Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

قالوا قالوا

$
0
0
* «خطورة استغلال الدين لأغراض سياسية وبث الفرقة والطائفية البغيضة». * العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يحذر خلال استقبال المشاركين في المؤتمر السادس عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي. * «إسرائيل وراء الانقلاب العسكري في مصر». * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اتهم إسرائيل أمس بأنها تقف وراء عزل الجيش للرئيس المصري الإسلامي محمد مرسي، مضيفا أن لديه وثائق تؤكد ذلك. * «أنا استقلت من منصبي لاختلاف وجهات النظر داخل حزبي وداخل مؤسسة الرئاسة من كيفية الخروج من الأزمة الأخيرة». * الهادي بن عباس المستشار الأول للرئيس التونسي المنصف المرزوقي يعلن استقالته من منصبه. * «ليس سرا أن حزبا واحدا على الأقل في الائتلاف الحاكم يرفض حل الدولتين للشعبين.. أما أنا فعلى النقيض من ذلك وأؤيد هذا الأمر من كل قلبي». * وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني حول رفض حزب البيت اليهودي الديني اليميني لفكرة حل الدولتين والذي تسبب في الكثير من المشكلات في العملية التفاوضية مع الفلسطينيين. * «الطلب نفسه تكرر بتسليم المواد التي وفرها سنودن أو إتلافها». * آلان راسبريدغر رئيس تحرير جريدة الـ«غارديان» يقول إنه تلقى اتصالا من «مسؤول حكومي رفيع جدا» ثم من «شخصيات غامضة» من الحي الذي يضم مكاتب الوزارات في لندن هددوا بمقاضاته وطالبوه بإتلاف الوثائق التي بحوزة الصحيفة.

من التاريخ: تيمورلنك من التاريخ: تيمورلنك

$
0
0
لقد عرف القائد المغولي «تيمور»Timur باسم «تيمورلنك»، أو «تيمور الأعرج»، فالمصادر التاريخية تشير إلى أن هذا القائد العسكري الذي أذهل العالم بقدراته السياسية والعسكرية على حد سواء، كان يعاني من العرج بسبب حادثة وقعت له وهو في سن الشباب، بل إن الأغرب من ذلك هو أنه أصيب بها على يد راعي ضأن أثناء قيامه بسرقة شاه.. فتاريخ تيمورلنك لم يكن ناصع البياض، فاتهامه بأنه قاطع طريق وزعيم مجموعة عسكرية مستقلة يكاد يكون ثابتا، وهو ما دفعه لمحاولة الخروج من هذه المهنة، فلم يجد أمامه سوى الانضمام إلى جيش عديله الأمير حسين الذي كان يتمتع بنوع من الاستقلال في الإمبراطورية المنغولية، وقد تعرض هذا الجيش للعديد من الهزائم المتلاحقة على أيدي جيوش الدويلات الأخرى، ولكنه استطاع في نهاية الأمر أن ينتصر ويبسط قوته على المنطقة المعروفة بـ«ما وراء النهرين»، وبهذا بدأ نجم تيمورلنك يظهر على الساحة السياسية والخريطة الجغرافية المنغولية خاصة بعدما قوى وضعه العسكري وتعلم القتال والعسكرية والتكتيكات المرتبطة بفنون الحرب وأصبح مستعدا لبسط نفوذه على الخريطة التقليدية المغولية. وبمرور الوقت، أصبح تيمورلنك قائدا عظيما على رأس جيش لا بأس به، لا تنقصه العدة والعتاد كما لا ينقصه الطموح والعزيمة.. بداية فلقد اتبع هذا القائد سياسة عسكرية قريبة للغاية من تكتيكات جنكيزخان، فلقد تبنى هذه التكتيكات نفسها وعلى رأسها سرعة الحركة والتمويه والقدرة على المناورة بالخيل، كما احتفظ بالتكتيك الخاص بألوية الرماة المتحركة التي كفلت له الغلبة على الساحة القتالية، كذلك فقد اقتبس منه العنف الشديد في التعامل مع الأعداء، فيقال إنه كان يقتل الأسرى ويقطع الرؤوس ويحرقها أمام ذويهم عبرة لهم حتى لا يقفوا ضد جيوشه أو يثوروا على حكمه. من ناحية أخرى، ركز «تيمورلنك» على بناء عاصمة جديدة لدولته الصاعدة في مدينة سمرقند، وقام بتشييد المدن وتطوير المدن القائمة، ويقال إنه كان يقتل معارضيه إلا من ذوى الحرف اليدوية أو المعمارية أو العلمية، فكان يأخذهم معه إلى عاصمته أو المدن التي يريد تطويرها، وهو ما كفل له مدنا عظيمة تتمتع بمساجد كثيرة، وهذا ليس بمستغرب عليه؛ فتيمورلنك كان مسلما، ولكنه بكل تأكيد لم يحترم التقاليد الإسلامية في القتال، بل إنه اقتبس التقاليد المنغولية في قتل وتدمير كل معارضة له. بدأ تيمورلنك بتوسيع رقعة دولته على حساب دول الجوار، فكان الصدام الأساسي مع دولة المغول الشمالية المعروفة بالـ«غولدن هورد» كما دخل في سلسلة من المعارك مع القائد المغولي «تختميش» التي انتهت بمعركة «ساراي» عام 1395م، التي هزم فيها الأخير شر هزيمة، وكانت هذه الحروب مهمة للغاية، لأن هدف تيمورلنك كان جذب خطوط التجارة من الشمال إلى دولته في الجنوب، وهو ما تم له بالفعل، فكان هذا عاملا اقتصاديا مهما لإثراء دولته وتقويتها بما يوفر له قوة إضافية على الساحة الدولية. بمجرد أن دان له الشمال، بدأ الرجل يطمح في مشروع إعادة الإمبراطورية المنغولية مرة أخرى إلى سابق عهدها إبان حكم جنكيزخان الذي كان له أثره الكبير والمهم على شخصية تيمورلنك، فلقد كان يسعى لجذب الشرعية نحوه من خلال التقرب لعائلة جنكيزخان، وهو ما دفعه للزواج باثنتين من حفيداته حتى يمكن ربط اسمه باسم هذا القائد العظيم. لقد بدأت موجات توسع تيمورلنك الواحدة تلو الأخرى، فتوجه إلى الهند واستولى على منطقة الشمال وسيطر عليها ودمر مدينة دلهي تماما وقمع كل محاولات الثورة ضده. ولم يكن الرجل متسامحا مع الديانات المختلفة في هذه الدول، فلقد كان متحيزا للإسلام تحيزا تاما، ثم نقل بعد ذلك جيوشه صوب الغرب وبدأ صراعا مريرا مع دولة المماليك استطاع أن يحسمه لصالحه بعدما استولى على سوريا، فخضعت له دمشق وحلب وكل المدن السورية، ولكن القدر أنقذ مصر من المصير نفسه لأن تيمورلنك بدأ يوجه انتباهه صوب الشمال في صدام مع الدولة العثمانية الفتية التي كانت تستعد تماما لغزو القسطنطينية فأرسلت جيوشها حول المدينة وطوقتها بشكل سريع، ولكن ظهور التتار في 1402 على حدود هضبة الأناضول أعطى للقسطنطينية عمرا إضافيا بلغ 51 عاما، حيث ركز السلطان «بيازيد» على الخطر المغولي فجمع جيشا كبيرا واتجه به غربا لملاقاة تيمورلنك في معركة أنقرة الشهيرة. حقيقة الأمر أن بيازيد لم يكن ندا لتيمورلنك على الرغم من جسارته، فتيمورلنك كان أكثر قدرة على القيادة، فقام بتطويق القوات العثمانية بالالتفاف حول جيش بيازيد، الذي اضطر للانسحاب صوب مدينة أنقرة، ولكنه سرعان ما لقي الهزيمة المنكرة الكاسحة وتم أسر السلطان العثماني خاصة بعدما انضم له لواء عثماني كامل، ولكن تيمورلنك لم يستثمر وجوده في الأناضول، بل إنه عاد مرة أخرى إلى سمرقند وبدأ يجهز لحملة عسكرية للسيطرة على الصين تحقيقا لهذا الحلم الذي داعب جنكيزخان ولم يعطه القدر الفرصة لتحقيقه، وبالفعل بدأ يجهز جيوشه لهذا الحدث، ولكنه مات في عام 1405 في مدينة «أوترار» بكازاخستان، ولكنه دفن في مدينة سمرقند حيث كان قد بنى لنفسه مقبرة عظيمة، وقد دفن فيها أيضا حفيده محمد سلطان، ولم يفتح أحد مقبرته حتى قبيل الغزو النازي للمدينة عام 1941 حيث فتح العالم الروسي جيراسيموف المقبرة، ووضع على أساس عظامه تصورا لشكله، وهو التصور المتداول حتى يومنا هذا. حقيقة الأمر أن تيمورلنك استطاع أن يصطدم بأربع دول كبرى؛ هي: الدولة العثمانية في الأناضول، والمملوكية في مصر والشام، والمملكة المغولية بالشمال، ودولة الهند في الجنوب، واستطاع أن يهزم هذه القوى جميعا بفضل عبقريته العسكرية.. ومع ذلك، فإن دولته لم تصمد كثيرا من بعده، شأنها شأن الدولة المغولية السابقة، لأسباب تتعلق في الأساس بالصراعات بين أبنائه وأحفاده.. وكان من أشهر جمله تندره على نفسه بقوله: «إنني أبتسم كلما تذكرت أن الله منح سيادة العالم لرجل أعرج مثلي؟». * كاتب مصري

مرزوق الغانم: تاجر.. يمسك «مطرقة» السياسة مرزوق الغانم: تاجر.. يمسك «مطرقة» السياسة

$
0
0
في تجربتهم الديمقراطية، يستند الكويتيون إلى الشيخ عبد الله السالم الصباح، رجل الاستقلال، الذي أرسى التجربة الديمقراطية الفتية في الكويت. وفي عهده تم إقرار الدستور، أول وثيقة من نوعها في الخليج، ويُطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة، الغرفة التشريعية الأكثر سخونة وجدلا في المنطقة. وفي الصورة الأبرز التي تخلد تسلم الشيخ عبد الله السالم وثيقة الدستور، يظهر رئيس المجلس التأسيسي الكويتي ورئيس لجنة الدستور في المجلس نفسه عبد اللطيف محمد الغانم وهو يسلم وثيقة الدستور لعبد الله السالم في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963. كان الغانم واحدا من رجالات الكويت البارزين، وهو إحدى الشخصيات التجارية والسياسية المهمة في البلاد، وتولى عدة مناصب حكومية، وكان للدور الذي لعبه كأحد «الآباء المؤسسين» للتجربة الديمقراطية في الكويت أثر على البيت الذي ينتمي إليه، حيث برز فيه عدد من الشخصيات التي اشتغلت بالتجارة والسياسة. وتعتبر عائلة الغانم ثالث أغنى الأسر الكويتية حسب تصنيف «أرابيان بيزنس» العام الماضي، وتمتلك وكالات للسيارات الفاخرة. ومن هذه الأسرة ينحدر رئيس مجلس الأمة الكويتي الحالي النائب مرزوق الغانم، فعمه عبد اللطيف محمد الغانم رئيس لجنة الدستور في المجلس التأسيسي الكويتي، ووالده علي محمد ثنيان الغانم الذي شغل منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة بدولة الكويت لأكثر من دورة. لكنه يضيف لسجله العائلي انتماءه أيضا إلى بيت تجاري وسياسي آخر، هو عائلة «الخرافي» أولى الأسر الثرية في الكويت، حيث والدته السيدة فايزة عبد المحسن الخرافي شقيقة رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي الذي تولى رئاسة البرلمان الكويتي خلال الفترة من 1999 إلى 2011، وهي أيضا أول أكاديمية تتقلد منصب مدير جامعة الكويت. لذلك، ورغم أنه أصغر برلماني يتولى رئاسة مجلس الأمة في تاريخ الكويت منذ انتخاب أول برلمان فيها عام 1963، فإنه يملك تراثا مكنه من بناء تجربة عملية مميزة. فقبل أن يشتغل بالسياسة، اشتغل بالتجارة، حيث تقلد منصب رئيس مجلس إدارة شركة «بوبيان للبتروكيماويات»، وعضوية مجلس إدارة «الشركة المصرية الكويتية القابضة»، وشركة «مواد البناء» وشركة «غلوبال تليكوم». كما اشتغل بالرياضة حيث تولى رئاسة مجلس إدارة نادي الكويت الرياضي أقدم أندية الكويت وعميدها، خلال الفترة من 2002 إلى 2006، سنة دخوله مجلس الأمة أول مرة. ارتباط التجارة بالسياسة يوقعه تحت مرمى النقد، لكنه يصوغ فلسفته في هذا المجال على النحو التالي: «لا تخف من التاجر الشريف الذي يدخل المجلس، بل اخشَ ممن يدخل المجلس لكي يصبح تاجرا وهؤلاء كثر». ومرزوق الغانم من مواليد 1968، وحاصل على البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من سياتل بالولايات المتحدة، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء. * العمل السياسي * دخل المرزوق المجلس النيابي أول مرة عام 2006، مرشحا عن الدائرة الثانية، ثم عضوا في مجالس 2008 و2009 ومجلس (فبراير/ شباط، 2012) المبطل بحكم المحكمة الدستورية، وقاطع انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2012 القائمة على أساس الصوت الواحد، لكنه عدل عن موقفه بعد حكم المحكمة الدستورية المؤيد لمرسوم الضرورة الذي أصدره أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وشارك في انتخابات مجلس الأمة الحالي في 27 يوليو (تموز) الماضي، وأصبح رئيسا لهذا المجلس. الخلفية التجارية التي ينتمي لها مرزوق الغانم، وكونه ينتمي لتيار يوصف تقليديا بأنه «محافظ»، لم يمنعاه وكتلة «العمل الوطني» التي ينتمي لها من خوض الصراعات، سواء داخل قبة المجلس حيث كان أحد المتصدين لملفات الفساد، وطرح استجوابات ساخنة، أبرزها طرح استجواب الشيخ أحمد الفهد نهاية مايو (أيار) 2011، أو على الصعيد الشخصي، حيث خاض الغانم في شبابه تجربة الغزو العراقي للكويت، فبعد الغزو قطع دراسته في الولايات المتحدة، وتسلل مع مجموعة من الشباب لداخل الكويت عبر الحدود السعودية، في 22 أغسطس (آب) 1990، وكان عمره نحو 22 عاما، حيث شارك في المقاومة ضد الاحتلال، وحسبما يقول فقد عمل خبازا في ضاحية عبد الله السالم، لتوفير الخبز للكويتيين في ذلك الوقت العصيب، لمساعدتهم على الصمود، وظل داخل الكويت أكثر من سبعة أشهر، حتى تحريرها في 26 فبراير 1991. * زمن الشباب * ينتمي الغانم لجيل الشباب، وحين خاض المنافسة لرئاسة مجلس الأمة أعلن أن «المرحلة المقبلة تتطلب قيادة شابة وفكرا متجددا يعبران عن تطلعات الأمة، قيادة مؤهلة تمثل خط التوازن والاعتدال الذي جبل عليه الشعب الكويتي». كان خاله الشيخ جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة خلال الفترة من 1999 إلى 2011، يمتلك حنكة في إدارة المجلس والحفاظ على التوازنات. أما بعد أن أصبح الغانم أصغر رئيس شاب يقود المجلس، فقد عرض على الجميع البدء بصفحة جديدة «نتسامى فيها جميعا على خلافاتنا ونعلو على أي جراح سابقة ونبدأ مرحلة شعارها الأمل ووقودها العمل حتى نحقق طموحات أبناء الشعب الكويتي». وقال «إذا كنا فعلا نريد أن نفكر في الإنجاز فيتوجب علينا أن نبدأ من باب التعاون مع الحكومة، ولا أعتقد أنه عيب وإنما ضرورة إذا كنا نريد أن نعيد بناء الكويت وأن نقفز قفزات واسعة في فترات زمنية قصيرة». تقليديا يُنظر إلى رئيس مجلس الأمة باعتباره الشخص القادر على خلق التوازنات داخل المجلس، والحفاظ على سيرورة العمل داخل الغرفة التشريعية بما ينظم العلاقة بين الأطراف والكتل المختلفة، وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ورئيس المجلس عادة يميل لتغليب اللغة الناعمة في الحديث مع الحكومة. * الأزمة السياسية * رغم أن العلاقة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية شهدت على الدوام سلسلة من التجاذبات والصراعات، أدت إلى حالات كثيرة من حل المجلس، فإن السنتين الأخيرتين كانتا الأكثر اضطرابا في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل أثرت هذه العلاقة على الحياة السياسية الكويتية برمتها، وبدأت هذه الأزمة ترتفع مع نتائج انتخابات مجلس فبراير 2012 الذي شهد صعودا غير مسبوق للمعارضة التي يقودها الإسلاميون بتحقيقها فوزا ساحقا يرفع رصيدها إلى 34 مقعدا، بعد أن كانت تهيمن في المجلس السابق على نحو 20 مقعدا، وجاء هذا الفوز على حساب القوى الليبرالية، والمرأة التي لم تحرز أي مقعد بعد أن كانت تحتل أربعة مقاعد في المجلس السابق. وطغى الإسلاميون المعارضون من تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي على تشكيلة المجلس، حيث أصبحوا يسيطرون على 23 مقعدا منه، مقارنة بتسعة مقاعد في البرلمان السابق. مع هذا الصعود، بدأت موجة من الاضطرابات المتتالية، حيث صدر حكم المحكمة الدستورية، في 20 يونيو (حزيران) 2012 وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكويت تم إبطال انتخابات مجلس الأمة، المجلس الذي كانت تهيمن عليه المعارضة، وإعادة المجلس السابق، حيث حكمت المحكمة ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الأمة 2012 لبطلان حل مجلس الأمة 2009 وباستعادة المجلس المنحل سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن. وشهد العام الماضي (2012) إجراء انتخابات تشريعية مرتين وسط أزمة وانقسام سياسي في الشارع، حيث أجريت انتخابات برلمانية هي الخامسة عشرة في تاريخ الكويت، في فبراير 2012. وأجريت انتخابات أخرى في مطلع ديسمبر 2012، وهي أول انتخابات برلمانية في الكويت تجري بنظام الصوت الواحد لكل ناخب بعد أن تم إصدار مرسوم ضرورة بتعديل قانون الانتخاب وتقليص عدد الأصوات من أربعة أصوات لكل ناخب إلى صوت واحد. لكن عمر مجلس الصوت الواحد، الذي خلا من المعارضة كان قصيرا، فقد أطاح به قرار آخر للمحكمة الدستورية في 16 يونيو 2013، حيث قضت هذه المحكمة التي تعد أحكامها نهائية ببطلان انتخابات مجلس الأمة وتحصين قانون الصوت الواحد. هذا الاضطراب السياسي لم يكن بعيدا عن الشارع، فخلال عام من الأزمات السياسية صعدت المعارضة لهجتها ولجأت لتنظيم اعتصامات ومظاهرات في الشارع. وتركز مطالب المعارضة على إعادة العمل بنظام الأصوات الأربعة، الذي يمنحها تفوقا نسبيا داخل قبة المجلس. مع أن بعض القوى والرموز السياسية وبينها مرزوق الغانم اشتركت مع المعارضة في المقاطعة لكن على خلفية رفض انفراد السلطة التنفيذية بالتشريع. وطبقا للمادة 71 من الدستور، يحق للأمير إصدار التشريعات في غياب البرلمان في حالة الضرورة واتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لكن القوى المعارضة المشكلة من التيارات الإسلامية وبعض الليبراليين ترى أن التعديل لم يكن ضروريا ولم يكن هناك أمر طارئ. إذن، سبق للغانم أن قاطع انتخابات مجلس الأمة في ديسمبر 2012 القائمة على أساس الصوت الواحد، متضامنا مع الأكثرية النيابية المقاطعة، لكنه عاد عن قراره وشارك في الانتخابات السابقة (يوليو 2013) بعد حكم المحكمة الدستورية، وهو يرى في هذا الحكم بشأن مرسوم الصوت الواحد مكسبا دستوريا كبيرا، على الرغم من أن الحكم حصن الصوت الواحد وأبطل المجلس «إذ يبسط سلطة المحكمة على مراسيم الضرورة». وهذا الموقف لا يرضي صقور المعارضة الذين دأبوا على استثارة الشارع ورفع السقف عاليا، طارحين خيارات بينها الدعوة لإمارة دستورية ورئيس وزراء شعبي. والغانم يمضي قدما في تحدي خصومه، معتبرا أن هذه العبارات مجرد «شعارات انتخابية»، وأن «الدستور لا يمنع حكومة شعبية ورئيس وزراء شعبيا، لكنه حددهما بصلاحية الأمير»، ويضيف «من يقف ويطالب بذلك أتحداه إن كان يستطيع تعريف معنى الإمارة الدستورية». لكن ماذا بشأن خيار النزول للشارع؟.. يقول الغانم «خيار الشارع والتكسير أمر مرفوض لدينا، والنزول للشارع وفق أطر دستورية موجود، لكن لنا تحفظات عليه، ووفقا للدستور الذي أقسمنا على احترامه وبموجب المادة 173 فإن الملاذ هو المحكمة الدستورية، فلا يوجد شيء اسمه دستور ناطق. * الوحدة الوطنية * أثناء حملته الانتخابية كان الشعار الذي رفعه الغانم «إياك واليأس من وطنك»، يعبر عن المرحلة بكل واقعية، فالكويت البلد الصغير الواقع في الركن الشمالي الغربي للخليج العربي، والذي لا تزيد مساحته الإجمالية على 17.818 كيلومترا مربعا، ويقل عدد سكانه عن 3 ملايين نسمة، هذه الدولة تحتدم فيها صراعات العالم برمته. وينقسم شعبها على إيقاع الأزمات السياسية التي تعصف بالمنطقة والعالم، ويتبادل الأطراف الانغماس في شؤون الآخرين واستيراد خلافاتهم للداخل، وهي أيضا مزيج اجتماعي وديني مركب من «حضر وبدو، وسنة وشيعة» مع أزمة مستفحلة تمثلها فئة غير محددي الجنسية (البدون). يرى الغانم أن الكويت «بلد صغير ومجتمع متماسك، وواجبنا أن ننقل التآلف من جيل إلى آخر، لكن هناك من يتحدث به كشعارات، وهناك من يطبقه على أرض الواقع»، ويرى كذلك أن هناك من يستغل الانقسام لتحقيق مكاسب خاصة، يقول «الوصول لمجلس الأمة قد يكون هدفا للكثير، لكن الصعود على كتف النعرات الطائفية والقبلية والفئوية قد يوصل لمجلس الأمة، لكنه يهدم وطنا ما لنا سواه، لذا علينا الابتعاد عن كل ما يقسم المجتمع سواء على صعيد مذهبي أو طبقي أو مناطقي، مما يحتاج لعمل ملموس وقانون الوحدة الوطنية، وأفخر بأننا في كتلة العمل الوطني أول من قدمه». يلاحظ الغانم أن «هناك فرقا بين السياسي الذي يؤدي واجبه بمسؤولية ومن يتبنى ذلك للوصول للمجلس، ففي النهاية أنت مسؤول يجب عليك وضع الأجيال القادمة نصب عينيك، لكن مشكلتنا أن الكثير من السياسيين يضعون الانتخابات المقبلة نصب أعينهم». أما من يتحمل المسؤولية وراء الانقسام في الكويت فيؤكد الغانم أنها «السلطة - التي - انتهجت مبدأ فرق تسد في العديد من المواقف».

البشير.. هل يطيح بإخوان السودان؟ البشير.. هل يطيح بإخوان السودان؟

$
0
0
يبدو أن عدوى ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تتجه جنوبا، لتحرك المياه الراكدة، تحت أقدام نظرائهم في السودان. ما يحدث في الخرطوم هذه المرة ليس تحركا شعبيا أو انتفاضة اعتاد السودانيون القيام بها لاقتلاع الحكم العسكري، كما حدث في انتفاضة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، التي أطاحت الرئيس الجنرال إبراهيم عبود، أو تلك التي وقعت في 6 أبريل (نيسان) 1985، وأطاحت المشير جعفر النميري، ولكن التحرك هذه المرة يبدو أنه سيكون من داخل القصر. الرئيس عمر البشير، على ما يبدو، قد «سئم» من جماعة الإخوان الذين يشاطرونه السلطة، فقد عمد في الآونة الأخيرة إلى إصدار عدة قرارات، ويتوقع أن يصدر أخرى، للحد من سطوة التيار الإسلامي السياسي، أهمها تعيين هيئة أركان جديدة للجيش من المحترفين ذوي الثقة وتخلو تماما من الإسلاميين، وفي الوقت ذاته، أقر البرلمان قانونا جديدا للجيش، أثار لغطا كبيرا، لأنه أجاز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو ما يقول محللون إنه يستهدف الميليشيات والتنظيمات شبه النظامية التي تخص جماعة الإخوان، وليس غيرهم، كما قد يتبادر إلى الذهن من أول وهلة. كما أن الرئيس يعكف على إحداث تغيير جوهري مهم داخل التركيبة الحكومية، يقول مقربون منه إنه قد يتضمن إبعاد معظم قادة الإسلاميين، وعلى رأسهم نائبه الأول علي عثمان محمد طه، وفي الوقت ذاته يدور على نطاق واسع أن تنسيقا يتم بهدوء، مع أكبر حزبين معارضين، هما حزبا «الأمة» بقيادة الصادق المهدي، «والاتحادي الديمقراطي» بقيادة محمد عثمان الميرغني، لتقاسم السلطة، وفي حال الوصول إلى هذه النقطة، فستكون نهاية حتمية لحكم «الإخوان» في السودان. * رياح الغضب * بدأ صفير الريح المناوئة للإسلاميين يُسمع بشكل متواصل في العاصمة السودانية الخرطوم، التي تربع على حكمها «الإخوان» منذ قرابة ربع قرن، بانقلاب عسكري على نظام ديمقراطي، وأقاموا أول تجربة «تمكين» في تاريخ حركة الإخوان المسلمين، بيد أنهم اصطرعوا فيما بينهم منذ عام 1999، حينما قامت المجموعة الحاكمة حاليا بإبعاد عرّاب الانقلاب الدكتور حسن الترابي، فتمكنت مجموعة منهم، وتضعضعت الأخرى. الآن الكل يتحدث عن «اعتكاف الرئيس» على معالجة مشكلات السودان جذريا، وينظر الناس لهذا الاعتكاف باعتباره الموجة المناوئة للتمكين، وبداية تساقط «أحجار الدومينو» لتيار الإسلام السياسي، وأنه (أي الرئيس) ربما يتخلص من حلفاء الأمس، متأسيا بأفول شمس مدهم، ومتقويا بما فعل رفيقه سلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان، الذي أقال الحكومة ونائبه، وحاسب أمين حزبه دفعة واحدة. يختلف المحللون حول ما يمكن أن يخرج به البشير، معظمهم يعتقد أن دولة «المؤتمر الوطني» دالت، وأنه في سبيله للتخلي عن هؤلاء الحلفاء، وينتظر اللحظة المواتية فقط، لكن نظرا للتعقيدات التي قد تواجه حكمه، حال تخليه عنهم، ربما لا يقلب الطاولة دفعة واحدة. فمن يقولون إن الأوان حان لهم أسبابهم، والذين يقولون إن الوقت لا يزال باكرا لهم أسبابهم أيضا، لكن الجميع يتفقون على أن «مخاطر الطريق»، هي ما يمكن أن تخرج الرئيس من اعتكافه بتعديل وزاري، تذهب بموجبه وجوه وتظهر وجوه جديدة للترضية، مراعاة للمزاج العام الذي يطالب بالتغيير داخل الحزب الحاكم! ولأن الأشياء في هذا البلد لم تعد تحتمل أكثر، فإن التغيير أصبح لا مناص منه، ولم تعد التعديلات الوزارية والتنقلات المعتادة تجدي، لا سيما أن أزمة النظام استحكمت، مما جعل الحديث الذي بدأ همسا ثم تحول إلى جهر، عن ضرورة «التغيير»، يكثر. * طريقة الرئيس * المعلن الآن هو شروع الرئيس في إعلان «حكومة جديدة»، وتخشى رؤوس كبيرة ظلت تحكم منذ أكثر من ربع قرن، أن يطاح بها في الحكومة المرتقبة، لكن تفاصيل ما قد يحدث لا يعرفها إلا الرئيس وحده، ونفر قليل من معاونيه، ولأن الغموض يلف العملية، فإن بعض رجال الحزب الحاكم ونسائه، يحاولون الظهور بمظهر «العارف»، في الوقت الذي لا يتوقع فيه أن يكون للحزب دور في التغيير المرتقب. وعلى الرغم من خروج نائبة رئيس البرلمان سامية محمد أحمد على الناس بتصريحات في شهر رمضان، تقول إن هناك تعديلات مقترحة على طاولة الرئيس، وعضد حديثها رئيس لجنة الأمن بالبرلمان محمد الحسن الأمين، وكلاهما نافذ في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، فإن الكاتب والمحلل الصحافي محمد لطيف، الذي تجمعه بالرئيس البشير صلة مصاهرة، والذي يعد مقربا من «بيت الأسرار» كتب في صحيفة «الخرطوم» 21 يوليو (تموز) الماضي، مقالا سماه «التغيير على طريقة الرئيس»، فحواه أن الرئيس غيّر تكتيكاته، فبعد أن أعلن أنه لن يترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2015، قرر أن يكون «آخر المغادرين»، يقول لطيف: «إن التغيير المقبل، الذي تروج له المدينة هو تغيير يقوده الرئيس نفسه، سنذكر فقط بواقعة أن الرئيس قد شغل الخرطوم بأمر تنحيته ردحا من الزمان، فصاغ البعض سيناريو التغيير بأن يبدأ بمغادرة الرئيس، ولكن يبدو أن تعديلا طفيفا قد جرى على ذلك السيناريو، بأن يكون الرئيس آخر المغادرين لا أولهم، ومنطق بسيط، إن شئت التأمل، يحكم هذا التعديل الطفيف في شكله والجذري في مضمونه، فالرئيس الذي يعد مسؤولا عن نيف وعشرين عاما من المشهد السياسي في السودان، ينتابه إحساس كذلك بأنه مسؤول عن السنين المقبلة، لا بالوجود، ولكن بالترتيب». انتهى كلام محمد لطيف، وفيه ما يشير إلى أن رؤوسا كثيرة قد يطاح بها قبل ذلك التاريخ. وفي الوقت ذاته، قال مصدر بالقصر الرئاسي لـ«الشرق الأوسط»، تعليقا على التصريحات المتضاربة الصادرة عن مسؤولين حكوميين بشأن التغيير المرتقب: «هم لا يعرفون شيئا؛ يعبرون عن أمانيهم فقط، لا أحد يعرف عن التغيير المرتقب سوى الرئيس، وشخصين إلى ثلاثة في القصر الرئاسي»، وذكر المصدر اسم وزير الرئاسة بكري حسن صالح بين الحلقة التي يشاورها الرئيس البشير فيما يريد أن يفعل، لكن العبارة المهمة التي وقف المصدر عندها أن النائب الأول علي عثمان محمد طه ليس في تلك الحلقة الضيقة، وفي هذا الكلام ما فيه، لأن الرجل ظل داخل مطبخ صناعة القرار منذ الانقلاب، ولم يخرج منه البتة. ولأن لعلي عثمان طريقته الخاصة جدا في التعامل مع الأحداث، لم يسكت الرجل، فحين احتدمت التكهنات خرج على الناس بقوله: «إن رئيس الجمهورية يعكف بنفسه على إعداد رؤية شاملة وفاعلة للوصول إلى حلول جذرية لمشكلات السودان»، ليؤكد ما ذهب إليه محمد لطيف في أن الرئيس يعد طبخته لوحده، ويدخل نفسه في زمرة أصحاب «الأماني السندسية». * ندم رئاسي * لعل الرئيس عمر البشير نفسه ناء بما يحمل؛ ففي اعتراف نادر أثناء حفل إفطار رمضاني نظمته السلطة الإقليمية لدارفور، قال إن حكمه شهد ظلما خيم على البلاد، وتسبب في الجفاف، وفي تأخر نزول الأمطار، وبدا «نادما» للمرة الأولى منذ أن حكم البلاد، وزاد: «نحن فرطنا في سماحة أهل دارفور، وسماحة الأعراف، ودماء بعضنا البعض»! * تحالفات جديدة * اعتراف الرئيس «المفاجئ»، وتصريحات النائب الأول، وهو المعروف عنه «الصمت»، وأقوال مسؤولين كثر بشأن التعديلات الوزارية المرتقبة، تجعل كلا الاحتمالين ممكنا، إما تغيير كامل، أو مناورة لكسب الزمن تعطي الطاقم الحاكم عمرا إضافيا. وينظر المراقبون لهذه الاحتمالات وفقا لرؤيتين متشائمة وأخرى متفائلة، يقول المتشائمون: «لن يحدث جديد، سينقل الرئيس بعض معاونيه، ويعطي وجوها محدودة استراحة محارب، لأن هذا كان ديدنه منذ ربع قرن، فما الذي جد؟»، بينما يقول المتفائلون: «الخرطوم لم تنشغل من قبل بتعديل وزاري هذا الانشغال، ولم تنتظره بهذا القلق، وتخبّط من كانوا في وقت سابق يملكون القول الفصل يعني أن ثمة جديدا»! يقول الكاتب أبو ذر علي الأمين، وهو أحد الممنوعين عن الكتابة بأوامر أمنية، إن حزب المؤتمر الوطني يبدو أنه سيودع الساحة السياسية كحزب «سلطة»، وسيتم إحلاله مرحليا بالعسكر، وستملأ الفراغ تحالفات جديدة، مرجحا أن يكون نصيب حزب الأمة بقيادة المهدي فيها هو الأكبر، وأن يقسم معه «الكيكة» الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني. ويرى الأمين أن الصراع على خلافة الرئيس البشير احتدم بما يهدد ببروز مرشح رئاسي غيره، مما يجعل من السيطرة على الحركة الإسلامية، وتمييعها، أو حتى حل حزب المؤتمر الوطني واردا كإجراء وقائي، ويشير إلى ما سماه الضغط الكبير الذي تمارسه المجموعة التابعة للمؤتمر الوطني التي تطلق على نفسها اسم «سائحون»، وإلى الضغط الآخر الذي تقوده بجرأة أكبر مجموعة المحاولة الانقلابية بقيادة قائد الحرس الجمهوري الأسبق محمد إبراهيم عبد الجليل (ود إبراهيم). ويعتقد الأمين أن ضغوط هذه المجموعات تدفع الرئيس ليقود بنفسه الترتيب لانتخابه المقبل رئيسا لدورة أخرى، يكمل بها العقد الثالث بلا منازع. * الانتقال السلس أو الطوفان * قال الناشط السياسي عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن ما تشهده البلاد من حراك يقترح ثلاثة سيناريوهات من أجل التغيير، أولها تكوين حكومة انتقالية وفقا لترتيبات دستورية جديدة، وهذا سيناريو يقترحه التحالف المعارض، والسيناريو الأكثر مأساوية يتمثل في تدخل القوى الدولية عبر الأمم المتحدة والدول التي لها مصالح في السودان والمنطقة، وثالث السيناريوهات يتمثل في استعادة الطاقم الحاكم لوعيه، بما يجعله يشرع في تغيير مناهجه وسياساته، وتغيير الوجوه الحاكمة بما يتفق مع التطور الدستوري المرغوب. ويضيف خاطر أن الرئيس البشير ومؤسسة الرئاسة، مستعينا بمن يدركون حجم المخاطر التي تتهدد البلاد من طاقمه الحاكم، عليهم الوصول لتسوية سياسية رشيدة، لأن الأوضاع السائلة التي يعيشها السودان تهدد بتفتته، والانتقال السلس للسلطة هو الخيار الأمثل. * انقلاب على الحزب * يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفسور حسن علي الساعوري: «لو اكتفت الحكومة بإبعاد الوزراء ضعيفي الأداء، ستكون المحصلة صفرية، لأن التغيير المنشود يستلزم تغيير السياسات والأشخاص، ويستلزم إعادة تأسيس البناء الهيكلي للحكومة»، ثم يضيف: «لكن لا أحد يتحدث عن تغيير سياسات وتغيير هيكلي، وكل ما يدور يتعلق بتغيير أشخاص، على الرغم من الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام». ويؤكد الساعوري، وهو من الأكاديميين الإسلاميين وترأس جامعة النيلين، أن النظام الحاكم يعيش أزمة داخلية، وتعيش معارضته أزمتها الناتجة عن ضعفها، وأن أي تغيير لا يستوعب هذه الحقيقة الموضوعية لا معنى له. ويستطرد: «ظل الطاقم الحاكم في الحكم 24 عاما، وبالتالي يكون قد قدم كل ما عنده، ولا يتوقع منه جديد، وزادت الأزمات وهو حاكم وساعد وجوده على تفاقمها»، ويدعو لذهابهم جميعا، بحكم «الإجهاد» الذي أصابهم من الجلوس على كراسي الحكم لوقت طويل. ويشترط الساعوري حدوث توافق بين الحكومة والمعارضة المدنية والمعارضة المسلحة، والوصول إلى صيغة سياسية تجمع هذه الأطراف، ويضيف: «لا السلاح استطاع معالجة الأزمة، ولا المعارضة المسلحة استطاعت حلها، ولا القوى السياسية المعارضة تستطيع بسبب ضعفها». ويستدرك الساعوري: «لكن لأن المعارضة المسلحة غير مستعدة للتفاوض، فإن وجود فريق جديد يستطيع استخدام القوة المسلحة بالجدية الكافية لإجبار الحركات المسلحة على التفاوض مهم جدا، فالحكومة الحالية لم تكن جادة في استخدام القوة». وفنيا، يشير الساعوري إلى ما سماه غرابة الاحتفالات التي نظمت للمشاركين في المحاولة الانقلابية (العميد محمد إبراهيم، رئيس جهاز الأمن صلاح قوش، ورفاقهما)، مما جعلهم يبدون منتصرين، ويضيف: «تكتمل الغرابة حين يتردد أن أسماءهم مدرجة ضمن التشكيلة الجديدة، كأن دعوتهم التصحيحية مخطط لها أن تكون ضمن هذه الصيغة». ولا يستبعد الساعوري حدوث مفاصلة ثانية بين العسكريين والحزب، بل ويستحسنها، لأنها ستكون تغييرا بلا إراقة دماء، كاشفا عن «اتصالات وأحاديث» بين الرئيس والإصلاحيين داخل الحزب بشأن هذا التغيير، بيد أنه توقع مقاومة من أطلق عليهم «الحرس القديم» لخيار التغيير، وأن يرفضوا الذهاب «هكذا»، فما الذي يمنع البعض من المطالبة بإقامة «محاكمات»؟! ويرى الساعوري أن للتغيير الذي حدث في جنوب السودان، من إقالة الحكومة وإعفاء نائب الرئيس، علاقة مباشرة بما يحدث أو قد يحدث في السودان، ويقول: «واضح أن الرئيس سلفا كير يرغب في التعاون مع السودان، لكن السلطة لم تكن بيده، بل كانت بيد الحزب والجيش، وكان لزاما عليه للتعاون مع السودان التخلص من نفوذ من لديهم صفقة مع المعارضة في الشمال، والتحدي الذي يواجه الرئيس سلفا كير هو مقدرته على المضي قدما في تنفيذ قراره»، ولم يستبعد الأكاديمي الإسلامي احتمال أن يكون السودان لعب دورا ما فيما حدث بالجنوب بحثا عن مصالحه. * صراع المصادر والمعلومات * وكتب إسحاق أحمد فضل الله القريب من دوائر المعلومات وصنع القرار في النظام الحاكم: «ما بين البشير وحتى آخر من يشغل منصبا دستوريا يذهب بعد أيام»، وهي إشارة قوية لاحتمال إبعاد النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه، وعلى غير عادته في الكتابة تلميحا، قال فضل الله صراحة إن وزراء المالية والعدل والزراعة والتعليم العالي والخارجية سيخرجون قريبا، وإن الهجوم المضاد للخارجين «يبدأ»، دون أن يمس الصحيفة التي كتب فيها مقالة سوء، ودون أن تتحرك أيدي النائب الأول، فتسدل عليها الستار.وفي الوقت الذي قطع فيه فضل الله بخروج «تلك الأسماء»، فإن صحف الخرطوم نقلت ما سمته «تسريبات» عن التشكيل الوزاري المرتقب، ولم تخرج تكهنات تلك الصحف، أو ربما أماني ناشريها، عن أن التغيير المقبل «روتيني». ونقلت صحيفة «آخر لحظة»، وهي مملوكة لقيادي بالحزب الحاكم، أن هناك اتجاها لإسناد منصب النائب الأول للرئيس لوزير شؤون الرئاسة الحالي الفريق أول ركن بكري حسن صالح، وانتقال وزير الخارجية الحالي علي كرتي لرئاسة جهاز الأمن والمخابرات، وانتقال مدير جهاز الأمن الحالي محمد عطا المولى لوزارة الداخلية، وأيلولة وزارة الزراعة لوزير الري الحالي أسامة عبد الله، وانتقال وزارة المالية لمدير بنك السودان السابق صابر محمد الحسن، وإيكال وزارة الخارجية لمسؤول العلاقات الخارجية في الحزب إبراهيم غندور، وإعفاء النائب الأول علي عثمان محمد طه، ونقله لرئاسة البرلمان. * ضربة المعلم * وعلى الرغم من المسافة بين تكهنات الصحافة وما يقوله نافذون في الحكم، تتداول مجالس الخرطوم علنا، وتتفق على أن الرئيس يعمل على «قلب الطاولة» على الحرس القديم، لكنها تختلف في كيفية إخراجه بين التغيير المشابه لما حدث في جنوب السودان «ضربة معلم»، وحدوثه تدريجيا، وتلاقى تكهنات ذهاب طه للبرلمان وهو في آخر دورته بفكرة «التدرج». فهناك من يرى أن التعديل الذي أجراه الرئيس البشير على هيئة قيادة الجيش، وخلو الهيئة من العسكريين الإسلاميين، واحتلال المحترفين لمواقع القيادة لأول مرة منذ الانقلاب في 1989م، والإبقاء على وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، على الرغم من الحملة التي شنت ضده من قبل برلمانيين وحزبيين مطالبة بعزله باعتباره مسؤولا عن احتلال قوات الجبهة الثورية لمنطقة «أبو كرشولا»، ودخولها مناطق «أم روابة والله كريم والسميح» بولاية شمال كردفان، وصياغة قانون جديد للجيش يمكن من محاكمة المدنيين في محاكمات عسكرية، يحتمل أن يكون صيغ لمحاكمة رجال ميليشيات الحكم شبه النظامية، حال أبدت مقاومة، وهناك من يرى في ذلك تمهيدا لأن يخرج الرئيس البشير من «اعتكافه» على الناس بمشروع يعالج كل مشكلات السودان دفعة واحدة، وما يستبطن إبعاد الإسلاميين. * أحداث الإقليم * يرجح محللون أن تسهم ظروف الإقليم، خاصة إخراج الإسلاميين من الحكم في مصر (ربما ينتظر البشير نتائج التفاعلات المصرية قبل إصدار قراره)، والجرأة التي حل بها رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت حكومته، وأبعد منافسيه في الحزب بضربة واحدة، في مساعدة البشير على إنجاز مهمته، بيد أن أبو ذر الأمين يقول: «الرئيس قد يتراجع في آخر مرحلة عن ما انتواه، بسبب الخطر المحتمل الذي قد يترتب على المقاومة المتوقعة من الحرس القديم ضد محاولات إقصائه، على الرغم من أن قانون الجيش قد أعد لمواجهة مثل هذه المقاومة». تلك هي الحكاية التي بدأت في السودان، الكل ينتظر، واليد على موقع النبض، فهل يفعلها البشير بعد ربع قرن من الحكم المتواصل، أم أن «حليمة» ستظل على قديمها، هذا سؤال المليون الذي انتظره السودانيين طويلا..!

من التاريخ: الولايات المتحدة: تأملات في صناعة الدولة (1) من التاريخ: الولايات المتحدة: تأملات في صناعة الدولة (1)

$
0
0
تناولت في مقال سابق لي بعنوان «لماذا ولدت أميركا ديمقراطية؟» قضية ظهور دولة الولايات المتحدة على الساحة الدولية كلاعب ديمقراطي جديد، وكيف أن ظروف ميلاد هذه الدولة فرضت عليها نوعا من الديمقراطية لم يكن متاحا لغيرها من الدول التي ولدت في نفس الظروف أو في نفس الزمان وإن كانت في غير المكان، وقد خلص هذا المقال إلى أن ظروف ثورة المستعمرات الأميركية الثلاث عشرة التابعة لبريطانيا فرضت عليها نوعا من الاتحاد الذي كان أساسه فكرة المساواة والحرية والتوازن حتى في صناعة القرار السياسي، ليتمكنوا من مواجهة الإمبراطورية البريطانية التي تمثل أقوى دولة في العالم، وبعد معارك ممتدة دامت قرابة ثماني سنوات حصلت الولايات الثلاث عشرة على استقلالها بفضل التحالف مع فرنسا التي استطاعت أن توازن بدرجة كبيرة الأسطول والجيش البريطانيين، وبالفعل تم جلاء آخر جندي بريطاني من القارة في 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما غادر آخر جندي من جزيرة «ستاتن آيلند» في 4 ديسمبر (كانون الأول) 1783 بموجب «اتفاقية باريس» التي كانت قد وقعت في نفس العام. واقع الأمر أن التخلص من المحتل شيء وإدارة الدولة الوليدة شيء مختلف تماما، فها هي ثلاث عشرة مستعمرة حصلت على استقلالها من الدولة الأم، وأصبح لزاما عليها أن تتعامل مع الواقع الجديد، فكيف تتم الإدارة إذن؟ كيف ستتقاسم الولايات السلطة؟ كيف سيتم تنفيذ المبادئ العامة والمثل العليا التي تم الاتفاق عليها في إعلان الاستقلال مثل الحرية والعدالة والمساواة والحقوق الأساسية؟ وما هي الجهة التي سيناط بها هذه المهمة؟ كيف سيكتب دستور هذه الدولة؟ كانت هذه هي الأسئلة التي كانت على لسان كل مواطن أميركي، فقد كانوا عاقدين العزم على التخلص من المستبد، ولكن لم تكن لديهم رؤية متفق عليها لتسوية خلافاتهم السياسية وصناعة الدولة ومؤسساتها، وهذه دائما ما تكون سمة الثورات الشعبية، والأميركيون لم يشذوا عن سنة السياسة وناموس التنظيم السياسي في أي دولة، فحقيقة الأمر أن وجود العدو الكبير، ممثلا في بريطانيا، ساهم في توحيد الصف الأميركي، ولكن مع اختفاء هذا العدو اختفت معه الوحدة المطلقة التي ساهمت بشكل كبير في لم الشمل، وقبل الخوض في عملية صناعة الدولة الأميركية فإنه يجدر بنا أن نسوق النقاط الجوهرية التالية: أولا: إن الشعب الأميركي تجسدت هويته السياسية مع ظهور الثورة، فهو لم يعد كيانا تابعا للدولة البريطانية، بل إن هذا الشعب بدأ يفصم سياسيا عن الدولة الأم ويسعى للاستقلال مع أول معركة دخل فيها الثوار ضد الجيش البريطاني المعروف لديهم بـ«ذوي المعاطف الحمراء» Red Coats، وهو أول انفصال سياسي واضح في الهوية بين الفريقين المتنازعين، ولكن مع انتهاء الحرب تجلت الهوية الأميركية المستقلة ممثلة في ثلاث عشرة ولاية وليس مستعمرة، وقد نتج عن ذلك عملية تسييس واسعة النطاق لكل الشعب الأميركي، فهي ثورة شعبية بكل المعايير، وأصبح الكل مساهما فيها بغض النظر عن انتماءاته الفكرية أو الدينية أو طبقته الاجتماعية. ثانيا: واتصالا بالنقطة الأولى فإن الجيش الأميركي المعروف بالجيش القاري Continental Army والذي رأسه الجنرال جورج واشنطن كان دوره حاسما في خلق الروح الوطنية والهوية المستقلة، بل الأساس الوطني للدولة الأميركية الوليدة، وبالتالي فإن مقولة إن الجيش هو المدرسة الوطنية الأولى مقولة صحيحة تماما وتنطبق على الولايات المتحدة في المهد، ففي هذا الكيان انصهرت كل المتاريس الاجتماعية بين الطبقات، وتوحدت الرايات السياسية للجنود والضباط على حد سواء، كما أن الجيش القاري أصبح الرمز العملي لمفهوم الوطنية الذي أعلنه الكونغرس الأميركي الذي أصدر إعلان الاستقلال في 4 يوليو (تموز) 1776. وقد لعب جورج واشنطن دورا محوريا في الحفاظ على هذا الجيش وروحه الوطنية وإبعاده عن السياسية حتى في الظروف التي عانى فيها الكونغرس من حالات تخبط، ولكنه كان مما لا شك فيه قوة مؤثرة على المسرح السياسي وكان لواشنطن ولجنرالات آخرين دورهم السياسي في تسيير دفة أمور كثيرة. ثالثا: لقد كان للبعد الاجتماعي محاذيره أيضا، خاصة فيما يتعلق بمسائل العبيد والمرأة، فإعلان الاستقلال وكافة المواثيق الصادرة كان من شأنها وضع أسس ومبادئ اجتماعية وسياسية واضحة للدولة الناشئة على أساس المساواة بين أفراد الشعب، وهو ما تضمن أيضا رفض أي تفرقة على أسس عرقية أو نوعية أو دينية، ولكن الأوضاع الاجتماعية في الولايات الثلاث عشرة لم تكن جاهزة بعد لتطبيق مثل هذه المثل العليا التي اعتنقها الجميع فكريا واختلف عليها الكثير تطبيقيا، فمسألة العبودية ظلت أكثر بقليل من حبر على ورق، فهي لم ترق إلى تسوية سياسية واجتماعية واضحة حتى بعد الحرب الأهلية، بل إن الأمر لم يحسم بشكل قاطع إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، وعلى كل حال فإن أغلبية الولايات منعت تجارة الرقيق ولكن النظرة الاجتماعية الدنيا ظلت ملازمة لهم، فلم يكن لهم حق التصويت، وامتلاك الأراضي كان محكوما بسلسلة من المعايير، ومع هذا فإن بعض الولايات خاصة في الجنوب امتنعت عن تنفيذ ذلك تماما لأسباب تتعلق بكون العبيد القاطرة الاقتصادية لمجتمعاتهم الزراعية، أما المرأة فلم تحظ بالكثير من الحقوق أيضا، فلم يكن لها حق التصويت، كما أن المرأة المتزوجة لم يكن لها حق الوكالة أو امتلاك الأراضي، وقد استمر هذا لعقود طويلة حتى بدأت المرأة تنال حريتها تدريجيا من خلال التعديلات الدستورية المتتالية. أما فيما يتعلق بمسألة العدالة الاجتماعية بعد نجاح الثورة الأميركية، فإن المبادئ والأهداف دخلت في صراع مباشر مع الهرم الاجتماعي والمصالح الاقتصادية للطبقات الأقل حظا، فلقد اعتنق كثير من أبناء الطبقة الوسطى والسفلى الثورة اقتناعا منهم بأن الثورة ستغير الهرم الاجتماعي وتقضي أو تحد من مزايا الطبقات الأرستقراطية وملاك الأراضي والتجار، أو على أقل تقدير ستسمح بالعملية التي نسميها اليوم في علم الاجتماع السياسي فرص التدرج الطبقي لأعلى Upward Social Mobility، ولكن الطبقات العليا كانت لها أهدافها، خاصة رفض الوصاية الاقتصادية والإجحاف الضريبي ومفاهيم الجباية التي تعامل بها التاج مع المستعمرات الثلاث عشرة، فضلا عن تخوف طبقة التجار والطبقة الصناعية الجديدة من ضغوط طبقات الارستقراطية، وهو ما كان أحد العوامل الأساسية في تفجير الثورة الأميركية، بالتالي فإن هذه الطبقات القوية والمؤثرة على عملية صنع القرار السياسي كانت متحفظة إزاء تغيير الخريطة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، لا سيما بعد تخلصها من الطبقة الأرستقراطية والملكيين. ورغم أن الدولة الجديدة بدأت تتخذ عددا من الخطوات التي كانت تسعى لتحقيق بعض المبادئ التي كانت تنادي بها الثورة الأميركية، مثل منح حق التصويت للطبقات الدنيا شريطة أن يكونوا من دافعي الضرائب وفتح باب ضيق للغاية أمام الترقي الاجتماعي، وتوزيع الأراضي التي تمت مصادرتها من الإنجليز وحلفائهم على الطبقات الوسطى والمحاربين القدامى، وبرغم كل هذه الجهود فإن الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي ظل مستمرا خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. وفي التقدير أن المشكلة الأساسية التي أصبحت تواجه الدولة الوليدة كانت التنظيم السياسي لهذا الكيان الجديد، فحقيقة الأمر أن الأميركيين قاموا بحرب استقلال، ولكنهم لم يقوموا بثورة سياسية داخلية، وبالتالي أصبح عليهم الإجابة عمليا على سؤال صعب للغاية، وهو: كيف يصنعون جمهورية في عصر الملكيات؟ وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الأسابيع المقبلة.

وزير خارجية ايران الجديد.. رجل الساعة وزير خارجية ايران الجديد.. رجل الساعة

$
0
0
بقدر ما أصبح وجود محمد جواد ظريف على رأس وزارة الخارجية الإيرانية رمزا للأمل في تحقيق انفراجة في علاقات إيران بالولايات المتحدة، جاء تعامله مع وسائل الإعلام الاجتماعي علامة على القطيعة مع الماضي. يعرف ظريف بأنه أول وزير في الجمهورية الإسلامية يمتلك صفحة على «فيس بوك» يديرها بنفسه، وهو ما يجعل ظريف، الذي فاز في التصويت على الثقة من البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي وزيرا للخارجية، وربما أرفع سياسي إيراني، يجري اتصالا مباشرا مع جمهوره وجمهور «فيس بوك». كان ظريف قد أقيل من منصبه سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة قبل ست سنوات. الآن، نشرت أول صورة له وزيرا للخارجية. في رسالة أخرى على صفحته، شكر ظريف جمهوره، وأوضح أنه سوف يقدم تقارير منتظمة إلى الإيرانيين من خلال صفحة «فيس بوك» الخاصة به، وكذلك الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية. شغل ظريف، الدبلوماسي الإيراني المخضرم الذي درس في الولايات المتحدة، منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة لمدة خمس سنوات. وكحال العديد من السياسيين في جميع أنحاء العالم، أدرك ظريف جيدا تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك»، والفوائد السياسية المحتملة من استخدامه. أنشأ ظريف صفحة له على «فيس بوك» قبل أن يصبح وزيرا في الحكومة الحالية. وعندما رشحه الرئيس حسن روحاني لتولي حقيبة الخارجية، أنشأ صفحة لمتابعيه بحيث يمكن لأي شخص متابعة ما ينشره على صفحته، وأوضح أنه يقوم على تحديث الصفحة بنفسه بمساعدة أبنائه. بعد مصادقة البرلمان على تعيين ظريف، ازداد عدد متابعي صفحته على «فيس بوك» وانضم نحو 50.000 متابع إلى الصفحة في ثلاثة أيام، والعدد آخذ في الارتفاع حتى الآن. وقبل فوزه في التصويت على الثقة، أكد ظريف على أن صفحته سيتم تحديثها بانتظام. ونشر صورة له مع قاضي بور، عضو البرلمان الجريء الذي أصبح موضع سخرية بسبب لهجته التركية. وقد أبدى ظريف دعمه للنائب، قائلا: «أصدقائي الأعزاء! لقد وجدت قاضي بور واحدا من أكثر النواب استقلالية وإخلاصا، وأنا أحترمه. أنشر صورة له لإظهار تأييدي له. أنا أطلب من جميع الأصدقاء احترام جميع الأعراق. إذا كنا نريد حقا تعزيز مكانة إيران والإيرانيين وإذا كنا نريد من العالم أن يحترم جواز السفر الإيراني، فعلينا أن نحترم بعضنا بعضا أولا. شكرا جزيلا.. وحظا سعيدا». وكان جواد ظريف، الذي يعد أحد أبرع الدبلوماسيين الإيرانيين، منبوذا حتى الصيف الحالي وتم إبعاده من الحكومة من قبل المحافظين المتشددين بسبب عمله الوثيق مع البلدان الغربية. وبدلا من إطلاع العالم على أبعاد القضية الإيرانية كما كان يفعل خلال مسيرته الدبلوماسية على مدار 35 عاما كاملة، كان ظريف يقضي أيامه في التدريس بمركز التدريب التابع لوزارة الخارجية في جامعة هادئة بشمال العاصمة الإيرانية طهران. وقد تغير هذا الموقف تماما عقب انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني في يونيو (حزيران) الماضي، وأصبح ظريف يشغل منصب وزير الخارجية الجديد للبلاد، ويبدو من المؤكد تقريبا أنه سيقود الوفد الإيراني في المفاوضات النووية مع الغرب؛ في إشارات ودلالات إضافية على أن روحاني جاد في الحد من التوترات مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقال داود هرميداس باوند، وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العلامة الطابطبائي في طهران الذي يعرف ظريف معرفة شخصية: «ظريف هو الوجه الجديد للسياسة الجديدة. سياستنا الخارجية السابقة لم تسفر عن أية نتائج، وكانت سياسة مشؤومة في حقيقة الأمر. نحن بحاجة إلى مراجعة أساليبنا السابقة وتقليل حدة مواقفنا من أجل إيجاد حل للمشكلة النووية والحد من العقوبات». وقد انهارت المفاوضات السابقة بشأن البرنامج النووي الإيراني بسبب إصرار الغرب على أن تتوقف الحكومة الإيرانية أولا عن تخصيب اليورانيوم، حيث ترى القوى العالمية أن هذه هي الخطوة الأولى لتصنيع أسلحة نووية، في الوقت الذي يصر فيه الإيرانيون على حق بلادهم في تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود اللازم لمفاعلات الطاقة والاستخدامات السلمية الأخرى. ويرى محللون الآن أنه يمكن التوصل لحل لهذا المأزق السياسي في ظل القيادة الإيرانية الجديدة. وقال السفير الفرنسي السابق في طهران فرانسوا نيكولود الذي اجتمع بظريف كثيرا: «نحن على يقين بأن ظريف - إذا فُوض للتعامل مع القضية النووية - سوف يعمل بصورة سريعة ورسمية على تقديم أفكار جديدة مثل قيام إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة وذلك بوصفه حلا وسطا». وإذا قررت القيادة الإيرانية اتباع سياسة جديدة لتخفيف حدة التوترات مع الغرب، فإن ظريف سيكون هو الشخص المثالي للقيام بذلك. وعودة إلى «فيس بوك»، فقد تم إغلاقه في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع على صحتها عام 2009، لكنه أصبح الموقع الاجتماعي الأكثر شعبية جدا إلى حد أن العديد من الساسة الإيرانيين أنشأوا لهم صفحات عليه. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها وزير بإنشاء صفحة عامة لمتابعيه في إيران. فظهرت صفحات مثل «khamenei.ir»، نسبت إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، لكن لم يكن هناك أي تأكيد رسمي من مكتبه. هذه الصفحة يتابعها ما يقرب من 53.000 شخص، ومن الواضح أنه يجري تحديثها من قبل المقربين من آية الله خامنئي. وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية 2012، أنشئت صفحتان لاثنين من كبار مجلس النواب؛ هما محمد رضا باهونار وشهاب الدين الصدر. لكن كليهما نفى وجود حسابات باسمه على «فيس بوك». وقال باهونار، الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام لجمعية المهندسين الإسلامية : «ليس لدي أي صفحة في (فيس بوك) أو غيرها من الشبكات الاجتماعية». كما أصدر الصدر أيضا رسالة، قائلا إنه يعلن عن مواقفه من خلال الموقع الرسمي للبرلمان الإيراني أو صفحته الشخصية على الإنترنت. وهناك سياسيون آخرون لم ينفوا نشاطهم على «فيس بوك»؛ يأتي على رأسهم حسن الخميني، حفيد آية الله روح الله الخميني، ويأتي ابنا حسن الخميني كأكبر المستخدمين النشطين للموقع. ويأتي نائب الرئيس السابق محمد علي أبطحي، رئيس أركان الرئيس السابق محمد خاتمي، كأحد المستخدمين النشطاء على «فيس بوك»، وكذلك رئيس بلدية طهران السابق، والأمين العام لحزب البناء التنفيذي، وغلام حسين كرباشي، ونائبة الرئيس السابق ورئيسة قسم البيئة معصومة ابتكار، والنائب الإصلاحي السابق أحمد بورنجاتي، والمستشارة السابقة لخاتمي زهرة شجاعي، والنائب السابق جمشيد أنصاري، من بين المسؤولين السابقين الذين يملكون حسابات على «فيس بوك». وكان آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، قد صرح: «نحن نشهد أن صفحة (فيس بوك)، التي لا تفرض أي تكلفة على الناس، تحمل التأثير نفسه للإذاعة والتلفزيون على الملايين من الناس. ونقل أشرطة الفيديو أو الصور التي التقطتها الهواتف الجوالة في جميع أنحاء العالم. بالنسبة لي، إنه حدث مبارك للعالم». ويملك أبناء رفسنجاني مهدي وفائزة حسابات خاصة بهم في «فيس بوك». وإجمالا، فإن استخدام حسابات «فيس بوك» من قبل الساسة الإيرانيين لا يزال يخطو خطواته الأولى، ولكن وجود جواد ظريف على الشبكات الاجتماعية الشعبية ربما يكون خطوة لكسر المحرمات التي تدفع السياسيين الآخرين إلى الشبكة في المستقبل القريب. وكان ظريف يعمل سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة بين عامي 2002 و2007، ووجه إليه بعض النواب المعارضين لترشيحه اتهام الارتباط مع مسؤولين أميركيين خلال عمله في حكومة أحمدي نجاد. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي، إن السياسة الخارجية «لا تصنع بالشعارات»، في انتقاد ضمني لسلفه محمود أحمدي نجاد، وذلك في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية، فيما أكد وزير خارجيته جواد ظريف أن مبادئ سياسة إيران الخارجية ثابتة وغير قابلة للتغيير، مؤكدا أن العقوبات الغربية لم ولن تؤدى إلى تغيير السياسات المبدئية للجمهورية الإسلامية في إيران»، مشيرا إلى أن مبادئ سياسة إيران الخارجية قائمة على الدستور وإرشادات قائد الثورة الإسلامية و«هي ما تشكل أسس العلاقات الدولية لإيران، وغير قابلة للتغيير». وأوضح أن الدفاع عن وحدة‌ التراب والاستقلال والحرية وخدمة أبناء‌ الشعب والعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية تشكل أسس هذه المبادئ‌ التي لا يمكن أن تتغير في ظل أي ظروف. وتطرق إلى مواقف إيران من التطورات الأخيرة في المنطقة والعالم، وقال: «الشعب الإيراني لن يتخلى عن حقوقه أبدا، ونحن لا يمكن أن نساوم على حقوقنا». وتطرق إلى السياسات العدوانية التي تنتهجها أميركا ضد إيران، وقال إن «الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني أدت إلى أن تلجا أميركا إلى فرض عقوبات جديدة ضد إيران وهي على أعتاب حكومة التدبير والأمل». * جواد ظريف في سطور * ولد محمد جواد ظريف عام 1960 في طهران. وقد شغلت الدبلوماسية والشؤون الخارجية جل حياته المهنية، واستطاع أن يبني شهرته بصفته سياسيا تكنوقراطيا براغماتيا وفعالا وذلك خلال تدرجه في السلك الدبلوماسي. وقبل كل شي يعرف عن ظريف اطلاعه على الولايات المتحدة وطريقة عمل الأمم المتحدة بعد أن أمضى عشرات السنين في العمل معهما. فقد بدأ ذلك في سن مبكرة، حيث تلقى تعليمه العالي في الولايات المتحدة؛ إذ حصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو عام 1984. وبعدها تابع تحضيره شهادة الدكتوراه في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر؛ حيث حصل على شهادة الدكتوراه في القانون والسياسة الدولية عام 1988. وعند إتمام دراسته ونظرا لمعرفته ومواهبه، عرضت على ظريف الفرصة للانضمام إلى البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة. وفي بداية حياته الدبلوماسية، شارك ظريف في عمل المفاوضات خلال فترة عمله مستشارا للأمم المتحدة التي امتدت بين عامي 1982 و1988. وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه، أصبح ظريف المستشار والقائم بالأعمال في البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة. وبين عامي 1988 و1989 تم تعينه مستشارا لوزير الخارجية الإيرانية وقتها علي أكبر ولايتي، ثم أصبح أستاذا زائرا في كلية العلاقات الدولية في طهران. من عام 1989 إلى 1992 عاد ظريف إلى الأمم المتحدة نائبا لمندوب إيران الدائم لدى نيويورك. بين عامي 1992 و2002 عين ظريف في منصب نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية قبل أن يعود إلى الأمم المتحدة مرة أخرى بين عامي 2002 و2007 مندوب إيران الدائم هناك. خلال هذا الوقت تولى ظريف مجموعة من الوظائف داخل الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز. وقد شغل ظريف عضوية التحرير لعدد من المجلات العلمية بما في ذلك مجلة «الشؤون السياسية والدولية الإيرانية» ومجلة «السياسة الخارجية الإيرانية»، كما كتب العديد من الأبحاث حول مواضيع مختلفة مثل نزع السلاح وحقوق الإنسان والقانون الدولي والصراعات الإقليمية. ومن حيث وجهات نظره، ينظر إلى ظريف على أنه شخصية معتدلة دعت إلى اتباع موقف مهادن للولايات المتحدة وحلفائها. وينظر إلى ظريف على أنه واحد من المهندسين الأساسيين لما يعرف بالصفقة الكبرى، وهي كانت خطة لحل الملفات العالقة بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2003 وذلك بحسب تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي. وفي عام 2007 كان ظريف المتحدث الرئيس في مؤتمر المجلس الإيراني - الأميركي الذي حضره تشاك هيغل ودينيس كوسينتش ونيكولاس كريستوف وآندروس ليدن. استقال ظريف من منصبه ممثلا دائما لإيران لدى الأمم المتحدة عام 2007 وخلفه محمد خزاعي الدبلوماسي المعروف بمواقفه المحافظة والقريبة من محمود أحمدي نجاد. وقد تم ترشيح ظريف لمنصب وزير الخارجية من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، لمعرفته ومهاراته الدبلوماسية، في وقت كانت فيه إيران عازمة على إيجاد وسيلة لتحسين مكانتها الدولية وإيجاد طريق للخروج من العزلة المتزايدة. وبعد الموافقة على ترشيحه، ستكون له الأولوية في التفاوض مع دول «5+1» (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة لألمانيا) حول برنامج إيران النووي وذلك للتقليل من العقوبات المفروضة على إيران. على الرغم من أنه ينظر إليه بعين العطف في الأوساط الغربية، فإن ظريف قد يواجه متاعب في شكل معارضة من قبل المحافظين داخل إيران.. فعلى سبيل المثال اضطر ظريف إلى أن يدافع عن ترشيحه أمام منتقديه من خصومه في البرلمان الذين انتقدوه لصداقاته مع دبلوماسيين وأساتذة جامعيين غربيين.

قالوا قالوا

$
0
0
* «يجب أن يكون الهم الأول للبلدين هو ازدياد خطر الإرهاب على شعبيهما». * الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء باكستان نواز شريف * «بينما أدخل هذه المرحلة التالية من حياتي، أريد أن يعلم الجميع حقيقتي.. أنا تشيلسي مانينغ، وأنا أنثى». * الجندي الأميركي برادلي مانينغ، المحكوم عليه بالسجن 35 عاما بتهمة تسريب وثائق سرية لموقع «ويكيليكس» * «ظروف المنطقة متأزمة.. والسبب الرئيس للوضع الحالي، هو التدخل من خارج المنطقة». * الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خلال لقاء مع السلطان قابوس * «أشعر بالعار، لقد تصرفت بإهمال، لأن الموضوع كان يتعلق بأموال عامة ولم أتابع ما حل بها فيما بعد». * المسؤول الصيني السابق بو تشيلاي المتهم باختلاس أموال عامة * «كانت هناك مساحة بعد الإطاحة بـ(الرئيس المصري المعزول محمد) مرسي، قمنا خلالها بعمل دبلوماسي ضخم في محاولة لتشجيع الجيش للتحرك في طريق المصالحة، ولكنهم لم ينتهزوا هذه الفرصة». * الرئيس الأميركي باراك أوباما حول إعادة تقييم العلاقات مع مصر

عودة الحرب الباردة عودة الحرب الباردة

$
0
0
قبل أسبوعين، وعشية بداية عطلته الصيفية، انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما روسيا مباشرة. ولم يكن هذا جديدا، غير أن النقد كان شخصيا. انتقد أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين شخصيا. وجاء ذلك من رئيس أميركي ديمقراطي، الذي جاء إلى البيت الأبيض وهو يرفع شعار «إعادة تشغيل» مع روسيا، أي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعد أن توترت خلال سنوات الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش الابن. في مؤتمر صحافي في الجناح الشرقي للبيت الأبيض، وصف أوباما بوتين بأنه «مثل تلميذ غير مبال جالس في الصف الأخير في الفصل». وقال إن بوتين يريد إعادة العلاقات البلدين إلى ما كانت عليه خلال الحرب الباردة، قبل سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. واستنكر أوباما قرار بوتين بمنح اللجوء السياسي لإدوارد سنودن، خبير تكنولوجيا المعلومات الذي كشف شبكات تجسس عملاقة تديرها وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه)، والذي هرب إلى هونغ كونغ، ثم إلى موسكو. والتزم أوباما برفض مقابلة بوتين في لقاء ثنائي بعد نهاية قمة مجموعة العشرين في سانت بطرسبورغ الشهر المقبل. وقال أوباما: «أعرف أن الصحافيين يركزون على لغة الجسد (غير ناطقة). يبدو أنه (بوتين) من هذا النوع. يبدو كطفل غير مبال يجلس في آخر الحجرة الدراسية». غير أن أوباما لم يقل إنه هو نفسه ربما أحس بحرج من الموقف الروسي المتشدد في معالجة قضايا ذات اهتمام مشترك للبلدين، خاصة فيما يخص إيواء سنودن. ولم يسع بوتين لتحسين العلاقات مع أوباما، بل أرسل برقية إلى الرئيس السابق جورج بوش الابن، بعد أن أجرى عملية فتح انسداد في أحد شرايين قلبه. وفسرت البرقية بأنها خطوة متعمدة لإحراج أوباما. وقال أوباما إن الولايات المتحدة «ستأخذ وقفة، وتعيد تقييم إلى أين تذهب روسيا لتأخذ في الاعتبار المجالات التي يمكن أن تتفق فيها». واعترف بوجود خلافات في عدد من القضايا. وقال: «أعتقد أنه كان يوجد دائما بعض التوتر في العلاقات الأميركية - الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي». وأعادت هذه التصريحات إلى الذهن الحرب الباردة التي استمرت لعقود طويلة بين موسكو وواشنطن والتي حددت الكثير من سياسات وحروب النصف الثاني من القرن العشرين. أول من استعمل «حرب باردة» في كتاب لا يزال باقيا كان الإسباني دون مانويل، في كتاب صدر في القرن الثالث عشر. واسم الكتاب «غويرا فريا» (حرب باردة)، عن العلاقات بين إسبانيا الأندلسية المسلمة وإسبانيا الكاثوليكية. وكان الكاثوليك، في ذلك الوقت، استولوا على شمال الأندلس، وبقيت في الجنوب قرطبة إسلامية، لأكثر من مائتي سنة. وقال الكتاب إن علاقة الجانبين في ذلك الوقت كانت مثل «حرب باردة». وبقى الحال على ذلك حتى سنة 1492، عندما تحولت إلى حرب ساخنة، واستسلم سلطان قرطبة، أبو عبد الله محمد الثاني عشر، وسقطت الأندلس نهائيا. وارتبطت الحرب الباردة بالمسلمين مرة أخرى في القرن التاسع عشر، عندما توترت العلاقات بين روسيا وتركيا. وبدأت بين البلدين حرب باردة، تحولت إلى ساخنة سنة 1854 (حرب جزيرة القرم). يعتقد أن أول من استعمل وصف «حرب باردة» في العصر الحديث كان جورج أورويل، الصحافي والكاتب البريطاني، وكتب رواية «مزرعة الحيوانات»، ورواية «1984»، والاثنتان عن الحكومات الديكتاتورية. وكتب، في سنة 1945، رأيا في جريدة «لندن تريبيون» عنوانه: «أنت والقنبلة النووية». وقال إن اكتشاف الأميركيين، ثم الروس لها، سيكون بداية «حرب باردة» بين الاثنتين. وفي سنة 1947، قال بيرنارد باروخ في استجواب أمام الكونغرس: «يجب ألا نخدع أنفسنا. نحن الآن في وسط حرب باردة». لم يكن باروخ مؤرخا أو فيلسوفا، لكنه كان رجل أعمال يهوديا أميركيا، وكان مستشار الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفيلت، وصديق رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل. ونشرت مجلة «تايم» صورته على غلافها ثلاث مرات، وسمته «ذئب وول ستريت»، إشارة إلى نجاحه في سوق الأسهم في نيويورك. ولعب باروخ دورا كبيرا في إقناع الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان وتشرشل لتأسيس دولة إسرائيل. وقال لهما إن الغرب سيحتاج إلى دولة صديقة في الشرق الأوسط، وقال: «لن تكن الحرب الباردة سوى تمهيد للحرب الساخنة». وقال آخرون إن وولتر ليبمان، معلق صحافي في جريدة «نيويورك تايمز» لخمسين سنة تقريبا (توفي سنة 1974)، هو أول من استعمل وصف «حرب باردة». لكن، طبعا لم يكن الأول، ولكن كان له كتاب باسم «الحرب الباردة» (سنة 1947). وكان غريبا أن ليبمان لم يتحمس لمواجهة الشيوعية. ومثله مثل وزير الخارجية الأميركية الأسبق هينري كيسنجر لذي دعا إلى «ريال بوليتيك» (سياسة واقعية). ودعا إلى قبول سيطرة روسيا على دول شرق أوروبا، والتعايش معها. وقال آخرون إن ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، أعلن بداية الحرب الباردة في يوم 5 - 3 - 1946، في محاضرة في كلية ويستمنستر (ولاية ميسوري)، وكان يقف إلى جانبه الرئيس ترومان، وهو من مواليد نفس الولاية. تلك كانت خطبة «الستار الحديدي». قال: «لن يثمر انتصارنا في الحرب العالمية الثانية من دون تحالف الشعوب الناطقة باللغة الإنجليزية، وخصوصا الإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة». وأضاف: «خاصة في هذا الوقت الذي يستدل فيه ستار حديدي على أوروبا. من بحر البلطيق في الشمال إلى البحر الأدرياتيكي في الجنوب». امتدت الحرب الباردة من عام 1947 (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ونهاية تحالف الغرب مع الروس ضد ألمانيا الهتلرية، وبداية توسع الروس في شرق أوروبا) إلى عام 1991 عند سقوط الاتحاد السوفياتي. وكانت حالة مستمرة من التوتر السياسي والعسكري بين المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، وخطط حلف الناتو، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وخطط حلف وارسو. يعتقد مؤرخون أن الحرب الباردة بدأت «رسميا» في قمة يالتا الثلاثية بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، والزعيم الروسي جوزيف ستالين (سنة 1945)، نفس مكان حرب القرم، وتسمى أحيانا «قمة القرم». لكن، يقول مؤرخون آخرون إن الحرب الباردة بدأت «رسميا» في إيران، في قمة طهران الثلاثية، قبل ذلك بسنتين. ورغم أن الهدف من المؤتمر كان تقوية التحالف ضد ألمانيا تحت النظام النازي، ورغم أن الحرب العالمية الثانية كانت ستستمر سنتين بعد ذلك، قدم ستالين شروطا عن وضع أوروبا بعد نهاية الحرب جعلت روزفلت وتشرشل يشكان في نياته. مثلا: قدم ثلاثة شروط عن بولندا: أولا تتغير حدودها الغربية مع ألمانيا، بعد أن اقتطعت جزءا من بولندا، وتتغير حدودها الشرقية مع روسيا، ليعود جزء كانت ألمانيا اقتطعته. وأخيرا تقع وارسو تحت منطقة النفوذ الروسي بعد نهاية الحرب. وقال لهما ستالين: «لا تقتربوا منا، ونحن لن نقترب منكم». يقصد أن على أميركا وبريطانيا أن تبتعدا عن مناطق النفوذ الروسية، وعن الدول التي تجاور روسيا. ومقابل ذلك، ستبتعد روسيا عن مناطق النفوذ الغربية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا. إذا كانت قمة طهران سنة 1943 هي بداية الحرب الباردة الأولى، فيمكن اعتبار قمة طهران سنة 2007 هي بداية الحرب الباردة الثانية. في ذلك الوقت، زار طهران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور قمة دول بحر قزوين. وكان أول رئيس روسي يزور طهران منذ زيارة ستالين قبل أكثر من ستين سنة. وفي طهران، حذر بوتين الولايات المتحدة من تجاهل مصالح روسيا في المنطقة. تماما كما فعل ستالين. وقال بوتين: «يجب على أي دولة في منطقة بحر قزوين ألا تسمح لأي دولة من خارج منطقة المنطقة بالعدوان على دولة في المنطقة». وكان يقصد عدوانين: الأول كان إشارة إلى احتمال غزو الولايات المتحدة لإيران، وكانت الاحتمالات كبيرة في ذلك الوقت، بعد غزو أفغانستان والعراق. والثاني كان اقتصاديا، إشارة إلى خطوط أنابيب تبنيها شركات نفط أميركية لنقل نفط من دول بحر قزوين إلى الدول الغربية من دون المرور بروسيا وبإيران. ويشمل ذلك أيضا تهديدات فرض حصار على النفط الإيراني. وقبل ذلك بيوم، في ألمانيا، قبل أن يسافر بوتين إلى إيران، قال: «تهديد حكام إيران وشعب إيران لن يؤدي إلى أي نتيجة. الإيرانيون ليسوا خائفين. صدقوني». وها هو بوتين يعلن أنه سيزور إيران (ستكون ثالث زيارة) مع نهاية هذا الشهر. وقالت تقارير إخبارية إن بوتين يريد أن ينسق مع الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، ليس فقط لتقليل الضغوط الغربية على إيران، ولكن، أيضا، لبداية تحالف يضم روسيا، والعراق، وسوريا لمواجهة الولايات المتحدة. ومع التصعيد الجديد حول إمكانية إطلاق هجمات عسكرية ضد سوريا، والتنديد الروسي المسبق لمثل هذا التحرك، تدخل العلاقات الأميركية - الروسية في مأزق جديد، آخر علاماته القرار الأميركي بإلغاء لقاء بين الروس والأميركيين كان مرتقبا في لاهاي هذا الأسبق. وقال ستيفن بايفار، وهو سفير أميركي سابق لدى أوكرانيا، والآن خبير في معهد «بروكنغز» في واشنطن: «خلال عامي 2009 و2010، استطاع الجانبان تحقيق الكثير. وقد وقعا على اتفاقية (ستارت/ الحد من سباق التسلح) الجديدة، التي قللت القوى النووية الاستراتيجية الروسية والأميركية. كما تعاونا في الضغط على إيران بما يتفق مع مصالح الطرفين. فعلت روسيا شيئا ما كنت أصدقه عندما كنت في الخارجية الأميركية: وافقت على حظر بيع أسلحة إلى إيران. كما كانت روسيا مفيدة للغاية في توفير طرق النقل والإمداد العسكرية الأميركية إلى أفغانستان». وكانت هذه كلها بوادر إيجابية للعلاقات بين البلدين. وأوضح أندرو كوشين، مدير برنامج روسيا وروسيا الآسيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) في واشنطن: «جنحت العلاقات بعض الشيء في عامي 2011 و2012 لأنه كانت هناك حملات انتخابات في البلدين. ومن المؤسف أنه، له، عندما عاد بوتين رئيسا، جلب لهجة معادية للولايات المتحدة. الآن، أعلن بوتين أنه سيزور إيران لمقابلة الرئيس الإيراني الجديد. وكان بوتين حاول التوسط مع الإيرانيين لتحسين العلاقات مع الرئيس السابق بوش الابن، وخصوصا حول برنامج إيران النووي. والآن، يحتاج أوباما بالتأكيد لقراءة شخصية من بوتين على ما تريد إيران. ربما هذا موضوع يمكن أن يشجع الرئيسين على تأسيس مزيد من الثقة بينهما». إلا أن هذا التصور قد يتأخر بعض الشيء بسبب وتيرة الأحداث في سوريا التي تعتبر الضاغط الأساسي على العلاقات بين البلدين رغم كثرة المصالح المشتركة. وقال مارك شنايدر، خبير في المعهد الوطني للسياسة العامة في واشنطن: «يبدو أن أوباما يريد تجاهل الانتهاكات الروسية لاتفاقات الحد من التسلح في سبيل الحصول على الجاسوس الأميركي. لكن هذا سيجعل الولايات المتحدة تتعرض لقدرات الصواريخ العابرة للقارات. وحتى في خطاب أوباما في برلين في بداية الصيف أن لا توجد نظرة جدية لمعالجة موضوع مهم، وهو التحقق من إمكانيات الصواريخ الروسية، وليس فقط الثقة في الروس». وقال المساعد السابق لوزير الخارجية، جون بولتون (اليميني) إن تجارب روسيا الأخيرة حول صاروخ «روبيز» يعتبر «انتهاكا واضحا» لمعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى. وذلك لأن جميع عمليات الإطلاق الثلاثة تجاوزت مدى ما بين 500 كيلومتر، و5000 كيلومتر للمدى المتوسط. وأضاف بولتون أن الروس لا يخفون أن جهودهم في مجال الصواريخ العابرة للقارات تريد زيادة الضعف الأميركي في هذا المجال. ويذكر أن نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روجوزين قال إن صاروخ «روبيز» ليس إلا «للدفاع القاتل.. لن تقدر أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية الحالية، أو المستقبلية، على منع هذا الصاروخ من ضرب هدفه ضربة قاتلة». وأوباما الذي يريد أن يترك البيت الأبيض بعد التوصل إلى اتفاقات تاريخية ما زال يعول على اتفاق تاريخي مع الروسي فيما يخص الترسانة النووية. وقال عضو الكونغرس مايك روجرز (جمهوري من ولاية ألاباما)، رئيس اللجنة الفرعية للقوات الاستراتيجية في مجلس النواب: «يريد الرئيس أوباما أن يتجاهل غش الروس في مجال الصواريخ بهدف الوصول معهم إلى ما يعتقد أنه سيكون (اتفاقية تاريخية) يشتهر هو بها. لكن، كيف يتجاهل غش الروس اليوم، وكيف لن يضمن غشهم لهذه (الاتفاقية التاريخية؟)». وقال جوشوا هولنرايد، في مؤسسة «هيرتدج» المحافظة في واشنطن: «إذا يريد أوباما معاهدة الحد من الأسلحة مع الروس كهدف في حد ذاته، يفعل ذلك على حساب القوة الاستراتيجية الأميركية والأمن الأميركي. عليه أن يركز على تنفيذ المعاهدات التي بالفعل قائمة، قبل المكافأة الروسية على عدم التزامهم باتفاقية جديدة». وفي الوقت الحالي، العلاقات بين أوباما وبوتين تشهد توترا على الصعيد الشخصي. وقال ستيفن سستانوفتيش، الخبير في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك: «وجد قرار الرئيس أوباما بإلغاء القمة القادمة مع الرئيس بوتين ترحيبا من كثير من المراقبين المستقلين، هنا وفي روسيا. وأيضا من النشطاء الديمقراطيين، وقادة حقوق الإنسان في روسيا». وأضاف: «كان يمكن للروس حل هذه المشكلة بأن يرتبوا لإدوارد سنودن السفر إلى الدول التي قبلته. لكنهم قرروا أن يضعوا أوباما في وضع حرج وهو يذهب إلى روسيا في صورة الزعيم المهان». ولفت آندريه بيونتكوسكي، خبير في معهد وقف الديمقراطية الوطني (إن آي دي) في واشنطن إلى أن بوتين علنا يحتقر أوباما. (وها هو أوباما يصف بوتين بأنه مثل تلميذ غير جاد). الحقيقة هي أن العلاقات بين البلدين ستظل متوترة لفترة طويلة جدا. واعتبر باري بافيل، مدير قسم سكروكروفت في المجلس الأطلنطي في واشنطن، أن «إلغاء أوباما للقمة خطوة جيدة جدا. إنها خطوة لا بد أن تغضب بوتين. كان بوتين يريد أن يقف بجوار أوباما في القمة، ويقول للروس: نعم، لا تزال روسيا قوة عظمى». ومن جهته، قال ديمتري ترينين، مدير قسم روسيا في معهد كارنيغي في واشنطن: «الشيء الوحيد الذي تذكرته عندما سمعت قرار أوباما بإلغاء قمة موسكو، هو قرار الزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف بإلغاء قمة مع الرئيس آيزنهاور عام 1960، بعد إسقاط الروس لطائرة تجسس أميركية، طائرة يو تو». وبينما تسخن الملفات ذات الاهتمام المشترك، وخصوصا تلك المتعلقة في الشرق الأوسط، تزداد العلاقات برودة بين واشنطن وموسكو. رأت ليلي شفتسوفا، الخبيرة في معهد «كارنيغي» في واشنطن: «توجد علامات كثيرة تؤكد أن واشنطن وموسكو تسيران نحو علاقات باردة جدة، وربما متجمدة، بينهما خلال السنوات القليلة القادمة. توجد مواضيع كثيرة لا يبدو أن الجانبين يقدران على الوصول إلى اتفاقيات حولها».

من التاريخ: الولايات المتحدة: صناعة الدولة (2) من التاريخ: الولايات المتحدة: صناعة الدولة (2)

$
0
0
تناولنا في مقال الأسبوع الماضي المشكلات الأساسية التي واجهت الولايات الأميركية الثلاث عشرة بعد جلاء آخر جندي بريطاني من القارة الأميركية في 1783، وكيف أن هذا الكيان السياسي بدأ يواجه المشكلات الأساسية العامة بعد أن أصبح قابضا على شؤون نفسه، ولكن المصالح كانت مختلفة بين الولايات الثلاث عشرة في مسائل كثيرة وكان عليهم أن يجدوا الحلول المختلفة تجاهها، وبالتالي أصبحت السنوات السبع التالية للجلاء سنوات محورية في صناعة الدولة والهوية الأميركية على حد سواء. حقيقة الأمر أن الكونغرس الأميركي كان يعمل من خلال المقترحات التي تم اعتمادها في إطار وثيقة «مواد الكونفدرالية والاتحاد الممتد»، والتي تم اعتمادها خلال حرب الاستقلال في عام 1777، والتي صدقت عليها كل الولايات باستثناء ولاية ميريلاند لأسباب تتعلق بالجوار الجغرافي مع فيرجينيا وليس لأي سبب سياسي، فكان الكونغرس بمقتضى هذه الوثيقة هو المؤسسة المسيطرة على الشؤون السياسية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والمالية والبريد وغيرها من المناحي المختلفة للدولة، ولكن سيطرته لم تكن كاملة، خاصة تجاه الحقوق الخاصة بالولايات، وكان الكونغرس يتخذ معظم قراراته بأغلبية تسع من ثلاث عشرة ولاية، إلا في ما يتعلق بالمسائل الخاصة بالضرائب، والتي كانت تتم بتوافق الآراء، وفي عام 1781 بدأ الكونغرس ينشئ الوزارات المختلفة، منها الخارجية والمالية لإدارة البلاد، وهو ما سبب خلطا ملحوظا في السلطات، إذ أصبح الكونغرس يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. لقد كان وجود العدو البريطاني المشترك كفيلا بأن يجمع الولايات على كلمة سواء، وأن يحفظها من الفرقة، ولكن بعد هزيمة الجيش البريطاني بدأت قوة الولايات تظهر من جديد مقابل الهوية الجماعية الأميركية، والتي لم تكن قد رسخت بعد، كما أن قوة الولاية لم يكن من الممكن إغفالها، بل إن بعض الولايات كانت تسعى للتخفيف من سلطة الكونغرس خوفا من استبدال ملك مستبد بكونغرس سلطوي، وبالتالي أصبح الكونغرس جهة تنفيذية تفتقد القدرة الحقيقية أمام تصاعد قوة الولايات وذلك في ظل غياب تام لأي سلطة قضائية أو تشوه السلطة التنفيذية، وهو ما وضع الكونغرس في وضع شاذ للغاية، لا سيما مع تراكم المشكلات الأساسية التي واجهته. ومما زاد من خطورة الوضع أن بعض الدول بدأت بالفعل في صياغة دساتيرها المنفصلة على أسس ومبادئ إعلان الاستقلال والإعلانات المرتبطة بالحقوق الأخرى، وقد كانت ولاية ماساتشوستس أول واحدة تخطو نحو انتخاب مؤتمر لكتابة وصياغة دستورها الجديد، وسرعان ما تبعتها الولايات الأخرى، والتي وضعت بعد ذلك مسودة الدستور للتصديق عليه بأغلبية الثلثين، كما قامت الولايات أيضا بانتخاب سلطة تنفيذية ممثلة في المحافظين أو الحكام، كما تم انتخاب مجالس برلمانية أيضا على مستوى الولايات، بل إن أغلبية من الدساتير سعت لتقوية السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية لأسباب تتعلق بالتخوف من طغيان السلطة التنفيذية، وعلى الرغم من أن هذه الدساتير مثلت رصيدا قانونيا عظيما لكتابة الدستور الأميركي الموحد، فإنها كانت أيضا عاملا معرقلا للجهود الجماعية التي كان يتوقع أن تتبلور لصياغة الدولة الجديدة الموحدة. وعلى الرغم من خطورة المشكلات السياسية والدستورية التي تعرضت لها البلاد، فإن المشكلة الملحة التي واجهت الكيان الوليد كانت اقتصادية في الأساس، فلقد خرجت الولايات بدين مالي كبير للغاية بسبب تكلفة حرب الاستقلال، وكان على الكونغرس أن يسدد هذه المديونية، والتي بلغت في مجملها قرابة 28 مليون دولار، وقد تعمد الكونغرس التعامل مع هذه المشكلة من خلال أمرين، الأول بيع الأراضي في المناطق الغربية، والتي كانت بلا صاحب، والثاني من خلال إصدار سندات نقدية أو بالدين الداخلي، وقد زاد من تفاقم الأزمة حقيقة أن العملة الموحدة التي كان الكونغرس يسكها قد فقدت المصداقية، وبالتالي اهتزت قيمتها النقدية وبدأت الولايات تبحث عن بديل نقدي لهذه العملة، وهو ما دفع الكثير من الولايات إلى سك عملتها المستقلة، وهو ما بدأ يرفع قيمة التعاملات بين الولايات ويخلق حالة من الفوضى المالية في الأسواق أثرت على كل مناحي الحياة، كذلك فإن الأزمة التجارية باتت تهدد الكيان الوليد، فلقد عانت تجارة الولايات الخارجية بسبب حظر استيراد المنتجات الأميركية في بريطانيا ومستعمراتها الخارجية أيضا، والتي كانت تستوعب نسبة كبيرة من هذه الصادرات، وهي الأمور التي باتت تدفع نحو ضرورة تقوية السلطة المركزية في البلاد من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية الجماعية. ونظرا لوجود مشكلات اقتصادية عميقة، فإن المشكلات السياسية والاجتماعية بدأت تتفاقم تباعا، فلقد أدت الأزمة الاقتصادية إلى حالات إفلاس كثيرة، كما أثرت بدورها على عمليات دفع أقساط ملكية الأراضي لدى المزارعين الذين باتوا على وشك فقدان رأسمالهم وملكيتهم الزراعية في البلاد، وقد كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأوضاع السياسية، فسرعان ما انتشر بين الولايات حالات رفض سياسي بدأت تتطور لثورات محدودة في الكثير من الولايات بسبب حالة الفقر التي بدأت تنتشر، ولعل أهم هذه الحركات الثورية ما هو معروف باسم «تمرد شييس» نسبة إلى «دانيل شييس» الذي بدأ يحيط نفسه بمجموعة من المزارعين المتأثرين بالحالة الاقتصادية والركود التجاري وكون ميليشياته الخاصة الرافضة للظروف الاقتصادية وسلطة الكونغرس والكونفدرالية ودخلت في صراع مباشر مع السلطة المركزية فما كان من الكونغرس إلا أن أرسل قوة بقيادة أحد الجنرالات، والذي تعامل مع التمرد بمنتهى الحزم والقوة حفاظا على الوحدة الوليدة. وهكذا بدأت أحلام دولة الحرية الوليدة في الولايات المتحدة تتبدد على صخرة المشكلات المختلفة، وبدأ حكماء الدولة الوليدة مثل جورج واشنطن يدركون خطورة إطلاق العنان للحريات الفردية المطلقة على حساب الدولة المركزية، ومن ثم جاءت جملته الشهيرة «لقد كنا أغلب الظن على قناعة إيجابية للغاية بالنسبة لطبيعة الإنسان عند إقامة الكونفدرالية»، وقد تبع واشنطن آخرون بدأوا يدركون خطورة الفردية على حقوق الجماعة، ومن ثم أهمية تقوية الهياكل المركزية ووضع التوازن اللازم للخروج من كل هذه المشكلات الممتدة، وأصبحت هناك ضرورة لوضع نظام سياسي جديد قادر على صيانة الدولة الوليدة والتعامل مع الأوضاع الاقتصادية المختلة، وهي المهمة التي بدأ الكونغرس يتعامل معها بعدما أدرك أنه لا مناص من ذلك كما سنرى في الأسبوع المقبل.

عدنان منصور: دبلوماسي «النأي بالنفس» عدنان منصور: دبلوماسي «النأي بالنفس»

$
0
0
يصح القول في وزير الخارجية اللبناني، عدنان منصور، إنه الوحيد الذي يكاد يلتزم قرار «النأي بالنفس» عن الإجماع العربي والقرار الرسمي اللبناني، ضاربا عرض الحائط بسياسة لبنان الرسمية التي تنص على أن تنأى الدولة بنفسها عن الصراعات والمحاور الإقليمية. تصريحات منصور وتجاوزاته المتتالية، ولا سيما منها المتعلقة بالأزمة السورية تدل بشكل لا يقبل الشك، على حمله لواء الدفاع المستميت عن النظام السوري، متخطيا في مرات عدة تعليمات رئيسي الحكومة والجمهورية - جعلت فريق «14 آذار» يطلق عليه تسمية «وزير خارجية سوريا لدى لبنان». الأدلة كثيرة والمواقف أكثر دقة ووضوحا، وآخرها إعلان الدبلوماسي اللبناني جهارا، مستبقا حتى أي موقف رسمي في هذا الإطار، أن لبنان لن يقف مكتوف الأيدي إذا تعرضت سوريا لأي ضربة عسكرية، واصفا إياها بـ«البلطجة»، بينما تحفظ في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الأحد الماضي، على قرار مجلس وزراء الجامعة العربية تحميل النظام السوري مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية بريف دمشق الشهر الماضي. لكن منصور نفسه، المحسوب على فريق «8 آذار»، وتحديدا «الثنائية الشيعية» حزب الله وحركة أمل، الذي يكرر في كل مرة يدافع فيها عن النظام السوري شعار «النأي بالنفس» المفترض - وجد تفسيرا شخصيا لهذا الشعار، معتبرا أن «النأي بالنفس عن موضوع معين لا يعني النأي بالنفس عن قضايا الأمة»، واعتبر أن «القرارات في الجامعة العربية تعد في الكواليس عبر جهات عربية اتخذت موقفا منذ البداية ضد سوريا»، وأن «قرار تعليق عضوية سوريا لا يتوافق مع ميثاق الجامعة العربية، وما يحصل فعلا مع سوريا هو تنفيذ لسياسات خارجية، لأن سوريا تقف بوجه إسرائيل وتدعم المقاومة». وفي دعمه للنظام السوري، طمأن منصور نظيره السوري وليد المعلم إلى أن «لبنان سيتحرك في حال استغلت إسرائيل العدوان على سوريا وفتحت جبهة ضد حزب الله في الجنوب»، مشيرا إلى أنه لن يكون عدوان إسرائيل إذا حصل أكبر مما كان عليه عام 2006. و«للبنان الحق الطبيعي في الدفاع عن أرضه». وشدد منصور، مستبقا أي موقف رسمي لحزب الله، على أن «المقاومة جاهزة في أي وقت لأي عدوان رغم مشاركتها في القتال بسوريا»، ورأى أنه «لا يمكن أن تترك المنطقة بين أيدي دولة واحدة، لأن هناك توازنات دولية ومصالح استراتيجية لدول العالم». وفي حين تحظى مواقف منصور المتعلقة بأزمة سوريا بإشادة من النظام السوري وكان آخرها عبر صحيفة «الثورة»، ومن حزب الله على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد، قدم منصور تبريرا لمشاركة حزب الله في القتال في سوريا، مدينا في الوقت عينه ما يقوم به التكفيريون والمتطرفون. وقال في كلمة له في يونيو (حزيران) الماضي، أمام مجلس الجامعة العربية، إن «لبنان نأى بنفسه عما يجري في سوريا، لكن تداعيات الأحداث لم تنأ بنفسها عن الساحة اللبنانية، وذلك من خلال المجموعات التكفيرية المتطرفة الآتية من خارج الحدود التي تعمل على تأجيج الفتنة والتطرف، والتعصب وتروج له حتى وصل اليوم إلى أعلى مراحله وبات يهدد نسيج شعوب ودول المنطقة»، برر مشاركة حزب الله في القتال بالقول: «وجود ثلة من مجموعاته في ريف القصير إنما هو عمل وقائي واستباقي لحماية أهلهم وأقربائهم وأبنائهم من اللبنانيين في مواجهة المجموعات المسلحة التي أرادت أن تجعل منهم فريسة للخطف والابتزاز والقتل». وتفرد منصور، الذي سبق له أن تولى من عام 1999 حتى 2007 منصب سفير فوق العادة مطلق الصلاحية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مواقفه أمام الجامعة العربية، التي لم تلق بدورها أي ردود فعل أو خطوات عملية لمنع تكرارها من قبل الحكومة اللبنانية، باستثناء الاستنكار. ولقد انعكست من ثم «تمردا» على الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي عمد بنفسه إلى تسليم الأمم المتحدة عبر منسقها الخاص في لبنان ديريك بلامبلي، مذكرة حول الخروق السورية الأخيرة، وذلك بعد امتناع منصور عن تقديمها، بحجة أن العلاقة بين لبنان وسوريا تحميها اتفاقيات، وهما دولتان صديقتان تعالج المشكلات بينهما مباشرة لا بالواسطة، كذلك اعتباره أن الخروقات السورية جاءت ردا على اعتداءات مماثلة انطلقت من الأراضي اللبنانية. وانطلاقا من الواقع السياسي اللبناني المجمد بين حكومة تصريف الأعمال ورئيس حكومة مكلف، تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ أي قرار من شأنه أن يصوب أو يضع حدا لتجاوزات وزير الخارجية وغيره من الوزراء، بعدما أصبح كل منهم، رئيس جمهورية وزارته، وفق توصيف سفير لبنان الأسبق في واشنطن، عبد الله بو حبيب. أبو حبيب قال لـ«الشرق الأوسط»: «في غياب الحكومة، على الوزير أن ينسق مع رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، لكن في ظل عدم وجود أي قانون أو نظام داخلي لمحاسبة أي مخالفات لا تحتاج إلى مرسوم من مجلس الوزراء، لا ضريبة للكلام والمواقف». وأوضح بو حبيب أن إقالة أي وزير تحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس الوزراء، وهو أمر غير قابل للتنفيذ أو حتى التحقيق في ظل الوضع اللبناني السياسي الحالي. من جهة ثانية تجلى موقف منصور الضارب عرض الحائط بالقرارات الرسمية اللبنانية، في مارس (آذار) الماضي، من خلال تفرده بالمطالبة بتعليق تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية الذي سبق له أن اتخذه في ديسمبر (كانون الأول) 2011، داعيا إلى سحق الثورة السورية، معتبرا أن «الخروج من المأزق في سوريا يتطلب حلا سياسيا، وأن عودتها إلى الجامعة سبيل إلى الحوار، وضرورة من أجل الحل السياسي». ووصف قرارات الجامعة تجاه سوريا بأنها «ساهمت في إغراق سوريا في بحر من الدماء»، وهو الأمر الذي أدى بمجلس التعاون الخليجي إلى تحذير لبنان من عدم التزامه سياسة النأي بالنفس، وذلك بعدما حصل سجال بينه وبين وزير خارجية قطر حمد بن جاسم آل ثاني، الذي رد عليه بالقول: «ليست قرارات الجامعة التي أغرقت سوريا في بحر من الدماء، ولكن بشار الأسد (رئيس النظام السوري) هو من قتل شعبه وأغرقه في بحر من الدماء». ولاحقا، نفى منصور ما تناقلته وسائل الإعلام، رغم أن الجلسة كانت منقولة مباشرة على الهواء، عن حصول سجال بينه وبين رئيس وزراء وزير خارجية قطر. وكان لموقف منصور، ردود فعل محلية وعربية، إذ حذر مجلس التعاون لدول الخليج العربية لبنان من عدم التزامه سياسته الرسمية المتمثلة في «النأي بالنفس» حيال أزمة سوريا، داعيا اللبنانيين إلى «تفادي كل ما من شأنه تعريض أمن بلدهم واستقراره للخطر»، ليعود بعدها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ويؤكد أن «الحكومة اللبنانية لا تزال ملتزمة سياسة (النأي بالنفس) عن الوضع في سوريا». وقوله إن هذا القرار لا يزال ساري المفعول انطلاقا من «إعلان بعبدا» الذي تم التوافق عليه خلال «مؤتمر الحوار الوطني» برئاسة الرئيس اللبناني ميشال سليمان. وفي حين استنكر فريق «14 آذار» موقف منصور، واصفا إياه بـ«القائم بأعمال النظام السوري لدى لبنان»، فإنه قال في بيان له إن «صفة وزير الخارجية اللبناني، التي لم تكن يوما الصفة الواقعية لطبيعة عمل منصور، بدأت تشكل خطرا فعليا على الدولة اللبنانية وعلى اللبنانيين ومصالحهم». في المقابل كان لحزب الله موقف داعم لوزير الخارجية، مشددا على وطنية وقومية تصريحاته، واصفا تصريحاته بأنها تعبر بكل دقة ومسؤولية ووطنية وقومية عن الموقف الرسمي اللبناني الذي أقرته الحكومة لجهة النأي بالنفس عن التورط في الأزمة السورية. ووضع حزب الله تحامل بعض المعارضين في لبنان على الوزير منصور، في إطار «ترجمة مفهومة للتعهد الذي تلتزمه المعارضة ضد الدولة نكاية في الحكومة، ومن أجل مآرب سلطوية خاصة». ومن ناحيته، يتهم «تيار المستقبل» منصور بأنه يتصرف منذ الأحداث في سوريا كأنه وزير خارجيتها أو كأنه سفير في وزارة خارجيتها، بحيث وضع كل إمكاناته بتصرف نظام الرئيس بشار الأسد. وفي بيان له بعد مطالبة منصور الجامعة العربية بالعودة عن قرار تجميد عضوية سوريا، اعتبر رئيس الحكومة السابق، النائب سعد الحريري، أن النظام السوري وجد من ينطق باسمه على منبر الجامعة العربية وهو وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور الذي دعا إلى فك تجميد عضوية النظام السوري داخل الجامعة. وفي موقف متناقض لمواقفه المعتادة، وإن توافق في إطاره العام مع الموقف اللبناني الرسمي لجهة عدم المشاركة في مؤتمر «أصدقاء سوريا» بتونس، في فبراير (شباط) 2013 - سأل منصور: «ماذا يريدون من لبنان؟ هل المطلوب أن نكون مع طرف ضد الطرف الآخر؟ لن نكون طرفا وسننأى بأنفسنا وسنكون مع سوريا الدولة والشعب، ولذلك لن نحضر هذا المؤتمر لأسباب معروفة، وذلك مراعاة لمصلحة لبنان العليا، وهذا موقف الحكومة اللبنانية وليس موقفي الشخصي، ونحن منسجمون مع أنفسنا». وفي شهر فبراير (شباط) 2012، نأى أيضا لبنان بنفسه، وبشخص وزير خارجيته عدنان منصور، عن اعتراف الجامعة العربية بشرعية الائتلاف الوطني السوري كممثل للمعارضة السورية. وقال البيان الختامي للاجتماع إن لبنان رفض المشاركة في قرار الجامعة بسبب وضعه وعلاقته الحساسة مع سوريا. بينما قال منصور في رده على الأسئلة حول أسباب نأي بلاده بنفسها عن الأزمة السورية: «إن هذه السياسة نتيجة العلاقات التاريخية والعائلية مع سوريا». وأضاف أنه تبين أن سوريا تدور في حلقة مفرغة، ونعول على سياسة «الحل يأتي من الداخل السوري». وليس بعيدا عن سياسات منصور المتناقضة، إضافة إلى تخطيه مرات عدة توجيهات رئيسي الجمهورية والحكومة، كانت «مواجهة سياسية» بينه وبين وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور، وذلك، بعد «تبنيه» رسالة من السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي، في شهر ديسمبر الماضي، منتقدا فيها تعاطي وزارة الشؤون الاجتماعية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين مع موضوع النازحين السوريين. وقال أبو فاعور: «الدولة اللبنانية رغم ظروفها المادية الصعبة والانقسامات السياسية والاختلافات والاهتزازات الداخلية بين اللبنانيين، تحاول أن تمسح فائض الإجرام الذي يتعرض له الشعب السوري، فلا تحتاج إلى نصائح ولا مواعظ من أحد، ولا يمكن أن تقبل بتوجيه اتهامات لها»، مؤكدا أن «سياسة الدولة تقررها الدولة، وإذا كانت هناك أي ملاحظة، تناقش في مجلس الوزراء لا في السفارة السورية». وفي حين انتقد أبو فاعور تبني منصور مضمون الرسالة، «خصوصا أن هذا المضمون أقل ما يقال عنه إنه غير صحيح»، قال أبو فاعور إن «السفير السوري ليس هو المرجع الصالح لإعطاء المواعظ والنصائح واتهام الدولة اللبنانية»، معتبرا أنه «من غير المقبول أن يتجرأ سفير، أيا كان، على اتهام أو انتقاد أو التجريح بحق أي من الوزارات أو الوزراء أو الإدارات اللبنانية، خصوصا إذا كان هذا السفير هو ونظامه مسؤولان عن كل هذه المأساة التي تحصل».

قالوا قالوا

$
0
0
*«مع كل يوم يمر تزداد قوة الأدلة». * وزير الخارجية الأميركي جون كيري مؤكدا أن بلاده تملك أدلة على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد شعبه * «الظروف الراهنة مع تركيا تجاوزت ما هو مقبول». * وزير الخارجية المصري نبيل فهمي يتحدث عن تدهور علاقات بلاده مع تركيا بسبب موقف أنقرة من الأوضاع السياسية في القاهرة * «تحول المجتمع إلى مستهلك فقط دون منتج». * رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يقر بأن امتيازات ومرتبات أعضاء مجلس النواب تجهد موازنة البلاد بعد أن تجاوزت 100 مليار دولار * «مدينة من دون كتب ومدينة من دون مكتبات، أشبه بالمقبرة». * الطفلة الباكستانية ملالا يوسف زاي التي حاول متشددون من طالبان قتلها العام الماضي، تتحدث عند افتتاح مكتبة «بيرمنغهام» البريطانية * «أردت القدوم إلى هنا حتى مقابل فلس واحد». * لاعب كرة القدم البريطاني غاريث بيل يقول إنه لا يهتم بالقيمة المالية لانتقاله إلى فريق «ريال مدريد»، مؤكدا حرصه على اللعب في الفريق ذاته بعد أن أصبح أغلى لاعب في العالم بتكلفة 101 مليون يورو

انطلاق قطار تعديل الدستور المصري انطلاق قطار تعديل الدستور المصري

$
0
0
انطلق في مصر أخيرا قطار تعديل الدستور من خلال تشكيل «لجنة الخمسين» وسط رضا غالبية المصريين بسبب ثقل وزن الشخصيات المنضمة لهذه اللجنة، بالتزامن مع انتقادات من التيار الإسلامي، رغم مشاركة قيادات منهم في هذه التعديلات المقترح الانتهاء منها في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتعد لجنة تعديل الدستور المعطل بمثابة اللبنة الأولى في خارطة الطريق التي أعلن عنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الشهر قبل الماضي، مع قيادات سياسية وممثلين للمؤسسات الدينية، يعقبها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول عام 2014. ويقول المستشار علي عوض، مستشار الرئيس المصري للشؤون الدستورية، إنه جرى ترشيح جميع الفئات والجهات في اللجنة وفقا لمعايير وضعتها الرئاسة. وجاء قرار تشكيل لجنة الخمسين بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي يقوم باتخاذ إجراءات المرحلة الانتقالية، والتي يأتي على رأس أولياتها تعديل 2012 ذي تقرر تعطيله يوم الثالث من يوليو (تموز) الماضي. وتحدد في قرار الرئيس منصور أن يستمر الخمسين لمدة على أن يكون مقر عملها قاعة مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان). وسبق للرئيس منصور الإعلان عن لجنة العشرة الموكل لها الاضطلاع بالإشراف على جميع مراحل تعديل الدستور من الاقتراحات حتى الصياغة النهائية. ويشمل قرار تشكيل اللجنة الخمسين عضوا الأساسيين والاحتياطيين. وسوف تختص بدراسة مشروع التعديلات الوارد إليها من لجنة الخبراء العشرة، وطرح هذه التعديلات للحوار المجتمعي، وتلقي أي مقترحات من المواطنين لإعداد المشروع النهائي خلال 60 يوما من تاريخ أول اجتماع لها، والمقرر أن ينعقد يوم الأحد المقبل. وتواجه اللجنة الكثير من المصاعب من بينها هجوم التيار الإسلامي على طبيعة تشكيلها، ويقول التيار السلفي إن اللجنة ليست منتخبة. ويضيف خالد علم الدين، وهو قيادي في حزب النور، وعمل لفترة مستشارا للرئيس السابق محمد مرسي، أن اللجان المخصصة لعمل التعديل الدستوري «معينة من رئيس مؤقت»، وبالتالي هي لجنة غير منتخبة ولا تمثل الشعب. ويقول علم الدين، إن تشكيل لجنة الخمسين يرمي لإقصاء التيار الإسلامي، رغم وجود عدد محدود من هذا التيار في اللجنة، لكنه اعتبر ذلك نوعا من استكمال الشكل حتى يقال إن اللجنة متوازنة. وينتقد حزب النور نفسه تشكيل لجنة الخمسين. ويقول شريف طه، المتحدث باسم الحزب، إن اللجنة قامت بتهميش التيار الإسلامي وحصة الأحزاب السياسية والإسلامية، وتشكلها «يعبر عن سيطرة الفصيل اليساري القومي على اللجنة»، مشيرا إلى أن «اللجنة لم تضم سوى شخص واحد فقط من الأحزاب الإسلامية هو الدكتور بسام الزرقا، نائب رئيس حزب النور، في حين أن الشخص الثاني الممثل للأحزاب الإسلامية في اللجنة وهو الدكتور كمال الهلباوي لا يمثل الأحزاب الإسلامية». ومن المعروف أن الدكتور الهلباوي قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين، والمتحدث باسمها سابقا في الغرب. ولم تأت الانتقادات من بعض أطراف الإسلام السياسي الرسمية فقط، بل جاءت من «جبهات» مساندة لعدة أحزاب وتوجهات شتى، حيث تكونت في مصر خلال العامين الماضيين العشرات من الكيانات الصغيرة التي تعتبر بمثابة أبواق مساندة لبعض الأحزاب والتيارات الكبيرة التي تسعى لفرض طرح ما على الشارع والإعلام. وتتخذ هذه الكيانات أشكالا مختلفة.. فمن بين قطاع الأدباء تجد فريقا من الموالين للإسلاميين يشكلون تحالفا للأدباء ضد التيار المدني، وقطاعا آخر من الموالين للدولة المدنية يشكل تحالفا ضد التيار الإسلامي. وينطبق الحال على الوسط الصحافي والقضائي وفي أوساط نقابات المحامين والمهندسين والمعلمين أيضا. وأصبح نشاط مثل هذه الكيانات أو «الجبهات» مربكا في الحياة السياسية والقانونية والإعلامية المصرية، بسبب محاولاتها الوجود على الساحة للترويج لبعض التوجهات التي لا تريد الظهور بنفسها على الساحة في بعض الأوقات بسبب بعض الظروف مثل الملاحقات الأمنية أو الرفض الشعبي. وخلال تشكيل لجنة الخمسين، بدأ قادة كيانات من هذا النوع التنديد باللجنة لأنه لم يجر تمثيلهم فيها. وأعلنت جبهة مكونة من بعض القضاة الموالين للتيار الإسلامي رفضها لتشكيل لجنة الخمسين قائلة إنها باطلة ولا يعتد بها لأنها تشكلت بالمخالفة للقانون والشرعية الدستورية. وتعني بالشرعية الدستورية أن يعود الرئيس السابق مرسي لموقعه في الرئاسة. وباستثناء تيار الإسلام السياسي الذي يعتمد في أغلبه على دعاة غير متخصصين، يوجد رضا عام عن تشكيل لجنة العشرة ولجنة الخمسين. وإلى جانب ممثلين للأزهر والكنيسة، تضم لجنة الخمسين من بين أعضائها أيضا مفتي مصر الدكتور شوقي علام الذي يقدم رأيا مختلفا عما تذهب إليه بعض التيارات الإسلامية التي كانت متحالفة في السابق مع جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة. ويقول الدكتور علام: «يوجد إجماع بين كل طوائف الشعب على عدم الخروج عن هويتنا الإسلامية الحضارية واعتبار (المواطنة) المعيار والمحدد الأساسي لعلاقة الشعب ببعضه بعضا». ويضيف الدكتور علام، أن أعضاء اللجنة الممثلين للأزهر سيعملون جاهدين على توضيح رؤية الأزهر الشريف في اللجنة بعد الدراسة الشرعية واللغوية الوافية والكافية للتفاصيل كلها، موضحا أن الأزهر «هو المسؤول الأول عن الحفاظ على الشريعة الإسلامية وعلى الهوية الإسلامية»، وأن هذا المعنى راسخ لدى قطاعات الشعب المصري كلها. ووافقت غالبية الأحزاب المدنية على الخطوات التي اتخذها الرئيس المؤقت في ما يتعلق بلجان الدستور بما فيها لجنة الخمسين، لكنها شددت على ضرورة النص على حظر تكوين الأحزاب الدينية لتلافي التجربة التي جرت في عامي 2011 و2012 وتمكن خلالها التيار الديني وأحزابه التي شكلها في ذلك الوقت من استغلال المساجد في العمل السياسي بشكل ضرب التجربة السياسية المصرية في مقتل كما يقول المراقبون. وهذا لا يمنع من وجود خلافات داخل التيار المدني نفسه أي بين الليبراليين واليساريين، بعد أن اتهم الليبراليون اليساريين بالهيمنة على تشكيل اللجنة، إلا أن مثل هذه الخلافات تعتبر حتى الآن شكلية، بسبب وجود ليبراليين في اللجنة من خارج الأحزاب الليبرالية المعروفة مثل حزب المصريين الأحرار. ويوضح قيادي في جبهة الإنقاذ التي تضم تحالفا واسعا من الأحزاب الليبرالية واليسارية، أن مثل هذه الخلافات «شكلية لا أكثر»، لأن الهدف في هذه المرحلة هو العمل على إنجاح المرحلة الانتقالية وليس التطاحن حول بنود الدستور التي يمكن تعديلها عن طريق مقترحات من البرلمان أو من رئيس الدولة مستقبلا. وبالإضافة إلى الدكتور الزرقا والدكتور كمال الهلباوي، كممثلين عن التيار الإسلامي، تضم لجنة الخمسين، عن التيار الليبرالي، الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، والدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وعن التيار اليساري حسين عبد الرازق، نائب رئيس التجمع، وعن التيار القومي محمد سامي، رئيس حزب الكرامة. ويقول النائب البرلماني السابق محمد أنور السادات، إن الحزب الذي يرأسه، وهو حزب «الإصلاح والتنمية» يعقد آمالا عريضة على لجنة الخمسين التي قال إن تشكيلها «جيد ومتوازن»، في ما عدا بعض الملاحظات تتعلق بقلة تمثيل النساء، وغياب تمثيل النقابات العمالية المستقلة والمصريين بالخارج. ويشير السادات إلى أن الدستور طالما سيخرج بالتوافق ويعبر عن الجميع ويحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة فلا بد من التجاوز عن بعض السلبيات الطفيفة. وأعطت عدة أسماء ستشارك في تعديل الدستور طمأنينة لدى قطاع كبير من المصريين، كما أضفت على اللجنة بريقا. ومن بين هذه الأسماء اللامعة جراح القلب المصري العالمي الشهير الدكتور مجدي يعقوب، والطبيب الذي يحظى باحترام واسع لدى المصريين الدكتور محمد غنيم، بالإضافة إلى شخصيات معتبرة من بينهم الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، والدكتور عبد الجليل مصطفى، والدكتور عمرو الشوبكي، والدكتور سعد الدين الهلالي، والدكتورة هدى الصدة، وحجاج أدول من النوبة، ومسعد أبو فجر من سيناء. ومن بين أعضاء لجنة الخمسين أيضا الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، والذي يؤكد في عدة مداخلات له أن اللجنة تمثل كل طوائف المجتمع، وبها مثقفون و«خبراء من الوزن الثقيل»، لافتا إلى أن التعديلات الدستورية يتضمن التكامل في الحقوق والتوازن في السلطات. وستقوم اللجنة باختيار رئيس لها من بين أعضائها ونائبا للرئيس أو كثر، ومقررا لها، ويقول حسين عبد الرازق، إن اللجنة ستحدد بنفسها القواعد المنظمة لعملها والضمانات الكفيلة بإجراء الحوار المجتمعي. وللجنة أن تستعين بمن تراه من الخبراء، وستمثل لجنة الخبراء العشرة في اجتماعاتها، لشرح وجهة نظرها، دون أن يكون لهؤلاء العشرة صوت معدود. وضمت قائمة أعضاء لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري الكثير من الجهات والشخصيات من بينهم اثنان يمثلان القوات المسلحة والشرطة، إضافة إلى ممثلي الأزهر، الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، والمستشار محمد عبد السلام، المستشار القانوني لشيخ الأزهر، والدكتور عبد الله مبروك النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. ومن ممثلي الكنيسة، الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها، والأنبا أنطونيوس عزيز مينا، عن بطريركية الأقباط الكاثوليك والقس الدكتور صفوت البياضي، عن الطائفة الإنجيلية ومن ممثلي الشباب، محمد عبد العزيز، ومحمود بدر، عن حركة تمرد، وأحمد عيد وعمرو صلاح، من ائتلاف شباب الثورة (جبهة 30 يونيو). كما جرى ضم شخصيات أخرى ممثلة للقطاعات التي ترأسها أو تعمل فيها، من بينهم محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب، والمخرج خالد يوسف عن النقابات الفنية، والفنان محمد عبلة عن قطاع الفنون التشكيلية، والشاعر سيد حجاب عن المجلس الأعلى للثقافة، وجبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام للعمال، وأحمد خيري، رئيس الاتحاد القومي، عن العمال، محمد عبد القادر، نقيب الفلاحين العام، وممدوح حمادة، رئيس مجلس إدارة الاتحاد التعاوني. ومن النقابات جرى ضم كل من سامح عاشور عن المحامين، والدكتور خيري عبد الدايم عن الأطباء، وأسامة شوقي عن المهندسين، وضياء رشوان، عن الصحافيين، بالإضافة إلى ضم قيادات وأعضاء ممثلين عن الغرف السياحية والصناعية والتجارية، واتحاد طلاب مصر، ومن الاتحاد العام للجمعيات وكذلك من المجالس المتخصصة، مثل المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للجامعات، وممثل عن المعاقين.

قالوا

$
0
0
* «كل هذا أمر وقتي.. وسينتهي بالحوار والتعريف بالحقائق الغائبة» * عمرو موسى متحدثا لـ«الشرق الأوسط» عن موقف تركيا مع مصر * «محاربة الإرهاب معقدة.. وصنعاء تحارب (القاعدة) بالنيابة عنا جميعا» * إليستر بيرت وزير الدولة بالخارجية البريطانية متحدثا في صنعاء * «الحياة لن تتوقف عندما تكون هناك ثورة» * مارسيل خليفة المغني الشهير أثناء مؤتمر صحافي في عمان بالأردن * «أشعر الآن بأني أكثر قدرة على الاستمرار من أي وقت مضى» * سيرينا ويليامز (32 عاما) بعد فوزها بلقب فردي السيدات في «فلاشينغ ميدوز» * «من حسن حظي أو ربما لسوئه أني أحب الصحافة حد العشق» * تركي الدخيل الإعلامي السعودي في حوار مع «الشرق الأوسط»

الدولة الأميركية وميلاد الدستور الجديد الدولة الأميركية وميلاد الدستور الجديد

$
0
0
تناولنا في مقال الأسبوع الماضي الظروف المحيطة باستقلال الولايات الثلاث عشرة والمشاكل الأساسية التي واجهتها بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، ومشكلة عدم وجود عملة مركزية موحدة ذات قيمة، وأزمة الدين العام للكونغرس، والمشاكل الخاصة بالتجارة والعمالة، وتقنين ملكية الأراضي، وغيرها من الأمور المعلقة. وقد تيقن قادة الفكر والسياسة في الولايات المختلفة أن الحل يكمن في مجموعة من الخطوات، وعلى رأسها إيجاد حكومة مركزية قوية وقادرة على لم الشمل ووضع آليات العمل المشترك بين الولايات المختلفة، بعد أن ثبت ضعف الكونغرس القاري الذي كان يتولى هذا الدور، فضلا عن عدم المساس بالخصوصية المنفردة لكل ولاية وحقها في ما يشبه الحكم الذاتي، وكذلك مراعاة الحفاظ على الحريات والحقوق العامة. ولتحقيق كل هذه المطالب أضطر الكونغرس القاري في عام 1787 لقبول فكرة إعادة النظر في الشرعية التي كان وجوده مبنيا عليها والمعروفة بـ«مواد الكونفيدرالية» (Article of Confederation)، والتي كانت تعطيه شرعيته، لذلك قرر الكونغرس الدعوة لعقد جمعية أو مؤتمر بغرض كتابة دستور جديد، ودعا ممثلين عن الولايات إليه وذلك على الرغم من تحفظ بعضها مثل «رود آيلاند» التي خشيت من استئثار الولايات الكبرى بنصيب الأسد من السلطات. وعلى الرغم من ذلك فقد انعقد المؤتمر بالفعل في 25 مايو (أيار) من العام نفسه. لعل أهم ما ميز هذا المؤتمر أو الجمعية كان تكوينها والذي يكاد يكون فريدا في كتابته وصناعة الدساتير على مستوى العالم في ذلك الوقت لأسباب عديدة، منها: أولا: تم اختيار ثلاثة وسبعين رجلا لهذه المهمة من كل الولايات، وعلى الرغم من ذلك فإن أعلى عدد حضور في أي جلسة لم يتخط تسعة وخمسين ممثلا، بينما تم إقرار المسودة النهائية للدستور في الجمعية بإجماع تسعة وثلاثين عضوا فقط. ثانيا: كان متوسط أعمار كاتبي الدستور اثنين وأربعين عاما، وهو ما يعكس قوة وحيوية، وذلك إلى جانب بعض الخبرات، بل ويقال إن رئيس المؤتمر وهو البطل الجنرال جورج واشنطن كان قليل الكلام ولم يخرج بآراء إلا في ما يتعلق بالمسائل الإجرائية حتى لا يفرض وصيته على المشاركين ولا يفقد وضعيته المتوازنة لدى كل الولايات، والشيء نفسه اتبعه الثعلب العجوز «بنجامين فرانكلين» والذي لوحظ قلة تفاعله تاركا للشباب دورهم. ثالثا: لقد تمتعت أغلبية من المشاركين في الجمعية بالعضوية في الكونغرس القاري، وكان من المشاركين ما يقرب من واحد وعشرين ممن أسهموا في الجهد الحربي للتخلص من الحكم الإنجليزي ونيل الاستقلال، كما كان منهم سبعة حكام لولايات مختلفة، لكن الأغلبية الكبرى كانت من طبقة التجار وملاك الأراضي والسياسيين وبعض المفكرين. ثالثا: واتساقا مع القاعدة الاجتماعية الأساسية بأن أي تجمع لا بد أن يتبعه ظهور فرد أو مجموعة قليلة تقوده، فإن هذه الجمعية لم تشذ عن هذه القاعدة، فقد فرضت شخصية «جيمس ماديسون» «وجورج ميسون» نفسها على هذا الجمع، خاصة الأول الذي كان يعد بكل المقاييس المفكر السياسي الأميركي الأول والذي جاء بخلفية سياسية وتاريخية وقانونية قوية للغاية، فكان مركز الجذب في المناقشات، وقد ساعدته على ذلك شخصيته المتواضعة والتي لم ترتح للوجود في المجموعات، مما أضفى عليه مزيدا من المصداقية أمام المشاركين لتجرده وعدم سعيه للأضواء. رابعا: اتفق جميع الأعضاء بمجرد بدء الاجتماعات على مبدأ السرية التامة للمداولات ومنع أي تسريبات عن سير الجلسات حتى لا يُفتح المجال أمام المشاركين لمحاولة الكسب السياسي في دوائرهم على حساب العمل الجماعي والمصلحة الوطنية، وكذلك حتى يقي المجتمعون شر الهجمات السياسية الخارجية. وبهذا التشكيل والفكر بدأ الأميركيون في كتابة دستورهم، فكان عليهم أن يراعوا عددا من المبادئ الأساسية وعلى رأسها وضع صياغة متوازنة تحافظ على سلطات الولايات الثلاث عشرة، ولكن بما يسمح بخلق قوة سياسية مركزية قادرة على قيادة هذه الولايات لمستقبل أفضل، وقد ظل المشاركون يتأرجحون في مداولات ممتدة ما بين فكرة كونفيدرالية قوية مقابل فيدرالية متوازنة، ولكن مناقشاتهم جرت على أساس خطتين هما خطة فرجينيا مقابل خطة نيوجيرسي، وعلى حين دعت الأولى لإنشاء السلطات الثلاث الأساسية، على أن تنقسم السلطة التشريعية أو الكونغرس إلى مجلسين فيُنتخب المجلس الأدنى بانتخابات حرة مباشرة، ثم يقوم هذا المجلس بعد تشكيله بانتخاب أعضاء المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ) من خلال البرلمانيين الأعضاء في برلمانات الولايات الثلاث عشرة، كما تضمنت هذه الخطة أن يكون الكونغرس مُحصن القرارات والسلطات، أو بمقولة أخرى ما هو معروف عندنا في الثقافة العربية بأن يصبح البرلمان «سيد قراره». في المقابل دعت خطة «نيوجيرسي» لتكوين كونغرس موحد تكون العضوية فيه موحدة لكل الولايات على أساس مبدأ المشاركة المتساوية للولايات (Equal Representation)، وذلك لحماية الولايات الصغيرة نسبيا، وتضمنت المقترحات أيضا أن يكون هذا الكونغرس هو صاحب اليد العليا أمام السلطتين التنفيذية والقانونية، وقد اتفقت الخطتان بصفة عامة على أن تشمل الكيانات المركزية أو الفيدرالية الجديدة سلطات سك عملة موحدة، وفرض ضرائب موحدة، وصياغة سياسية تجارية وجمركية موحدة. وكما كان متوقعا فإن الخطتين تصارعتا على الرغم من وجود ميل واضح لدى النواب لتبني خطة فرجينيا والتي كانت أقرب إلى ميول المشاركين، وقد تم تضييق الفجوة من خلال ما عُرف بحل «كونيتيكت» (Connecticut Compromise)، وهو الحل الوسط الذي تضمن فكرة القبول ببرلمان مكون من مجلسين، الأول يتم اختياره على أساس تعداد الولايات، بينما الثاني يتم على أساس المساواة بين الولايات، وهو ما تمخض عنه ما هو معروف اليوم بمجلس النواب والذي يتم اختياره وفقا لتعداد الولايات، بينما يكون التمثيل موحدا في مجلس الشيوخ. وقد كانت مشكلة العبيد إحدى المشاكل الأساسية التي واجهت صياغة الدستور الجديد، فهل سيتم اعتبارهم من تعداد السكان ولهم الحقوق السياسية نفسها مثل مُلاكهم؟.. فالواقع أن هذا الأمر غاية في الخطورة نظرا لأن الولايات كانت لها أولوياتها المختلفة، خاصة ولايات الجنوب والتي كان العبيد هم أساس القوة العاملة فيها، ولكن هذه الولايات كانت تهدف لإيجاد صيغة ليتم احتساب العبيد ضمن تعداد السكان حتى تكون لهم نسبة تمثيل في مجلس النواب، ولكن في الوقت نفسه لا تكون للعبيد الحقوق نفسها، فتحول الأمر إلى معضلة سياسية حقيقية، لكن الرأي استقر في النهاية على تفادي الإشارة للعبيد في الدستور والاكتفاء بعبارات غير واضحة حتى لا يُفتح المجال أمام الاختلاف، ومع ذلك فقد استقر الرأي على فرض ضريبة موحدة قدرها 10 دولارات على كل عبد يتم استقدامه، وقد دفعت الولايات المتحدة الأميركية ثمن هذا التردد والغموض غاليا، حيث اضطرت لحسم هذه المسألة من خلال حرب أهلية ضروس بعد سبعة عقود. هكذا حسم «توافق كونيتيكت» مشكلة التمثيل وهيكل البرلمان، لكن كتابة الدستور تضمنت مشاكل أخرى استطاع نخبة العقل الأميركي ابتكار حلول لها كما سنرى في الأسبوع المقبل.

رئيس باكستان الجديد.. «نقيض» زرداري رئيس باكستان الجديد.. «نقيض» زرداري

$
0
0
جاء قرار حزب الرابطة الإسلامية الحاكم في باكستان بانتخاب رجل أعمال متواضع من مدينة كراتشي في يوليو (تموز) الماضي ليشغل منصب رئيس الجمهورية في باكستان، بمثابة مفاجأة للجميع، حيث قام باختيار ممنون حسين المعروف بولائه لرئيس الوزراء نواز شريف. وتولى حسين مهامه رسميا أول من أمس رئيسا لدولة تواجه حركات تمرد إسلامية وأزمة خطيرة في الاقتصاد والطاقة. ويخلف حسين، وهو رجل أعمال كتوم ومحترم في الثالثة والسبعين من العمر من مواليد كراتشي (جنوب)، آصف علي زرداري ليصبح بذلك الرجل الثاني عشر الذي يشغل هذا المنصب الفخري في تاريخ باكستان. والرئيس الجديد موال لنواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية، الذي أصبح من جديد رئيسا للحكومة والرجل القوي في البلاد على أثر فوز حزبه في الانتخابات العامة التي جرت في مايو (أيار) الماضي. وفي 2010، تبنت باكستان إصلاحا قضى بتحويل القسم الأكبر من صلاحيات الرئيس إلى رئيس الوزراء. وأدى ممنون حسين اليمين أمام رئيس المحكمة العليا القاضي افتخار محمد شودري في حفل مقتضب نظم في إسلام أباد، فور انتهاء الاجتماع الذي عقدته أبرز الأحزاب في البلاد لبحث مجمل الوسائل للحد من عنف المتمردين الإسلاميين. وانتخب حسين رئيسا في نهاية يوليو (تموز) الماضي من قبل لجنة تضم نوابا وأعضاء في مجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي. وانتقال السلطة في رأس الدولة يرسخ العملية الانتقالية الديمقراطية التاريخية في البلاد التي بدأت في يونيو (حزيران) الماضي مع انتقال السلطة بين حكومتين منتخبتين. ووصل سلفه آصف علي زرداري زوج رئيسة الوزراء الراحلة بي نظير بوتو، إلى السلطة في 2008 على أثر انتخابات وضعت حدا للحكم العسكري بقيادة الجنرال برويز مشرف. وحسب آراء محللين سياسيين في باكستان، فإن شخصية حسين تتناقض بشكل كبير، مع شخصية الرئيس المنتهية ولايته آصف علي زرداري الذي يوصف بأنه الرجل القوي، الذي حكم البلاد منفردا، على مدى السنوات الخمس الماضية، وكان زرداري أحد أبرز الرؤساء وأكثرهم إثارة للجدل في تاريخ باكستان. وتحدث بعض المحللين السياسيين في وسائل الإعلام الباكستانية، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء نواز شريف ربما يكون هو من يقف وراء ترشيح حسين لمنصب الرئيس، حتى يقوم بما يحلو له بشكل هادئ. وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي خوار غومان في مقال بصحيفة «الفجر» اليومية: «لن يكون الرئيس المنتخب ممنون حسين (73 عاما) حازما، وقد تم اختياره، على طريقة اختيار الرئيس الأسبق محمد رفيق طرار.. لأنه سيجلس هادئا في القصر الرئاسي ولن يسرق الأضواء من شريف». دخل حسين، المولود في الثاني من مارس (آذار) 1940، في مدينة أكرا الهندية، المعترك السياسي عام 1969. وشغل لاحقا منصب سكرتير حزب الرابطة الإسلامية في كراتشي، وبرز بشكل فعال في جناح نواز شريف منذ عام 1993 عندما كان شريف في صفوف المعارضة. وبداية من عام 1993، شغل حسين عددا من المناصب المختلفة في فرع الحزب بإقليم السند. وعلى الرغم من أن حسين يعد مواليا قويا للحزب، فإنه أعلن عزمه الاستقالة من صفوف الحزب عقب تولي منصبه الجديد كرئيس للبلاد، وفقا للتصريحات الصادرة عن المتحدث الرسمي باسم حزب الرابطة الإسلامية. وقبل أن يتولى حسين منصب حاكم إقليم السند بقرار من رئيس الوزراء نواز شريف عام 1999 ليظل في هذا المنصب لأقل من ستة أشهر، شغل منصب مستشار حاكم إقليم السند علي جتوئي. وعقب الإعلان عن الحكم العسكري في أكتوبر (تشرين الأول) 1999، وقف حسين إلى جانب نواز شريف عندما تخلى كثير من قادة حزب الرابطة الإسلامية عن الحزب. وقد تخرج حسين في معهد إدارة الأعمال في كراتشي قبل أن ينضم لحزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف عام 1970. وكان الحزب الحاكم قد أعلن بصورة رسمية عن ترشيح حسين لمنصب رئيس البلاد خلال الانتخابات الرئاسية في الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) 2013، وكان من المؤكد نجاحه في الحصول على ذلك المنصب الرفيع نظرا لأن الحزب الحاكم يتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان. وتنافس حسين مع القاضي المتقاعد وجيه الدين أحمد، عن حزب «حركة الإنصاف» في التصويت الذي تم مقاطعته من جانب حزب الشعب الباكستاني المعارض، في خطوة تهدف إلى التشكيك في صحة عملية التصويت. وقال المعارض رضا راباني: «قامت الأقاليم بمقاطعة التصويت، وهو ما يعني أن حسين ليس رئيسا لكل الأقاليم». وكتبت إحدى الصحف الباكستانية الكبرى تقول إنه «يبدو أن الرئيس المنتخب مغرم بالظهور في وسائل الإعلام. فمنذ فوزه في الانتخابات، يقوم حسين بوظيفة لائقة إلى حد ما وهي الظهور في جميع وسائل الإعلام للتعليق على كل الأمور السياسية». وفي غضون فترة لا تتجاوز الشهر (وحتى قبل انتقاله لقصر الرئاسة)، ظهر حسين في لقاءات مع جميع القنوات الإخبارية التلفزيونية تقريبا. وحتى وقت قصير، كان حسين يلتقي بالضيوف في قاعة الضيوف بإقليم كراتشي، وكان يتم إصدار بيانات صحافية بالأنشطة التي يقوم بها والاجتماعات التي يحضرها حتى يظهر للشعب أنه مشغول وأنه يحظى بشعبية كبيرة. وقد ظهر حسين في لقاء تلفزيوني في الخامس من أغسطس (آب)، وتحدث عن إمكانية التفاوض مع المسلحين بحجة أن الولايات المتحدة قد نجحت في التفاوض مع حركة طالبان في أفغانستان، ولذا لا يوجد ما يمنعنا من القيام بذلك في باكستان. وفي حديثه لإحدى الصحف في الأسبوع الثاني من أغسطس (آب) الماضي، تحدث حسين باستفاضة عن خيارات السياسة الخارجية الباكستانية، مشيرا إلى أنه من مصلحة البلاد أن تحسن علاقتها بالهند وروسيا وإيران والصين. وخلال الأسبوع الماضي، حث حسين مجموعة من رجال الأعمال في كراتشي على الضغط على الحكومة في إقليم السند لاتخاذ إجراءات ضد العصابات الإجرامية المتورطة في جرائم الابتزاز والقتل والإرهاب. وقال محللون سياسيون إن فوز حسين بمنصب الرئيس كان مفاجأة كبيرة، كما كان تعيينه كحاكم لإقليم السند عام 1999 من قبل رئيس الوزراء نواز شريف في ولايته الثانية، أيضا مفاجأة كبيرة لكل الدوائر السياسية. وحسب المراقبين، فهو لا يتمتع بشعبية كبيرة في الأوساط السياسية، وربما تكون كل مؤهلاته هو أنه شغل منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة بكراتشي، ومع ذلك، يقول أصدقاؤه المقربون إنه شخص أمين ومستقيم ولم يحاول يوما ما القيام بأي شيء يخالف ضميره. وعقب الإطاحة بحكومة نواز شريف في أكتوبر (تشرين الأول) 1999 بعد الانقلاب العسكري، خضع حسين لضغوط كبيرة من نظام مشرف لكي يغير ولاءه وينضم لحزب الرابطة الإسلامية الموالي لمشرف. وقال أحد زملاء حسين المقربين في الحزب: «ظل حسين ثابتا على دعمه لنواز شريف». ومع ذلك، لم يقم حسين بنشاط يذكر خلال فترة نظام مشرف العسكري، الذي استمر في قيادة البلاد لمدة تسع سنوات. وتمت الإطاحة بنظام نواز شريف مرتين خلال التسعينات من القرن الماضي؛ الأولى عام 1993، والثانية عام 1999، وظل حسين في المرتين ثابتا على دعمه لنظام نواز شريف، على الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست عليه لتغيير ولائه. وهاجرت عائلة حسين إلى باكستان بعد التقسيم عام 1947، وبدأ إدارة أعمال العائلة في مجال الغزل والنسيج، عندما بلغ عامه الـ20. وعمل حسين، كرئيس للغرفة التجارية في كراتشي، ويحظى بسمعة جيدة بين رجال الأعمال المقيمين هناك. يقول المحلل السياسي الباكستاني البارز صهيل عبد الناصر، في تصريح مع «الشرق الأوسط»: «هذا هو سبب حب نواز شريف له». ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه حسين هو كيفية تعامله مع القضايا المختلفة، عقب توليه منصب الرئيس بصفة رسمية، ولا سيما أن زرداري كان شخصية قوية ويواجه كل القضايا بحزم. وحسين هو الرئيس الـ12 لباكستان، وسيشغل المنصب لولاية مدتها خمس سنوات، وكان المنافس الوحيد له قاضي المحكمة العليا المتقاعد وجيه الدين أحمد، الذي رشحته حركة الإنصاف ثالث أكبر الأحزاب بالبرلمان ويتزعمه بطل الكريكيت عمران خان. ويتصف حسين بالنزاهة والصراحة والصدق في علاقاته، وفق ما يقول عنه صديقه طارق خالق، الذي يضيف أنه كذلك «رجل نبيل في أعماقه خلافا لكل السياسيين الباكستانيين التقليديين» المعروفين بتورطهم في الفساد وطمعهم في السلطة، على حد تعبيره. ويرى الصديق أن حسين «عكس زرداري تماما»، فهذا الأخير على الرغم من أنه قريب أيضا من أوساط الأعمال، حيث إنه نجل مالك لدار للسينما، فإن سمعته شوهتها ادعاءات بالفساد أدت إلى حد وصفه في الصحف بـ«السيد 10 في المائة» في إشارة إلى العمولات التي كان يتقاضاها من عقود عامة. ويشير المحلل السياسي حسن عسكري إلى أن حسين معروف بوفائه لحزبه ولا يتمتع بثقل كبير في السياسة، «ولذلك اختاره شريف ليصبح رئيسا» ليكون بذلك مطمئنا إلى أنه سيكتفي بشغل المنصب الذي أصبح رمزيا من دون أن يتدخل. وينصح المحللون والمتابعون حسين بعدم السير على خطى زرداري، الذي خلط بين العمل الرئاسي والحزبي، مشيرين إلى أنه من الأفضل بالنسبة للنظام الديمقراطي في البلاد أن يلتزم الرئيس المقبل بالقيام بواجباته في ضوء ما ينص عليه الدستور. وقال محلل سياسي، رفض الكشف عن هويته: «نحن بحاجة إلى تطبيق بنود دستور 1973، الذي ينص على عدم اشتراك الرئيس في العمل الحزبي أو اتخاذ قرارات مثيرة للجدل من الناحية السياسية، كما يجب على الرئيس البقاء بعيدا عن الرأي العام إلا في المناسبات الإلزامية». ومع ذلك، يرى عدد كبير من المحللين السياسيين، فإن رئيس الوزراء القوي نواز شريف لن يعطي للرئيس حرية كبيرة. وقال المحلل السياسي خوار غومان: «يتعين علينا أن ننتظر ونرى كيف يتصرف الرئيس المنتخب، عندما ينتقل لقصر الرئاسة بصورة رسمية. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بقراراته، فإنه يمكننا التأكيد على أن رئيس الوزراء لن يمنحه حرية كبيرة تسمح له بالانحراف عن دوره الدستوري». وتولى حسين مهامه رسميا أول من أمس رئيسا لدولة تواجه حركات تمرد إسلامية وأزمة خطيرة في الاقتصاد والطاقة. ويخلف حسين، وهو رجل أعمال كتوم ومحترم في الثالثة والسبعين من العمر من مواليد كراتشي (جنوب)، آصف علي زرداري ليصبح بذلك الرجل الثاني عشر الذي يشغل هذا المنصب الفخري في تاريخ باكستان. والرئيس الجديد موال لنواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية، الذي أصبح من جديد رئيسا للحكومة والرجل القوي في البلاد على أثر فوز حزبه في الانتخابات العامة التي جرت في مايو (أيار) الماضي. وفي 2010، تبنت باكستان إصلاحا قضى بتحويل القسم الأكبر من صلاحيات الرئيس إلى رئيس الوزراء. وأدى ممنون حسين اليمين أمام رئيس المحكمة العليا القاضي افتخار محمد شودري في حفل مقتضب نظم في إسلام أباد، فور انتهاء الاجتماع الذي عقدته أبرز الأحزاب في البلاد لبحث مجمل الوسائل للحد من عنف المتمردين الإسلاميين. وانتخب حسين رئيسا في نهاية يوليو (تموز) الماضي من قبل لجنة تضم نوابا وأعضاء في مجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي. وانتقال السلطة في رأس الدولة يرسخ العملية الانتقالية الديمقراطية التاريخية في البلاد التي بدأت في يونيو (حزيران) الماضي مع انتقال السلطة بين حكومتين منتخبتين. ووصل سلفه آصف علي زرداري زوج رئيسة الوزراء الراحلة بي نظير بوتو، إلى السلطة في 2008 على أثر انتخابات وضعت حدا للحكم العسكري بقيادة الجنرال برويز مشرف.

تونس.. سيناريوهات للمستقبل تونس.. سيناريوهات للمستقبل

$
0
0
تتعاقب الأحداث بسرعة غير معهودة في تونس، بعد استفحال الأزمة السياسية التي تواجه الائتلاف الحاكم والمعارضة، منذ انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 التي أفرزت أغلبية نسبية لحزب النهضة الإسلامي وحلفائه العلمانيين بزعامة المعارضين السابقين للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الدكتور مصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل اليساري والدكتور منصف المرزوقي زعيم حزب المؤتمر القومي العربي. وتبدو تونس بعد أكثر من شهرين من إزاحة الجيش المصري للرئيس محمد مرسي وقيادات حزبه وجماعة الإخوان المسلمين تحت ضغط سياسي غير مسبوق من قبل عدد من أبرز صناع القرار في الداخل والخارج بهدف حثها على إدخال تغييرات جذرية للمشهد السياسي على رأسها إقالة الحكومة الحالية، بزعامة المهندس علي العريض القيادي البارز في حزب النهضة. فما السيناريوهات التي تواجه تونس بعد نحو ثلاثة أعوام من اندلاع انتفاضتها الاجتماعية والثورة التي أسفرت عن الإطاحة بحكم الرئيس بن علي؟ هل باتت مهددة بالسير على خطى ليبيا ومصر واليمن حيث يتغير المشهد السياسي بسرعة لصالح رموز نظام ما قبل اندلاع «الربيع العربي»؟ أم تلعب المستجدات الأمنية والسياسية في مصر ما بعد 30 يونيو (حزيران) و3 يوليو (تموز) دورا عكسيا في تونس لإقناع صناع القرار بضرورة حسم خلافاتهم سياسيا بعيدا عن تدخل المؤسستين الأمنية والعسكرية؟. * حسب آخر تصريحات الأمين العام لقيادة اتحاد نقابات العمال حسين العباسي، ورئيسة نقابة رجال الأعمال وداد بوشماوي، فإن «كل القيادات السياسية الحكومية والمعارضة مطالبة بالقيام بتضحيات كبيرة وتنازلات مؤلمة»، بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية الخانقة منذ اغتيال، المعارض اليساري القومي العربي محمد البراهمي يوم 25 يوليو الماضي. لكن بعض فصائل المعارضة قررت «إيقاف المفاوضات» ودعت أنصارها إلى «التصعيد مجددا حتى إسقاط الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي»، بينما تعد قيادات الائتلاف الحاكم «محاولة الانقلاب على الشرعية والمؤسسات المنتخبة خطا أحمر» مثلما جاء على لسان رئيس الحكومة السابق حمادي الحبالي والشخصية الإسلامية المعرفة باعتداله عبد الفتاح مورو. * البحث عن تطمينات وضمانات * رغم بوادر «التصعيد» فإن تصريحات المولدي الرياحي، الناطق الرسمي باسم الائتلاف الحكومي الثلاثي والقيادي في حزب التكتل اليساري بزعامة مصطفى بن جعفر، لـ«الشرق الأوسط» جاءت متفائلة، وتكشف أن المفاوضات الماراثونية التي جرت طوال أسابيع بين قيادات من أحزاب المعارضة والائتلاف أسفرت «عن توافقات حول كل الملفات الخلافية بما في ذلك مبدأ استقالة الحكومة الحالية وتعويضها بحكومة كفاءات غير حزبية»، لكن الخلاف ظل قائما حول «مسائل ترتيبية»، حيث تشترط المعارضة استقالة الحكومة فورا قبل بدء الحوار الوطني حول خارطة الطريق القادمة، فيما يطلب الائتلاف الحاكم، بدء جلسات الحوار أولا والاتفاق على منهجية عمله وعلى اسم رئيس الحكومة القادم قبل إقالة الحكومة الحالية. في الوقت نفسه، أورد رئيس الحكومة الحالية علي العريض مجددا في تصريح تلفزيوني أن حكومته مستعدة للقيام بكل التنازلات في سبيل تفادي الفوضى والفراغ السياسي، مستبعدا، استقالة حكومته قبل بدء الحوار الوطني والتوافق على خارطة طريق جديدة. أي قبل توصل زعامات المعارضة والائتلاف الحاكم والنقابات إلى توافق سياسي وطني جديد يسمح للبلاد بالمضي بنسق أسرع في المصادقة على الدستور وعلى البدء في إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية المؤجلة. وعلى غرار ما ورد على لسان الخبير السياسي والناشط الحقوقي المستقل صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، فإن «جل الأطراف متخوفة من المستقبل، وتريد ضمانات سياسية، تحسبا لدخول البلاد مرحلة محاسبات وإقصاءات وإقصاءات متبادلة». * تغيير الواقع داخليا وإقليميا * لكن الزعيمين اليساريين حمة الهمامي وسمير الطيب وبقية رموز المعارضة «الراديكالية» يعدون أن «الأوضاع تغيرت ميدانيا في تونس وإقليميا ودوليا خلال الأسابيع والأشهر الماضية» وأن «شعبية الحكومة الحالية وحركة النهضة وتيارات الإسلام السياسي تراجعت كثيرا، ولم يعد مقبولا أن تتمسك قيادات الائتلاف الحاكم عامة وحركة النهضة خاصة بورقة الشرعية الانتخابية»، لأن نزول مئات الآلاف من التونسيات والتونسيين إلى الشارع بعد اغتيال محمد البراهمي كان رسالة سياسية واضحة عن تضاعف نسبة المطالبين بإسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي، على حد تعبير حمه الهمامي زعيم الحزب العمالي الشيوعي. ويذهب بعض النواب اليساريين المستقيلين من المجلس التأسيسي ورفاقهم في عدد من النقابات العمالية والأحزاب اليسارية مثل النائب اليساري منجي الرحوي، عضو حزب الفقيد شكري بلعيد، إلى أبعد من ذلك إذ يدعون إلى «الإطاحة بالحكومة فورا وإلى استبعاد كل الإسلاميين نهائيا من اللعبة السياسية». ويحمل هؤلاء رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي شخصيا ورفاقه في قيادة حزبه «المسؤولية السياسية عن الحوادث الإرهابية التي أسفرت عن اغتيال عدد من العسكريين والأمنيين والمعارضين مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي»، بسبب ما وصفوه بـ«تسامحهم خلال العامين الماضيين مع السلفيين المتشددين». * تغيير الواقع على الأرض أولا * الدكتور عبد اللطيف المكي الوزير في حكومة الائتلاف الحالية وأحد أبرز قيادات حركة النهضة في المفاوضات مع المعارضة واتحاد الشغل، نفى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون حركته وحكومته تعملان على «ربح الوقت وتغيير الوضع على الأرض قبل تقديم الاستقالة المبدئية»، على الرغم من الاتهامات التي توجهها لها شخصيات بارزة في المعارضة مثل أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري وعبد الرزاق الهمامي الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي وكلاهما انخرط في ائتلاف «الاتحاد من أجل تونس» الذي يتزعمه الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق ووزير الخارجية والداخلية في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. وترى قيادات من المعارضة القريبة من أحزاب اليسار الاشتراكي أن «النهضة وحلفاءها يحاولون تمديد مرحلة حكومة علي العريض مع توظيف الأحداث الدامية في مصر وتعاقب الهجمات الإرهابية على عسكريين تونسيين على حدود تونس مع الجزائر لوضع التونسيين أمام الأمر الواقع من جهة.. وليتابعوا تحسين مواقعهم على الأرض وخصوصا في الإدارة ووسائل الإعلام.. استعدادا للمعركة الانتخابية القادمة». * تحديات أمنية واقتصادية * لكن لئن نجحت الحكومتان اللتان تداولتا على السلطة منذ عامين في الرد على كثير من التحديات الأمنية فإن التحديات الاقتصادية تتراكم وتوشك أن تتسبب في انفجارات اجتماعية عنيفة تسقط حسابات الحكومة والمعارضة في نفس الوقت. وزير المالية إلياس فخفاخ توقف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عند «الضغوطات المالية والاقتصادية الهيكلية وتراكم العجز المالي في مستويات كثيرة». وحذر فخفاخ خاصة من استفحال المشكلات الموروثة عن العقود السابقة وعلى رأسها تراجع قيمة الدينار، وارتفاع عجز المؤسسات العمومية ماليا، وتضاعف أعباء صندوق التعويض والدعم للمواد الغذائية والمحروقات أربع مرات (من 1500 مليون دينار قبل الثورة إلى نحو 6 مليارات هذا العام رغم زيادات المحروقات العام الماضي)، إلى جانب ارتفاع عجز الصناديق الاجتماعية وتضخم الأعباء الاجتماعية ونسبة الأجور والمنح في ميزانية الدولة على حساب الاستثمار العمومي وبرامج التشغيل. وقدر عجز المؤسسات العمومية الرئيسة قبل الثورة بنحو 18 مليارا لكن هذا العجز تضاعف أربع مرات ونصف، حسب وزير المالية التونسي الذي أورد أيضا أن «هذه المستجدات تسجل في وقت توشك فيه صناديق التقاعد والحيطة الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين على المرض، أن تعلن عجزا رسميا عن الإيفاء بتعهداتها لملايين المنخرطين، لا سيما في القطاع العام». ويشير إلى أن الأخطر مع هذا التطور هو تراجع قدرات الدولة على «ضخ مزيد من الأموال» لفائدة المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية، «لأن الأعباء الجديدة فاقت الـ7 مليارات منذ 2010 (ثلاثة مليارات لزيادات الأجور وأربعة لصندوق الدعم)». ما المخرج إذن من هذه الأزمة السياسية التي تتزامن مع أزمة اقتصادية اجتماعية؟! * الحوار المقبل.. والمواجهة المؤجلة * في ظل هذا الوضع يؤكد معارضون ونقابيون وقياديون من «جبهة الإنقاذ الوطني» على خيار المواجهة.. عبر تنظيم سلسلة من التحركات والمظاهرات تحت يافطة «ارحل».. وإلى العودة إلى تنظيم مجموعة جديدة من «اعتصامات الرحيل». لكن ضعف الإقبال شعبيا على غالبية تحركات «ارحل» خلال الأسابيع الماضية، ثم بروز انقسامات بين المعارضين.. أقنع غالبية الساسة التونسيين بضرورة العودة إلى مائدة الحوار والتفاوض. ورغم الإعلان عن فشل حوارات الأسابيع الماضية عاد الحسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل ليعلن عن مبادرة جديدة للحوار والتفاوض باسم المنظمات الحقوقية والنقابية ورجال الأعمال.. واعتبر العميد الصادق بلعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن نتائج جلسات الحوار بين حسين العباسي وراشد الغنوشي عن قيادتي اتحاد الشغل والنهضة تؤكد أن «أغلب الأطراف السياسية اقتنعت بأنه لا يمكن لأي جهة أن تحكم تونس لوحدها وأن التوافق السياسي ضروري جدا لإخراج البلاد من أزمتها، لا سيما بين الأطراف الرئيسة أي نقابات العمال ورجال الأعمال من جهة وحزبي نداء تونس والنهضة من جهة ثانية، مع تفعيل دور ممثلي التيارات اليسارية والاشتراكية التي يمكنها أن تساهم في إعادة ترتيب الأوراق وفي تغيير حقيقي للمشهد السياسي». وأبدى العميد الصادق بلعيد تفاؤلا كبيرا بالدور الذي يمكن أن يلعبه المستقلون والنقابيون في المرحلة الانتقالية الجديدة، وفي إنجاح الحوار الوطني الذي أعلن حسين العباسي وبقية قادة المعارضة والائتلاف الحكومي المراهنة على نتائجه. * إكمال الحوار قبل 23 أكتوبر * لكن العميد والخبير السياسي والقانوني الصادق بلعيد حذر من «مخاطر تمديد جلسات الحوار والتفاوض حول مبادرة الاتحاد وحول مقترحات الأطراف السياسية الكبرى، وخصوصا نداء تونس والنهضة إلى أجل غير محدود». واعتبر أن الأجل الأقصى لإنهاء الحوارات والمشاورات ينبغي ألا يتجاوز 23 أكتوبر القادم، على أن يعلن بالمناسبة عن استكمال صياغة الدستور وتحديد تاريخ الانتخابات القادمة التي يمكن تنظيمها في أجل لا يتجاوز منتصف الثلاثية الأولى من عام 2014. إذا لم تنجح ظروف تنظيمها في ديسمبر (كانون الأول) أو يناير (كانون الثاني) القادمين في ذكرى الثورة». واعتبر بلعيد أن الأسابيع التي تفصل عن موعد 23 أكتوبر تكفي لاستكمال المشاورات الماراثونية التي من المتوقع أن تجري تحضيرا لتشكيل حكومة انتقالية جديدة ترأسها شخصية مستقلة لا تترشح للانتخابات القادمة. وتوقع بلعيد أن يغادر أغلب النشطاء اليساريين والاشتراكيين حزب الباجي قائد السبسي «نداء تونس» والتحالف الذي يقوده والذي تزايد فيه جهويا ووطنيا دور الدستوريين، إلى حزب اشتراكي عمالي يساري جديد، قد يضم جل رموز أحزاب الجمهوري والمسار وقطب الحداثة، مثل السادة أحمد نجيب الشابي وسميرة الطيب وأحمد إبراهيم والفاضل موسى ورياض بن فضل، فضلا عن قياديين ونشطاء من الجبهة الشعبية. واعتبر بلعيد أن بقية السياسيين ونشطاء الأحزاب الـ180 سيشكلون أساسا قطبا للمحافظين، قد يكون حول «الاتحاد من أجل تونس» الذي يمكن أن يتطور إلى «قطب سياسي حزبي يوحد غالبية النشطاء الإسلاميين في حركة النهضة وحزب نداء تونس حاليا.. لأنه لا توجد تناقضات جوهرية بين غالبية الدستوريين والنهضويين، ويمكن أن يشكلوا معا حزبا محافظا منافسا للحزب اليساري العمالي». * تطهير المناخ السياسي * الحقوقي والوزير الأسبق الدكتور حمودة بن سلامة يعتبر أن من بين معضلات الطبقة السياسية انشغالها المبالغ فيه بالمبادرات «السياسية» على حساب الملفات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، الأمر الذي تسبب في توتر المناخ الاجتماعي والأمني وتعقيد الوضع العام في البلاد. ويرى أنه بات من المؤكد الأولويات في نظر كثير من النشطاء والخبراء المستقلين، مثل السيد صلاح الدين الجورشي، تطهير المناخ العام في البلاد عبر حوار وطني حقيقي.. يمهد لتشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات وطنية، تقوم بتسيير البلاد وتصريف الأعمال ما بين 23 أكتوبر القادم (كحد أقصى) وموعد الانتخابات الذي لا ينبغي أن يتأخر أكثر لأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تضغط على الجميع. واعتبر يساريون وحقوقيون قريبون من الائتلاف الحاكم ومن جبهة الدفاع عن استكمال المسار السياسي الانتقالي ورفض الانقلاب، مثل بلقاسم حسن الأمين العام لحزب الثقافة والعمل ومحمد القوماني أمين عام حزب الإصلاح والتنمية، أن إكمال صياغة الدستور قبل 23 أكتوبر ممكن جدا إذا تحقق شرط الحوار والتوافق السياسي، وإذا لم تقدم قيادات الأحزاب الاعتبارات الانتخابية الخاصة بها في ظل استطلاعات الرأي التي تؤكد تراجع شعبيتها جميعا، سواء كانت في الحكم أو في المعارضة. * دور النقابات.. وحسابات السياسيين * في هذا السياق تبقى الأنظار متجهة إلى سلوكيات النقابات العمالية والطلابية خلال الأسابيع القادمة، وإن كانت ستنحاز إلى «المعارضة اليسارية الراديكالية» ودعاة الإضرابات والاعتصامات إلى أنصار «الحلول الوسطى» وبدء «الاستعدادات للانتخابات القادمة»، خصوصا بعد لقاءات زعيم المعارضة الباجي قائد السبسي بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في تونس وفرنسا، وما تردد عن وجود «مشاريع صفقات» تلتزم فيها حركة النهضة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة على أن تقتصر مشاركتها على الانتخابات البلدية والبرلمانية. لكن في الوقت الذي تبدو فيه الأنظار والحسابات في صالونات السياسيين مركزة على الأجندات، والتحالفات الانتخابية القادمة، فإن كل طرف سيواصل استخدام أوراقه «المحلية والإقليمية والدولية.. في محاولة لتغيير موازين القوى على الأرض قبل الموافقة على تاريخ قريب لتنظيم الانتخابات».

قالوا

$
0
0
* «الحرس الثوري يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة» * الرئيس الإيراني حسن روحاني في حديث إلى مجموعة من قيادات الحرس بطهران * عودة قطاع غزة إلى الشرعية ستتحقق في انتظار توفر الظروف» * محمود عباس (أبو مازن) الرئيس الفلسطيني في كلمة خلال حفل تخريج جامعي بمدينة أريحا * «إذا أردنا تحقيق كل شيء في وقت واحد، فسننتهي إلى تحقيق لا شيء» * مرزوق الغانم رئيس البرلمان الكويتي في تصريح حول مطالب الكويتيين وأولوياتهم * «العالم بدأ يقتنع بواقعنا الجديد» * إيهاب بدوي المتحدث باسم الرئاسة المصرية متحدثا لـ«الشرق الأوسط» * «ليس لدينا بنوك» * جيرارد بيكيه نجم برشلونة منتقدا مؤسسات مصرفية وشركات تمول صفقات ريال مدريد لشراء اللاعبين

من التاريخ من التاريخ

$
0
0
كما تابعنا في الأسبوع الماضي، فقد أسفر اجتماع النواب الأميركيين في فيلادلفيا للخروج بدستور موحد يحكم البلاد ويقوى السلطة المركزية، عن بداية مولد الدستور الأميركي وذلك على ضوء قبول ما عُرف بـ«توافق كونيتيكت» الذي وفق بين الآراء المختلفة فيما يتعلق بتمثيل الولايات في الكونغرس الجديد مع مراعاة مصالح الولايات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وذلك من خلال إنشاء مجلس للنواب يُنتخب وفق تعداد السكان، ومجلس للشيوخ بالمساواة بين الولايات.. ولكن هذا كان حلا لمشكلة التوازن التمثيلي للولايات، ولكن المشكلات الأخرى كانت لا تقل وعورة وباتت تنتظر الحلول. حقيقة الأمر أن مؤتمر فيلادلفيا كانت أمامه مشكلات فلسفية عميقة لصياغة الدستور، فلقد تجاذب الحاضرون المخاوف المبنية على التجربة السياسية الدولية.. فلا ننسى أن هذه الجمعية كانت منعقدة في عام 1787، ولم تكن أوروبا في هذا الزمن قد بدأت بعد المسار الليبرالي؛ بل كانت في نهاية المرحلة المعروفة بـ«عهد الحكم للحكم» Age of Absolutism» ولم يستثن التاريخ إلا إنجلترا من هذا العهد، التي خاضت غمار تجربة «الثورة المجيدة» في نهاية القرن السابع عشر، ولذلك تحضرني هنا مقولة شهيرة بأن «الدستور الأميركي كتبه مجموعة من المفكرين والساسة والتجار.. وشبح، وهذا الشبح هو شبح كرومويل!»، والمقصود بهذا التشبيه هو أن كل المشاركين كانوا يخشون فكرة استبداد الملك أو الحاكم تماما كما حدث مع كرومويل عقب الثورة الإنجليزية، فكانوا جميعا يريدون إعلاء سلطة البرلمان، ولكن الكثيرين حذروا أيضا من أن ذلك معناه نقل السلطة المطلقة من فرد لمجموعة أفراد وهو ما عرفه آخرون بخطورة «استبداد الأغلبية». وكأن هذا لم يكف لخلق المشكلات للجمعية، فإن حالة الفوضى السياسية والاقتصادية والانفلات الذي تميزت به الأمور عقب الاستقلال، دفعت أكثر الناس ليبرالية مثل واشنطن الذي رأس مؤتمر الدستور إلى الإشارة في مناسبات عديدة إلى أن «معظم مشكلات الدولة الأميركية تأتي من فرط الحريات»، بينما أكد آخر ممن شاركوا أنه لا بد من حماية المجتمع من استبداد الأغلبية، وقال آخر إن الشعب هو أكبر متوحش. ولا يجب الاستغراب من هذا الفكر في مجتمع مر بعملية جراحية سياسية على غرار ما حدث في الولايات المتحدة من الاستقلال وحتى صياغة الدستور، فالشعوب والأفراد تكون في أوج قوتها عقب الثورات، وهو ما يجعل فكرة قبولها التنازل عن سلطات وحقوق خاصة بها إلى حكومة مركزية أمرا صعبا للغاية حتى ولو كان هذا في صالحها. لقد كان الحل أمام المجتمعين يكمن في صياغة ما عرف بـ«المراقبة والتوازن»Checks and Balances» أي منع أية سلطة من السلطات الثلاث (التشريعية ممثلة في الكونغرس، والتنفيذية في رئاسة الجمهورية، والقضائية ممثلة في المحكمة العليا) من الانفراد بالأمر والسيطرة على المشهد السياسي، وذلك من خلال توزيع السلطات على شكل منمق ومتوازن، فتم إقرار السلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الجمهورية لتكون له صلاحيات محددة مثل القيادة العليا للقوات المسلحة وإبرام الاتفاقيات الدولية وتقديم التشريعات، ولكن الدستور منح الكونغرس أيضا سلطات موازنة على رأسها إقرار الاتفاقيات بثلثي الأعضاء، فضلا عن الحق في إعلان الحروب، كما كان للكونغرس صلاحيات عزل الرئيس على خلفية الخيانة العظمي أو الاختلاس؛ شريطة موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بعد ثبوت إدانته، وصحيح أن بعض الآراء رأت إمكانية عزله من خلال الاستفتاء العام في كل الولايات، إلا أنه رُؤي صعوبة تنفيذ ذلك. أما السلطة القضائية فقد كفل لها الدستور استقلالا خاصا تحت قيادة المحكمة العليا التي يتم تعيين القضاة أو القانونيين فيها بترشيح الرئيس وموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وقد رفض الدستور منح أي من السلطتين؛ (التشريعية والتنفيذية) الدخول في عملية المراجعات القانونية للقوانين الفيدرالية القائمة؛ بل ترك هذه المهمة للسلطة القضائية وحدها على أن يتم ذلك من خلال احترام القوانين الجديدة الواردة في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية على سبيل المثال التي تعد أعلى مقاما من أي قانون وضعي قائم في ذلك الوقت، كما تم الاتفاق على عدم وضع أي قوانين لتجريم أي سلوكيات بأثر رجعي فيما هو معروف بـ«Ex post facto» وذلك لضمان عدم العزل السياسي لأحد في المجتمع الجديد إلا من ثبت عليه أي حكم قضائي. وقد كان حق التعديل أحد أهم العناصر التي أقرها الدستور الجديد، الذي كفل له الاستمرارية حتى يومنا هذا، فبعد أن كان هذا الحق وفقا لمواد الكونفدرالية تتم ممارسته بالإجماع، فإن الدستور الجديد سهل هذه المهمة من خلال إقرار ثلثي الكونغرس فقط لهذه العملية. لم ينس المجتمعون في إطار التوازن السياسي أن يمنحوا الـ13 ولاية العديد من مبادئ الحكم الذاتي، فلقد تقاسمت الولايات الحقوق مع الحكومة الفيدرالية، وتم منح الولايات الحكم المحلي من خلال اختيار الحكام والمجالس الخاصة بها، على أن يتم منح السلطة الفيدرالية الحقوق فيما يتعلق بالاتفاقيات والحروب والجمارك والمالية، وتخول للولايات حقوق الإدارة الأخرى بلا منازعة فيدرالية. وعلى عكس ما كان متوقعا، فلقد انتهى الكونغرس من صياغة المسودة النهائية في مدة غير طويلة، فقدموا عملهم بعد أشهر قليلة قبيل نهاية عام 1787، وبدأت الولايات تدخل معركة التصديق على الدستور الجديد ليحل محل مواد الكونفدرالية التي كانت أساسا للشرعية السائدة للكونغرس القاري.. ولكن هذه المعركة لم تكن سهلة، فلقد كانت هناك مجموعة من المتشككين لا يستهان بها رأت أن الوثيقة الجديدة تتضمن مخاطر محدقة ستقضي على مصالح الولايات الصغيرة من ناحية، فضلا عن أنها كانت في غير صالح الحقوق الأساسية؛ من ناحية أخرى، لأن الدستور لم يتضمن أي حقوق أساسية للمواطنين، كما أنهم شككوا في شرعية مؤتمر أو جمعية الدستور ذاتها والمقترحات الخاصة بالتصديق على الدستور أيضا، فلقد نصت مسودة الدستور على أنه لا يدخل حيز النفاذ إلا بعد موافقة تسع ولايات من الـ13، وهو مما أثار حفيظة البعض. على الجانب الآخر، ظهر فريق عرف في التاريخ الأميركي باسم «الفيدراليون» Federalists والذين رأوا أهمية التصديق على الدستور؛ وعلى رأسهم جون جاي وماديسون وألكسندر هاميلتون.. وغيرهم، ممن حاربوا من أجل ميلاد هذا الدستور، مؤكدين على أنه المستقبل، واستند فكرهم على أن أميركا دولة كبيرة ومتنوعة ومن المستحيل أن يسيطر على الحكم فيها فصيل واحد بمعزل عن الآخرين، ودخلوا في عملية ضغط سياسي داخلي من أجل التصديق على الدستور، وقاموا بعملية ضغوط موسعة في كل الولايات لضمان التصديق عليه. واقع الأمر أن العديد من الولايات قبلت الدستور بأغلبية لا بأس بها منذ أن طرح في نهاية 1787؛ فوافقت نيوجيرسي وجورجيا بالإجماع، بينما وضعت ولاية ماساتشوستس العراقيل الواحدة تلو الأخرى لعدم التصديق، وبعد مناقشات ممتدة في البرلمان المحلي وافقت هذه الولاية عليه بأغلبية 87 صوتا مقابل 68، وقد حدث الشيء نفسه في ولاية فيرجينيا التي أقرته بفارق عشرة أصوات فقط، بينما أقرته ولاية روود آيلاند بفارق صوتين في مايو (أيار) 1790، وبتصديق الولاية التاسعة دخل الدستور حيز النفاذ، واختتم الكونغرس القاري مداولاته في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 1788؛ حيث تقرر أن ينتقل العمل في الكونغرس الجديد لولاية نيويورك، وتم انتخاب جورج واشنطن أول رئيس للجمهورية بالإجماع، بينما تم انتخاب جون آدم نائبا للرئيس. وقد بدأ إنشاء الدواوين أو الوزارات من قبل الكونغرس، فدفع واشنطن بتوماس جيفرسون لحقيبة الخارجية، وألكسندر هاميلتون مساعده العسكري خلال حرب الاستقلال لحقيبة المالية، وبهذا أصبحت للولايات المتحدة حكومتها الجديدة ودستورها المقبول شعبيا وسياسيا في عام 1789، وهو العام الذي بدأت فيه فرنسا مغامرتها السياسية الجديدة من خلال ثورتها الشهيرة، وهي التجربة التي أخذتها قرابة تسعة عقود للوصول إلى ما وصل إليه الأميركيون في 13 عاما مع اختلاف التجربة والمكان.

طعمة.. «طبيب الأسنان» في مواجهة «طبيب العيون» طعمة.. «طبيب الأسنان» في مواجهة «طبيب العيون»

$
0
0
تعول المعارضة السورية على انتخاب أحمد طعمة رئيسا للحكومة السورية المؤقتة، التي ستكون من أولى مهامها إدارة شؤون المناطق السورية المحررة غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في ظل حالة الفوضى التي تعيشها بغياب وجود سلطة تمسك بزمام الأمور. ويحظى طعمة، 48 عاما، وهو طبيب أسنان وخطيب جامع سابق، بتوافق كبير على شخصه، يبرر كونه المرشح الوحيد من دون منافس لتولي منصب رئيس الحكومة المؤقتة، مما يجعله في مواجهة صريحة مع «طبيب العيون» وديكتاتور دمشق بشار الأسد. وتربطه علاقات جيدة بالمعارضة السياسية والعسكرية والميدانية في آن معا، كما يتعاون بشكل وثيق مع الليبراليين والإسلاميين على حد سواء. وعدا عن كونه شخصية وطنية معروفة في الداخل السوري، وتحديدا في منطقة دير الزور، مسقط رأسه، كمعارض للنظام منذ سنوات طويلة، برز اسمه بين أبرز الأسماء المشاركة في الحراك الثوري في دير الزور، وهو قريب جدا من رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس. كما أنه مقرب من رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا وعلاقته جيدة، وفق أحد أعضاء الهيئة السياسية للائتلاف، مع سائر القوى السورية. وقد دفعه سجنه لمرات عدة منذ بدء الاحتجاجات ضد نظام الأسد إلى ترك سوريا في وقت سابق من هذا العام. يمارس طعمة نشاطه السياسي المعارض منذ فترة تعود إلى ما قبل اندلاع التحركات الاحتجاجية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منتصف مارس (آذار) 2011، وأبرز ما في سيرته الذاتية مشاركته كشخصية سورية مستقلة عن أي انتماء حزبي عام 2005 في تأسيس إعلان دمشق، الذي دعا إلى التغيير السلمي المتدرج الآمن ونقل سوريا من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية. كمال اللبواني عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري يعد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» انتخاب طعمة «رسالة مباشرة إلى الأسد الذي سجننا» بعد «إعلان دمشق»، عنوانها «قادمون إلى قصرك». ويستذكر اللبواني سنوات سجنه مع طعمة بعد «إعلان دمشق»، ويقول: «عندما سجننا الأسد ظن أنه قمع صوت الكرامة ولم يدرك أن من سجنهم سيصلون إليه في يوم من الأيام». العلاقة الوجدانية التي جمعتهما معا في السجن لا تمنع اللبواني من الإشارة إلى التحديات التي يواجهها رئيس الحكومة المؤقتة في مهمته المقبلة. يقول اللبواني: «التحديات هائلة، أولها عدم التدخل الأجنبي لا بتشكيل الحكومة ولا بإدارتها لاحقا». وينتقد بشدة مساعدة عدد من الدول للمعارضة السورية «بمال مسبوق بالولاء»، على حد تعبيره، مطالبا إياها بـ«ترك الثورة تنتج قياداتها بنفسها، بعيدا عن أي طلبات مسبقة». وفي إطار تعداده للتحديات، يرى اللبواني أن أمام طعمة معضلة «تشكيل حكومة من الصفر، من دون وجود أي سلطة أو أمن قادر على حمايتها ميدانيا»، لافتا إلى أن «الجيش الحر منشغل بالمواجهات مع قوات الأسد ولا موازنات أو كوادر لهذه الحكومة، أي أن طعمة سيكون رئيسا لحكومة من دون مؤسسة». وفي سيرة ذاتية، كتبها وسبق أن نشرها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وتتداولها صفحات سورية معارضة على شبكة «الإنترنت»، يقول طعمة إنه ولد في مدينة دير لزور، أحد معاقل الثورة السورية، وعاش فيها معظم حياته ما عدا خمس سنوات عاشها في المملكة العربية السعودية، حيث كان والده مدرسا، بالإضافة إلى سنوات دراسته الجامعية في جامعة دمشق. وبدأ طعمة نشاطه السياسي عمليا عام 1992 مع مجموعة من الأصدقاء والباحثين في مدينة دير الزور، حيث أسسوا «مجموعتين، إحداها فكرية تعنى بإعادة النظر في ميراثنا الفكري الإسلامي وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تسببت في تخلفنا الحضاري، ومجموعة أخرى تبنت منهج اللاعنف والمقاومة السلمية ورفض التنظيمات السرية على الصعيد السياسي». في عام 1997 اختار طعمة مخاطبة الناس من خلال خطب الجمعة، لكنه لم يستمر في ذلك أكثر من سنتين، بعد أن عزله النظام السوري من مهمته هذه بسبب «توجسه من أي أفكار تنويرية»، على حد تعبيره، وبعد رفضه القيام بدقيقة صمت على روح باسل الأسد»، في إشارة إلى شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قتل في حادث سيارة عام 1994. ونشط طعمة بدءا من عام 2001 في «لجان احياء المجتمع المدني» الداعية إلى زيادة الهامش الديمقراطي في سوريا والإفراج عن سجناء الرأي والانتقال بالبلاد من حالة الديكتاتورية إلى الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. كما شارك في منتديات سياسية وفي ندوات عقدت في المحافظات بعد انتخاب الأسد الابن رئيسا خلفا لوالده. يقول في سيرته الذاتية إنه منذ تلك الفترة «بات معروفا في الأوساط السياسية السورية المعارضة بأني أمثل التيار الإسلامي الديمقراطي، بينما اتهمنا عدد من المتشددين بأننا إسلاميون ليبراليون». وفي سياق متصل، تراهن المعارضة على خلفية طعمة الإسلامية المعتدلة من أجل نسج التفاهمات بين المكونات السورية، في وقت يثير فيه تصاعد النفوذ الإسلامي، لا سيما في صفوف التشكيلات المقاتلة ميدانيا مخاوف مكونات المعارضة والدول الغربية بشكل خاص. من هنا فإن أمام طعمة تحدي تأسيس إدارة مركزية في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، التي تعمل فيها مئات الألوية من دون قيادة موحدة ويتمتع فيها مقاتلو «القاعدة» المنظمون بوجود كبير. وكان طعمة تعهد في أولى تصريحاته غداة انتخابه، يوم الأحد الماضي، بالحد من نفوذ متشددي تنظيم القاعدة الذين قال إنهم استغلوا عجز المعارضة عن ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار سلطة الأسد في كثير من أنحاء البلاد، بما ينذر بالفوضى. ويعتبر اللبواني في سياق متصل أن طعمة «مشروع شهيد» في الداخل السوري، حيث عليه أن ينشط ويعمل في الفترة المقبلة»، لافتا إلى أن «خطرا كبيرا يحيط به من المجموعات المتطرفة ومن النظام في آن معا». ويتوافق كلام اللبواني مع ما أعلنه بنفسه لناحية قوله إنه والوزراء الذين ينوي اختيارهم خلال أسابيع لتشكيل حكومته «مشاريع شهادة» من أجل هذا الوطن. ومن المقرر أن تخطط الحكومة المؤقتة للانتقال بعد تشكيلها إلى شمال سوريا، رغم خطورة الوضع الأمني في ظل الهجمات الجوية وعمليات القصف المتواصلة. ويشدد اللبواني في هذا الإطار على وجوب أن «تبذل المعارضة جهودا كبيرة لمساعدة الحكومة ورئيسها وتهيئة عملهم وحمايتهم، وقد يكون ذلك من خلال إنشاء جهاز يوفق بين الجيش الحر والمكونات الأخرى»، بحسب اللبواني. نقطة التحول الأبرز في مسيرة طعمة السياسية كانت في مشاركته بتأسيس «إعلان دمشق» عام 2005، ومن ثم انتخب منتصف عام 2006 ممثلا عن محافظة دير الزور في المجلس الوطني لإعلان دمشق، الذي كان يتم الإعداد لعقده داخل سوريا في خطوة تحدٍّ للنظام. وأثناء انعقاد المجلس نهاية عام 2007 انتخب أمينا عاما. وبعد أسبوع اعتقله النظام مع 11 شخصية من زملائه وحكم عليهم جميعا بالسجن، حيث بقي لعامين ونصف، مع تجريدهم من الحقوق المدنية وفصلهم من الوظيفة. خرج طعمة من السجن خلال شهر يونيو (حزيران) 2010 ليواكب انطلاقة التحركات الشعبية المناهضة للنظام بعد أقل من عام، وشارك في المظاهرات واللقاءات الإعلامية والتلفزيونية، ما دفع النظام إلى إعادة اعتقاله في يوليو (تموز) 2011، لأكثر من شهر بعد اتهامه «بالتحريض على التظاهر والنقد الشديد للنظام ومهاجمة مؤتمر سميراميس في دمشق خلال لقاءات تلفزيونية». وكان المعارض السوري البارز من أعضاء المجلس الوطني السوري المقيمين في الداخل منذ تشكيله باسم مستعار، لكنه قدم استقالته بسبب عدم قدرته على المشاركة في الاجتماعات والعمل بفاعلية، منصرفا إلى العمل الإغاثي في مدينة دير الزور أولا، ومن ثم في المحافظة بأكملها من خلال رئاسته لجنة حملة «كلنا للشام»، وأعاد النظام اعتقاله لمرة ثالثة بسبب عمله الإغاثي في محافظة الحسكة أواخر العام الماضي. وبعد تشكيل المجالس المحلية في الداخل السوري، شغل طعمة منصب مستشار المكتب التنفيذي للمجلس المحلي في محافظة دير الزور، وعمل مع رئاسة المجلس على ترتيب المجالس المحلية في المحافظة، قبل أن يتم التوافق عليه في مؤتمر السلم الأهلي في مدينة إسطنبول التركية خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، كرئيس لمجلس السلم الأهلي في محافظة دير الزور. ويقول طعمة إن «علاقته طيبة جدا مع قيادة الأركان في الجيش الحر ومع اللواء سليم إدريس»، كما تجمعه علاقة «وثيقة» بقائد المنطقة الشرقية المقدم محمد العبود. ويعزو معارضون سوريون الإجماع على شخصية لتولي مهمة رئاسة الحكومة المؤقتة في جزء كبير منه إلى خلفيته «الشعبية»، أي علاقته مع الداخل السوري وفهمه لحقيقة الوضع الميداني واحتياجات الناس في المناطق المحررة من سيطرة النظام. وهو ما افتقده سلفه غسان هيتو، الذي انتخب بدعم من «الإخوان المسلمين»، وهو ذو خلفية تكنوقراط وقضى سنوات غربة طويلة خارج البلاد. وفي الإطار ذاته يوضح اللبواني أن «هيتو عمل جيدا، وهو يمتلك خلفية معرفية كبرى لكن المطلوب لرئاسة الحكومة شخص من الداخل السوري قادر على إنجاز التوافقات السياسية ويفهم الناس، وبهذا المعنى لم يكن إنتاج هيتو مناسبا لما هو مطلوب»، معربا عن اعتقاده بأن طعمة قادر على «إنضاج تفاهمات سياسية بالداخل، فهو يعرف كيف يخاطب الإسلاميين والمتطرفين وينسج تفاهمات بين مكونات الداخل». ويجدد اللبواني الإشارة إلى أن مقومات النجاح الأساسية متوفرة في الرئيس المنتخب «من صدق وذكاء وإخلاص ووفاء»، مكررا إبداء خشيته من «التدخل الخارجي والدعم المشروط». وانطلاقا من معرفته الكبيرة بالوضع الداخلي في سوريا إذن، من خلال نشاطه الميداني وعلاقاته الجيدة مع مكونات المعارضة السورية كافة، تتوجه الأنظار إلى رئيس الحكومة الجديد لينجز ما لم يتمكن سلفه من تحقيقه لناحية تشكيل حكومة مؤقتة ضمن مهلة محددة ومن ثم انصرافها لإدارة المناطق المحررة وفق رؤية واضحة. هذه الرؤية طرحها طعمة في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف في إسطنبول نهاية الأسبوع الماضي، قبل انتخابه بأكثرية 75 صوتا من أصل 97 صوتا. وأبرز ما ورد فيها تأكيده على أن الحكومة «ستنطلق من الاستجابة لاحتياجات المواطنين والاستحقاقات الرئيسة المتمثلة بمجموعة من العناوين، أبرزها تنفيذ السياسات العامة للائتلاف، والعمل على تحقيق الأمن وتحقيق السلم الأهلي الاجتماعي، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين بما يحقق لهم العيش الكريم، وتفعيل دور المجتمع المدني وتأهيله للمشاركة مع الحكومة في استقرار المجتمع وتنميته، إضافة إلى «التأسيس لممارسات ديمقراطية تحقق أهداف الثورة في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية لجميع السوريين، وتنظيم وإدارة الموارد الوطنية السورية». ويشدد عضو الهيئة السياسية للائتلاف أحمد رمضان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن «طعمة شخصية توافقية لكل الكتل، وقد نال خلال انتخابه تأييدا كبيرا من القوى الميدانية والثورية في الداخل والهيئات المحلية في الداخل»، واصفا مشروع حكومته بأنه «برنامج طموح، لا سيما أنه حدد أولويته للأمن والسلم الاجتماعي وتوفير الخدمات الأساسية وتبني تحقيق أهداف أساسية تتمثل بضمان وحدة سوريا ووحدة ترابها وتوحيد الجهود العسكرية والعمل لإنشاء جيش وطني». وتتمثل أولى الخطوات الضرورية لفرض سلطة الحكومة المؤقتة في السيطرة على المعبر الحدودي مع تركيا الذي يسيطر عليه عدد كبير من جماعات المعارضة المسلحة. ويعتبر طعمة أنه «بدءا من المعابر يمكن أن نتقدم خطوة خطوة ونبسط الأمان على المناطق المحررة». أخيرا، لا شك أن أمام تحدي تعزيز مصداقية المعارضة السورية ووضعها، في وقت تمارس فيه دبلوماسية عالية المخاطر بين واشنطن وموسكو لإنهاء أزمة سوريا المستمرة منذ عامين ونصف العام.

الضاحية.. «السجن» مقابل الأمن الضاحية.. «السجن» مقابل الأمن

$
0
0
لم تخفّف عبارة «لسلامة الأهل والوطن» الصفراء، التي تتصدر حواجز حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، من انزعاج قسم من سكان الضاحية.. كما لم تخفِ اعتذارات رجال أمن الحزب المتكررة، استياء بعض السكان وزائريها، نتيجة الحواجز المتكررة والمكثفة على مداخل المنطقة. التدابير الأمنية المكثفة في المنطقة، تؤكد أن الحزب أجبر على ارتداء قميص الأمن، وهو قميص، بحسب المقولة اللبنانية الشهيرة، «قميص متسخ»، يضع من يرتديه في الشارع على تماس مباشر مع الناس وما يستتبع ذلك من مشكلات و«تجاوزات». فالتجربة برهنت على أن من يمسك بملف الأمن في الشارع معرض للأخطاء، التي بدأت تظهر تباشيرها مع تجاوزات بحق صحافيين، واشتباكات مع عائلات وعشائر، بالإضافة إلى اشتباكات مع الحلفاء على غرار ما جرى مع مخيم برج البراجنة الفلسطيني. في الضاحية اليوم، حيث معقل حزب الله، تمتد طوابير السيارات وقت الذروة، بعد الظهر، أكثر من 150 مترا قبل الحواجز التي يجري فيها تفتيش دقيق للسيارات، وتدقيق ببطاقات السائقين الشخصية. ويعيد مشهد الشوارع المغلقة في الضاحية، وانتشار رجال الأمن على حواجز ثابتة ومتنقلة، إلى الأذهان صورة المربع الأمني الذي دمرّته إسرائيل في حرب يوليو (تموز) 2006. اليوم، باتت المنطقة بأكملها مقفلة، ولم تعد محصورة في نطاق جغرافي محدّد كان محصورا بمراكز حزب الله السياسية ومنازل قياديه. لقد رسم الحزب بإجراءاته التي اتخذها بعد تفجير الرويس في أغسطس (آب) الماضي حدود منطقته جغرافيا، بنشره حواجز أمنية تدقق في حمولة السيارات وهويات العابرين إلى المنطقة الخاضعة لنفوذه، وذلك لأول مرة منذ تأسيسه في عام 1982. وعلى حدّ وصف رجل ستيني يقيم في المنطقة، فإن الضاحية باتت بأكملها «أشبه بمربع أمنيّ»، بعد انفجار بئر العبد الذي أسفر عن وقوع 54 جريحا في 9 يوليو (تموز) الماضي، وانفجار الرويس في 15 أغسطس (آب) الذي أسفر عن وقوع نحو 30 قتيلا وأكثر من 300 جريح. وإذا كان تدقيق حزب الله قبل حرب تموز محصورا بمربعه الأمني في حارة حريك، نتيجة تهديدات قيادييه، فإن «الضاحية بأكملها اليوم باتت تحت التهديد، وتستدعي هذه الجهود والتدابير»، يقول الرجل نفسه. ويلقى حزب الله معارضة كبيرة على تطبيقه الأمن الذاتي في منطقته، وهو ما رفضه معظم المسؤولين في لبنان، وأبرزهم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، فضلا عن معارضي الحزب، بصفته خرقا لسياسة لبنان، في وقت تعتبر فيه مهام الأمن من اختصاص الدولة. لكن للحزب، ما يبرّر إجراءاته المشددة. ويقول عضو كتلة «الوفاء للمقاومة»، التي تضم حزب الله وحلفاءه في البرلمان اللبناني النائب وليد سكرية لـ«الشرق الأوسط» إن عمل حزب الله الأمني «لم ولن يكون بديلا عن عمل القوى الأمنية إذا قامت الأخيرة بدورها على أكمل وجه»، موضحا أن «هذا الأمن لن يكون موجودا في أي حال من الحالات إذا كانت الدولة قادرة على تأمين الأمن بشكل كامل والقيام بكل المهمات بما فيها تأمين حماية عناصر المقاومة وحزب الله، لكن أمام عجز الدولة وأنظمتها عن القيام بدورها، فمن الطبيعي أن يتولى الحزب هذه المهمة». ويشير إلى أنه «طالما أن إسرائيل وجهات أخرى تستهدفه، لا بد لحزب الله أن يستنفر أحاسيسه وعيونه وتنفيذ كل الخطط الأمنية الوقائية التي تضمن أمنه وأمن من معه». وانطلاقا من هذا الواقع، يضيف سكرية، «لا يمكن القول إن حزب الله هو دولة خارج الدولة اللبنانية، لا في الضاحية ولا في الجنوب ولا في البقاع ولا في أي منطقة أخرى، ولا سيما حيث تقوم القوى الأمنية بمهماتها والجهات المختصة بأعمالها». وتولى حزب الله مهمة أمن المنطقة، بشكل علني، بعد انفجاري بئر العبد والرويس في الضاحية. باتت إجراءاته علنية، واتسعت لتشمل كافة مناطق الضاحية، وتتميز بقدر كبير من التنظيم، إذ منح كل حاجز رقما خاصا مدونا على العارضة الحديدية الصفراء المكتوب عليها «لسلامة الأهل والوطن». غير أن تبريراته، لا تقنع معارضي الحزب. ويرى القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط» أن حزب الله «لم يقلع» القميص الأمني «الوسخ أصلا». ويقول إن «الجزء الأساسي من عمله، هو أمني، بحيث تتخطى نسبة مهامه الأمنية الـ80 في المائة من عمله السياسي والدبلوماسي والاجتماعي، وهي غطاء لأعماله الأمنية، وصولا إلى عمله المقاوم»، معتبرا أن الحزب، بإجراءاته الأمنية، «يقوم بدوره الطبيعي». ولا يخفي علوش أن حزب الله يواجه تحديات على صعيد الاحتفاظ بجمهوره، ويخوض اختبار الحفاظ عليه، نظرا لحساسية التجربة. ويرى أن الحزب، بخياراته العسكرية والأمنية، «يخوض معركة حياة أو موت، وسط أسئلة عن قدرته على حماية جمهوره، في وقت يواصل فيه عناده وتدخله بالمعركة في سوريا». كما يلفت علوش إلى أسئلة عن قدرته على «تغطية الخسائر البشرية والمادية في صفوف جمهوره»، لافتا إلى أن «كل تلك الأسئلة مطروحة، بانتظار أن تتضح الإجابات عليها». ولجأ حزب الله إلى الأمن الذاتي، «مجبرا»، علما أنه استفاد إلى حد كبير من تجربة منظمة التحرير الفلسطينية الأمنية في لبنان، وانعكاساتها على جمهوره. ونفذ تلك الدروس طوال مسيرته منعا لإثارة معارضة السكان ضده. وقبل انفجاري الضاحية، كانت الإجراءات مقتصرة على بعض مباني الحزب والشوارع المعروفة أمنيا، قبل أن تتسع لتشمل جميع طرقات الضاحية. أمام الشوارع المؤدية إلى المقار الدينية، فإنها تقفل بشكل كامل في أوقات المناسبات، ويتولى عناصر بلباس مدني إقفالها بالسواتر الحديدية. وينقسم سكان الضاحية بين مؤيد للتدابير المشددة التي يتخذها حزب الله إلى جانب الجيش اللبناني، منعا لوقوع تفجيرات مماثلة، وآخرين يعارضون المبالغة بالإجراءات. وينتقد أحمد (33 عاما) الإجراءات المكثفة «وغير المدروسة»، التي تؤدي إلى زحمة سير خانقة أثناء وقت الذروة. يقول: «لا أفهم الغرض من تفتيش دراجتي النارية مرتين، الأولى على حاجز الجيش اللبناني، والثانية على حاجز لحزب الله على بعد 100 متر من حاجز الجيش.. هل حملت المتفجرات خلال هذه المسافة؟» ويبدو الرجل، مثل آخرين، غاضبا من عمليات تفتيش للآليات، والتدقيق ببطاقته، والسؤال عن أوراق السيارة. يضيف: «صحيح أنهم يتعاطون مع المارة بلطف واحترام، ويكثرون من عبارات الاعتذار، لكن مسافة الطريق من العمل إلى المنزل، باتت تستغرق 45 دقيقة، عوضا عن 15 دقيقة كنت أحتاجها للوصول إلى المنزل قبل الإجراءات الأمنية». وتنتشر حواجز تفتيش للجيش اللبناني على أربعة مداخل رئيسة للضاحية، على الأقل، في منطقة الغبيري، مدخل أوتوستراد هادي نصر الله الشمالي، وعلى مدخل جادة عماد مغنية، وهي مدخل الضاحية الغربي، وعلى رأس الطريق السريع الذي يربط منطقة بعبدا بطريق المطار على مدخل الضاحية الشرقي، فضلا عن حاجز في منطقة الكفاءات - الحدث. وعلى مسافة قريبة من حواجز الجيش، ينتشر رجال أمن حزب الله، حيث يقيمون الحواجز على المسارب الرئيسة للضاحية، فيما يغلقون مداخل الشوارع التي تتضمن مراكز دينية وأمنية، ويظهرون بلباس مدني ويحملون أجهزة كشف عن المتفجرات، كما يقوم آخرون بدوريات في سيارات مغلقة بزجاج داكن، بين الشوارع. وكانت الإجراءات، قبل مطلع الأسبوع الماضي، مقبولة إلى حد كبير، قبل أن تصل إلى إغلاق جوانب الطرق حيث تركن سيارات السكان، بالأعمدة الحديدية والجنازير المعدنية. وعوضا عن أن يكون عرض الطريق 10 أمتار، بات أقل من ستة أمتار، بالكاد يتسع لمرور سيارتين. وأكثر ما أزعج السكان، إقفال أماكن ركون سياراتهم. يسأل قاسم (55 عاما): «أين أركن سيارتي؟ إذا كانوا يريدون اتخاذ تلك الإجراءات، بالتعاون مع بلديات الضاحية، عليهم تأمين البديل». ويضيف: «ليس منطقيا السيطرة على مواقف سياراتنا بحجة الضرورات الأمنية من غير توفير أماكن ركن أخرى». ويذهب رجل آخر إلى أبعد من ذلك، بالسؤال عن كيفية استقبال الزائرين إذا أوجدوا حلا لسيارات السكان. يقول: «بفضل هذه الإجراءات، بات من الصعوبة أن نستقبل ضيوفا، ذلك أن الضيف المقبل لزيارتنا بات عاجزا عن إيجاد موقف لسياراته»، معربا عن خوفه «من أن نصبح معزولين عن الناس». واستفاق السكان الأسبوع الماضي على ورشة عمل في الشارع، حيث يحفر العمال في الطرق، ويزرعون أعمدة حديدية قصيرة على جانبي الطريق في مناطق بئر العبد، حارة حريك، الشارع العريض، الرويس، ما لبثوا أن أضافوا إليها الجنازير المعدنية التي تمنع ركن السيارات. وتعد هذه الشوارع تجارية، وتشهد اكتظاظا على مدار العام، ومن شأنها أن تقوّض الحركة التجارية فيها. وإذا كانت هذه الإجراءات تقوّض الحركة المرورية والاقتصادية في أكثر المناطق اللبنانية حركة تجارية نشطة، فإن الحزب يولي أهمية للأمن. ويقول النائب سكرية: «ما يقوم به حزب الله في الضاحية، لا يخرج عن إطار تأمين الأمن لهذه المنطقة المستهدفة، حيث من الطبيعي أن يكون له أعين أمنية ساهرة على حماية قياداته وعناصره من أي اختراق أو أي عمل تخريبي كمثل التفجيرين اللذين استهدفا المنطقة الشهر الماضي وأوقعا مئات الجرحى والقتلى. لذا، فإن عمل الحزب هو لمؤازرة القوى الأمنية وليس بديلا عنها». ويؤكد أن «الأولى هي التي تقوم بمهمة التفتيش حيث تكون موجودة في الطرق الرئيسة، بينما عناصر الحزب يحمون بأعينهم وبلباسهم المدني وليس بسلاحهم». وبالتالي، يضيف سكرية، «لا تختلف مهمة حزب الله الأمنية لحماية (بيته)، عن الحماية التي يقوم بها أي شخص لحماية منزله من أي استهداف أو اختراق. ونحن بكل تأكيد نثق بالقوى الأمنية، لكن علينا أن نكون واقعيين في هذا المجال، ونعلم أن سرية من القوى الأمنية، وإن وصل عددها إلى 300 عنصر، لن تكون قادرة على حماية أمن الضاحية بشكل كامل. حواجز القوى الأمنية تقوم بواجبها على الطرقات الرئيسة من دون تدخل أي جهة، لكن من يضبط أمن الطرقات الفرعية». وتتفاوت التقديرات بشأن المهام التي يقوم بها الحزب، إذ يرفض المقربون منه أن يقوم الحزب بمهام الأمن الذاتي. ويقول الخبير الاستراتيجي المقرب من الحزب أمين حطيط لـ«الشرق الأوسط» إن «اتهام الحزب بالأمن الذاتي، هو من أكبر الأكاذيب»، موضحا أنه «وجد في منطقة مستهدفة من قبل مجموعات إرهابية، فقام في ظل عدم قيام الدولة بواجباتها، بتعيين أهالي من المنطقة بمهام تفتيش السيارات، تحت إشرافه، وذلك لا يعد أمنا ذاتيا»، ويشير حطيط، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إلى أن ما يقوم به الشبان «يعتبر يقظة اجتماعية وشعبية للحفاظ على المنطقة، وعلى السلامة العامة»، مؤكدا أن «الأمن هو حلقة شاملة، وما يتم تنفيذه لا يتعدى «1 من 40» إجراء يتمم المهام الأمنية، كون الشبان يراقبون السيارات حيث استهدفت المنطقة». وضاعفت الإجراءات المكثفة، القلق في الضاحية من أن التهديد لا يزال قائما، كما قيّدت إلى حد بعيد حرية التنقل والعيش في منطقة تعرف باكتظاظ سكاني بالغ. وعشية بدء موسم المدارس، حيث يزداد الازدحام، يرتفع منسوب القلق من تأثير الإجراءات على حركة الناس. وفي المقابل، بدأ سكان الضاحية بخطوات جدية للرحيل منها، حيث تدفق المتمكنون منهم ماديا باتجاه مناطق الأشرفية وعين الرمانة وبعبدا والحازمية ذات الأغلبية المسيحية، بالإضافة إلى مناطق بيروت الإدارية. وازدادت لافتات البيوت المعروضة للإيجار في المنطقة، بعدما أخلاها عدد من السكان بسبب الإجراءات الأمنية والقلق والمخاوف من تفجيرات جديدة، وامتداد تداعيات الضربة الأميركية المحتملة على سوريا، على الضاحية. وكانت هذه المنطقة شهدت إقبالا كثيرا على المنازل المعروضة للإيجار بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وكان، حتى مطلع الصيف، من الصعب العثور على منازل شاغرة للإيجار، رغم ارتفاع قيمة الإيجارات بشكل جنوني. كما أثرت الإجراءات على الحركة التجارية، إذ تقلصت أكثر من 50 في المائة. ويقول صاحب مطعم لـ«الشرق الأوسط» إن إنتاجه «تدنى إلى حد كبير بفعل الإجراءات أمام المحال التجارية، حيث يتسبب إقفال مواقف السيارات بزحمة سير خانقة، تمنع الزبائن من الركون أمام المتجر». والى جانب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية على الضاحية، حصلت عدة إشكالات بين عناصر الحزب الموكلين مهام الأمن، وبعض السكان، إذ سجل إطلاق نار على حاجز في الكفاءات من قبل أفراد من عشيرة لبنانية، قبل أن يحصل إشكال آخر مع عناصر فلسطينية كانوا على متن سيارات في زفة فرح، أدى إلى سقوط قتيل فلسطيني. وبعدها، سُجل إطلاق نار على حاجز للحزب في منطقة مار مخايل من قبل عناصر من عشيرة آل شمص، ردا على توقيف الصحافي حسين شمص على الحاجز. وقبل عدة أيام، اشتكت الصحافية اللبنانية مها الرفاعي من إهانتها على حاجز في منطقة غاليري سمعان. هذه المشكلات، يضعها العميد المتقاعد حطيط في إطار «المفتعلة»، معتبرا أن «بعض العناصر الموتورة من لبنانيين وفلسطينيين، التي تستغلها أجهزة المخابرات، تفتعل المشكلات لإبرازها إعلاميا». ويرى أن التحديات الاقتصادية «فرضتها المتفجرات والعمليات الإرهابية وليس الإجراءات الأمنية الآيلة إلى مراقبة الداخلين، بهدف منع المتفجرات». ووسط تلك التحديات، كان الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله أعلن أن الأجهزة الأمنية أبلغت الحزب عجزها عن حماية الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكدا أنه «ليس لدينا أمن ذاتي ولا نؤمن بالأمن الذاتي»، وذلك على خلفية إثارة أطراف سياسية ووسائل إعلامية قضية الحواجز الأمنية التي يقيمها حزب الله على مداخل الضاحية لحمايتها إثر استهدافها مرتين بسيارات مفخخة في الأشهر القليلة الماضية. ورد قاسم على الاتهامات بشأن حلول حزب الله مكان الدولة وأجهزتها في مناطق نفوذه بالقول: «لم نعمل يوما لنكون مكان الدولة لا في المسألة الأمنية ولا في المسألة السياسية ولا الاجتماعية ولا في أي مسألة أخرى»، موضحا أن «الأمن مسؤولية الأجهزة الأمنية اللبنانية، ونحن نؤمن بأن القضاء مسؤولية القضاء اللبناني، وإدارة الدولة مسؤولية أجهزة الدولة، وهذا ما مارسناه وقمنا به بشكل عملي».
Viewing all 383 articles
Browse latest View live