Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

شعب الكنانة شعب الكنانة

$
0
0
أكتب مقالي هذا بعد ساعات معدودة من تغيير النظام السياسي في مصر، وأذكر خلالها فرية كان البعض يرددها وهي أن الشعب المصري لم يكن فاعلا في صياغة مستقبله السياسي على مر التاريخ، وقد كنت دائما أتصدى لمثل هذه المقولة بالأمثلة التاريخية مطالبا الجميع بقراءة سليمة ومتأنية لتاريخ مصر، فالقارئ لهذا التاريخ، خاصة التاريخ الحديث الذي يبدأ من 1798 أي عام هبوط الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت، وحتى اليوم سيصطدم بحقيقة أساسية هي أن الشعب المصري من أكثر الشعوب ثورة! هذا ما يقوله التاريخ وتؤكده الأحداث، ولكي نكون أكثر دقة فمنذ هذا التاريخ وحتى 30 يونيو (حزيران) الماضي أي خلال مائتين وخمسة عشر عاما فإن هذا الشعب ثار سبع مرات على قيادته الحاكمة لأسباب تتعلق بخروجها عن المطلوب شعبيا أو عن المفهوم التقليدي للشرعية، وهذه الثورات السبع تمثل محطات تاريخية من العمل الوطني والسياسي، ويمكن في عجالة أن نرسم الخط البياني لتحرك الشعب المصري على النحو التالي: أولا: ثورة القاهرة الأولى والثانية: وهما الثورتان اللتان تمثلان نمطا تقليديا لمقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر من خلال اصطفاف الشعب المصري مع الأزهر الشريف والأئمة والعلماء والأعيان والتجار ضد مستعمر يفوقهم في العدة والعتاد والحنكة العسكرية، ورغم محاولات التقرب الفرنسي لهذا الشعب تحت حجة أن قائد الحملة نابليون بونابرت يحب الإسلام، إلا أن الفراسة المصرية والقيادة الوطنية كشفت كل هذه النداءات، بل إن الأغلبية العظمى رفضت المساهمة في الترتيبات التي وضعها الفرنسيون من أجل تشييد نظام للحكم المحلي بالوكالة، وقد أخمد الفرنسيون الثورتين بكل قسوة مستخدمين القوة العسكرية الغاشمة ضد الشعب الأعزل، كما استباحوا حرمة الأزهر الشريف. ثانيا: تعد ثورة 1805 بكل المعايير حدثا فريدا في تاريخ الأمة المصرية والشرق الأوسط، وهي ثورة كثيرا ما يتناساها الجميع، ويغفلها المؤرخون لأنها كانت في سياق حالة الفوضى التي عمت مصر بعد جلاء الفرنسيين عنها عام 1801 وتحولها إلى مرتع لعربدة القوى الأجنبية ورجالاتها من العملاء ممثلين في المماليك وبعض عناصر القوى الأجنبية التي كانت تعيش في مصر، فضلا عما كانت تعانيه الدولة من حالة تفكك وتشرذم داخلي بسبب فراغ السلطة، في هذه المناسبة انتفض الشعب المصري بقوة في مايو (أيار) 1805 بإيعاز من قيادته لكي يعزل الوالي العثماني المُعين ويفرض خياره ممثلا في محمد علي ذلك الضابط الألباني الذي كُتب له أن يكون حاكم مصر لمدة ثلاثة وأربعين عاما نقل خلالها البلاد من حالة فوضى إلى دولة إقليمية عظمى، ولكي يتمكن محمد علي من مفاتيح الحكم، فقد واجه الشعب المصري وقيادته محاولة السلطان العثماني وحاشيته خلع محمد علي ونقله واليا عثمانيا على جدة، وفي كل الأحوال فإن هذه الثورة كان لها دورها الكبير في تغيير خريطة الفكر السياسي وأسس الشرعية ليس فقط في مصر ولكن المنطقة برمتها، وهي أيضا من صنع الثورة الشعبية المصرية. ثالثا: لعل ثورة الجيش المصري المدعومة من الشعب والمعروفة بثورة عرابي عام 1882 كان لها أكبر الأثر في إشعال الروح الوطنية المصرية مرة أخرى، وهي ثورة قادها هذا الزعيم وحوله مجموعة من الضباط وأحاطها الشعب لمواجهة التدخلات الأجنبية في البلاد وخضوع الخديو توفيق إلى التأثير الأجنبي ووضع المالية المصرية تحت مراجعة والنفوذ الغربي بسبب الاستدانة، وفقدان مصر لهويتها السياسية وبوصلتها الوطنية، وقد وصل هذا الصدام أوجه عندما قدم عرابي للخديو مطالب الشعب والجيش وعلى رأسها وضع حكومة من المصريين تحكم البلاد على أسس وطنية وعدم وضع قيود على تعداد الجيش المصري وفتح باب الترقيات للضباط المصريين، وقد أسفرت الأحداث المتلاحقة بالبلاد عن تدخل عسكري إنجليزي فوقعت معركة التل الكبير التي هزم فيها الجيش المصري بعدما صمد صمودا باسلا أمام قدرات القوة العظمى في العالم وهو ما أسفر عن احتلال البلاد على أيدي الإنجليز حتى عام 1956. رابعا: تمثل ثورة 1919 إحدى أهم الثورات السياسية في التاريخ المصري الحديث التي اندلعت في كل أنحاء مصر معلنة حالة انتفاض شاملة لإجلاء الإنجليز عن البلاد، وتميزت هذه الثورة بوجود العنصر النسائي فيها بقيادة صفية زغلول، وكان من ضمن مطالب هذه الثورة إيفاد وفد مصري لمؤتمر السلام الدولي المنعقد في «فيرساي» بفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وعندما رفض الإنجليز هذا المطلب قاموا بنفي الزعيم سعد زغلول فتفجرت المظاهرات في كل الاتجاهات، وقد كان من أهم النتائج التي ترتبت على هذا الحدث الجلل أن نالت مصر استقلالها بعدها بأربعة أعوام. خامسا: تمثل ثورة 1952 إحدى المحطات الثورية والأساسية في التاريخ المصري والإقليمي على حد سواء انتفضت فيها القوات المسلحة لتغيير النظام الملكي في مصر، ورغم أنها بدأت على اعتبارها حركة عسكرية ضد النظام فإنها سرعان ما وجدت تأييدا شعبيا جارفا، وقد لعبت الظروف المواتية دورا هاما للغاية في إنجاح هذه الثورة خاصة أن بريطانيا كانت تواجه ظروفا سياسية واقتصادية صعبة مما جعلها أكثر ميلا لإنهاء احتلالها لمصر، فضلا عن وقوف القطبين الدوليين روسيا والولايات المتحدة إلى جانبها، الأولى من خلال التسليح العسكري والدعم الاقتصادي والثانية من خلال رفضها للعدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على البلاد في 1956. سادسا: ثورتا 2011 و2013 وهما الثورتان اللتان قام بهما الشعب المصري لتغيير نظامين رفضهما الشعب، الأولى أطاحت بنظام محمد حسني مبارك والثانية بنظام محمد مرسي، وهما ثورتان شعبيتان من الطراز الأول سيكون لهما أثرهما الكبير على حركة المستقبل السياسي المصري. يعكس كل ما سبق حقيقة أساسية وهي أن هذا الشعب ليس خانعا أو مصابا بحالة خمول سياسي كما يدعي البعض، بل إن التاريخ يشير إلى أن الحس السياسي لهذا الشعب مرهف إلى حد كبير، وإذا ما نظرنا لهذه الثورات السبع بمعادلة رياضية فسنجد أن الشعب المصري ثار في تاريخه الحديث بمعدل مرة كل واحد وثلاثين عاما، وهي نسبة تتخطى في اعتقادي أو تقارب أكثر الشعوب الأوروبية ثورة وهو الشعب الفرنسي، فالثورة ليست غريبة عليه، ففي عصر الخليفة العباسي المعتصم على سبيل المثال ثار الشعب المصري بكل أطيافه على طرق حكم الخلافة العباسية اثني عشرة مرة أمام الظلم والغبن وسوء الإدارة، فهذه سمة الشعب المصري، شعب الكنانة. * كاتب مصري

الشيخ عبد الله بن ناصر.. الانضباط أولا الشيخ عبد الله بن ناصر.. الانضباط أولا

$
0
0
القاسم المشترك للنخبة القيادية في دولة قطر انتظامها في السلك العسكري، واهتمامها بالرياضة. وإذا كانت الرياضة أتاحت التعرف على الشباب، في بلد تشكل هذه الشريحة أكثر من نصف سكانه، فإن التربية العسكرية منحتهم القدرة على الانضباط. لا يختلف الأمر بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، الذي أوكلت إليه مهمة رئاسة أول حكومة في العهد الجديد بعد انتقال السلطة للشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني في الخامس والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي. فرئيس الوزراء الذي احتفظ لنفسه أيضا بوزارة الداخلية، تلقى تعليمه في بريطانيا والولايات المتحدة، وهو أحد الشخصيات المقربة من أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، وكانت المناصب التي شغلها على مدى حياته الوظيفية في الدولة تنحصر في الجانب العسكري والرياضي. وهو ليس الوحيد في هذا الأمر؛ فالأمير الحالي الشيخ تميم هو أيضا ذو خلفية عسكرية رياضية؛ فقد تلقى تعليمه في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة عام 1998. وكذا وزير الدولة الجديد لشؤون الدفاع حمد بن علي العطية، فهو الآخر جاء من خلفية عسكرية، وكان قبل تعيينه رئيسا لهيئة الأركان، ويحمل رتبة لواء ركن. أما وزير الخارجية الجديد الدكتور خالد بن محمد العطية فقد كان طيارا مقاتلا خلال الفترة من 1987 وحتى 1995 في القوات الجوية الأميرية. فالعسكر في قطر لديهم مهمة واحدة، لخصها خطاب الأمير الجديد، وهي تحقيق الإنجاز بأعلى معايير الجودة والانضباط. * الصرامة والإنجاز * شخصية رئيس الحكومة، الشيخ عبد الله بن ناصر، تتسم بالانضباط، كما يؤكد المقربون منه، والذين عملوا معه لفترات طويلة. وتطبيق معايير الصرامة هو المهمة الأساسية الجديدة التي وضعها الأمير، وتلقفها رئيس الحكومة الجديد، الراعي على مدى ثلاثة عقود لمعايير الانضباط العسكري، حيث: ضمان أقصى معايير الانضباط لسير العمل، وإعطاء أعلى مستويات الجودة في توفير الخدمات. ومن بين الوحدات المتوقع استحداثها داخل كل وزارة قطرية إدارة جديدة لـ«التخطيط والتدقيق والجودة»، بما يعكس التشديد على تنفيذ رؤية قطر 2030. قضى الشيخ عبد الله بن ناصر في الجهاز العسكري نحو ثلاثة عقود من عمره، منذ تخرج في عام 1984 من كلية درهام العسكرية في بريطانيا، حاصلا على درجة بكالوريوس «علوم شرطية». كما حصل عام 1995 على ليسانس حقوق في جامعة بيروت العربية. وقد تدرج الشيخ عبد الله في المراكز والرتب العسكرية حتى وصل لرتبة «عميد» في سبتمبر (أيلول) 2004. وشغل في تاريخه العسكري مناصب عسكرية عدة، أبرزها مساعد مدير إدارة قوات الأمن الخاصة لشؤون العمليات، حتى أصبح مديرا لقوات الأمن الخاصة وبعدها قائد قوة الأمن الداخلي، قبل أن يتولى وزارة الدولة للشؤون الداخلية. وفي 15 فبراير (شباط) 2005 عين وزيرا للدولة للشؤون الداخلية وعضو مجلس الوزراء. وأعيد تعيينه في منصبه في يوليو (تموز) 2008. وهو حاصل على أكثر من 23 دورة تدريبية تأهيلية وتخصصية خارجية وداخلية، وتولى إعداد مشروع الاتفاقيات الأمنية لمكافحة الإرهاب بين بلاده والدول الأخرى. وخلال السنتين الماضيتين، كانت له جولات خارجية التقى فيها العديد من الفعاليات السياسية على المسرح الدولي، خاصة في الولايات المتحدة. وقياسا على تجربته السابقة في وزارة الداخلية التي تولاها منذ عام 2005، يبدو اختيار الشيخ عبد الله بن ناصر ضرورة لإحداث حركة واسعة في مرافق الدولة. فهناك العديد من المشاريع العملاقة التي تحتاج إلى إدارة ذات كفاءة وتتسم بالصرامة والالتزام. يقول المحلل الاقتصادي ومدير مركز البيرق للدراسات الاقتصادية بالدوحة الدكتور بشير الكحلوت لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز السمات التي تتصف بها شخصية رئيس الوزراء الجديد أنه «رجل منظم»، ويضيف: «وزارة الداخلية أكثر وزارات قطر تنظيما وتسهيلا للإجراءات». ومن ظواهر الانضباط والحرص على العمل، ما لاحظه المراقبون، فبعد ساعات قليلة من أداء حكومته اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، عقدت في المساء أول اجتماع لها، وفي اليوم التالي (الخميس)، كان كل الوزراء على مكاتبهم، أو يقومون بجولات في أقسام وزاراتهم. وأكد مصدر قطري لـ«الشرق الأوسط» أن الرسالة الظاهرة للحكومة الجديدة هي الصرامة والانضباط. والصرامة هي أول ما لوح به الخطاب الأول لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث قال: «سوف نواصل الاستثمار في القطاعات، ولكننا سوف نكون أكثر صرامة ووضوحا بشأن النتائج والمخرجات». وحذر قائلا: «إذا وظفنا استثمارات كبرى ولم نحصل على نتائج ملائمة فلا يجوز المرور على ذلك مرور الكرام». ومضى يقول: «كيف يمكن ألا نحقق نتائج إذا استثمرنا كل ما يلزم؟ فقط إذا حصل سوء تخطيط أو سوء إدارة، أي باختصار سوء أداء، وإذا رفعت تقارير غير صحيحة، وغير ذلك من الأمور التي لا يجوز التستر عليها وتحتاج إلى معالجة فورية، وإلا نكن كمن يفسد المجتمع والمؤسسات بصرف المال دون جدوى». الأمير أكد أنه «ما ينطبق على المخرجات ينطبق أيضا على التعيينات، فلا يجوز أن يعتبر أحد أن له حق أن يتعين في منصب أو وظيفة عمومية دون أن يقوم بواجباته تجاه المجتمع والدولة». المحلل السياسي القطري البارز جابر الحرمي قال لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على تولي الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئاسة الحكومة إن «قطر مفتوحة على مصراعيها لورشة عمل بحاجة إلى دقة التنفيذ وجودة الأداء، والشيخ عبد الله بن ناصر خير من ينهض بهذه المهمة». وقال أيضا إن الأولوية المقبل للحكومة القطرية الجديدة ستكون «التركيز على إنجاز المشاريع والتركيز على تحقيق رؤية قطر 2030، وخاصة ما يتعلق بالتنمية المستدامة». يتحدث جابر الحرمي عن المثال الذي سطرته وزارة الداخلية التي لا يزال يتولاها رئيس الحكومة الحالي، في تطوير أدائها، فهي من بين أكثر الوزارات الحكومية تماسا مع حاجات المواطنين، ولكنها في الوقت نفسه تقدمت على بقية الوزارات في تسيير المعاملات وتحديث وسائل التواصل مع الجمهور. وعلى عكس السمعة التي تحملها وزارات الداخلية؛ كونها تعنى بالتكتم والتشدد والانغلاق، كانت وزارة الداخلية هذه من بين أكثر الوزارات انفتاحا وتواصلا. يقول الحرمي: «في قطر دائما ما يضربون بوزارة الداخلية المثل في المواكبة والتطور وفي تسهيل إجراءات المعاملات». وكون الشيخ عبد الله بن ناصر قادما من خلفية عسكرية، فإنها تعطيه ميزة تنافسية في هذا الوقت تحديدا، برأي الحرمي، الذي عمل لسنوات بجانب الشيخ عبد الله: «هذا الأمر يساعد على دقة الإنجاز في المواعيد المقررة، خاصة أن بعض المشاريع مرتبطة بأحداث معينة (مثل استعداد قطر لاستضافة كأس العالم)، فشخصيته العسكرية سوف تنعكس على إصراره على متابعة تنفيذ المشاريع وإنجازها بالجودة المطلوبة». * الاقتصاد أولا * لاحظ الدكتور بشير الكحلوت في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة الأولى التي رأسها الشيخ عبد الله بن ناصر احتفظت بنحو نصف الوجوه السابقة، بينما دخل نصف أعضاء الحكومة من الوجوه الجديدة. وهو ما يشير إلى الرغبة في التغيير مع استمرارية العمل لتحقيق رؤية قطر 2030 الاستراتيجية. ومضى يقول: «إن ملامح التشكيل الوزاري في قطر تشي بالرغبة في استمرار مسيرة التنمية، مع إحداث تغيير ملموس، والاهتمام بالتركيز على قضايا الداخل على حساب القضايا الخارجية، وأنه ربما تتم مراجعة السياسة الاستثمارية القائمة على التوسع في الدين العام». يتولى الشيخ عبد الله بن ناصر قيادة الحكومة في بلد تحول خلال السنوات الـ18 من عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى واحد من أكثر البلدان نموا على المستوى الاقتصادي، فقد تحولت البلاد التي لم يكن يزيد دخلها من صادرات النفط أكثر من 3 مليارات دولار وتعاني عجزا كبيرا في ميزانيتها، إلى بلد يمتلك واحدا من أكبر الاقتصاديات في المنطقة، ويعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كما يمتلك ذراعا استثمارية في الخارج هو «جهاز قطر للاستثمار»، الذي تزيد أصوله على 100 مليار دولار. وأصبحت قطر تحتل أعلى مستويات في دخل الفرد، فبحسب تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في واشنطن، في مارس (آذار) الماضي احتلت قطر المركز الأول، في دخل فردي عام 2012، وبلغت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي 88.222 ألف دولار، خلال العام الماضي. وبحسب تقرير «شركة الأصمخ للمشاريع العقارية» فقد بلغ حجم المشاريع التنموية في قطر 45 مليار دولار خلال عام 2013. التقرير الذي صدر نهاية يونيو الماضي، توقع أن يبلغ معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي الكلي في السنوات الأربع المقبلة 9.6 في المائة. وذكر التقرير أن البرنامج الاستثماري خلال الأعوام القليلة المقبلة سيشمل إنفاق أكثر من 30 مليار دولار أميركي في البنية التحتية العامة والمباني، ممثلة بأكثر من 700 مشروع، وستعمل هذه المشاريع على تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030. وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تحتل المركز الثالث في قائمة أكثر الدول التي تمتلك احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، ويبلغ احتياطي حقول الغاز في شمال قطر نحو 500 تريليون قدم مكعب، وهي أكبر حقول للغاز الطبيعي في العالم. ونجحت قطر في عام 2010 في رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنويا لتصبح بذلك أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتخطط الحكومة القطرية لإنفاق 130 مليار دولار للإعداد لكأس العالم، منها 35 مليارا لإنشاء شبكة مترو وسكك حديدية، وميناء جديد، وطرق سريعة متعددة الحارات، وتسعة ملاعب جديدة، ستكون مكيفة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية. في حين قدر تقرير قطري في أبريل (نيسان) الماضي قيمة الاستثمارات المباشرة على المنشآت والبنيات المتعلقة بالتحضير لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022 تصل إلى 80 مليار دولار تقريبا، بالإضافة إلى مبلغ 20 مليار دولار لتنمية القطاع السياحي في قطر. وقد نجحت قطر في ديسمبر (كانون الأول) 2010 في الفوز باستضافة كأس العالم 2022 لتكون بذلك أول دولة عربية وإسلامية تنظم المونديال الكروي. * السياسة الخارجية * تقليديا، يتولى الأمير رسم ملامح السياسة الخارجية للبلاد، وإذا كانت السياسة القطرية تأثرت سابقا إلى حد كبير بشخصية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فهو لكونه أحد الشخصيات المهمة في البلاد، ويتولى أيضا وزارة الخارجية، لكن في الوقت الراهن، فإن الحكومة «تشارك» في رسم السياسة الخارجية بما يعكس توجهات الأمير والدولة، ومن غير المتوقع أن تحيد عن الخطوط العريضة التي حددها الأمير في خطابه الأول. ولاحظ الدكتور بشير الكحلوت أن التشكيل الجديد تضمن تعيين وزير واحد للخارجية، في مقابل ثلاثة كانوا يشغلون وزارة الخارجية، الأول منهم برتبة رئيس وزراء، والثاني وزير دولة للشؤون الخارجية، والثالث وزير للتعاون الدولي. كما أن المفارقة بين الحكومة الحالية والسابقة، أن الحكومة السابقة كان رئيسها يتولى وزارة الخارجية، بينما يتولى رئيس الحكومة الحالية وزارة الداخلية، وهو ما يعكس التوجه نحو تعزيز الاهتمام بالشأن الداخلي. وكان الدكتور سلمان شيخ مدير معهد «بروكينغز - الدوحة» قال لـ«الشرق الأوسط» في 26 يونيو الماضي إن أساسيات وثوابت السياسة الخارجية لقطر لن تتغير، «على الأقل في الوقت الراهن»، مضيفا أنها «ستركز على سوريا وأفغانستان، والاستمرار في محادثات السلام، كما ستركز على السودان، وسيكون لها موقف مماثل فيما يتعلق بدعم عملية التحول السياسي». سلمان شيخ قال: «على المدى الطويل لا أحد يعرف في حقيقة الأمر كيفية تعاطي الإدارة الجديدة المعنية برسم السياسة الخارجية مع التطورات التي ستحدث على الأرض». وأضاف: «هناك بالتأكيد مزيد من النقاشات داخل قطر.. وأعتقد أن البعض قد يركز على سياسة خارجية أكثر هدوءا». جابر الحرمي، أشار إلى أن القطريين استبشروا كثيرا بتعيين الشيخ عبد الله بن ناصر، لكونه معروفا بالصرامة الإدارية على الصعيد الداخلي.. وعندما سألناه إن كان ذلك يعكس مزاجا قطريا نحو مزيد من الاهتمام الداخلي قال: «أنا كقطري يهمني أن أرى القيادة تولي اهتماما أكبر بالشأن المحلي وتحقيق التطلعات في التنمية». وأضاف أن هناك العديد من المشاريع الضخمة، وخاصة على صعيد مشاريع البنية التحتية، تنتظر قطر، وأمام بعض التراخي الذي لاقته بعض المشاريع العملاقة مثل مشروع المطار الجديد، فإن الناس تتوقع من رئيس الحكومة الجديد أن يحدث تطورا نوعيا في صعيد التنمية والإنجاز. مشروع المطار واجه بعض الصعوبات، ففي أبريل الماضي تم تأجيل افتتاح مطار الدوحة الجديد الذي يحمل اسم «مطار حمد الدولي» بسبب ما قيل بأنه «عدم مطابقة معايير السلامة»، بحسب عبد العزيز النعيمي رئيس لجنة تسيير مشروع مطار حمد الدولي. ويمتد المطار على مساحة 29 كلم مربعا، وبلغت تكلفة إنشائه 15 مليار دولار، وأنجزته شركات مقاولات دولية، ويفترض أن تبلغ القدرة الاستيعابية للمطار نحو 30 مليون مسافر سنويا عند افتتاحه، على أن ترتفع إلى 50 مليون مسافر سنويا عند استكمال المرحلة الأخيرة في حدود سنة 2015. وسيحل المطار تدريجيا مكان مطار الدوحة الدولي اعتبارا من بدء تشغيله. وهو قادر على استقبال طائرات «إيرباص إيه 380» العملاقة.

الحوثيون.. حكام شمال اليمن الحوثيون.. حكام شمال اليمن

$
0
0
ليست مثل أي جماعة متمردة في أي بلد تزعزع نظام الحكم فقط، ولكن حركة الحوثي في اليمن قوة عسكرية ضاربة خاضت ست حروب ضروس، ضد السلطات الحكومية في صنعاء، بدءا من عام 2004، وتسيطر على مناطق شاسعة في شمال البلاد، مثل محافظة صعدة وأجزاء من محافظات الجوف وعمران وحجة، وتحكم بقوة السلاح تلك المناطق فارضة شعاراتها وأجندتها، فهي دولة داخل دولة بحكم الواقع المعيش. والزائر لمحافظة صعدة اليوم سيجد أنها تتبع إداريا إلى حكومة المركز في العاصمة صنعاء ولكن على أرض الواقع، فهي تحت سيطرة جماعة الحوثي بصورة تامة. تقوم بتسيير كل الأمور، وتتحكم في أدق التفاصيل، الأمر الذي يعقد الأمور في بعض الأحيان، عندما يصطدم الأمر مع جماعات أخرى في المنطقة، لها أجندة مختلفة. فهذه الجماعة الدينية ليست على وفاق مع باقي الجماعات الدينية والسياسية الأخرى في الإطار الجغرافي، وهو الأمر الذي يجعل الأمور قابلة للاشتعال في أية لحظة. وتتخذ جماعة الحوثي مجموعة من الشعارات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، في كل أرجاء المناطق التي تسيطر عليها، كما ظهرت شعاراتها في مناطق أخرى، خصوصا في العاصمة صنعاء، بشكل لافت في الفترة الأخيرة، مما أثار جدلا ولغطا سياسيا وشعبيا بشكل كبير. وشعارات الحوثيين هي نفسها التي يرفعها الإيرانيون، وهناك جدل كبير حول مدى علاقة الجماعة أو تنظيم الحوثي بالجمهورية الإيرانية التي يعتقد أنها تمده بالمال والسلاح من أجل بسط النفوذ في بقعة جغرافية غاية في الأهمية في اليمن وعلى مرمى حجر من الحدود اليمنية - السعودية. وإضافة إلى خوض الجماعة لحروب ضروس ضد النظام اليمني طوال السنوات الماضية، فقد خاضت الجماعة سلسلة من الحروب ضد القبائل وأخضعت الكثير منها لنفوذها، كما تخوض حروبا متواصلة ضد الجماعات (السنية) في صعدة والمتمثلة في الجماعات السلفية في مركز دماج السلفي القريب من مدينة صعدة، حيث يتهم السلفيون الحوثيين ببسط نفوذ مذهبي وسياسي. وفي مدينة صعدة، عاصمة محافظة صعدة التي زارتها «الشرق الأوسط» قبل أيام برفقة المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، الذي أجرى مباحثات مع زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي، تم تسجيل عدد من الملاحظات، من بينها أن مسلحي الجماعة منتشرون في كل بقاع المدينة وزواياها، يبسطون سيطرتهم على كل مناحي الحياة، بينما تبقى الدوائر الحكومية والعسكرية مجرد «ديكور» لتسيير الأمور اليومية. عدد من القادة العسكريين البارزين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» مؤكدين أنهم «يواجهون مجاميع مسلحة تسيطر على الوضع في المحافظة بصورة تامة ولا تترك مجالا لأن تكون هناك سلطة للدولة اليمنية بالمحافظة على الإطلاق». وقالوا إن «زيارة بن عمر أعادت هيبة الدولة للمدينة»، وتمكنوا من الخروج بسياراتهم العسكرية وبزيهم العسكري الذي افتقدوا الخروج به، خوفا من أن يكون هدفا سهلا لعناصر الجماعة. يقول العميد الركن حسن لبوزة، قائد محور صعدة العسكري لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش يحاول التعايش مع الوضع القائم في محافظة صعدة»، أي مع الحوثيين، و«إن اليمنيين يتقاتلون تارة وتارة أخرى يكونون على وفاق»، في إشارة إلى القتال الذي خاضه الجيش مع جماعة الحوثي السنوات الماضية. ويشعرك القادة العسكريون الذين التقت بهم «الشرق الأوسط» بأنهم ضعفاء رغم قوتهم من حيث العتاد والعدد، بسبب هيمنة جماعة الحوثي على مفاصل الأمور وكبائرها وصغائرها في محافظة صعدة، منذ أن انطلقت المظاهرات المطالبة بالإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح مطلع عام 2011. ومنطلق الضعف هو سيطرة جماعة مسلحة «منتصرة» على مفاصل الأمور. ويقول البعض بالحرف الواحد إن «الدولة غير موجودة في صعدة بالشكل الذي هي عليه في المحافظات اليمنية الأخرى (في الشمال)»، وإن «السلطة في صعدة هي لجماعة الحوثي وحدها». ولم يتسنَّ لـ«الشرق الأوسط» الالتقاء بمحافظ صعدة الشيخ فارس مناع، وهو تاجر سلاح شهير في اليمن وعلى مستوى دولي، لأنه كان خارج المحافظة، لكن إجراءات الأمن في المجلس التنفيذي (مكتب المحافظة) كانت بالكامل تحت سيطرة جماعة الحوثي عندما التقى زعيمهم بالمبعوث الدولي في مكان ما تحت الأرض. وعندما تكون في مدينة صعدة التي تسمى «مدينة السلام»، تجد الحضور الحوثي طاغيا في كل مناحي الحياة، سواء بالشعارات وصور مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي أو تلك اللافتات التي تناهض السياسية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة وترفع الشعارات الإيرانية في عملية توأمة لم تحدث في التاريخ اليمني. يضاف إلى ذلك ما تطرحه السلطات اليمنية من اتهامات لطهران بدعم جماعة الحوثي بالسلاح الإيراني ومحاولات تهريبه التي تنجح تارة وتفشل تارة أخرى. وقد بدأ مجلس الأمن الدولي في التحقيق في هذه العمليات وشكل لجانا بهذا الخصوص. إلا أن الشيء اللافت في صعدة هو انتشار السيارات المدرعة والمضادة للرصاص، التي لا ترى في صنعاء وهي العاصمة بالشكل الذي هي عليه في صعدة، ويتبين انتشار سيارات بـ«موديلات» حديثة وانتشار السلاح والإجراءات الأمنية. يقول اللواء لبوزة إن إجراءات الأمن في صعدة تنقسم إلى شقين، الأول عندما تكون هناك فعاليات خاصة بجماعة الحوثي، فهم من يقومون بتأمينها، وعندما تكون هناك فعاليات خاصة بالدولة فإن أجهزة الأمن الرسمية هي من تقوم بتأمينها. غير أن أحد زعماء الأحزاب السلفية في اليمن يقول إن الحضور الحكومي في محافظة صعدة هو «شكلي» فقط وليس بالشكل الذي يجب عليه أن يكون نفوذ الدولة. ويضيف محمد موسى العامري، رئيس حزب الرشاد السلفي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك جماعة تمارس عمل الميليشيات وتشارك في الحوار السياسي، وتختطف جزاء من الجمهورية اليمنية، كما هو حاصل في منطقة صعدة». وتابع قائلا: «جميع الصلاحيات بيدهم.. من السلطة المحلية وتغيير المحافظ ووكلاء المحافظة وإنشاء السجون وجبي الزكوات وإنشاء المحاكم الخاصة وتغيير مناهج التعليم.. كل ذلك محل رفض من قبل عموم الشعب اليمني، باعتبار أنه اقتطاع لجزء من الجمهورية اليمنية ويتنافى مع العمل السياسي السلمي». ويقول العامري: «ليس من المقبول أن يكون الشخص مشاركا في العملية السياسية السلمية وفي نفس الوقت يمارس عمل الجماعات المنظمة والمسلحة خارج إطار القانون.. من حق جماعة الحوثي نشر مذهبها.. لكن الشعب اليمني لديه من الوعي والحكمة ما يجعله يميز بين الغث والسمين، لكن الإشكالية عندما تتحول أية جماعة مذهبية أو غير مذهبية إلى خارج إطار القانون، وهذا هو الشيء الذي سيؤدي إلى الفتنة بين فئات الشعب اليمني». ويضيف العامري أن «المطلوب من جماعة الحوثي أو أي جماعة أخرى هو أن تترك أعمال الميليشيات وحمل السلاح السيادي وأن تخضع لنفوذ الدولة وبسطها لسيطرتها على عموم مناطق اليمن». وحول إمكانية الحوار بين الحوثيين والسلفيين، يقول العامري لـ«الشرق الأوسط»: «نحن وهم الآن في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. نحن نطرح رؤانا وهم يطرحون رؤاهم وأيضا بقية القوى السياسية، وليست لدينا مشكلة خاصة مع جماعة الحوثي.. هي لديها مشكلة مع الجمهورية اليمنية بشكل عام والمشكلة لا تخص فريقا أو حزبا سياسيا بعينة بقدر ما هي مشكلة تعنى بها الدولة والقوى السياسية والشعب اليمني بأكمله». واعتبر الزعيم السلفي أن محافظة صعدة باتت «مختطفة وخارج إطار الجمهورية اليمنية وليس هناك نفوذ للدولة، فقط وجود شكلي للدولة.. والأغرب من هذا أن تمويل أنشطة السلطة المحلية يأتي من السلطة المركزية في صنعاء دون أن يكون هناك نفوذ للدولة في صنعاء على محافظة صعدة، وهذا أمر يدعو للغرابة، ولعله حالة فريدة في العالم أن دولة ما تمول جزءا ما من أجزائها وليس لها عليه أي نفوذ». وتحولت جماعة الحوثي العسكرية المتمردة في شمال اليمن إلى جماعة سياسية أطلقت على نفسها اسم «أنصار الله»، وهي تشارك في مؤتمر الحوار الوطني بممثلين عنها، وفي نفس الوقت تقوم بدور معارض للحكومة اليمنية (حكومة الوفاق الوطني والرئيس عبد ربه منصور هادي)، باعتبار أنها تعارض المبادرة الخليجية التي تشارك في الحوار الوطني في ضوئها. عندما يزور المرء مدينة صعدة يكتشف أن الشعارات المؤيدة لجماعة الحوثي باتت تنتشر في العاصمة صنعاء أكثر مما هي عليه في محافظة صعدة المعقل الرئيس للجماعة، ويلحظ المراقب، ببساطة، أن مسلحي الحوثي على درجة عالية من التدريب، وهو ربما ما يثبت نظرية أنهم يتلقون تدريبا في إيران ولبنان على الأساليب الأمنية والعسكرية. وفي السابق كان الحوثيون محصورين في محافظة صعدة، غير أنهم وبعد أن سقط نظام صالح انتشروا في بقية المحافظات اليمنية وقاموا باستقطاب ثلة من السياسيين المعروفين في الساحة اليمنية من تيارات مختلفة، وتؤكد مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن «المال الإيراني يلعب دورا في استقطاب جماعة الحوثي لأنصار لهم في الكثير من المحافظات اليمنية المختلفة، إضافة إلى الصلة التي باتت تربطهم ببعض فصائل الحراك الجنوبي وبالأخص الفصيل الذي يتزعمه نائب الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي سالم البيض الذي يعيش في العاصمة اللبنانية بيروت تحت رعاية حزب الله، بعد أن تبين ارتباطه بعلاقات وثيقة مع طهران». ومن أبرز مظاهر الدور الذي يلعبه الحوثيون هو ما يطرح بأنهم قاموا ويقومون بتدريب عدد من الشباب اليمني في بيروت في المجال الإعلامي والعسكري وإرسال مدربين من جانبهم إلى مناطق في جنوب اليمن. وهناك تقارير أشارت أيضا إلى مشاركة الحوثيين في الحرب الدائرة في سوريا، إلى جانب قوات النظام السوري المدعومة أيضا بقوات إيرانية ومن حزب الله، خصوصا في الحرب في مدينة القصير. وهناك حديث عن أدوار أخرى لإيران في دعمها لبعض الجماعات في اليمن وبالأخص الحوثيين عبر تهريب الأسلحة إليهم، وهو ما أثبتته السلطات اليمنية وتدخلت فيه الأمم المتحدة بالتحقيق المباشر بعد ضبط سفينة أسلحة إيرانية في المياه اليمنية وعلى متنها بحارة من جماعة الحوثي. وفي هذا السياق يقول الخبير العسكري العميد متقاعد محسن خصروف لـ«الشرق الأوسط» إن العملية السياسية الجارية في اليمن هي «الهدف الأول لعمليات تهريب الأسلحة من قبل الشركات الإيرانية والتركية والجميع ضالع فيها والذين لا يريدون الاستقرار في اليمن والذين لديهم مطامع سياسية وحتى تجار السلاح يستخدمون هذه المرحلة في اليمن، وهم موجودون في محافظة صعدة وجحانة وفي بني مطر والحيمة بمحافظة صنعاء». ويؤكد خصروف أن الجديد في صفقات التسلح في اليمن سواء لجماعة الحوثي أو غيرها هو «نوعية الأسلحة الجديدة التي يتم تهريبها إلى اليمن، وهي أسلحة تستخدم في عمليات الاغتيالات وأسلحة قناصة ودروع (لم تكن متاحة في سوق السلاح باليمن) وأسلحة مزودة بالمناظير الليلة والمسدسات المزودة بكواتم الصوت». ويبقى اليمن على شفير هاوية مع عمل هذه الجماعات المتطرفة، كما توصف، وبالأخص الانتقاص من سيادة الدولة اليمنية في محافظة صعدة التي تخضع لسيطرة الحوثيين ومناطق أخرى في عمران وحجة والجوف وغيرها، في ظل صراع محتدم وضمنه سيطرة جماعة الحوثي على الموارد المالية في المناطق التي يسيطرون عليها وفرضهم للزكاة أو «الخمس» في ما يعرف بشرعهم. وتظل الأسئلة دائما قائمة بشأن مستقبل اليمن، خصوصا وأن ما يجري في شمال اليمن لا يستهدف اليمن فقط وإنما أيضا دول الجوار.

قالوا

$
0
0
* «نثق في المؤسسة العسكرية.. ونتفهم غضب الشباب ونطالبهم بالصبر والانتظار» الرئيس التونسي المنصف المرزوقي متحدثا خلال برنامج تلفزيوني أجاب فيه على أسئلة مواطنين * «لا نملك القدرات لوقف نقل السلاح الإيراني.. وإذا كان الغرب يستطيع ذلك فليفعل» هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» * «أخشى أن يكتب الدستور قبل إنجاز مصالحة وطنية.. فتعود مصر إلى نقطة الصفر» مروان المعشر وزير خارجية الأردن الأسبق، متحدثا إلى «الشرق الأوسط» * «لقد ظنوا أن الرصاص سيؤدي إلى إسكاتنا، لكنهم مخطئون». الشابة الباكستانية ملالا يوسفزاي خلال خطاب أمام الأمم المتحدة متحدثة عن التهديدات في بلادها * «إدارة برشلونة أذاقتني طعم المرارة بعد رحيلي» جوسيب غوارديولا مدرب بايرن ميونيخ الجديد

ثورة مايو 1805

$
0
0
تعرضنا في مقال الأسبوع الماضي إلى الثورات المصرية السبع في التاريخ الحديث، ودون الخوض في تفاصيلها، ولكننا سنقف اليوم أمام ثورة مايو (أيار) 1805، التي أعتقد أنها كانت من أهم الثورات المصرية على الإطلاق في التاريخ الحديث، وذلك رغم أنها كانت ثورة بدائية بالمفهوم التقليدي، ثورة لم تكن لها خلفية سياسية أو اجتماعية بالمفهوم التقليدي للثورات مثل الثورة الفرنسية على سبيل المثال، ولكن أهميتها تكمن في أنها كانت بداية تغيير النظام السياسي المصري ومثلت خلعا لعباءة شرعية وارتداء لعباءة أخرى، ولولا هذه الثورة لما رسم التاريخ المصري الحديث مجراه على النحو المعروف اليوم. يتفق المؤرخون على أن التاريخ المصري الحديث بدأ مع الحملة الفرنسية على مصر في 1798 بقيادة الجنرال الفرنسي الطموح نابليون بونابرت، وقد خرجت هذه الحملة بضغط من القوات الإنجليزية، ولكن ليس قبل أن تغير مفاهيم كثيرة كان الشعب المصري يعيش بها، فلقد أدت مقاومة المحتل الجديد إلى الالتفاف حول الأزهر الشريف كمنبر للثورة ومركز لمقاومة الاحتلال، كما أنها فتحت المجال أمام ظهور طبقة التجار والأعيان كفاعل مؤثر على الرقعة السياسية في البلاد ومن وراءهم القدرة على حشد الجماهير المصرية، وعندما خرجت الحملة الفرنسية من مصر في 1801 بعد التدخل العسكري الإنجليزي المباشر بسبب فشل الجيوش العثمانية الواحد تلو الآخر في إجبار الفرنسيين على الجلاء، أصبح في مصر قوى كثيرة تتصارع على نظام الحكم، وعلى قمة السلطة في البلاد كان هناك من الناحية النظرية الوالي الذي يعينه الباب العالي، ولكن قوته كانت معلقة بحبل سري ضعيف متهالك، متمثل في الشرعية الدينية باعتباره ممثلا للحاكم الشرعي للبلاد متمثلا في السلطان العثماني. لم يكن الوالي وحده على الساحة السياسية، بل إن طبقة المماليك التي كانت تحكم البلاد فعليا قبل قدوم الحملة عادت من جديد بعد أن أجبرتهم الهزائم المتتالية على أيدي الفرنسيين للهروب من مصر، ورغم أن الهزيمة والطرد من مصر كانا يجب أن يساهما في توحيد الصف المملوكي، فإن هذا لم يحدث، بل إن التشرذم كان السمة الأساسية الغالبة على وجودهم في البلاد، فكل قائد مملوكي كان له فريقه ومؤيدوه، وعلى رأسهم أشخاص؛ مثل: البرديسي بك، والألفي بك وغيرهما، وكانت القناصل الأوروبية، خاصة الإنجليز والفرنسيين منهم، يراهنون على القوى المملوكية لكي تحسم الأمور السياسية في البلاد فتعود إلى نفس أسلوب الحكم العقيم قبيل الحملة الفرنسية، فكان الفرنسيون مائلين للبرديسي، بينما الإنجليز يراهنون على الألفي بك الذي أخذوه خارج مصر، حيث تم تدريبه وشراء ولائه تمهيدا لإنزاله لمصر لتولي السلطة في البلاد في 1804. أما من الناحية الأمنية، فإن البلاد كانت في حالة فوضى عارمة لأسباب متعلقة بوجود الجيش العثماني الذي تم تشكيله من أجل طرد الفرنسيين من البلاد، فالجيوش العثمانية، كما هو معروف، لم تكن متجانسة، حيث كان يطلب من الولايات المختلفة إرسال فصائل وألوية للمشاركة في تكوين الجيش الموحد، بالتالي فالمشهد الداخلي في مصر تضمن انتشار قوات من جنسيات مختلفة بعدما فقد الوالي العثماني القدرة على السيطرة عليهم، منهم اللواء الألباني، وفصائل المغاربة والدلاة إلخ...، كل له قيادته الخاصة، ومطلوب توفير مرتباتهم من خلال الضرائب المفروضة على المصريين، وكان من ضمن هذه القوات شاب يدعي محمد علي، وكان ثالث الضباط من حيث الأقدمية في اللواء الألباني الذي كان يرأسه طاهر باشا، ومع مرور الوقت آلت قيادة اللواء الألباني إلى محمد علي وهو شاب في العشرينات من عمره، وكان يتمتع بذكاء خارق وقوة وعزيمة وقدرة فائقة على المناورة والتحالف. بدأ محمد علي بمناورة المماليك، سواء من خلال التحالف معهم أو ضدهم وفق الظروف السياسية، خاصة أن قواته لم تكن كافية لبسط سيطرتها على البلاد، وكان الرجل على دراية كاملة بأن الباب العالي لم يكن على استعداد لدعمه كوال على مصر التي تعد من أهم الولايات في الدولة العثمانية فلا يحكمها إلا من يضمن ولاؤهم، وبالتالي أرسلت الوالي تلو الآخر ليواجه مصيرا محتوما، حيث استطاع المماليك والقوات المختلفة خلعهم الواحد تلو الآخر. لم يتوقع أحد أن يكون محمد علي هو صاحب الحظ الأوفر، فلقد كتب القنصل الفرنسي لدى مصر ليؤكد لباريس أن محمد علي غير قادر على أن يكون لاعبا فاعلا على الساحة المصرية، مشيرا إلى أنه لا يملك أي مشروعات كبرى... «ولو سلمنا جدلا بأنه فكر فيه، فليس لديه من الوسائل ما يمكنه من تنفيذ ما يفكر فيه»، ولكن هذا الشاب كان له فكر آخر، فلقد أدرك محمد علي بفراسته السياسية أن رهانه يجب أن يكون على الطبقة الوطنية الصاعدة ممثلة في التجار والأعيان والمدعومة من قيادات الأزهر الشريف والشعب، فبدأ يفتح قنوات الاتصال معهم ويستميلهم تدريجيا ويؤلبهم ضد الوالي تارة وضد قادة المماليك مثل البرديسي ويحثهم على الثورة عليه تارة أخرى، فتخرج جموع الشعب بعد زيادة عبء الضرائب لتهتف «يا برديسي يا برديسي أيش تاخد من تفليسي»، واستمر محمد علي في مناوراته حتى جاءت لحظة الحسم في مايو 1805 عندما أعلن خورشيد باشا قرار السلطان العثماني تولية محمد علي ولاية جدة بالحجاز. لم يعلق محمد علي على القرار وترك نفسه لرحمة وحب القيادات الشعبية المصرية التي كانت ترى فيه الشخصية المناسبة لتولي الحكم في مصر، فعقد المصريون الاتفاق مع محمد علي لمساندته على حكم مصر مقابل الاتفاق على خروج عساكر القوى المختلفة من القاهرة وعدم فرض ضرائب إلا بإذنهم واستشارتهم في الأمور المهمة التي تؤثر على الشعب مباشرة، وعندما قبل محمد علي ثارت البلاد ثورة عارمة في وجه خورشيد باشا وحاصروه في القلعة إلى أن فر منها، وطالبوا بتولية محمد علي على مصر، وإزاء الضغوط الشعبية القوية والثورة الجماهيرية أذعن السلطان واستجاب على الفور فخلع خورشيد باشا من الحكم وتمت تولية محمد علي قائمقام في مصر بفضل الشعب، وباءت كل محاولات السلطان العثماني لعزل محمد علي بالفشل بعد ذلك، حيث ظل الرجل متمسكا بعلاقته القوية بالزعماء المصريين إلى أن غدر بهم بمجرد أن استتب له الأمر في مصر. ورغم أن محمد علي نقض عهده نقضا تاما وشتت أواصر الطبقة الوطنية المصرية الصاعدة وآخرها من خلال نفي قائدها عمر مكرم بعد عامين من توليه الحكم، فإن هذه الثورة تعد بكل المعايير ثورة فريدة من نوعها للأسباب التالية: أولا: أن هذه الثورة تمثل في حقيقة الأمر خطوة غير مسبوقة في المنطقة العربية والإسلامية بصفة عامة، فالعرف السائد في ذلك الوقت كان الولاء التام للسلطان العثماني وأن أي خروج عليه يمثل خروجا على الشرعية والدين، وبالتالي فإن هذه الثورة تعد أول حركة ثورية من نوعها تخرج عن عباءة القومية الدينية وتدفع نحو شرعية جديدة لم تكتمل أركانها بعد. ثانيا: لقد فتحت هذه الثورة الطريق لأول مرة أمام فكرة مؤداها اختيار الشعب لحكامه، وبالتالي فرض الشعب حقه في الاختيار، ومن ثم فهذه تعد بداية لمفهوم القومية المصرية أو الوطنية المصرية، أي أحقية المصريين في اختيار حكامهم وعدم خضوعهم لرغبة السلطان العثماني الذي تحللت البلاد عن سلطانه وعباءته السياسية على مدار قرون ممتدة، فكانت هذه الثورة بمثابة اللبنة الأولى لفكرة الديمقراطية في السياسة الداخلية المصرية. ثالثا: فتحت هذه الثورة الطريق أمام بناء أول دولة مدنية في التاريخ المصري الحديث، والمقصود بالمدنية هنا هي الدولة التي تحكم على الأسس السياسية المبنية على الشرعية والمؤسسية الوطنية، فكان الجيش المصري أول هذه المؤسسية، وبالتالي ولد الفكر الوطني المصري المستقل من تبعات هذه الثورة. لكل هذه الأسباب، فإن ثورة مايو 1805 تعد في التقدير من أهم الحركات الثورية، ليس فقط في مصر ولكن في الوطن العربي ككل، فهي تعبير عن بداية ظهور الدولة الوطنية أو القومية في هذه المنطقة. * كـــاتب مصري

أحمد الجربا.. «فارس بدوي» في قفص «الائتلاف» أحمد الجربا.. «فارس بدوي» في قفص «الائتلاف»

$
0
0
أحمد عاصي الجربا، الرئيس الجديد لـ«الائتلاف الوطني السوري»، رجل لا تعرف أوساط المعارضة السورية عنه الكثير. فئة منهم رحبت به، وأخرى هاجمته، وثالثة لم تخف حذرها من الرجل، وتقول إنها تجمع المعلومات عنه «بهدف تكوين صورة واضحة عن ماضيه». أما الجربا نفسه فقد التزم الصمت منذ انتخابه، مع غالبية الفريق المحيط به، وتوجه إلى مكة لأداء مناسك العمرة، تاركا لمهاجميه أن يستنفدوا معركتهم. «رجل بسيط، مرح، له مزاج شعبي، جلود، ومثابر إلى حد بعيد، يؤمن بالعمل الجماعي»، بحسب ما يقول أصدقاء مقربون منه. وصفته صحيفة ألمانية أثناء زيارة له لألمانيا مؤخرا بـ«الفارس البدوي»، و«صاحب الفكاهة، الذي يحب الأدب العربي ويعتبره مصدر إلهامه، لكنه اليوم دخل في عالم مختلف لا صلة له بالأدب». ويضحك احد أصدقائه ونحن نسأله عما بقي من البادية في شخصية هذا الشمري، فيقول ضاحكا «أشعر أحيانا، وأنا أتعامل معه كأنه لا يزال يعيش مع العشيرة». ويكمل «لكن هذا لا يمنع أنه يتمتع بروح المناكفة والمحاورة، وقادر على احتمال نقاشات الكتلة الديمقراطية التي انضم إليها، وهذا دليل صبر وجلد قويين». يلفتنا هذا الصديق المقرب من الجربا، الذي لا يود الإفصاح عن اسمه، إلى أن انتماءه إلى عشيرة شمر، إحدى أكبر العشائر العربية التي لها موقع اجتماعي بارز، وترعرعه مع أكراد سوريا، يعكسان مستوى العلاقات التي يمكنه أن يحيكها مع المحيطين العربي والكردي. ولد أحمد الجربا عام 1969 في مدينة القامشلي، محافظة الحسكة، وحاز شهادة في الحقوق من جامعة بيروت العربية. بقي في سوريا منذ اندلاع الثورة، ولم يغادر إلا منذ نحو سبعة أشهر، حيث وصل إلى لبنان، ومنه إلى الأردن، ومن ثم صار متنقلا بين القاهرة واسطنبول. عمل في المجال الإغاثي، ومع كتائب الجيش الحر. كان عضوا في الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري عند تأسيسه، ثم عضوا في الائتلاف الوطني السوري. وقد علق الجربا عضويته في الائتلاف مع آخرين في مارس (آذار) 2013، اعتراضا على انتخاب غسان هيتو آنذاك رئيسا للحكومة السورية المؤقتة التي كان يفترض تشكيلها لتشرف على «المناطق المحررة». وأتى هذا التعليق انعكاسا لخلاف حاد بين تيارين داخل الائتلاف. لكن الجربا عاد إلى الائتلاف في مايو (أيار) 2013، ولعب دورا أساسيا كي يضم إليه كتلة المعارض ميشال كيلو، ذات التوجه العلماني، المعروفة باسم «الكتلة الديمقراطية». يقول منتمون إلى هذه الكتلة «إن الدور الكبير الذي لعبه الجربا لضمهم إلى الائتلاف كان له أكبر الأثر في ترشيحه ومن ثم انتخابه، علما بأنه ليس رأس الكتلة وإنما أحد أعضائها». وكان الجربا، أحد شيوخ قبيلة شمر، قد انتخب يوم السبت 6 يوليو (تموز) 2013، بعد معركة حامية الوطيس، رئيسا للائتلاف الوطني السوري خلفا لأحمد معاذ الخطيب، حاصلا على 55 صوتا، مقابل 52 صوتا لمنافسه مصطفى الصباغ الذي خسر أيضا منصب نائب الأمين العام. ورغم أن أحمد الجربا كان قد اعتقل بين عامي 1996 و1998 بسبب مناهضته للنظام السوري، واعتقل مرة أخرى في مارس 2011، قبل خروجه من سوريا - بحسب ما تقول المعلومات - فإن هذا لم يجعل بعض فئات المعارضة تثق به، وتركن إلى انتخابه رئيسا. وانتشرت على صفحات الإنترنت منذ انتخابه أخبار، تزعم أنه لم ينه تعليمه الابتدائي، وأنه حاصل على شهادة جامعية مزورة من بيروت، تمكن من الحصول عليها بمعونة رستم غزالي، أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان، إلى حد القول أنه «أخطر على الثورة من النظام السوري نفسه». يضحك صديقه، المعارض العريق فايز سارة، وهو أحد أعضاء الفريق الذي تشكل للعمل مع أحمد الجربا في رئاسة الائتلاف، ويقول ساخرا «هذه أخبار طريفة جدا. الهجمة ضد أحمد الجربا لا علاقة لها بفوزه في رئاسة الائتلاف، وهي بدأت قبل ذلك مع عملية توسعة الائتلاف، لا بل ومنذ أيام الرئيس السابق معاذ الخطيب. كان داخل الائتلاف مشروعان، وعندما شعر أصحاب المشروع الآخر بأن ثمة خطرا عليهم أخذوا يلقون التهم، ويثيرون الشائعات حولنا، في كل الاتجاهات. وقد طالت الشائعات سهير الأتاسي، ووليد البني، وكل الآخرين. وقبل شهر ونصف الشهر تكلم ميشال كيلو صراحة في الإعلام عن هذه الحملة الشنعاء، وأحمد الجربا ليس سوى جزء من هذه الكتلة التي تحارب، من جهات معلومة أغراضها». علياء المنصور، وهي عضو مستقل في الائتلاف، وكانت قريبة من التيار الديمقراطي أثناء جلسات الانتخاب الأخيرة، تعتبر أن «مشكلة الائتلاف بدأت مع انتخاب غسان هيتو ودخول الجميع في خضم صراع إقليمي حاد». وتدافع المنصور عن انتخاب أحمد الجربا معتبرة أن «كونه شخصية غير معروفة من الغالبية هو أمر إيجابي جدا». وتشرح قائلة «جربنا المثقفين والمفكرين والمناضلين المعروفين، وسلطت الأضواء على شخصهم، وهذا لم يكن في صالح الثورة. وأتصور أن أحمد الجربا سيجنبنا هذا النوع من التجارب. لقد رأيته كيف يعمل، وهو هادئ وعقلاني، وقادر على الحوار». أكثر من ذلك تقول المنصور «حضرت جانبا من النقاشات وأحسست بأن هناك روحا جماعية في العمل، وعندي أمل في أن تنجز الكتلة الديمقراطية، بعض الخطوات الإيجابية في الشهور المقبلة». يرفض زهير سالم، الناطق الإعلامي باسم «الإخوان المسلمين»، أي اتهام للجماعة بأنها تشارك في الهجوم ضد أحمد الجربا، قائلا «نحن لسنا ليبراليين، لنعمل ثورة على من لا يعجبنا. نحن نخضع للديمقراطية ونحترم من ينجح في صندوق الاقتراع»، غامزا من قناة ما يحدث في مصر، ومؤكدا أن هدف الإخوان إنجاح الائتلاف، وأن الهجمة تطال الجميع بمن فيهم «الإخوان». لكن سالم، في المقابل، لا يخفي امتعاضه مما سماها «الكتلة الليبرالية أو العلمانية التي صبت في الائتلاف صبا وعلى رأسها ميشال كيلو»، معتبرا أن «هذه الكتلة غير منسجمة، وغير متوافقة في ما بينها، وهناك من يلعب على حبالها». وهو أمر ينفيه فايز سارة، ويقول «نحن متوافقون مع بعضنا ومنسجمون، ولا مشكلة بيننا». لكن ما الذي ينوي رئيس الائتلاف أحمد الجربا مع مجموعته فعله، والوضع السوري على شفا هاوية؟ هل الحصول على السلاح الذي يركز عليه الجربا، بشكل كبير، هو الحل للأزمة الاقتصادية داخل سوريا، خاصة أن الهوة كبيرة بين الائتلاف والداخل الذي ما عاد يعترف بممثليه في الخارج؟ يقول فايز سارة «التركيز على السلاح صار جزءا من سياسة الائتلاف. ماذا يفعل الناس؟ غالبية المقاتلين اليوم كانوا في طليعة المتظاهرين السلميين، ودمرت بيوتهم، وقتل أقرباؤهم، ولا حلول. حتى المساعدات الإنسانية هي دون الحد الأدنى. مبلغ 700 مليون دولار لا يكفي لإطعام تجمعات اللاجئين شهرا واحدا». ويسأل سارة «ما هي خياراتنا غير السلاح؟ تبدو فكرة التسلح والموت أشبه بالضرورة التي لا يمكن التحدث عن غيرها. عندنا في سوريا 100 قتيل و200 مفقود، كل يوم. الكلام عن 100 ألف قتيل منذ بدء الثورة، نسمع عنه منذ سنة، ورأيي أن رقم المليون قتيل بات وراءنا، ولا أحد يريد أن يعترف. إذا طرح واحدنا مشروعا سياسيا، يطلع له ألف صوت يخونه. نحن في دوامة، بحاجة لمن يكسرها». في هذه الحالة، هل أحمد الجربا على استعداد للدخول في تسوية سياسية؟ يجيب فايز سارة «من الممكن القبول بتسوية سياسية إذا قبلت الكتل الأخرى. لكن أين هي هذه التسوية؟ وكيف نكون طرفا في تسوية سياسية غير موجودة أصلا؟ ثم إن التسويات لها أفق، ولا يمكننا أن نقبل بحل يبقي على النظام، لأن النظام بعد ذلك سيقتل كل الشعب». «ربما أن أحمد الجربا هو الأفضل بين من تقدموا بترشيح أنفسهم، أما معاذ الخطيب فقد أخذ فرصته، وتم إحراقه بسرعة من قبل من أتوا به»، وذلك في رأي محيي الدين اللاذقاني، الأمين العام لـ«التيار السوري الديمقراطي»، واصفا الجربا بأنه «متزن ومتوازن، ويمكن أن يدعم توازنات نحتاجها خصوصا في ما يتعلق بالأكراد والقبائل. فهو شمري ومن محافظة الحسكة ذات التوازنات المعروفة». ويلفت اللاذقاني إلى أن «بين السوريين في المعارضة الحالية لا يمكن الحديث عن رئيس توافقي. فالأغلبية نرجسية وتعتقد أنها تستحق الزعامة قبل غيرها، وثلاثة أرباع خلافات المعارضة شخصية وفردية ولا علاقة لها بالاستراتيجيات وخطط العمل». لا يخفي ناشط سوري بارز، مقيم في لبنان، على تواصل مع الداخل «أن ثمة هوة هائلة بين الائتلاف والمواطنين وحتى منهم المقاتلون». ويقول رافضا الكشف عن اسمه «هذا ائتلاف، برئيسه الحالي كما من سبقوه، لا يمون على أي مقاتل في الداخل، وحتى حين يرسلون بعض الذين يدربونهم من ناشطين وصحافيين ودفاع مدني، سرعان ما يفقدون التواصل معهم، لأن الإهمال شديد، ولا توجد متابعة. كما أن المقاتلين هم مجموعات لا تنسيق بينها ولا روابط. أما المواطنون فهم يئنون تحت غائلة الجوع، لا سيما في حلب التي قسمت وحوصرت، وحمص التي نعجز عن إدخال حتى علب الحليب إليها، ونطلب من الهيئات الإنسانية توزيعها بطائرات هليكوبتر من الجو، لعلمنا أن ثمة من يموتون جوعا، ولا نفلح في فعل شيء. فكيف يقال لنا إنه يتم إرسال السلاح إلى حمص؟». ويكمل الناشط «هذه التحديات تواجه كل الائتلاف اليوم، وليس أحمد الجربا وحده، ومعرفتنا باتت واضحة، أن الخلافات هي على ما بعد بشار، ومن سيستفيد من الإعمار، ومن الذي سيستلم المناصب، وكيف سيوزع قالب الجاتو مستقبلا. الائتلاف فشل، ولا أحد في الداخل ينتظر منه شيئا». «النظام هو الذي لعب دوما على قضية الداخل والخارج لشق الصفوف»، بحسب الدكتور محيي الدين اللاذقاني. مقترحا لحل هذه المعضلة «تشكيل هيئة سياسية - عسكرية مشتركة قيادتها من الداخل وليس من الخارج. فمهما فعلنا بالخارج نظل مجرد عامل مساعد، ولعل ظهور هذه الهيئة الآن أصبح ضرورة كي يظل القرار سوريا وليس مرتهنا بدول الدعم». ورغم رأي اللاذقاني الإيجابي في الرئيس الجديد فإنه لا يعتقد أن الائتلاف يملك إمكانية الاستمرار خصوصا بعد سحب الثقة الداخلية منه في جمعة «ثورة متقدة ومعارضة مقعدة». ويقول «رفضت منذ البداية وبعد تجربتي في المجلس أن أكون جزءا من الائتلاف، لان تشكيله تم بذات الأشخاص ونفس عقلية المحاصصات التي خربت المجلس الوطني، وفي كل الأحوال سيظل الائتلاف قائما كهيئة من هيئات عدة لأنه يلبي حاجة دولية ويقوم بوظيفة مطلوبة للدول الداعمة». لا يذهب وحيد صقر، رئيس المكتب السياسي لـ«الجبهة الثورية لتحرير سوريا» غير الممثلة في الائتلاف، إلى هذا الحد من التشاؤم، ويعتبر الائتلاف ممثلا شرعيا للشعب السوري، لكنه يعترض على «المحاصصة وعدم المحاسبة وتفاقم الأخطاء وعقم الإنتاج». ومن المعوقات أيضا في رأيه «عدم وضع خطوط عريضة للتوجهات العامة للائتلاف تعتبر من الثوابت وتحول دون قدرة أي من الكتل أو الأحزاب أو الأفراد المنضوين تحت الائتلاف طرح مبادرات من شأنها تقوية الموقف السياسي للنظام أو للدول الداعمة له». ويرى صقر أن رئيس الائتلاف الجديد أحمد الجربا «في وضع غير صحي. وهذا تتحمل مسؤوليته القيادة السابقة للائتلاف»، مع اعتقاد صقر أن الائتلاف لا يزال ضرورة كهيئة سياسية، وهذا لا يمنع إيجاد كيان عسكري، إلا أنه يعتبر أن الائتلاف بحاجة إلى «إدارة جديدة بكتل جديدة وليس تغيير الوجوه فقط»، كما هو حاصل الآن. و«الجبهة الثورية لتحرير سوريا جاهزة لتحمل هذه المسؤولية والمساهمة في إدارة المرحلة الحالية، ولديها الطاقم والكفاءة وخطة العمل المدروسة للخروج بالثورة من عنق الزجاجة». هذا ليس رأي الناطق الإعلامي باسم الإخوان المسلمين الممثلين في القيادة الجديدة للائتلاف، الذي يرى أن المطلوب لإنجاح أحمد الجربا «هو التعامل مع الثورة السورية كما تم التعامل مع الثورة المصرية الثانية، وبالإيجابية نفسها» قائلا «أعطونا 11 مليارا كما أعطيتم السيسي، وسترون النتائج. إذ كيف للزعيم أن يصبح زعيما إن لم يلب حاجات الناس؟». ويضيف سالم «نحن لا نطلب سلاحا، فالسلاح موجود في الأسواق، وإنما نحتاج أموالا. بات بمقدور من يملك المال أن يشتري المخدرات، فما بالك بالأسلحة المطروحة في الأسواق؟». ويكمل سالم كلامه بالقول «حينما يصبح بيد أحمد الجربا المال، عندها سيتمكن من توفير الطعام والسلاح وتأمين حاجات الشعب السوري. حينما تصبح عنده كل هذه الإمكانيات سيصير زعيما كبيرا، وستجدون الشعب السوري، وربما العالم كله، يهتف باسم الجربا».

حكومة ابن كيران.. البحث عن مستقر حكومة ابن كيران.. البحث عن مستقر

$
0
0
يشبه المشهد الحزبي الحالي في المغرب، في بعض السمات والملامح، ذلك الذي عرفه المغاربة عقب استقلال بلادهم عن فرنسا بمقتضى عقد الحماية الذي وقع بين الطرفين عام 1912 في فاس وهي العاصمة السياسية لـ«المملكة الشريفة» قبل أن يحولها الفرنسيون إلى الرباط. وبالنسبة لكثير من متتبعي تطور الشأن السياسي في المغرب الحديث، فإن «العراك الحزبي» الشديد، لم يتوقف منذ استقلال البلاد عام 1956؛ بل يمتد إلى ما قبل ذلك اليوم المشهود، حين عاد الملك محمد الخامس من منفاه، معلنا انتهاء عهد الحجر والحماية والانتقال من «الجهاد الأصغر» إلى «الجهاد الأكبر» لبناء الدولة الحديثة؛ وكأنه استشعر في وقت مبكر رعودا سياسية في سماء المغرب المستقل. * انحصر الصراع السياسي، عقب الاستقلال، في دوائر محدودة، بالنظر إلى تخلف البلاد وانتشار الأمية وضعف الوعي السياسي والوعاء الحزبي. وظل القصر الملكي دائما في قلب الأحداث، كونه اختار، في اللحظات الحرجة، الانحياز إلى الشعب، وبالتالي استمر فاعلا قويا ومؤثرا. وقبل أن يولي الاستعمار الفرنسي أدباره، حرص على ضمان مصالحه، تاركا الحقل السياسي غير مكتمل النضوج، مفتوحا على احتمالات الصراع بين القوى الوطنية، بتياراتها، في مواجهة فلول القوى المحافظة التي ساندت الاستعمار، بوعي أو جهل منها. إن ما يشهده المغرب حاليا من مشادات وتجاذبات حزبية عنيفة لفظيا بين الحكومة والمعارضة من جهة، وبين أحد مكونات الغالبية، (حزب الاستقلال) والحزب القائد لها، من جهة أخرى، ليس غريبا ولا جديدا على المغرب الذي عاش وضعا شبيها لهذا منذ فجر الاستقلال، حينما اشتد الصراع بين الفاعلين الحزبيين المستندين إلى شرعية «النضال» ضد المحتل الفرنسي، في غياب صناديق الانتخابات القادرة على إعطاء كل فريق ما يستحقه. وقف القصر الملكي إجمالا على مسافة بين التنظيمات الحزبية المتصارعة، ممسكا العصا من الوسط. لم يكن سهلا على الملك الراحل محمد الخامس، وهو رمز الاستقلال، ورفعه الشعب إلى أسمى المراتب، ممارسة تمييز بين الفرقاء أو الميل لفئة سياسية، فكل الأحزاب في نظره ناضلت من أجل عودته إلى كرسي الملك رمزا للمشروعية. يتشابه في بعض الأوجه ديكور المسرح السياسي في المغرب عقب الاستقلال، مع التطورات الراهنة؛ فما بين عام 1956 ووفاة الملك محمد الخامس عام 1961، حكم البلاد جهاز تنفيذي رأسه رئيس الحكومة، بصلاحيات أكبر من التي منحت للوزير الأول المقبل، بمقتضى الدستور الأول للمملكة الصادر عام 1962، الذي حافظ، وكذا الدساتير التي تلته، على مركز محوري للملك بصلاحيات كبيرة، لضمان توازن السلطة بين الفرقاء في بيئة سياسية مبللة وغير مؤهلة بالكامل. لم يوقف «تدخل الملك»، لضبط المشهد، نبض «التعددية» في قلب الحياة السياسية المغربية؛ لذا كان الانتقال الدستوري، لاحقا، نحو صيغة دستور يوليو (تموز) 2011، طبيعيا إلى حد كبير.. مهد له، تسليم السلطة الحكومية إلى المعارضة عام 1998، مما ساهم في انتقال الحكم بسلاسة إلى الملك محمد السادس الذي دشن عهده بإطلاق ورشات عمل كبرى لاستكمال البنيات التحتية الأساسية، فتغير وجه المغرب، على مدى السنوات الماضية. وحينما هبت رياح الربيع العربي، واجهها الملك بعقلانية وثقة في النفس، بل ربما وجد فيها المبرر الفكري والسياسي لما أنجزه أو ينوي إنجازه من تغييرات، مستشعرا ضرورة المضي بخطى أسرع في النهج الإصلاحي الذي باشره والده، لكن بإيقاع بطيء، كثيرا ما أغضب المعارضة الحزبية المستعجلة. تصفح الدستور الجديد يظهر التغييرات الجوهرية والإضافات النوعية التي حفلت بها الوثيقة الأسمى في الدولة؛ الدستور الجديد، وهو ما قربها من دساتير الأنظمة الديمقراطية الحديثة، في سعي واضح نحو تمكين ممثلي الأمة من السلطة، والإبقاء على دور الملك ضامنا للاستقرار والوحدة، والتحكيم بين الفرقاء حين يتعذر اتفاقهم. نحى الدستور الجديد المواقع السيادية الحساسة عن حلبة التنافس السياسي في قطاعات الشأن الديني والأمن والدفاع الوطني، وما عدا ذلك، آل إلى رئيس الحكومة الذي يستمد سلطته من ثقة المؤسسة التشريعية التي تحاسبه، ولم يعد مسؤولا أمام الملك وحده. ودون الإفاضة في ذكر مزاياه، استجاب الدستور المغربي المتوافق عليه، لأهم مطالب الإصلاح التي نادت بها الأطياف السياسية والفكرية في المغرب على مدى العقود الماضية؛ بدءا من ستينات إلى تسعينات القرن الماضي. من الطبيعي أن «تخلخل» الوثيقة الدستورية، الحقل السياسي المعتاد على الركود وغير المؤهل للتفاعل الناجع مع «الصدمة الدستورية».. لقد ألف الناس ملكية تنفيذية تتدخل في التسيير والتدبير. وحاولت أحزاب وتشكيلات سياسية وضع نفسها على مقاس الوثيقة الدستورية الجديدة، لكن الحقل الحزبي، ظل حافلا بكثير من «الأعشاب والنباتات الضارة والطفيلية» تؤجج الصراعات الداخلية، فتنتاب الملاحظ الحيرة وانعدام القدرة على الإمساك بالخيط الناظم المتحكم في اللعبة الحزبية بالمغرب. في هذا الخضم، وفي غياب وضوح الرؤية للتعامل مع بنود الوثيقة الدستورية المتقدمة على الحقل السياسي، منحت الانتخابات التشريعية الأخيرة، المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية (107 مقاعد).. حصة لم يكن يتوقعها الإسلاميون الموصوفون بالاعتدال.. استثمروا أفضل من غيرهم، أجواء الحراك الشعبي في الشارع، وابتهجوا بالفوز المبين، وأعلنوا جاهزيتهم للإشراف على تدبير الشأن العام، بتحالف مع مكونات حزبية أخرى. انتاب معسكر الأحزاب «الليبرالية والديمقراطية» إحساس بالذهول مما أصابها وأفرزته صناديق الاقتراع يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وخاصة «تحالف الثمانية» (جي 8) الذي زين له النصر الانتخابي الكاسح، بناء على حسابات وتقديرات غير دقيقة، راهنت على احتمالات انحياز السلطة بل تدخلها لصالحه. هناك من الأحزاب من تضاعف إحساسهم بالذنب السياسي كما هو الشأن بالنسبة لـ«الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي لم تتوقف أسهمه عن الانحدار في مختلف الاستحقاقات. رغم ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية، وأمينه العام عبد الإله ابن كيران، أصر حتى آخر لحظة، خلال المشاورات، على إشراك «الاتحاديين» في فريقه الحكومي، معبرا بأسلوبه الشعبي البسيط «باغيهم (أريدهم) أن يسخنوا أكتافي». لكن الاتحاد الاشتراكي رفض عرض الإسلاميين. فهل رفض حزب القوات الشعبية المشاركة في الحكومة، نابع من قناعات فكرية وتحليل للوضعية المستجدة أراد من خلالها أن يسترد الأنفاس وإعادة البناء المتصدع، أم دفع إلى رفض التعاون مع الحكومة الملتحية، ليظل قوة احتياطية تنفع في أوقات الشدة؟ هذا «الاتهام» ينفيه الاتحاديون جملة وتفصيلا، رغم أن جناحا منهم لا يستبعده بل حذر منه رافضا بعنف التدخل في توجيه الحزب. لقد برر الاتحاد الاشتراكي الابتعاد عن الإسلاميين برغبة المناضلين وشرائح المتعاطفين في عودة حزبهم إلى صفوف المعارضة. والحقيقة أن الاتحاد، لأسباب داخلية، أظهر في البداية نوعا من التسليم والقبول بالمنهجية الديمقراطية التي أوصلت الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، وشرع في خطة معالجة أمراضه. في غضون ذلك، اتسمت معارضته، بالتركيز على الاختلاف بين مرجعيته الآيديولوجية، وتلك التي تتبناها «العدالة والتنمية». وسارت الأمور هادئة إلى حين. وبينما كان متوقعا، وحسب المنطق السياسي الواضح، أن تهب رياح المعارضة العاصفة والجامحة ضد الإسلاميين، من الاتحاد الاشتراكي، فإذا بها تنفجر من حزب شريك لهم في الحكومة، يقاسمهم كثيرا من المبادئ والمنطلقات الفكرية الملونة بالدين. إنه حزب الاستقلال المقترن باسم مؤسسه العلامة المجتهد والوطني الكبير علال الفاسي. اشتد أوار معارضة الاستقلاليين بتخطيط من زعيمهم الجديد، النقابي حميد شباط، المتخرج من جامعة الشعب، كما يقول مفتخرا بنفسه. ذلك أنه وجه مدفعيته الثقيلة صوب الإسلاميين، بمجرد أن استوت جلسته على كرسي الأمانة العامة للحزب.. ربما وجدها فرصة سانحة لتثبيت وضعه أمام معارضيه، وممارسة نمط قيادة مخالف لذلك الذي اتبعه سلفه، عباس الفاسي، آخر رئيس للحكومة قبل دستور 2011. وزع شباط ضرباته الهجومية في أكثر من اتجاه. صفى حسابه مع سلفه الفاسي، ولامه على رضاه أثناء تفاوضه مع الإسلاميين بحقائب وزارية غير متناسبة مع حجم الحزب وهو الرقم الأساس في المعادلة الحكومية. وهو نقد حرك شهية في نفوس شباب الحزب، واعتبروا أنهم الأحق بالاستيزار، في إطار التداول العادل على المسؤولية الحكومية، مستنكرين بدورهم أسلوب تفاوض القيادة السابقة التي اتهموها بتوزيع الحقائب الوزارية بين الأصهار والأقارب. أراد شباط من خلال ذلك أن يظهر بوصفه منصتا لنبض القواعد الحزبية ولفئة المستضعفين فيها. بدأ في إطلاق نار كثيفة على الحكومة برمتها، متهما رئيسها شخصيا بالاستحواذ والاستئثار والتصرف بصفة رئيس حزب، والخروج على ميثاق الأغلبية الحكومية. نسب شباط إلى ابن كيران أخطاء سياسية؛ بما فيها التي لا حول ولا قوة لهذا الأخير فيها، وحرض وزراء حزبه ليصبحوا معارضين داخل الحكومة. هؤلاء وجدوا أنفسهم ضائعين بين أكثر من نار حامية، تارة يطلقها عليهم زعيمهم ومن معه، وأخرى تأتيهم من زملائهم الوزراء في الحكومة، لعجزهم عن فض خلافاتهم الداخلية في حزبهم. أضيفت نيران أخرى، أشد قوة وضراوة، أشعلتها الصحافة المغربية والرأي العام الذي استطاب فصول الملهاة السياسية وما فيها من عناصر الإثارة واللامعقول. أفعم النقد وحتى السخرية «الحكومة الملتحية» التي بدت مرتبكة رغم تأكيدات رئيسها أن فريقه يعمل في انسجام ووئام، بمن فيهم وزراء الاستقلال، ملتزما بتنفيذ البرنامج الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه. موقف «اللامبالاة» من طرف ابن كيران أجج غضب شباط، الذي قال إنه استنفد المساعي التوفيقية لتجنيب البلاد أزمة إضافية هي في غنى عنها، وأنذر رئيس الحكومة، مزمجرا ومهددا بسحب وزراء حزبه، معطيا إياه مهملة، لم يعرها ابن كيران الاهتمام الذي توقعه شباط. الآن وقد نفذ شباط تهديده وقدم وزراؤه استقالاتهم إلى رئيس الحكومة، طبقا للدستور، باستثناء وزير التربية الذي شق عصا الطاعة على الأمين العام.. استمر ابن كيران في تحديه، محتفظا باستقالات الوزراء، متريثا في عرضها على الملك للتصديق عليها لتصبح نافذة المفعول، فابن كيران من خلال تصرفه هذا لا يريد أن تنعت حكومته بأنها حكومة «تصريف أعمال» مستغلا المهلة لفتح باب التفاوض مع مكونات المعارضة. كيف يمكن الخروج من وضعية سياسية حرجة ومقلقة؟ للجواب على ذلك ترى طائفة من المحللين أن الأزمة في عمقها وجوهرها سياسية. وما يحدث في صفوف الحكومة، هو أحد مظاهرها، وبالتالي يجب، من وجهة نظرهم، معالجة الأزمة بعقلنة المشهد السياسي، مما يقتضي مراجعة كثير من «التوافقات» بينها الموقف من الدستور نفسه. ويذهب هؤلاء إلى حد المطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، رغم تخوفهم من إعادة إنتاج الوضع الحالي. ويرى مراقبون أنه يجب الإقرار بوجود أزمة حكومية، يستدعي المعالجة بما درجت عليه المجتمعات الديمقراطية من إجراءات طبيعية، بينها إجراء تعديل واسع، وتحيين الميثاق الحكومي على ضوء مخرجات الساحة السياسية وإفرازاتها وميزان القوى الجديد. قد يتطلب ذلك توسيع القوى المشاركة في الحكومة نحو صيغة ائتلاف، تختفي معه إلى حين ثنائية «معارضة/ أغلبية» لغاية استكمال البناء الديمقراطي. يذكر أن الظرف التاريخي والمزاج السياسي العام في المغرب والمشرق عموما، لا يساعد ولا يسهل اختيار حل وتفضيله على المقاربات الأخرى. وهنا تقع المسؤولية على الطبقة السياسية برمتها. وفي هذا الصدد، يلاحظ أن العاهل المغربي، يتعامل مع «الزوبعة الحكومية»، وكأنها تطور طبيعي، من نتاج العهد الديمقراطي. ذلك أنه أعطى إشارة الاطمئنان والتهدئة إلى أبرز الفاعلين والقوى السياسية.. فهو استمع إلى مطالب شباط وقد يكون أوحى له أنه سينظر فيها، ويوليها العناية الكاملة انسجاما مع المصالحة العليا للبلاد. وفي ذات الوقت، اجتمع الملك برئيس الحكومة، واستمع إلى تحليله ورؤيته للأوضاع. لقد مارس الملك محمد السادس حتى الآن، بهدوء، الدور التحكيمي الذي أوكله إليه الدستور باعتباره ضامنا للوحدة والاستقرار والأمن. ومن المؤكد أن الملك ومستشاريه، يستعرضون كل البدائل غير المتعارضة مع الدستور ويتيحها الاجتهاد الفقهي على اعتبار أنها الكفيلة بإعادة القاطرة الحكومية إلى سكتها، دون استبعاد استبدال من يمسك بمقود القاطرة التي تجر العربات. هل يلزم مثلا تقليص العربات الحكومية، ليتحرك القطار بأسرع مما بدأ؟ ومن يزيح «الحواجز» من السكة؟ وكيف تغلب المصلحة العليا على مكاسب الأشخاص والأحزاب؟ ويرى عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن ظاهرة خروج معارضة من داخل الغالبية الحكومية يرجع إلى ضعف الأحزاب المغربية. وقال اسليمي لـ«الشرق الأوسط»: «في المغرب ليست لدينا أحزاب قوية؛ بل أحزاب متوسطة، إضافة إلى اعتماد نظام انتخابي لا يمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية المطلقة، وبالتالي، فالأحزاب الفائزة في الانتخابات تضطر للدخول في تحالفات من أجل تشكيل غالبيتها البرلمانية والحكومية». وأضاف اسليمي: «خلال كل التجارب التي عرفها المغرب مند حكومة التناوب في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، كانت هناك صراعات داخل الغالبية الحكومية، سواء في عهد عبد الرحمن اليوسفي أو إدريس جطو أو عباس الفاسي». بيد أنه أشار إلى أنه في كل هذه التجارب عرف الوزراء الأولون (رؤساء الوزارة) كيف يتعاملون مع هذه المعارضة من الداخل، وكانوا ينجحون عبر الحوار والمفاوضات في تعويم الصراع وتذويبه، ولم يتركوا أبدا الأمور تصل إلى درجة أن يقرر حزب مشارك في الحكومة أن ينسحب منها.وأوضح اسليمي أن «الوضع اليوم مختلف.. لدينا رئيس حكومة بصلاحيات لم تكن تتوفر لسابقيه بمقتضى الدستور الجديد. ورغم ذلك، فإننا نلاحظ أنه لم يستطع تجاوز الأزمة». ويرى اسليمي أن «الخلل موجود في أسلوب إدارة التحالف وتدبير الاختلاف من طرف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي لم يعرف كيف يستقر في موقعه الجديد رئيسا للحكومة وقائدا للغالبية، وبقي موزعا بين دوره أمينا عام للحزب ودوره رئيسا للحكومة». ويرى اسليمي أن ابن كيران كان بإمكانه تطويق الخلاف مع حزب الاستقلال بالدخول في حوار مع أمينه العام حول مطالبه منذ أن قدم هذا الأخير مذكرته الأولى إلى رؤساء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، التي طالب فيها بمراجعة ميثاق الغالبية، وإجراء تعديل حكومي. وأضاف اسليمي أن ابن كيران أخطأ عندما تجاهل بشكل كلي مطالب شباط. وقال: «هذا الأخير زعيم نقابي، واستراتيجية النقابي تقوم على انتزاع المكتسبات. هذا العنصر هو الذي أغفله ابن كيران عندما ترك شباط ينتظر ولم يرد على مطالبه». ولم يستبعد اسليمي إمكانية إعادة ابن كيران التفاوض مع شباط، وتقديم تنازلات سبيلا لحل الأزمة الحالية. وقال: «هذا الحل، الذي أعتبره تصحيحيا، جد وارد. لكن هناك حلول أخرى، مثل فتح مفاوضات مع حزب التجمع الوطني للأحرار المعارض. كما يمكن أن يتجه ابن كيران إلى توسيع التحالف في اتجاه حكومة وحدة وطنية هدفها تطبيق الدستور، وقيادة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة». واستبعد اسليمي خيار إجراء انتخابات مبكرة نظرا لتكلفتها السياسية والاقتصادية. ويشاطر المحلل السياسي الحسان بوقنطار اسليمي الرأي بأن عدم تفاعل ابن كيران مع مطالب شباط كان السبب الرئيس في الأزمة. وقال بوقنطار لـ«الشرق الأوسط» إن ابن كيران استهان بعزيمة شباط ولم يقدر إصرار قيادة حزب الاستقلال على الدفاع عن مطالبها.. و«تجلى ذلك في الاستخفاف الذي تعامل به مع مذكرة مطالبها». ويرى بوقنطار أن فتح مفاوضات من أجل تشكيل غالبية جديدة لن يكون سهلا؛ إذ أن الحزبين المشاركين حاليا في الحكومة؛ الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، سيغتنمان الفرصة أيضا لإعادة طرح حصصهما داخل الحكومة للتفاوض. وأضاف: «يجري الآن الترويج لإمكانية دخول التجمع الوطني للأحرار مكان حزب الاستقلال المنسحب، رغم خصوماته مع (العدالة والتنمية).. لكن السؤال الكبير هو: ما الشروط التي سيقبل بها حزب الأحرار المشاركة في الغالبية، ومدى استعداد حزب العدالة والتنمية لقبولها». واستبعد بوقنطار إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، غير أنه يرى إمكانية استمرار حكومة ابن كيران كما هي دون اللجوء إلى إدخال مكون آخر. وقال: «في الديمقراطية يفترض أن تتوفر الحكومة على غالبية. لكن يمكن أن تكون الحكومة أقلية شريطة أن تتعهد المعارضة بالتعامل معها بليونة ومن خلال معارضة بناءة على أساس توافقي». من جهته، يرى العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بطنجة، أن الدعوات التي تطالب بإجراء انتخابات تشريعية سابقة أوانها، وأنها ليست سوى نوع من التحدي من قبل بعض الأحزاب السياسية، وليست إجراء عمليا بالنظر إلى الوضع السياسي الحالي والتكلفة السياسية والمالية للانتخابات. وأوضح بوخبزة أن «جل الأحزاب السياسية المغربية خرجت مرهقة بشكل كبير من ماراثون انتخابات 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، ومعظمها لم يلملم بعد أوضاعه الداخلية، وبالتالي فإن السيناريو المحتمل جدا هو الانفتاح على حزب التجمع الوطني للأحرار أو حزب الاتحاد الدستوري المعارضين»، مشيرا إلى أن «المفاوضات مع الحليف الجديد لن تكون سهلة لسببين؛ الأول هو أن الأمر يتطلب إعادة ترميم التشكيلة الحكومية بكاملها، أي إعادة توزيع الحقائب الوزارية، مما قد يستغرق وقتا طويلا بالنظر إلى صعوبة العملية؛ إذ لاحظنا أن هناك أصواتا داخل الغالبية الحكومية الحالية تطالب بإعادة النظر في توزيع الغنيمة». وأشار بوخبزة إلى نقطة أخرى وهي أن التفاوض مع الحليف الجديد لن يقتصر فقط على تعويض وزراء حزب الاستقلال في المناصب التي كانوا يشغلونها داخل الحكومة، بل سيطال أيضا منصب رئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) الذي يشغله الاستقلالي كريم غلاب. وقال عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية إن «الأولوية لدينا هي فتح مشاورات مع أحزاب المعارضة من أجل تشكيل غالبية برلمانية جديدة، لكن في حال فشل هذه المشاورات وعدم وصولها إلى النتيجة المرجوة، فمن دون شك سيكون الحل من الناحية السياسية والدستورية هو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة تفرز مشهدا سياسيا جديدا وتفضي إلى بناء حكومة جديدة». وعن هوية الحليف الجديد المحتمل، قال حامي الدين لـ«الشرق الأوسط» إن كل الأحزاب الموجودة في المعارضة مرشحة مبدئيا للدخول في مفاوضات مع «العدالة والتنمية»، وإن القرار الأخير سيكون للمجلس الوطني (برلمان الحزب)، الذي سيلتئم السبت المقبل في الرباط. ورغم الضجيج السياسي الحاصل، فإن روح «التريث والحكمة» توحد سائر الفرقاء. وثمة قناعة بأن ما يجري حاليا على الساحة المغربية ما هو إلا مظهر لدينامية سياسية وحراك اجتماعي، يبحثان عن مستقر لهما.

قالوا

$
0
0
* «باعوا أرواحهم للشيطان الألماني». بيبي جريلو، الزعيم المعارض الإيطالي، عن ساسة بلاده، حيث قال إن السبيل الوحيد للخروج من الركود هو التخلي عن اليورو أو التخلف في سداد الديون * «سيكون جدا متألقا». دوقة كورنوال كاميلا عن زوجها ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، الذي رزق ابنه الأمير ويليام وزوجته كيت بطفل، ووصفته بأنه «بارع مع الأطفال» * «استنساخ للفشل». إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة التي تديرها حركة حماس في غزة، يصف العودة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية * «مولد ملك جديد، سيمتص دماءنا منتصف القرن الحادي والعشرين، أمر لا يمكن أن يسعدنا». فلاديمير جيرينوفسكي، السياسي القومي الروسي المتشدد، يقول إنه لا يعير اهتماما للمولود الملكي كون بريطانيا عدوا تاريخيا لروسيا * «أطلب منكم أن تلتزموا بتطبيق القانون الحالي حول ملصقات منتجات المستوطنات». وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون تدفع باتجاه تبني إجراءات أوروبية تفرض وضع ملصقات تدل على منتجات المستوطنات الإسرائيلية

جنكيز خان: أعظم جنرالات العالم جنكيز خان: أعظم جنرالات العالم

$
0
0
لا خلاف على أن «تيموجين» أو المعروف لدينا باسم «جنكيز خان» هو أعظم الجنرالات والقادة على وجه التاريخ، فهو الوحيد الذي استطاع أن يبني إمبراطورية حجمها يفوق أربع مرات حجم إمبراطورية الإسكندر الأكبر، ومرتين حجم الإمبراطورية الرومانية، والتي امتدت من بحر اليابان شرقا إلى بلاد فارس غربا، ومن قرب الحدود الروسية شمالا إلى شبه الجزيرة الهندية جنوبا، وهي أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت، فبلغت 12 مليون ميل مربع، ولكنها كانت أيضا من أكثر الإمبراطوريات التي عانت من الاضطرابات السياسية. تشير المصادر التاريخية إلى أن القائد المغولي تيموجين ولد في عام 1162 لقائد قبيلة، ولكنه ذاق اليتم مبكرا، حيث قتل أبوه في إطار صراعات من قبائل التتار، فهاجر الشاب مع عشيرته، ولكن سرعان ما تعرض لغارة على أيدي إحدى القبائل انتهت بخطف زوجته، فلجأ «تيموجين» إلى صديق عمره «جاموكا» لاستعادة زوجته المخطوفة، فكونا معا قوة عسكرية لا بأس بها استطاعت استعادة زوجته، ولكن سرعان ما دب الخلاف بين تيموجين وصديقه فانتهى الأمر بمعركة كبيرة هزم فيها تيموجين. وعقب الهزيمة بدأ تيموجين يعيد ترتيبه مرة أخرى بشكل أكثر تنظيما، فأدخل على تشكيلاته التعديلات المناسبة، حيث وضع قائدا على كل تشكيل من عشرة ومائة وألف جندي، كما أدخل على هذا الجيش تكتيكات جديدة، وعلى رأسها لواءات «رماة الخيول» التي سمحت له بقدرات فائقة على المناورة، كما قام بإدخال تعديلات على الزي العسكري سمحت بحماية أكبر للجنود، ناهيك عن تدريبات تكتيكية ضمنت له التفوق الممتد على ساحة القتال، وعلى رأسها عمليات التمويه الدقيقة التي كان من خلالها يخدع العدو بإقناعه بوجود تعزيزات تفوق قوة الخصم، فضلا عن تحركات عسكرية منظمة تسمح له باستيعاب العدو وجره إلى الفخ من خلال إتقان الانسحابات التكتيكية لدفع العدو للخروج عن حذره ثم الهجوم عليه بكل قوة وعزم، كذلك فقد وضع هذا القائد الفذ قاعدة عسكرية محورية، وهي تأجيل سلب ونهب معسكرات العدو حتى انتهاء المعركة تماما وليس أثناءها، كما أنشأ كيانا جديدا معنيا بحمايته شخصيا، مثل الحرس الوطني أو الجمهوري، من عشرة آلاف مقاتل يتم انتقاؤهم بكل عناية من كل القبائل تكون مسؤوليته ضمان أمنه الخاص. وهكذا دخل «تيموجين» المعركة وهو مستعد تمام الاستعداد فهزم جيش «جاموجا» هزيمة ساحقة في عام 1204 فر على أثرها الرجل هاربا من الميدان، فقامت مجموعة من الخونة في جيشه بتسليمه لتيموجين الذي حاول أن يستعيد صداقته مع الرجل، ولكن الأخير آثر الموت، فكان له ما أراد تاركا الساحة مفتوحة تماما أمام «تيموجين»، ليبدأ عملية توحيد القبائل المنغولية تحت لوائه من أجل صناعة حلمه الكبير ببناء إمبراطورية عالمية، فقام بتشتيت القبائل التي حاربها ونشرها في بقاع الهضبة حتى لا تتجمع هذه القبائل ضده، وبحلول عام 1206 استطاع الرجل أن يوحد كل القبائل المنغولية، وأن يبني دولة قوية يحكمها بنفسه، ومن ثم أطلق عليه لقب جنكيز خان أو «ملك العالم». بمجرد أن استطاع الرجل توحيد القبائل بدأ ينظر إلى الفتوحات الخارجية، فكانت الصين هي الضحية الأولى لحملته، وهي الدولة المركزية التجارية العظمى في المنطقة، والتي ما كانت تسمح بتوحيد القبائل دون رد فعل، بالتالي لجأت إلى تجميع جيش من المرتزقة لمواجهته، ولكن جنكيز خان جهز جيشا يقدره البعض بخمسين ألف مقاتل وبدأ زحفه على مدينة بيكين عاصمة الإقليم الشمالي للصين، وانضم له في الطريق جيش المرتزقة الذي كان من المقرر أن يحاربه، ثم فرض الحصار على المدنية، ورغم أن الجيوش المنغولية لم تكن على دراية بتكتيكات الحصار، فإنها استطاعت خلال فترة وجيزة أن تتقن بناء المنجنيق وأدوات الصعود على الحوائط الدفاعية وغيرها من المعدات اللازمة، فاستطاع «جنكيز خان» أن يتحلى بالصبر وأن يتقن حصار المدينة التي سرعان ما بدأت تعاني المرض والجوع، وهو ما مهد لجيشه اقتحام الأسوار الشاهقة التي كانت تتعدى الاثني عشر مترا وهزيمة الجيش الصيني هزيمة نكراء، أعقبها عمليات قتل ونهب وتدمير لم تشهده المدينة من قبل أو من بعد. وعقب عودته من الصين ركز جنكيز خان جهده على بناء عاصمة لدولته الجديدة وذلك على عكس الطبيعة المتجولة للقبائل، وكان هدفه من ذلك هو منح الدولة الجديدة فرص إيجاد المؤسسية اللازمة لضمان استمراريتها، وبدأ يسعى لتعليم الشعب المنغولي، فاستقدم العلماء من الصين وفارس لتعليم الحضارة، كما اتخذ مجموعة من القرارات الهامة، وعلى رأسها منع استعباد المغولي للمغولي، كما وضع نظاما عسكريا وإداريا مبنيا على مبدأ الكفاءة وليس النعرة القبلية، ولعل هذا ما حبب فيه بقية القبائل المنغولية التي وجدت عناصرها المتميزة وسيلة للترقي الاجتماعي والسياسي، ولعل قائده الشهير «سوبودو» خير مثال على ذلك، حيث تم ترقيته من قاع المجتمع لقمته، وكل هذه التعديلات سمحت بتطوير النظام الإداري والعسكري في الدولة الفتية. امتدت فتوحات جنكيز خان إلى منطقة وسط آسيا لتأمين حدود دولته، ولكن سرعان ما دب الخلاف بينه وبين مملكة خوارزم، فوجه جيوشه في عملية حربية قاسية وممتدة، وأغلب الظن أنه قال خلالها جملته الشهيرة «لو أنك لم تقترف ذنوبا عظيمة فإن الله ما كان ليرسل عليك عقابا مثلي». فلقد تميزت هذه الحملة بدماء كثيرة وعمليات قتل أخضع الدولة بعدها بالكامل لسلطانه، وبدأت عملية التماس مع الدولة الإسلامية، ومع ذلك فإن الخلافة العباسية لم تسقط في عصره. تشير كثير من المصادر التاريخية إلى أن جنكيز خان مات بعدما تعرض لنزيف داخلي جراء حادثة صيد، ويقال إن آخر كلماته كانت «بمساعدة السماء فإنني استوليت لكم على إمبراطورية عظيمة، ولكن حياتي كانت أقصر من أن تسمح لي باحتلال العالم، وهي المهمة التي أتركها لكم بعدي». ثم مات الرجل تاركا دولة موحدة قوية تمتد لآلاف الكيلومترات.

أردوغان.. «بائع الكعك» الذي يريد أن يكون سلطانا أردوغان.. «بائع الكعك» الذي يريد أن يكون سلطانا

$
0
0
التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأدنى التي كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يأمل فيها بـ«صفر مشاكل»، وفقا لنظرية وزير خارجيته أحمد داود أوغلو، بدأت ترخي بظلالها على صعوده السياسي، الذي كان قد تعرض أصلا لعدد من النكسات، بداية من ليبيا ومرورا بسوريا، ووصولا إلى مصر. كانت أحداث «30 يونيو» في مصر قد أخرجته عن «الأصول الدبلوماسية» التي تعامل بها مع الخارج، والتي كانت تختلف عما يقوم به في الداخل من فرض لهيبته بالصوت العالي متسلحا بـ«ثقة الجماهير» التي نالها في الانتخابات المتتالية منذ عام 2002 وحتى اليوم، إلى أن حدثت «نكسة تقسيم» في إسطنبول عندما نزل شباب أتراك إلى الشارع يتظاهرون ضد ما يسمونه «أحلامه السلطانية». يحلو لشبان «ساحة تقسيم»، التي تحولت إلى رمز للانتفاضة على أردوغان، وصفه بـ«السلطان»، معتبرين أنه يحاول إحياء «النزعة العثمانية» من خلال سياساته في الداخل والخارج. ويستند هؤلاء إلى شخصية الرجل القوية وتعابيره السليطة أحيانا وتمسكه برأيه إلى حد المكابرة، كما حدث حين قرر إكمال جولته الخارجية إلى دول المغرب العربي وكأن شيئا لا يجري في ساحات بلاده التي كانت تعج بمتظاهرين ضده. نويان أومروك، الدكتور في العلوم السياسية والاجتماعية، يرى أن «صعود أردوغان السريع جعله يزيد من انتقاده اللاذع إلى درجة التوبيخ أو نعت الآخرين بنعوت لم يتعود عليها الشارع السياسي والدبلوماسي التركي»، معربا عن اعتقاده أن السبب في هذا هو الدعم من قبل الناخبين الذي جعله يجد الحق لنفسه لممارسة أعتى أنواع الضغط النفسي والمادي وإهانة الآخرين لأن خلفه كتلة شعبية هائلة، كما أن الكتل التي تنتخبه لا ترى ضيرا في استخدامه مثل هذه الأساليب». يرى أومروك أن شخصية أردوغان «لها تأثير كبير جدا على الناخب، ولكن بعد أحداث ساحة تقسيم بدأ هذا التأثير يضمحل رويدا رويدا». وهو يؤمن بأن حزب التنمية والعدالة من دون أردوغان «كان سيصبح مثل الأحزاب التركية الأخرى، أو بالأحرى، كان سيتحول مثل حزب الوطن الأم عندما أصبح تورغوت أوزال رئيسا للدولة، أي كان سيمحى عن الساحة السياسية التركية، لأن أردوغان له شخصيته وتأثيره المنقطع النظير على الحزب نفسه». ويعتبر أومروك أنه «توجد للتنظيم الهرمي للحزب مصالح مترابطة بقوة، ويتربع في أعلى الهرم من يتحكم في جميع هذه المصالح، لهذا لا ترى أي صوت معارض لأردوغان داخل الحزب». ويرد السبب في ذلك إلى أن أردوغان «لم يتعلم السياسة في الأكاديميات، بل تخضرم في أروقة الأحزاب، وبات يعرف كل دواهي السياسة والسياسيين، ولهذا إذا انسحب أردوغان من الحزب فإن حزبه سيتحول إلى ما آل إليه حزب الوطن الأم بعد رحيل أوزال». من جهة ثانية، يرى أومروك أن ثمة سببين وراء اختيار الشعب أردوغان: الأول هو «أننا ننحدر من شعب حكمه العثمانيون لفترة طويلة، ومن ثم عاش في ظل النظام الجمهوري، لأكثر من 80 سنة، وتوجد في هذا المجتمع نسبة لا بأس بها تحاول أن تعيد أمجاد الحكم العثماني، وترى أنه الأنجع لحكم تركيا. ولقد بدأ هذا التيار في الظهور من خلال الأحزاب التي أنشأها نجم الدين أربكان، وهذا التيار تتراوح نسبة ناخبيه بين 20 و22 في المائة». أما السبب الثاني فهو أنه «بعد الأزمة الاقتصادية التي هبت على العالم عام 2002 باشرت بعض المحافل الإقليمية والدولية ضخ الأموال إلى تركيا، وساعدت هذه الأموال البلاد في تحقيق استقرار اقتصادي سطحي، وبما أن الإنسان التركي شب على ثقافة القناعة والرضا والشكر فإنه يعمل على المحافظة على مكتسباته ولا يميل إلى المخاطرة بطلب الأكثر أو الربح الأكثر». ولهذه الشخصية دافع آخر في رأي أومروك هو أن «جذور أردوغان ترجع إلى الأغلبية أو العامة من الشعب، كما أن ترعرعه في حي قاسم باشا، المعروف عنه أنه يخرج فتوّات (قبضايات) إسطنبول، وانعكاس هذا على تصرفاته وأقواله أيضا، أكسبه شعبية بين الجماهير». من ناحية ثانية، يقول ألبير بيردال، عضو هيئة تحرير جريدة «صول» المعارضة، إن «أسلوب مخاطبة أردوغان الجماهير يتسم بوجهين: الأول التعالي والابتزاز وفي بعض الأحيان الاحتقار للجزء المعارض له ولسياسته، ويظهر لهم في كل مناسبة أنهم عوام يجب ألا يخرجوا عن طاعته، بل إن طاعته فرض عليهم لأنه استطاع أن يطبق الأسلوب الإسلامي العثماني الذي يعتمد على طاعة أولياء الأمر ولكن بأسلوب جديد.. والثاني نجاح استخدامه العنترية في زيادة تعلق الجزء المؤيد له به لأن هؤلاء يعتبرونه لسان حالهم، وكلما ارتفع صوته حيال المعارضين يزيد إعجابهم به، ولهذا يعتمد هذا الأسلوب منذ أن أصبح رئيسا لـ(العدالة والتنمية)». غير أن بيردال يأخذ على أردوغان أنه «في كل مناسبة يشدد في أسلوب خطابه على أنه رئيس منتخب بأغلبية عظمى ولا يمكن لأحد سواء من الداخل أو الخارج أن يملي عليه شيئا، وأنه ضد الرأسمالية المحلية والاحتكار وضد هيمنة القوى العظمى في العالم». ويتابع «هذا أيضا يجعل المعجبين به يرفعونه إلى مستوى الأبطال، لكن الحقيقة غير ذلك». وفي المقابل يرى ينار دونماز، مدير جريدة «عقد» في أنقرة، أن أردوغان استطاع بلوغ سدة الحكم بعدما حصل على أصوات الأغلبية العظمى من شعب تركيا. ويضيف «مع أن حزبه كان جديدا فإنه استطاع أن يستحوذ على نسبة عالية جدا من الأصوات، وتزايدت هذه النسبة في كل انتخابات أجريت بعد ذلك، وبها حطم الأرقام القياسية في تركيا على صعيد الانتخابات». ويرجع دونماز هذا النجاح إلى «الأسلوب الذي يتبعه السيد الرئيس من شكل الخطاب والأسلوب الطبيعي الذي يستخدمه حيال العامة، فالشعب يحبذ مثل هذه الشخصيات، فهو ابن لهذا الشعب لا يصطنع الحركات ولا التصرفات، فجميع تصرفاته شعبية نابعة من الصميم، والشارع يؤيده في الأسلوب ولهذا يمنحه الثقة التي تزداد يوما بعد يوم. ومع أن له في الحكم فترة طويلة تراه لم يغير أسلوبه، وبقي يتصرف بكل عفوية وطبيعة، ويعتبره الشارع لسان حاله. وها هو الآن دخل تاريخ تركيا الناصع من أوسع أبوابه». كذلك يشير دونماز إلى أنه في تاريخ تركيا المعاصر لم يحقق سوى الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندرس هذه النسبة من الأصوات. ويرى أن «السبب الأول والأهم في النجاح الذي يحققه العدالة والتنمية يوما بعد يوم هو أسلوب رجب طيب أردوغان والكاريزما التي يتمتع بها، فلو لم يكن أردوغان على رأس الحزب فإنه لن يستطيع تحقيق هذا النسبة ولا هذا النجاح». ثم يدعم حجته بالقول «انظروا إلى الأحزاب الكلاسيكية في تركيا من دون استثناء، وأعتقد أن العدالة والتنمية كان سيحصل على أصوات قريبة أو أقل منها. الأحزاب الأخرى مجتمعة لم تستطع الحصول على مجموع الأصوات التي حصل عليها رجب طيب أردوغان». جدير بالذكر أن إحدى الروايات غير الرسمية تقول إن أردوغان أوقف ذات مرة موكبه الرسمي ليتحادث مع بائع السميط (الكعك) المشهور في تركيا، بعدما لمح فيه علامات التعب واليأس، وقال له «لقد كنت أبيع الكعك يوما، وها أنا ذا رئيس للحكومة.. لا تيأس من رحمة الله». والواقع أن أردوغان لم يأت إلى ميدان السياسة التركية من بوابة العائلات السياسية، ولا من مجتمع رجال الأعمال الذي تحلق حوله في وقت لاحق من فوزه بالانتخابات. فهو ولد في 26 فبراير (شباط) 1954 في إسطنبول التي قدم أبوه إلى أحد أحيائها الفقيرة آتيا من مدينة طرابزون (شمال شرقي الأناضول). وأمضى طفولته المبكرة في محافظة ريزا على البحر الأسود، ثم عاد مرة أخرى إلى إسطنبول وعمره 13 سنة. ولقد تحدث أردوغان عن هذه الفترة في إحدى المناظرات التلفزيونية قائلا «لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية، لكي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصاريف تعليمي، فقد كان والدي فقيرا». وحقا، لم يلتحق أردوغان بالمدارس التقليدية، بل درس في مدارس «الأئمة والخطباء» وهي مدارس ذات طابع ديني، تعلم فيها القرآن الذي يتلوه أردوغان بصوت جميل، وتنتشر له مقاطع فيديو تظهره يتلو القرآن بعربية جيدة لفظا. لكن مستوى إلمامه بالعربية دون قدرته على إجراء حوارات كاملة من دون مترجمه، ولذا يتمسك بلغته التركية التي يعتز بها كثيرا. وبعد ذلك التحق بكلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة التي تخرج فيها مجازا بالعلوم الاقتصادية. وانضم أردوغان لاحقا إلى حزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية السبعينات، إلا أن نشاطه أوقف في عام 1983 بسبب الانقلاب العسكري الذي حل حينذاك جميع الأحزاب. ولكن مع عودة الحياة الحزبية فاجأ حزب الرفاه الجميع عام 1994 بترشيح شاب مغمور اسمه رجب طيب أردوغان لمنصب عمدة - أو رئيس بلدية - إسطنبول، كبرى مدن البلاد وعاصمتها القديمة، واستطاع أردوغان أن يفاجئ الجميع ويفوز في تلك الانتخابات التي كانت بداية حياته السياسية. ومن ثم كان نجاحه في إدارة إسطنبول مفتاحه للنجاح السياسي. إذ استطاع نقل اسطنبول من عجز مالي بلغ ملياري دولار إلى ربحية، كما استطاع أن يطور بنيتها التحتية بشكل جذري ويحسن خدماتها إلى أبعد الحدود، كما حوّل «القرن الذهبي» من مكب نفايات إلى معلم سياحي كبير. عودة إلى دونماز الذي يعتبر أن نجاحات أردوغان في الحكم المحلي كانت بالنسبة للناس عربون مصداقيته. وبعدما حقق تلك نجاحات بدأت القوى المتنفذة في تلفيق التهم له، فحوكم وسجن، وآن ذاك كتبت الصحف أن أردوغان لن يستطيع أن يكون مختارا على حي، ثم منع من ممارسة السياسة. لكن الشعب التركي كان مؤمنا بأن أردوغان تعرض لظلم وغدر، وبما أنه شعب يقف إلى جانب المظلومين وقف وقفة وفاء مع أردوغان وانتخبه لأنه شاهد على أرض الواقع منجزاته التي حققها خلال فترة توليه رئاسة بلدية اسطنبول. وشدد على أن أردوغان قام بـ«خطوات عملية لترسيخ أسس الديمقراطية الحقيقية في تركيا، وهذه الإجراءات كانت عبارة عن إثبات حسن نية وتأشيرة لكي يمنحه الشعب ثقته في الانتخابات الثانية، ومن ثم الثالثة. وأعتقد أنه في المرحلة الرابعة التي ستعيشها تركيا لا يوجد منافس لأردوغان حتى اليوم، ولهذا سيمنحه الشعب الثقة للمرة الرابعة»، ويستطرد «إذا واظب طاقم أردوغان على استخدام الأسلوب نفسه في الإدارة فإنه سيحكم تركيا لفترة طويلة من الزمن». وعن أسباب منح الناخب صوته لأردوغان، أوضح دونماز معددا «أولا يجب أن ننظر إلى ماضي أردوغان الذي قاد اسطنبول ممثلا حزب الرفاه وحزب الفضيلة اللذين كان يتزعمهما المرحوم نجم الدين أربكان. لقد استطاع أن يحل أكبر المعضلات التي كانت تعيشها بلدية المدينة، وعلى سبيل المثال مشكلة الماء التي كانت تعاني منها، حيث كانت توزع المياه مرتين في الأسبوع على الأحياء، وعندما بدأ في حل هذا الموضع بدأ الإعلام الموالي للنخبة يهاجمه، ويقول إن أردوغان سيحل مشكلة المياه بالدعاء والتضرع إلى الله. وكانت مشكلة البيئة كبيرة أيضا، فلم تكن هناك فسحات خضراء ومتنزهات في المدينة. وكان (القرن الذهبي) جسما مائيا تخرج منه روائح كريهة استطاع أن ينظفها، والآن عادت الحياة البحرية إليه، كما كان من أهم المعضلات تلوث الهواء، وقد استطاع أردوغان بمشروع الغاز الطبيعي أن يجعل هواء اسطنبول أنقى هواء في تركيا». ولكن عام 1998 جاء حاملا مفاجأة سيئة لأردوغان الذي أدين بتهمة التحريض على الكراهية الدينية. وصدر حكم قضائي بسجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية، ومنها الترشح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتا من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري. وبدلا من أن تشكل هذه الواقعة نهاية حياته السياسية، استغلها لانطلاقة جديدة بالانشقاق عن أستاذه أربكان، بعد حظر حزب الفضيلة، مع عدد من الأعضاء منهم رئيس الجمهورية الحالي عبد الله غل، وأسسوا معا حزب العدالة والتنمية عام 2001، مقدمين هذا الحزب بصيغة بعيدة عن الصبغة الدينية، مع التأكيد على أن الحزب سيسعى للحفاظ على أسس النظام الجمهوري. وقال «سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال الملقب بـ(أتاتورك) لبناء المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99 في المائة من مواطني تركيا». في أول انتخابات خاضها الحزب الناشئ عام 2002، فاز بأكثر من 30 في المائة من الأصوات، وحصل على 363 مقعدا. إلا أن أردوغان لم يترأس حكومته بسبب تبعات سجنه، وتولى تلك المهمة عبد الله غل حتى مارس (آذار) عام 2003، عندما أخلى المنصب لأردوغان بعد إسقاط الحكم عنه، ليبقى في هذا المنصب حتى الآن، رافعا رصيده في البرلمان إلى أكثر من النصف ونصيبه من أصوات الناخبين إلى نحو 50 في المائة في آخر انتخابات نيابية. استطاع أردوغان التغلب على تحديات العسكر وعلى القضاة، متسلحا بسعي بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فأقر قوانين أضعفت الجانبين لصالح حكومته، إلى أن تمكن أخيرا من وضع كبار الضباط وراء القضبان بتهم تدبير محاولات انقلاب. وهنا يشير بيردال إلى أن أردوغان عبر قيادته للعدالة والتنمية «لعب دورا مهما في تغيير النظام، وهذا ينعكس على نتائج الانتخابات مباشرة»، معتبرا أن «كاريزميته» تلعب «دورا مهما في استقطاب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب»، لكنه يشير إلى حدوث «تغير في موازين القوى منذ نحو شهر بعد أحداث حديقة جيزي وما تلاها». ويؤكد بيردال أن «مجموعة النخبة التي تدعم أردوغان تضاءلت هيبتها إلى أقل مستوى خلال وبعد أحداث ساحة تقسيم. ولذا فإن أردوغان وحاشيته يحاولون بأقصى سرعة ومن خلال تغيير بعض مواد الدستور حماية أنفسهم ومكتسباتهم، وحماية النظام الذي أسسوه خلال السنوات الـ10 الماضية، ويعتبرون التغييرات الدستورية أو الدستور الجديد هو الحامي لهم». وبصراحة لا يرى بيردال أي إيجابيات في فترة حكم أردوغان، مبررا بـ«أنه وحاشيته خلال الفترة التي حكموا فيها البلاد لم يفعلوا أي شيء لصالح الشعب.. بل كل ما فعلوه هو إثراء المقربين من عائلة أردوغان وطغمته، أما بالنسبة إلى سلبياته فهي تعدت سلبيات الأنظمة التي كانت تحكم اليمن ومصر». ويتابع بيردال أن من أهم سلبيات رئيس الحكومة الحالي «أنه استطاع أن يجعل أصحاب رؤوس الأموال يتحكمون في البلاد، ومن خلاله استطاعوا أن يصلوا إلى شيء كانوا يحلمون به منذ 90 سنة.. ألا وهو السلطة المطلقة. وبالفعل أصبحت تركيا تحكم من قبل ديكتاتورية الرأسمالية». ويواصل كلامه الناقد «دور أردوغان ما كان فقط دور الدمية في هذا، بل استطاع أن يستنفع ويدخل مع بعض التجار في طبقة البورجوازية التركية، وكوّن ما يعرف باسم الرأسمال الإسلامي العثماني الرجعي الذي له أطماع استغلالية خاصة في الدول المجاورة والعالم الإسلامي». ويفند بيردال مقولة إن الدخل القومي التركي ارتفع إلى 3 أضعاف، معتبرا أن «هذا لم ينعكس على المواطن الذي يعيش اليوم بالاقتراض من البنوك بينما القيمة الشرائية لمرتبه تتناقص شهرا بعد شهر».

سيناء.. معضلة «المنطقة ج» سيناء.. معضلة «المنطقة ج»

$
0
0
باستخدام دراجة نارية وسلاح كلاشنكوف، يمكن أن تقتل عددا من قوات الأمن المصري، بينما لا يمكن للطائرات والدبابات الوصول إليك، لأنك ببساطة تكون قد اختفيت في الأحراش والتجمعات السكنية الممتدة بطول 60 كيلومترا من رفح على حدود قطاع غزة، إلى العريش في سيناء. المشكلة اليوم لا تتعلق بمسلح واحد وسلاح كلاشنكوف واحد على دراجة نارية، ولكنها أصبحت تتعلق بعدد يقدر بألوف العناصر الجهادية التي تستخدم أسلحة متطورة من بينها صواريخ مضادة للطائرات، في محاولة لإقامة إمارة إسلامية في «المنطقة ج» الممنوع دخول الجيش المصري فيها وفقا لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وتقع هذه المنقطة بين رفح والعريش. وبعد تزايد الهجمات ضد المؤسسات الأمنية والحكومة المصرية في محافظة شمال سيناء، خاصة بعد عزل الرئيس المنتمي للتيار الإسلامي محمد مرسي، أرسلت قوات الأمن والجيش تعزيزات إضافية، وشوهدت عبر الطرق حاملات الدبابات وطوابير المدرعات وهي في طريقها إلى العريش والشيخ زويد ورفح. وتقول مصادر أمنية مصرية إن إدخال قوات الجيش إلى تلك المنطقة (ج) تم بالاتفاق مع الجانب الإسرائيلي. لكن حتى الآن لا توجد فاعلية لقوات الأمن، على ما يبدو. يقول خالد حِركة، النائب المقرب من حزب جماعة الإخوان في البرلمان المنحل عن شمال سيناء: «لو ظل الأمر بهذه الطريقة، فستكون الحالة في سيناء شديدة الصعوبة في الفترة المقبلة». وتوجد اتهامات وتكهنات لا أول لها ولا آخر بشأن انتماء المسلحين والجهاديين في سيناء، حيث يزداد الربط بين العمليات المستعرة هناك، والإطاحة بالرئيس المقبل من جماعة الإخوان، محمد مرسي، وقول القيادي في الجماعة، محمد البلتاجي، إن وقف العمليات في سيناء يتوقف على عودة مرسي للحكم مرة أخرى. ومن الحديث مع أطراف مختلفة في سيناء، لا يمكن أن تصل إلى تصور محدد عمن يمكن وراء القلاقل والقتل ونزيف الدم هناك.. البعض يحمل حركة حماس المسؤولية باعتبار أنها تريد نصرة الرئيس المصري السابق، مرسي، والبعض الآخر يحمل جماعات يقولون إنها تابعة لمحمد دحلان المسؤول السابق في حركة فتح، جانبا من المسؤولية (حماس ودحلان نفيا أي علاقة لهما بالوضع في سيناء)، بينما يرى آخرون أن السبب هو نشاط عدة أجهزة مخابرات دولية في سيناء تريد زعزعة الاستقرار هناك. ويقول مصدر أمني في شمال سيناء: الموضوع ببساطة، نحن نواجه جماعات إرهابية، عبارة عن خليط من مطلوبين لقوات الأمن من أبناء سيناء، وعناصر مما يسمى الجيش الفلسطيني، ومطلوبين جهاديين من اليمن وفلسطين وليبيا. ومن محاضر التحقيقات التي نظرتها الأجهزة والنيابات والمحاكم خلال السنوات العشر الأخيرة تجد خليطا من الأسماء والتوجهات التي استوطنت «المنطقة ج»، أو اتخذتها مرتكزا لعملياتها المختلفة في شمال سيناء وجنوبها.. إلى هنا، إلى «المنطقة ج» جاءت بعض التنظيمات التكفيرية التي هربت منذ أواخر التسعينات من ملاحقات الأمن في الفيوم وبني سويف جنوب القاهرة. وحين وقعت خلافات داخل تنظيم الجهاد المصري، في أواخر التسعينات وبداية، فر الأشد تطرفا في التنظيم إلى سيناء أيضا، وكانوا يعرفون في ذلك الوقت باسم «التكفير والجهاد». ووجد تجار سلاح ومهربو بشر ومخدرات ملاذا آمنا في «المنطقة ج». ويتعامل أبناء سيناء مع موضوع الإرهاب هناك بحساسية خاصة، قائلين إن أبناءهم لا يمكن أن يكونوا متورطين في مهاجمة جنود الجيش والشرطة. ويقول النائب حِركة: «نحن نستنكر أعمال القتل.. هؤلاء أبناؤنا سواء كانوا من أفراد وزارة الداخلية أو من قوات الجيش». ويقول إن أعمال القتل والهجمات التي تشهدها سيناء كانت موجودة منذ ما قبل ثورة 25 يناير 2011.. و«كان يقتل لدينا جنديان أو ثلاثة في الشهر دون الإعلان عن ذلك في ذلك الوقت». ويضيف أنه ليس مقتنعا بأن من يقوم بذلك هم من المتشددين الإسلاميين فقط وأنه يعتقد أن «البلطجية» هم من يتعاون ويساهم في القيام بتلك الهجمات وأعمال القتل وليسوا من التكفيريين (فقط) كما يقول البعض، لأن «التكفيريين أمامهم أهداف أخرى أكثر تأثيرا ومن السهل استهدافها مثل مطار حفظ السلام التابع للأمم المتحدة قرب العريش.. هذا المطار لم تطلق عليه النار». وبينما كان صوت إطلاق الرصاص يتجدد ويصل من جهة قسم العريش ثالث، مساء يوم الاثنين الماضي، يتابع النائب حِركة قائلا إن «هناك ألف ضابط وعسكري يقومون بهدم الأنفاق الموجودة على جانبي حدود سيناء وقطاع غزة.. هؤلاء لم يستهدفهم أحد». ويقول إن «الذي يقوم بتكفير الآخرين أولى له أن يقتل الضابط أو العسكري الأجنبي بقوات حفظ السلام، لكن ما أراه هو أن القتل الجاري في سيناء الآن يتركز على المدنيين المصريين. صاروخ نزل على بيت وقتل اثنين من عائلة آل بكير ومن عائلة النخلاوي. ولذلك الذي يقتل مأجور، يأخذ فلوسا ويريد أن يشعل البلبلة في البلاد ويريد أن يوقع الناس ليقاتلوا بعضهم بعضا». «ومن يا ترى يقف وراءهم كل هؤلاء»؟ من الصعب أن تجد إجابة محددة عن هذا السؤال، حتى النائب حِركة لا يجيب، ولكنه يقول إن من يسأل عن هذا هي المخابرات. وبعد لحظات من الصمت، يستطرد موضحا: «توجد أشياء غريبة في هذا البلد»، مشيرا أيضا إلى إمكانية تورط عناصر تعتنق بعض الأفكار الجهادية. ويحاول موالون لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي المتشدد في سيناء تحميل دحلان كل ما يحدث في سيناء لمجرد أن الرجل ينتمي إلى حركة فتح التي هي على خصام مع حركة حماس التابعة لجماعة الإخوان. ويشيع أنصار التيار الإسلامي في سيناء أن هناك نحو 500 عنصر فلسطيني من فتح يعملون في «المنطقة ج» بسيناء بالتعاون مع بلطجية وشبيحة من محافظات مصرية أخرى. ويقول مصدر أمني إن غالبية الفلسطينيين الموجودين في «المنطقة ج» لا ينتمون إلى حركة فتح أو دحلان، ولكنهم ينتمون إلى ثلاثة تيارات مقبلة بالأساس من قطاع غزة.. الأول التيار الحمساوي الذي يشرف على تهريب السلاح عبر الأنفاق ومحاولة بسط نفوذه الأمني في نقاط محددة هناك بغرض تأمين هذه التجارة، والثاني التيار الجهادي الذي يتركز أساسا في رفح الفلسطينية مثل «جيش الإسلام» الفلسطيني، والتيار الثالث هم خليط من الجهاديين مثل ما يعرف بـ«أكناف بيت المقدس» من رافعي الرايات السود، الأقرب إلى تنظيم القاعدة. ويضيف المصدر الأمني أنه في أعقاب الهجوم الذي قتل فيه 16 من قوات حرس الحدود المصري في أغسطس (آب) عام 2012 قرب رفح على أيدي متشددين إسلاميين، رصدت الأجهزة الأمنية، اختفاء مجموعات ممن يعتقد أنهم من التيارات الفلسطينية المشار إليها من مجموعة الشاليهات التي كانت تستأجرها هناك. ويضيف أن 30 إلى 40 من قادة التيارات المشار إليها تم رصدها مرة عند عودتها للظهور في «المنطقة ج» خاصة في «الشيخ زويد» و«العريش»، وهي الفترة التي توقفت فيها عمليات الأمن في تلك المنقطة بإيعاز من نظام الحكم السابق. ويقول المصدر نفسه إنه بعد تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في المنطقة، فإننا «حاليا نشك في خليط الجماعات تلك وقادتها وعلى قوات الأمن أن تبحث عنهم. لا أحد يسكن في تلك الشاليهات والشقق الآن»، مشيرا إلى أن قادة التنظيمات الإرهابية: لا يشترط أنهم متفقون على فكرة واحدة، لكن المؤكد حتى الآن أنهم يتعاونون مع بعضهم البعض لحماية وجود عناصرهم الذين يقدرون بالآلاف في «المنطقة ج» وفي الأراضي الوعرة الواقعة جنوب هذه المنطقة، بما فيها جبل الحلال. ويستخدم المهاجمون أسلحة مختلفة بما فيها صواريخ مهربة من مخازن الجيش الليبي، حيث «ضربوا صواريخ منذ عدة أيام على بيوت عدد من المواطنين في العريش»، وفقا لما يقوله «الحاج محمد» الذي يدير متجرا في وسط المدينة، ويؤكد على أن تجارة السلاح أصبحت منذ سقوط نظام مبارك، شيئا عاديا مثل بيع السجائر. ويخشى محمد على حياته مثل كثير أبناء سيناء الذين يتحدثون لوسائل الإعلام بطريقة لا تعجب المتشددين. ويقول إن هؤلاء المتشددين حاولوا منذ بداية هذا العام منع بيع السجائر وتدخين الشيشة في العريش.. «دخلوا الشارع على دراجات نارية.. فوقهم أعلام سوداء عليها لا إله إلا الله.. محمد رسول الله، وأطلقوا النار على الناس وهربوا». ويضيف الحاج محمد: «سيناء امتلأت بالأسلحة.. الفلوس تجيب كل حاجة. الذي يريد أن يعمل شيئا يعمله». ومنذ مقتل جنود حرس الحدود المصريين الـ16 في أغسطس، جرى ربط ما يجري في سيناء بالعلاقة بين جماعة الإخوان التي كان ينتمي إليها الرئيس المعزول مرسي، والجيش. وتقول التسريبات إن الرئاسة وقتها منعت الجيش وقوات الأمن من ملاحقة الإرهابيين في سيناء، بما في ذلك عرقلة العمليات التي قامت بها قوات الجيش المعروفة باسم «العملية نسر»، وحين ربط البلتاجي بين وقف العمليات في سيناء وإعادة مرسي للحكم، عادت التكهنات بشأن علاقة الإخوان في مصر وفي غزة (حماس) بالعمليات في سيناء، رغم أن النائب حِركة عاد وقال إن البلتاجي «لا يملك، ولا غيره يملك، السيطرة على المسلحين في سيناء». وعن حالة قوات الأمن، بعد نحو 3 أسابيع من الهجوم على مقار والأكمنة الأمنية، يقول النائب خالد حِركة إن «الأمن قافل على نفسه والمخابرات قافلة على نفسها. لم يصل أحد من قوات الأمن إلى جبل الحلال.. عناصر الأمن أغلقوا أبواب مكاتبهم وبيوتهم على أنفسهم. وزارة الداخلية في سيناء فيها اختراق.. حين يكون ضابط ما متوجها إلى مكان ما يجد أشخاصا مسلحين ليقتلوه». ويوضح حِركة أن «المنطقة من رفح للعريش ليس فيها قوات، والأمن لو ظل بهذه الطريقة فسيكون الأمر صعبا، رغم استخدام الطائرات.. الطائرات ليس لها قيمة في هذه العمليات، تدور في الأجواء ولا شيء آخر.. مجرد منظرة». ويضيف أن المنطقة من رفح إلى العريش «ليس فيها جيش ولا داخلية، والوضع لا يعلمه إلا الله. وجود قوات الأمن لا يتعدى واحدا في المائة في شمال سيناء». وتقول المصادر الأمنية إن الأمور تفاقمت أمنيا في سيناء منذ تنفيذ المتشددين الإسلاميين، وهم خليط من أبناء سيناء وفلسطين ولبنانيين، هجمات على منتجعات شرم الشيخ وطابا ودهب في أعوام 2005 و2006، وإنه أثناء التحقيق في هذه التفجيرات تم إدراج عدة آلاف من أبناء سيناء كمشتبه بهم، إلى جانب اعتقال آخرين، وإن هذا الأمر ساعد في زيادة احتقان قطاعات من أبناء سيناء ضد الدولة المصرية. ويعلق سليمان عياط، الناشط السياسي والإعلامي في شمال سيناء، على هذا الأمر بقوله إن توسيع دائرة الاشتباه لأبناء سيناء منذ تفجيرات شرم الشيخ أسفر عن تغييب 6 آلاف منهم في عهد الرئيس الأسبق مبارك. «هذا خلق أجواء من العداوة بين الأمن وبين الكثير من ذوي الذين تم تغييبهم في ذلك الوقت لمدد تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام أو أكثر». ومع ذلك يلقي عياط باللوم وراء الأحداث الجارية في سيناء اليوم على إسرائيل التي يقول إن لها مصلحة في عدم وجود استقرار في تلك المنطقة، ويستشهد على ذلك بالتحذيرات التي تصدرها تل أبيب بين وقت وآخر لرعاياها الذين يتجهون لقضاء العطلات الأسبوعية والسنوية في سيناء، قائلا إنها عادة تحذر رعاياها قبل وقوع الهجوم في سيناء بيوم أو يومين. كما يلقي باللوم أيضا على ما يقول إنه «نشاط للكثير من أجهزة الاستخبارات في العالم التي لها مصالح من وراء زرع بؤرة للتوتر في هذه المنطقة». ويتابع عياط الذي عمل أمينا للإعلام في الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يرأسه مبارك (قبل أن يتم حل الحزب بعد ثورة 25 يناير 2011)، قائلا إن إسرائيل «تتعاطى وتتفاعل مع خريطة العالم بأسرة»، فما بالك بمصر التي هي أكبر قطر عربي يمكن أن يواجه إسرائيل، مشيرا إلى أن الهدف استنزاف الجيش المصري في سيناء، عن طريق الزج بشكل غير مباشر بتلك العناصر المسلحة التي تنفذ الهجمات في سيناء. ويقول عياط إن المنطقة الساخنة بالأحداث والهجمات في سيناء تمتد «من رفح إلى العريش مرورا بالشيخ زويد، وجنوبا إلى منطقة لحفن». تتميز هذه المنطقة بالكثافة السكانية والزراعات التي يسهل اختفاء العناصر المطلوبة فيها. وتقاربها مع مدينة العريش ما جعلها بيئة حاضنة تساعد بعض العناصر على الاختفاء بالإضافة إلى القرب من حدود مصر مع قطاع غزة. ويضيف عياط أن الشرطة اتبعت أساليب في السابق بالعمل وفقا لقانون طوارئ لكن هذا لم يعد موجودا. وتواجه أجواء مغايرة جعلت فاعليتهم محدودة للغاية خاصة مع العناصر المسلحة، والجيش هو الذي يتحمل العبء الأكبر. ويقول إن العنصر المسلح حين «يرى المروحية ويرى المدرعة متأهبة لا ينفذ أي عملية، بل يحدد زمانا ويبحث عن مكان ينفذ فيه العملية ويعرف من أين سيهرب قبل أن ينفذها. هذا أسلوب مرهق للجيوش النظامية، وهذا يتطلب جهدا استخباراتيا استباقيا وعمليات إجهاض لهذه العناصر وعملا لوغستيا عالي المستوى وليس رد فعل». ويتابع سليمان عياط قائلا: «سيناء استبيحت منذ 15 سنة ويزيد.. فوضى السلاح لاحظناها في سيناء ولم يتم ضبط أي أحد مسلح على الإطلاق.. قضايا المخدرات تحل في أقسام الشرطة ومديريات الأمن.. 15 سنة من الفوضى ضاربة الأطناب.. خط السكة الحديد في سيناء بلغت كلفته نحو مليار جنيه ويصل من القنطرة (عند قناة السويس) إلى العريش، بطول 80 كيلومترا، وتم نزع قضبانه ونهبها من مجهولين خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والقضية مقيدة ضد مجهول». ويقول عياط: «كنت أنا أمين إعلام الحزب الوطني وكتبت تقارير الرأي العام بصفة مستمرة عن هذا الموضوع في سيناء، لكن لم يتدخل أحد طيلة السنوات العشر التي سبقت ثورة 25 يناير 2011.. هذا مؤشر على وجود ثغرات كبيرة الآن في أمن سيناء.. تجارة المخدرات مباحة التهريب مباح كله يقبض عمولات. الدنيا في غيبة عشر سنوات.. السلاح أصبحت تجارته شبه علنية مثل تجارة الدقيق وتجارة الزيت.. ما يحدث ليس وليد اليوم. ما يحدث الآن تخطيط مسبق من أجهزة استخبارات عالمية، وليس مجرد ثورة من جماعة، وما قاله البلتاجي لا يعبر عن الواقع». وتشير أصابع الاتهام إلى جماعة السلفية الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة. ونفذ أنصار هذه الجماعة عمليات ضد إسرائيل إضافة إلى تفجير خط تصدير الغاز لكل من إسرائيل والأردن المار من سيناء. لكن عياط يقول إن هؤلاء أعتقد أنهم أبرياء من العمليات التي تجري في سيناء في الوقت الراهن. «ما يجري عمليات قنص محترفة.. قبل يومين كانت تجري عمليات قنص.. نحو 11 عملية تم تنفيذها في صفوف الشرطة والجيش بالإضافة إلى مهاجمة الكمائن في يوم واحد. هذه عملية تهدف لتوريط الجيش المصري من خلال عصابات داخل سيناء، ومن المعروف أن حروب العصابات مرهقة للجيوش النظامية.. انظر لحلف الأطلنطي بكل جبروته وكل ما يملك لم يستطع القضاء على طالبان». ويقوم محترفو حرب العصابات عادة باختيار أفضل زمان ومكان للهجوم على قوات الجيش الثابتة.. خلية تظهر فجأة وتختفي فجأة فيحرك الجيش الطيران والمعدات الثقيلة. وهذا يحتاج لميزانيات تعجز عن توفيرها الدول العظمى حين تفرض عليها حرب العصابات، مثل ما حدث في أفغانستان ومن قبلها فيتنام.. ولذلك يقول أبناء سيناء إن «قصة الأمن تحتاج إلى مصالحة وطنية وإعادة النظر في الواقع الأمني وسد ما فيه من ثغرات». ويوضح مسؤول محلي في العريش: «رغم كل التعزيزات التي وصلت هنا عمل الجيش ارتكازات في الكثير من المناطق الأمنية ويتلقى الضربات وهو مكانه. لم تتحرك أي حملات بما في ذلك في جبل الحلال. لا تحركات ولا عمليات اشتغلت. تحليق مروحيات في أجواء رفح والشيخ زويد والعريش. العريش كان فيها حرب شوارع. ولا تعرف ما هي استراتيجية الجيش. المعروف أن الحرب على الإرهاب حرب مبنية على جمع المعلومات وسرعة التصرف، وليست حرب دبابات أو مدرعات، ولا أعتقد أنه توجد المعلومات الكافية حول العناصر الموجودة في سيناء. بعض العناصر يستخدمون الدراجات النارية التي تخترق الشوارع الضيقة وإطلاق النار منها من وراء الشجر والفرار في الظلام. ولهذا الجيش يحتاج لقوات خفيفة لسرعة الحركة». ويقول أحد كبار الزعماء الشعبيين في العريش، ممن تحدث شريطة عدم تعريفه لحساسية الوضع هناك، إن سيناريو التصعيد في سيناء من جانب الجماعات الجهادية بدأ بقوة بعد إقصاء الرئيس السابق محمد مرسي، وهذه العمليات يقوم بها أكثر من تنظيم موجود على الأرض. «نحن منطقة قبلية ومن الصعب أن أي غريب يعمل في هذه المنطقة. توجد جماعات مؤيدة لمرسي، ومن بينها الجماعات الجهادية. الفكر الجهادي موجود لدى القبائل. قد يكون هناك جزء فلسطيني من السلفية الجهادية لا حماس التي بينها وبين الجماعات الجهادية ثأر، أما سيناريو دحلان فهي رواية بلا رجلين، وضعيفة». وحول عدد الجهاديين في سيناء وعما إذا كان يعتقد أنه يبلغ 7 آلاف أو 9 آلاف كما تردد في بعض التقارير، فقال «لا أعتقد.. عدد التنظيم المسلح لا أعتقد أنه يصل لهذا العدد. سيناء.. الفكر الجهادي منتشر بكثرة هنا وهو ضد الفكر القبلي، لكن القبائل نفسها لم تعد كما كانت في السابق.. تفككت. تسألني هل هم تبع تنظيم القاعدة ويوجد لهم زعيم (طبيب بن لادن ومساعدان له أحدهما فلسطيني والثاني يمني)؟ هناك كلام كثير مثل هذا لكنه ما زال غير مؤكد. المنطقة خالية من السيادة بسبب كامب ديفيد. كل هذا عمل فراغات وجماعات غريبة كل هذه توليفة ظهرت في (منطقة ج) الممنوع وجود الجيش فيها، وبالتالي على مر السنين نمت فيها أشكال مختلفة تعمل ضد الدولة المصرية».

من التاريخ من التاريخ

$
0
0
تناولنا في مقال الأسبوع الماضي حياة جنكيز خان وتأسيسه الإمبراطورية الكبيرة من العدم بعد توحيد القبائل المغولية تحت قيادته، وقد مات الرجل في عام 1227 دون أن يحقق حلمه باحتلال العالم، خاصة الصين وأوروبا والعالم الإسلامي، وقد كانت وصية الرجل هو توزيع الإمبراطورية على أولاده الأربعة، فنال تولوي ابنه الأصغر منطقة منغوليا نفسها، ونال «أوجتاي» أقصى الشرق، ونال «جوجي» المنطقة الغربية جنوب روسيا، بينما نال ابنه الرابع منطقة شمال نهر جيحون، وقد توج مجلس المغول الابن «أوجتاي» الخان الأعظم على هذه الكونفدرالية مع بقاء السلطات في هذه المناطق مع حكامها. وعلى الرغم من هذا التقسيم السياسي، فإن التوسع المغولي لم يتأخر كثيرا، فلقد سعى كل خان أو ملك لتوسيع ممالكه المختلفة على حساب الدول التي لم تفتح على أيدي القبائل المغولية بعد، وكانت منطقة روسيا وشرق أوروبا أكثر الدول التي تعرضت لعمليات الغزو الممنهج من قبل المغول، خاصة أن كثيرا من المناطق بها كانت تحتوى على أراض شاسعة من المراعي التي رأى فيها المغول أنها تشابه مراعي «الاستبي»Steppe الشهيرة بوسط آسيا، وقد وصل المغول حتى كييف عاصمة أوكرانيا الحالية. بحلول عام 1251 مات «أوجتاي» وبات على المجلس الأعلى للمغول أن يعين خانا جديدا، فاستقر الرأي على اختيار «مونجو» حفيد جنكيز خان من ابنه جوجي، فكان رجلا قويا وشجاعا ومتسامحا خاصة في مجال الدين، حيث سمح بعمليات التبشير في الإمبراطورية فانتشرت المساجد والكنائس وبدأ الكثير من المغول يعتنقون الإسلام والمسيحية، وفي عهده بدأ المغول أيضا موجة أخرى من التوسع الغربي؛ وهذه المرة كانت صوب العالم الإسلامي، وكان قائد هذه الجيوش التي تقدر بمائة وخمسين ألفا هو «هولاكو» الذي يمثل أكثر الشخصيات بغضا للمسلمين ومن أكثرها مقتا في التاريخ. لقد كان قرار الخليفة العباسي حاسما بمواجهة المغول وتفريق شملهم، ولكن حقيقة الأمر أن الخلافة العباسية كانت ترزح تحت حكم فاسد وضعيف منذ انتهاء العصر العباسي الأول وعلى مدار قرون ممتدة، فلقد خضعت هذه الدولة لتيارات من النفوذ الأجنبي للوصول لسدة الحكم سواء كانوا فرسا أو أتراكا أو غيرهم، مما أسفر عن إضعاف هذه الدولة، وبالتالي فهي لم تكن في حقيقة الأمر جاهزة لمثل هذه المواجهة. وقد ظهر المغول على أبواب بغداد وفرضوا الحصار عليها عام 1258 وجاءت الخيانة هذه المرة من بعض القبائل التركية التي كانت في خدمة الخليفة والتي آثرت الانضمام لمثيلاتها في جيش «هولاكو»، وهو ما أسفر عن سقوط مدو للعاصمة الروحية للخلافة الإسلامية، خاصة بعدما تم قتل الخليفة المستعصم بالله بغير إراقة دم نظرا لوجود نبوءة تؤكد خطورة إراقة الدماء الملكية للشعوب التي يحتلها المغول. وبسقوط بغداد تيتم العالم الإسلامي بعدما أصبحت بغداد مرتعا للعبث والسلب والنهب المغولي الذي أودى بازدهارها السياسي والثقافي والروحي بشكل لم يكن متوقعا. بدأ المغول يوجهون أعينهم صوب سوريا ومصر، فبدأ هولاكو يسعى لمد جسور الود مع المجتمعات المسيحية في هذه المناطق، وقد ساعد على ذلك أن الرجل كانت له ميوله للمسيحية بسبب اعتناق زوجته «دوكوز خاتون» الديانة المسيحية، وبالفعل استطاع الرجل أن يحتل الشام فسقطت المدينة تلو الأخرى مستغلا حالة الفراغ السياسي الناجمة عن الصراع السياسي في مصر، ولكن المماليك استطاعوا أن يجمعوا عزيمتهم وأن يوحدوا صفوفهم بقوة فتمت المواجهة في معركة «عين جالوت» الشهيرة التي سنخصص لها مقالا، وانتهت بهزيمة ساحقة للمغول هي الأولى من نوعها في تاريخهم. وعلى الرغم من هذه الهزيمة، فإن حلقة الفتح والغزو المغولي استمرت بعض الشيء بفضل الاستراتيجية العسكرية العظيمة، ولكن ما حدث كان انتقال مركز وبؤر الغزو من العالم الإسلامي إلى المناطق الأخرى، ولكن الخلافات الداخلية بدأت تظهر أيضا، فكان أولها الخلاف الذي نشب بين أولاد «أوجتاي»، لا سيما العداء بين «كوبيلاي» و«إريك بوكي»، وهو السبب الذي دعا هولاكو لترك زحفه على العالم الإسلامي والتوجه إلى منغوليا للوقوف إلى جانب «كوبيلاي»، وامتدادا لهذا الصراع نشب خلاف جديد بين هولاكو والقبائل المغولية الذهبية Golden Horde لا سيما بعد اعتناق الأمير المغولي «بركا» الإسلام وتحمسه الشديد له، ولكن هذا لا يقلل من شأن الخلاف السياسي والاستراتيجي بين الطرفين الذي لم يكن الدافع الديني إلا جزءا ضئيلا منه، مما أدى إلى نشوب الخلافات والمناوشات بل والحروب بينهما. وفي تطبيق دقيق لآليات توازن القوى التي لا تعرف للدين أو للقومية نسبا، تحالف «بركا» مع المماليك في مصر، بينما تحالف هولاكو مع كثير من القبائل الصليبية التي كانت تحتل بؤرا مختلفة من الشام، وسرعان ما أعلن الرجل تضامنه الكامل مع الخليفة العباسي قاطعا بذلك كل العلاقات بين الطرفين. هكذا انفرط العقد المغولي على مدار قرن ونصف القرن من وفاة جنكيز خان، وعلى الرغم من الكونفدرالية التي جمعت المغول ممثلة في قيادة الخان الأكبر، فإن الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية كانت تعمل ضد التوحيد السياسي لهذه الدولة مرة أخرى، فزالت الدولة وتفككت بأسرع مما توقعه الجميع، فبنهاية القرن الرابع عشر أعيدت الدولة المغولية إلى منغوليا في الشرق واستقلت الدويلات الأخرى وانتهت الإمبراطورية سياسيا. وفي التقدير أن الاندثار السريع نسبيا لهذه الإمبراطورية كانت له أسباب عديدة منها: أولا: إن سنة السياسة هي اختلاف الورثة على جثة مؤسس الإمبراطورية المتوفى، والدولة المغولية لم تكن خارجة عن ناموس الحياة، فلقد تغلبت المصالح الشخصية والأهداف السياسية الضيفة لبعض القادة والأمراء على الباقين، بالتالي كانت النتيجة النهائية هي تفتت القوة المركزية للدولة، وهذه هي بداية النهاية لأية دولة ما لم تتجدد دماء وحدتها مرة أخرى بقيادة عظيمة ملهمة. ثانيا: إن الامتداد الجغرافي الشاسع للدولة المغولية شأنها شأن أية إمبراطورية كبرى يؤدي إلى حالة من التراخي السياسي بعد فترة زمنية وجيزة، وهي الظاهرة التي يطلق عليها عملية الـOverstretching، فالقدرة على توحيد الصف والفكر تختفي بعد وفاة المؤسس وعدم وجود الرمز القومي للدولة، يضاف إلى ذلك أن فكرة المركزية أضعفت بعد تقسيم مملكة جنكيز خان بين أولاده. ثالثا: إن أكثر العوامل التي أدت للتفتت المغولي في تقديري كانت تلك المرتبطة بالبعد الثقافي للدولة المغولية ذاتها، فالثقافة المغولية لم تكن مركز جذب لثقافات الدول والأراضي التي احتلوها، وذلك على عكس الدولة الإسلامية مثلا، فكانت النتيجة المتوقعة هي استيعاب المغول للثقافات المختلفة دونما القدرة على تصدير الثقافة المغولية البدوية والبدائية في الوقت نفسه، بالتالي نجد الأمير «كوبيلاي» يعتنق الثقافة الصينية تماما سواء في قصره أو إدارته للبلاد أو أي منحى آخر، بينما اعتنق آخرون الإسلام والمسيحية، كما تلون المغول بالثقافات الأخرى؛ الفارسية والإسلامية والأوروبية، كذلك فإن الدول ومن بعدها الدويلات المغولية لم يكن لديها أية فرصة للاستمرارية التاريخية بعدما بدأت تفقد الهوية تدريجيا، ولكن هذه سنة التاريخ لمن لا يقدم الكثير للدول التي يحتلها. من المؤكد أن المغول أسسوا أكبر دولة عرفها التاريخ حتى ذلك التاريخ، وأقاموا أقوى الجيوش، وغزوا أكبر الدول، إلا أنه تم غزوهم ثقافيا، وعندما اندثرت الدولة المغولية، فإنها لم تترك للعالم إلا فنون القتال وبعض الاستراتيجيات العسكرية، بينما كان إرثها الحضاري والثقافي متواضعا للغاية، وهو ما يدفعنا للتأكيد على أن أقوى أنواع الغزو هو الغزو الثقافي، فالفكرة لا تضاهيها إلا الفكرة، والحضارة والثقافة هي التركة الحقيقية للشعوب والإمبراطوريات. * كاتب مصري

فيليب.. ملك بلجيكا الخجول أمام تحدي الوحدة فيليب.. ملك بلجيكا الخجول أمام تحدي الوحدة

$
0
0
شهد الاحتفال بالعيد الوطني البلجيكي الاسبوع الماضي فعاليات أكبر وأوسع من المعتاد، إذ اختار ملك بلجيكا ألبرت الثاني يوم 21 يوليو للتنازل رسميا عن العرش لنجله فيليب الذي أصبح الملك السابع لبلجيكا منذ استقلالها عام 1830. وتواجه بلجيكا تحديات عدة في الحفاظ على وحدتها بين الجنوب الفرنكفوني والشمال الناطق بالهولندية، وخصوصا دعاة الاستقلال في «التحالف الفلمنكي الجديد». وأصبحت هذه القضية هي الأولى والأهم التي تواجه ملك بلجيكا الذي تولى عرشه الاسبوع الماضي. وبينما الملك البلجيكي، مثل غيره من ملوك وملكات أوروبا، لا يتمتع بسلطات تنفيذية واسعة، إلا أن دوره في حماية الهوية الوطنية البلجيكية أساسي. والملك الجديد، المعروف بخجله وعدم ارتياحه أمام عدسات الكاميرا على الرغم من العمل على إعداده لهذه المهام منذ أكثر من 20 عاما بعد وفاة عمه بودوان الأول فجأة، وتسلم والده المنصب. إلا أن زوجته ماتيلد تعتبر الأكثر انفتاحا وقادرة على التواصل مع الشعب، ومن المتوقع أن تلعب دورا مهما في عهده المقبل. وفي عام 1993 عندما توفي الملك بودوان عن 62 عاما من دون أن ينجب، اعتقد البعض أن فيليب الذي أشرف على تربيته، وكان في الثالثة والثلاثين سيخلفه. لكن الطبقة السياسية اعتبرت أن الشاب الذي كان عزبا «غير جاهز»، وخلف والده ألبير بودوان على العرش. ومنذ 20 عاما، واصل الأمير استعداداته. واكتسب بعض الثقة، وترك لحيته تطول، وترأس عشرات البعثات الاقتصادية عبر العالم. وأصبح فيليب وزوجته من رواد «المنتدى الاقتصادي العالمي»، وشارك في جلسات عدة، كما أن لديه علاقات وطيدة مع العائلات الملكية حول العام. ويسعى القصر منذ زمن تصحيح الصورة عن فيليب الذي يتحدث بصوت هادئ، ويفضل الابتعاد عن الأضواء، منها بث صور لفيليب «على سجيته» يلعب مع أولاده أو يستقبل الأميرة الصغيرة إليزابيث في مكتبه على طريقة جون كيندي. والأمير لويس فيليب ليوبولد ماري من مواليد 15 أبريل (نيسان) 1960، المعروف أيضا بلقب دوق برابانت، هو الابن الأكبر للملك ألبرت الثاني والملكة باولا. وبتاريخ 4 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1999 تزوج من ماتيلد ماري كريستين غيسلاين، التي أصبحت دوقة برابانت بعد الزواج، وأنجبا الأميرة إليزابيث في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2001، ثم الأمير غابرييل في أغسطس (آب) 2003، والأمير إيمانويل في أكتوبر 2004، والأميرة اليانور في أبريل 2008. وسيكون بإمكان الأمير فيليب الاعتماد على الدعم الفاعل لماتيلد، لما تتمتع به من شعبية وكفاءة وجاذبية منذ زواجهما. وستصبح ماتيلد، وهي في الـ40 من عمرها، أول ملكة من أصل بلجيكي في تاريخ البلاد. وأتم الملك فليب تعليمه الابتدائي والسنوات الثلاث الأولى من تعليمه الثانوي بالفرنسية في مدرسة سان ميشيل في بلدية ايتربيك ببروكسل. ومن ثم تابع دراسته الإنسانية لثلاث سنوات بالهولندية في دير زيفين كيركن في منطقة سانت انردييس، قرب مدينة بروج الشاطئية. والأمير الشاب فيليب كان ابنا خجولا وهي صفة التصقت به حتى الآن. ولم يكن نجيبا في دراساته لدى اليسوعيين في بروكسل ثم في معهد كاثوليكي مرموق في الفلاندر. وفي عام 1978 التحق بالكلية الملكية العسكرية في بروكسل حتى عام 1981 وكان قد سمي ملازما ثانيا عام 1980، وتلقى وسام طيار حربي من يدي الملك بودوان الأول بتاريخ 9 يوليو (تموز) 1982، وبعد القوات الجوية، انضم للدراسة في قوات المشاة وبعد الدراسة العسكرية، تابع دراساته لمدة شهرين في جامعة أكسفورد عام 1983 ومن ثم انتقل إلى في جامعة ستانفورد الأميركية العريقة في كاليفورنيا. وبتاريخ 16 يونيو (حزيران) 1985، نال دبلوما في فنون العلوم السياسية. وفي تصريح مقتضب للصحافة على هامش زيارة إلى أنتورب للمشاركة في اجتماع علمي أخيرا، قال الأمير فيليب: «أريد الإشادة بالملك وعهده الذي دام 20 سنة، أنا واع جيدا بالمسؤوليات التي تقع على عاتقي، وسأواصل الالتزام بها من كل قلبي». وقال المحلل السياسي علي أوحيدة المقيم ببروكسل لـ«الشرق الأوسط»: «بلجيكا تبدو مقدمة على تحول تاريخي بالفعل؛ فمنذ أيام فقط وافقت جميع الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم في بروكسل ومباشرة، بعد إعلان تنحي العاهل البلجيكي ألبرت الثاني عن الحكم، عن التوصل إلى اتفاق بشان الحزمة السادسة للإصلاح المؤسساتي للدولة البلجيكية». وأضاف أن توقيت تنازل الملك توقيت جيد، وتم الإعداد له بدقة، لأن الملك الجديد سيتولى العرش بعد هذا الاتفاق، ولكن قبل استحقاق انتخابي مهم، العام المقبل، وتوجد خشية من اكتساح القوى القومية الفلمنكية له، لذا فإن القصر الملكي والحكومة اتفقا على هذا التطور لسحب البساط من القوى القومية ودعاة الجمهورية، وخاصة في مقاطعة الفلاندر. واعتبر أوحيدة أن التشكيك في مدى قدرة الأمير على تولي العرش مبالغ فيه، على أساس أن والده ألبرت الثاني اعتلى العرش في ظروف مفاجئة، وتم التشكيك بشكل كبير في قدرته حينها، ولكنه أثبت أنه ملك صلب وماهر ويتسم حتى بالدهاء. وفي دليل على ذلك طريقة إدارة ألبرت الثاني أشد أزمة سياسية شهدتها البلاد استمرت أكثر من 500 يوم، ودخلت بلجيكا في عهده في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية لتشكيل حكومة ائتلافية. ولكن ألبرت الثاني خرج بالبلاد من العاصفة ووضعها مجددا على الطريق الصحيح. وكان ملك بلجيكا ألبرت الثاني أعلن في خطاب إلى الأمة عزمه على «التنازل عن العرش» لصالح نجله البكر الأمير فيليب. وقال الملك: «إنني أعلن لكم بثقة وقناعة نيتي في التنازل عن العرش في 21 يوليو (تموز) بمناسبة عيدنا الوطني لصالح ولي العهد ابني فيليب»، مبررا قراره بتقدمه في السن (79 عاما) ومشكلاته الصحية بعد اعتلاء العرش لـ20 عاما. وقال في خطاب نقلته القنوات والإذاعات الرئيسة في بلجيكا: «ألاحظ أن سني لم تعد تسمح لي، كما حالتي الصحية، بممارسة مهامي كما أريد». وأضاف: «بعد اعتلاء العرش لعقدين أرى أن الوقت قد حان ليتولى الجيل المقبل هذه المهمة. أرى أن الأمير فيليب مستعد لخلافتي. إنني أثق به كما بالأميرة ماتيلد كل الثقة». وأضاف الملك: «لقد كان شرفا لي وفرصة أن أكرس قسما كبيرا من حياتي في خدمة بلدنا وشعبنا». وتقول البرلمانية البلجيكية من أصول مغربية فوزية طلحاوي إن الملك فيليب عمره الآن 53 عاما، واكتسب خبرات كثيرة، ومتزوج من سيدة ذكية ولها شعبية. ولكن يرى البعض أنه يتمتع بصفات صلبة وجامدة ولا يتمتع بسحر وعفوية الملك ويليام ألكسندر، الذي تولى العرش في الدولة الجارة هولندا قبل شهرين. وتضيف البرلمانية الشابة أن الأمير فيليب ارتكب عدة أخطاء بروتوكولية أثناء سفره على رأس بعثات بلجيكية للخارج، وأيضا ارتكب أخطاء في تصريحاته اتجاه الأحزاب اليمينية المتشددة في البلاد، ولكن السؤال المطروح الآن هو «هل يوجد شخص في بلجيكا تتوفر فيه فقط الصفات الإيجابية، وخاصة في بلد له تركيبة معقدة، ويعاني من التوترات الاجتماعية؟!». وتضيف طلحاوي بالقول إن الملك الجديد «عليه أن يحافظ على الإرث الذي تركه الملك الأسبق بودوان وزوجته الملكة فابيولا، وهو التمسك بالتقاليد المحافظة في مجتمع أقر عدة أمور، مثل الإجهاض والقتل الرحيم». ولكن الملك الجديد يدرك جيدا أن بلجيكا دولة ديمقراطية، والكلمة الأخيرة فيها للبرلمان، وليس للملك، وأنه يجب أن تحترم نتائج الانتخابات. وأضافت عضو البرلمان في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء البرلمان أعادوا التأكيد قبل أيام على أن دور الملك يجب أن يبقى بروتوكوليا، مع السماح بدور سياسي محدود، وفي الوقت نفسه الاستمرار في تخفيض النفقات للعائلة الملكية. ورأت طلحاوي أن بلجيكا تحتاج الآن إلى ملك يدرك أن هناك أحزابا يمنية متشددة صعدت، ولكن هذا لا يعني أن أنصار النظام الجمهوري في تزايد، لأن الناس لديهم قناعة بأن النظام الجمهوري لن يشكل ضامنا لبقاء الدولة موحدة.. فمثلا في حال وجود نظام جمهوري لا بد أن يكون اختيار الرئيس موزعا على الأقسام الرئيسة في البلاد؛ فمرة يكون من الجزء الفلاماني، ومرة أخرى يأتي رئيس من الجزء الفرنكفوني أو الوالوني ثم مرة ثالثة يأتي الرئيس من منطقة بروكسل العاصمة. وتضيف طلحاوي عضو مجلس الشيوخ البلجيكي، أن هناك عدة شروط، إذا توفرت سيكون فيليب ملكا جيدا للبلاد، أولا أن يختار فريقا جيدا من المستشارين، وقد جرى الإعلان عن اختياره السفير فرانس فاندائيل رئيسا لطاقم العمل، واعتبرت أن «هذا اختيار جيد للغاية، لأن هذا الشخص يتمتع بصفات جيدة، ويعلمها الجميع»، مضيفة: «أيضا على فيليب أن يعمل أكثر من والده، وأن يقترب أكثر من الناس، مثلما كان الملك الأسبق بودوان يفعل». وألبرت الثاني المولود في السادس من يونيو 1934 هو النجل الثاني لليوبولد الثالث والملكة أستريد، وأصبح سادس ملك لبلجيكا في التاسع من أغسطس (آب) 1993، بعد وفاة شقيقه المفاجئة. وألبرت الثاني أول ملك بلجيكي يتنازل طوعا عن العرش في تاريخ البلاد. وغداة خطاب الملك إلى الأمة، خصصت وسائل الإعلام البلجيكية برامج خاصة للتغيير في قمة هرم الدولة وانعكاساته السياسية. وكتبت صحيفة «لو سوار» أن «تخلي الملك ألبرت الثاني يفتح مرحلة غموض سياسي، ويعيد النقاش حول استعداد ابنه وحتى حول مستقبل النظام الملكي، كما هو اليوم». واعتبرت «لا ليبر بلجيك»، أن «ألبرت الثاني الذي شعر لأسباب صحية بالعجز عن مواجهة أزمة سياسية كبيرة، اتخذ مسؤولياته في صالح البلاد»، ووصفت عهد الملك العاهل المتخلي عن العرش بأنه «قوي وشجاع وحميمي». وشددت الصحيفة على أنه يجب على الأمير فيليب أن «يقنع فلاندر» المنطقة الشمالية، حيث لا يحظى النظام الملكي بالدعم نفسه، كما في والونيا الفرنكوفونية. وتساءلت صحيفة «دي مورغن» الفلامنكية: «هل سيقتدي الملك المقبل فيليب بنموذج بودوان أو والده صاحب الابتسامة، رجل الضعف البشري». وبعد أن أعلن الملك ألبرت الثاني ملك بلجيكا تنازله عن العرش لولي عهده فيليب، سارع فيليب ديونتر زعيم اليمين المتشدد البلجيكي «فلامس بلانغ» بتغريده على «تويتر»، وقال فيها إن الملك تنازل عن الحكم أسرع من (الرئيس المصري السابق محمد) مرسي، وكلاهما لا يحظى بشعبية، واختتم بالقول: «تحيا الجمهورية الفلامنية» نسبة إلى الجزء الناطق بالفلامنية والقريب من الحدود مع هولندا، وفيه يوجد أحزاب ومنها الفلامس بلانغ (ومعناها «الفلامنيون أولا»). وهؤلاء يطالبون بالانفصال وتقسيم بلجيكا وإقامة جمهورية بدلا من النظام الملكي. وتعالت أصوات برلمانية في بلجيكا لتحذر من انتهاء الملكية. ووصف بعض النواب انتهاء الملكية في البلاد بأنه نهاية لبلجيكا كدولة، ويأتي ذلك وسط الجدل المتصاعد بين الشمال (الناطق بالهولندية) والجنوب (الناطق بالفرنسية) حول مستقبل ودور الملكية، ومن بين البرلمانيين المعارضين للتوجهات الانفصالية في البلاد، دعا البرلماني دينيس دو كارم، من تيار يمين الوسط، إلى عدم المساس بصلاحيات الملك الحالية، نظرا لأهمية دوره في إدارات الأزمات. وفي تصريحات للإعلام المحلي، أشار البرلماني البلجيكي إلى أن الأزمة المؤسساتية التي شهدتها بلجيكا خلال الأعوام الماضية أثبتت أهمية دور الملك.. «لقد تمكن من مساعدة كل الأطراف على الخروج من الأزمة وتشكيل حكومة»، وكان دو كارم يعلق على قيام الأحزاب الفلامانية في شمال البلاد بنشر رسالة موجهة إلى ولي العهد الأمير فيليب، تطالبه بعدم تولي العرش، هو أمر أثار غضب الأحزاب في جنوب البلاد، وربط البرلماني البلجيكي الملكية في بلاده بالاستقرار، قائلا: «إن من يريد نهاية الملكية، يريد نهاية بلجيكا كدولة». وشن دوكارم هجوما عنيفا على الأحزاب الفلامانية، وبشكل خاص حزب التحالف الفلاماني الجديد، المعروف بميوله الانفصالية، مشيرا إلى أن هذا الحزب يريد تفتيت البلاد، ووضع نهاية للدولة، فـ«المشكلة أن باقي الأحزاب الفلامانية على اختلاف توجهاتها تسعى لاتباعه، وهذا خطأ جسيم، ذلك لأن العداء للملكية يولد العداء لبلجيكا». ويلعب الملك في بلجيكا دورا سياسيا محدودا، خاصة لجهة تقريب وجهات النظر بين الأحزاب المختلفة، وتسمية رئيس الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية. وكانت ملكة هولندا الدولة الجارة لبلجيكا، تنازلت عن العرش لابنها ولي العهد ويليام ألكسندر في أبريل الماضي، وجرى استطلاع للرأي في ذلك الوقت حول وجهة نظر المواطن البلجيكي في استمرار الملك ألبرت الثاني على العرش، أم اتباع النموذج الهولندي، والاستطلاع شمل عينة عشوائية تضم 1000 شخص نصفهم من سكان الجزء الفلاماني القريب من هولندا، والنصف الآخر من الجزء الفرنكفوني القريب من حدود فرنسا. وأظهرت النتائج أن ما يقرب من 36 في المائة فقط من البلجيكيين يؤيدون تنازل ألبرت الثاني عن العرش لابنه، بينما وجد الباقي (ما يقرب من ثلثي الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع) أن الوقت غير مناسب الآن لتنازل ألبرت الثاني عن العرش، وذلك لعدة أسباب، منها ثقتهم الكبيرة في الملك الحالي، وثانيا أنهم يرون أن الأمير فيليب غير جاهز حاليا لتولي العرش. ويبدو أن فيليب على علم بهذه الآراء، حيث صرح في مطلع الشهر الحالي باقتضاب: «إنني مدرك تماما للمسؤوليات الملقاة على عاتقي.. سأواصل جهودي من كل قلبي».

من يحكم مصر؟! من يحكم مصر؟!

$
0
0
«ما الذي يريدونه في مصر؟» أثير هذا التساؤل من قبل أحد المشاركين في حلقة نقاشية لمؤسسة بحثية في لندن عن الأحداث في مصر، عقدت قبل أيام. كان الإحباط الواضح هو القاسم المشترك لدى كثير من المتحدثين الغربيين المهتمين بالشأن المصري، الذين بنوا تحليلاتهم على مدى سنوات على الافتراض بأن مصر، الدولة ذات الأغلبية السنية، كانت تتوق بشدة للحكم الإسلامي لكن ذلك لم يتحقق نتيجة الديكتاتورية العسكرية في عهد جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. وساد اعتقاد أنهم إذا ما منحوا الفرصة فسوف تصوت الأغلبية لصالح الأحزاب الإسلامية. ورغم تأكيد الأحداث التي شهدها العامان الأخيران نوعا ما على هذا الافتراض، فإنها هزت أيضا بعض أسسه، فالثورة التي أسقطت حسني مبارك لم يبدأها الإسلاميون. ورغم عدم وجود معلومات موثقة بشأن الأحداث التي جرت خلف الستار، والتي أجبرت الرئيس مبارك، على الانحناء، لكن المؤكد هو أن الإسلاميين لم يلعبوا دورا في ذلك. خلال الانتخابات التي تلت إسقاط مبارك، كان الحزب الأضخم الوحيد هم أولئك الذين امتنعوا عن التصويت. وبلغت حصة الإسلاميين مجتمعة ربع ما يقدر بنحو 51 مليون شخص ممن يحق لهم التصويت. وللإجابة على السؤال «ما الذي يريدونه في مصر؟» ربما يكون من المهم فهم من هم المصريون أولا. مصر ليست واحدة من المائة وخمسين دولة أو الدول التي تكونت حديثا والتي أثرت الحياة الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ولا هي أيضا كالدول الأوروبية التي نشأت حديثا مثل ألمانيا وإيطاليا، التي برزت من أنقاض الإمبراطوريات. فالمصطلحات الغربية التي تعنيها كلمة إمبراطورية ودولة لا تفسر بشكل كامل مصر. وقد حاول المفكرون المصريون على مدى أكثر من 100 عام، اكتشاف أو كما يقولون إعادة اكتشاف الهوية العميقة لمصر. خصص صبحي وحيدة، المؤرخ المعروف، كتابا وحيدا لهذا السؤال «في أصول المسألة المصرية»، كحال الكثير من الكتاب الآخرين مثل إبراهيم المازني مؤلف الرواية المؤثرة «إبراهيم الكاتب». كان الهدف تأطير ظاهرة معقدة وتتطور بشكل مستمر. وقد حاول بعض الكتاب تجاوز واقع وجودي في مصر بالوصول إلى جوهرها. ولم يكن البحث عن «جوهر المسألة المصرية» عملية فكرية مجردة، فقد أثرت نتائجها السياسية والاجتماعية في حياة كل شخص في البلاد تقريبا. ورغم رومانسية المصطلحات الثقافية، فقد أسهم السعي وراء الجوهر المصري في كل الحالات تقريبا، في بلورة مواقف سياسية رجعية إلى حد كبير. فاعتقد أحد الكتاب أن جوهر الجوهر هو عودة مصر إلى ماض خيالي. وزعم عشاق الدولة الفرعونية أن مصر نتاج حكام وأفراد في الأزمنة الغابرة. وأن كل ما جرى بعد ذلك يجب أن ينظر إليه على أنه سلسلة من الغزوات الأجنبية التي يجب أن يتم الكشف عنها وحذفها. ويعكس توفيق الحكيم واحدا من الكتاب المصريين الأكثر شهرة في القرن العشرين وجهة النظر تلك. * ماهية مصر: إذن، ما هي مصر؟ هل هي فرعونية أم يونانية أم فارسية أم رومانية أم أفريقية أم بحر متوسطية أم إسلامية أم عربية؟ الإجابة أن مصر هي كل هؤلاء بكل متغيراتها الداخلية الكثيرة. فقد أخذت مصر من كل هؤلاء، وخبرتهم لكنها هي التي أثرت فيهم في نهاية المطاف. فعندما برز الفراعنة كنخبة حاكمة منظمة لم تكن مصر صفحة بيضاء يمكنهم العبث بها كما يشاءون. وعوضا عن أن يكونوا بناة مصر كانوا أحد مواطنيها. الحقيقة أن مصر أجرت تبادلات ثقافية وتجارية متعددة الأوجه مع الحضارة اليونانية. لكن حتى المملكة البطلمية التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان كانت «يونانية» في جانب منها. فالنخبة الحاكمة الجديدة كانت في معظمها من أصل مقدوني، وبالتالي على هامش اليونانية. وسرعان ما وصفوا أنفسهم بالفراعنة واعتنقوا التقاليد المصرية الأصلية. وفي ظل الحكم الروماني، حافظت مصر أيضا على مكانتها الخاصة، ولم تتحول إلى مقاطعة رومانية، وتضم تصنيفها على أنها مجال خاص بالإمبراطور. وحتى عندما أعلن الإمبراطور كاراكالا أن على جميع المصريين أن يكونوا مواطنين رومانيين، لم يتغير الكثير في واقع الأمر عدا الزيادة في الضرائب التي فرضت على المصريين. وهناك الافتراض بأن الجوهر الإسلامي الحصري لمصر أكثر تعقيدا. فتشير أغلب المصادر إلى تحول غالبية المصريين إلى الإسلام بعد قرنين من الفتح الإسلامي لمصر، لكن الإسلام تطور في مصر على محاور مختلفة. فالإسلام في العصر الفاطمي لم يكن هو ذاته في العصر الأموي. ففي العصر الفاطمي تبنت مصر مذهبا دينيا يحمل الهرطقة في بعض سماته. والنهج الذي برز بعد قرون من التطور كان إسلاما مصريا جعل من مصر واحدة من الدول ذات الأغلبية المسلمة القليلة التي لا تشهد انقسامات طائفية. وللمسيحية في مصر لديها تجربة مماثلة بلغت ذروتها في توطيد الكنيسة القبطية. ورغم عدم قبول كل من المسيحية والإسلام فكرة الدولة في حالة مصر، نتيجة لطموحاتهما العالمية، كان على كل منهما التوافق معها رغم وجود درجة من التحفظ. يتركز الإسلام المصري في الأزهر، المؤسسة المصرية العريقة، لكنه لا يختلف عن أي سلطة خارج الدولة. وبالمثل، تجنبت الكنيسة القبطية محاولات جرها في شبكة عالمية باسم الوحدة المسيحية. ولديها بنيانها القيادي الخاص، وطقوسها وحتى لغتها ولا تملك سلطة دينية خارج مصر. محاولات خفض الهوية المصرية المعقدة إلى مكون واحد فقط من مكوناتها الكثيرة دائما ما كان يؤدي إلى توتر وصراع وعنف ينتهي بالفشل. وهو ما ينطبق بشكل خاص على دعاة القومية والإسلاميين. خلافا للاعتقاد السائد لم تبدأ دعوة القومية العربية بعبد الناصر، بل ظهرت على المسرح الثقافي في العشرينات عندما استلهم بعض المفكرين من ارتقاء موسوليني للسلطة في إيطاليا، وبدأوا الحديث عن إحياء الإمبراطورية العربية الأسطورية التي تقودها مصر. وكان هدفهم الأساسي من هذا الحشد الرابطة الشرقية التي كان أبرز رموزها منصور فهمي والدسوقي أباظة وصالح جودت. وفي عام 1938 تأسست رابطة الوحدة العربية على يد الكاتب محمود علي علوبة بكتابه «في السياسة المصرية» كنوع من التصريح الرسمي الذي طور فكرة العروبة. وحقق اتحاد الطلبة المعروف باسم رابطة العروبة الذي يقوده أسعد داغر بعض النفوذ في الثلاثينات. وانتشرت فكرة العروبة من خلال أعمال عبد الرحمن الكواكبي، الذي ولد في محافظة حلب في العصر العثماني. * نهضة الوحدة الإسلامية ظهرت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية على يد الإخوان المسلمين. وكانت الوفود المصرية حاضرة في مؤتمر الوحدة الإسلامية في يوفا، بتساريست روسيا عام 1856. ومن بين المدافعين الآخرين عن الوحدة الإسلامية الناشط السياسي والديني الإيراني جمال الدين أسدآبادي إلياس (المعروف باسم جمال الدين الأفغاني)، الذي قضى تسع سنوات في مصر. وتبنى هو وتلامذته وبخاصة الشيخ محمد عبده فكرة تجديد الخطاب الديني والذي وجد بالفعل أنصارا له بين المسلمين في الهند والإمبراطورية الروسية وإيران (ونأى الأفغاني فيما بعد بنفسه عن الوحدة الإسلامية ودعا إلى بناء دول على النمط الغربي في البلاد الإسلامية). وفي تسعينات القرن التاسع عشر صدرت صحيفة «المؤيد» ورأس تحريرها الشيخ علي يوسف وتلاه مصطفى كامل، وصحيفته «اللواء» التي روجت لأفكار الوحدة الإسلامية. وكان خديويو مصر، الذين يحكمونها في ظل الحكم العثماني، يشجعون الوحدة الإسلامية بين الحين والآخر لتبرير بناء الإمبراطورية مثل ضم النوبة والسودان وغزو الحجاز وسوريا. وقد راودت الملك فؤاد فكرة تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، ليسد الهوة التي تركها سقوط الخلافة في إسطنبول عام 1928. وانقسم مؤيدو الوحدة الإسلامية بشأن الحاجة إلى الإصلاح، ففي الوقت الذي حاول فيه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الترويج للإسلام البراغماتي، دعا محمد رشيد رضا في تفسيره المنار إلى استعادة الحقبة الذهبية لعصر الإسلام الأول، وأكد على أن الإصلاح سيتطلب حتما التخلي عن بعض مبادئ الشريعة والعقيدة الإسلامية، وهو ما من شأنه أن يعرض الإيمان ككل للخطر. لكن مؤيدي الوحدة الإسلامية فشلوا في إقناع غالبية المصريين، وفي بداية القرن العشرين نفدت طاقتهم وتبددت أحلامهم في حدوث ذلك. وفي عام 1927 حاولت حركة معروفة باسم جمعية الشبان المسلمين التي أسسها عبد الحميد سعيد إحياء القيم المنسية، لكنه فشل. وانتقلت المهمة إلى حركة أخرى، هي حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا عام 1928. وكانت تلك لحظة مواتية لإعادة تدشين فكرة الوحدة الإسلامية لمواجهة القومية الوليدة والحركة العمالية الناشئة المستوحاة من الآيديولوجيات الاشتراكية والشيوعية. كان «الإخوان» أول حركة إسلامية مصرية تحقق نجاحا في بناء شبكة دولية. وكان لها فروع في عدة دول عربية. وكان لها وجود بين المسلمين الهنود تحت الحكم البريطاني عرف باسم الجمعية الإسلامية. حتى أنها أسست فرعا لها في إيران الشيعية عرفت باسم فدائي الإسلام بقيادة مجتبى ميرلوهي. وكان روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران فيما بعد، أحد أعضائها. وقد انجذب مرشد إيران الحالي، علي خامنئي أيضا إلى آيديولوجية الإخوان وتم ترجمة كتابين عن منظر الإخوان سيد قطب. وقد نعى خامنئي سيد قطب في يونيو (حزيران) الماضي في خطاب ألقاه في طهران، باعتباره واحدا من أكبر ثلاثة «مفكرين إسلاميين» في كل العصور - الاثنان الآخران هما الخميني والصحافي الباكستاني أبو الأعلى المودودي. حاول الإخوان أيضا السيطرة على الجيش من خلال اختراقه. وأنشأت الجماعة خلية عسكرية سرية يقودها العقيد عبد المنعم عبد الرؤوف. وخططت الخلية لاغتيال جمال عبد الناصر عام 1954. في البداية يعاني «الإخوان» من تناقضات آيديولوجية لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، تسببت في جزء منها على الأقل، في النكسة الاستراتيجية التي عانت منها. فلا يمكنها أن تتخلى عن مصريتها إلى الدرجة المطلوبة لتحويلها إلى حركة آيديولوجية عابرة للحدود. ومن ثم يتقاسم الإخوان ورطة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي، وهي حركة فكرية ذات طموحات آيديولوجية عالمية. وكانت الوحدة الإسلامية إحدى نقطتي ضعف الإخوان المسلمين، والأخرى هي لجوء الجماعة إلى العنف والإرهاب. لفترة من الوقت، انجذبت جماعة الإخوان إلى الحركات القومية الأوروبية الراديكالية مثل الفاشية والنازية. ولم يخف البنا إعجابه بموسوليني وهتلر، على الرغم معاداة النازية والفاشية للدين. وحضر وفد من الإخوان مؤتمر نورمبرغ عام 1936 الذي عرض فيه هتلر أهدافه الآيديولوجية. رغم كون مصر المركز الأكثر نشاطا للإسلام السياسي في نسخه الكثيرة، فإنها أنتجت بعض المفكرين الذين انتقدوا الإسلام السياسي من قبل علماء مثل محمد سعيد العشماوي وحسين أحمد أمين. وخلال معارضة الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، روج بعض المثقفين الأفكار القومية والعلمانية. فكرة القومية المصرية كانت في مرحلة التشكل منذ القرن التاسع عشر. ووجدت تعبيرا منحرفا في تمرد أحمد عرابي باشا في عام 1879 و1882. ورغم ذلك، تمزقت الحركة نتيجة لتناقضاتها الداخلية، بما في ذلك اعتبار عرابي كما لو كان «المهدي» ذا طموحات ضمنية مؤيدة للوحدة الإسلامية. شكل أحمد لطفي السيد ومجموعة مجلة «الجريدة» حاول فيها تعريف الهوية المصرية بصورة تتخطى الإسلام - أو العروبة. وكتب لطفي السيد «كانت مصر جزءا من المحيط الثقافي اليوناني اليونانية والرومانية والسياسية لأكثر من 1000 سنة. كيف يمكنها تجاهل هذا الجزء من تراثها؟». وضعت تلك كبديل لمفاهيم الأمة الإسلامية أو العربية، ووجدت فكرة المصرية دعاة بارزين، ولا سيما عبد العزيز فهمي وطه حسين وحسين هيكل وحسن الزيات. وطور عباس محمود العقاد الفكرة في سيرة سعد زغلول، كبطل للحركة من أجل الاستقلال ضد البريطانيين. كانت القومية المصرية تتداخل مع العلمانية في بعض الأحيان. كما أنشئت أيضا المحافل الماسونية عام 1880. ومن المثير للاهتمام، انضمام بعض الشخصيات القومية الإسلامية مثل جمال الدين الأفغاني وعبده إلى جمعيات سرية كما فعل الكاتب عبد السلام الموالحي. وأصبحت شخصيات عسكرية مثل محمد سامي البارودي وعبد اللطيف سليم بك أيضا من الماسونيين الأحرار. إلى جانب أصوات الحركة الوطنية الناشئة الداعمة للتغريب. لقيت هذه الفكرة ترحيبا من الخديو إسماعيل الذي رأى مصر جزءا من «الفضاء الأوروبي»، إلا أن ذلك أدى إلى إفلاس الدولة والهيمنة البريطانية عليها. كما وجدت القومية المصرية مدافعين متحمسين مثل سلامة موسى وإسماعيل مظهر وحسين فوزي. وبدأ توفيق الحكيم يرتدي قبعة على الطريقة الفرنسية في تناقض مع الطربوش الذي يرمز للنخبة الحاكمة. ورغم تأثيرها على الحركات الإسلامية المصرية اجتذبت الفاشية والنازية البعض على هامش القومية المصرية. فأنشأت حركة مصر الفتاة ميليشيا تعرف باسم القمصان الخضراء والتي تشكلت على غرار الحركة الألمانية إس إس. وطالب أحمد حسين برفض الحكم الدستوري والانتخابات ودافعوا عن إنشاء الإمبراطورية. وفي عام 1940 غيرت القمصان الخضراء من سياستها وأعادت تسمية نفسها حزب مصر. وألهمت الحركة الوطنية ظهور أحزاب على اليسار. وأنشئ الحزب الديمقراطي المصري عام 1919. بعد عام من ذلك ظهر الحزب الاشتراكي إلى الوجود في الإسكندرية وتأسس الحزب الاشتراكي عام 1922 بعد انقسام الاشتراكيين. وأبرز اتحاد العمال المصريين، الذي هيمن على اليسار، عضلاته بسلسلة من الإضرابات عام 1924. * قبل الـ«فيس بوك» لم تبدأ الحركة المؤيدة للديمقراطية في مصر مع جيل موقعي التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» مثلما يظن البعض. فمن ثمانينات القرن التاسع عشر، أيد شبلي شميل وفرح أنطون، رغم فشلهما في القضاء على تقليد السلطة الأبوية بالكامل، إرادة الشعب بوصفها المصدر الرئيسي للشرعية السياسية. حتى أن أحمد لطفي وحزب الشعب التابع له ذهبا إلى مدى أبعد، مثلما فعل سلام يوسف. زعم علي يوسف وحزبه الدستوري أن «الإرث اليوناني الروماني» لمصر ينبغي أن يدفع بها نحو الحكم الديمقراطي. شكلت مصر أول برلماناتها في عام 1866. قبل 10 سنوات من العثمانيين و40 عاما من الإيرانيين، ومن ثم أصبحت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تملك هيئة تشريعية. وكان السعي وراء المصرية الصميمة بمثابة مصدر إلهام لنهضة ثقافية. بدأ هذا بترجمة ما يزيد على 400 نص بارز من الأدب الغربي، وخصوصا من اللغة الفرنسية. أطلق مفهوم مساواة المرأة قاسم أمين في كتابه «تحرير المرأة» في عام 1899. وأشار في كتابه إلى أنه لا ينبغي استغلال الحجاب كذريعة لقمع النساء. حظي مؤيدو حقوق المرأة بدعم ضمني من بعض الخديوات. في عام 1874. أنشأت مصر أول مدارس حكومية لتعليم الفتيات في العالم الإسلامي، لتسبق إيران بنصف قرن. قبل وقت طويل من ظهور موقع الـ«فيس بوك» والهواتف الجوالة، حاول المصريون توظيف أحدث الوسائل التكنولوجية في المطالبة بالحرية واحترام حقوق الإنسان. أنشئت أول صحيفة مطبوعة في العالم الإسلامي في الإسكندرية في عام 1805، لتتقدم على العثمانيين والإيرانيين بنحو 40 عاما. كذلك، كان المصريون أول من ينشرون الصحف في العالم الإسلامي بشكل دوري. بدأ نشر جريدة «الوقائع المصرية» في عام 1827. قبل 10 أعوام من ظهور الصحف في الإمبراطورية العثمانية وإيران. وفي فترة قصيرة على نحو مدهش من الناحية الثقافية، شكل المصريون ثقافة مميزة ارتكزت على التراث المتشعب. جمع محمد مرتضى الزبيدي أول قاموس حديث باللغة العربية نشر في عام 1870. وكان حسن البدري الحجازي وإسماعيل زهوري، اللذان تجرآ على نقد الدين، رائدين لإحياء الشعر العربي الكلاسيكي. أثرى تراثهما أناسا على شاكلة حافظ إبراهيم وإسماعيل صبري. بدأ الابتعاد عن الشعر التقليدي بالأعمال الكلاسيكية الحديثة لأحمد شوقي وسامي البارودي. وفي عام 1910. نشر محمد حسين هيكل رواية «زينب»، وهي أول رواية حديثة باللغة العربية. وفي الفترة ما بين الثلاثينات والثمانينات من القرن التاسع عشر، والتي يعدها البعض «عصرا ذهبيا»، ابتكر المصريون موسيقى متفردة خاصة بهم، مستوحاة من التقاليد الهندية والفارسية والعثمانية والأوروبية من دون محاكاة ساذجة. أحيا محمود حسن إسماعيل الموسيقى الشعبية في مصر وأثراها. وأصبحت الأوبرا والمسرح، ولاحقا السينما والفنون، جزءا من الحياة المصرية، على الأقل في المناطق الحضرية. طور المصريون شعرا شعبيا خاصا بهم، يعرف باسم «شعر العامية» (الشعر العامي)، فضلا عن ذلك، فقد كانت لديهم نسختهم من الكوميديا الارتجالية قبل وقت طويل من تكوين الأوروبيين كنزا ثمينا من النكات. كان يعقوب صنوع، وهو كاتب يهودي من الإسكندرية، منتجا بارزا لأعمال الفكاهة الهزلية تحت اسم الشيخ أبو نظارة، والتي كان ينتقد فيها جوانب من المجتمع المتسلط الاستبدادي. وبوصفه صديقا للأفغاني وعبده وعرابي باشا، كان أبو نظارة من أوائل المؤيدين للقومية المصرية. يمكنك أن تخرج المصري من مصر ولكن لا يمكنك أن تخرج مصر من المصريين. ثمة عبارة مأثورة متكررة ألا وهي أن مصر لم يتزعمها حاكم مصري حتى عبد الناصر. ولكن هذا هراء. فكل هؤلاء الذين حكموا مصر، بمن فيهم المماليك، انتهى بهم الحال لأن يصبحوا مصريين. هل بإمكان أحد أن يعتبر كليوباترا تحمل أي جنسية خلاف المصرية؟ رغم أصولهم التونسية وشبكاتهم الإسلامية، كان الفاطميون سلالة مصرية أساسية. وماذا عن محمد علي باشا، المحارب الألباني المقدوني العثماني، الذين كان يجد صعوبة في تحدث اللغة العربية «بشكل صحيح»؟ بل وحتى إفلين بارينغ: «القنصل العام» والحاكم الفعلي لمصر على مدار عقدين، انتهى به الحال لأن يصبح كرومر باشا أو لورد كرومر مصر. كان جورجي زيدان سوريا ومسيحيا. لكن هل هناك كاتب أكثر مصرية منه؟ وماذا أيضا عن كاتب مسيحي آخر، هو الصحافي فرح أنطون، أو الإخوة تقلا المسيحيون السوريون الذين أسسوا دار «الهلال» للنشر، التي كانت في تلك الفترة أكبر صرح من نوعه في المنطقة؟ كان البارودي من أصل شركسي. ولكن لم يكن أحد ليشكك في قامته كشاعر مصري عظيم. حتى أن شوقي كان شخصية أكثر تعقيدا. فقد كان كرديا ويونانيا وشركسيا بحكم المولد، وكان يمزح بقوله إنه ليس لديه ولو قطرة دم مصرية واحدة. بخلاف ذلك، كان وجوده بالكامل مصريا. هل يستطيع أحد أن يشكك في مصرية نجم الدروز اللبناني فريد الأطرش أو قطب السينما المصرية المخرج المسيحي يوسف شاهين؟ لقد أشرنا بالفعل إلى الأفغاني الإيراني الشيعي، الذي تبناه المصريون بوصفهم واحدا منهم. غير أن أحدث منتقديه، وهو رشيد رضا، كان أيضا «أجنبيا» لكونه من أصل سوري. تشير أسماء العائلات المصرية إلى تباين نادر في الخلفيات العرقية والدينية. * التقليد العسكري إن خطوة الجيش لإسقاط الرئيس محمد مرسي على خلفية موجة السخط الشعبي من حكومة الإخوان ليست بظاهرة جديدة. فتقليد الانقلابات العسكرية لم يبدأ مع اللواء محمد نجيب والعقيد جمال عبد الناصر في عام 1952. من ناحية، أتى محمد علي باشا نفسه إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري. وقبل ذلك، شهدت مصر انقلابا فاشلا في فبراير (شباط) 1879. وكانت هناك محاولة انقلاب أخرى فاشلة في عام 1954 عندما تم اعتقال 250 ضابطا وتقديمهم للمحاكمة. وفي عام 1955، دبر العقيد خالد محيي الدين انقلابا لدعم نجيب الذي تمت تنحيته من قبل عبد الناصر. أخذ ناصر الرسالة وأجرى عملية تراجع تكتيكي عن التمسك بالسلطة ضده. وتم الكشف عن مؤامرة أخرى للقيام بانقلاب في عام 1968. إن علاقة الجيش المصري بالعالم الخارجي ليست أمرا جديدا الآن بالمثل. في البداية، كان جيش الخديو مؤلف بشكل حصري من مجندين أتراك وأكراد وألبان وشركسيين. لكن كان هناك أيضا مجندون عدة من أصل يوناني وبلغاري وإيطالي. وأحيانا، ما اتسعت الشبكة بشكل أكبر. قاد جنرال بريطاني، هو صامويل بيكر باشا، الجيش المصري في حربه ضد السودان. وفي عام 1877، أصبح الجنرال الأميركي ستون رئيسا لأركان القوات المسلحة المصرية. وخلال القرن التاسع عشر، ساهمت مئات المنظمات غير الحكومية الفرنسية والبريطانية والضباط الأجانب في تدريب وتنظيم صفوف الجيش المصري. وفي سبعينات القرن التاسع عشر، تطوع كثير من الخبراء الأميركيين في الحرب الأهلية، معظمهم من معسكر الحلفاء، للمساعدة في تدريب الجيش المصري. لقد بعث ما يسمى «الربيع العربي» أملا في قدرة مصر على ابتكار وسيلة جديدة لتغيير الحكومات. وقد اعترى ذلك الأمل من انتكاسة ولكنه لم يمت. من الصعوبة بمكان تخيل الجيش يحاول إحكام قبضته على الحياة السياسية في الدولة. هل ستصبح مصر جزائر أخرى؟ والإجابة بالنفي. فالمصريون ليسوا مثل الجزائريين ولديهم قدرة فريدة على المقاومة والصبر والصمود. كأرض، تعتبر مصر هبة النيل الذي ربما يعكس، من خلال تنوع مصادره، الحقيقة المصرية. من اليسير أن نطلق على النيل نهرا. ولكنه أكبر من ذلك بكثير؛ فهو رمز لمصر. في حقيقة الأمر، النيل عبارة عن نهرين اتحدا معا أعلى مسارهما لتكوين الوادي الذي أصبح ممثلا في مصر. بل إن النيل حتى أكبر من مجرد تزاوج نهرين كبيرين. تنتشر مصادره الكثيرة عبر 11 دولة، مع وجود أكثر من 100 رافد مباشر وغير مباشر. غير أنه لم يتم فهم النيل وتفسيره بشكل كامل بعد، فبعض مصادره لم يتم اكتشافها. إنه رمز للاتحاد. وهذا هو ما كانت عليه مصر آلاف السنين. وأي شخص يحاول تقليص تلك الحقيقة المعقدة في صورة نموذج واحد مقدر له الفشل.

من التاريخ : درع مصر في عين جالوتمن التاريخ : درع مصر في عين جالوت

$
0
0
تابعنا في الأسبوعين الماضيين الفتوحات المغولية في العالمين العربي والإسلامي وفي الصين وأوروبا، وبات كما لو أنه لا يوجد من يقف أمام هذه القوات الهمجية التي كانت لها الغلبة في المعارك التي خاضوها، فسرعة حركتهم كانت الباعث الأساسي لانتصاراتهم، فلم تستطع القوات النظامية المختلفة أن تقف أمامهم، وبات كما لو أن سقوط العالم الإسلامي بات وشيكا، فها هي فارس تخضع لجبروت جنكيز خان وعنفوانه وقسوته، كما سقطت الخلافة العباسية على أيدي هولاكو الجبار الذي دمر المدينة لمدة ثمانية أيام بلا رحمة، ولم يبق أمامه سوى التحرك صوب بقية العالم العربي، فكانت الفرصة مواتية له، فبدأ جهده العسكري تجاه الغرب وبدأ حملته العسكرية الجديدة في سوريا. لقد ظهرت جيوش هولاكو حفيد جنكيز خان خلال مرحلة صعبة للغاية بالنسبة للعالم الإسلامي، فلقد انهارت الخلافة العباسية، على الرغم من أنها كانت في حالة يرثى لها، ولكن اندثار الخلافة وضع العالم الإسلامي في حالة يُتْم سياسي، خاصة أن مركز الثقل التالي الذي تمثل في مصر كان يمر بظروف صعبة للغاية بسبب الصراع على السلطة واحتضار الدولة الأيوبية، وبالتالي، فإن آخر فرص الصمود أمام الغزو المغولي كانت بأيدي مجموعة من العبيد المعروفين في التاريخ المصري باسم «المماليك»، حيث كان يشتريهم رجال الدولة الأيوبية لحمايتهم وتكوين جيوشهم الخاصة أو ميليشياتهم، وبالتالي، فإن الحالة في مصر كانت حرجة للغاية، لا سيما بعد اندثار الدولة الأيوبية، وبات من الواضح أن مصر قد تدخل في حرب أهلية فتصبح فريسة سهلة في أيدي المغول. وعلى الرغم من استعدادات هولاكو، فإنه اضطر لمغادرة سوريا صوب منغوليا على أثر سماعه بوفاة الخان الأعظم، مما دفعه للسعي إلى الحصول على نصيبه من الميراث السياسي، فترك الرجل شؤون الجيش المغولي إلى قائده «كتبغا» بعد أن أخذ نسبة لا بأس بها من جيشه معه، وعلى الفور بدأ «كتبغا» يطمع في مصر، فأرسل الرسل إليها، فكان رد المماليك قطع رؤوسهم إيذانا بالحرب، وبالفعل بدأ كتبغا يتحرك صوب مصر عبر فلسطين على رأس جيش تختلف حوله التقديرات، فترى بعض المصادر الغربية أن جيش المغول تراوح بين عشرين وثلاثين ألفا، ولكن في التقدير أن هذا الرقم أقل بكثير من الرقم الحقيقي، فلقد كان جيش هولاكو يقارب مائتي ألف مقاتل، وما كان له أن يترك جيشه يسيطر به على العراق والشام ويستعد لمنازلة مصر بثلاثين ألفا كما ورد في بعض الآراء، وبالتالي فإن التقدير المنطقي يكون في حدود ما بين الخمسين إلى السبعين ألف مقاتل. وعلى الفور استعد قائد المماليك المظفر قطز فجمع الجيش المصري الذي تكون في ذلك الوقت من المماليك وبعض البدو وقبائل الهوارة والأعراب والمصريين، لمواجهة المغول في أول حرب مفتوحة بين الطرفين. وتشير بعض المصادر الغربية إلى أن الجيش المملوكي بلغ أكثر من مائتين وعشرين ألفا، ولكن في التقدير أن هذا الرقم مبالغ فيه بشكل كبير للغاية، فالمماليك لا يتوقع أن يزيد عددهم على مائة ألف على أقصى تقدير بما في ذلك القبائل والقوات غير النظامية. لم يضع قطز الوقت فاتجه إلى فلسطين بعد أن أمن خطوط إمداده من خلال الحامية الصليبية التي كانت موجودة في عكا، وهو ما سمح له بالتوجه مباشرة إلى عين جالوت لملاقاة المغول، وقد اختار الظاهر بيبرس موقع المعركة بعناية، فلقد كانت له خبرة في التعامل مع المغول، خاصة أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أنه كان عبدا مملوكا لأحد القادة المغول، فكان على دراية كاملة بفنون القتال لديهم، فاختار الرجل موقع المعركة بعناية فائقة بحيث وضع جزءا كبيرا من جيشه خلف الجبال المحيطة بسهل عين جالوت تاركا المشاة يواجهون الهجوم المغولي وحدهم، وقد صدق حدس الرجل، فسرعان ما بدأت ميسرة الجيش المصري تنكسر أمام ضغوط فرسان المغول المدربين تدريبا على أعلى مستوى، وبالفعل تراجع المماليك بقوة جاذبين الميمنة المغولية إلى فخ منمق، فما كان من بيبرس إلا أن التف حول الميمنة من خلال هجمة شرسة أحاطت بالجيش من الخلف وطوقته، وقد أتقن المماليك الفخ وفرضوا حصارا على المغول انتهى بهزيمة ساحقة لهم أغلب الظن أنها أدت لقتل أغلبية الجيش المغولي. لقد مثل انتصار المصريين في معركة عين جالوت تغيرا نوعيا في الخريطة السياسية والعسكرية لمنطقة الشرق الأوسط، كما كانت لهذا النصر آثاره المباشرة في تغيير منحي السياسة الدولية، وذلك من خلال ما يلي: أولا: لقد مثلت هذه أول هزيمة ساحقة للمغول في المنطقة العربية والإسلامية، وهو ما كان له أكبر الأثر في كسر هيبة هذا الجيش الذي لا يقهر، خاصة بعد ما فعله عقب تدمير بغداد، وهو ما جرأ العالم الإسلامي على مواجهة هذا الخطر المحدق. ثانيا: إن الانتصار المملوكي ما كان ليتم لولا وجود تحالف مهم تغفله كثير من كتب التاريخ بين دولة المماليك في مصر من ناحية و«القبائل الذهبية» Golden Horde وهي فصيل من القبائل المغولية التي كانت تقطن روسيا، فلقد دخلت هذه القبائل في الإسلام ورفضت التعاون مع قوات هولاكو؛ بل أصر أميرها المعروف باسم «بيركاي» على أن يساند مصر والمسلمين في مواجهة هولاكو. ثالثا: اتصالا بما سبق، بدأت دولة المماليك تستعد لمواجهة المغول مرة أخرى، فقام بيبرس الذي تربع على عرش مصر بعد قتله لقطز، بتحصين سوريا واتباع سياسة الأرض المحروقة من أجل تجويع خيل المغول، وبالتالي عندما عاود المغول حربهم ضد المماليك، فإن مصر كانت مستعدة، وعلى الرغم من تحقيق المغول بعض الانتصارات، فإن المحصلة النهائية كانت هزيمتهم خاصة بعد موت هولاكو في عام 1264م. رابعا: وضعت هذه الانتصارات حد التماس الفاصل بين الدولة المملوكية والمغول الذين آثروا البقاء في فارس وإقامة الدولة الإلخانية، كما سنرى، مكتفيين بهذا القدر من الدولة الإسلامية خاصة بعدما باءت آخر محاولات المغول للسيطرة على مصر بالفشل عندما هزم السلطان الناصر بن قلاوون «اباكا» ابن هولاكو وآخر الجنرالات المغول. إن معركة عين جالوت تعد بالفعل إحدى أهم المعارك على مر التاريخ، وهي بالفعل نموذج للمعارك الفيصلية التي تغير وجه السياسة والتاريخ.. من ناحية أخرى؛ فقد وقى هذا الانتصار مصر والعالمين العربي والإسلامي خطر المغول، وسمح بأن يكون لها أكبر الأثر في تشكيل النظام السياسي الدولي، ووضعت الدولة المملوكية وقاعدتها مصر في مصاف القوى العظمى على المستوى الدولي. * كاتب مصري

بليز كومباوري.. الوسيط الأفريقي الناجعبليز كومباوري.. الوسيط الأفريقي الناجع

$
0
0
وقف رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري الأسبوع الماضي في العاصمة الإيفوارية ياماسكرو، ليتحدث عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مالي بنوع من الزهو والإحساس بالنصر، فهو «الوسيط الأفريقي» الذي تمكن من إقناع منفذي انقلاب 22 مارس (آذار) 2012 بتسليم السلطة لرئيس بالوكالة وحكومة انتقالية؛ كما أنه هو نفس «الوسيط» الذي جمع الحكومة الانتقالية مع المتمردين في الشمال في عاصمة بوركينا فاسو واغادوغو، ليخرجوا باتفاق هو الذي مكن من تنظيم هذه الانتخابات الرئاسية. ولكن رغم إحساسه بالنصر إلا أن رئيس بوركينا فاسو كان يحس بأن الطريق طويل أمام الماليين لاستعادة السلام التام، حيث قال إن «الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تمثل مرحلة حاسمة في الطريق نحو استعادة المؤسسات الشرعية في مالي»، وذلك في إشارة إلى أن جولة أخرى من المفاوضات بين شمال مالي وجنوبها، من المنتظر أن يشرف عليها كومباوري بعد شهرين من انتخاب رئيس جديد لمالي. هذا الحضور القوي لكومباوري في أزمة مالي سبقه حضور مماثل في أزمات أخرى اندلعت في منطقة غرب أفريقيا، مستفيدا في ذلك من ربع قرن قضاه رئيسا لبوركينا فاسو؛ فكان بذلك محل جدل كبير حيث يعتبره البعض رجل الوساطات الناجعة في غرب أفريقيا، ويصفه أنصاره بأنه «عراب النهضة الديمقراطية في بوركينا فاسو»، ومصحح مسار ثورتها؛ فيما يرى خصومه السياسيين أنه «أحد عوامل عدم الاستقرار في المنطقة»، وليس الرجل المناسب لتقديم النصح في الديمقراطية. ولد رجل بوركينا فاسو القوي في الثالث من فبراير (شباط) 1951، في بلدة «زينياري» وسط بوركينا فاسو، ضمن عائلة تتكون من سبعة إخوة هو أكبرهم، لأب كان جنديا في الكتيبة السنغالية ضمن الجيش الفرنسي، قبل أن يلتحق بالحرس الجمهوري سنة 1947، وهي وظيفة كان لها الأثر المباشر على طفولة كومباوري ومراهقته؛ خاصة بعد أن فقد والدته وهو في الخامسة عشرة، فتوطدت علاقته بوالده وأصبح يرافقه في رحلات صيد داخل غابات الاستواء وأودية وجبال «فولتا العليا»، الاسم السابق لبوركينا فاسو، فهنالك بدأت علاقة الفتى اليافع بالسلاح. كومباوري الذي حصل على شهادة البكالوريا سنة 1972، توجه نظره، كأي شاب في ذلك العهد، إلى الزي العسكري وما يحمله من هيبة وسلطان في مجتمع خرج للتو من حقبة الاستعمار، «فكان على عادته جريئا وحاسما» عندما توجه إلى المدرسة العسكرية وحيدا، كما يقول في إحدى مقابلاته.. «ذهبت وحدي إلى معسكر غويام، وفي نفس اليوم ارتديت الزي العسكري وأرسلت للتدريب في معسكر واغا، حيث كنت من حراس إقامة الرئيس». بدأت المسيرة العسكرية لبليز كومباوري سنة 1973، بعدة تدريبات في فرنسا وألمانيا والمغرب والكاميرون؛ قبل أن يتم اختياره سنة 1980 مساعدا لرئيس أركان القوات المسلحة؛ وفي يناير (كانون الثاني) 1981 ترأس المركز الوطني لتدريب الكوماندوس في مدينة «بو»؛ يرقى سنة 1982 من رتبة ضابط إلى نقيب. في ظل تدرج كومباوري في الرتب والمناصب العسكرية، كانت «فولتا العليا»، تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي، سيكون للعسكريين دور كبير في النتائج المترتبة عليها، حيث تدخل بعض هؤلاء العسكريين وقاموا بإسقاط الجمهورية الثالثة في الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، لتتربع على السلطة في فولتا العليا «اللجنة العسكرية للخلاص من أجل التقدم الوطني»، التي كان بليز كومباوري ورفيق الطفولة والسلاح توماس سانكارا عضوين فيها؛ غير أنهما لم يتأخرا ضمن مجموعة من الضباط الشباب المتحمسين، في إبداء الامتعاض من طريقة حكم اللجنة العسكرية الجديدة، فأعلنوا استقالتهم فجرى اعتقالهم ووضعوا تحت الحراسة المشددة. ظلت الأوضاع مضطربة في ظل حكم اللجنة العسكرية للخلاص من أجل التقدم الوطني، ليتدخل عسكريون من بينهم كومباوري وسانكارا، سنة 1982، فأزاحوا اللجنة العسكرية واستولوا على الحكم تحت اسم «مجلس تحية الشعب»، ولكن الخلافات لم تتوقف حيث بدأ الشرخ يظهر على السطح بين الضباط التقدميين وزملائهم من المحافظين، وهو ما أسفر عن اعتقال زعيم الضباط المحافظين توماس سانكارا في مايو (أيار) 1983، فيما أفلت كومباوري من الاعتقال، ليتحصن في معسكر لتدريب الكوماندوز، ويبدأ في تنظيم مقاومة شرسة لإطلاق سراح رفيقه وضباط آخرين معتقلين، وهو ما تمكن منه بعد عدة أيام، لتبدأ ثورة انتهت بالسيطرة على العاصمة واغادوغو يوم 4 أغسطس (آب) 1983، فأسس الثوار «المجلس الوطني الثوري» بقيادة سانكارا، وغيروا اسم الدولة من «فولتا العليا» إلى «بوركينا فاسو»، وتعني باللغة المحلية «أرض الرجال الشرفاء». بدأ الثوار في إجراءات إصلاحية واسعة تماشيا مع الآمال الكبيرة التي علقها الشعب على الضباط الشباب الحاكمين، الذين رفعوا شعارات معادية للإمبريالية ومنادية بالقومية الأفريقية؛ فأصبح قائد الثورة سانكارا يلقب بـ«تشي غيفارا أفريقيا»، وهو ما أزعج بعض الدول المجاورة، ولم يكن محل استحسان لدى القوة الاستعمارية السابقة فرنسا. أربع سنوات كانت كافية ليصل الخلاف بين الرئيس سانكارا وصديقه المقرب كومباوري، إلى نقطة النهاية، لينقلب كومباوري على صديقه ورفيق سلاحه يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1987، قتل خلاله سانكارا برشاش مدفع ثقيل استهدف مقر إقامته.. ليخرج كومباوري بعد ذلك بأيام ويقول للصحافيين إنه «فقد صديقا عزيزا». كان سانكارا يصف كومباوري بأنه «رجل ذكي جدا، وحساس جدا»؛ وقال في الأسابيع التي سبقت مقتله «إذا علمتم أن بليز كومباوري يخطط لانقلاب ضدي، فلا تشغلوا أنفسكم بالوقوف ضده أو بإخباري بالموضوع، لأن الوقت سيكون قد فات»؛ هكذا كان سانكارا يدرك قوة وحنكة «صديقه». فيما كان كومباوري يقول دائما كمبرر للانقلاب على رفيق السلاح: «لكي تستمر الثورة على الطريق الصحيح فلا بد أن تلازمها الحرية»؛ قبل أن يضيف أن ما حدث يوم 15 أكتوبر 1987 «لا يختلف عما يقع في أماكن أخرى من العالم، فالأنظمة المنغلقة والشمولية لا تنتهي بشكل جيد». كومباوري المشغول في البداية بترسيخ أركان حكمه ظل مترددا أمام مطالب محلية ودولية بالتحقيق في مقتل سانكارا، قبل أن يفتح تحقيقا جرى في ظروف استثنائية ولم يقد إلى نتيجة، فظل كومباوري يصف مقتل سانكارا بـ«الحادث». عاد ملف مقتل سانكارا ليزعج كومباوري من جديد مع تقرير أصدرته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أبريل (نيسان) 2006؛ أدانت فيه بوركينا فاسو لأنها ترفض التحقيق في ملابسات مقتل سانكارا؛ قبل أن يعترف زعيم الحرب السابق في ليبيريا، برينس جونسون، سنة 2008، بأن مقاتلين تابعين له شاركوا في تصفية سانكارا، مشيرا إلى أن العملية تمت بتحريض من كومباوري. الحقيقة الوحيدة هي أن بليز كومباوري بعد مقتل توماس سانكارا أصبح هو الممسك بزمام الأمور، فترأس الجبهة الشعبية التي تولت مقاليد الحكم، وفي أول خطاب يلقيه، بعد الانقلاب بأربعة أيام، وصف ما جرى بأنه «حركة تصحيح الثورة»، وأضاف أنه ماض في طريق الثورة ولكن بنهج جديد.. هو الديمقراطية، ذلك الضيف الجديد على غرب أفريقيا. كان الفرق كبيرا بين سانكارا وكومباوري، ويصل لدرجة التناقض، حيث اشتهر الأول بالكاريزما والفصاحة وملكة الخطابة؛ وقدرة هائلة على الإقناع؛ فيما عرف الأخير بأنه خجول إلى حد كبير، قليل الكلام وكتوم جدا؛ ولكن خلف هذا المظهر كانت توجد قبضة من حديد استطاعت بشكل تدريجي أن تمسك بمقاليد الأمور في بوركينا فاسو. جلب كومباوري التعددية الحزبية، وفاز في أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد؛ لتطوي بوركينا فاسو صفحة الانقلابات والانقلابات المضادة؛ وتدخل في عصر كومباوري الهادئ. وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الموريتاني المهتم بالشأن الأفريقي رياض ولد أحمد الهادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «كومباوري اعتمد في تأسيس قواعد حكمه على أمرين متناقضين: محاربة الإمبريالية، التي جعل منها وسيلة للوصول إلى الحكم؛ والانتماء إلى لوبي (فرانس - آفريك)، وسيلة للبقاء في الحكم طيلة ربع قرن». أما في ما يتعلق بالتحدي الاقتصادي حيث تعتبر بوركينا فاسو من بين أفقر خمس دول في العالم، أشار ولد أحمد الهادي إلى أن كومباوري «كان في بعض المراحل رجل القذافي في غرب أفريقيا وذراعه الضاربة، فمن خلاله عزز القذافي نفوذه في المنطقة، بينما استفاد كومباوري من المال الليبي حيث شيد بنية تحتية لعاصمة حديثة أطلق عليها (واغا 2000)». من القذافي إلى تشارلز تايلور ثم المتمردين الطوارق، تتشكل شبكة علاقات معقدة بناها كومباوري في شبه المنطقة، جعلته يواجه في العقد الأخير من حكمه تهما بالتورط في عدد من الصراعات، ولكنه ظل على الدوام ينفي هذه التهم؛ فقد وجه تقرير صادر عن محققين أمميين شهر مارس 2000، تهما إلى رؤساء أفارقة من بينهم كومباوري وشخصيات مقربة منه، بالتورط في تهريب الماس والتجهيزات العسكرية لصالح المتمردين في أنغولا. بعد ذلك بعدة أشهر فقط صدر تقرير عن مجلس الأمن يشير إلى أن بوركينا فاسو هي أكبر ممون بالسلاح لمتمردي «الجبهة الثورية الموحدة» في سيراليون؛ وهي الحركة المسلحة التي شكلها تشارلز تايلور، زعيم الحرب السابق ورئيس ليبيريا، المعتقل لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ ويشير نفس التقرير إلى أن تايلور حصل على مساعدة من مدربين قادمين من بوركينا فاسو وهو ما ساعده على ارتكاب جرائم حرب داخل الأراضي السيراليونية. وعن مثل هذه التهم يقول الكاتب والباحث المالي أبو بكر الأنصاري لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو، والموجود لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، سبق أن اتهم بليز كومباوري بدعم متمردي الشمال خلال تمرد 2002؛ ورغم تكذيبات كومباوري للتهم إلا أن الجميع كان يعرف أن قواعد هؤلاء المتمردين كانت داخل أراضي بوركينا فاسو، وأن رفاق زعيم المتمردين غوليوم سورو، كانوا محل ترحيب في واغادوغو». وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي الموريتاني رياض ولد أحمد الهادي إن «نظام الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع اتهم سنة 2004 كومباوري بالتورط في محاولة للإطاحة به، حين كان كومباوري يلعب دور الوسيط بين القذافي ومجموعة من الضباط في الجيش الموريتاني، فمرر إليهم المال والسلاح الليبي للإطاحة بنظام ولد الطائع». وأضاف ولد أحمد الهادي أنه «على الرغم من كل هذه التهم والشكوك، استطاع كومباوري أن يلعب دور الوسيط القوي في صراعات غرب أفريقيا، فنجح في إنهاء عدد من الأزمات القوية في توغو وساحل العاج وغينيا وأخيرا في مالي، كما تمكن من تحرير رهائن غربيين اختطفهم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو ما استخدم فيه بعض المستشارين الأقوياء على غرار مستشاره الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي». دور الوسيط الذي نجح فيه كومباوري ظل محل معارضة الكثيرين، حيث ترى الناشطة الحقوقية الكندية لويس آربور، رئيسة منظمة «مجموعة الأزمات الدولية»، في مقال نشرته «نيويورك تايمز» سنة 2009، أن «بليز كومباوري الذي كان عسكريا وقائد انقلاب عسكري، والذي يعتبر الراعي السياسي لزعيم الحرب الليبيري شارلز تايلور؛ ليس الرجل الأمثل لتقديم نصائح في الديمقراطية». نفس وجهة النظر كانت لدى بعض الماليين عندما جرى اختيار كومباوري كوسيط بين أطراف أزمة مالي، وذلك في ظل اتهامات وجهها الإعلام في مالي لكومباوري بربط علاقات مشبوهة مع المتمردين الطوارق؛ غير أن الكاتب والباحث المالي أبو بكر الأنصاري يرى أن «اتهامات الإعلام المالي لكومباوري لا تعود إلى علاقاته بالطوارق، وإنما لأن هنالك خلافا حدوديا وسوء تفاهم تاريخي بين مالي وبوركينا فاسو يعود إلى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، والتعامل مع المتمردين الطوارق هي التهمة الجاهزة لكل خصوم مالي». وأضاف الأنصاري أن «القوى العظمى في العالم دوما تصنع ديكتاتورا أفريقيا وتروج له بوصفه أحد حكماء المنطقة، وذلك ما فعله اللوبي الزنجي الأميركي مع الرئيس المالي السابق أمادو توماني توري، ويفعله الآن تيار فرنسا - الأفريقية مع كومباوري، حيث تسند له فرنسا أدوار الوساطة لأنه يخدم مصالحها في القارة الأفريقية». وأشار الأنصاري إلى أن كومباوري «لم ينجح في وساطته في الأزمة بمالي، لأنه جزء من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تدعم التدخل الفرنسي، وبالتالي فهو جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، فكل ما قام به عبارة عن استعراض سياسي عندما استضاف بعض قادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد وأصبح يملي عليهم تصريحات لا تتماشى مع المبادئ التي أسست عليها». رغم اتساع الجدل الدائر حول دور الوساطة الذي لعبه كومباوري في أزمات غرب أفريقيا، إلا أنها مكنت بوركينا فاسو من تجاوز عقدة الحجم الاقتصادي الضئيل، وتكتسب وزنا إقليميا، ولكن الأهم هو لفت الانتباه عن المشكلات الداخلية في البلاد، حيث ينتشر الفساد والفقر والجهل، وهو ما كان سببا مباشرا وراء حركة احتجاج وتمرد شهدتها بوركينا فاسو سنة 2011؛ وهي أقوى أزمة يتعرض لها كومباوري خلال ربع قرن حكم فيه البلاد، حيث بدأ النظام يترنح واهتزت صورة كومباوري بوصفه رئيسا دائما، ووجد نفسه خارج العاصمة واغادوغو، وأمام الاحتجاجات الشعبية التي قادها الطلاب والأساتذة، والتحق بها العسكريون، وجد نفسه مجبرا على اتخاذ إجراءات عاجلة كان أولها حل الحكومة، وكاد وسيط أفريقيا القوي أن يحتاج وسيطا في عقر داره. كان المحتجون في بوركينا فاسو الذين خرجوا بالتزامن مع الربيع العربي، يرفعون شعارات تطالب بالتغيير، ولكن الرجل المحنك الذي قضى نحو ربع قرن في السلطة، لم يكن يخطط بعد لمغادرة سدة الحكم، فبعد انتخابه رئيسا للجمهورية أول مرة سنة 1991 أعيد انتخابه بعد ذلك بسبع سنوات؛ وفي 2005 أعلن نيته الترشح لولاية رئاسية ثالثة، فاحتجت المعارضة واعتبرت أن ترشحه غير دستوري، مبررة ذلك بمادة في الدستور صادرة عام 2000، تحدد عدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط وتقلصها مدة الولاية من سبع إلى خمس سنوات. نفس المادة الدستورية هي التي استخدمها كومباوري وأنصاره لتبرير ترشحه لولاية ثالثة ورابعة، حيث أكدوا أن هذه المادة لا تنطبق على الولايات السابقة، فسمح له المجلس الدستوري بالترشح في انتخابات 2005 و2010، وفاز فيها بنسب تجاوزت 80%؛ وحسب هذه المادة فإن كومباوري لا يمكن أن يترشح لانتخابات 2015. شكل ربع قرن من حكم كومباوري لبوركينا فاسو، موضوعا دسما لمثقفين أفارقة وغربيين، تباينت وجهات نظرهم في الرجل، فنجد الكاتب والباحث الفرنسي جان غيون، يؤلف عنه كتابا تحت عنوان «بلييز كومباوري: ما بين الواقعية والمثالية»؛ فيما نجد كتابا آخر من تأليف الصحافي والأكاديمي البوركينابي فينسينت واتارا، تحت عنوان: «عصر كومباوري.. جرائم سياسية، وتسيير السلطة»، وهو محاولة لكشف ملابسات مقتل الرئيس السابق توماس سانكارا، ومقتل الصحافي نوربيرتو زونغو، المدير الناشر لصحيفة «لانديباندان»، سنة 1998، والذي كان يحقق في مقتل سائق أخ الرئيس فرنسوا كومباوري.

إيران و«القاعدة» في العراق.. نقيضان تجمعهما المصالحإيران و«القاعدة» في العراق.. نقيضان تجمعهما المصالح

$
0
0
في وقت كانت الحكومة العراقية تبحث عن تبريرات لما حصل خلال حادثة سجني التاجي و«أبو غريب» في الحادي والعشرين من شهر يوليو (تموز) الماضي، والذي أدى إلى هروب مئات السجناء، ضربت بغداد وبعض المحافظات العراقية الأخرى موجة جديدة من التفجيرات، حصدت أرواح المئات خلال فترة وجيزة، شهدت إحداها انفجار 17 سيارة مفخخة وثلاث عبوات ناسفة استهدفت معظمها أحياء في بغداد في يوم واحد. تنظيم القاعدة في العراق، أعلن مسؤوليته عن هذه التفجيرات والتي أطلق عليها اسم «غزوة رمضان»، في وقت يؤكد فيه المراقبون السياسيون في بغداد أن هذه العمليات وبالطريقة التي باتت تنفذ بها فإنه من غير الممكن لتنظيم مهما كانت قوته أن يتمكن من تحقيق كل هذه النجاحات دون أن يكون مدعوما من طرف إقليمي قوي، وفي هذا الإطار أشارت معلومات أمنية إلى وجود تنسيق بين إيران و«القاعدة»، لم تمنعه الخلافات المذهبية، والأهداف السياسية المختلفة. كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية العراقية، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، من مصادر عراقية أن إيران تزود تنظيم القاعدة بالعبوات اللاصقة لاستخدامها في العراق. وتفيد البرقية «السرية والفورية» الصادرة من وكالة الوزارة لشؤون الشرطة وتحمل تاريخ 18 يونيو (حزيران) 2013 والموجهة إلى مديرية عمليات الوزارة (مركز القيادة الوطني) بوجود معلومات عن «إدخال كميات من العبوات اللاصقة من إيران إلى العراق». لتزيد مزيدا من الغموض حول دور إيران وعلاقتها بـ«القاعدة». كلاهما دخل إلى العراق بعد عام 2003 من أوسع الأبواب التي فتحها الأميركيون على الآخر. فالاحتلال الأميركي للعراق فتح المجال الحيوي لأقرب أصدقاء الولايات المتحدة إليها، وأيضا أبعد أعدائها عنها، حق التدخل في الشأن العراقي. وتستوي في ذلك دول طامعة أصلا في العراق منذ عشرات القرون.. إضافة إلى تنظيم القاعدة. فالعراق تحول إلى ملاذ ومستقر وقاعدة حشد وانطلاق. علاقة كل من «القاعدة» وإيران مع العراق مرت بمرحلتين الأولى، مرحلة ما قبل الانسحاب الأميركي من العراق وتمتد من 2003 وحتى 2012، والثانية، مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي نهاية عام 2012 وحتى اليوم. ولكل مرحلة من هذه المراحل سماتها على الطرفين. فتنظيم القاعدة، الذي كان قد تمركز في المحافظات الغربية من البلاد وبخاصة محافظة الأنبار غرب العراق ذات المساحات الصحراوية الشاسعة، حظي منذ عام 2006 بهزائم كبيرة على أيدي قوات الصحوة هناك جعلت زعيمه حينذاك، أبو مصعب الزرقاوي، ينقل مهام عمله إلى محافظة ديالى شمال شرقي بغداد حيث قتل عام 2006 في غارة أميركية. وخلال الفترة التي كان فيها الأميركيون في العراق تعددت سبل المقاومة للمحتل بين إسلامية ومدنية وإن كانت الأرجحية للمقاومة الإسلامية سواء كانت سنية وهي الغالبة أو شيعية ولكن على نطاق محدود. أما إيران فإنها قبل الانسحاب الأميركي من العراق قدمت الدعم لكل طرف يريد مقاومة الأميركيين، طبقا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» الشيخ حميد الهايس، أحد أبرز شيوخ عشائر الأنبار ورئيس مجلس الإنقاذ فيها ممن حاربوا «القاعدة». ويقول الهايس: «إيران كانت تقدم دعما مفتوحا لكل من يريد مقاومة الأميركيين أو تحت هذه الذريعة في تلك السنوات ولا يهمها أن يكون هذا المقاوم سنيا أو شيعيا». وردا على سؤال عما إذا كان هذا الدعم شمل تنظيم القاعدة، قال الهايس، إنه «رغم صراعه الطويل والمستمر مع (القاعدة) ومطاردته لعناصرها فإنه لم يلمس بشكل قاطع وجود تعاون بين إيران و(القاعدة) خصوصا أن هناك عائقا أساسيا وهو أن الطرفين يكفر كل منهما الآخر عقائديا». الهايس اليوم قريب من الحكومة العراقية بخلاف زملائه السابقين في «صحوات الأنبار»، وبخاصة الشيخين أحمد أبو ريشة وعلي الحاتم السليمان اللذين تحولا من التحالف مع رئيس الوزراء نوري المالكي إلى العداء له بعد اندلاع مظاهرات المحافظات الغربية. ولهذين الأخيرين رؤية مختلفة بصدد علاقة إيران بـ«القاعدة». فرؤية الهايس تقوم على أن «إيران كانت مستعدة لمحاربة أميركا بأي أداة وقد تكون (القاعدة) إحداها» ولكنه يستبعد أن تكون هناك علاقة مستمرة بين الطرفين بسبب فروقات هائلةلا يمكن تخطيها». مقابل ذلك، يقول مصدر مقرب من الشيخ أبو ريشة، إن «هناك صلات وثيقة بين الاستخبارات الإيرانية والسورية وبين قيادة (القاعدة)». ويضيف المصدر أن «إحدى مهام قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العراق منذ سنوات عدة تأمين دخول مقاتلي (القاعدة) عبر الأراضي الإيرانية قادمين من أفغانستان وباكستان إلى المدن العراقية». ويضيف المصدر أن «القوات الأميركية كانت على علم بهذا التنسيق والعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة»، إذ جرى اعتقال أعضاء في المجاميع الخاصة التابعة للميليشيات الشيعية اعترفوا بأنهم قنوات اتصال وتنسيق مع مجاميع أخرى من «القاعدة»، ولذلك أبلغت الاستخبارات الأميركية قيادة «الصحوات» مرارا بأن القيادة الإيرانية فتحت حدودها وجيوبها بسخاء لعناصر «القاعدة» في السنوات السابقة. ومن الأنبار التي شهدت هزيمة «القاعدة» أواخر عام 2007 إلى ديالى التي تعتبر الآن من أكثر المناطق سخونة على صعيد عمليات تنظيم القاعدة لا سيما أن الصراع الطائفي هناك وصل لحد التهجير الشيعي لقرى سنية في قضاء المقدادية بسبب معاودة «القاعدة» نشاطها بشكل مكثف من خلال الهجمات على الحسينيات ومجالس العزاء الشيعية. وفي وقت يبدو الأمر كأنه صراع بين طرفين سني مدعوم من «القاعدة»، ولو ضمنا، وشيعي مدعوم من إيران علنا وبالتالي تبدو نظرية وجود علاقة بين «القاعدة» وإيران مستبعدة فإن نائب رئيس ديوان الوقف السني الدكتور محمود الصميدعي لديه رؤية أخرى. إذ قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشكلتنا الآن هي مع التطرف من الجانبين الشيعي الذي يكفر السنة والسني الذي يكفر الشيعة»، مضيفا أن المعلومات التي بحوزته تفيد بأن تنظيم القاعدة الضالع الآن في معظم العمليات التي تبدو كأنها انتقام من الشيعة ينتقم من السنة لأن ردود الفعل التي تحصل ضد السنة كبيرة ومؤلمة، مشيرا إلى «وجود شيعة في تنظيم القاعدة إلى جانب السنة وأن هذا التنظيم يحظى بدعم إيران». وحول مصدر المعلومات التي بحوزته بشأن ذلك قال: إن «إيرانيين أبلغوه بذلك فضلا عن أنه لا توجد معسكرات لـ(القاعدة) في العراق وهو ما يعني أنها تتدرب في مكان قريب وأن ما تقوم به من عمليات كبرى مثل تهريب السجناء إنما هي إمكانيات دول وليس منظمات، كما أن (القاعدة) تحتاج إلى دعم لوجيستي لتنفيذ عملياتها». ورغم أن عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، محمد الخالدي، يرى أن «من الصعب الحديث عن تنسيق ظاهر بين إيران و(القاعدة) ومن الصعب إثباته لأنه يحتاج إلى أدلة تقنع من يرى صعوبة ذلك بسبب الخلافات العقائدية الحادة»، فإن المتحدث الرسمي باسم محافظة ديالى تراث محمود يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «في الكثير من العمليات ضد تنظيم القاعدة في ديالى عثر على أموال إيرانية لدى من يلقى القبض عليهم أو يقتلون فضلا عن أسلحة ومعدات من صنع إيراني». ويضيف محمود أن «هذه الدلائل تؤكد أنه بصرف النظر عن الخلافات العقائدية فإن المصالح هنا أقوى». وفي السياق ذاته يرى اللواء المتقاعد والخبير العسكري العراقي عبد الخالق الشاهر في حديث أنه «لا يمكن لإيران أن تكون بلا (قاعدة) حيث إن (القاعدة) ضرورة لإيران في ظل هذا الوضع وبالتالي فإن تطابق الأهداف والمصالح يجعل من العلاقة بين الطرفين سالكة». ويضيف الشاهر أن «إيران باتت تعتمد في عملها نظرية المجال الحيوي وهي من أكثر دول العالم اهتماما بالعراق بالدرجة الأولى ودول الخليج العربي بالدرجة الثانية وهي ترى أن هذه البلدان هي المجال الحيوي لسياستها وأن هذه السياسة تحتاج إلى ذراع للتنفيذ مثل (القاعدة) طالما أنه يحتاج تسهيلات للوصول إلى أهدافه لا تتوفر له من دون غطاء من هذا الوزن». ريتشارد دالتون، الخبير في الشؤون الإيرانية من معهد الدراسات الاستراتيجية «تشاتهام هاوس» في لندن يستبعد، هو الآخر، وجود دعم إيراني لـ«القاعدة» في العراق حاليا. وقال دالتون لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدي دليل على ذلك. أجد الكلام عن مثل هذه العلاقة غير معقول، فتنظيم القاعدة هو عدو لدود لإيران وبالعكس وهذا العداء يكرسه الآن دور إيران في دعم الحكومة السورية في مواجهة عناصر (القاعدة)». وأضاف: «أعتقد أن إيران كانت على اتصال مع بعض المجموعات السنية المناهضة للأميركيين في العراق وأنها قدمت بعض الدعم لجماعة أنصار الإسلام. لكن ذلك الدعم كان تكتيكيا وكان هدفه فك القبضة الأميركية وساعدتها في ذلك استراتيجيتها التي تضمنت عدة محاور بما في ذلك معارضة اتفاق بين الولايات المتحدة والعراق بشأن إقامة قواعد عسكرية». وبسؤاله عما إذا كان الدعم الإيراني المفترض لـ«القاعدة» حاليا ربما هو لجعل العراق مضطربا أمنيا إلى الحد الذي تطلب فيه حكومته تدخلا إيرانيا، أجاب دالتون «أعتقد أن لإيران مصلحة قوية في نجاح الحكومة العراقية، باعتبارها الحكومة الشيعية الأخرى الوحيدة (بعد الحكومة الإيرانية) في دولة ذات غالبية شيعية. ولكن إيران، حالها حال الولايات المتحدة في سوريا، ستكون مترددة في نشر قوات في العراق. أتوقع أن تدعم إيران الحكومة العراقية عبر تحالفات محلية في العراق بدلا من أن تنجر مباشرة إلى الحرب الأهلية التي تنذر بالاندلاع مجددا». وللشبهات في علاقة إيران بـ«القاعدة» في العراق بعد آخر يطال الحكومة العراقية ذاتها التي ترى نفسها معنية بالوضع في سوريا بحكم تداعيات هذا الوضع على أمن العراق أساسا لكنها تخضع في نفس الوقت، كما يرى مراقبون، لتأثير إيران في تعاملها مع الأزمة السورية ذلك التعامل الذي وصفه أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، في مقابلة تلفزيونية قبل أيام بـ«المخزي»، مثيرا في الوقت نفسه شكوكا حول «تواطؤ» حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في هروب سجناء من تنظيم «القاعدة» من سجنين قرب بغداد قبل أسبوع وفي «وصولهم» إلى سوريا. وليس واضحا ما الذي يمكن أن تجنيه الحكومة العراقية من مثل هذا «التواطؤ» الذي نفته بشدة على لسان علي الموسوي، المستشار الإعلامي للمالكي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط». فهل خضعت الحكومة العراقية، إن كان هناك فعلا هكذا «تواطؤ» لضغط إيراني بهدف إضعاف معارضي النظام الحاكم في سوريا وذلك بتقوية جناح المتشددين في جبهة «النصرة» الذين لا ترتاح إليهم بقية فصائل المعارضة وبالتالي تقويض المعارضة ككل؟ من جهته، يقول حامد المطلك، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، إن «كل المعطيات المتوفرة تدل بوضوح على أن لإيران ضلعا في كل ما يجري في العراق وبمختلف الصيغ والوسائل والأساليب». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «إيران لا تضمر خيرا للعراق وأنها سعت وتسعى بكل وسيلة ممكنة لتدمير العراق وإبقائه تابعا لها وسوقا لبضائعها ومنفذا لأجنداتها في المنطقة». وأشار إلى تصريحات أدلى بها أخيرا الجنرال جورج: يسي، القائد العسكري الأميركي السابق في العراق، عن «تورط» إيران في تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 الذي فجر الحرب الطائفية في العراق التي استمرت حتى عام 2008 وقال إن «المعلومات التي أشار إليها الجنرال كيسي بشأن دور إيران في تفجير مرقدي سامراء والتي لم يجر التعامل معها بما تستحقه من عناية واهتمام هي واحدة من مؤشرات كثيرة»، مؤكدا أن «(القاعدة) اعترفت فعلا بقيامها بهذا العمل ولكنه طبقا لواقع الحال فإن من سهل العملية هي إيران رغم أنه لا توجد أدلة عملية وهذا الأمر ناتج عن ذكاء الطرفين الإيراني وتنظيم القاعدة بل على العكس من ذلك فإنهما يعملان في الظاهر على تعميق خلافاتهما العقائدية وهو أمر معروف ولا جدال فيه ولكن هذا شيء والممارسة السياسية على أرض الواقع شيء آخر». ومع كل ما يمكن استنتاجه من هذه الآراء فإن الوثيقة الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية تؤكد وتثبت أن إيران تزود تنظيم القاعدة بالعبوات اللاصقة لاستخدامها في العراق. وتفيد البرقية «السرية والفورية» الصادرة من وكالة الوزارة لشؤون الشرطة وتحمل تاريخ 18 يونيو (حزيران) 2013 والموجهة إلى مديرية عمليات الوزارة - مركز القيادة الوطني - بوجود معلومات عن «إدخال كميات من العبوات اللاصقة من إيران إلى العراق ومن ‏خلال منطقة زرباطية الحدودية الكائنة في محافظة واسط». وتضيف البرقية أن العبوات اللاصقة «روسية الصنع» وأنها «فعالة جدا من حيث التأثير والقوة ‏الانفجارية». وجاء في البرقية أيضا أن هذه العبوات «تم تسلمها من مجموعة التجهيز التابعة لتنظيم القاعدة ‏الإرهابي وجرى تعميمها على جميع الولايات». وتدعو البرقية الجهات المختصة إلى «تدقيق صحة المعلومات أعلاه واتخاذ ما يقتضي بصددها ‏من إجراءات». ورغم محاولاتها لم يتسن لـ«الشرق الأوسط » الحصول على تعليق من وزارة الداخلية حول هذه البرقية. وفي تعليقه على هذا الأمر عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد العميد سعد معن عن شكوكه حيال البرقية الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الوثيقة مشكوك فيها وإن عملية فبركة وتسريب الوثائق باتت أمرا معروفا في العراق رغم أن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 المعدل يفرض عقوبات صارمة على تسريب الوثائق تصل إلى سبع سنوات». وأضاف أن «إيران هي الأخرى تعرضت إلى عمليات تفجير وهي مستهدفة ولكننا كقوات أمنية وبصرف النظر إن كانت هذه الوثيقة صحيحة أم لا ومن أي مصدر أتت فإننا في حال معرفتنا بما تحتويه نتعامل معها بما يحفظ أمننا الوطني» مشيرا إلى أنه «مع ذلك فإن تنظيم القاعدة له أذرع في كل الدول بوصفه تنظيما عالميا وتعاني منه هذه الدول وبالتالي فإن هذا لا يعني أن هناك تواطؤا أو تسهيلات تقدم لهذا التنظيم من هذه الدولة أو تلك بل هو يحاول استغلال كل الثغرات الموجودة والنفاذ منها». وأوضح أن «المنافذ الحدودية العراقية تتعامل مع المعلومة أو أي مادة آتية من أي دولة من دول الجوار بقدر خطورتها على الأمن الوطني ولا علاقة لذلك بكون هذه الدولة أو تلك علاقتها بالعراق جيدة أم لا؟» موضحا أن «التعامل هنا مجرد من أي مضمون سياسي بل هو عمل أمني بحت».

من التاريخ: المحور المغولي الإيراني في التاريخ من التاريخ: المحور المغولي الإيراني في التاريخ

$
0
0
مما لا شك فيه أن «هولاكو» كان له أكبر الأثر على المسيرة السياسية للعالم الإسلامي ليس فقط لأنه قضى على الخلافة العباسية وبدأ حالة صراع مع مصر المملوكية، ولكن لأنه ترك خلفه إرثا تاريخيا مهمّا كثيرا ما تتناساه كتب التاريخ أو تسعى لتجاهله؛ وهو تثبيت دولة «الإلكخانة» أو «الإلهانة» التي أقامها على أجزاء كبيرة من دولة إيران اليوم عقب عودته لقيادة جيشه المغولي في منطقة ما بين النهرين.. فقد آثر الرجل تقوية حكمه في إيران جاعلا من مدينة تبريز مركزا مهمّا له، وآثر عدم الاشتباك ولو مؤقتا مع مصر لحين استتباب الأمور له هناك، وقد شدد هولاكو على مواقفه الرافضة للإسلام والمسلمين، فلقد كان تأثير زوجته المسيحية واضحا، ولكن حنقه على المسلمين كان له سببه السياسي، فلقد كان يرى في الإسلام عدوه اللدود الذي يقف حائلا أمام طموحاته التي تهدف للسيطرة على مصر درة التاج الإسلامي، ولكنه اضطر للاكتفاء بإيران مؤقتا، ولم يهنأ هولاكو كثيرا؛ إذ سرعان ما وافته المنية تاركا ابنه «أباكا» حاكما على البلاد. حقيقة الأمر أن سياسات توازن القوى كان لها دورها المهم في صياغة السياسة الخارجية لأطراف المعادلة السياسية الدولية في ذلك الوقت، فلقد بات واضحا وجود تحالف يضم إيران المغولية والعديد من القبائل التركية في الأناضول وعددا من الممالك الصليبية في الشام فضلا عن اتصالات تهدف للتحالف مع ممالك غربية في أوروبا، وكان لبابا الفاتيكان دوره الكبير في هذا التوجه ليس فقط لأسباب متعلقة بموازنة النفوذ الإسلامي - المصري، ولكن لفتح بلاد فارس أمام التبشير المسيحي، خاصة أنه لم يكن سعيدا بوجود قاعدة كبيرة للمسيحيين من فرقة النساطرة هناك تعمل بلا رقيب أو حسيب، وكان هذا أمرا متوقعا؛ إذ أن المغول كانت غالبيتهم تدين بالديانة المعروفة «بالشامانية»، أما الدولة البيزنطية فقد سعت عند مرحلة محددة للانضمام للتحالف المغولي - الإيراني، ولكنها تراجعت بسبب ضغوط القبائل الذهبية المغولية عليها من الشمال.. في مقابل هذا التحالف ظهر تحالف مواز تترأسه مصر تحت حكم المماليك، وانضم لهذا التحالف القبائل الذهبية المغولية في الشمال وعدد من مراكز القوى الإسلامية التقليدية سواء في سوريا أو شبه الجزيرة العربية، ولعب التحالفان دورهما في صياغة توازن القوى في هذه المنطقة. وفي هذا الإطار كان من المنتظر أن يبدأ الصراع بين المركزين الأساسيين في العالم الإسلامي ممثلين في مصر وإيران، فلقد توترت العلاقة مع مصر إلى أقصى حد، وبدأ الصراع المفتوح بين مصر المملوكية وإيران المغولية، خاصة حول منطقة العراق في الغرب وفي هضبة الأناضول في الشمال لا سيما حول إقليم «ملاطيا» الذي بدأ يشهد تحركا عسكريا مصريا لا سيما في عهد السلطان الظاهر بيبرس، وقد وصلت قمة النفاق والتآمر على العالم الإسلامي بين إيران المغولية والممالك الأوروبية عام 1269م عندما سعى المغول بالتحالف مع ممالك أوروبية لغزو شمال الشام غزوا مشتركا، ولكن هذا الغزو فشل تماما بسبب الصمود المصري، وقد ساعدت القبائل الذهبية في الشمال الجهد الحربي المملوكي من خلال المناوشات والحروب التي قام بها الخان «باراكا» حاكم هذه القبائل ضد شمال الإلكخانة، ورغم إخفاقه في تحقيق أي نصر يذكر، فإنه استطاع أن يُخدّم على المجهود الحربي المصري ضد المغول. وعلى الرغم من الفرص السياسية والاقتصادية العظيمة التي أتيحت لدولة «الإلكخانة»، فإنها تأرجحت سياسيا ارتباطا بمدى حنكة وديناميكية الحاكم المغولي، فلقد كان الخان «أباكا» حكيما، ولكنه مات متأثرا بتسمم كحولي، فدخلت البلاد في حالة فوضى سياسية خاصة بعد تولي «نيكودار» البلاد، الذي أشهر إسلامه وسمى نفسه «أحمد»، وفتح قنوات التحاور مع المماليك في مصر على أمل أن يخلق تحالفا إسلاميا، ولكن المحادثات فشلت بسبب رفض القيادات المغولية الأخرى لهذا التغير الشديد وغير المبرر، كما أن الاضطرابات الداخلية منعته من استكمال مشروعه، لا سيما بعد أن ظهر «أرجون ابن أباكا» يطالب بحقه في الحكم، ولكنه مات بعد أن تولى الحكم بأقل من عامين، ولكن ليس قبل إذاقة المسلمين الويلات وفتح الباب على مصراعيه أمام جهود التبشير. جاء «كيخاتو» للحكم بعد «أرجون»، فواجه أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، وسعى سعيا حثيثا لعبورها، فكان من أهم إنجازاته نشر العملة الورقية في البلاد مستعينا بالنموذج الصيني في هذا الصدد، ولكنها كانت تجربة محدودة النجاح، فازدادت الأزمات الاقتصادية سوءا، فثار عليه الناس، وخلفه خان آخر سمي «غازان» وقد أعلن الرجل إسلامه على الفور، وفي تاريخه تحولت هذه الدولة إلى الإسلام السني، ومع ذلك فقد عامل الشيعة بالحسنى، وفي عهده تحولت المعابد البوذية إلى جوامع، وقُضي في عهده تماما على أي نفوذ للبابا وفرقة النساطرة وأية فرق أخرى.. وبعد عقدين من الزمن أصبح الدين الأساسي في البلاد هو الإسلام السني، وأصبحت اللغة التركية الأكثر انتشارا في البلاد وليست العربية بسبب انتشار نفوذ القبائل التركية التي وردت عليها وساهمت في بناء جيش الإلكخانة، وقد أصبحت أذربيجان المركز الثقافي المهم في هذه المنطقة، وفي عهده أيضا انقطعت العلاقة بين «الإلكخانة» والخان المغولي الأعظم، فنالت استقلالها السياسي من الناحية القانونية على الرغم من أنها كانت مستقلة فعليا من الناحية السياسية. تولى حكم الإلكخانة «أولجاتيو» الذي اعتنق المذهب السني في بداية عهده ثم تحول للمذهب الشيعي في 1310 تقريبا، ولكن ذلك لم يؤثر على استتباب الفكر السني في البلاد بشكل واضح، ولكنه فتح المجال أمام مزيد من النفوذ الشيعي، وبالتالي عند وفاة هذا الرجل أعلن ابنه الملقب بـ«أبي سعيد» اعتناقه المذهب السني وأعاد نفوذ أهل السنة والجماعة في البلاد إلى سابق عهده، وكان من أهم إنجازاته أنه وضع حدا للخلاف مع الدولة المصرية، خاصة ما يتعلق بالصراع مع سوريا في عام 1323، وهو ما هدأ من خطورة الوضع وسمح للمماليك فيما بعد بالقضاء على فلول الصليبيين في الشام تماما. لقد لعبت دولة الإلكخانة دورا مهمّا في مسيرة السياسية الدولية في ذلك الوقت، وكانت جزءا لا يتجزأ من نظام توازن القوى في هذه البؤرة الزمنية المهمة التي تعرض فيها العالمان العربي والإسلامي لمخاطر غزو المغول والصليبيين، وقد استمرت هذه الدولة في لعب هذا الدور لفترة غير طويلة؛ إذ سرعان ما أنهكتها الصراعات الداخلية في البلاد وبات سقوطها مسألة وقت قصير، وهو ما تم بالفعل في نهاية القرن الرابع عشر. * كاتب مصري

«كيتا».. رجل مالي الجديد «كيتا».. رجل مالي الجديد

$
0
0
عاشت مالي لعام ونصف العام على وقع أخطر أزمة عرفتها منذ الاستقلال؛ وهي أزمة متعددة الأبعاد حيث بدأت أمنية حين اندلع التمرد الذي قاده الطوارق في شمال البلاد وأنهته الجماعات الإسلامية المسلحة بالسيطرة على كبريات مدنه؛ ولكن هذه الأزمة تطورت لتصل إلى الجنوب حين قاد ضباط من الجيش المالي المهزوم انقلابا في مارس (آذار) 2012، ضد الرئيس أمادو توماني توري الذي كان يستعد لمغادرة السلطة بعد تنظيم انتخابات رئاسية كانت مقررة أبريل (نيسان) 2012؛ ولكنها تأجلت بعد دخول البلاد في أزمة دستورية ثم مرحلة انتقالية. هذه الأزمة التي هددت كيان الدولة في مالي واستدعت تدخلا عسكريا دوليا بقيادة فرنسية، رافقتها أزمة اقتصادية ضربت البلد الذي يعد من أفقر بلدان العالم، ويعتمد في اقتصاده على الهبات والمساعدات الدولية؛ مع قليل من الإنتاج الزراعي على ضفة نهر النيجر الذي يعبر البلاد. كل هذه المشكلات جعلت الماليين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وهم يحلمون برئيس يملك عصا سحرية لحل مشكلاتهم؛ ولكن اختيار الماليين وقع على رجل لا يملك هذه العصا السحرية غير أن بحوزته «قبضة من حديد» سبق أن جربها الماليون عندما كان حماس الثورة التي أسقطت الحكم العسكري سنة 1991، يهدد أمن الدولة واستقرارها. إبراهيما ببكر كيتا، 68 عاما، الذي منحه الماليون ثقتهم لإدارة دفة البلاد، يصفه أنصاره بأنه «رجل أفعال لا أقوال»، ويراهنون على خبرة اكتسبها طيلة عشرين عاما تدرج خلالها في المناصب السيادية، مستشارا لرئيس الجمهورية ثم سفيرا ثم وزيرا للخارجية ثم رئيسا للحكومة، فرئيسا للبرلمان المالي.. وكمرشح للانتخابات الرئاسية لثلاث مرات متتالية. الباحث الفرنسي فيليب هيغون، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية المكلف بأفريقيا، يقول إن «كيتا سياسي لعب دورا مهما جدا في مالي من خلال المناصب التي تقلدها.. وبإمكاننا الحديث عن محارب قديم في الميدان السياسي المالي؛ فكان يمثل جوابا عن التساؤل الذي طرحه الماليون قبل التصويت: من الرجل الأكثر قدرة على إدارة مالي بالقدر الكافي من الكاريزما والخبرة الضرورية لتسوية المشكلات الجوهرية للبلد». أما الصحافي المالي لاباس حيداره، المدير الناشر لصحيفة «لانديبانداه»، فقد اعتبر في حديث مع «الشرق الأوسط» أنه «من بين جميع المرشحين كان كيتا يحظى بأكبر قدر من ثقة الماليين للخروج بالبلد من أزماته، وهي ثقة حصل عليها عندما كان يشغل منصب الوزير الأول خلال حكم الرئيس الأسبق ألفا عمر كوناري»، قبل أن يضيف: «نتذكر جميعا أن مالي عندما كانت تتلمس خطواتها الأولى في الديمقراطية مطلع تسعينات القرن الماضي، تعرضت لهزات عنيفة، فالحركة الطلابية التي ساهمت بشكل كبير في إسقاط الحكم الديكتاتوري للجنرال موسى تراوري كانت تعتقد أنها قادرة على إملاء القرارات على السلطة من خلال الاحتجاج وإحراق المرافق العمومية؛ كما أن الحركة النقابية التي لولاها ما نجحت ثورة مارس (آذار) 1991، من خلال سلاحها الفعال (العصيان المدني المفتوح)، كانت بدورها تطالب برفع الأجور بنسبة 150%، وهي زيادة يعجز عنها اقتصاد الدولة؛ هذا بالإضافة إلى هجمات مسلحة خاطفة يشنها الطوارق في الشمال». وقال حيداره إنه «أمام هذه الأزمات المتزامنة عين الرئيس ألفا عمر كوناري عدة حكومات فشلت جميعها في إخماد احتجاج الشارع، ومواجهة تمرد الطوارق، حتى وقع اختياره على إبراهيما ببكر كيتا، رئيسا للحكومة، الذي لم يتأخر في مواجهة الاحتجاجات عندما قام، ولأول مرة منذ الثورة، باعتقال عدد من قادة الحراك الطلابي وقدمهم للمحاكمة بتهمة المساس بالأمن الوطني، كما أوقف قادة النقابات العمالية عند حدهم؛ أما بالنسبة للتمرد في الشمال فقد اعتقل عددا من زعمائه نقلوا إلى باماكو حيث تمت محاكمتهم؛ وكل هذه أمور لم نشاهدها قبل مجيء إبراهيما ببكر كيتا». خلال هذه الفترة ارتبط كيتا في أذهان الماليين بالصرامة والقدرة على إدارة الأزمات؛ ولكنه في نفس الوقت خرج بالكثير من التناقضات على رأسها انتماؤه للاشتراكية الدولية في الوقت الذي غابت فيه سمات الاشتراكيين عن سياساته، فبدأ البعض يشكك في يساريته وانتمائه الاشتراكي الذي لا يفوت مناسبة إلا وافتخر به. كيتا المولود سنة 1945 بدأ اهتمامه بالشأن السياسي حين كان يدرس في باريس، حيث نشط في الحراك المناهض للاستعمار الذي قادته فيدرالية طلاب أفريقيا السوداء في فرنسا، مما جعل البعض يصفه آنذاك بـ«اليساري المتطرف». أقام كيتا في فرنسا لأكثر من ربع قرن حصل خلاله على شهادات عليا في التاريخ والعلاقات الدولية من جامعة السوربون، ثم عمل في عدد من المؤسسات والمعاهد الفكرية قبل أن يدرس في إحدى الجامعات الفرنسية تاريخ أنظمة الحكم في العالم الثالث؛ ومع تزايد المد الاشتراكي تشرب الشاب الأفريقي اليافع بالفكر اليساري الاشتراكي، واتخذ من الجنرال الفرنسي شارل ديغول قدوة ومثالا يحتذي به. عاد كيتا إلى مالي سنة 1986 وبدأ نشاطه السياسي بالانخراط في تنظيمات سرية معارضة لحكم الجنرال موسى تراوري الذي أطيح به سنة 1991، لتنتهي بذلك 23 عاما حكم فيها تراوري الدولة بقبضة من حديد، كان ثمن نهايتها انتفاضة دموية أسفرت عن انقلاب أطاح بنظام تراوري، مارس (آذار) 1991، لتدخل البلاد في مرحلة انتقالية انتهت بانتخابات رئاسية لعب فيها إبراهيما ببكر كيتا دورا محوريا في التعبئة والدعاية للمرشح ألفا عمر كوناري، الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس منتخب للجمهورية الثالثة في مالي. بعض المراقبين يرى أن كيتا خدم كثيرا الرئيس كوناري، خاصة حين أسكت المعارضة عندما شككت في مصداقية انتخابات 1997 التي أعيد فيها انتخاب كوناري لولاية ثانية هي الأخيرة له حسب الدستور المالي؛ غير أن كيتا الذي كان يشغل منصب الوزير الأول ويترأس حزب التحالف من أجل الديمقراطية في مالي الحاكم آنذاك، واجه معارضة داخل الحزب الحاكم عندما قدم نفسه كبديل للرئيس كوناري المنتهية ولايته، فأجبر على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء سنة 2000، ثم التخلي بعد ذلك عن رئاسة الحزب الحاكم، ليؤسس حزبه الخاص «التجمع من أجل مالي». رشح كيتا نفسه من خلال الحزب الجديد للانتخابات الرئاسية سنة 2002، ليأتي في المرتبة الثالثة ويرجح الكفة بين الجنرال أمادو توماني توري ومرشح الحزب الحاكم سوميلا سيسي، اللذين تنافسا في الجولة الثانية؛ وبعد ذلك بثلاث سنوات استطاع كيتا في الانتخابات التشريعية أن يصبح رئيسا للبرلمان؛ قبل أن يعود للترشح مرة ثانية إلى الانتخابات الرئاسية سنة 2007، محققا المرتبة الثانية بعد الرئيس أمادو توماني توري الذي نجح في خلافة نفسه. ومنذ هزيمته في انتخابات 2007 بدأت مرحلة جديدة من المسيرة السياسية للرجل، حيث يقول الصحافي المالي لاباس حيداره، «إن كيتا منذ هزيمته في رئاسيات 2007 أصبح يقود حزبه وفق سياسة خاصة تتعمد التقليل من المشاركة في الحكم، كما ابتعد هو شخصيا عن الظهور قدر المستطاع، مكتفيا برئاسة البرلمان». أما الصحافي المالي شاهانا تاقيو، رئيس تحرير صحيفة «22 سبتمبر»، فيرى أن كيتا الذي عرف بأنه «كتوم جدا»، كان أبرز المستفيدين من انقلاب 22 مارس (آذار) 2012، الذي قلب الموازين في الساحة السياسية عندما أعلن عدد من أبرز السياسيين الماليين معارضتهم للانقلاب ودخلوا في صدام مع منفذيه؛ في حين فضل كيتا موقفا متماشيا مع سياسته «الهادئة والمراوغة» عندما ندد بالانقلاب وفي نفس الوقت «أعلن تفهمه لما أقدم عليه جيش أهينت كرامته». منذ موقفه خلال انقلاب مارس بدأ الحديث عن كيتا بوصفه مرشح الجيش؛ حيث يعود الباحث الفرنسي فيليب هيغون ليقول إن «كيتا على صلة وثيقة بأفراد في المؤسسة العسكرية، لذا التزم الصمت إبان الانقلاب العسكري»، ويضيف هيغون أن «علاقات كيتا لا تنحصر في المؤسسة العسكرية فحسب، بل إنه يربط علاقات وثيقة مع عدد من قادة دول شبه المنطقة على غرار رئيس النيجر محمدو يوسوفو ورئيس الغابون عالي بونغو». غير أن ما توقف عنده المحللون هو علاقة كيتا بفرنسا القوة الاستعمارية السابقة لبلاده، حيث كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن كيتا بوصفه عضوا في الاشتراكية الدولية، لديه علاقة خاصة مع المسؤولين الاشتراكيين الذين يحكمون فرنسا: فرنسوا هولاند، لوران فابيوس، مانويل فالس؛ هذا بالإضافة إلى الفترة التي قضاها يدرس ويعمل في فرنسا والتي تصل إلى ستة وعشرين عاما؛ غير أن فيليب هيغون يرى أن ذلك «لا يجعلنا نقول إن كيتا حظي بدعم فرنسا». أما على المستوى الداخلي فيؤكد الباحث الفرنسي أن «كيتا المنحدر من الجنوب يحظى بدعم كبير في الأوساط التقليدية والدينية، خاصة من طرف التيار الوهابي الذي يتمتع بنفوذ متزايد في مالي، والتيار الصوفي واسع الانتشار في الأوساط الشعبية»، وذلك في إشارة إلى دعوة الخليفة العام للطريقة الحموية، أتباعه في مالي الذين يقدر عددهم بنحو 3 ملايين نسمة، إلى التصويت لصالح كيتا، مما أثار سخط منافسيه، الذين اعتبروا أن الخليفة تجاوز دوره الديني ليتدخل في الشأن السياسي في بلد علماني. غير أن كيتا الذي استطاع بحنكة الخبير أن يستغل مظهره كرجل أفريقي تقليدي يلقبه أنصاره بـ«الحاج» منذ أن أدى فريضة الحج؛ ينحدر من إحدى أقوى العرقيات وأكثرها نفوذا في مالي حيث يصفه البعض بأنه «زعيم قبلي»؛ كما يتمتع بعلاقات «جيدة» مع المكونات العرقية في الشمال من العرب والطوارق، مما جعل أنصاره يراهنون عليه للتوصل إلى حل نهائي لأزمة الشمال. وفي هذا السياق يرى أستاذ الفلسفة في جامعة باماكو عيسى انجاي أن «قضية الشمال حساسة بالنسبة للماليين الذين عاشوا أوقاتا صعبة خلال حركات التمرد التي شهدها الشمال؛ وموقف كيتا من هذه القضية كان في غاية الوطنية، مما جعله يحظى بدعم كبير من طرف الشعب المالي»؛ قبل أن يضيف: «أتوقع أن يتم التعامل مع قضية الشمال بقدر كبير من الصرامة؛ ولكن الفخ الذي يجب على كيتا الحذر منه، هو أن لا يفاوض ويقرر بالنيابة عن الماليين فيما يتعلق بالتمرد، وأعتقد أنه إذا سلك ذلك الطريق فإنه يخاطر كثيرا». أما عضو المجلس الانتقالي الأزوادي عبد الرحمن أغ عمر، فقد اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «كيتا الذي انتخب رئيسا لمالي بعد أزيد من سنة ونصف من حكم العسكر، لن يستطيع الخروج قيد أنملة عن الخارطة السياسية والجيوسياسية التي تسير عليها المنطقة والمعدة سلفا في دهاليز باريس». أشار أغ عمر إلى أن «كيتا كان موجودا في الحكومة المالية عندما تعرض العرب والطوارق لمذابح في تسعينات القرن الماضي، وبالتالي فهو إن لم يكن شريكا في تلك المذابح فإنه على الأقل كان شاهدا عليها»، قبل أن يضيف: «نحن نرجو أن يكون أكثر مرونة تجاه قضية أزواد، وأن يكون صادقا فيما وعد به، فجميع من حكموا مالي منذ الاستقلال وحتى الآن لم يلتزموا بوعودهم تجاه أزواد». غير أن المراقبين يرون أن كيتا كان يدرك التحديات التي تواجهه حين خاض حملته الانتخابية تحت شعار «مالي أولا»، وكان يردد عبارته الشهيرة في جميع خطاباته «من أجل كرامة مالي سأستعيد السلام والأمن، ومن أجل كرامة مالي سأعيد الحوار بين كافة أبناء أمتنا، وسألم شمل شعبنا». وفي هذه الأثناء يرى شاهانا تاقيو، أن تحديا آخر يواجه كيتا يتمثل في تمكنه من اختيار الفريق الذي سيحيط به خلال حكمه للبلاد، مع ترك مكان للمعارضة، مبديا تخوفه من إفراط كيتا في استخدام السلطة وشراسته عندما يواجه خصومه؛ وفي هذا السياق يرى الباحث الفرنسي فيليب هيغون أن «تلك المخاوف مبررة لأن الخطر موجود، ولكن في الوضعية الحالية لمالي فرجل قوي أفضل من رجل مسالم وضعيف».

«الشرق الأوسط» تسلط الضوء على تغير نسيج سوريا ... بعد 30 شهراً من الحرب «الشرق الأوسط» تسلط الضوء على تغير نسيج سوريا ... بعد 30 شهراً من الحرب

$
0
0
حقيقة واقعة تكاد اليوم تحظى بإجماع متابعي المأساة السورية، هي أن سوريا التي عرفناها منذ الانتفاضة التي انطلقت شرارتها قبل سنة ونصف السنة انتهت، ونحن الآن بصدد واقع بديل. فلقد احتكر النظام الحالي برئاسة بشار الأسد، الذي يشكل امتداداً وراثياً لنظام أبيه حافظ الأسد، السلطة في سوريا على أنقاض حياة حزبية كانت في الماضي الأبعد تعكس التنوع الحضري - الريفي. وكان ذلك التنوع أو الاختلاف الحضري - الريفي مجرد أحد أوجه التنوع الغني الذي ميّز سوريا عبر تاريخها الطويل. في المبدأ لا وجود كيان سياسي صافٍ عرقياً، فكيف إذا كان هذا الكيان واقعاً على أهم طرقات التواصل البشري الثقافي التجاري والديني منذ فجر التاريخ كسوريا؟ إذ عرفت أرض «الهلال الخصيب» ليس فقط تراكم حضارات عريقة وقوية، بل شهدت حروبا واجتياحات وتعرضت لزلازل وكوارث طبيعية، أدت إلى هجرات كبرى وعمليات تبدل وتبادل سكاني شكّلت في مجملها نسيج ما يعتبره بعضهم نسيج «الأمة السورية» وبيئتها. في ما يلي، مع انعقاد اجتماع جديد للمعارضة السورية لبحث إعادة بناء البلاد في «مرحلة ما بعد بشار الأسد»، تعرض «الشرق الأوسط» للتركيبتين الدينية - المذهبية والقومية - والعرقية لسوريا، أمام خلفية «سيناريو» التقسيم المحتمل مع تجاوز أرقام الهجرة الداخلية الستة ملايين مهجر ولاجئ، وارقامها اللجوء إلى الخارج الثلاثة ملايين. يشكل المسلمون الغالبية العظمى من سكان سوريا، وتقدّر إحصائيات موثوقة أن نسبة أهل السنة والجماعة منهم - بمفردها - تبلغ أكثر من 74 في المائة من إجمالي السكان، مقابل أقلية مسيحية وأقلية ضئيلة من اليهود تناقصت خلال العقود الأخيرة حتى كادت تتلاشى، بالإضافة إلى جماعات متفرقة أخرى وافدة. وبين الفرق الإسلامية، إلى جانب الغالبية السنية الكبيرة، تعيش في سوريا أقليات إسلامية أكبرها العلويّون (النصيريون) والموحِّدون (الدروز) والشيعة الجعفريون والإسماعيليون النزاريون (الآغاخانيون) تقارب نسبتها مجتمعة 16 في المائة، وتقسمها المصادر المختلفة على النحو الآتي: العلويون 11 في المائة - الدروز3 في المائة - الشيعة 1 في المائة - الإسماعيليون 0.5 في المائة - آخرون (بينهم الزيديون) 0.5 في المائة. المُسلِمون السّنة يتوزّعون واقعياً على امتداد الأراضي السورية، وهم أهل مُدن وأهل ريف، حضر وبدو، ومن العرب وغير العرب. وبين أكبر المكوّنات الإسلامية غير العربية الأكراد والتركمان والشركس والشيشان والبشناق (البوسنيون) والأرناؤوط (الألبان). ويجوز القول إن المسلمين السنّة يشكلون غالبية السكان في كل محافظات سوريا باستثناء محافظة السويداء في أقصى جنوب البلاد حيث الموحِّدون الدروز غالبية مع أقليتين مسيحية وسنّية، ومحافظتي اللاذقية وطرطوس - بشمال غربي البلاد - حيث يقدّر عدد العلويين بما بين 80 و90 في المائة من سكان ريف محافظة اللاذقية، وهم أيضا غالبية كبيرة في ريف طرطوس. وبعدما كان المسلمون السنّة يشكلون الغالبية بين سكان المدن الساحلية الأربع، اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة، أدى تسارع نمو المدن وتزايد إيقاع الهجرة من الريف، لا سيما الريف العلوي، إلى تخفيف غالبيتهم فيها بنسبة كبيرة وتزايد أعداد العلويين. من ناحية ثانية، تفيد الإحصائيات بأنه مقابل الهجرة من الريف إلى المدن الذي لا يصبّ ظاهريا لمصلحة الثقل السكاني السني، فإن نسبة النمو السكاني البطيء للعلويّين والدروز والمسيحيين، وكذلك ارتفاع معدلات الهجرة عند المسيحيين والدروز، من العوامل المساعدة على ترسيخ وضع الغالبية السنّية. ومن واقع إحصائية أجريت عام 2004 تبين أن نسبة النمو السكاني للمحافظات الثلاث حيث لا غالبية سنّية تتراوح بين 1.7 في المائة و1.9 في المائة فقط مقابل نسبة تتجاوز 3 في المائة في محافظات ذات غالبيات سنّية ضخمة مثل دير الزور (في الشرق) وإدلب (الشمال الغربي) ودرعا (الجنوب). الثقل السكاني السنّي موجود أولا في المدن الكبرى: دمشق وحلب وحمص وحماه والقامشلي ودرعا وإدلب والحسكة واللاذقية وطرطوس والرّقة والقنيطرة. كذلك، السنّة هم الغالبية العظمى في بادية الشام، وسهول حوران بمحافظة درعا، وأرياف الشمال (محافظات حلب وإدلب والرقة) والشرق والشمال الشرقي (دير الزور والحسكة) وكذلك محافظة ريف دمشق، وهي محافظة كبيرة المساحة تضم عددا من ضواحي دمشق. * السنّة ... الثمن البشري والاقتصادي الباهظ * تقليدياً، تمتع المسلمون السنّة بمكانة سياسية واقتصادية مرموقة، وبخاصة أن دمشق وحلب – بالذات - تعدّان من أقدم حواضر العالم، وتضمان أقدم أسواقها وتنظيماتها الحِرَفية والمهنية، كما انهما تقعان على طرق القوافل التجارية منذ فجر التاريخ، ولعبتا دورا عظيما في تطوير التجارة والصناعة والفنون والمعرفة في العالم القديم. وعلى طرق القوافل لعبت حمص وحماه دورا بارزا كمحطتين مهمتين ومركز توزيع وتصريف للإنتاج الزراعي، وكانت اللاذقية الميناء الأول لسوريا، وبعدها طرطوس. وفي الداخل كان الثقل السكاني الأكبر للقامشلي والحسكة ودرعا ومحيطها في أراض زراعية غنية جدا (الجزيرة وحوران). أما دير الزور فكانت وما زالت صلة الوسط بين الشام والعراق على الفرات. كل الأسر الإقطاعية وغالبية الأعيان في هذه المدن والمناطق حتى الحرب العالمية الثانية كانت من المسلمين السنة. بل امتلك الدمشقيون السنة أراضي زراعية شاسعة في هضبة الجولان، وأرياف حمص وحماه وإدلب والساحل، بينما تملك الحلبيون أراضي شاسعة في أرياف محافظتهم الكبيرة التي قسمت قبل عقود قليلة إلى محافطتي حلب وإدلب. غير أن القتال المحتدِم في سوريا أثر كثيراً في التركيبة السكانية لعدد من المناطق السنّية، على رأسها مدينة حمص التي دمّر معظمها، وكذلك أحياء عديدة في مدينة حلب التي خسرت العديد من مصانعها ومرافقها التجارية. كذلك تضرّرت سكانياً ضواحي دمشق وريف محافظات حماه وإدلب ودرعا. وهجّر القتال سكان مدينة القُصير ومدينة تلكلخ ومنطقة الحولة في ريف محافظة حمص ومنطقة الحفة وبلدة سلمى في شمال محافظة اللاذقية بمنطقة الساحل، كما ارتكبت مجازر استهدفت قرى سنيّة في منطقة الساحل مثل مجزرة البيضا. أما من الناحية العرقية اللغوية، فيمكن القول أن المكوّنات غير العربية تتدرّج اندماجاً وتتفاوت جغرافياً، فثمة أقليات اندمجت كلياً وغدت متعرّبة بالكامل، وهذا حال المتحدّرين من أصول كردية وتركمانية، وخصوصاً في المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص. وثمة جماعات أخرى احتفظت ببعض هويتها العرقية واللغوية لكنها انسجمت في بيئتها العربية واعتبرت نفسها جزءاً من سوريا واحدة موحّدة. وأخيراً توجد فئة ثالثة تنازعها مشاعر استقلالية أو انفصالية منها الجماعات الكردية التي تعيش في المناطق الشمالية من محافظات الحسكة والرقّة وحلب، وهي اليوم تنشط، حتى عسكرياً، في هذا المناطق بأمل إنجاز كيان مستقل ولو ذاتياً. وكانت آخر المواجهات مع الجماعات الإسلامية المتشددة. إن جلّ المكوّنات المُسلمة المتحدّرة من أصول غير عربية في سوريا من اهل السنّة والجماعة، في حين ينتسب السواد الأعظم من العلويين والدروز إلى أمهات القبائل العربية، كالأزد وطيء وقضاعة وربيعة وغيرها. وراهناً يشكّل الأكراد، وفق مصادرهم، أكبر أقلية عرقية مسلمة في سوريا إذ يشكلون أقل بقليل من من 10 % من سكان البلاد، مع أن ضمن الأكراد أقلية من الأيزيديين، ونسبة قليلة جداً من الأكراد المسيحيين والعلويين أيضاً. ويعيش معظم الأكراد في شمال شرق سوريا في محافظة الحسكة، وفي جيبين صغيتين في شمال محافظة حلب هما عين العرب (كوباني بالكردية) وعفرين والمناطق المحيطة بهما، وهم يشكلون غالبية السكان في الجيبين. وإلى جانب دمشق وحلب، تعدّ القامشلي (قامشلو) بمحافظة الحسكة أكبر المدن الكردية في سوريا، تليها عامودا والدرباسية. التركمان، أيضاً تفاوتت نسبة تعرّبهم واندماجهم، وهم يقسمون أيضاً إلى سكان مدن وسكان ريف. وتشير المراجع التاريخية إلى استقرار التركمان في دمشق خلال القرن الميلادي الثامن. ووفق بعض المراجع التركمانية، توجد نحو145 قرية وبلدة يقطنها التركمان في مناطق منبج والباب وجرابلس والراعي وأعزاز، إلى جانب أولئك الذين يسكنون حلب نفسها. تضاف إليها 5 قرى في محافظة إدلب بجانب حي في مدينة جسر الشغور، ونحو 20 في محافظة الرقة، وأكثر من 50 في محافظة حمص ولا سيما مدينة حمص نفسها، وحوالي 30 في محافظة حماه و5 قرى في محافظة طرطوس وقرابة 20 في هضبة الجولان هجّر سكانها إلى ضواحي دمشق (منها الحجر الأسود)، و5 قرى في دمشق وريفها، وأكثر من 10 قرى في محافظة درعا. كذلك هناك كثافة تركمانية في شمال محافظة اللاذقية (جبل التركمان). الثورة السورية ابرزت الدور النشط للتركمان السوريين وبالأخص من ينضوي منهم في التنظيمات الإسلامية، ولا سيما في ضواحي دمشق الجنوبية، حيث تندلع أشد المواجهات مع قوات النظام على مقربة من مراكزها الأمنية المهمة في المزة وكفر سوسة ومعضمية الشام. وأما عن الشركس والشيشان، وهم من الشعوب القوقازية، فلقد استقرّ هؤلاء في سوريا أبان الحكم العثماني وتوزّعوا في محافظة القنيطرة (الجولان) والمدن الكبرى وعلى خطي سكك الحديد الرئيسين اللذين كانا يصلان اسطنبول بالمدينة المنورة وبغداد. وكانت أهم المستوطنات مدينة القنيطرة، وهي مدينة شركسية أسست عام 1863، وضمت تركيبتها السكانية الشركس من قبائل الأبزاخ والبزادوغ والخاتوقاي. وتلتها مستوطنات اخرى في جنوب سوريا، بالذات منطقة القنيطرة والجولان ضمت القبرطاي والشيشان والداغستانيون. واهم هذه المستوطنات صرمان وعين صرمان وعين زيوان وبريقة وبير عجم والجويزة والمسمية والمنصورة – رويحينة والخشنية وفرزة والسنديانة والفحام. وبراق و بلاي و بويضان. وفي اماكن اخرى كانت هناك مرج السلطان ونجهة و الضمير (ريف دمشق) وجوسية الخرابي ونعيم وتليل وعسيلة وديرفول (محافظة حمص)، كما سكن الشركس والشيشان في خناصر ومنبج ورأس العين و خان العسل وعندان بشمال سوريا، وكذلك في دير الزور. ولقد تعرض الشركس والشيشان للتهجير من الجولان ودُمّرت القنيطرة، كبرى مدنهم، إبان حرب 1967، وأزيلت غالبية قراهم عن الخارطة واستقروا في ضواحي دمشق وبعض المدن الكبرى، التي تتعرّض اليوم بدورها للتهجير والدمار. * العلويّون ... خيارات صعبة * العلويون، أو النصيريون، هم أكبر الطوائف غير السنّية من مسلمي سوريا، وتقدر المصادر تعدادهم اليوم بنحو مليونين و600 ألف نسمة. مذهبيا يضع بعض الباحثين المذهب العلوي - النصيري - ضمن مذاهب الشيعة الباطنية، لكنهم على الرغم من باطنيتهم فإنهم لم ينسلخوا في الأصل عن الحركة الإسماعيلية، كبرى الحركات الباطنية، بل كانوا من الشيعة الجعفرية. وهم يُنسَبون إلى محمد بن نصير النميري، احد أصحاب الإمامين علي الهادي والحسن العسكري وأحد نواب الإمام المهدي في فترة الغيبة الصغرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المراجع التاريخية تشير إلى انتشار التشيع في أماكن عدة من سوريا، لا سيما، في شمال البلاد حيث قامت دولتان شيعيتان هما الدولة الحمدانية والدولة المرداسية، وعاصمتهما حلب. كذلك يتوجّب الإشارة إلى أن العلاقات بين الطوائف الشيعية في بلاد الشام عموما لم تكن طيبة على الدوام. وبخلاف ما يذهب إليه بعض المحققين المعاصرين عن حدوث تكتل ما ضد اهل السنّة والجماعة بين فرق الشيعة الجعفرية والباطنية، فإن العلاقة بين المرداسيين والموحّدين الدروز في شمال سوريا كانت عدائية جدا حصلت فيها مذابح. كذلك شهدت مناطق عدة من سوريا في مراحل تاريخية متفاوتة مواجهات دموية بين العلويين والإسماعيليين منها ما يُعرف بـ»دوكة بيت رسلان». تمتد مناطق سكن العلويين من شمال لبنان، مرورا بمرتفعات الساحل أو جبال العلوييين (جبال النصيرية) وصولا إلى لواء الإسكندرونة (محافظة هتاي التركية) حيث يشكلون الثقل العربي الأكبر في هذه المنطقة، ومنه امتدادا إلى إقليم كيليكيا التركي بما فيه مدينة أضنة ومدينة مرسين. وإلى الشرق من جبال الساحل (في محافظتي اللاذقية وطرطوس) يعيش العلويون في غرب ريف حماه وكذلك في مناطق عدة من ريف حمص. وكانت هناك ثلاث قرى علوية في جنوب سوريا هي زعورا وعين فيت في هضبة الجولان، والغجر في رأس منخفض الحولة الفلسطيني وجنوب قضاء حاصبيا اللبناني. وقد دمر الاحتلال الإسرائيلي كلا من زعورا وعين فيت، بينما الغجر قرية مقسّمة يتبع نصفها لبنان. العلويون بالأصل قرويون أو ريفيون، غير أن النصف الثاني من القرن الـ20 شهد استقرارا نسبة كبيرة من العلويين في المدن الكبرى، وبالأخص مدن الساحل (اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة) المتاخمة لأريافهم، والمدن الكبرى وعلى رأسها دمشق حيث تتجمّع مؤسسات السلطة، وحلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، وحمص. وبمرور الزمن تحوّلت أحياء بعينها في هذه المدن إلى أحياء علويّة. فعلى سبيل المثال في دمشق هناك كثافة علوية في حي الورود و«المنطقة 86» بضاحية المزة وكذلك في ضاحية المهمة غرب العاصمة، وفي حمص يسكنون بكثافة في احياء عكرمة والنزهة والزهراء ووادي الذهب وكرم اللوز. من ناحية أخرى يتوزّع العلويون على فرق مذهبية وفئات عشائرية، أبرزها من الناحية المذهبية الفرقة «الكلازية» وهم الغالبية، والفرقة «الحيدرية» وهم الأقلية. وثمة جماعة ثالثة ابتعدت عن الفرقتين تعرف بـ«المرشدية» نسبة إلى سليمان (سلمان) المرشد، إحدى الشخصيات التي لعبت دورا مؤثرا في تاريخ الطائفة في النصف الأول من القرن العشرين. أما على الصعيد العشائري فتعد أكبر الجماعات «الحدادين» و«الخياطين» و«الكلبية» و«المتاورة»، وتتفرع عن هذه التجمعات عدة فروع. الأحياء العلوية في المدن الكبرى مثل حمص تجنّبت نيران قوات النظام، غير ان طول أمد المواجهات وعنفها وخطر تصفية الحسابات الطائفية، حولها إلى مناطق مستهدفة من بعض أجنحة الثوار. وحقاً تشير معلومات إلى حدوث هجرة علوية كبيرة إلى منطقة الساحل، ولا سيما من ضواحي دمشق. * الدروز .. وسط العاصفة * الموحدِّون أو الدروز، من فرقة الشيعة الباطنية التي انشقت عن الحركة الإسماعيلية إبّان الحكم الفاطمي في مصر، وكان كبير دُعاتها حمزة بن علي الزوزني، وخامسهم وآخرهم بهاء الدين علي بن أحمد السموقي. ويعيش الدروز اليوم في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وتضم سوريا أكبر تجمع لهم ويتراوح تعدادهم فيها بين 500 و700 ألف نسمة. يعيش معظم دروز سوريا في محافظة السويداء، بأقصى جنوب البلاد، مع أن هذه المنطقة كانت أحدث مناطق توطّنهم، إذ إنهم لم يستقروا هناك إلا في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، في حين توطّنوا في شمال سوريا وضواحي دمشق ومنحدرات جبل الشيخ قبل أكثر من ألف سنة. حتى اندلاع الانتفاضة السورية كانت نسب متزايدة من الدروز قد انجذبت إلى دمشق وضواحيها، وكان لهم بلدات عامرة تحوّلت عملياً إلى ضواح للعاصمة السورية أكبرها بلدة جَرَمانا (هجرها كثيرون منهم خلال العقدين الأخيرين) وبلدات صحنايا والأشرفية وجديدة عرطوز، إلى جانب أحياء دمشقية مثل باب مُصلى. أما في منحدرات جبل الشيخ ومنطقة إقليم البلان والجولان فهناك ما لا يقل عن 20 بلدة وقرية يسكنها الدروز، منها أربع بلدات في الجولان المحتل أكبرها مجدل شمس. وفي شمال سوريا يسكن الدروز في 17 بلدة وقرية تتابع محافظة إدلب. بعد تفجّر الثورة دفع الدروز ثمناً باهظاً في ضواحي دمشق، وشهدت جرمانا مسلسل سيارات مفخخة كذلك استهدفت جديدة عرطوز باعمال العنف، بينما لا تبعد صحنايا والأشرفية عن مناطق القتال في جنوب دمشق. ومن ناحية أخرى حصلت بعض أعمال العنف في إحدى قرى جبل الشيخ قرب قطنا، وكانت الحصيلة نزوح جماعي قدر بعشرات الألوف - وخصوصاً من جرمانا - إلى محافظة السويداء. وفي غرب محافظة السويداء في منطقة اللجاه لحقت اضرار كبيرة ببعض القرى الدرزية القريبة من معاقل الثوار في شرقي محافظة درعا. وضع الشيعة الجعفرية مع أن سوريا عرفت التشيع منذ القدم، فإن تعداد الشيعة الجعفرية كان حتى منتصف القرن الـ20، بل ما زال، ضئيلا. إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد الشيعة عام 1953 ما كان يزيد على 0.4 في المائة من السكان. ووفقا لأحد المصادر فإن الشيعة جزء من مكونات النسيج السوري بكل غناه الثقافي والحضاري والديني، وكغيرهم من السوريين لم يعرف عن الشيعة أي شكل من أشكال التطرف أو التعصب. وكانت مرجعية الشيعة في سوريا تدير أمورها الذاتية من دون تدخل خارجي، وكانت الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى واحدة بين الشيعة والسنة. ولكن تداعيات اندلاع الثورة الإيرانية لم تقتصر على العراق ولبنان، بل مست سوريا أيضاً، وبالأخص، أنها كانت تحت حكم حافظ الأسد الذي وقف مع إيران ضد العراق خلال الحرب العراقية - الإيرانية. وبالفعل، نشطت طهران بالتعاون مع الأجهزة الرسمية السورية في العمل على الهيمنة على القرار الشيعي في البلاد، عبر المال وشبكات المصالح والأمن، تماما كما حصل في لبنان والعراق. وبالنتيجة، استطاعت طهران، لا سيما بعد 1999، فرض حضورها، وإن من دون أن تتمكن كليا من احتكار الولاء، إذ ظلت جماعات عديدة بعيدة عن الفلك الإيراني، على غرار نفور قطاع لا بأس به من شيعة لبنان والعراق من وطأة الضغوط الإيرانية. لكن الضغط الإيراني يأخذ اليوم وجهة إضافية خطرة تتمثل في التدخل القتالي المباشر لحزب الله اللبناني وكتيبة أبي الفضل العباس العراقية تحت ذريعة حماية المزارات الشيعية، ومنها مزار السيدة زينب قرب دمشق، بالإضافة إلى تمويل حملات تشييع وتجنيس في أرجاء البلاد. جغرافيا يتوزع الشيعة في سوريا في أماكن عدة أهمها مدينة دمشق التي فيها أسر شيعية معروفة مثل آل نظام وآل بيضون وآل مرتضى وآل نحاس وآل الروماني، في حي الأمين والصالحية والجورة، وفي محيط دمشق بمنطقة السيدة زينب الشيعية. وكذلك في شمال سوريا، وتحديدا في بلدات الفوعة وكفريا وقرية زرزور (قرب مدينة جسر الشغور) بمحافظة إدلب، ونبّل والزهراء في محافظة حلب، بالإضافة إلى أقلية شيعية في بلدة معرة مصرين على الطريق بين إدلب وحلب، وحضور محدود في حلب نفسها، وكذلك في مدينتي منبج والباب. وفي محافظة حمص يعيش الشيعة في ما بين 20 و30 بلدة وقرية، أكبرها الحميدية والبويضة وأم العمد والدلبوز، إلى جانب الحضور الشيعي في حيي البياضة والعباسية في مدينة حمص وضواحيها. وفي محافظة حماه هناك أربع قرى بشرق المحافظة. أيضا هناك وجود شيعي محدود وسط قبائل الفرات وفي بلدة حطلة بمحافظة دير الزور، وكذلك في بلدات قليلة بمحافظة درعا (بصرى الشام والشيخ مسكين والمزيريب ونوى والمليحة)، وفي مدينة الرقة ومحيطها. خلال المعارك الأخيرة، كان حماية مزار السيدة زينب ثم الدفاع عن الجيوب الشيعية في ريف حمص بمحيط القُصير، الذريعة الجاهزة لتدخل «حزب الله» اللبناني في القتال. ثم ازداد التورط بعد تدمير القُصير فامتد إلى ريف حلب وإدلب بحجة حماية جيوب نبّل والزهراء والفوعة. نسبياً ...الإسماعيليون ما زالوا بمنأى الطائفة الإسماعيلية هي ثانية كبرى الطوائف الشيعية بعد الشيعة الجعفرية، وتعد الإسماعيلية (أو السبعية تمييزا لها عن الاثني عشرية) من الفرق الباطنية لاستنادها إلى التأويل والفلسفة، فهي فرقة شيعية أمامية علوية فاطمية باطنية. وكان للإسماعيلية دور بارز في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في بلدان مختلفة من العالم الإسلامي، أبرزها الدولة الفاطمية في مصر والدولة الصليحية في اليمن، ودولة الموت في فارس، ودولة القرامطة في البحرين، وكانت لهم قلاع وحصون في جبال بلاد الشام. في سوريا تعد مدينة سلمية وريفها أهم مراكز الإسماعيليين (وهم من النزاريين)، تليها مصياف التي يشكل الإسماعيليون 50 في المائة من سكانها، وهي تقع في غرب محافظة حماه بمنطقة ذات كثافة علوية، مع بعض الإسماعيليين في مدينة حماه نفسها. كذلك يقطن الإسماعيليون بلدة القدموس وريفها في جبال محافظة طرطوس. غير أن الوجود الإسماعيلي كان أوسع انتشارا في الماضي ويشمل وديان جبال الساحل السوري ومنها قرى وقلاع العليقة والمينقة والكهف والخوابي، بالإضافة إلى بلدة بانياس (غير بانياس الساحل) في الجولان. وبما يخص أوضاع الإسماعيليين يمكن القول انه، حتى الآن لم يتعرض الإسماعيليون لمجابهات مباشرة، غير ان مدينة سلمية تعرضت لتفجير كبير في مطلع العام الحالي. * أزمة المسيحيين * عاش المسيحيون في بلاد الشام منذ فجر المسيحية، وتقدر بعض المصادر أن نسبة المسيحيين في سوريا أثناء الفتح الإسلامي كانت تتجاوز الـ78 في المائة من مجموع عدد السكان. ويقدر بعض المصادر عدد السريان وحدهم يومذاك بنحو أربعة ملايين نسمة، غير أن كثرة من قبائل العرب اعتنقت المسيحية في سوريا ما قبل الفتح أهمها غسان وتغلب وكلب بن وبرة وطيء. واليوم يشكل المسيحيون ثاني أكبر المكوّنات الدينية في سوريا، وهم يتوزّعون على عدة مذاهب أكبرها الروم (الملكيون) الأرثوذكس يليهم السريان (اليعاقبة) الأرثوذكس ثم الروم (الملكيون) الكاثوليك ثم اللاتين فالبروتستانت ثم الموارنة فالنساطرة الكاثوليك (الكلدان) فالنساطرة الأرثوذكس (الآشوريون) فالنساطرة فالسريان الكاثوليك، يضاف إليهم الأرمن والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت، وأخيرا بعض الأقباط. كل هذه الطوائف مجتمعة تشكل نحو 16 في المائة من مجموع سكان البلاد لكن نسبة كبيرة منهم مهاجرة وتزور سوريا خلال فصل الصيف. جغرافيا يتوزع المسيحيون على امتداد سوريا، إذ لا تكاد محافظة تخلو من الوجود المسيحي. غير أن أكبر تجمّعاتهم موجودة في المدن الكبرى مثل حلب ودمشق وحمص واللاذقية والقامشلي والحسكة وطرطوس، بالإضافة إلى بعض بلدات ريف دمشق الغربي شمالا وجنوبا من جبال القلمون إلى جبل الشيخ. كذلك ثمة وجود مسيحي عريق في لواء الإسكندرونة ولا سيما في أنطاكية - التي اعطت اسمها لأبرز الكنائس الشرقية – والسويدية وغيرها. وفي حلب من بين الأحياء التي سكنها المسيحيون ويسكنون بعضها حتى اليوم الجميلية والعزيزية والنيال والتلل والكتاب والسليمانية والحميدية، وكذلك الميدان والسريان والجديدة. وفي دمشق تعد الأحياء الشرقية لوسط العاصمة، مثل باب توما وباب شرقي والقصّاع، أهم أحياء المسيحيين، ومعها الطبالة والعباسيين وبرزة ودويلعة وحرستا ودمر وجرمانا. وفي حمص بين مناطق المسيحيين داخل المدينة بستان الديوان والحميدية، إلى جانب بلدتي فيروزة وزيدل الملاصقتين للمدينة من الجهة الشرقية وبلدات صَدَد والحفر والقريتين في ريف المحافظة، ودمينة الشرقية والغربية. كذلك تتقاسم محافظة حمص مع محافظة طرطوس، قرب الحدود اللبنانية، المنطقة المعروفة بوادي النصارى (النضارة) وكبرى بلداتها صافيتا ومرمريتا ومشتى الحلو والكفرون وحب نمرة والحواش والبطار ومشتى عازار والزويتينة والمشتاية. وفي الريف المحيط بدمشق، شمالا وجنوبا، من أبرز البلدات التي يعيش فيها المسيحيون صيدنايا ومعلولا ويبرود، وكذلك صحنايا وداريا وجديدة عرطوز وقطنا. وفي محافظة حماه يسكن المسيحيون في المدينة وفي ريفها وبالأخص بلدة محردة وبلدة كفربهم. وفي جنوب سوريا يعيش المسيحيون في بلدات مسيحية صرف أو مختلطة مع السنة والدروز في محافظتي درعا والسويداء، ومنها ازرع وغباغب وخبب وموتبين وطيسية وخربا والإصلحة والدارة والهيت وعنز وعرى. كذلك توجد قرى مسيحية أو يقطنها مسيحيون في ريف محافظة إدلب وريف حلب، والساحل السوري بين طرطوس واللاذقية مثل الخراب ومتن الساحل والسودا والبصيرة. وأخيرا في محافظة الحسكة (الجزيرة) وجد في مدينتي الحسكة والقامشلي بالذات كثافة سكانية مسيحية لافتة، لا سيما من السريان. وحسب المراجع بلغت نسبة المسيحيين خلال أربعينات القرن العشرين أكثر 38 في المائة من السكان. عبر تاريخ سوريا المستقلة كان للمسيحيين، ولا يزال، شأن سياسي واقتصادي وثقافي مهم. وفي منتصف القرن العشرين كان 75 في المائة من الشركات والوكالات الأجنبية بأيدي المسيحيين وكانت أراضيهم شاسعة قبل مرحلة التأميم. اليوم، يعيش المسيحيون وضعاً سياسياً محرجاً، فمع أن في طليعة شخصيات الثورة وجوه مسيحية بارزة مثل جورج صبرة وميشال كيلو ومي سكاف، فإن بعض القيادات الدينية المسيحية داخل سوريا وفي لبنان، أبدت تأييدها للنظام وتحفظها عن الثورة. كذلك يلاحظ أن أقل المناطق تعرّضاً للمعارك كانت القرى المسيحية في وادي النصارى، التي يؤيد كثيرون من أبنائها الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولكن المسيحيين في المدن الكبرى كدمشق وحلب، وكذلك الحسكة والقامشلي، دفعوا كغيرهم فواتير العنف فتضررت تجارتهم واعمالهم، وغادرت البلاد اعداد كبيرة منهم، كما خطف أسقفان مسيحيان احدهما شقيق بطريرك الروم الأرثوذكس. * نهاية الوجود اليهودي * عاش اليهود في سوريا على امتداد قرون غير أنهم اليوم أقلية ضئيلة جدا. ولقد كانت في مدن دمشق وحلب والقامشلي أكبر التجمعات السكانية اليهودية في سوريا، كما يعتبر كنيس (معبد) جوبر بحي جوبر الدمشقي أقدم وأجمل كنيس في سوريا، مع العلم بأن في موقع دورا أوبوس على نهر الفرات بمحافظة دير الزور آثار كنيس يقال إنه الأقدم في العالم، ويعود إلى وجود اليهود في بابل. كذلك عاش اليهود، وفق الدراسات التاريخية، في اللاذقية والرقة وأنطاكية. عاش اليهود بعد الفتح الإسلامي عيشا هانئا، وتشير عدة مراجع تاريخية إلى أن أعدادا كبيرة من اليهود غادرت فلسطين إبان الحروب الصليبية، خوفا من عداء الصليبيين الفرنجة لليهود واستقرت في دمشق. ووصف حاخام يهودي اسمه ابراهام بن عزرا بالتفصيل المجتمع الدمشقي اليهودي إثر زيارته المدينة عام 1128م. أما بنيامين التطيلي، الذي زار سوريا عام 1170م، فذكر في تدوين رحلته الشهيرة أن «عدد الأحبار (الحاخامات) الربانيين في دمشق وحدها 3000 حبر»، تحت حكم نور الدين زنكي، وأنه كان لهم «رئيس محلي» يمثل الطائفة لدى السلطات الحاكمة. حسب إحصائية رسمية للناخبين السوريين في عام 1957، بلغ عدد الناخبين نحو 32.000 نسمة، أي ما نسبته 0.8 في المائة من مجموع الناخبين السوريين، وكان يمثلهم نائب في البرلمان. وكان أشهر نواب اليهود عن دمشق يوسف لنيادو. أما اليوم، فلا يعيش في البلاد سوى عشرات، بل يقال 22 شخصا فقط، بعد السماح بالهجرة عام 1992. وتعيش في حي بروكلين في مدينة نيويورك أكبر جالية يهودية سورية، كما تعد الجالية اليهودية في مدينة كوبي اليابانية من أقدم وأكبر تجمعات اليهود في اليابان. * سوريا .... بعد 30 شهراً من الحرب * الأرقام التقديرية للتهجير واللجوء داخل البلاد (من منطقة إلى أخرى): نحو ستة ملايين نسمة * الأرقام التقديرية للتهجير واللجوء خارج البلاد: نحو ثلاثة ملايين نسمة * المدن الأكثر تضرراً: حمص وحلب والقصير وتلكلخ والزبداني ودرعا وضواحي دمشق الشمالية الشرقير والجنوبية والشرقية * المناطق الريفية الأكثر تضرراً: ريف حمص وريف إدلب وريف حماه وريف درعا * أسوأ المجازر: درعا في مارس (آذار) 2011، ووسط حماه يوم 13 يوليو (تموز) 2011، وحمص يوم 4 فبراير (شباط) 2012، والحولة في محافظة حمص 25 مايو (ايار) 2012، والتريمسة بمحافظة حماه 12 يوليو 2012، وداريا في أغسطس (آب) 2012، وجرمانا 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، وجامعة حلب وحمص في 15 يناير (كانون الثاني) 2013
Viewing all 383 articles
Browse latest View live