع هذا المال على أصحابه حتى يضمن حبهم وارتياحهم لحكمه فيشتري بذلك ولاء الرعية لابنه بأموالهم. لعل بخل الخليفة المنصور كان مدار تندر في تراجم الساسة العرب، فالبخل المادي لم يكن بكل تأكيد إحدى سمات الشخصية العربية، ومع ذلك فإن الرجل كان ممسكا، فكان حديث القصر والرعية على حد سواء، ويورد المؤرخ ابن الأثير أن المنصور أراد أن يشيد سورا حول الكوفة والبصرة فعزم على جمع تكلفته من سكان المدينتين، فأوضح له عماله أنه سيصعب عليهم حصر أعداد المدينة، فبعث بمناد يجمع أهل المدينتين ليزف لهم خبر منح كل مواطن هبة قدرها خمسة دراهم من أمير المؤمنين، وبعد برهة زمنية قليلة قام بفرض ضريبة أربعين درهما على كل من تم إدراج اسمه على قوائم المنحة، فأنشد أحد الشعراء قائلا: «يا لقوم ما لقينا.. من أمير المؤمنينا قسم الخمسة فينا.. فجبانا أربعينا».. وقد استمر المنصور يحكم الدولة العباسية لمدة اثنين وعشرين عاما إلى أن مات وهو في سبيله لحج بيت الله في عام 158 هجريا، فآل الحكم لابنه الأمين بعدما ضمن له أبوه دولة مستقرة وممتدة وغنية وقوية.

رامي الحمد الله.. «أكاديمي» في «حقل ألغام» رامي الحمد الله.. «أكاديمي» في «حقل ألغام»

$
0
0
من أوسع الأبواب، دخل الدكتور رامي الحمد الله إلى ساحات السياسة، رغم أنه «لا سجل سياسيا» له، بعدما ظل لعشرات السنين منكبا على حلقات العلم والتعلم في قاعات الجامعات والمعاهد، ثم مشغولا بإدارة أكبر جامعة فلسطينية في الضفة الغربية: «النجاح الوطنية» في نابلس. من دون مقدمات.. قفز الحمد الله إلى سدة رئاسة الوزراء في ظرف دقيق وصعب ومركب. يقول المثل الشعبي: «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ولولا مصيبة «الانقسام» التي حلت بالفلسطينيين منذ 2007 ما كان للحمد الله، الذي لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي كبير، أن يصبح رئيسا للوزراء. فالانقسام نفسه قاد سلفه سلام فياض، الذي لا ينتمي أيضا إلى الفصائل، إلى سدة الحكم، بعدما سيطرت حماس على القطاع، فاستنجد به النظام السياسي الفلسطيني (الفتحاوي) لإصلاح الفساد المالي والإداري وإقناع الغرب بقدرة السلطة على تجاوز المشكلات وبناء دولة المؤسسات. قبل شهور قليلة، لم يكن الحمد الله نفسه يعتقد إمكانية تعيينه رئيسا للوزراء، لأن فياض كان يبدو للحظة باقيا للأبد، غير أن خلافا حادا بين فياض والرئيس، يمكن وصفه بالمصيبة الثانية، فتح الطريق واسعا أمام الحمد الله. قالت مصادر فلسطينية رفيعة لـ«الشرق الأوسط»، إن الحمد الله كان مترددا ورافضا في البداية.. واعتذر عن تولي المنصب، قبل أن يعود أبو مازن ويقنعه بتسلم المهمة، التي يطلق عليها مراقبون فلسطينيون «المهمة الانتحارية» أو «حقل الألغام»، بعدما تراجع عن تكليف محمد مصطفى (رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني). ونقول «حقل ألغام»، لأن الحمد الله وصل في ظرف دقيق ومركب، فيه مظاهرات شعبية ضد الغلاء الكبير، وأزمة مالية تعصف بخزينة السلطة، ومديونية وصلت إلى 4 مليارات دولار، وانقسام يجعله في نظر نصف الفلسطينيين غير شرعي. فإمكانية تحقيق النجاح فيها أشبه بالمستحيلة، وإمكانية الفشل مثل باب مفتوح على مصراعيه. ويقول المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، لـ«الشرق الأوسط»: «إنها حكومة الوقت الضائع، وقد جاءت بسبب المأزق الذي نتج عن الخلافات بين فياض والرئيس وبعد أن وصلت العلاقات إلى نقطة اللاعودة». وأضاف: «الرئيس كان يفضل استمرار فياض لعدة أشهر حتى تتضح نتائج جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومن ثم نتيجة المصالحة مع حماس، لكن فياض رفض الاستمرار، فاضطر لتشكيل هذه الحكومة». وتابع: «هذا لن يساعد الحمد الله، وكونها (الحكومة) مؤقتة حسب الإعلان (لحين الاتفاق مع حماس) سيكون مبررا لها لعدم تقديمها شيئا نوعيا». وتابع: «إذا استمرت طويلا فستكون انتحارية». ومن وجهة نظر المصري، فالمطلوب، أن يحاول الحمد الله تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية لمواجهة التحديات المقبلة. وأضاف: «يجب أن يستعد لتوترات كبيرة إذا ما فشلت مهمة كيري. الناس لديهم أسباب». وطبعا، لم يضع الحمد الله بعد خطة واضحة. فقد اختير فجأة ووافق فجأة وسيدخل مكتبه الفاخر في منطقة المصيون، الفاخرة في رام الله، من دون تحضير نفسي وذهني وعملي كاف. لكنه لمح في أول تصريح مقتضب له بأنه لم يأت لنسف ما بني في سنوات طويلة وليس لديه وصفة جاهزة. وقال الحمد الله، إن حكومته الجديدة، المزمع تشكيلها قريبا ستكون امتدادا للحكومة السابقة، مؤكدا أن معظم الوزراء سيحتفظون بحقائبهم الوزارية. ويبدأ الحمد الله قريبا مشاوراته لتشكيل الحكومة، ولا يتوقع أن يأخذ ذلك وقتا طويلا، إذ ستطال التغييرات وزارات محدودة، وربما «الشؤون الاجتماعية»، ووزارة التربية فقط التي ستندمج مع «التعليم العالي»، وطبعا «المالية». كما حرص الحمد الله منذ البداية على ألا يكون عدو المصالحة، متجنبا - كما يبدو - الاتهامات التي كانت تلاحق سلفه فياض. وقال الحمد الله: «بقاء حكومتي رهن باتفاق المصالحة بين فتح وحماس»، معربا عن أمله في الوقت نفسه، الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية منتصف أغسطس (آب) المقبل برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحسب اتفاق فتح وحماس في القاهرة الشهر الماضي. واختيار الحمد الله، خلفا لفياض، لم يكن مفاجئا، فقد حصر أبو مازن المنصب منذ قبل استقالة سلام فياض في 13 أبريل (نيسان) الماضي، بينه وبين محمد مصطفى. وكلف أبو مازن الحمد الله في وقت متأخر، الأحد الماضي، قبل أن تنتهي مدة حكومة تسيير الأعمال التي ينص القانون الأساسي على ألا تتجاوز 7 أسابيع. وجاء في كتاب تكليف الحمد الله: «نكلفكم تشكيل الحكومة الخامسة عشرة، خلال الفترة المحددة في القانون الأساسي المعدل لعام 2003 وتعديلاته، وأدعوكم كرئيس وزراء مكلف للحكومة المقبلة للالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، والحفاظ على مكتسباته وتطويرها، والعمل على تحقيق أهدافه الوطنية كما أقرتها وثيقة إعلان الاستقلال، وقرارات المجالس الوطنية، ومواد القانون الأساسي المعدل». ورغم أن الحمد الله قريب لحركة فتح، لكنه يصف نفسه بالمستقل. ورحب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، فورا، بقرار تكليف الحمد الله تشكيل حكومة جديدة، معربا عن أمله التعاون معه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقال كيري في بيان: «نهنئ الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الوزراء المقبل للسلطة الفلسطينية. تعيينه يأتي في لحظة مليئة بالتحديات، وهي أيضا لحظة سانحة مهمة». وأضاف: «يمكننا معا اختيار طريق المفاوضات للتوصل إلى حل الدولتين، الذي من شأنه أن يسمح للفلسطينيين بتحقيق تطلعاتهم المشروعة، ومواصلة بناء مؤسسات دولة فلسطينية مستقلة». كما أجرى ويليام هيغ، وزير خارجية المملكة المتحدة، اتصالا هاتفيا مع الحمد الله، هنأه فيه بتكليفه تشكيل الحكومة الفلسطينية. وتمنى هيغ لرئيس الوزراء المكلف النجاح والتوفيق في مهمته الجديدة، آملا استمرار التعاون بين بريطانيا ودولة فلسطين. وهنأت المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، الحمد الله باختياره لهذا المنصب. وقالت في تصريح: «تعيين السيد الحمد الله كرئيس للوزراء جاء في وقت تتوافر فيه فرصة حقيقية لاستئناف عملية السلام، ولكن أيضا في وقت تقف فيه فلسطين أمام خيارات وتحديات صعبة، وأتطلع إلى العمل من كثب مع الدكتور الحمد الله وإلى دعم العمل المتواصل لبناء مؤسسات دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة». أما على الصعيد الداخلي، فقد تباينت المواقف من تشكيل حكومة جديدة، فقد هاجمت حماس فورا تشكيل حكومة جديدة، واعتبرتها «غير شرعية»، وقال الناطق باسم الحركة، فوزي برهوم، إن الحكومة التي سيشكلها الحمد الله «غير شرعية وغير قانونية»، وأكدت «الجبهة الشعبية» أنها لن تشارك في الحكومة ومشاورات تشكيلها، ولا ترى فيها سوى نكوص عن الأهداف المعتمدة لتنفيذ اتفاق المصالحة. أما «الجبهة الديمقراطية» التي كانت مشاركة في حكومة فياض، فأعلنت انسحابها من أي حكومة جديدة. وفي إسرائيل، ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على شخص الحمد الله. وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إن اختيار الحمد الله مريح، وهو رجل جيد، لكنه كلف «مهمة انتحارية». وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن الحمد الله يعتبر «شخصية براغماتية من النخبة الفلسطينية المقبولة للغرب»، واختياره سيعزز من سلطات الرئيس عباس، لأنه سيكون أكثر «استعدادا ومرونة» من سلفه سلام فياض. وترى «يديعوت» أن تكليفه يشير أيضا إلى أن الفلسطينيين لن يتوجهوا قريبا إلى صناديق الاقتراع. ويسود اعتقاد أن الحمد الله سيعمر طويلا، باعتبار أن المصالحة لن تأتي سريعا. فمن رامي الحمد الله إذن؟ المقربون منه يقولون إنه شخصية هادئة إلى حد كبير، ومثقف، ومتفان في العمل، ومعروف على نطاق أكاديمي واسع في فلسطين. برز اسمه بعد توليه في 2002 منصب الأمين العام للجنة الانتخابات المركزية، لكنه اسم غير معروف كثيرا في الخارج. ولد الحمد الله في العاشر من أغسطس 1958 في بلدة عنبتا بطولكرم شمال الضفة الغربية، وحصل على دكتوراه في اللغويات التطبيقية من بريطانيا. عينه الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا لجامعة النجاح الوطنية عام 1998، وما زال، وهو عضو هيئة التدريس فيها بقسم اللغة الإنجليزية، إضافة إلى كونه الأمين العام للجنة المركزية للانتخابات منذ 2002. وشغل منصب نائب رئيس جامعة النجاح للشؤون الأكاديمية والكليات الإنسانية، في الفترة بين سنتي 1995 – 1998، وعميد كلية الآداب، بالجامعة نفسها في الفترة بين 1992 – 1995. ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، من 1988 – 1992 وكان مدرسا في القسم نفسه من 1982 – 1985. وخارج الجامعة، فإنه عضو في اللجنة التوجيهية لصندوق إقراض الطلبة بمؤسسات التعليم العالي، وعضو في اللجنة التوجيهية المشرفة على إدارة برنامج دعم الجامعات والمؤسسات التعليمية بفلسطين لدى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. ويشغل أيضا منصب عضو في كثير من المؤسسات الحكومية والأهلية المحلية والإقليمية والدولية، مثل مجلس إدارة صندوق إقراض الطالب في مؤسسات التعليم العالي بفلسطين، ومجلس إدارة اتحاد الجامعات الأوروبية العربية، والمجلس التنفيذي لاتحاد الجامعات العربية، ومجلس إدارة المجلس العربي لتدريب طلاب الجامعات العربية التابع لاتحاد الجامعات العربية، والهيئة الاستشارية لمجلة اتحاد الجامعات العربية، وعضو مجلس أمناء في المجلس الأكاديمي العالمي، وعضو مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات، وعضو مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، وعضو مجلس أمناء جائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع، وعضو مجلس أمناء معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لبرنامج التعاون الأوروبي الفلسطيني في مجال التربية من (2000 – 2005)، ورئيس برنامج التعاون الأوروبي - الأميركي - الفلسطيني في المجالات الأكاديمية (2005 – 2007)، إضافة إلى عضويته في مجلس اتحاد الجامعات العربية للبحث العلمي. ولا تتوقف مناصب الحمد الله ومهامه الكثيرة التي لا يعتقد أنه يستطيع متابعتها جميعا، عند ذلك، فهو نائب رئيس الأكاديمية العلمية الفلسطينية، ورئيس مجلس إدارة بورصة فلسطين، والأمين العام للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، وعضو مجلس رؤساء الجامعات الفلسطينية، وعضو لجنة الدستور الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، وعضو هيئة الجامعات والمجتمعات لمنطقة الأورومتوسطية (والتابعة للجامعة الأورومتوسطية ومقرها جمهورية سلوفانيا)، وعضو مجلس أمناء جامعة الاستقلال (الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية)، ونائب رئيس مجموعة جامعات حوض البحر الأبيض المتوسط في إسبانيا. والحمد الله يحظى بعلاقات واسعة وطيبة إلى حد كبير، كونه ظل بعيدا عن السياسة، وحاول ألا يزج نفسه في دهاليزها. لم يحسب على فصيل بعينه يوما، لكنه كان مقربا من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وحركة فتح ومن ثم مقربا من أبو مازن. لا يوجد للرجل خلافات مع حماس، لكن أنصار الحركة الطلاب في جامعة النجاح يأخذون عليه أنه لم يحمهم على الأقل من تدخل الأجهزة الأمنية. يعتبر الحمد الله نظيف اليد كذلك. ولم تثر حوله أي شبهات فساد، وينحدر من عائلة عريقة وكبيرة في طولكرم، وكان جده نائبا في البرلمان الأردني. يقول عنه تيسير نصر الله، عضو «المجلس الوطني» الفلسطيني: «ليست له خلفية تنظيمية، لكنه أكاديمي ناجح واجتماعي ناجح». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لم يهبط بالباراشوت في جامعة النجاح، لقد تقدم خطوة خطوة، ويعتبر من دون منازع باني نهضة الجامعة الحديثة». ويصف نصر الله، رئيس الوزراء الجديد بالحاضر دائما. وأوضح: «له ملاذ اجتماعي واسع. لا يترك شاردة أو واردة إلا ويتابعها، موجود دائما في المناسبات؛ في بيوت العزاء، في الأفراح، في الإفراج عن أسرى، وبطريقة لافتة». وتابع: «يحترم الجميع ويحظى باحترام كبير». وبنى الحمد الله علاقات اجتماعية عائلية وفردية واسعة، كما قال نصر الله الذي يخشى عليه من المهمة الجديدة. وأردف: «أخشى على رصيده من النجاحات.. أخشى أنه قد لا يستطيع في ظل التركيبة الحالية للسلطة أن يكرر نجاحاته الأكاديمية في السياسة». ومضى يقول: «بصراحة، كان بمنأى عن مثل هذه القصص». ورغم ذلك، يعتقد نصر الله أن الحمد الله سيستطيع إحداث نقلة نوعية في أداء السلطة بما يضمن إعادة احترام الناس لها. وقال: «إنه يعرف الناس ومشاكل الناس قبل أن يذهب إلى كرسي رئاسة الوزراء». أما منير الجاغوب، الناشط السياسي والشبابي، الذي تعامل مع الحمد الله لسنوات في الجامعة، فوصفه بالرجل الناجح، وقال: «لقد نهض بجامعة النجاح حتى وصلت إلى مستوى رائد». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إنه هادئ ويحترم الناس وبشوش دائما». لكن جاغوب، مثل نصر الله، يخشى من أن تخرب السياسة تاريخ الرجل. وقال: «السؤال هو: هل ينجح سياسيا واقتصاديا وأمنيا فيما نجح فيه أكاديميا، أم أن هذه العقبات ستضر به وبتاريخه». وقال الجاغوب، إنه يتأمل في الحمد الله خيرا، لأنه قاد لسنوات طويلة شرائح الشباب في جامعة النجاح، ويعرف مشاكلهم المتعلقة بالأقساط وبالتوظيف وأحلامهم الكبيرة والصغيرة. ويعرف منسق الشبيبة في جامعة النجاح، إياد دويكات، الحمد الله، من قرب. وله معه صولات وجولات لسنوات طويلة. وقال دويكات، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحمد الله «ناجح جدا ويقدس الوقت، ومواعيده دقيقة للغاية، وهو عملي لأبعد الحدود، يعمل في مكتبه 18 ساعة من 24». وأضاف: «لديه بريستيج وكاريزما، وعاطفي جدا». ويتذكر دويكات، كيف دفع الحمد الله من راتبه في مرات كثيرة لمساعدة بعض الطلبة الذين كانوا يطرقون بابه. وتابع: «لا يرد أحدا، ويتعاطف بشدة مع احتياجات الناس». ومضى يقول: «لا يترك بيت عزاء لا يذهب له مثلا». وسأله مرة دويكات: «لماذا تصر على الذهاب إلى كل بيوت العزاء رغم ضيق الوقت»، فأجابه: «لأني أعرف عمق أثر زيارة العائلات المنكوبة بفقدان أعزائها، كنت أؤمن بذلك دائما، وجربت ذلك وشعرت به لاحقا». وكان الحمد الله يشير إلى فقدانه جميع أبنائه في حادث سير مروع في عام 2000 بين نابلس ورام الله، قبل أن ينجب مجددا ابنته الوحيدة «مرح (7 سنوات)» التي لا تفارقه معظم الوقت حتى في مكتبه، متحليا بإيمان عميق ما زال بحاجة إليه كثيرا وهو يواجه مطبات السياسة وحفرها العميقة.

قالوا

$
0
0
* «أي محاولة للتأثير على الوضع في سوريا بالقوة عبر تدخل عسكري مصيرها الفشل». * الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد أنها ستؤدي إلى عواقب إنسانية كبرى. * «أحكام قاسية». * وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي يعرب عن غضبه إزاء أحكام بالسجن أصدرتها محكمة جنايات القاهرة أمس بحق 43 شخصا من العاملين في منظمات أجنبية غير حكومية في مصر. * «إنني على قناعة بأن مواطنينا سيوقفون اليوم احتجاجاتهم.. هذا ما نتوقعه منهم». * نائب رئيس الحكومة التركية بولند أرينج حول المظاهرات التي نظمت في إسطنبول. * «الاستخدام السلمي للطاقة النووية». * علي أكبر ولايتي أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية يؤكد الاستخدام السلمي للطاقة النووية ويقول إن بلاده لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية لكنه استبعد أي تغيير في النهج في حال انتخب رئيسا. * «عضوية الاتحاد تتطلب الالتزام بالمعايير الديمقراطية». * رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز يعتقد أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان غير مستعد لذلك في لحظات معينة.

العراق.. الخيارات المفتوحة العراق.. الخيارات المفتوحة

$
0
0
مثل كرة ثلج كبرت أزمات العراق، إلى حد أن وصفتها الأمم المتحدة بالخطيرة، محذرة من انزلاق البلاد نحو المجهول.. في أعقاب موجة من التفجيرات بالسيارات المفخخة، لم تسلم منها المدن الرئيسة في البلاد، راح ضحيتها في شهر مايو (أيار) الماضي وحده أكثر من 1000 قتيل، ما يجعله الأكثر دموية منذ سنة 2008. يضاف إلى ذلك الأزمة السياسية الخانقة التي تواجهها حكومة نوري المالكي، فالمعتصمون في المحافظات الغربية من طائفة السنة، يلوحون بالسلاح بعد أن فشلت جهود المصالحة، فيما ينادي بعضهم الآخر بإنشاء إقليم خاص بهم وهو ما كان مرفوضا بينهم في السابق. العودة إلى «المربع الأول» باتت نوعا من الحل الآن.. بعد أن بدا أن الأزمة في العراق، ربما في طريقها إلى أن تتعقد أكثر فأكثر.. حيث تولت الولايات المتحدة بعد الغزو، إجراء ترتيبات سياسية من خلال «المحاصصة» تولت بموجبها الطبقة السياسية الحالية الحكم، ووصفها سياسيون وقتها بأنها منقوصة لأسباب كثيرة. وانتشى المنتصرون الكبار من التغيير الدراماتي وهما الشيعة والأكراد اللذان كانا يشعران طوال 80 سنة من تأسيس الدولة العراقية الحديثة (تأسست سنة 1921 وسقطت عام 2003) بالتهميش والإقصاء تحت حكم في إطاره العام سني. وبعد نحو سنتين ونصف من هدوء سياسي نسبي بدأت أزمة المحاصصة السياسية تأخذ بعدا آخر عندما ظهرت فكرة المقاومة التي اختلطت مع قضية الإرهاب فاختلط المفهومان معا حتى تفجرت الأوضاع في فبراير (شباط) سنة 2006 عندما تم تدمير مرقد سامراء فانفتح أمام العراقيين خيار واحد آنذاك هو خيار الحرب الأهلية (2006 - 2008). اليوم يبدو المشهد مختلفا ولعل أهم سمة فيه هو أنه مفتوح على عدة خيارات لا خيار واحد. فهناك خيار التقسيم من خلال تشكيل ثلاث دول أو «دويلات» مثلما يجري تداوله ربما بهدف تبسيط الأزمة أو المشكلة إن لم نقل المصيبة. وهناك خيار الأقاليم «الفيدرالية» المكفولة دستوريا والمرفوضة واقعيا وعمليا. وهناك خيار الحرب الأهلية التي ذاق العراقيون ويلاتها خلال السنوات الماضية. لكن الحرب الطائفية انتهت مع أنه لم يجر الاعتراف بها كليا. فعلى الرغم من كل ما حصل من قتل على الهوية طال عشرات آلاف العراقيين في مختلف مناطق العراق ما عدا إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي وشبه انفصال منذ عام 1991 والذي تحول إلى ملاذ آمن للعراقيين الهاربين من العنف الطائفي في باقي مناطق البلاد لا سيما المختلطة منها وفي المقدمة منها العاصمة بغداد. وحين نقول المربع الأول الذي كان يخشاه الجميع فإن المقصود به كان الحرب الطائفية فقط. أما اليوم فإن هناك بالإضافة إلى هذا الخيار خيارين آخرين وهما التقسيم والأقاليم. وربما يتساءل الكثيرون أي من هذه الخيارات هو الأكثر ترجيحا؟ ولعل الإجابة هنا لا تنحصر بترجيح أي واحد من هذه الخيارات بناء على المعطيات التي يفرضها الواقع بل إن الأخطر من ذلك هو أن اختلاط الأزمة بين ما هو سياسي ومجتمعي، داخلي وخارجي، يجعل من إمكانية أن تتحقق كل هذه الخيارات معا.. فالتقسيم لا يمكن أن يتم في ظل الوضع الحالي في العراق بالتراضي وبالتالي فإنه قد يأتي من خلال حرب أهلية. وحتى الأقاليم التي يكفلها الدستور العراقي (تم إقراره عام 2005) لا تبدو اليوم وفي ظل اشتداد الأزمة السياسية خيارا متفقا عليه حتى بين المتظاهرين في المحافظات الغربية من العراق والتي بدأت أواخر عام 2012 وما زالت مستمرة حتى اليوم. وحتى آخر جمعة مظاهرات التي أطلق عليها جمعة «خيار من في الميدان خيارنا» فإن معارك بالأيدي والعصي حدثت في مدينة الفلوجة (إحدى أكبر المدن المقاومة في العراق) بين مؤيدي الإقليم السني ومعارضيه. المفكر العراقي المعروف والنائب المستقل في البرلمان العراقي حسن العلوي يطلق في إطار رؤيته لما يجري في العراق الآن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق يمر اليوم في مرحلة الدولة الفارغة وداخل هذه الدولة الفارغة عدة مشتركات مشترك روحي ومشترك وطني ومشترك ديني». ويضيف العلوي أنه «حتى داخل المشترك المذهبي توجد حالة فراغ وهو ما يؤدي إلى ازدهار الانقسامات وذلك في غياب سلطة مركزية»، معتبرا أن «ترك المؤسسات فارغة وذلك من قبيل وجود نحو 50 مؤسسة دولة فارغة وتدار بالوكالة بمن فيها وزارة الأمن الوطني في بلد أخطر ما يعانيه اليوم هو غياب الأمن». ويرى العلوي أنه «ليس هناك رغبة في ملء الفراغات بما في ذلك وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني». وبذهب العلوي بعيدا في تشخيص الأزمة حيث يقول إن «رئيس الوزراء نوري المالكي وعلى الرغم من توليه ولايتين فإنه لا يزال في مرحلة التأسيس ولم يدخل بعد في مرحلة الحكم ولا أحد يعرف حتى الآن متى تنتهي مرحلة التأسيس هذه». ولأننا ما زلنا في مرحلة التأسيس فإنه وطبقا للعلوي فإن «الحكم سائب حيث لا يوجد من يتابع الفساد والقتلة واللصوص». ويعيد العلوي الأزمة العراقية بكل تجلياتها إلى الطبيعة التوافقية للبرلمان العراقي حيث إن «هذه الطبيعة التوافقية لا تترك لرئيس الوزراء حرية العمل فالبرلمان العراقي هو ليس بيد أعضائه بل بيد زعامات الكتل وكل القوانين والقرارات فيه تطبخ في مطبخهم وتتم المصادقة عليها داخل البرلمان ولعل مرتين أو ثلاث أنجز فيها البرلمان قوانين غير متفق عليها مسبقا». العلوي وبحكم سنه (مواليد 1936 وهو أكبر أعضاء البرلمان العراقي سنا) عاصر النوريين معا.. نوري السعيد رئيس الوزراء المزمن في العهد الملكي (1921 - 1958) ونوري المالكي الذي يحكم منذ عام 2006. يقول إن «المالكي يمر اليوم بهاجس نوري السعيد حيث لم يكن أمام السعيد خصم قوي بينما الأمر مختلف أمام المالكي الذي يواجه اليوم خصوما أقوياء». وفي بلد لم تترسخ مؤسساته الديمقراطية فإن الحاكم يجد صعوبة في ظل «عدم وجود تناظر نوعي داخل البرلمان». وبشأن رؤية المستقبل يرى العلوي أن «الأزمة مركبة حيث إن المالكي لا يزال يراهن على حكومة أغلبية في ظل احتدام الصراع حتى داخل الشيعة بينما يتنامى اليأس عند السنة بسبب أنهم يرون أن الحكومة لم تقدم لهم شيئا وهو ما بات يدفع قسما منهم إلى البحث عن إقليم يريدون له أن يناظر الإقليم الكردي وهو خطأ فادح لأن الإقليم الكردي هو نتاج حلم طويل بينما الإقليم السني هو تعبير عن كابوس سلطة مفقودة». لا تختلف رؤية عميد كلية النهرين في جامعة بغداد الدكتور عامر حسن فياض كثيرا عن رؤية العلوي بشأن مفهوم «الدولة الفارغة». فياض وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يرى أن «المشهد العراقي ينفتح الآن على أربعة مفردات هي عوق وعوز وعبث وعجز» فهناك والكلام للدكتور فياض «عوق سياسي وعوز تشريعي وعبث بالمال العام وعجز بالأداء الحكومي» معتبرا أنه في حال «بقيت هذه العلامات الفارقة السلبية على حالها فإنه كفيل بأن يجعل من شيء اسمه العراق عبارة عن كيان سياسي وليس دولة» مؤكدا أنه «ببقاء الحال على ما هو عليه طبقا لهذه الخيارات يمكن أن يكون التقسيم أو التفتيت أو التجزئة أو الحرب الأهلية مطروحة ولا يمكننا استبعاد أي منها». ويضيف الدكتور فياض قائلا إن «مشكلات العراق أساسها داخلي وإن كان مظهرها خارجيا وإن كل من يتصور أن مسببات مشكلاتنا خارجية فإنه واهم مع عدم استبعاد وجود أجندة خارجية ولكن في حال تمت معالجة النقاط الأربع فإن التأثيرات الخارجية سوف تتقزم بينما في حال لم تتم معالجتها فإن هذه التأثيرات الخارجية ستتغول وتصبح هي الأساس في رسم مستقبل العراق». مع ذلك فإن مجموع الأوضاع التي يمر بها العراق حاليا من حيث استمرار المظاهرات في المحافظات الغربية وعدم حسم الأزمات السياسية المختلفة بين البرلمان والحكومة وعدم تحقيق مفهوم محدد ومتفق عليه للشراكة في الحكم وصناعة القرار فإنه وطبقا لما يراه الدكتور رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير العلوم والتكنولوجيا السابق في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فإن «الخيارات المطروحة وهي التقسيم أو الأقاليم أو الحرب الطائفية ليست مفروضة بوصفها خيارات مسبقة حيث إنه لم يعلن أحد أنه يريد حربا طائفية أو يريد تقسيم العراق باستثناء ربما بعض القوى الإرهابية التي ليس لديها سوى خيار واحد هو التخريب والتدمير أيا كانت النتيجة». والخطورة بالنسبة لما يراه الدكتور فهمي أن «الصراعات الحالية بين القوى والكتل السياسية وما بات يترتب عليها من أجندات داخلية وخارجية يمكن أن تؤدي الآن أو في مرحلة لاحقة إلى نتيجة من هذا النوع لا سيما مع غلق قنوات الحوار فضلا عن التحشيد بكل أنواعه لدى كل الأطراف». ويضيف فهمي قائلا إن «كل المؤشرات تظهر أننا وصلنا إلى مفترق طرق إلى الحد الذي بدأت فيه جهات أممية ودولية تقلق على ما يجري في العراق مثل الأمم المتحدة وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبالتالي فإنه ما لم يتم وقف التداعي فإنه يصعب السيطرة على ما يمكن أن يحصل في المستقبل». لم يعد الدين أو المذهب ضامنا لوحدة العراق بل في ظل التعددية الدينية والمذهبية والعرقية في العراق فإن المذاهب تحولت إلى مشكلة بحد ذاتها. ولو كان قد دخل الأكراد لعبة المذاهب (سنة في غالبيتهم العظمى) لما تمكنوا من بناء تجربة تعتبر مثالية في إقليم كردستان من «حيث الاستقرار والأمان والاستثمار الذي حول قرية قبل سنوات مثل أربيل إلى مدينة» مثلما يرى حسن العلوي في مداخلته بينما «تحولت مدينة مثل بغداد في الماضي إلى قرية الآن بسبب الصراعات والنزاعات بين الشيعة والسنة». وطالما أن الدين أو المذهب لم يعد في ظل الأوضاع الحالية التي يمر بها العراق ضامنا لوحدة البلاد أو على الأقل سدا أمام محاولات تمزيقها والذهاب بها إلى خيارات مختلفة ومفتوحة على كل الاحتمالات فإن الأنظار تتجه الآن إلى العشيرة التي لعبت ولا تزال تلعب دورا محوريا في تاريخ العراق. وفي هذا الإطار يرى الشيخ جمال البطيخ رئيس الكتلة البيضاء في البرلمان العراقي ووزير الدولة لشؤون العشائر السابق في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «التصعيد الحالي بين أقطاب العملية السياسية وكل ما ترتب عليه من تهييج وشحن للشارع العراقي إنما هو ناتج عن التغيير الذي حصل عام 2003 وهنا يجب أن نقر بالعامل الخارجي وليس الداخلي لجهة أن الاحتلال الأميركي للعراق هو الذي بذر الفتنة الطائفية بسبب أن التغيير الذي حصل كان تغييرا قاسيا بكل المعايير أدى إلى تدمير الدولة العراقية وكان قد علق آمالا كبيرة على هذا التدمير غير أن تماسك المجتمع العراقي ببعده العشائري وشكل ولا يزال يشكل عاملا أساسيا باتجاه وحدة هذا البلد». ويضيف البطيخ قائلا إن «القبيلة في العراق هي الوحدة الأساسية في العراق وهي دائما منقسمة إلى قسمين شيعي وسني وقد أصبح هذا الانقسام القبلي عامل توحيد مجتمعي وهو أمر أدى وسوف يؤدي إلى إفشال كل المحاولات الهادفة إلى تقسيم العراق أو تجزئته طبقا لعامل الاحتراب الطائفي على الرغم من كل الضخ والتحشيد وشراء الذمم وغيرها من المحاولات». ويؤكد البطيخ أن «الأزمة في العراق الآن هي أزمة سياسية وليست أزمة مجتمعية والدليل على ذلك أن الكثير من السياسيين على الرغم من أنهم جزء من العملية السياسية ولديهم مواقع وامتيازات فإنهم ما زالوا يحنون للماضي ويحاولون ركوب شتى الموجات من أجل تحقيق أهداف باتت مرفوضة حتى في حواضنهم الاجتماعية مثل حكاية الإقليم السني الذي يطالب به بعض السياسيين على الرغم من أنه مرفوض من قبل كبار مراجع السنة مثل الشيخ عبد الملك السعدي». ويراهن البطيخ على ما يسميه «الوعي الاجتماعي للشعب العراقي حيث إن الناس اكتشفوا حقيقة الكثير من السياسيين من أصحاب المشاريع الهادفة إلى تمزيق العراق». من جهته يرى القيادي في دولة القانون ورئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية الدكتور عدنان السراج في مداخلته لـ«الشرق الأوسط» أن «الحديث عن الخيارات المفتوحة بالنسبة للوضع العراقي ومن بينها التقسيم ليس أمرا جديدا حيث إن اللافت في تاريخ العراق ومنذ عقود أن هناك ضخا إعلاميا وسياسيا ملخصه هو تقسيم العراق وكأن هذا الأمر هو أحد ثوابت السياسة العالمية أو الاستراتيجية الدولية وقد أصبح هذا الأمر وكأنه قدر لا يمكن الفكاك منه وأنه يمكن أن يتحقق في قابل الأيام». ويمضي السراج قائلا «لكن واقع الحال هو بخلاف ذلك فالعراق لم يتقسم ولم يتشرذم على الرغم من كل ما مر به على الرغم مما يبدو أنه يمر اليوم في ظرف مختلف إلا أن النتيجة النهائية أن العراقيين سوف يتخطون مثل هذه المخاوف على الرغم من أن تاريخ العراق الحديث لم يخل أيضا من صراعات بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد ولكنها سرعان ما تزول وتذهب أدراج الرياح». ويرى السراج أنه «طبقا لرؤية البعض فإن التقسيم أو الأقاليم هو الحل وإنه يمكن أن يحل المشكلات ولكن في حال حصل ذلك فإن الدويلة الشيعية التي تتشكل والدويلة السنية سوف تبحث كل واحدة منهما عن حليف إقليمي وهو أمر سوف يفاقم المشكلات لا يحلها»، معتبرا أن «الحل لدعاة الميليشيات كان شيعيا عندما قاد المالكي صولة الفرسان في البصرة والعمارة وبغداد والحل لدعاة الأقاليم ومطاردة القاعدة كان سنيا عندما شكلوا الصحوات واليوم يطردون من داخل ساحات الاعتصام كل من يدعو إلى التقسيم».

قالوا

$
0
0
* «مجلس الوزراء متفرغ لملاحقتنا واتهام الرموز الوطنية بالإرهاب، بينما الإرهاب يضرب ويقتل الأبرياء كل يوم». * رئيس الوزراء العراقي الأسبق الدكتور إياد علاوي عن الحكومة العراقية * «لا يستطيع أحد وقف صعود تركيا.. سوى الله وحده» * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن المحتجين في ساحة تقسيم بإسطنبول * «ندعو الساسة والعلماء، إلى خطوات فعلية تردع الحزب الطائفي المقيت ومن يقف وراءه عن العدوان، فقد انكشف بما لا يدع مجالا للشك أنه حزب عميل لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة» * الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية عن حزب الله اللبناني * «يشكل السايبر اليوم جزءا من جبهة الحرب. وأنا لا أتحدث عن الحرب المستقبلية بل عن الحرب التي تدور رحاها هنا والآن». * رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول نية إسرائيل إقامة «قبة حديدية رقمية» لمواجهة الهجمات الإلكترونية قبل وقوعها * «لم أكن أنوي قبول هذا المنصب لعدة أسباب، فزيادة التضخم والميزانية المحدودة للإصلاحيين تجعلان الحملة الانتخابية صعبة للغاية». * زهراء إشراقي، حفيدة مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله الخميني، حول رئاستها للمقر الوطني للشباب الإصلاحي

الرشيد بين العظمة والسياسة الرشيد بين العظمة والسياسة

$
0
0
هناك شبه اتفاق بين المؤرخين على أن خلافة هارون الرشيد تعد بكل المقاييس أعلى نقطة مجد وصلت إليها الخلافة العباسية، فلقد كان هارون الرشيد أحد أقوى وأعظم الشخصيات السياسية في التاريخ الإسلامي، فهو ليس رجل دولة حازما وقويا فقط، بل هو مثال للترف والبذخ والعظمة والهيبة والرهبة، فهو مزيج مختلف لمفهوم الخلافة لم ينافسه فيه أحد من الخلفاء العباسيين قبله أو بعده، ففي عهده قويت الدولة الإسلامية واستتب الأمن والأمان في ربوعها، وشهدت نهضة عظيمة في كل المجالات. حقيقة الأمر أن الرشيد ورث دولة قوية من أخيه الهادي الذي يقال إنه مات في ظروف غامضة، بل إن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن أمه الخيزران كان لها دور في موته، وفي كل الأحوال فإن الخلافة آلت للرشيد وهو في الخامسة والعشرين، ولكن خبرته في الحياة السياسية كانت قوية، حيث كان والده قد عهد إليه بعدة ولايات من قبل فتعلم كيف يقود ويدير دولة، فلما آلت إليه الخلافة استطاع أن يسيطر على مقاليد الأمور بلا مشكلات تذكر، وهو ما أسهم في الانطلاقة الحضارية للدولة الإسلامية في عهده. وتشير أغلبية من المصادر التاريخية إلى أن الرشيد كان قوي الشخصية حاد المزاج، ولكنها تجمع على أنه كان كريما مع من يستحق ومن لا يستحق، كما أنه كان فصيحا بليغا، يحيط نفسه بالشعراء مثل أبي العتاهية، كما أنه كان واسع الصدر والعطاء للعلماء، والذين كانوا مقربين له ولمجالسه في القصر، وفي عهده تم تأسيس بيت الحكمة الذي أصبح منارة فكرية وعلمية واسعة النطاق، وتم الاهتمام في عهده بعلوم الدين والعلوم الأخرى وأصبحت بغداد بالفعل منارة للعالم الإسلامي وغير الإسلامي على حد سواء، وقد اشتهر عهده ببناء القصور العظيمة في ربوع بغداد، والتي صارت من أجمل مدن العالم. وعلى الرغم من القوة والعظمة التي كثيرا ما توصف بها دولة هارون الرشيد، فإن خلافته لم تكن خالية من المشكلات والثورات الخارجة عليه، ونرصد هنا أهم الحركات التالية: أولا: حركة يحيى بن عبد الله، وهو أحد الفارين من معركة «فخ» التي انتهت بهزيمة الثائر الشيعي الحسين بن علي بن الحسن، فما كان من الرجل إلا أن هرب إلى «الديلم»، حيث بدأ يجمع القوى والأنصار حوله ضد الخلافة، والتي آلت إلى الرشيد في ذلك الوقت، فاشتد عوده فأرسل له الرشيد الفضل بن يحيى على جند كثيف، ولكن الأخير آثر استمالته بدلا من قتاله، فأمنه الرشيد بكل الكتب، ولكنه سرعان ما ألقي القبض عليه ناقضا عهده تماما مثل أجداده مع أعدائهم، ولكنه أفرج عنهم بعدما تأكد من عدم خطورته. ثانيا: حركة إدريس بن عبد الله، وهو أيضا أحد الفارين من معركة «فخ»، فهرب إلى مصر ثم توجه إلى المغرب، حيث التف حوله البربر واعتنقوا فكره ودانوا له بالولاء، وسرعان ما بدأت تقوى شوكة الرجل، فما كان منه إلا أن أعلن دولته المعروفة بدولة الأدارسة، ولكن هارون الرشيد تعامل معه بحرص شديد، حيث كان يخشى من إرسال جيش يلقى هزيمة على أيدي البربر المعروفين بشدة بأسهم، فيكون ذلك نموذجا ناجحا للانفصال عن المظلة العباسية، فأرسل له أحد رجاله ويقال إنه دس له السم، فمات الرجل ولكن البربر لم ينفضوا من حوله، فدانوا بولائهم لابنه الذي ولد بعد مماته، فاستمرت دولة الأدارسة، وبالتالي لم يجد الرشيد بدا من إسناد ولاية تونس إلى إبراهيم بن الأغلب ليقف حائلا أمام هذه الدولة الصاعدة. ثالثا: لعل الخوارج كانوا العدو والقاسم المشترك للدولتين الأموية والعباسية على حد سواء، فلقد ثاروا في العهد العباسي منذ بدايته، وقد شهدت فترة حكم الرشيد خروجا للخوارج مرة أخرى، خاصة حركة الوليد بن طريف سنة 178 هجرية، فأرسل لهم يزيد بن مزيد والذي استطاع أن يهزمهم ويقضي على خطورتهم، ولكنهم ظلوا قرحة سياسية في الخلافة العباسية. ولعل من أهم إنجازات هارون الرشيد صراعه مع دولة بيزنطة، فيدون لنا التاريخ أنه قاد أثناء خلافة والده الجيش العباسي في معركة خليج القسطنطينية، حيث هزم جيش بيزنطة هزيمة نكراء استسلم بعدها لمطالب الجيش العباسي ومنها دفع جزية قدرها سبعون ألف دينار، ولكن بعد اعتلاء الرشيد سدة الحكم حدث انقلاب في القصر البيزنطي أطاح بالمرأة التي كانت تحكم وأتي بشخص يدعى «نقفور»، والذي سرعان ما أرسل للرشيد كتابا وقحا تضمن قوله «من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب.. لتعلم أني أنا الشاه وأنت الرخ، فأد إليَّ ما كانت المرأة تؤديه إليك»، أي أنه يطلب منه أن يدفع قيمة الجزية له، فما كان من الرشيد إلا أن انفعل، فكتب على ظهر الرسالة رده، والذي جاء فيه: «من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.. أما بعد فقد فهمت كتابك والجواب ما تراه لا ما تسمعه»، وبهذه البلاغة غير الدبلوماسية كانت نية هارون واضحة، فلقد تجددت الحرب بين الرشيد وبيزنطة مرة أخرى، فدارت معركة هرقلة الشهيرة وانتهت بهزيمة جيوش «نقفور»، والذي عاد ليدفع الجزية مرة أخرى، ولكنه سرعان ما نقض عهده فأرسل له هارون جيشا جديدا ضرب هرقلة مرة أخرى فاضطر الرجل للخضوع لشروط هارون الرشيد مرة أخرى. وعلى الرغم من العلاقات المتوترة مع دولة بيزنطة، فإن الرشيد كانت له علاقة قوية مع الإمبراطورية «الكارولنجية» المكونة من القبائل الفرانك Franks ممثلة في الملك شارلمان العظيم، وهذه العلاقة كانت ممتدة قبل وبعد خلافة الرشيد لأسباب تتعلق بسعي العباسيين لاحتواء الدولة الأموية في الأندلس، مثبتين حقيقة أساسية وهي أن السياسة تعتمد على توازن القوى لا على الولاءات الدينية، فها هي دولة إسلامية تفتح جسور الود مع دولة متاخمة لدولة إسلامية معادية. وحقيقة الأمر أن خلافة الرشيد ستظل تمثل في وجدان كل مسلم المثال الحي للقوة والعظمة والعلم والفن والفكر وبالأخص الهيبة السياسية، وهو ما يعكس حقيقة أساسية وهي أن الدولة تعتمد على رجال دولة لتتبوأ مكانتها في كتب التاريخ وبين الدول.

أوباما.. والمستشارتان اللدودتان أوباما.. والمستشارتان اللدودتان

$
0
0
في مطلع السنة، ومع بداية الرئاسة الثانية للرئيس باراك أوباما، وقرار هيلاري كلينتون بألا تستمر وزيرة للخارجية، قرر أوباما اختيار صديقته سوزان رايس، سفيرة بلاده لدى الأمم المتحدة، وزيرة للخارجية. لكن، قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس شنوا هجوما عنيفا عليها، واستغلوا تصريحات سابقة لها لإثبات قصور رؤيتها حول القضايا المهمة في البلاد منها بأن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي لم يكن بسبب تقصيرات أمنية، ولم يكن هجوما إرهابيا متعمدا، وفضل هؤلاء زميلهم السيناتور الديمقراطي جو بايدن وزيرا للخارجية. وراء الكواليس، في ذلك الوقت، شهد البيت الأبيض «حربا» بين مؤيدي رايس ومعارضيها. وقالت غيل سميث، مستشارة أوباما في مجلس الأمن القومي، وتدعم رايس: «يقولون إن سوزان مسؤولة عن كل شيء. هل هي مسؤولة عن انخفاض درجة الحرارة اليوم؟». لكن سميث واحدة من القلائل من مؤيدي رايس. أولا، لم تتدخل هيلاري كلينتون لتدافع عن رايس وأهليتها لوزارة الخارجية، ولم يكن سرا أن هيلاري لا ترتاح لها، وأن سنوات هيلاري الأربع في الخارجية شهدت مشكلات مع سوزان، السفيرة لدى الأمم المتحدة. وعندما سحبت سوزان اسمها كمرشحة لوزارة الخارجية، لم تقل هيلاري إنها حزينة، أو أصيبت بخيبة أمل، ويبدو أنها مثل غيرها من معارضي سوزان في إدارة أوباما، وكما قالت مجلة «ويكلي ستاندراد»، إن هيلاري كلينتون «تنفست الصعداء» لأن رايس لن تصبح وزيرة للخارجية. وكما قال مسؤول آخر في البيت الأبيض للمجلة: «لم يؤيدها أحد لتستمر في محاولة أن تكون وزيرة للخارجية». وبالتأكيد لم تؤيدها منافستها سمانثا باور التي كانت تشغل منصب مستشارة الرئيس أوباما للشؤون الإنسانية، والود المفقود بين رايس وباور ليس مجرد إشاعات. ففي كتابها عن مذبحة رواندا، سنة 1994، انتقدت رايس باور لأنها رفضت أن تسمي المذبحة «مذبحة». لكن، كان، ولا يزال واضحا، أن ما بينهما ليس فقط اختلاف في الرأي، ولكن، أيضا، عدم ارتياح شخصي. لهذا، وفي مطلع هذه السنة، عندما كان أوباما يميل لتكليف رايس حقيبة الخارجية، لم تكن باور من المتحمسين، ولهذا، عندما قرر أوباما أن يختار رايس مستشارة له للأمن القومي، حاول إرضاء المرأتين، ومنع وجودهما في مكان واحد: رايس في البيت الأبيض، وباور في نيويورك. وعلقت مجلة «ويكلي ستاندراد» قائلة: «إذا كان ريتشارد هولبروك حيا، لم يكن سيعارضها فقط، بل كان، أيضا، سيريد أن يكون هو وزيرا للخارجية». هذه إشارة إلى مشكلات صارت علنية بين رايس وهولبروك، الذي كان سفيرا في الأمم المتحدة، ثم مبعوثا خاصا في باكستان وأفغانستان. ومرة تبادلا شتائم، واتهمت رايس هولبروك بأنه يسيء إليها لأنها سوداء. ويقال إن جزءا من المشكلات بين رايس وباور هو اعتقاد رايس أن باور تقلل من قيمتها لأنها سوداء. * سوزان رايس * في سنة 1964، ولدت سوزان رايس في واشنطن في عائلة سوداء شبه أرستقراطية: كان والدها أستاذا في جامعة كورنيل (ولاية نيويورك). ثم أول مدير أسود للبنك المركزي، وكانت والدتها خبيرة سياسية، ولا تزال خبيرة في معهد «بروكنغز» في واشنطن. وهاجر جدودها من جمايكا (البحر الكاريبي). ويقال إن لها صلة بأسلاف كولن باول، وزير الخارجية الأسبق، الذي هاجر والداه من جمايكا أيضا. ووفر لها والداها أحسن فرص التعليم: مدرسة خاصة، ثم مدرسة تابعة للكاتدرائية الوطنية في واشنطن. ونالت منحة دراسية وذهبت إلى جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا)، وسكنت في داخلية خاصة مرموقة. ثم نالت منحة دراسية في جامعة أكسفورد، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية. وكانت أطروحتها عن آخر سنوات الاستعمار البريطاني لزيمبابوي (كانت تسمى روديسيا الجنوبية). وكانت رايس فخورة بلونها الأسود، وبخلفيتها الأفريقية والكاريبية، وبأنها أنجزت ما أنجزت ليس بسبب مساعدات حكومية لأنها سوداء، ولكن بسبب ذكائها وجهودها. وعندما توفي والدها في 2011، قالت إنها تعلمت منه ألا تتعقد نفسيا بسبب لونها، وإنه قال لها: «عرقلت التفرقة العنصرية إنجازاتي. وعانيت عقودا حتى تخلصت من العقدة النفسية بسبب لوني»، ونصحها قائلا: «تخلصي من عقدة اللون النفسية». وتقول رايس إن أنشطتها في اتحاد الطلبة ساعدتها في هذا الموضوع، وكانت ترشحت وفازت في مناصب طلابية كثيرة، وقبل أن تسافر إلى جامعة أكسفورد، تطوعت للعمل في حملة مايكل دوكاكيس، مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية سنة 1988 (فاز فيها جورج بوش الأب). وبعد أكسفورد عملت مستشارة في حملة الرئيس بيل كلينتون، مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية سنة 1992 (فاز على بوش الأب). وبعد فوز كلينتون، عينها مستشارة في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وبعد أن فاز للمرة الثانية سنة 1996، عينها مساعدة لوزيرة الخارجية، مادلين أولبرايت، للشؤون الأفريقية. وفي وقت لاحق، اعترفت بأنها قصرت عندما وقعت مذبحة رواندا سنة 1994. ولم تتدخل الولايات المتحدة لوقفة الإبادة الجماعية هناك. وقالت رايس آنذاك: «إذا قلنا إنها مذبحة، يجب أن نتدخل». بعد ذلك بعشر سنوات، عندما كانت خبيرة في معهد «بروكنغز»، واشتعلت الحرب في دارفور، في السودان، وصفتها بأنها «مذبحة»، ودعت للتدخل العسكري الأميركي. وقالت، إشارة إلى مذبحة رواندا: «أقسمت أنني إذا واجهت كارثة إنسانية، أدعو للتدخل المباشر والكامل، حتى إذا حطم ذلك مستقبلي». ومثلما اعترفت رايس بأنها أخطأت في رواندا، اعترفت بأنها أخطأت في السودان. وذلك بعد اتهامات لها بأنها نصحت الرئيس كلينتون ألا يتعاون مع الحكومة العسكرية الإسلامية بقيادة الرئيس عمر البشير في الحصول على معلومات عن زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. وكان بن لادن يعيش في السودان في ذلك الوقت (قبل أن يهاجر إلى أفغانستان). وكتب ديفيد روس في مجلة «فانيتي فير» أن عداء رايس للحكومة العسكرية الإسلامية في السودان شديد إلى درجة أنها ترفض التعاون معها حتى في مجالات تفيد الولايات المتحدة. وبعد أن فاز أوباما في الانتخابات الرئاسية في المرة الأولى سنة 2008، عينت سفيرة لدى الأمم المتحدة، وصارت هذه فرصة ذهبية لها ضد حكومة البشير. لكن لم يكن عداء حكومة البشير سببا في تعيينها. وذلك لأن أوباما لم ينس أن رايس كانت من أوائل خبراء الحزب الديمقراطي الذين أيدوه ضد السيناتورة هيلاري كلينتون التي ترشحت ضده للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة سنة 2008. وكان من أكثر الخبراء المؤيدين له انتقادا للسيناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري في تلك الانتخابات، ولهذا، عندما فاز أوباما، كافأها بأن عينها سفيرة في الأمم المتحدة. والعلاقة المتينة بين أوباما ورايس، ليس فقط بسبب تأييدها له منذ البداية، وليس فقط بسبب لونهما الأسود، ولكن أيضا، بسبب العداء الذي يكنه لهما قيادات من السود يصنفون أوباما ورايس ضمن «الاندماجيين»، أي السود الذين يعتقدون أن البيض لا يفرقون ضدهم، ولا يتعالون عليهم. وفي سنة 1997، عندما اختار كلينتون رايس مساعدة لوزيرة الخارجية، انتقد ذلك قادة سود في الكونغرس، ووصفوا رايس بأنها «اندماجية». وفي ذلك الوقت، كتبت مجلة «التعليم العالي للسود» أن رايس تحظي بتأييد البيض لأنها «لا تعتبر نفسها سوداء أصلية». وكان أوباما نفسه واجه هذه الاتهامات من السود، عندما ترشح لرئاسة الجمهورية أول مرة سنة 2008، وقاد الحملة ضده القس الأسود جيسي جاكسون الذي وصف أوباما في ذلك الوقت بأنه يتعالي على السود لأن والدته بيضاء. لكن ليست كل المشكلات التي واجهتها وما زالت تواجهها رايس، بسبب لونها، أو خلفيتها. فليس سرا أنها مناكفة من الدرجة الأولى. ويقول بعض منتقديها إن هذه المناكفة لها صلة بلونها، ويستعملون عادة عبارة «السوداء الغاضبة»، وهي، مثل «أنغري بلاك» (الأسود الغاضب)، وصف وسط البيض عن السود الذين ينتقدونهم. حتى خلال الحملة الانتخابية سنة 2008، وقبل فوز أوباما، اشتكى آخرون منها. ويعتقد أن هذا كان من أسباب اختيار أوباما لها سفيرة في الأمم المتحدة (بعيدة في نيويورك)، بعد أن كانت تخطط لأن تصبح مستشارة أوباما للأمن القومي. واختار أوباما الجنرال جيمس جونز وهو عسكري معتدل وودود للمنصب. تحاشي مستشارو أوباما في البيت الأبيض مناكفات رايس، بعد أن رحلت إلى نيويورك، لكن، عانى منها الذين يعملون معها في وزارة الخارجية. بداية هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية التي لم تشتهر بحبها لها خلال أربع سنوات في الوزارة. وهناك ريتشارد هولبروك، مبعوث الخارجية الأميركية إلى باكستان وأفغانستان. وكان اشتكى كثيرا منها، وبدورها اتهمته بأنه يحاول الاستيلاء على منصبها، سفيرا لدى الأمم المتحدة. وكتبت مجلة «نيوريبابليك»: «يقال إن رايس تعاني من عقدة شخصية، وتحب أن تأمر وتنهي، ولا تعرف الحديث بصوت هادئ، وتتصرف مثل مديرة مدرسة، ولها كوع قوي (تناكف كلاما وفعلا)». وبعد أن عينها أوباما مستشاره له للأمن القومي في البيت الأبيض، كتبت صحيفة «واشنطن بوست»: «وجدت رايس فرصتها»، وأشارت إلى نقطتين: أولا: ستحول السياسة الخارجية الأميركية نحو التشدد، رغم أنها تدعو إلى سياسة سلمية. وستدعم «تدخلات» أميركية دبلوماسية، إن لم تكن عسكرية. ثانيا: ظلت دائما تريد أن تكون قريبة من الرئيس أوباما، ليس فقط لتؤثر عليه، ولكن لأنها ترتاح له. ويمكن تلخيص سياسة رايس، وهي الآن في البيت الأبيض بعبارة كتبتها سنة 2007 إلى أوباما عندما استدعاها إلى مكتبه في الكونغرس، وقال لها إنه يريد أن يترشح لرئاسة الجمهورية سنة 2008، وطلب منها أن تكتب ملخصا للسياسة الخارجية التي تقترحها، فكتبت: «رأي باراك أوباما صحيح. وفلسفة الدبلوماسية الأميركية الحالية خطأ. نريد عهدا جديدا من الدبلوماسية الأميركية لمواجهة القرن الحادي والعشرين، ويكون كالآتي: أولا: مبدئي، ثانيا: مصمم، ثالثا: مستمر». وأخيرا، تساءلت صحيفة «واشنطن بوست»، عما إذا كانت رايس ستتعاون مع بقية المستشارين في البيت الأبيض. وغريمتها سمانثا باور لن تكون في البيت الأبيض، بل في نيويورك، لكن مع ذلك ستكون رايس رئيستها. * سمانثا باور * ولدت سمانثا باور في دبلن، في آيرلندا الشمالية عام 1970، وعاشت هناك حتى هاجرت عائلتها إلى أميركا، وكان عمر سمانثا تسع سنوات. وفي أتلانتا (ولاية جورجيا) درست في مدرسة «ليك سايد» الثانوية، ثم التحقت بجامعة ييل (ولاية كونتيكات). ثم صارت صحافية، مع مجموعة من الصحف والمجلات، منها: «يو إس نيوز» و«بوسطن غلوب». وغطت حرب البلقان، خلال الرئاسة الأولى للرئيس بيل كلينتون. ثم تركت الصحافة، والتحقت بكلية القانون بجامعة هارفارد. وتخصصت في حقوق الإنسان. وأصدرت عددا من الكتب منها «حقوق الإنسان: من التطلع إلى النتائج»، و«مشكلة من الجحيم: أميركا في عصر المذابح». وكان الكتاب الثاني من أسباب المشكلات بين باور ورايس، كتبت فيه: «قالت رايس (كانت في مجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض) إنه إذا سمينا ما يجري في رواندا (مذبحة)، لكن لم نتدخل، ماذا ستكون نتيجة ذلك في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1994؟» وفي الكتاب أن مادلين أولبرايت، التي كانت سفيرة لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، طلبت إرشادات من واشنطن عما ستقول في الأمم المتحدة. وكانت تريد إعلان أن الولايات المتحدة تريد بقاء القوات الدولية في رواندا لمنع استمرار المذبحة. لكن صدرت الأوامر إلى أولبرايت بأن تؤيد سحب القوات الدولية. وقالت أولبرايت إن الأوامر جاءت من «ريتشارد كلارك، في مجلس الأمن الوطني، ومساعدته سوزان رايس». بعد هارفارد، عادت باور للعمل الصحافي، وصارت كاتبة عمود في مجلة «تايم»، واستمرت تركز على حقوق الإنسان في دول العالم، وخصوصا المذابح والإبادات الجماعية. في سنة 2006، عندما دخل أوباما الكونغرس، سيناتورا من ولاية إلينوي، قرأ كتابات باور، واستدعاها إلى مكتبه، وطلب مشورتها. وبعد سنة، عندما قرر أن يترشح لرئاسة الجمهورية، اختارها مستشارة في حملتها الانتخابية. ولأن اهتمامها بحقوق الإنسان والمذابح والإبادة جعلها تركز على الحرب في دارفور، في السودان، كانت من أوائل الذين دعوا أوباما ليهتم بدارفور، وبالسودان. لكن، كما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في ذلك الوقت، انتقدت لأنها «إما متشددة، أو متحمسة أكثر مما يجب». وكانت انتقدت هيلاري كلينتون (منافسة أوباما في ذلك الوقت للترشح باسم الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية)، ووصفتها بأنها «وحش». واضطر أوباما للاعتذار لهيلاري كلينتون، واضطرت باور لأن تستقيل. وعادت إلى الكتابة الصحافية، ثم أصدرت كتاب «الأميركي غير الهادئ: ريتشارد هولبروك». ومرة أخرى، كان الكتاب من أسباب توتر العلاقات بين باور ورايس، وذلك لأن الكتاب أشاد بالرجل كثيرا. وكانت رايس لا تطيق رؤيته، ناهيك بالعمل معه، واتهمته بالاستعلاء عليها، وشتمته مرات خلال اجتماعات رسمية. ورغم التوتر في العلاقة بين رايس وباور، واجهت المرأتان انتقادات بسبب تشدد سياساتهما، وأيضا، بسبب تشدد تصرفاتهما الشخصية. ونالت باور كثيرا من النقد بسبب كتاباتها وكتبها. ومن الذين انتقدوها ستيفن ويرثايم، أستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك، الذي كتب بعنوان: «حل من الجحيم»، إشارة إلى كتاب باور، «مشكلة من الجحيم». وقال إن دعوة باور للدول الكبرى لتتدخل في مشكلات الإبادة والمذابح في دول العالم الثالث «ليس إلا دعوة للتدخل العسكري». وقال: «الدعوة لاستعمال القوات المسلحة في التدخلات الإنسانية يعارض وظيفتها الرئيسة وهي حماية الوطن». وعندما اختارها أوباما للعمل في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، صارت مستشارته في الشؤون الأفريقية، وخصوصا في مشكلات الإبادة والمذابح. وأسهمت في وضع سياسة متشددة نحو الرئيس السوداني عمر البشير بسبب مشكلة دارفور، ومشكلة الجنوب. وفي سنة 2011، كانت من المتحمسين للتدخل العسكري الأميركي في ليبيا، بعد بداية الاشتباكات بين قوات الرئيس معمر القذافي والمعارضين. وفي الأسبوع الماضي، عندما اختارها أوباما سفيرة في الأمم المتحدة، قالت للصحافيين وهي تقف إلى جانبه: «عندما كنت طفلة صغيرة في دبلن، وأتحدث بلكنة دبلن القوية، لم أكن زرت أميركا. لكنني كنت أعرف أن العلم الأميركي هو رمز الحرية والرخاء.. كنت أعود من المدرسة، وأجلس أمام المرآة، وأتكلم بلكنة أميركية، حتى أكون أميركية».

صراع على النيل صراع على النيل

$
0
0
لم تبدأ قضية مياه نهر النيل هذه الأيام. الموضوع يعود لمطلع القرن الماضي، وتطور في فترة الخمسينات والستينات تطورا خطيرا، لكنه ظل «تطورا نظريا» إلى أن جاء عام 2011 لتتفجر الأزمة بين دول المنبع في وسط أفريقيا، وعلى رأسها دولة إثيوبيا، ودولتي المصب في الشمال، وهما مصر والسودان. لكن السودان بدأ يرى أن المشروع الإثيوبي الذي أغضب مصر، قد يكون مفيدا بالنسبة له. وبالتالي، يظل أهم طرفين في المشكلة هما أديس أبابا والقاهرة. * تريد إثيوبيا بناء سد ضخم على منبع النهر بغرض توليد الكهرباء. وتتركز مخاوف المصريين من المشروع المعروف باسم «سد النهضة» في أمرين: الأول أن المشروع سيتسبب في حجز مليارات الأمتار المكعبة من المياه خلف السد، مما يؤدي إلى خفض حصة مصر من النهر. والثاني يتعلق بشكوك حول قدرة السد الإثيوبي على الصمود، وإمكانية تعرضه للانهيار، وانفلات كميات ضخمة من المياه تجاه مصر. وتنصب مخاوف المصريين على «سد النهضة»، رغم ما سيجري بناؤه لاحقا في إثيوبيا ودول أخرى على منابع النيل مثل رواندا والكونغو وبوروندي وتنزانيا وكينيا. لكن إثيوبيا تقلل من كل هذه المخاوف، وتقول إن المشروع لن يؤثر على حصة مصر. بينما يرى السودان أن التعاون مع مصر بشأن مشكلة المياه يمكن أن يخفف من حدة الخلافات بين القاهرة ودول المنابع. إلا أن «سد النهضة» ليس المشروع الوحيد الضاغط على مصر. الأمر يبدو أكبر من ذلك بكثير. فالمطلوب من القاهرة في الوقت الراهن التوقيع على اتفاقيات والدخول في تعاون مع دول المنابع، لكن هذه الاتفاقيات يمكن أن تسفر عن خفض حصة مصر من المياه من 55.5 مليار متر مكعب في الوقت الراهن، إلى 40 مليار متر مكعب على الأكثر. مشروع «سد النهضة» هو الموجود على واجهة الأحداث اليوم. وبدأ التفكير فيه قبل نحو 50 عاما، ضمن مقترحات بإنشاء السدود في إثيوبيا. وبدأ المقترح عام 1964 بسعة تخزينية من المياه قدرها نحو 11 مليار متر مكعب إلى 14.5 مليار متر مكعب، والآن تم تطوير السد لتصل قدرته التخزينية إلى أكثر من 70 مليار متر مكعب. وثارت ضجة في وسائل الإعلام المصرية والإثيوبية بعد أن بثت الرئاسة بمصر على التلفزيون وعلى الهواء مباشرة، قبل أسبوع، حوارا حول «سد النهضة» ترأسه الرئيس محمد مرسي، وشارك فيه عدد من قادة الأحزاب المؤيدة للرئيس، وخرجت من بعض هؤلاء القادة تعليقات تسببت فيما يشبه الأزمة الدبلوماسية المكتومة بين أديس أبابا والقاهرة. وأشار عدد من قادة الأحزاب على رئيس الدولة المصري، بإمكانية اللجوء إلى تنفيذ بعض العمليات القذرة ضد دولة إثيوبيا، مثل تحريض المعارضة على الحكومة هناك، أو تأليب بعض القبائل ضد السلطة المركزية في أديس أبابا، أو الاستعانة بالمخابرات للقيام بعمليات تحد من مخاطر السد. ووفقا لما أفاد به خبراء ودبلوماسيون في القاهرة، يبدو موقف مصر الأضعف، في هذه الآونة، بين دول حوض النيل التي تتكون من أوغندا وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا. ووقعت غالبية هذه الدول على اتفاقية أخيرا ستؤدي إلى «خنق حصة مصر من المياه» وعدم الاعتراف بما كان يسمى قديما «الحقوق التاريخية» في مياه النيل، وألغت عمليا «حق الفيتو» الذي كانت تتمتع به مصر بشأن الاعتراض على المشروعات التي تقام على النيل. وإزاء التحول في الموقف المصري من القوة إلى الضعف، يبدو الخطاب الإثيوبي واثقا، ويقول هذا الخطاب الرسمي، باختصار، إن أديس أبابا ستقيم السد، سواء وافقت القاهرة أو لم توافق، كما أنها حريصة، في الوقت نفسه، على الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع مصر والسودان. إذن، ترجع قضية إنشاء السدود الأثيوبية إلى ستينات القرن الماضي، لكن تحويل الأمر إلى واقع لم يبدأ فعليا وبشكل كبير ومقلق إلا في عام 2005 حين اقترحت إقامة مجموعة من السدود، على رأسها «سد النهضة»، ومن قبلها سدود «منداي» و«كاراجوبي» و«مابل». ويقول الدكتور أحمد علي سليمان، الخبير المائي، إنه من المتوقع أن يستمر بناء «سد النهضة» لمدة أربع سنوات على الأقل، حيث جرى حتى الآن بناء 21 في المائة منه، مشيرا إلى أنه أثناء عملية البناء «لن يكون هناك تأثير كبير على مصر.. المشكلة تكمن الآن في التصميمات الهندسية المجهزة في الأساس لتخزين نحو 14 مليار متر مكعب وليس 74 مليارا كما تريد أثيوبيا». ويضيف الدكتور سليمان: «حين نقول إن أثيوبيا ستخزن 74 مليار متر مكعب خلال 15 سنة، فإن التأثير على مصر لن يكون كبيرا. التخوف أن تقوم أثيوبيا بتخزين هذه المياه بصورة سريعة، مثل 4 سنوات، وهذا سيحدث تأثيرا كبيرا على حصة مصر بمقدار 9 مليارات متر مكعب إلى 12 مليار متر مكعب»، وبالتالي «سيتبقى لمصر نحو 40 مليار متر مكعب، وهذه النسبة ستحتاج مصر لتعويضها، ولا وسيلة إلا تحلية مياه البحر». وتبلغ تكلفة تحلية متر المكعب من المياه بمصر، وفقا للدكتور سليمان، نحو 5 جنيهات (نحو 70 سنتا)، ويقول إنه على هذا الأساس «ستحتاج مصر 50 مليار جنيه سنويا لتعويض نقص المياه الناجم عن السد الأثيوبي، بما يعادل 12 في المائة من ميزانية مصر»، لافتا إلى أن بلاده دخلت منذ سنوات خط الفقر المائي، إذ يبلغ نصيب الفرد نحو 700 متر مكعب في السنة، وليس 2000 متر مكعب كما هو مفترض. ويرى الدكتور سليمان أن المشروع الأثيوبي سيؤثر على توليد الكهرباء في السد العالي، مما يؤدي إلى إظلام 3 محافظات مصرية على الأقل، إلى جانب التأثير على الزراعة والصناعة، متوقعا بوار 3 ملايين فدان وتشريد من 4 ملايين إلى 5 ملايين فلاح بمصر. ويبعد «سد النهضة» الأثيوبي عن حدود السودان من جهة الجنوب مسافة من 20 إلى 30 كيلومترا «على أرض غير مؤهلة لبناء سدود ضخمة»، كما يقول الدكتور سلميان، الذي يقول أيضا إنه «سيكون هناك ثقل وحمل على جسم السد المبني من الإسمنت، وسيخزن، إضافة للمياه، نحو 240 مليون متر مكعب من الطمي سنويا»، و«في حالة انهيار (سد النهضة)، سيحدث خلل للسد العالي، ومن المتوقع أن تغرق بعض المدن المصرية في الجنوب والوسط بمصر». ويتحدث عدد من الخبراء والسياسيين المصريين عن «مؤامرات» إسرائيلية وراء بناء «سد النهضة»، مثل قول اللواء يحيى مازن، مستشار الشؤون العسكرية بأكاديمية ناصر، إن السد «مؤامرة إسرائيلية لتجويع المصريين والسيطرة على الشرق»، وهو أمر تنفيه عادة الحكومتان الإثيوبية والإسرائيلية، لكنه لا ينفي قلق القاهرة الرسمي والشعبي من تأثير السد. ويقول الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء المصري، في لقاء جمعه وأعضاء مجلس الشورى (التشريعي)، يوم الاثنين الماضي، إن بلاده من أكثر دول العالم جفافا وتعتمد على النهر بنسبة تزيد على 98 في المائة من استخداماتها المائية. وتحرص خطابات المسؤولين الرسميين في القاهرة على أن مصر تؤكد حق دول حوض النيل في إقامة مشاريع تنموية بشرط «عدم الضرر»، لكن الحكومة لا تخفي اتهامها لتقرير شاركت فيه مع كل من السودان وإثيوبيا بشأن السد، بالقصور في الجانب الخاص بالدراسات التي قدمتها أديس أبابا للجنة، ويخص هذا الأمر، وفقا لقنديل، ما يتعلق بالسد الإضافي الخاص برفع قدرة «سد النهضة» التخزينية من 14.5 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب، وما يمكن أن يحدث في حال انهيار السد. ويقول الدكتور مغاوري شحاتة دياب، رئيس جامعة المنوفية الأسبق، وخبير المياه في مصر: «اعتبارا من عام 2005، تم طرح موضوع السدود في إثيوبيا مجددا، ثم بعد ذلك تعاظمت في مواصفاتها وتصميماتها لتصبح سعة تخزين (سد النهضة) وحده فقط، في أبريل (نيسان) سنة 2011، أي بعد ثورة مصر بشهرين تقريبا، 74 مليار متر مكعب، وذلك على حساب التصميم الأول الذي كان محدودا». ويأتي القدر الأكبر من مياه النيل من منابع الهضبة الاستوائية التي لها ثلاثة مصادر، أكبرها فرع النيل الأزرق، الذي يأتي منه 52 مليار متر مكعب في السنة، ثم حوض نهر السوباط ونهر العطبرة، والاثنان حوضان أقل في مقدار تدفق المياه على سطحيهما، لكنهما يساهمان بشكل كبير في المقدار الإجمالي لكمية المياه المقبلة من هناك، إذ يبلغ مقدار المصادر الثلاثة نحو 72 مليار متر مكعب من المياه سنويا، إضافة لفروع أخرى تصب في منابع النيل من الجنوب والغرب. وظهر اسم النيل الأزرق على السطح حين أعلنت إثيوبيا قبل أسبوعين أنها تقوم بتحويل مجراه حتى تستفيد من تدفقاته المائية في توليد الكهرباء من مشروع «سد النهضة». وهنا، بدأ الجانب المصري يشعر بالقلق. وبينما يقول البعض إنه ليس هناك ما يمنع من إنشاء السدود في إثيوبيا ما دام ذلك لن يأتي بضرر على مصر والسودان، إلا أن هناك من يرى ضرورة الحصول على ضمانات من إثيوبيا بالحفاظ على تدفق المياه لمصر، خاصة في فترة حجز المياه خلف السد الجديد التي قد تصل إلى 5 سنوات. ويوضح الدكتور دياب قائلا: «نحن بصدد بعض المنشآت المقترحة على نهر النيل الأزرق، منها 4 سدود كبرى.. أريد أن ألفت الانتباه إلى أن إجمالي السدود على النهر في إثيوبيا يبلغ 34 سدا، تم اقتراحها بمعرفة مكتب الإصلاح الأميركي وهو هيئة حكومية، بقصد تنمية إثيوبيا بشكل إجمالي، منها سدود لتوليد الكهرباء وأخرى للري والزراعة.. بينها سدود كبيرة وأخرى صغيرة. إثيوبيا نفذت مشروعات تخص 13 سدا، وهذا السد، (سد النهضة)، هو السد رقم 14». ويشير إلى أن مصر لم تعترض في السابق على إقامة إثيوبيا للسدود الإثيوبية الـ13 لعدة اعتبارات، من بينها أن الضرر لم يكن جسيما، ومن ثم فإن مصر لا تمانع في إنشاء السدود، كمبدأ عام، طالما لن تحمل ضررا، لكن «المؤكد في الوقت الحالي أن هناك تأثيرا بالفعل لـ(سد النهضة) على مياه نهر النيل في مصر وفي السودان أيضا». ويقول الدكتور دياب إن «(سد النهضة) مركب من سدين.. سد رئيس لتوليد الطاقة، وسد احتياطي لتجميع المياه لتمويل السد الرئيس في موسم الجفاف. هذا سد مركب، وعملية تشغيله هي التي تتحكم في كمية المياه المتدفقة منه، وبالتالي سيكون التحكم في كمية المياه في يد إثيوبيا». وفقا لمصادر في الحكومة المصرية، فإن أهم المشاكل التي تخشاها القاهرة تتركز في عدة مراحل. المرحلة الأولى هي المدة التي ستستغرقها عملية تخزين مياه النهر خلف «سد النهضة». والمرحلة الثانية هي مرحلة التوقيع على ما أصبح يعرف بـ«اتفاق عنتيبي» وهو اتفاق يرفض الاعتراف بحصص المياه، بل يسعى لتقليص حصة مصر الحالية التي لا تكفي البلاد أصلا، أما المرحلة الثالثة من المشاكل التي ستواجهها مصر فتتعلق باعتزام دول أخرى على منابع النيل إنشاء سدود مماثلة. ويشير خبير المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق، إلى أن «نقص المياه سيؤدي إلى نقص في المساحة المزروعة وبالتالي نقص في الغذاء، والكهرباء التي يتم توليدها من السد العالي، حيث ستنخفض طاقة التوربينات، وبالتالي انخفاض إنتاج الكهرباء بنسب تتراوح بين 20% إلى 30%». ورغم التطمينات الإثيوبية بشأن عملية بناء السد الكهرومائي الأكبر في أفريقيا، فإنه، وبعيدا عن الأضواء، يجري مجموعة من الخبراء المصريين دراسات في شق يتعلق باحتمال انهيار السد الإثيوبي بعد عشر سنوات أو بعد عشرين سنة، وما يمكن عمله لتجنب مخاطر الانهيار. وكانت مصر تضمن التدفق الآمن من نهر النيل، من منابعه حتى مصبه في البحر المتوسط، وفقا لاتفاقية تم توقيعها أثناء الاستعمار لكل من مصر ولإثيوبيا، المعروفة باسم «اتفاقية 1929»، والمفترض أنها تطورت إلى اتفاقية عام 1959 التي تم توقيعها بين مصر والسودان بشأن تقاسم المياه عقب إنشاء السد العالي. وقبل إقامة السد العالي في خمسينات القرن الماضي، كانت هناك نحو 22 مليار متر مكعب من المياه تصب في البحر شمالا، وعند بناء السد العالي تم تقاسم هذه الكمية بين مصر والسودان، بواقع 14.5 مليار متر مكعب للسودان، و7.5 مليار متر مكعب لمصر. وتسبب السد العالي في غمر أراض داخل السودان، مما اضطر مصر لتقديم تعويض للسودان قدره 15 مليون جنيه وفقا لتقديرات ذلك الوقت. ويقول الدكتور دياب، إنه باتفاقية 1959 جرى «إلغاء بند السيطرة المصرية تماما من اتفاقية 1929 وغيرها التي كانت تحظر أن تنشئ أي دولة أي مشروعات على منابع النهر، من شأنها أن تعيق أو تؤخر أو تحول مسار المياه إلى مصر تحديدا». ويضيف أن هذا «كان هو حق الفيتو الذي كانوا يسمونه بهذا الاسم، والذي استفز دول المنابع عندما تحررت وأصبحت دولا مستقلة». في عام 1964، أرسل جوليوس نيريري، رئيس تنزانيا في ذلك الوقت، رسالة إلى نظيره المصري جمال عبد الناصر، أخبره فيها أن بلاده لم تعد تعترف بالاتفاقيات الموقعة خلال فترة الاستعمار، وتدعو إلى عقد اتفاق جديد بين مصر ودول المنابع، أو تنزانيا على وجه التحديد، وحذت حذو تنزانيا بعض الدول الأخرى مثل بوروندي وأوغندا وكينيا وغيرها، فيما سمى بعد ذلك «مبدأ نيريري». ويتلخص «مبدأ نيريري» الذي ما زال أثره ساريا حتى الآن، في أن «دول المنبع لم تعد تعترف بالاتفاقيات القديمة وستلغيها من جانبها، في ظرف عامين». ويوضح دياب قائلا إنه «منذ ذلك الوقت، انتهت اتفاقية 1929 عمليا من وجهة نظر دول المنبع»، لكن المشكلة لم تصعد إلى السطح في ذلك الوقت، لأنه كان قد جرى توقيع اتفاقية 1959 التي ضمنت لمصر حجز المياه وراء السد العالي وباتت حصتها مؤمنة في ذلك الوقت، بل شهدت دول حوض النيل تعاونا مع مصر دون مشاكل». ويقول الدكتور دياب: «أنا تقديري أن مصر تم استدراجها من خلال منظومة التعاون تلك، إلى أن تم وضع مبادرة دول حوض نهر النيل عام 1999. التي تحوي 25 مشروعا تنمويا.. لكن، بعد أن تم إقرار المشروعات الفنية، والنظام الإداري للعمل في المبادرة، جاء الجانب القانوني، المعروف باسم (اتفاقية عنتيبي)، حيث إن هذا الاتفاق لا يعترف بالحقوق التاريخية لأي دولة، ولا وجود فيه لـ55.5 مليار متر مكعب المخصصة لمصر، وعدم الاعتراف بمبدأ الإخطار المسبق بشأن المشروعات التي تريد أي دولة من دول الحوض القيام بها». ووقعت على هذا الاتفاق حتى الآن دول حوض النيل، ما عدا مصر والسودان والكونغو، بينما من المنتظر أن توقع عليها دولة جنوب السودان في وقت لاحق من هذا الشهر، وهو أمر يمثل مشكلة جديدة للقاهرة. ونصت «اتفاقية عنتيبي» على أن تكون القرارات لدول حوض نهر النيل بالأغلبية، وليس بالتوافق كما تريد مصر والسودان. كما جرى استبعاد اقتراح مصري - سوداني يريد أن يكون التصويت على القرارات بالأغلبية بشرط أن يكون من بين هذه الأغلبية مصر والسودان، بيد أن دول المنابع رفضت قائلة إن هذا رجوع لحق الفيتو في اتفاقية 1929. ويضيف الخبير المائي المصري أن مناقشة حصص المياه التي جرت في الفترة الأخيرة كانت «حادة وعنيفة حين طلبت دول منابع النيل ألا يكون هناك ذكر للحصة التاريخية لمصر ورفضوا الاستخدام الحالي لما فيه، من وجهة نظرهم، من عدم ترشد وسفه في استخدام المياه بمصر، وكان الكلام يدور حول تخصيص حصة قدرها 30 مليار متر مكعب إلى 35 مليار متر مكعب أو 40 مليار متر مكعب سنويا، على أقصى تقدير، بنقص عن الكمية الحالية نحو 15.5 مليار، في وقت نحن نحتاج فيه إلى المياه، خاصة أن مصر لديها عجز في المياه يصل إلى 10 مليارات متر مكعب». تقبل القاهرة بـ«سد النهضة» الإثيوبي أو لا تقبل به.. ليست هذه هي المشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية، كما يقول الدكتور دياب، أن المسألة برمتها تجعل مصر في موقف حرج جدا، ويجعلها أمام خيارات صعبة، وعلى رأسها الموافقة على «سد النهضة» بما يحمله من مخاطر، ولن يكون «سد النهضة» وحده، بل ستكون هناك سدود أخرى مثل سد «مندايا» و«كرادوبي» و«مابال»، وبعد ذلك «ستقوم دول المنابع الأخرى بإنشاء سدود، وهكذا أعلنت دول أوغندا وكينيا وتنزانيا في تلاحق كبير خلال اليومين الماضيين. إذن، نحن أمام خطر حقيقي، أكبر من الخطر المحتمل على السودان». ومن جانبها، لا يبدو أن الحكومة السودانية تنظر إلى مشروع «سد النهضة» بنفس الطريقة التي تتبعها مصر. فالخرطوم اطلعت، كما تفيد مصادر في الخرطوم، على الخطوات الخاصة بتنفيذ المشروع «لاستمالتها بعيدا عن مصر». ويقول مصدر مسؤول في وزارة الري والموارد المائية المصرية إن «هذا صحيح»، مشيرا إلى أن السودان يأمل تحقيق استفادة من المشروع القريب من أراضيه.

قالوا

$
0
0
* «لا نعتقد أن اتخاذ قرار متهور أو التهديد الآن يحقق أفضل مصالحنا». * المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن التغيير الفوري في برنامج المساعدات الأميركية لمصر لا يحقق أفضل مصالح الولايات المتحدة * «الفساد مقلق جدا في الجزائر وبلغ حدودا لا يمكن تحملها». * رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني أكد أن الفساد أصبح ظاهرة «تنخر» الاقتصاد الجزائري و«تسيء» لصورة البلد * «ليس هذا هو وقت طرح مثل هذا السؤال». * وزير الإعلام الباكستاني برويز رشيد باكستان يقول: إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان يجب معاقبة جهة ما بسبب الفشل في رصد مكان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن طوال عقد في البلاد * «نعم سننضم إلى منطقة اليورو اعتبارا من الأول من يناير السنة المقبلة». * رئيس الوزراء اللاتفي فالديس دومبروفسكيس بعد أن وافق وزراء مال واقتصاد الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على انضمام بلده إلى منطقة اليورو * «نحن ندعم أي جهود تهدف إلى إنهاء أي مظاهر للعنف والمواجهة وتهدف إلى إشاعة استقرار الأوضاع». * وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقول على مصر أن تسعى إلى انتقال سلمي للسلطة من خلال إجراء انتخابات نزيهة
Viewing all 383 articles
Browse latest View live