Quantcast
Channel: الحصاد (جريدة الشرق الاوسط)
Viewing all 383 articles
Browse latest View live

قالوا

$
0
0
* «سنقدم وجه إيران الحقيقي المحب للسلام». * الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال تصريحات في طهران قبل مغادرته إلى اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك * «قررت ارتداء ثياب محايدة تماما». * المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد فوزها في الانتخابات واتهامها بارتداء ثوب أخضر لمغازلة حزب الخضر لتشكيل حكومة * «الحرب ضد الإرهاب لن تثنينا عن المضي في العملية السياسية». * نبيل فهمي وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الأميركي جون كيري على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك * «كل مدرب يعاني من أوقات عصيبة أحيانا.. ولست مختلفا». * ديفيد مويز مدرب مانشستر يونايتد بعد تلقي فريقه هزيمة قاسية أمام خصمه اللدود مان سيتي الأحد الماضي * «انقطعت عن العمل الفني لثلاث سنوات قضيتها في دراسة جامعية بلهاء». * كلير داينس الفائزة بجائزة أفضل ممثلة في عمل درامي في جوائز «إيمي» التلفزيونية عن دورها في مسلسل «هوم لاند»

من التاريخ من التاريخ

$
0
0
تعطي تجربة كتابة الدستور وصناعة الدولة الأميركية دروسا مهمة يمكن أن تكون عبرة لنا، فالدستور الأميركي يحتوي على مفاهيم وتجارب نحن في أشد الحاجة إليها اليوم، وهنا أهم النقاط التي رأيت أنها كانت حاسمة في هذه التجربة السياسية المهمة: أولا: إن نجاح الدستور الأميركي وضمانة استمراره إلى اليوم جاء بسبب صياغة توازناته المختلفة سواء على صعيد العلاقة بين المؤسسات الحاكمة بعضها ببعض، أو على صعيد العلاقة بين المؤسسات الفيدرالية والولايات المختلفة. كما أنه وفر للمواطن العادي شيئا قيما جعله يسعى لإقراره، فبالنسبة للمواطن الأميركي البسيط، فإنه ضمن له عدم تفرد أي شخص بالسلطة عليه، ومنح له حق اللجوء للقضاء بعيدا عن سلطوية الملوك أو الحكام كما كان شائعا في أوروبا في ذلك العصر، كما ضمنت العملية الدستورية إقرار مصوغ من مصوغات إقراره هي ما عُرفت في مرحلة لاحقة بـ«وثيقة الحقوق» أو «Bill of Rights» التي كانت شرطا لإقراره من قبل بعض الولايات وكبار الشخصيات السياسية والفكرية في البلاد، وهي مجموعة من الحقوق التي أقرها الكونغرس في أول دورة له؛ منها صيانة الحقوق الفردية وعلى رأسها حرية التعبير والعقيدة وحمل السلاح وحق الجميع في محاكمة عادلة على أيدي محلفين محايدين وغيرها من الحقوق الأساسية، وقد كفلت هذه التعديلات ضمان تصديق برلمانات ولايات مهمة مثل نيويورك وفيرجينيا على الدستور الجديد. ثانيا: إن عبقرية هذا الدستور جاءت لمواءمة الظروف الغريبة التي نشأ فيها، فهو مجتمع خارج من عملية جراحية سياسية دقيقة للغاية تحمل خلالها الشعب الأميركي مهانة ملك ظالم وهزائم عسكرية أكثر بكثير من الانتصارات، حتى ينال استقلاله من أقوى الجيوش على الأرض، فكان الفرد على قوة وبأس عندما بدأت مرحلة صياغة الدولة الجديدة ومؤسساتها، وهي أصعب الأوضاع على الإطلاق، لأن المواطن غالبا ما يشعر في هذه الظروف بنشوة الانتصار على الدولة ومؤسساتها فيكون إرضاؤه أمرا صعبا للغاية، وهو ما خلق حالة من التربص لدى كثير من المواطنين واستعلائهم على مؤسسات الدولة مثلما حدث مع «تمرد شايس» على سبيل المثال عندما حمل البعض السلاح ضد الدولة لرفضهم التام سياستها النقدية، وقد عبر بعض الساسة الأميركيين عن هذه المخاوف من خلال ما وصفوه بـ«طغيان الجماعات» Tyranny of the Masses، وقد كان هذا واضحا في علاقة الكونغرس القاري ببعض القيادات والمجموعات التي أصبح هو فيها الطرف الأضعف، وهو أمر احتاج إلى معالجة سياسية دقيقة، فكيف تسحب السلطة المطلقة من المواطن الثوري لصالح الفكر الجماعي المتزن؟ ثالثا: وللإجابة عن هذا التساؤل، فقد جاءت من خلال التوازن الداخلي الذي وضعه الآباء المؤسسون للدستور، فعبقرية التوازن بين السلطات الثلاث كانت معجزة سياسية في ذلك الوقت نقبلها اليوم بعد مرور قرنين ونصف القرن من الزمان على أنها أمر طبيعي، ولكنها كانت ابتكارا سياسيا في حينه، ففكرة أن تُقيد السلطات الثلاث بعضها بعضا من خلال «مبدأ المراقبة والتوازنات» كانت فكرة عبقري بكل ما تعنيه الكلمة؛ ففكرة توازن السلطات بين الولايات والحكومة المركزية كانت ابتكارا عظيما لكل أطراف المعادلة، فعبقرية هذا التوازن شبه الهندسي جاءت من خلال صياغة العلاقة بين حجم الولاية وتمثيلها في الكونغرس، وضمان العلاقة المتوازنة بين المؤسسات الثلاث للحكم؛ فلا السلطة التشريعية قادرة على الانفراد بالحكم، ولا التنفيذية قادرة على التمتع بالاستقلالية، بينما السلطة القضائية مستقلة تحافظ على الهرم القانوني والتوازن السياسي بشكل غير مباشر للمعادلة السياسية بأكملها. رابعا: لعل أهم درس مستفاد من التجربة الأميركية كانت ضرورة النظر إلى الدستور على اعتباره وثيقة مرنة غير صارمة، فالمرونة أمر حتمي لاستمرارية ونجاح مثل هذه المواثيق، فلقد منح الدستور للشعب الحق في تعديله، وهو ما كفل له الاستمرارية بعد 27 تعديلا كان الأول يتعلق بحرية التعبير والعقيدة، وكان ذلك في عام 1791، بينما كان آخر تعديل للدستور في عام 1992 الخاص بتنظيم تمويل الانتخابات لأعضاء الكونغرس. كذلك فإن كتابة الدستور لم تأت على جثة «مواد الكونفدرالية» التي سبقتها، بل إنه اقتبس منها ما كان ضروريا ولا يضر بشكل أو مضمون الدولة الجديدة أو بعض الحريات الأساسية، فالدساتير لا تكتب على جثث الوثائق القانونية والحقوقية التي سبقتها، ففكر الجمع البشري يمثل امتدادا للفكر الذي سبقه وأساسا للفكر الذي سيليه. خامسا: إن الدستور الجديد لم يتضمن في طياته أية أدوات من شأنها تقليص الحقوق الجماعية أو الفردية للمواطن، فلو أنه لم يضف كل الحقوق فيه؛ وهو ما أتي في مرحلة تالية بوثيقة الحقوق كما ذكرنا آنفا، فإن العكس هو الصحيح، فالدستور الجديد حمى كل أبناء الوطن ولم يحارب أو يعزل أي طرف، فضمن على الأقل عدم تكتل المعارضين ضده، واستطاع أن ينجح حتى مع وجود المتشككين فيه، فخلق الأعداء وسلب الحقوق وتقليص الحريات كان كفيلا بالقضاء على هذا الدستور، ولكن واضعي الدستور كانوا أذكى من الوقوع في هذا الخطأ. سادسا: إن الولايات المتحدة شأنها شأن كثير من الدول التي سبقتها، فقد اضطرت لمعالجة بعض الأخطاء الأساسية في وثيقة الدستور من خلال أسوأ ما يمكن أن تمر به الدول، وهو استخدام القوة أداة للتغير، ويأخذ في مناسبات عديدة شكل الحرب الأهلية، وهو ما حدث خلال الفترة من 1861 - 1865 بعد كتابة الدستور الأميركي، لمعالجة عدد من النقاط الجوهرية التي لم تحسم خلال كتابة الدستور؛ وعلى رأسها مسألة العبيد، واختلاف المصالح الاقتصادية بين الشمال والجنوب. سابعا: من العجيب أن ندرك أن هذا الدستور المعقد جاء لينظم الحياة لأربعة ملايين نسمة كانوا هم تعداد سكان الولايات الـ13 في أميركا عند الاستقلال، والعجيب أن هذا الدستور أصبح أساسا يرتكز عليه الأميركيون اليوم بعد مرور أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان وزيادة عدد السكان ليصبح قرابة 85 ضعفا، كما أنه كان من المرونة بأن يضمن حقوقا لمجموعات مهمشة وخارج الرادار السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع مرور الوقت. هذه بعض الأطروحات حول وثيقة الدستور الأميركي بعد أن تناولنا ميلاده على مدار أربعة أسابيع، وهنا تجدر الإشارة لأهمية الثورة الأميركية التي سبقت الثورة الفرنسية فوضعت أسس استقرار الولايات المتحدة في العام نفسه لاندلاع الثورة في فرنسا، وذلك بفضل مجموعة من المؤسسين والمفكرين والوطنيين الذين استطاعوا صياغة وثيقة الدستور التي هي في التقدير من أعظم الوثائق البشرية على الإطلاق، وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن هذه التجربة تحتاج إلى دراسة متأنية لنتعلم الدروس المستفادة منها حتى لا يُكتب علينا أن نعيد أخطاء السابقين بسبب جهل الحاضرين. * كاتب مصري

لافروف.. صانع التحولات لافروف.. صانع التحولات

$
0
0
كلاعب شطرنج محترف، استغل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما عرف بأنه «تعبير مجازي» أو «خطوة عفوية»، قام بها نظيره الأميركي جون كيري في مؤتمر صحافي بلندن، عندما أعلن أن الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يتفادى ضربة عسكرية، إذا قام بتسليم كل ترسانته الكيماوية إلى الأمم المتحدة، في غضون أسبوع. وكان كيري يجيب عن سؤال عابر لصحافي مستفسرا عن إمكانية تفادي ضربة عسكرية قد تُوجّه لدمشق. وفي غضون ساعات قليلة، نجح لافروف في استغلال تلك التصريحات، التي حاولت الخارجية الأميركية التقليل من شأنها، وعدتها «تعبيرا مجازيا»، وقام بما يسمى في لغة الشطرنج التي يجيدها «كش ملك»، ممسكا بالمقترح الأميركي، مقنعا الرئيس السوري بالامتثال له، ليتحول المشهد كله في ساعات قليلة في اتجاه مضاد، بعدما كانت قضية توجيه ضربة عسكرية إلى دمشق مسألة وقت ليس إلا. ظهر لافروف (63 عاما) مقتدرا في إدارة دفة الأزمة السورية وتولى قيادتها، واضعا خطة مربحة لكل الأطراف. فقد استفادت روسيا من الاتفاق الروسي - الأميركي حول سوريا، بالظهور بمظهر الدولة العظمى القوية، صاحبة النفوذ، القادرة على التأثير في الأحداث الدولية. وقد جذب الوزير الروسي أنظار كثير من المحللين والسياسيين بعد نجاحه في عقد اتفاق «الكيماوي»، وارتفعت أسهمه على الساحة العالمية، وتساءل كثير من المحللين السياسيين، كيف تحقق هذا الإنجاز الفريد، بعد أن وقف بمفرده تقريبا، يتحدى على مدى عامين كل المحاولات الغربية لفرض بعض الإجراءات ضد النظام السوري. وكيف استطاع لافروف تغيير مسار اللعبة السياسية بهذه السرعة، وأجبر الولايات المتحدة على اللعب وفقا لقواعده، وأمسك في يده بكل خيوط اللعبة؟ فمن هذا الدبلوماسي المخضرم الذي طغى بشخصيته النافذة على كل أحاديث الساسة حول سوريا؟ ولد سيرغي لافروف في 21 مارس (آذار) عام 1950 في موسكو لأب أرمني وأم روسية من جورجيا كانت تعمل موظفة في وزارة التجارة الخارجية الروسية. وعلى الرغم من تفوقه الدراسي في العلوم الفيزيائية، فإن والدته أقنعته باختيار المجال الدبلوماسي، ولذا شق لافروف طريقه إلى معهد موسكو للعلاقات الدولية (MGIMO) المعروف بمكانته المرموقة، حيث درس لافروف الإنجليزية والفرنسية، واللغة السنغالية. وبعد تخرجه عام 1972 كانت أول مهمة له في عمله بوزارة الخارجية الروسية هي التدريب على اللغة السنهالية (لغة سيري لانكا)، تلتها أربع سنوات من العمل مع السفير الروسي في سريلانكا. وعاد للخارجية الروسية عام 1976 ليعمل في إدارة العلاقات الدولية. وفي عام 1981، أُرسِل لافروف في منصب سكرتير أول ضمن فريق البعثة الروسية إلى الولايات المتحدة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 عاد لافروف إلى وزارة الخارجية الروسية ليعمل مع الوزير الإصلاحي أندري كوزيريف، وفي عام 1992 رقي إلى منصب نائب وزير. وفي عام 1994 عاد مرة أخرى إلى نيويورك ممثلا لروسيا لدى الأمم المتحدة، وكان من أهم القضايا التي شارك في مناقشتها الوضع في يوغوسلافيا، وقضايا الشرق الأوسط، وقضايا مكافحة الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر، وما نتج عنها من عمليات عسكرية أميركية في أفغانستان والعراق. وفي مارس 2004 عينه فلاديمير بوتين وزيرا للخارجية خلفا لإيغور إيفانوف. وأعاد الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف تعيينه في مايو (أيار) 2012. وبدأ سيرغي لافروف حياته الدبلوماسية منذ عهد بريجنيف، واكتسب كثيرا من المهارات التي شكلت قدراته الجدالية ومهاراته في التفاوض، وقد نجح في كثير من المواقف في فرض رؤيته على نظرائه من الدبلوماسيين، وربما يكون أحد وزراء الخارجية الأكثر فعالية ونفوذا اليوم لتجسيد عودة روسيا إلى المسرح العالمي. لكن مسؤولا سابقا في إدارة الرئيس السابق جورج بوش انتقد أسلوب لافروف، ووصفة بالرجل الأحمق، وقال (رافضا نشر اسمه) إنه صنع شهرته واجتذب المعجبين به فقط بسبب استعداده المتواصل لمهاجمة الولايات المتحدة علنا، كلما سنحت له الفرصة، وكلما كان ذلك ممكنا. ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع الرجل وسياساته واتجاهاته، فإنه حفر لنفسه مكانة متميزة في التاريخ الروسي بصفته الرجل الذي أعاد لروسيا نفوذها، وأعادها بقوة إلى المسرح الدولي. يقول جيمس جيفري الزميل الزائر بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن روسيا لعبت بشكل ذكي في سوريا بأوراق لعب محدودة، باستخدام شحنات الأسلحة، وبحق النقض في الأمم المتحدة، وبالمناورات البحرية لحماية مصالحها ودعم حليفها الأسد. ويؤكد وايت أن جعل روسيا شريكا للولايات المتحدة في حل الأزمة السورية، هو اعتراف رسمي من الولايات المتحدة بزيادة نفوذ روسيا. ويقول أندرو كوشينز، الخبير الدولي المتخصص في السياسات الروسية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية (CSIS)، إن سياسات بوتين ولافروف أعطت لروسيا اليد العليا في إدارة الملف على الرئيس أوباما، مشيرا إلى أن اندفاع روسيا لإقناع الأسد على التخلي بسهولة عن ترسانته الكيماوية التي عمل هو ووالده على تكوينها، يشير إلى أن روسيا كانت تعلم بفحوى نتائج تقرير مفتشي الأمم المتحدة، والأدلة الدامغة التي تشير منطقيا إلى مسؤولية الأسد وقواته عن الحادث، وأن مزاعمها أن المعارضة السورية هي التي ارتكبت الهجوم محض هراء، مما سيؤدي إلى تقويض الموقف الروسي، وجعل روسيا منبوذة عالميا لدفاعها عن مجرم حرب. ويصف كوشينز التكتيك الروسي بأنه مثل «إخراج أرنب من قبعة الحاوي»، لأننا الآن أصبحنا نري طريقا دبلوماسيا لتدمير ترسانة سوريا الكيماوية. ويبدو أن كيمياء خاصة بين وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره الأميركي كيري قد مهدت لهذه الانفراجة الدبلوماسية؛ فعلى مدى أكثر من عامين، تمسك لافروف بلغة متحدية في محادثاته حول الأزمة السورية، ولم تكن تلك الكيمياء موجودة مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. وقد أظهر كثير من اللقاءات بين كيري ولافروف قدرا من التقارب بين الرجلين، وظهرا متفاهمين في اللقطات التي جمعتهما معا. وفي أحيان أخرى أظهرت اللقاءات قدرا من الحذر والقلق والترقب من وزير الخارجية الأميركي تجاه نظيره الروسي. وقد ظهر ذلك واضحا في المؤتمر الصحافي بين الوزيرين، الأسبوع الماضي، حين طلب كيري من المترجم إعادة ترجمة تصريحات لافروف، بعد أن انقطعت الترجمة لفترة وجيزة. وأكد لافروف لكيري أنه لم يغب عنه شيء يثير قلقه، وقال له: «لا تقلق يا جون»، فرد كيري: «هل تريدني أن أثق في كلمتك، ربما ما زال الوقت مبكرا لذلك». وقد علقت وسائل الإعلام الأميركية على هذا الحديث الذي بدا باسما، لكنه عكس كثيرا من التوتر والقلق. ولم تكن علاقة لافروف بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون هادئة، بل شابها كثير من الخلافات والاعتراضات المثيرة للجدل، خاصة خلال الأزمة السورية، وفشلت كل محاولات كلينتون لإقناع لافروف بالعمل بشكل جماعي داخل مجلس الأمن. وخلال اجتماع لافروف وكلينتون في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011، جاء لافروف كعادته يقرأ ورقة «نقاط الحديث»، التي أعدها له مساعدوه، وهو تكتيك لافروف المفضل في كل اجتماع رفيع المستوى يشارك فيه، حيث يلقي بكثير من النقاط من أهمية السلام ومخاطر الحرب، إلى الشكوى من ضعف الطلب الأميركي على شراء معدات لروسية لإمداد الجيش الأفغاني بها. وقاطعته كلينتون قائلة: «سيرغي.. ماذا عن سوريا؟!». وتزايدت الفجوة مع انتقادات كلينتون لنتائج الانتخابات البرلمانية الروسية عام 2011، وانتقاداتها لانتهاكات روسيا في مجال حقوق الإنسان. ويبدو أن لافروف لا يجيد التعامل مع وزيرات الخارجية الأميركيات، فقد اشتبك علنا مع وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس خلال لقائهما في ألمانيا، في مايو 2007، حيث تبادل الاثنان انتقادات لاذعة في مؤتمر صحافي حول خطط الولايات المتحدة لتثبيت نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا. وسخر لافروف من ادعاء الولايات المتحدة أن النظام الصاروخي لا يستهدف روسيا. ونوهت كوندوليزا رايس إلى تصريحات بوتين بقدرات الصواريخ الروسية على تدمير أي نظام صاروخي تبنيه الولايات المتحدة، فرد لافروف سريعا، وقال: «آمل أن لا يُضطر أحد لإثبات صحة ذلك، وأن كوندي على حق». ويقول فيودور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع في موسكو، وهو مركز بحثي متخصص في العلاقات الخارجية، إن لافروف بارع ويحترم الأداء المهني الاحترافي، خاصة عندما يجد ذلك في نظرائه من الوزراء الأجانب، وهو يضع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في هذا التصنيف، ويقول: «إن لافروف يستمتع بالحديث إلى الأشخاص المحترفين، ويسأم الحديث إلى غير المهنيين، ومع كيري يجد الحديث مثيرا للاهتمام، وعلى الرغم من التطورات المتقلبة في الأزمة السورية، فإن الرجلين حافظا على علاقة جيدة». يتحدث لافروف الإنجليزية بطلاقة، وقد عاش في مدينة نيويورك لأكثر من 15 عاما، عندما تولى منصب ممثل روسيا في الأمم المتحدة، مصطحبا أسرته، وقد تخرجت ابنته الوحيدة ايكاترينا في جامعة كولومبيا بنيويورك. وخلال عمله بالأمم المتحدة، أثبت لافروف قدرا كبيرا من المثابرة والتصميم والمعرفة الواسعة بالقوانين الدبلوماسية، واستخدم كثيرا من الإجراءات والقواعد لتحقيق أهداف روسية بامتياز. والمعروف عن لافروف أنه حاسم في قراراته وصلب في مواقفه، وكما يقول الأميركيون إنه لا يقبل الإجابة بـ«لا» على مطالبه. ويحكي أحد الدبلوماسيين بالأمم المتحدة أنه عندما أصدرت بلدية مدينة نيويورك قرارا بمنع التدخين داخل المباني عام 2003، قام المسؤولون في المقر الشرقي بالأمم المتحدة بالامتثال للقرار، عدا مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة سيرغي لافروف، الذي رفض تنفيذ القرار واستمر يدخن سجائره، بحجة أن المنظمة الدولية لا تخضع لقوانين بلدية نيويورك. وقد تصدرت تلك القصة عناوين الصحف الأميركية في عام 2003، عندما أدان لافروف حظر التدخين داخل الأمم المتحدة، واعتبره انتهاكا لحقوقه الدبلوماسية. وأشار أحد السفراء الأوروبيين الذين عملوا مع لافروف في الأمم المتحدة (رفض نشر اسمه) إلى أن لافروف كان عادة ما يهيمن على مجلس الأمن بملاحظاته وجداله وشخصيته النافذة، وكان معروفا عنه حب التدخين وشرب أفضل أنواع الويسكي والنبيذ الفاخر، وارتداء الملابس الإيطالية. ويقول: «كان لافروف يستحوذ على انتباه الحاضرين في مجلس الأمن بمعرفته الشاملة والدقيقة لما يحدث، وقدرته على التدخل وتغيير فحوى النقاش إلى الاتجاه الذي يريده». ويقال إن لافروف يهوى العزف على الغيتار وكتابة القصائد والأغاني، وعندما يشعر بالملل في لقاءات وجلسات الأمم المتحدة، فإنه يقوم بالرسم على الأوراق أمامه. وبحسب الصحف الروسية، فإنه يعشق التجديف ورحلات الصيد في الغابات. وأشار جون نيغروبونتي السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة الذي عمل معه في مجلس الأمن إلى أن لافروف لا يزال يمارس قواعد اللعبة نفسها التي مارسها في الأمم المتحدة في نيويورك، وإنما يمارسها اليوم من وزارة الخارجية الروسية في موسكو. ويضيف أن «صلابة لافروف تأتي من موقف وطني؛ فهو يعتقد أن فترة التسعينات كانت وقتا ضائعا لروسيا وفترة امتهان، وطموحه الشخصي هو استعادة مكانة روسيا. إنها سياسته الخارجية». وحول مواقفه المناهضة للولايات المتحدة يقول نيغروبونتي: «مواقفه المضادة لأميركا تكتيك وليست استراتيجية، لأن بوصلته الأخلاقية تتجه ناحية الدولة الروسية». يقول عنه ديمتري سيميز رئيس مركز المصالح القومية (وهو مركز معني بالشؤون الخارجية في واشنطن) إن لافروف يتسم بشخصية عنيدة أكثر من الدبلوماسيين الروس الآخرين، وقد اختاره فلاديمير بوتين عام 2004 ليتولى منصب وزير الخارجية، لأنه رأى فيه روحا حاسمة وقادرة على الوقوف لما فيه مصالح روسيا، وأنه لن يتردد في توجيه انتقادات لاذعة خلال المناقشات، والدخول في جدل قانوني ينتهي لصالحه. وأضاف: «لقد اختاره بوتين في مهمة للتأكيد على القوة الروسية والكبرياء الروسية، وهذا ما يجيده لافروف». وفي حوار صحافي أجرته سوزان غلاسر رئيسة تحرير مجلة «فورين بوليسي» في مارس الماضي بالعاصمة الروسية موسكو، بدا لافروف فخورا بإنجازاته في استعادة نفوذ روسيا على المسرح الدولي، وقال للمجلة: «لقد تمكنت من استعادة النفوذ الروسي في أوروبا بعد الهزيمة في حرب القرم، وقد فعلت ذلك دون تحريك بندقية واحدة.. فعلتها من خلال الدبلوماسية فقط». وتحدث بحسم عن أن روسيا ليس لديها أي نية لاتباع خطى الولايات المتحدة في العالم العربي أو في أي مكان آخر، مؤكدا أن روسيا أصبحت أقوى اقتصاديا، واستطاعت حل مشكلات اجتماعية كثيرة، ونجحت في رفع مستوى المعيشة، وأن هناك تغييرات كثيرة في السياسة الخارجية الروسية، حيث أصبحت روسيا أكثر حزما. وقد كتبت سوزان غلاسر في مقال رأيها حول موقف لافروف المساند للنظام السوري، وقالت: «كل الذين تحدثت معهم من لافروف نفسه إلى خصومه السياسيين أكدوا لي أن لافروف إذا كان لديه شك في أن وضع الأسد ميؤوس منه، لكان تخلى عن دعمه له، لكن معركة لافروف ليست لمنع التدخل الغربي في سوريا، وإنما لمنعه عن التدخل في روسيا، فكل ما يهم لافروف ورئيسه في الكرملين، هو قدره روسيا على القيام بما تريده على الأرض». وقد شغل لافروف منصب وزير الخارجية الروسي لما يقرب من عقد من الزمن تقريبا، ليضرب رقما قياسيا أكبر من أي وزير خارجية روسي قبله. وتقول رئيسة تحرير مجلة «فورين بوليسي» إنها سألت عن أسباب استمرار لافروف في منصب وزير الخارجية وإعادة اختياره للمنصب عندما عاد بوتين إلى الرئاسة العالم الماضي، على الرغم من الشائعات الكثيرة التي روجت لاعتزال لافروف لمنصبه. وتقول جاءها الرد من أكثر من مسؤول روسي وباحثين روس.. «إنه الرجل المثالي لهذا المنصب».

الهند.. التغيرات «المنتظرة» الهند.. التغيرات «المنتظرة»

$
0
0
سبعة أشهر ما زالت تفصل عن المعركة الكبرى المتمثلة في الانتخابات الوطنية الهندية، إلا أن حمى هذه الانتخابات بدأت تشتعل في الساحة السياسية في بلد يحتضن أكبر ديمقراطية في العالم من حيث التعداد السكاني. فالمشهد السياسي الآن ينبئ بتغيرات عديدة تلوح في الأفق، من بينها، أن الحزبين الكبيرين، وهما «المؤتمر الوطني» الحاكم، و«بهارتيا جاناتا» المعارض، لم يعودا كما كانا في السابق.. فـ«مياه كثيرة تجري الآن تحت الجسر»، بفقدان بعض قواعدهما الجماهيرية لصالح أحزاب أقاليمية صغيرة، بدأت ترسم لنفسها موطنا جديدا على الساحة السياسية، وهو تغير قد يكون بداية لتحولات كبيرة. كما أن ترشيح حزب «بهارتيا جاناتا»، لهندوسي مناهض للمسلمين لخوض غمار انتخابات الربيع على منصب رئاسة وزراء الهند، ينذر بانتخابات دموية. وفي الضفة الأخرى، هناك أزمة زعامة داخل المؤتمر الوطني الحاكم بعد مرض زعيمته سونيا غاندي، واحتمال اختيار ابنها راؤول مرشحا للانتخابات في مواجهة مرشح «جاناتا» المخضرم الهندوسي المتطرف ناريندرا مودي. وهذه الخطوة تشعل منافسة بين رؤيتين مغايرتين تماما في الهند، لما يتوقع أن تكون معركة انتخابية حامية الوطيس. بات التحالف التقدمي المتحد الحاكم بقيادة المؤتمر الوطني الآن على درجة بالغة من السوء، ويجسد مودي، وهو أحد أكثر السياسيين محل الخلاف في تاريخ البلاد، في الجانب الآخر شيئا جديدا للحزب القومي الهندوسي.. أولا، فهو لا يعتبر جزءا من ناد أو نخبة، فقد تدرج في المناصب، ولم يولد مثل راؤول غاندي، الجيل الرابع من سلالة نهرو - غاندي، وفي فمه ملعقة ذهب.. كان يكسب قوت يومه من إدارة مقهى، لذا فالناخب الهندي يرى فيه جديدا. ويعد مودي، رئيس حكومة ولاية غوجارات الواقعة غرب الهند، هندوسيا متعصبا يفتقر للتسامح واتهم بجرائم قتل جماعي. وبدأ مودي يقلل من خطبه المطولة المعادية للمسلمين ولجأ بدلا منها إلى رسالة مختلفة معتمدة على سجل في غوجارات يعترف المعارضون أنفسهم بأنه رائع. غير أن منتقدين له يزعمون أن حزبه القومي الهندوسي قد أفاد من العنف في الماضي بين الهندوس والمسلمين، مستغلا إياه في محاولات إخفاء الفروق التاريخية للهندوس من حيث الطبقة الاجتماعية، وحملهم على التصويت ككتلة على طول خطوط دينية. وعلى نحو ليس محض مصادفة، اندلعت احتجاجات ضخمة الأسبوع الماضي في أوتار براديش، أشهر ولايات الهند وأهمها على المستوى السياسي، بعد أن تداول مشرع من الحزب المنتمي إليه مودي، مقطع فيديو مزيفا لاثنين من الهندوس يعدمان على يد مجموعة من المسلمين.. وقُتل 44 شخصا وتم تشريد 42 ألفا بسبب نهب القرى. أسويني كي راي، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة جواهر لال نهرو، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «منتقدي مودي رفعوا قدره من خلال التشهير الدائم به. إنهم جعلوا منه بطلا». وأشار إلى أن مودي يشتهر بتركيزه وطهارة يده وعمله انطلاقا من هدف.. «المشكلة ليست أن الناخبين الهنود لا يقيمون سلطة الأسرة؛ بل إنهم سئموا وضجروا من سلالة نهرو - غاندي»، حسبما يشير راي. وسرعان ما اتضح أيضا أن رئيس الوزراء مانموهان سينغ عامل مؤثر (سلبا) بالنسبة لحزب المؤتمر. ويؤثر تصنيف ائتماني متدن لحكومته على المستوى الوطني، على مصائر حزب المؤتمر في أربع ولايات تجرى بها الانتخابات في الشهرين المقبلين وهي ماديا براديش، وراجستان، وتشهاتيسجاره، ودلهي. وخلص استطلاع رأي واستبيان أجرته مؤسسة «سي فوتر آند تايمز ناو» إلى أن حزب «المؤتمر» لن يفوز في أي من الولايات الأربع. وفي حالة ما إذا تحولت هذه المؤشرات إلى نتائج فعلية بالنسبة لحزب «بهارتيا جاناتا»، فسيكون مرشحه لمنصب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، المتقدم على راؤول غاندي ومانموهان سينغ وسونيا غاندي في هذه الاستطلاعات، هو من سيحصل على النوع المطلوب من جرعة التحفيز التي يحتاجها المتنافس لخوض المعركة الكبرى أمام حزب المؤتمر في عام 2014، وهي معركة الانتخابات البرلمانية. يشير التاريخ السياسي للهند إلى أنه منذ عام 1984، لم يكن هناك صوت وطني موحد، كما لم يجرِ تشكيل حكومة من حزب واحد. ويقول المحلل السياسي ريخا تشوداري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه سيكون من الممتع لو تحدى ناريندرا مودي هذا الاتجاه. كان النجاح الكبير لحزب «بهارتيا جاناتا» في عامي 1998 و1999 عندما شكل الائتلاف الحاكم. دخل «بهارتيا جاناتا» الانتخابات العامة عام 1998 مع ثمانية حلفاء سياسيين رئيسين. وبعد الانتخابات، تم اكتساح منافس آيديولوجي آخر، هو حزب «تيلوغو ديسام»، وولدت أول حكومة بقيادة «بهارتيا جاناتا». تشكل التحالف الديمقراطي الوطني على أساس الاتفاق على إسقاط جميع مطالب الهندوتفا (المعتقدات الهندوية)، وفي الانتخابات العامة، ما قبل انتهاء المدة، التي عقدت بعد عام، قفز مزيد من الأحزاب، من بينها «درافيدا مونيترا كازهاغام» الملحد وحزب المؤتمر الوطني «جامو وكشمير»، على شعار «بهارتيا جاناتا». وقال الصحافي مانيش تشيبر: «في واقع الأمر، لقد قضى وجود مودي على القمة على الإنجاز الوحيد الذي أتى بحزب (بهارتيا جاناتا) إلى السلطة، وتشكيل الائتلاف.. اليوم عاد حزب (بهارتيا جاناتا) للعزلة التي كان عليها قبل عام 1998 التي قوضت جهوده لتشكيل الحكومة، والتي انتهت عندما تخلى عن الشيء نفسه الذي ميز الحزب؛ برنامج الهندوتفا الأساسي»، حسبما أوضح الصحافي مانيش تشيبر. اليوم، يملك حزب «بهارتيا جاناتا» حليفين فقط، «شيف سينا» و«أكالي دال»، وكلاهما تتوافق آيديولوجيته مع آيديولوجية الحزب. لكن على عكس الوضع في عام 1996، حينما كان حزب «بهارتيا جاناتا» مرعوبا من فكرة أن يتم تجنبه، في عام 2013، يفخر بكونه وحيدا. المؤشرات تفيد بأن أي شريك محتمل يمكن أن يأتي لحزب «بهارتيا جاناتا» بشروط الحزب، النقيض التام للفترة من عام 1996 إلى 1998 حينما بحث حزب «بهارتيا جاناتا» عن شركاء بحسب الشروط التي حددها الأخير. بحسب شيكار غوبتا، رئيس تحرير مجموعة «إنديان إكسبريس» فقد «شهد صعود الائتلاف في السياسات الهندية انهيار السقف الزجاجي وأجج طموح الجميع لشغل منصب رئيس الوزراء. وفي نظام ديمقراطي على أية حال، لا توجد عقوبة على الحلم». ولكي لا يتم إهمالهم، فقد بدأ القادة غير المنتمين لحزب المؤتمر وحزب «بهارتيا جاناتا» يؤهلون أنفسهم للوظيفة الكبرى في حالة ما إذا فشل كل من التحالف التقدمي المتحد والتحالف الديمقراطي الوطني في الحصول على أغلبية في البرلمان. دعم زعيم حزب «ساماج وادي»، مولايام سسينغ ياداف، من قبل تصنيفات رئيس وزراء ولاية بيهار المنتمي للحزب الشيوعي الهندي، نيتيش كومار، مرشحا محتملا لمنصب رئيس الوزراء ليحقق تقدما بشكل ملحوظ بين لاعبين آخرين غير منتمين لحزب «بهارتيا جاناتا». ربما تكون الهند أكبر الدول الديمقراطية في تعداد السكان في العالم، غير أن الحملات الانتخابية عادة ما تذكيها مشاعر الكراهية وتسفك فيها الدماء. وباختيار مودي، الخطيب العنيف الذي ملأ خطبه بعبارات معادية للمسلمين، أثار حزب «بهارتيا جاناتا» احتمال أن تكون هذه الانتخابات الأكثر دموية منذ عقود. ويشكل الهندوس نسبة 80% من سكان الهند، فيما يمثل المسلمون نسبة 13%. ويقول وزير الداخلية الهندي سوشيل كومار شندي إنه كانت هناك بالفعل 451 قضية عنف طائفي العام الحالي، لتتخطى إجمالي قضايا العنف التي رفعت العام الماضي والتي بلغ عددها 410 قضايا. وحذر من احتدام العنف مع اقتراب الانتخابات. تعتري الطبقة المتوسطة الهندية حالة من الغضب من حزب التحالف التقدمي المتحد الحاكم، وأصبح مودي حبيب الجماهير. ومع عدم وجود إنجازات تنسب للحزب (لم يفشل فقط في مخاطبة الأزمة الزراعية أو إنعاش اقتصاد راكد؛ بل وصفت هذه الحكومة أيضا بأنها الأكثر فسادا في الهند منذ استقلالها) باتت احتمالات فوزه في الانتخابات العامة 2014 ضئيلة على أفضل تقدير. إذا لم يفز مانموهان سينغ بفترة ثالثة وعجز «سحر» مودي الشهير عن مد يد العون لحزب «بهارتيا جاناتا» عبر 180 مقعدا في البرلمان، فمن سيقود الهند؟ نيتيش كومار، أم مولايام سينغ ياداف، أم قائد غير ملحوظ ينتظر في الصفوف الجانبية ليشكل ائتلافا جديدا من الأحزاب؟ يشير استبيان إعلامي آخر إلى أن ثلاثة في المائة فقط من شعب دلهي يوافق على مانموهان سينغ رئيسا للوزراء، في مقابل نسبة 55 في المائة مؤيدة لمودي. ويحظى راؤول غاندي بتأييد 18 في المائة. وبعد اختيار ناريندرا مودي مرشحا لشغل منصب رئيس الوزراء عن حزب التحالف الديمقراطي الوطني، تطرح تساؤلات حول سبب خجل الكونغرس من الإفصاح عن اسم راؤول غاندي لخوض معركة من طراز رئاسي. إن تقديم القوة الساحقة لمودي لرايزينا هيل سوف يعتمد على ولايتين هما أوتار براديش وبيهار، اللتين يحكمهما خصوم متصلبون لمودي. تملك الولايتان معا مقاعد عددها 120، ويمتلك حزب «بهارتيا جاناتا» 22 مقعدا منها فقط. وحتى بعد أن ظهر رئيس الوزراء مانموهان سينغ ووزير الشؤون البرلمانية كمال ناث رسميا للإعلان عن أن راؤول غاندي هو مرشحهما المثالي لمنصب رئيس الوزراء، سارع أعضاء حزب المؤتمر بالإعلان خلال الأيام القليلة الماضية عن أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم للإعلان عن مرشح الحزب لمنصب رئيس الوزراء. عادة ما يهدف التفسير اللاحق إلى إهانة حزب «بهارتيا جاناتا»؛ «نحن نقاتل مع جبهة حزبية موحدة».. «نحن لا نخوض معركة انتخابات رئاسية». وأوضح راتان سينغ، المحرر السياسي رفيع المستوى، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حزب المؤتمر بصفته حزبا، ظل في السلطة لفترتين متعاقبتين بعد أن فتح الباب للتحالف الديمقراطي الوطني، ويشكك في قدرة مودي وحزب (بهارتيا جاناتا) على إدارة دولة». إذا أصبحت المعركة الانتخابية مواجهة بين مودي وراؤول أو مواجهة بين مودي ومرشح لمنصب رئيس الوزراء عن حزب المؤتمر، فسيكون ذلك انتحارا سياسيا لحزب المؤتمر.. فأيا كان قدر مساهمته في الحزب، لم يحقق راؤول غاندي أي إنجازات ملموسة لإظهار أن له حقا عادلا في شغل المنصب. ليس ثمة دليل على أن غاندي الصغير يلعب دورا فعليا في وضع السياسات وتنفيذها. حتى في البرلمان، فيما دفعت سونيا غاندي بمشروع قانون الأمن الغذائي من خلال خطاب سريع، لم تجرِ مشاهدة أو سماع راؤول غاندي في أي مكان. وفي النهاية، لا يمكن لراؤول ادعاء أنه أدار أي شيء بنجاح. ومن ثم، من الواضح أن راؤول غاندي سيسدي لحزب المؤتمر جميلا بعدم الإعلان عن نفسه بوصفه مرشحا لمنصب رئيس الوزراء. وجاذبا الانتباه إلى شخصياتهم، يقول الصحافي البارز، ديليب بادغاونكار، الذي ينظر إليه بوصفه متعاطفا مع الكونغرس: «كل من مودي وراؤول متحفظ. وفيما ينطوي تحفظ مودي على مسحة من العجرفة، فإن تحفظ راؤول ينم عن خجل. يجسد سلوك مودي حس ثقة بالذات مسيطرا؛ أما سلوك راؤول، فيكشف عن درجات من سرعة التأثر.. أحدهما متسلط وصارم وعدواني وحاسم ومسيطر، أما الآخر، فمتواضع وواقعي ومتردد، وفوق كل هذا، تواق للعب دور السامري اللطيف». بين شباب الحضر في الدولة، يحظى مودي بجاذبية نجم لموسيقى الروك. نصف سكان الهند تحت سن الخامسة والعشرين، والسواد الأعظم منهم لم يشهد من قادته أكثر من همسات هادئة من أشخاص في الثمانينات من أعمارهم على شاكلة رئيس الوزراء مانموهان سينغ. وبالمقارنة، يعد مودي خطيبا يتمتع بشخصية جذابة بدولة الهند الناهضة، وهي رؤية يجدها ملايين من المتورطين في اقتصاد متعثر مثيرة.. بالنسبة لكثير من الهندوس، يعد جيدا على نحو مدهش، لكن بالنسبة لكثير من المسلمين، يعتبر بغيضا. في عام 2002. بعد مرور أقل من عام على تعيينه رئيسا لوزراء الحكومة في الولاية، اندلعت أعمال الشغب في غوجارات وراح ضحيتها أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين. وجرى تعذيب الأمهات وحرق الأطفال وتمزيق أجساد الآباء إربا إربا. كيف سيدعم حزب المؤتمر ناريندرا مودي؛ مرشح حزب «بهارتيا جاناتا» لمنصب رئيس الوزراء، الذي يعتقد كثيرون أنه ربما يسطر عودة الحزب إلى السلطة في عام 2014؟ يتركز الحشد السياسي حول ائتلاف المؤتمر وليس ائتلاف «بهارتيا جاناتا». بالنسبة للمعركة حامية الوطيس التي يخوضها حزب المؤتمر، فتمثل أفضل الخيارات المتاحة في سلسلة من ائتلافات ما قبل الانتخابات عبر الولايات، جنبا إلى جنب مع حملة دعاية شعواء مستندة إلى وظائف قائمة على الحقوق والطعام والتعليم والتمتع بإنتاج الغابات في الريف. هناك بالفعل 20 حزبا سياسيا مختلفا في التحالف التقدمي المتحد الحاكم، وحصة التصويت 28 في المائة، ولكن بالنسبة للتحالف الديمقراطي الوطني الذي ليس لديه سوى حليفين سياسيين فقط، تبلغ حصة التصويت 32 في المائة. وعن الحروب بين الحزبين المتنافسين، «المؤتمر» و«بهارتيا جاناتا»، أشار بانكاج باشوري، مستشار الاتصالات لرئيس الوزراء، لدى حديثه إلى «الشرق الأوسط» قائلا: «السياسات والبرامج هي حجر الأساس لحكومة منتخبة ديمقراطيا. نحن نركز على السياسات، لا الشخصيات». وفي مواجهة ذلك، يقول نائب رئيس حزب «بهارتيا جاناتا»، إم إيه ناكفي، الوجه المسلم بالحزب: «لا يملك حزب المؤتمر أي حق في الحديث عن الهوس بالشخصية. خلال الخمسين عاما الماضية، ظل الحزب بأكمله مرتبطا بأسرة واحدة، وأصبح الناس رؤساء للحزب ورؤساء وزارات على أساس الميلاد، فيما يعتبر مودي زعيما شعبيا من أصل متواضع ووصل إلى القمة بكفاءته». وعلى الرغم من ذلك، فإن الآخرين أكثر حذرا. يقول قيادي رفيع المستوى بحزب «بهارتيا جاناتا»: «الأمر مرتبط بالحلفاء، وسيتمثل أكبر تحديات مودي في النظر فيما وراء حزب (بهارتيا جاناتا) وزيادة نصيب التحالف الديمقراطي الوطني للاستحواذ على مزيد من مقاعد الحلفاء». وبالنسبة لمودي، الشخصية الاستقطابية، يبدو احتمال اجتذاب حلفاء سياسيين أكثر ضآلة مما كان بالنسبة لرئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي في عام 1998. وبحسب ريخا شوداري، «إذا استطاع مودي الآن أن يقود حزب (بهارتيا جاناتا) نحو الفوز بعدد 170 إلى 180 مقعدا، فلن يكون العثور على حلفاء بالمهمة العسيرة. ففي السياسات الهندية، تلعب الانتهازية دورا أكبر من الآيديولوجية، ويمكن أن نرى القوى المناهضة لحزب المؤتمر تتخذ أقرب المسالك لمساعدة مودي في نيل قسط من السلطة، حتى وإن كان ذلك ليوم واحد. ربما ننظر لهذه القوى السياسية، التي تستهدف مودي بوصفه سياسيا حصينا، باعتبارها تتخذ منعطفا، إذا ما اتضح أن فرصهم في الانتخابات مماثلة للتوقعات. الآن، سوف يعتمد الأمر على قدرة مودي الإدارية على توحيد ائتلاف هش، بحيث لا تلزم الدولة بانتخابات في وسط المدة في أعقاب حدوث كارثة. ومن ثم، سيتعين على مودي بالأساس أن ينظر للخلافات داخل الحزب، وفي التحالف المحتمل، وأيضا لتلك الخلافات مع أحزاب المعارضة. لن تكون لعبة سهلة بأية صورة، لكن مودي أيضا سياسي مختبر شق الطريق. ستكون رحلة ممتعة للرجل وحزبه والأمة بشكل عام من الآن فصاعدا». أخيرا وليس آخرا، لنفهم ذلك بوضوح: أصحاب السلطة والنفوذ في السياسات الهندية لم يعدوا الساسة الذكور. في واقع الأمر، إنها ثلاثية من السيدات السياسيات، مايا (رئيسة الوزراء السابقة لولاية أوتار براديش، أكبر الولايات الهندية) وجايا (رئيسة وزراء تاميل نادو) وماماتا (رئيسة وزراء البنغال الغربية). فيما بينهن، قد يستحوذن على قرابة 100 مقعد في برلمان، وسوف يقررن شكل الحكومة المقبلة، سواء أكانت الحكومة المقبلة من حزب التحالف التقدمي المتحد، أم التحالف الديمقراطي الوطني، أم حزب المؤتمر، أم حزب «بهارتيا جاناتا»، أم جبهة ثالثة، أم جبهة رابعة، أم جبهة خامسة، أم أية جبهة أخرى. إذا استطاع مودي تحقيق الفوز في الانتخابات بنفسه، أو حتى بفوزه على تحالفات جديدة، فسيكون قد فاق التوقعات وأعاد تسطير التاريخ السياسي للهند.

من التاريخ: عبء الثورات من التاريخ: عبء الثورات

$
0
0
تابعنا في الأسابيع الماضية الظروف السياسية التي مرت بها المكسيك منذ الاستقلال وحتى ظهور التيار الليبرالي بقيادة «بنيتو خوارس»، وما تعرضت له البلاد من تدخلات خارجية في شؤونها كلفتها كثيرا من أراضيها وكبريائها على أيدي ساسة ضعفاء وعملاء تميزوا بضيق الأفق السياسي والنهم المادي، وعلى الرغم من تسيد التيار الليبرالي فترة زمنية محددة بعد منتصف القرن التاسع عشر، فإن التيار المحافظ الذي تمثل في الكنيسة وطبقة النبلاء من ذوي الأراضي كان يستشعر الخطر من استمرار تسيد هذا التيار لا سيما مع وجود نزعات تطالب بعمليات إعادة توزيع للثروة في البلاد. وهكذا، فإن فشل الثورة المكسيكية في تحقيق فكرة العدالة والحرية كان منبعه اختلاف عقائدي حقيقي بين المؤمنين بالتغيير الليبرالي بوسائل راديكالية من ناحية، والمتخوفين منه من طبقة الكنيسة ومالكي الأراضي من ناحية أخرى، وهو ما أدخل المكسيك في خلافات عميقة استحوذت على الساحة السياسية واستهلكت الطاقات الممتدة للبلاد، وهو ما أخر التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء. ورغم ما أضفاه خوارس من روح جديدة في الجسد المكسيكي المنهك، فإن الساحة السياسية كانت مليئة بالصراعات، وبمجرد موت خوارس آلت الأمور إلى الديكتاتور بورفيريو دياز الذي أمسك مقاليد الأمور بيد من حديد لقرابة 30 عاما استطاع خلالها أن يتغلب على الدستور، خاصة الفقرة المانعة إعادة الترشح، وما كان منه إلا أن أوجد لنفسه بديلا خاضعا رشحه فترة رئاسية ثم ضرب عرض الحائط بهذا الشرط بعد ذلك واستمر في إعادة ترشيح نفسه. وقد كانت للرجل ميليشياته الخاصة التي كانت كفيلة بأن تضمن له النجاح المستمر في الانتخابات المزورة وتضفي له شرعية مفقودة. ولقد اتسم حكم بورفيريو بالانحياز الكامل للطبقة الغنية المحافظة والكنيسة، ففتح البلاد لموجات من الاستثمارات بالتعاون مع الأجانب خاصة الأميركيين، ولكن يُكتب له أنه أرسى القاعدة الصناعية الأساسية في البلاد، ولكن الظروف الخاصة بالعمال والمزارعين ازدادت سوءا في عهده، فعُزلت هذه الطبقات عن الطبقة الحاكمة في البلاد. لقد كان من الطبيعي أن تظهر طبقات من المعارضة لهذا الحكم، وقد اتصف الصراع السياسي في البلاد بنبرة طبقية، فالمزارعون يسعون لعمليات إصلاحية واسعة النطاق، خاصة قانون الإصلاح الزراعي الذي يكسر احتكار الطبقات الغنية لملكية الأرض، بينما سعى العمال لإقرار حقوق تتعلق بالعمل والأجور، ومع مرور الوقت تباعدت الأطراف بعضها عن بعض، خاصة مع تنظيم المعارضة على أيدي ماديرو الذي نظمها بالتعاون مع زعيمين شعبيين محببين للقلب المكسيكي هما زاباتا وبانشو فيا. وعلى الرغم من هذا التيار المعارض، فإن دياز ألقى القبض على ماديرو قبيل الانتخابات وفاز بها معلنا نفسه مستمرا في رئاسة البلاد. لم تقبل المعارضة هذه النتائج، وسرعان ما اندلعت الحرب الأهلية مرة أخرى بين الفريقين التقليديين، وبعد كر وفر استطاعت المعارضة أن تحسم الأمر عسكريا وتفرض على دياز التخلي عن الرئاسة والهروب إلى خارج البلاد، وتم تعيين ماديرو رئيسا للبلاد، فاعتقد البعض أن هذه كانت بداية تحقيق حلم التقدم والرفاهية، ولكن هذا لم يحدث؛ إذ سرعان ما دب الخلاف بين فيا وزاباتا من ناحية، وماديرو من ناحية أخرى، كما لو كان مكتوبا على المكسيك أن تعيش حالة تناحر بين المختلفين في الرأي وحتى المتفقين فيه على حد سواء، فلقد ظن القائدان الشعبيان أن ماديرو سينفذ خطط الإصلاح الزراعي والصناعي ويحسن حالة المزارع وعمال المصانع، ولكن ماديرو كان مهتما بأبناء طبقته الراقية، وهدفه كان فرض نظام ليبرالي، ولم يكن على استعداد للنزول لمطالب العامة، كما أنه أصبح في صف المستثمرين الأجانب، خاصة الأميركيين، مما جعله يفقد دعم طبقة الأغنياء بتضافرها مع الطبقات الأخرى ضده، مما أدى إلى نهايته السياسية. وهكذا اندلع الخلاف السياسي والعسكري مرة أخرى وانتهى الأمر بتولي أويرتا الحكم، ولكن الرجل لم يبق طويلا، فسرعان ما انفلت زمام الأمور، فحدث انقلاب جديد على يد كارانزا الذي ساندته الطبقة العليا والكنيسة، وقد حُسم الأمر لصالح كارازنا في حربه ضد الزعيمين فيا» وزاباتا بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية التي سمحت باستخدام أراضيها من قبل جيوش الرئيس لضرب الحركة الثورية، وهُزم جيش فيا بالفعل وكاد يقضى على حركته، ولكنه استعاد توازنه وقرر الانتقام من الأميركيين، فدخل بقواته إلى ولاية نيومكسيكو، مما اضطر الرئيس ويلسون لإرسال حملة تأديبية بقيادة الجنرال بيرشينج عام 1915 لمدة عام كامل، ولكنها فشلت في مهمتها فشلا تاما بسبب لجوء فيا لتكتيكات حرب العصابات، ولكن هذه الحروب والهزائم أضعفت جيش المزارعين، وعندما دعا كارانزا الزعيم فيا للاتحاد من أجل محاربة الولايات المتحدة، وهم في المفاوضات غدر كارانزا بالرجل وقتله في 1919، ولكن القدر لم يمهل كارانزا كثيرا؛ إذ سرعان ما ذاق من الكأس نفسها التي شرب منها رؤساء مكسيكيون كثيرون فجرى التخلص منه، وجرى إقرار حكومة مؤقتة جاء بعدها أحد أبرع الساسة والجنرالات وهو أوبريجون، فتفرغ الرجل للقضاء على ما تبقى من الفوضى، وفي عهده قُتل الزعيم زاباتا عام 1923. لقد استقرت المكسيك بعض الشيء على أيدي أوبريجون، حيث سعى لوضع قاعدة اقتصادية تسمح للبلاد بالنمو والتطور، ولكنه لم يبق كثيرا حيث وعى الدروس من قبله فسلم سدة الحكم بعد ولايته إلى أحد الرؤساء الأقوياء وهو كايس وإليه يرجع تأسيس الحزب الذي عُرف فيما بعد بحزب الثورة المؤسسي PRI، الذي ظل يحتكر السلطة في المكسيك لحقب تالية. وفي سعيه للقضاء على ما تبقى من حالة الفوضى التي اعترت البلاد، استطاع هذا الحزب أن يحارب المشكلات السياسية التي بدأت تنتشر في المكسيك بسبب الحركات الفاشية المنقولة من الأفكار الأوروبية التي كانت شائعة في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، فطالبت هذه الفئات بمنح الدولة قوة مطلقة على حساب الشعب، كما ظهرت أحزاب مسيحية في المكسيك مدعومة من الكنيسة سميت بالـ«كريستيرو»، وهكذا انزلقت البلاد مرة أخرى إلى حالة شد وجذب داخلي وصراع على السلطة بعدما قرر أوبريجون أن يرشح نفسه للرئاسة فقتل، واستمرت الفوضى لبضع سنين حتى جاء الرئيس لازارو كارديناس الذي قبض على سدة الحكم تماما. ومنذ اليوم الأول أدرك الرجل أن الأمر لن يستتب في البلاد إلا إذا أدخل الإصلاح الزراعي، فقام بذلك إرضاء للمزارعين، كما قام بعملية تأميم للبنوك العاملة في البلاد، وأدخل موجة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية بالغة الأهمية، فلقد كان الرجل بالفعل نموذجا للرئيس المستنير الذي استطاع أن ينتشل بلاده من ويلاتها وخيبة سياسييها وأدخل التنمية في كل المجالات من الفن إلى المسرح إلى الاقتصاد، واتخذ موقفا متشددا تجاه الفاشية والنازية، وقد استمرت هذا النهضة قرابة 20 عاما، ومع استمرار حزب الثورة المؤسسي في الحكم لحقب طويلة، استطاعت المكسيك أن تجد التنمية السياسية، ولكن الحزب لم يستطع أن يؤقلم نفسه على المتغيرات الدولية والتيارات الليبرالية وانتشار هذه التيارات، ولهذا فقد الحزب قدراته وانفتحت المكسيك بتياراتها السياسية المختلفة نحو الليبرالية. حقيقة الأمر أن قصة كفاح المكسيك ضد المستعمر، ثم من أجل وضع إطار سياسي مقبول مبني على أسس شرعية يعترف بها المواطنون، تعد بكل المعايير قصة تعيسة عانت فيها البلاد من مجموعة مشكلات ظلت تلازمها قرابة قرنين من الزمان؛ متمثلة في ضيق أفق الساسة، ومشكلة اختلاف الرؤى والأهداف السياسية، ليس فقط من حيث الآيديولوجية، ولكن من حيث صراع طبقات، ودور سلبي للدين لا يخفى عن العين المجردة، فضلا عن التدخلات الخارجية خاصة للولايات المتحدة، ففي الوقت الذي حسم فيه الأميركيون ثورة الاستقلال وأرسوا بعدها مباشرة نظام الحكم ممثلا في الدستور، فإن المكسيكيين فشلوا في ذلك تماما، وما أنجزه الأميركيون في قرابة 10 سنوات فشل فيه المكسيكيون على مدار ما يقرب من قرنين، وذلك على الرغم من أن الظروف السياسية في الدولتين كانت غير بعيدة، وقد يكون في المقولة الشهيرة بأن «المكسيك مسكينة لأنها بعيدة عن الله وقريبة من الولايات المتحدة» ما يبرر هذا الفشل المقارن، ولكن يبدو واضحا أن غياب المؤسسية منذ البداية هو الذي دفع المكسيك لهذا الخراب الممتد الذي لولاه لكانت هذه دولة عظمى بدلا من التآكل الداخلي الذي أصابها لأكثر من قرن ونصف القرن. ولعل أهم درس مستقى من الحالة المكسيكية هو أن الثورات قد تكون عبئا على شعوبها عندما تغيب المؤسسية ومعها الاتفاق الشعبي (الشرعية) على أسس الحكم وتظهر الفردية وينحط مستوى الساسة. * كاتب مصري

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

$
0
0
خلال الأسبوعين الماضيين، حفلت الصحافة الغربية بسلسلة مقالات ذات طابع سلبي عن الدور التركي في المنطقة، كان قاسمها المشترك واحدا، وهو رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، الذي اتُّهم بدعم المنظمات الراديكالية في سوريا وتنمية نفوذها، وصولا إلى تسليم جواسيس إسرائيليين لإيران.. لكن تركيا تصرفت على أساس أن هذه الانتقادات تتخطى فيدان ودوره لتطال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. المعروف عن فيدان أنه قريب جدا من أردوغان إلى درجة أن البعض حار في توصيفه على أنه الرجل الثاني بعد أردوغان، أو الثالث في تركيا بعد أردوغان والرئيس عبد الله غل. الوصف الذي اختاره له أردوغان كان.. «إنه حافظ أسراري. إنه حافظ أسرار الدولة»، بينما يقول الكاتب التركي المعروف جنكيز قاندار إنه بمثابة «كعب أخيل» لأردوغان، في إشارة إلى أن استهدافه غربيا هو استهداف لدور أردوغان. يشير قاندار إلى الأهمية التي تعاملت فيها تركيا مع هذه الأخبار التي وردت في مقالات متعددة في صحيفة «وول ستريت جورنال» في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تحدثت الصحيفة عن الدور المهم لفيدان في دعم المنظمات الراديكالية في سوريا، ثم في صحيفة «واشنطن بوست» في 16 أكتوبر التي تحدث تقريرها عن تسليم فيدان 10 جواسيس إسرائيليين لإيران، تلاه في 18 من الشهر ذاته تقرير لـ«نيويورك تايمز» يتحدث عن تراجع التعاون التركي - الإسرائيلي بسبب مخاوف من تسريب فيدان المعلومات إلى الاستخبارات الإيرانية وإلى المجاهدين في سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا كانت عند نشر التقارير في عطلة عيد الأضحى، فإن الردود انهمرت من كل حدب وصوب، فتحدث نائب رئيس الوزراء بشير بوزداغ دفاعا عن فيدان، مؤكدا أن ولاء ووطنية رئيس الاستخبارات التركية «هاكان فيدان» ليست موضوعا للنقاش. وقال بوزداغ: «على الجميع أن يعي هذه الحقيقة، وأن حكومة حزب العدالة والتنمية هي من وضعت فيدان على رأس عمله، ولن تعزله ولن تسمح لأحد بعزله». أما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فقال إن «هذه المعلومة الخاطئة تظهر مدى امتياز العمل الذي يؤديه فيدان»، منددا بهذا «الافتراء» الهادف إلى تلطيخ «السمعة المحترمة»، التي تحظى بها تركيا. وبينما تبارت الصحف الحكومية، أو تلك القريبة منها، في الرد على الاتهامات، مذكرة - كصحيفة «صباح» - بالأصول الأرمينية للكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، وصف مسؤولون في أنقرة تقرير الصحيفة بأنه جزء من محاولة لتشويه سمعة تركيا من جانب قوى خارجية لا تشعر بالارتياح لتنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط. ويرى البار بيردال رئيس تحرير جريدة «صول» المعارضة، أن الحملة التي تشن الآن من أميركا وإسرائيل على فيدان هي «نتاج لبداية توسيع الهوة في وجهة النظر بين أميركا وتركيا حيال ما يجري في الشرق الأوسط». ويقول بيردال لـ«الشرق الأوسط»: «لو نظرنا إلى الفترة التي بدأت بها الحملة لرأينا أنها أتت مباشرة بعد الادعاءات باستخدام سوريا السلاح الكيماوي، ومن ثم الاتفاق بين روسيا وأميركا على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية، مما أدى إلى وقوع فراغ كبير وخيبة أمل من قبل حزب العدالة والتنمية، الذي كان يعد العدة للحرب على سوريا وابتلاعها، ولهذا بدأ أردوغان الانتقاد اللاذع للولايات المتحدة، وبدأ الخلاف يظهر على الساحة». ويستنتج أن «الولايات المتحدة التي بدأت تشعر بالقلق من تصرفات وتصريحات أردوغان اختارت هاكان فيدان، ليكون عنوانا لتوجيه انتقاداتها وهجومها لأردوغان». وإذ يعترف بيردال بوجود «خلاف بين الحكومة والجماعات الدينية (في تركيا) حول اقتسام المناصب»، فهو يشير إلى أن «جماعة فتح الله غولان تعمل بأوامر من واشنطن، ولهذا لا أستغرب أن تكون الجماعة شنت الحملة على فيدان، ولكن لا أعتقد أن هناك تعاونا أو تنسيقا بين الجماعة ومخابرات دول أخرى»، مشددا على أن الولايات المتحدة «تريد أن توصل رسالة إلى أردوغان وطاقمه مباشرة، وسنرى تأثيراتها في الانتخابات المقبلة». أما الكاتب إمري أوصلو من جريدة «طرف»، فيرى أن فيدان يعتبر الرجل الثاني في تركيا بعد أردوغان، في إدارة العمليات العسكرية والاستراتيجية، ومن الطبيعي أن يهتم الإعلام والشارع بهذا الرجل الغامض الذي يدير أهم العمليات في تركيا، ولا يظهر للإعلام مباشرة، مثل رئيس الوزراء أو الوزراء الذي نشاهدهم كل يوم، كما أن هذا الشخص هو المسؤول عن أهم العمليات التي تقوم بها تركيا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه هو الشخص الأكثر تأثيرا على أردوغان، وهو الذي يوجه في أغلب الأمور، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، سواء كانت هذه المعلومات أو هذا التوجيه على صواب أم على خطأ». وإذ يستبعد أوصلو وجود حملة غربية ضد فيدان، يقر بوجود حملة إسرائيلية يضعها في إطار «الصراع بين الاستخبارات التركية والموساد»، ملاحظا أن «بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تعدت حدود المتعارف عليه إعلاميا، وهددت بتفجير سيارته». تزامن بروز فيدان على الساحة التركية مع سياسة «العودة إلى الجذور» التي اتبعها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وعرابها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «العمق الاستراتيجي» وسياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار، التي تُرجمت بعودة تركيا إلى العالم العربي، بعد انقطاع طويل فرضته سياسة التتريك، التي أطلقها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال وسياسة الاتجاه غربا التي عمل عليها. لم يكن فيدان بعيدا عن داود أوغلو؛ فهو من المقربين منه، وكذلك من أردوغان الذي احتضن «ضابط الصف» المتدين الذي لم يكن لأحد أن يتوقع له هذا البروز، باعتبار أن «الشاويش» لا مستقبل عسكريا له. ولد هاكان فيدان في العاصمة أنقرة عام 1968. درس وتخرج في مدرسة قوات المشاة المحاربة عام 1986، ومن ثم درس في مدرسة اللغات التابعة للقوات المشاة. كذلك فإن لديه خبرة عملية في ميدان الاستخبارات، وعمل بين عامي 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع» التابعة للحلف الأطلسي، وعمل في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا. وفي تلك الفترة نال إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، قبل أن ينجز الماجستير والدكتوراه في جامعة بيلكنت في أنقرة، مسقط رأسه. ويلقي أوصلوا بمجموعة من علامات الاستفهام حول دور فيدان، الذي كان «شاويشا»، وهو منصب لا مستقبل له في الجيش التركي، لأنه لن يترفع كثيرا من خلاله مهما طالت مدة خدمته، مشيرا في هذا الإطار أيضا إلى أن فيدان ذهب للخدمة في قواعد «الناتو» لمدة أربع سنوات، وكان يُعرف عن هاكان فيدان أنه متدين، ولكن في تلك الفترة كان المتدينين يطردون من الجيش التركي، فكيف يكافئ متدينا ويرسل للعمل في أهم مؤسسات «الناتو»؟ وهنا تكثر الشبهات حول فيدان، لأن الفترة التي أرسل بها هاكان إلى ألمانيا كانت تركيا تعيش فترة انقلاب 28 فبراير (شباط)، ولهذا بالنسبة لي يبقى إرساله على أساس أنه متدين إلى ألمانيا محلا للسؤال والشك! ويضيف: «ولكن الذي يثير اهتمامي أن هاكان فيدان بعد الاستقالة مباشرة بدأ العمل في السفارة النمساوية في أنقرة كمستشار سياسي. واللافت للنظر هو أن هناك شخصين مهمين الآن في تركيا أيضا كانا قد عملا مستشارين للسفارة النمساوية في أنقرة، أحدهما وزير المالية محمد شمشيك، والآخر سعاد كينيكلي أوغلو، وهو عضو في اللجنة المركزية للعدالة والتنمية وعضو برلمان عن الحزب وأيضا من أصول عسكرية». وتابع: «السؤال الذي يطرح نفسه هل الجهات التي فتحت لمحمد شمشيك وسعاد كينيكلي أبواب السفارة النمساوية هي التي فتحت أبواب السفارة لهكان فيدان؟». وبعد أن أنهى فيدان فترة خدمة استمرت 15 عاما في صفوف القوات المسلحة استقال عام 2001 وهو برتبة ضابط صف، والتحق مباشرة بوزارة الخارجية مستشارا سياسيا واقتصاديا، ومن ثم عُيّن رئيسا لإدارة مؤسسة التعاون والتنمية التابعة لرئاسة الوزراء، وفي الوقت نفسه مساعدا لمستشار لرئاسة الوزراء، ومن ثم عين مستشارا للمسؤول عن السياسة الخارجية والأمن الدولي، ومن ثم عمل موفدا خاصا لرئاسة الوزراء. وفي تلك الفترة، كان يرافق مستشار رئاسة الوزراء للسياسة الخارجية أحمد داود أوغلو في رحلاته الإقليمية، كما كان يعمل عن قرب ويرافق نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك عبد الله غل في رحلاته الخارجية، كما كان يشارك في كثير من الوفود التي ترافق أردوغان في زياراته لخارج تركيا، أو عند استقباله للضيوف الأجانب من رؤساء ومسؤولين. وبعد أن اعتلى غل منصب رئاسة الجمهورية، كان فيدان من بين المرشحين لرئاسة السكرتارية في القصر، لكنه عين في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 لعضوية وكالة الطاقة الدولية. كما كان عضوا في منتدى التعاون والتنمية بين الشعوب التابع للأمم المتحدة، وعضو في هيئة إدارة جامعة أحمد يوسفس التركية في كازاخستان، وعضو في هيئة إدارة جمعية يونس أمري. عمل كثيرا من الأبحاث والدراسات في الأمن الدولي وفي التنمية الدولية والسياسة الخارجية التركية، كما قام بتدريس مادة العلاقات الدولية في جامعة حجة تبا وبلكنت. ولم تكن الاستخبارات بعيدة عن طموحات فيدان، الذي كانت أطروحته لنيل الدكتوراه تحمل عنوان: «دراسة مقارَنة بين أنماط عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية»، ومن ثم عين مساعد لمستشار المخابرات التركية. وقبل تعيينه في 27/ 5/ 2010 مستشارا للمخابرات التركية، حصلت حادثة أظهرت النفوذ الذي يتمتع به فيدان. فقد استدعى قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كي كي) فيدان للتحقيق معه كمشتبه به مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني المحظور، أو غض بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا، لكن حكومة أردوغان عمدت فورا إلى إرسال قانون يعطي الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية. وواجه القانون، الذي جرى إقراره خلال 48 ساعة فقط، انتقادا شديدا من المعارضة. وفيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي ذلك المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيّن من خارج المؤسسة عام 1992. المعترض الأول على تعيينه كان «الموساد» الإسرائيلي؛ فحينها نشرت صحيفة «هآرتس» تقريرها عنه، ونقلت فيه مخاوف «الموساد» إزاء تعيينه، وذلك بسبب دوره في تنظيم «أسطول الحرية»، وبسبب قربه اللصيق من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم («العدالة والتنمية»)، ولدفاعه عن المصالح النووية الإيرانية. لكن أردوغان كان يريد (وفق الصحف التركية) من تعيين الرجل المقرب منه المزيد من تحديث «وكالة الاستخبارات الوطنية» ومأسستها، وإبعادها عن سطوة العسكر، بما أنه لا يزال 50 في المائة من موظفيها من سلك الجيش. فعمل فيدان على تقسيم الاستخبارات إلى جهازين، أحدهما للداخل، والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءا من الشرق الأوسط وجيرانها الروس والقوقاز وآسيا وأفريقيا وحتى الأميركيتين وأوروبا وإسرائيل. بعد دوره البارز في كثير من الملفات، تصاعدت أصوات في تركيا توحي بوجود «دور مستقبلي» لفيدان في السياسة التركية الداخلية، لكن بيردال يستبعد أن يكون الأمر عبارة عن «تلميع» لصورة فيدان لإعداده لمنصب رئيس الوزراء أو وزير الخارجية في المستقبل، كما تردد في بعض الأروقة التركية. ويقول: «المتابع للسياسة التركية يرى أن الأمور لا تسير بهذا الشكل؛ فأردوغان يحكم قبضة على الحزب بكل قوة، وفيدان هو فقط رجل من رجال طيب أردوغان الذين يعتمد عليهم ويثق بهم، والدليل على هذا أن استخرج من أجله قوانين تحميه من ملاحقة القضاء له»، معتبرا أن «ما يجري الآن في كواليس السياسة هو مستقبل أردوغان، وليس مستقبل فيدان». وإذ يدحض أوصلو «نظريات المؤامرة»، التي تتحدث عن تحضير فيدان لدور سياسي قد يكون رئاسة الوزراء، يشير إلى أن فيدان نفسه قد يعمل من أجل هذا من تلقاء نفسه. ويربط أوصلو مصير فيدان بمصير مرحلة الحل مع الأكراد، مشيرا إلى أنه إذا «نجحت الحكومة في إنجاح مرحلة الحل، فإن جميع الإيجابيات ستُسجل في خانة فيدان، وسيقوم الجميع بتقديره، وإذا عمّ السلام في الجنوب التركي فإن فيدان من الأوفر حظا للترشيح لرئاسة الوزراء لأن نجاحاته ستكون هي الدافع له، ولكن إذا عاد حزب العمال الكردستاني لحمل السلاح، وفشلت مرحلة الحل، إلى جانب الفشل الذريع الذي نالته الحكومة في سوريا وعلاقة الحكومة مع مصر التي لا تبشر بالتفاؤل، وبما أن فيدان لعب دورها في الثلاثة محاور، فإن الفاتورة سيدفعها فيدان، أي هو الآن على كف عفريت».

قالوا قالوا

$
0
0
* «حكومة دمية» * بيبي جريلو زعيم حزب «حركة خمس نجوم» المعارضة في إيطاليا يهاجم حكومة بلاده، ويقول، إن «ألمانيا تتحكم بها». وقال عبر مدونته، إن «رئيس الوزراء إنريكو ليتا فشل في مواجهة الأزمة الاقتصادية». * «حجر الزاوية، ومن دونها لا يمكن لإسرائيل أن تسير أعمالها في هذا العالم» * أفيغدور ليبرمان يصف العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. * «إنها مأساة كبيرة بالنسبة للفلبين.. شهدنا بالفعل كوارث كثيرة للغاية، ولكن هذه هي الأكثر قتلا ودمارا» * فاليري أموس مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالشؤون الإنسانية ومنسقة إغاثة الطوارئ. * «انعدام أمن الدول المجاورة لنا هو انعدام لأمننا» * وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يطمئن دول المنطقة إلى عدم القلق من المفاوضات المتعلقة بالملف النووي لبلاده. * «كنا قريبن جدا جدا جدا... فعليا قريبين للغاية من الوصول إلى اتفاق» * وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول المفاوضات مع إيران بخصوص البرنامج النووي.

أحلام أكراد سوريا.. وهواجسهم أحلام أكراد سوريا.. وهواجسهم

$
0
0
وضعت المكاسب الحربية التي حققها الأكراد في شمال شرقي سوريا، وتعزيز وجودهم الجغرافي والسياسي في البلد الذي مزقته الحرب، القوى الإقليمية في مأزق حقيقي. واختلفت الرؤى حول تلك الخطوة بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، حتى بين الأكراد أنفسهم الذين رآها بعضهم على أنها انجراف إلى محور إقليمي يدعم الأسد ولكنهم ينفون ذلك. وعانى الأكراد من الاضطهاد في عهد الرئيس السوري بشار الأسد ومن قبله والده ويعتبر بعضهم الحرب الأهلية بمثابة فرصة للحصول على نوع من الحكم الذاتي يتمتع به أبناء عرقهم في العراق المجاور. وتدخل القضية الكردية بسوريا حاليا إلى منعطف تاريخي بعد تشكيل إدارة ذاتية (حكومة مؤقتة) بالمناطق الكردية المحررة من قبضة النظام السوري، لإدارة شؤون المنطقة، وهو ما يثير المخاوف أكثر. وتستعد أحزاب الهيئة الكردية العليا، وهي تحالف عريض من مجموعة أحزاب كردية، لتشكيل الإدارة الجديدة، وظلت تعقد اجتماعات متواصلة من أجل تحقيق هذا الهدف. نشر موقع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري أمس أن اجتماعا عقد في القامشلي «ضم جميع مكونات المنطقة من الكرد والعرب والمسيحيين والشيشان (انتهى بالإعلان) عن تشكيل الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان - سوريا». وتتكون الهيئة الكردية العليا من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بقيادة صالح مسلم الذي يسيطر على مقاليد الأمور بالمنطقة، ويقود مجموعات مسلحة تحت اسم قوات الحماية الشعبية، وبين أحزاب تقليدية انضمت إلى المجلس الوطني الكردي ومجموعها 11 حزبا، انشقت عنه أربعة أحزاب وشكلت اتحادا سياسيا بقيادة رئيس الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) جناح عبد الحكيم بشار، الموالي للزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني. ويؤكد الدكتور جعفر عكاش ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لـ«الشرق الأوسط»، عزم الأكراد في تشكيل الإدارة الجديدة، ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «نحن ماضون إلى مؤتمر السلام حول سوريا (جنيف2)، ولكن قبله سنعلن عن تشكيل الإدارة الذاتية بمناطقنا». وأشار إلى أن «الحزب ومجموعات أخرى من الأحزاب والفعاليات والمنظمات السياسية والشعبية والمهنية تجتمع منذ عدة أيام بمدينة القامشلي للتباحث حول وضع اللمسات الأخيرة لمشروع (الإدارة الذاتية) التي ستكون على شكل حكومة محلية ستتولى إدارة شؤون المناطق المحررة من قبضة النظام الحاكم بدمشق، وتضم الإدارة ممثلين عن جميع القوى السياسية والمكونات القومية والدينية مثل أحزاب المجلس الوطني والهيئة الكردية العليا وكذلك الفعاليات والتنسيقيات المحلية، إلى جانب ممثلين عن المكونات المسيحية والآشورية والسريانية والعرب أيضا، ومن خلال هذه الإدارة سيتم اختيار أعضاء الوفد الكردي الذي سيشارك بمؤتمر جنيف2». ويؤكد عكاش أن مطالب الأكراد الأساسية تتركز في «تحقيق الديمقراطية وترسيخ الحقوق القومية المشروعة للكرد وتأكيد مبدأ الشراكة السياسية وحق ممارسة الثقافة الكردية ورفع الغبن الحاصل على هذا الشعب طوال السنوات الماضية، وإقرار مشاركتهم بإدارة الحكم في المستقبل وفقا لتمثيلهم الشعبي وحجمهم السكاني»، مشيرا إلى أن هذه المطالب ستكون أهم الأجندات أو المطالب التي سيبحثها الوفد الكردي مع الأطراف الدولية المشاركة في مؤتمر جنيف. لكن الصدام بين الهيئة الكردية التي تضم معظم الأحزاب الكردية المنضوية تحت راية المجلسين الوطني الكردي السوري وشعب غرب كردستان، وبين حزب عبد الحكيم بشار الموالي لحزب بارزاني بإقليم كردستان، ما تزال مستمرة، وتقف عائقا أمام توحيد الجهود الكردية. يقول ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي «الخلافات مستمرة، فهم لا يريدون العودة إلى البيت الكردي الموحد، بل إن لديهم رغبة حاليا بالمشاركة في مؤتمر جنيف بالانضمام إلى الائتلاف السوري وهم لا يريدون الذهاب معنا كفريق كردي واحد». والأوضاع في المناطق الكردية بسوريا التي يعتبرها الأكراد الجزء الغربي من كردستان الكبرى، مرشحة لتطورات مذهلة في المستقبل القريب على أثر تداعيات الثورة السورية المندلعة منذ أكثر من سنتين والتي أحدثت تغييرا بطبيعة الخارطة السياسية المعروفة عن تلك المناطق وظهور قوة سياسية جديدة، كانت لفترة طويلة منزوية بعيدا عن الحراك السياسي هناك، ويقصد بها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد حاليا جناحا سوريا لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا. ومع وقع تلك الأحداث تنامت قوة هذا الحزب بشكل غير متوقع، حتى سبق دوره السياسي وتأثيره على الشارع الكردي أكثر بكثير من دور معظم القوى السياسية التقليدية التي تأسست بهذا الجزء السوري منذ عشرات السنين. ويتجه هذا الحزب حاليا وبخطى حثيثة نحو إعلان حكومة مؤقتة، قد تقود في النهاية حسب المراقبين إلى إنشاء أول دولة كردية مستقلة بجزء من كردستان، أو على أقل تقدير تأسيس كيان كردي شبه مستقل على غرار تجربة إقليم كردستان العراق، ما يرشح لحدوث تغيير كبير على الخارطة السياسية والوضع الإقليمي. وتعني مكاسب الأكراد بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد انتزاع المزيد من الأراضي من قبضة مقاتلي المعارضة، ومن ناحية أخرى تأمل القوى الأجنبية الداعمة للمعارضة في أن يوجه الأكراد ضربة للمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين ظل نفوذهم يتصاعد في شمال سوريا على مدى شهور. ولا تقف المكاسب الحربية الكردية عند حد تهديد وحدة سوريا فحسب بل كذلك تزعزع استقرار الدول المجاورة التي تعاني من نفس الانقسامات العرقية والطائفية. ويزيد عدد الأكراد على 40 مليون نسمة موزعين على أربع دول، وغالبا ما يوصفون بأنهم أكبر جماعة عرقية لا دولة لها. وتضم الأراضي التي يهيمنون عليها وتعرف باسم كردستان أجزاء من تركيا وإيران وسوريا والعراق. وبدأت تركيا عمليات الحفر لوضع أساسات جدار على طول جزء من حدودها مع سوريا الشهر الماضي، وعزت ذلك إلى دواع أمنية ولكنه أثار احتجاجات من الأكراد الذين قالوا إنه يهدف إلى الحيلولة دون تقارب العلاقات عبر الحدود بين المنطقتين الكرديتين في البلدين. ولا شك أن تعزيز موقف الأكراد في سوريا يضع تركيا في موقف صعب في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق السلام على أرضها مع حزب العمال الكردستاني الذي قاتل من أجل الحصول على حكم ذاتي أكبر للأكراد في جنوب شرقي تركيا طوال ثلاثين عاما. وتزداد هواجس دول الإقليم التي ترى في نجاح أي تجربة بحكم ذاتي لأكراد سوريا تهديدا لأمنها الإقليمي وخاصة تركيا، على اعتبار أن تكرار تجربة مشابهة لإقليم كردستان العراق، قد يغري الجزأين المتبقيين من كردستان (تركيا وإيران) على التحرك نحو هدف مماثل، ما ينعش الآمال باستقلال الدولة الكردية الموحدة. ولذلك فإن الدور التركي حاليا يعتبر عامل حسم للوقوف بوجه السقف الأعلى للتطلعات الكردية وخاصة بالجانب السوري. ومن هذا المنطلق فإن الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يعتبرون أن ما يجري حاليا من تطورات ميدانية ووجود نشاطات معادية من قبل جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، وخوضهما حربا ضروسا ضد المواطنين الكرد بالجزء السوري، إنما هو بدفع من تركيا. وفي هذا الإطار تعتقد معظم القيادات الكردية السورية، أن تركيا في وقت تسعى فيه لعزل أكرادها عن الأكراد السوريين ببناء جدار عازل، تدعم في جانب آخر جبهة النصرة بحربها المعلنة ضد الأكراد، بدليل أن قوات هذه الجبهة استخدمت المدرعات والأسلحة الثقيلة في معاركها ضدهم. وتتهم تلك القيادات تركيا بفتح معابرها الحدودية بوجه تدفق المقاتلين الإسلاميين المتشددين المقبلين من أفغانستان وباكستان وغيرهما من الدول العربية التي تنطلق من مدينتي غازي عينتاب وأنطاكيا نحو الأراضي الكردية بسوريا. الحرب الدائرة حاليا وبضراوة بين المقاتلين الإسلاميين وقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، من شأنها أن تكشف عن ملامح المرحلة المقبلة خصوصا مع النجاحات التي حققتها قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بتحرير مساحة كبيرة من الأراضي الكردية من يد الجماعات الإسلامية المتطرفة (داعش والنصرة) وفشل هذين التنظيمين في إحكام سيطرتهما على المناطق التي تمكنا خلال الفترة الماضية من السيطرة عليها بسبب فقدانهما للحاضنة الشعبية، والتفاف المواطنين حول قوات الحماية الشعبية الكردية. هذه الأحداث تكرس واقعا جديدا يصعب على بعض الأطراف الإقليمية والكردية استيعابها، وخاصة تركيا والأحزاب الكردية السورية الموالية لحزب بارزاني الذي يصطدم حاليا مع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري على خلفية منع رئيس الحزب صالح مسلم من استخدام أراضي الإقليم معبرا له للسفر إلى الخارج. وهناك جهود تبذل حاليا لإجراء مصالحة بين الحزبين من أجل توحيد الجهد الكردي في مؤتمر جنيف المقبل، ولكن المؤتمر القومي الكردي الذي كان يفترض انعقاده في 24 من الشهر الحالي والذي كان يتوقع أن يتولى مهمة المصالحة قد تأجل إلى إشعار آخر بسبب الصدام القائم بين قيادة الحزبين الكرديين. وتبدو الخلافات عميقة بين حزب بارزاني وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، على الرغم من الموقف القوي الذي أبداه الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني قبل عدة أشهر أثناء احتدام المواجهة بين حزب الاتحاد وجبهة النصرة واستعداده لتقديم كل أشكال الدعم لهذا الحزب لمواجهة الجماعات المتطرفة بالمناطق الكردية. المتحدث الرسمي باسم المكتب السياسي لحزب بارزاني، جعفر إيمينكي أكد في تصريح سابق لـ« الشرق الأوسط» أن «قيادة إقليم كردستان لن تقبل تحت أي ظرف أن تعود جرائم الإبادة التي اقترفها النظام البعثي السابق بالعراق مرة أخرى وتهدد شعبنا بأي مكان كان، ولن نقبل مطلقا بالسكوت عن تحركات جهات أو منظمات إرهابية تحاول إبادة أو قتل أبناء شعبنا». ولخص إيمينكي نوعية الدعم الذي بإمكان قيادة كردستان أن تقدمه لأكراد سوريا قائلا «الدعم سيكون شاملا، بما فيه الدعم اللوجستي لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي) وجميع الثوار الذين يدافعون عن أرض كردستان سوريا». لكن هذا الموقف المساند لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تحول اليوم إلى ما يشبه العداء السافر من خلال وضع القيود على تحركات رئيس هذا الحزب عبر إقليم كردستان العراق، لم يمنع قيادة الاتحاد الديمقراطي من المضي بمشروعه في إقامة الحكومة المحلية الذي يرى شيرزاد اليزيدي الناطق الرسمي باسم مجلس شعب غربي كردستان وهو الواجهة السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أنه «أمر لا بد منه وأصبح في غاية الأهمية، حيث إن المواطنين في المناطق الكردية بحاجة ماسة إلى إدارة محلية تنظم شؤونهم وتؤسس لمرحلة جديدة من حياتهم السياسية». ويضيف «علينا أن ننظم شؤوننا الاقتصادية والإدارية بما يلبي طموحات شعبنا ويتناسب مع التضحيات التي قدمها، فلا يمكن أن ننتظر منة أو صدقة من الآخرين، علينا أن نبادر بتنظيم أنفسنا وننشئ كياننا الإداري الذاتي، وعندما تتحرر سوريا من النظام الحالي عندها سننضم إلى مجموع الشعب لاختيار شكل النظام الذي يناسب البلد ويتفق عليه جميع السوريين». ويقول الناشط الكردي بيروز بيريك من مدينة القامشلي السورية «ما ترونه هو انقسام أوضح لشمال سوريا بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات المعارضين الإسلاميين». وتقول التقارير الميدانية إن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي سيطرت على أكثر من ثلثي الأراضي الكردية في سوريا ومعظمها في محافظة الحسكة بشمال البلاد حيث يشكل الأكراد 70 في المائة من سكان المحافظة والباقي من العرب. ويشير المراقبون إلى أن قوات الاتحاد قد تحاول السيطرة على بلدات شمالية يشكل فيها الأكراد أقلية مقارنة بالعرب مثل بلدتي جرابلس واعزاز الحدوديتين الاستراتيجيتين اللتين استخدمهما مقاتلو المعارضة كطرق لنقل الإمدادات من تركيا. ومن المرجح أن تثير مثل هذه الخطوة ردا عنيفا من مقاتلي المعارضة السورية. ويقول ريدور خليل المتحدث باسم الميليشيا الكردية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي «لا أقول إننا سنفعل ذلك.. دعونا نأخذ الأمور في حينها. فلننتظر لنرى ما إذا كانت الجماعات المسلحة (مقاتلو المعارضة) ستضمن للأكراد حركة آمنة في تلك المنطقة أولا». ويلتفت الأكراد الآن إلى مدينة تل أبيض التي تمثل طريقا مهما عبر الحدود مع تركيا يمكن استخدامه في نقل الإمدادات. ومدينة راس العين الحدودية التي سيطر عليها الأكراد بالفعل هذا الأسبوع لا تقل أهمية عن تل أبيض. الحلم الكردي: يقول شلال كدو القيادي بحزب اليسار الديمقراطي عضو المجلس الوطني الكردي «إن ما يشاع بأن الكرد يسعون إلى الانفصال عن سوريا وتقسيمها محض هراء، فهذه التهمة القديمة الجديدة - يستهدف مروجوها من وراء إطلاقها تأليب الرأي العام العربي على شعبنا الكردي وحقيقة طموحاته الهادفة إلى التعايش الأخوي بين مختلف المكونات السورية على أساس عقد اجتماعي يضمن حقوق الجميع في سوريا تعددية ديمقراطية برلمانية». وأضاف «لا يوجد فصيل سياسي كردي سوري واحد يطالب بالانفصال عن سوريا، بل إن الكرد عموما يفتخرون بانتمائهم الوطني رغم أن الآخرين يحاولون من الآن أن يبقوهم مواطنين من الدرجة الثانية في سوريا المستقبل، الأمر الذي يرفضه شعبنا جملة وتفصيلا». ويقول كدو «إن تأسيس إدارة انتقالية تشاركية بين مختلف أطياف ومكونات إقليم كردستان سوريا في هذه المرحلة المصيرية أمر في غاية الأهمية، كون معظم المدن الكردية خارجة عن سيطرة النظام، وهناك فراغ إداري ومالي وأمني وقانوني كبير، ولا مناص من بذل الجهود لملء هذا الفراغ من خلال تشكيل إدارة انتقالية مشتركة، مهمتها وضع مسودة دستور والتحضير لانتخابات برلمانية نزيهة وشفافة تحت إشراف المنظمات الدولية، وبالتالي تأليف حكومة محلية لتسيير أمور سكان هذه المناطق البالغ عددهم زهاء أربعة ملايين نسمة، ويجب أن لا ننسى أن تشكيل هكذا إدارة يحتاج قبل كل شيء إلى تحقيق أقصى درجات التوافق الكردي الكردي بين المجلسين الكرديين». من جهته يقول المنسق السياسي والإعلامي في الجيش السوري الحر، عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لؤي المقداد لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش الحر والمعارضة السورية ينظران إلى الأكراد على أنهم مكون أساسي من مكونات المجتمع السوري، وهم شركاؤنا في الوطن وفي المعاناة من نظام الأسد، الأب والابن، طيلة عقود». وأشار إلى «إننا نعلم جيدا كيف تعاطى النظام معهم، وكيف حرمهم من حقوقهم على مدى أعوام طويلة، ونحترم خصوصيتهم بشكل كامل». ولفت المقداد إلى «وجود تشكيلات عسكرية، غالبيتها من الأكراد، على غرار (لواء الشهيد مشعل تمو) تقاتل في صفوف الجيش الحر»، مشيرا إلى «ارتكاب بعض التنظيمات الكردية المسلحة تجاوزات بحق مواطنيها نتيجة اتفاقها مع النظام السوري، على غرار ما قامت به تشكيلات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لناحية قمعها المظاهرات الكردية التي خرجت في مناطقها». وشدد المقداد على «إننا لا نقبل بسفك الدم الكردي، كما لا نقبل بسفك الدم العربي»، مؤكدا «الرفض المطلق لما ارتكبته جبهة النصرة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام وبعض الكتائب غير المنضبطة بحق إخواننا الأكراد، وفي الوقت نفسه نناشد الإخوة الأكراد من مختلف الأطياف أن يستجيبوا لنداء الوطن ويغلبوا المصلحة العامة للقضية السورية على المصالح الضيقة والحسابات الآنية». وآمل المقداد أن تكون المرحلة المقبلة، بعد توقيع اتفاق بين «الجيش الحر» و«الهيئة الكردية العليا»، مرحلة «وئام بين مكونات الشعب السوري وأن تكون البندقية موحدة وموجهة ضد نظام الأسد»، مؤكدا أن «الجيش الحر يتعامل مع سوريا ككتلة واحدة، ولا فرق لديه بين منطقة كردية أو علوية أو ساحلية، لأننا جميعا ثائرون على نظام واحد، من مختلف الأراضي السورية». وقال المقداد «إننا حين ننظر إلى سوريا، فنحن ننظر إلى الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها كل أبنائها بكامل حقوقهم وواجباتهم، ولا فرق بين سوري وآخر على أساس ديني أو قومي أو طائفي»، مشددا على أن سوريا هي «الوطن الأزلي لكل السوريين». وأكد رفض «انفصال أي فصيل أو مكون، سواء أكان كرديا أو علويا أو درزيا أو سنيا»، موضحا «إننا لن نقبل بتنظيمات عابرة للحدود ولا بتقسيم سوريا إلى كيانات عدة، لكننا في الوقت ذاته نصر على مسألة الحقوق والمساواة بين العرب والأكراد الذين يتمتعون بكامل خصوصيتهم القومية». ويشير نواف خليل عضو الهيئة الإعلامية في الحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى أن الأكراد في سوريا هم في رأس سلم المعارضة ضد النظام، وقال لـ«الشرق الأوسط» «نحن على تواصل مع المعارضة العسكرية المتمثلة بالجيش الحر ونقف مع كل مجموعة تقبل بوجودنا وحقوقنا، ولنا فيه لواء خاص يحمل اسم (لواء جبهة الأكراد)، وعلاقتنا جيدة مع عدد كبير من الفصائل، لكن نخوض معارك طاحنة ضد بعض المجموعات الإسلامية ولا سيما جبهة النصرة والدولة الإسلامية في الشام والعراق». ولفت خليل، إلى أنّ ما يعرف بـ«وحدات حماية الشعب» التابعة للحزب الديمقراطي الكردي خاضت معارك كثيرة إلى جانب الجيش الحر، ولا سيما في حلب وكان آخرها، اعتقال عدد من عناصر قوات النظام إثر معركة السيطرة على مطار منغ العسكري. وأبدى خليل، استغرابه لما قال إنه تناقض في تصريحات المعارضة السورية، التي تدعم ما تقوم به جبهة النصرة حينا، وتتّهم النظام بدعمها حينا آخر، مضيفا «سبق لوحدات حماية الشعب وجبهة النصرة أن وقعا اتفاقا في فبراير (شباط) الماضي، ينص على عدم التعدي أو الدخول إلى المناطق الكردية إلا بالتنسيق مع هذه الوحدات، لكن لم يتم التقيد بهذا الاتفاق من قبل الإسلاميين». وفي حين اعتبر الخليل أنّ الأكراد لم ولن يكونوا إلى جانب النظام السوري الذي عانوا من ظلمه أكثر من خمسين عاما، لفت إلى أنّ الهدف اليوم هو طرد الإسلاميين الذي اختاروا المنطقة والهدف الخطأ، مضيفا «نجحنا في طرد قوات النظام واليوم نعمل على طرد الإسلاميين، مع تأكيدنا على أننا ندافع عن أنفسنا ولا نهاجم أحدا». وفيما يتعلّق بالمعارضة السياسية، التي لا يزال الأتراك خارج ممثلها الأساسي، وهو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، تمنى الخليل أنّ تعيد قوى المعارضة النظر في سياستها وتضع خارطة طريق جامعة للعمل مع كل الفرقاء للوصول إلى سوريا حرة ديمقراطية. ونفى الخليل أي «أهداف انفصالية» يسعى إليها أكراد سوريا، قائلا «مشروعنا اليوم هو الإدارة الذاتية لتأمين متطلبات شعبنا وليس الانفصال، وبعد سقوط النظام وإجراء الانتخابات لن يقبل الكردي إلا أن يكون كأي مواطن سوري مع تمسكنا بهويتنا القومية والحصول على حقوقنا».

قالوا

$
0
0
* «الشرر يتطاير من الجانب وليس من الوسط عندما تحتك الدواليب مع بعضها البعض» * دوريس ليسينغ، الروائية البريطانية الحائزة جائزة نوبل للآداب التي توفيت هذا الأسبوع، تصف في مقابلة الدور غير المباشر للعملية الإبداعية في التغيير الاجتماعي * «26 في المائة فقط من السيدات في الهند يعترفن بأن لديهن حسابا مصرفيا» * بي تشيدامبارام، وزير المالية الاتحادي الهندي، أثناء مراسم افتتاح بنك «بهاراتيا ماهيلا» الهندي الحكومي للمرأة في مومباي * «هناك رجال سياسة يسعون باستمرار وراء أضواء التاريخ. وهناك آخرون يسعى التاريخ نفسه وراءهم» * نيكوس أناستاسيادس، الرئيس القبرصي، خلال جنازة الرئيس السابق غلافكوس كليريدس * «إننا ندين هذا العمل الإرهابي الجبان ونضعه في خانة توتير الأوضاع في لبنان واستخدام الساحة اللبنانية لتوجيه الرسائل السياسية في هذا الاتجاه أو ذاك» * نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، يدين الانفجارين اللذين وقعا قرب مقر السفارة الإيرانية في منطقة بئر حسن جنوب بيروت * «مهمة جدا وناجحة» * محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، يصف لدى وصوله إلى الكويت للمشاركة في القمة العربية الأفريقية زيارة الرئيس الفرنسي إلى رام الله

من التاريخ من التاريخ

$
0
0
«اتبع نهر الموسكوا حتى جوركي بارك.. واستمع إلى رياح التغيير.. في مساء صيف أغسطس يسير الجنود فيسمعون رياح التغيرات»، هكذا ذهبت الأغنية الشهيرة التي دوت عقب سقوط الاتحاد السوفياتي في ربوع أوروبا، فظن بعض حديثي العهد بالسياسة أن هذه كانت خطوة تعكس نهاية الدولة، ولكن سرعان ما عبرت هذه الدولة المرحلة الانتقالية مسرعة لتستعيد توازنها السياسي وتتبوأ مقعدها ضمن القوى العظمى مرة أخرى، وكما لو أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى معها، فمنذ أن بدأ «بطرس الكبير» إصلاحاته الشهيرة التي وضعت روسيا على طريق الحداثة وتبعته في ذلك «كاثرينا الكبرى» فإن روسيا ظلت قوة عظمى على الساحة الدولية والدور لم يخفت حتى اليوم. لقد مر بي هذا الشريط التاريخي وأنا في الطائرة التي تستعد للهبوط في أول زيارة لي لمدينة موسكو إحدى أكبر وأجمل وأعرق المدن الأوروبية، تلك المدينة التي شهدت تجسيدا للتاريخ وإشعالا للحضارة وتأصيلا لشعب عريق هو الشعب الروسي، إنها المدينة التي يعرف قيمتها المؤرخ، ويقدرها المثقف ويثمنها السياسي ويحبها من له نزعة جمالية في الحياة، هي تلك المدينة التي شهدت اللبنة الأولى لبناء الدولة الروسية التي بدأت بـ«دوقية موسكو Duchy of Moscova» التي كانت تقطنها قبائل سلافية من أصول هندية - أوروبية تتحدث أحد مشتقات اللغات السلافية وتدين بالمسيحية الأرثوذكسية. على الرغم من اشتراك الدوقية أو الدويلة الصغيرة مع باقي أوروبا في اعتناق المسيحية، فإن حقيقة الأمر أن هذه المنطقة ظلت بعيدة عن الحضن الأوروبي لقرون طويلة، فلقد كان هناك تباعد أو جفاء ثقافي واضح بين هذا الإقليم وباقي أوروبا ويرجع ذلك في التقدير لأسباب جيوسياسية واضحة، فلقد كانت هذه المنطقة بعيدة عن بؤرة الحركة التاريخية الأوروبية، فهي منطقة متطرفة جغرافيا بسبب البعد وعدم وجود أي نوع من أنواع التواصل بسبب اختفاء الطرق البرية الصالحة لتسيير التبادل التجاري أو الثقافي أو العرقي بسبب البرودة والتجمد أو محاصرة الثلوج لأي موانئ لفترات طويلة من العام، بالتالي كانت المنطقة العازلة بين أوروبا وروسيا هي الواقعة حول ما يعرف اليوم ببولندا وأوكرانيا، بل إن البولنديين كان لهم تداخل عسكري وسياسي كبير في الشؤون الروسية. يضاف إلى ما سبق وجود مشكلة أخرى كان لها أكبر الأثر في الانفصال بين روسيا وباقي أوروبا، وهو أن منطقة التماس أو المنطقة العازلة كانت تدين بالديانة الكاثوليكية شأنها شأن وسط وغرب أوروبا في ذلك الوقت، وهو ما وضع حاجزا نفسيا ومعنويا فصل بين الطرفين بسبب الاختلافات في لب العقيدة المسيحية خاصة مع اعتبار الروس الأرثوذكس هم الأقدم والأحق من الكنيسة الكاثوليكية، وهو ما تسبب في استتباب العقيدة الأرثوذكسية بقوة في نفوس الروس بسبب العزلة عن باقي أوروبا وشعورهم بالاعتزاز أمام الكنائس الأخرى، وهو ما جعل الروس دائما يعتقدون أنهم ورثة الدولة البيزنطية، هذا الحلم الذي أخذ يكبر لدى ملوك هذه الدولة إلى أن أصبح هدفا سياسيا في حد ذاته لدى بعض القياصرة، والنتيجة الطبيعية لاختلاط كل هذه العوامل كان ميلاد عقيدة فكرية وسياسية وعسكرية مختلفة عن سائر أوروبا، ظلت في النفسية الروسية إلى يومنا هذا، خاصة في المجال العسكري ورغبتهم دائما في الحفاظ على منطقة التماس بعيدة عن متناول التهديد. يبدأ التاريخ الروسي الحديث حول القرن الثالث والرابع عشر عندما كانت مجموعة من القبائل السلافية تقطن موسكو وحولها كجزء من ممتلكات «القبائل المغولية الذهبية The Golden Horde»، وقد كانت القبائل السلافية ترفض هذا الحكم ولكن قبضة المغول على موسكو والمناطق المحيطة بها ضعفت إلى حد كبير وهو ما سمح ببداية ظهور القوة المحلية الروسية، خاصة عندما فوض كبير المغول الإقطاعي السلافي «رورويك Rurwik» في إدارة موسكو والمنطقة التي حولها بكل السلطات والصلاحيات، وكان من الطبيعي أن تكون هذه الخطوة بداية لمزيد من التوسع في نفوذه السياسي مما دفعه للسعي للخروج من القبضة السياسية المغولية بتعظيم تفويضه ليصبح نوعا من الحكم الذاتي التدريجي خاصة بعدما بدأ يعمل على تجميع القبائل الروسية تحت لوائه مستغلا الهوية واللغة والديانة المشتركة لتحقيق أهدافه، وهو ما تحقق في نهاية القرن الخامس عشر عندما أعلن الرجل انسلاخه عن المغول ولقب نفسه ملكا تحت اسم «إيفان»، وقد ساعده على ذلك زواجه بإحدى أميرات إمبراطورية بيزنطة بعد سقوطها على أيدي العثمانيين، وهو ما منحه الشرعية الكافية ليطمح ليكون الشخص الذي يحيي الإمبراطورية البيزنطية من جديد ومواجهة الدولة العثمانية، ولعل هذه كانت بذرة الشجرة التي نمت وتحولت فيما بعد لعقيدة حماية المسيحيين الأرثوذكس في جنوب أوروبا خاصة السلافيين منهم وأيضا حول البحر المتوسط. لقد بنيت الدولة الجديدة على أساس إقطاعي شأنها شأن باقي الدول أو الدويلات الأوروبية، حيث أعطى الإقطاعيون أو طبقة الـ«بويارز Boyars» ولاءهم للإمبراطور مساهمين في جيوشه ومدعمين حملاته العسكرية، ولكن كما يحدث عادة فإن الإقطاعيين سرعان ما بدأوا يسعون لخلخلة سلطانه لصالحهم، فما كان منه إلا أن ابتدع حيلة سياسية بارعة وهي الاعتماد على الطبقة الوسطى وبدأ يخلق قوة عسكرية كان من شأنها فصله عن ضغوط الإقطاعيين، وهي اللبنة الأولى التي تحولت فيما بعد للجيش الروسي القومي، وهنا فإن روسيا قد سبقت باقي الدول الأوروبية بالنسبة لتكوين الجيش القومي ويرجع ذلك لتغلغل النفوذ القومي في هذه الدولة الجديدة التي بنيت على أساسه. لعل أهم القياصرة الذين تولوا عرش هذه الدولة الجديدة كان «إيفان الرهيب» عام 1584 عندما اختير إمبراطورا على البلاد، فكان رجل الدولة الذي أخذ يقوي دولته حتى وإن كانت وسائله قمعية ودموية، وإليه يرجع بداية الاهتمام بالثقافة الروسية وتطوير المعمار الخاص بها، فضلا عن توسيع أركان الدولة، فلقد سعى الرجل للخروج من البوتقة الموسكوية ليُكون جيشا قويا ويبدأ في غزو المناطق المتاخمة ومد خطوط بلاده إلى جمهوريات البلطيق، وقد وصل من الثقة السياسية بالنفس أن أعلن عزل الكنيسة الروسية عن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية عام 1589، وهكذا وضع هذا القيصر القوى الأسس السياسية للدولة الجديدة، وأصبح على «بطرس الكبير» أن يتابع الحلم هو وكاثرينا فتدخل روسيا المعادلة السياسية الكبرى في أقل من قرنين من الزمان بكل قوة. لقد كان هذا جزءا مما دار بداخلي والسيارة تسير بي في شوارع موسكو فأتذكر فصولا وشخصيات تاريخية كثيرة كان لها أكبر الأثر كما سنرى، وقد سعيت للوصول إلى جملة شاملة عابرة يمكن أن تعبر عن هذه التجربة الزمنية الغنية فلم أجد نفسي إلا مرددا عبارة «إن التاريخ أكرم روسيا بينما أكرمت روسيا العالم بتاريخها وتجربتها وثقافتها». * كاتب مصري

الملا فضل الله.. «صوت التطرف» الملا فضل الله.. «صوت التطرف»

$
0
0
عندما اختارت حركة طالبان الباكستانية الملا فضل الله أو «الملا راديو» حسبما يُشار إليه عادة في باكستان، قائدا لها، أوائل هذا الشهر، اعتقد الجميع في إسلام آباد أن المحادثات بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان ستمنى بالفشل، حتى قبل أن تبدأ. ويرجع السبب وراء ذلك في المقام الأول إلى عدم المرونة التي أبداها الملا فضل الله في المواقف السابقة خلال اتصالاته مع الحكومة وقوات الأمن. فقد كان وسيلة مساعدة في كثير من الهجمات التي جرى شنها على القوات الأمنية الباكستانية عبر الحدود في أفغانستان، حيث يقطن هناك منذ عام 2009 بعد هزيمة قواته في عملية عسكرية شنها الجيش الباكستاني ضده في وادي سوات. في عام 2009، انتهك الملا فضل الله اتفاقية سلام كان قد أبرمها هو ووالد زوجته مع الحكومة الباكستانية في سوات، وأسس حكومة موازية في الوادي الجبلي، واستمر في تنفيذ قانون أخلاقي صارم على السكان المحليين. ينتمي الملا فضل الله إلى فصيل داخل حركة طالبان الباكستانية، يعارض بشدة إجراء أي مصالحة مع الحكومة الباكستانية. وقد استطاعت الاستخبارات الباكستانية أن ترصد مكان وجوده منذ عامين في ولاية کُونار الأفغانية الواقعة على الحدود مع باكستان، وطلبت من القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان وكذلك الحكومة الأفغانية إلقاء القبض عليه على الفور. وقال مسؤولون باكستانيون لـ«الشرق الأوسط» إنه جرت إعادة إرسال طلب اعتقال الملا فضل الله إلى القوات الأميركية والحكومة الأفغانية مع الإلحاح في ذلك لأنه كان يقوم بشن غارات في الأراضي الباكستانية ضد نقاط تفتيش باكستانية. وأشار مسؤول بارز إلى أن القوات الأميركية والحكومة الأفغانية لم تقم بأي إجراء ضد الملا فضل الله، حتى عندما جرى إمدادهم بالمعلومات عن مكان وجود الملا راديو في كونار. يقول أحد المسؤولين الأمنيين في بيشاور «نعرف بالتحديد مكانه (فضل الله) في أفغانستان.. وقد طلبنا من الأميركيين والأفغان إلقاء القبض عليه، ولكنهم على ما يبدو غير مهتمين باتخاذ أي تحرك ضده». وما زال الملا فضل الله يقيم في أفغانستان حتى بعد اختياره رئيسا لطالبان الباكستانية. ويتواصل الملا فضل الله مع بعض الصحافيين الباكستانيين في بيشاور، عبر هاتف يعمل عن طريق الأقمار الصناعية ويخبرهم صراحة بشأن أماكن وجوده. وفي الوقت الراهن، تبددت آمال المسؤولين في إسلام آباد بأن يكون لدى حكومة باكستان قدرة على فتح قنوات اتصال مع حركة طالبان الباكستانية، بعد انتخاب الملا فضل الله رئيسا للحركة. وصرح بعض الوزراء الباكستانيون لـ«الشرق الأوسط» بأن إجراء محادثات مع حركة طالبان غير محتمل في الوقت الراهن. ونادرا ما كان الوضع الأمني، خلال السنوات الـ10 الأخيرة، في المناطق القبلية المضطربة في باكستان مرهونا بتعنت وعدم مرونة فرد واحد؛ فكيف صار ذلك الفرد (الملا فضل الله) بهذه القوة والنفوذ الهائلين؟ بيد أنه يمكن وصف رحلته من عامل تليفريك بسيط في وادي سوات إلى أهم قائد محارب في المناطق القبلية الباكستانية بالقصة المثيرة. ذاع صيت الملا فضل الله للمرة الأولى في سوات، عندما بدأ إلقاء الخطب الدينية عبر أثير الإذاعة، وهذا ما أكسبه لقب «الملا راديو» في عام 2005. وهو صهر مولانا صوفي محمد مؤسس حركة «تحريك إنفاذ الشريعة المحمدية»، وهي جماعة محظورة تهدف إلى فرض تطبيق الشريعة في البلاد. وقد تلقى أيضا تعليمه الديني، حتى وصوله إلى الصف الخامس، في المدرسة الدينية لمولانا صوفي، التي يطلق عليها «مظاهر العلوم»، في منطقة ميدان، في مدينة دير في باكستان. عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، عبر مولانا صوفي محمد وكثير من الباكستانيين إلى أفغانستان لمحاربة القوات الأجنبية. وكان فضل الله من بين هؤلاء الأشخاص، وقد جرى إلقاء القبض عليه لدى عودته من أفغانستان وقضى 17 شهرا في سجن مدينة ديرة إسماعيل خان الباكستانية. وفي عام 2006، بدأ الملا فضل الله إنشاء مدرسة دينية في مسقط رأسه. وخلال العام نفسه، تصاعدت حدة التوتر في وادي سوات عندما استهدفت طائرة أميركية من دون طيار مدرسة في دامادولا، بمنطقة باجور، في 13 يناير (كانون الثاني) 2006، حيث أسفر ذلك الهجوم عن مقتل 85 طالبا، والذي كان من بينهم فاضل وحيد، شقيق الملا فضل الله. ويبدو أن فضل الله قد صعد إلى السلطة عندما صار الوضع في سوات أكثر خطورة، وزادت القلاقل بشكل أكبر، حتى جرى منحه قيادة قوات حركة طالبان في سوات في عام 2007، حيث كان يحاول فرض الشريعة في المنطقة. وبعد ذلك بفترة وجيزة، أبرمت الحكومة الباكستانية ثلاث اتفاقيات سلام مع فضل الله، حيث كانت الاتفاقيتان الأوليان مع الحكومة المركزية، التي انهارت، في حين كانت الثالثة مع حكومة الشرطة الوطنية الأفغانية في خيبر بختونخوا، وبعدها شن الجيش عملية ضد فضل الله ورفاقه في سوات. وقد جرى شن أول هجوم عسكري في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وأُطلق عليه اسم «Rah - e - Haq»، وتبعه عملية أخرى سُميت ب Rah - e - Rast»». وجرى شن آخر عملية عسكرية في 5 مايو (أيار) 2009، التي أجبرت فضل الله على الفرار إلى أفغانستان. ووفقا لما ذكره المواطنون القاطنون في مسقط رأسه، مدينة إمام ظهراي، كان الملا فضل الله يهوى ممارسة الصيد في نهر سوات، عندما كان طالبا، وكان لديه طبيعة عدوانية عندما كان صغيرا. وفي أعقاب عملية المسجد الأحمر التي وقعت في إسلام آباد في يوليو (تموز) عام 2007، قام الملا فضل الله بدمج جماعته مع مقاتلي حركة «تحريك طالبان باكستان»، وبدأ، بعد ذلك، في تلقي الأوامر من بيت الله محسود، القائد الأعلى لحركة طالبان، الذي قُتل في هجوم طائرة من دون طيار. في إحدى مراحل مسيرته كقائد مقاتل، نجح الملا فضل الله في تأسيس حكومة موازية ومحاكم لتطبيق الشريعة في وادي سوات. كما اعتاد القضاء بين الناس، حتى إنه أصدر أحكاما بالإعدام على سكان محليين. أسس الملا فضل الله، بدعم أكثر من 4500 مقاتل، «حكومة موازية»، أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007 في 59 قرية في وادي سوات، وبدأت المحاكم الإسلامية تطبيق أحكام الشريعة. وقد سلطت وسائل الإعلام الباكستانية الضوء على حملاته ضد وكالات الإغاثة الأجنبية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بالقضايا الصحية في سوات. ونفذ خططا اتسمت بالعنف ضد وكالات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الحكومية الأجنبية، مما أجبرهم على الفرار من وادي سوات. وعلى الرغم من دمج قواته ضمن قوات تحريك طالبان باكستان في عام 2007، فإنه ظل مستقلا في نواحٍ عدة على صعيد العمليات. فعمل بشكل مستقل عن بيت الله محسود زعيم تحريك طالبان باكستان في ذلك الوقت. ويرى الخبراء والمحللون اختلافين رئيسين بين قيادة تحريك طالبان باكستان في المناطق القبلية والملا فضل الله أو الملا راديو الذي كان نشأ في المدينة، في منطقة حضرية من وادي سوات، على عكس قيادة تحريك طالبان باكستان الذين يتخذون من المناطق القبلية قاعدة لهم. وقد أثارت حملته الشرسة التي شنها على حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في وادي سوات في عام 2007 اهتمام وسائل الإعلام الدولية، حيث اعتاد التصريح بأن حملة التطعيم ضد شلل الأطفال تهدف إلى بقاء الأجيال الجديدة من المسلمين «عقيمة». وفي المقابل، أشار الملا فضل الله على وكالات الإغاثة الدولية بتركيز اهتمامها على استئصال مرض التهاب الكبد الفيروسي، الذي يعتبر قضية أكثر أهمية للسكان المحليين. وقد فرض الملا فضل الله حظرا على تعليم المرأة في وادي سوات حينما كان يسيطر عليه. وعلاوة على ذلك، أُغلقت نحو 400 مدرسة في وادي سوات أثناء تلك الفترة، مما نتج عنه حرمان 40 ألف طالبة من فرصة الحصول على التعليم في المدارس الحكومية والخاصة. وبلغ من معارضته الشديدة لتعليم المرأة أن أصدر أمرا باغتيال ملالا يوسف زاي، ابنة أحد التربويين المحليين، التي كانت تشترك في حملة لترويج تعليم الإناث في سوات في عام 2012. وقد فقدت الحكومة الباكستانية، التي وصلت إلى الحكم في يونيو (حزيران) الماضي، وكان لديها حماس كبير لبدء المفاوضات مع طالبان، أي أمل في بدء حوار مع حركة طالبان بعد تولي الملا فضل الله منصب القائد الأعلى لحركة طالبان في باكستان. وأدى وجوده في أفغانستان والإحجام الواضح من جانب القوات الأميركية لاتخاذ أي تحرك ضده إلى تعقيد الوضع الرهن هناك. وانطلاقا من قاعدته في ولاية كونار الأفغانية، شن الملا فضل الله عددا من العمليات ضد النقاط الحدودية الأمنية في باكستان الواقعة على الحدود الأفغانية - الباكستانية. وقد صرح المسؤولون العسكريون في باكستان لـ«الشرق الأوسط» أنهم أخبروا الأميركيين أكثر من مرة عن أماكن وجوده في أفغانستان، إلا أنهم (الأميركيين) لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن ضد الملا فضل الله. السؤال الآن، هل سيظل الملا فضل الله يقود طالبان الباكستانية بينما هو جالس في ولاية كونار الأفغانية على سمع وبصر قوات الأمن الأميركية؟ أم سيحاول العودة إلى المناطق القبلية الباكستانية لقيادة طالبان من هناك؟ بيد أن الشيء الأكيد هو أنه ببساطة لا يستطيع الملا فضل الله العودة إلى قاعدته الأم في سوات التي يفرض عليها الجيش الباكستاني رقابة شديدة. والكثير من المحللين يتوقعون أن لا يسمح الجيش الباكستاني للملا فضل الله حتى بالعودة إلى المناطق القبلية. وبالنظر إلى سجله السابق يتوقع أن تكون طالبان في ظل قيادة الملا فضل الله أكثر عنفا وعتادا عما كانت عليه إبان زعيم طالبان السابق الذي كان يقيم في المناطق القبلية، والذي قُتل في غارة لطائرة من دون طيار. وقد اعرب قادة طالبان بالفعل عن نيتهم تنفيذ هجمات إرهابية على المدن والجيش والمؤسسات الحكومية. ويرى أحد المحللين أن وجود فصيلين في طالبان في الوقت الراهن يقدم العزاء للحكومة الباكستانية، لأن الملا فضل الله غير موجود في المناطق القبلية لقيادة طالبان. والأمر الثاني أن هناك صراعا على السلطة في صفوف طالبان في أعقاب مقتل زعيمهم، حكيم الله محسود. ويتوقع الخبراء أن يواجه الملا فضل الله صعوبة في السيطرة على طالبان في المناطق القبلية الباكستانية في قاعدته بأفغانستان، مع وجود صراع على السلطة في صفوف الجماعة.

اليمن.. «الاتجاه المعاكس» اليمن.. «الاتجاه المعاكس»

$
0
0
منذ أن وضعت الحرب أوزارها بين الأطراف السياسية في الساحة اليمنية، وجرى التوصل إلى اتفاق مصالحة تمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، تفاءل اليمنيون خيرا، وعادت الحياة إلى شبه طبيعتها في الشارع، وبدأت الحياة تدب من جديد في مؤسسات الدولة، وجرى انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة وفاق وطني، ودخل اليمنيون في حوار وطني شامل لحل مشكلاتهم. كل ذلك كان يصب في خانة «الخطوات الإيجابية»، ولكن في المقابل ظهرت إشكاليات عديدة، تشد البلاد في الاتجاه المعاكس.. حيث ظهرت تحديات أمنية بتزايد نشاط تنظيم القاعدة في أكثر من محافظة يمنية، واستهدافه عشرات الضباط والجنود من منتسبي المؤسستين الأمنية والعسكرية، بالاغتيال، خصوصا المنتمين لجهاز الأمن السياسي (المخابرات)، وانتهاء بالحرب المذهبية الضروس الدائرة منذ عدة أسابيع في شمال اليمن، التي انطلقت شرارتها من منطقة دماج بمحافظة صعدة بين الحوثيين والسلفيين، إضافة إلى النزعة الانفصالية في الجنوب ومطالبة العديد من المناطق بأقاليم خاصة في الشمال.. كل ذلك يطرح سؤالا مهما.. وهو: في أي اتجاه يسير اليمن؛ في طريق التسوية الشاملة والاستقرار، أم في اتجاه رياح التحديات العاصفة المعاكس؟ وصل مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن إلى محطاته الأخيرة. فبعد انطلاقته المتعثرة في 18 مارس (آذار) الماضي، بمشاركة معظم القوى السياسية اليمنية باستثناء بعض قوى الحراك الجنوبي، تلوح الآن في الأفق بوادر إيجابية، بالتوصل إلى مقررات ينتظر إعلانها قريبا؛ أهمها يتمثل في قيام دولة اتحادية، حيث تنحصر الخلافات الآن بشأن إقامة دولة من إقليمين (شمالي - جنوبي) أو من عدة أقاليم. وتدور مفاوضات اللحظة الأخيرة في أروقة المؤتمر بين الفريق المصغر المسمى لجنة «8+8» وهم يمثلون الجنوب والشمال، في إطار فريق القضية الجنوبية. ويؤكد المسؤولون اليمنيون على ضرورة إنجاز المرحلة الراهنة والنجاح الكامل لمؤتمر الحوار الوطني. يقول مصدر من داخل المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك العديد من القضايا التي تنتظر إعلان مواقفها النهائية، في سباق محموم مع عامل الزمن الذي يزحف باتجاه نقطة الوفاء بالاستحقاقات». وأشار إلى أن أبزر القضايا هي موضوع توزيع الأقاليم والعدالة الانتقالية، مشيرا إلى الانتهاء من موضوع العزل السياسي لمن شملهم قانون الحصانة الذي منح للرئيس السابق علي عبد الله صالح وعدد من كبار المسؤولين في نظامه، في ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، حيث ألغيت المادة الخاصة بالعزل واستبدلت بها مادة تشدد من شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وتقطع الطريق أمام القادة العسكريين في النظام السابق والحالي من الترشح للرئاسة. وجرى اشتراط مرور 10 سنوات على تركهم مواقعهم العسكرية قبل الترشح لمناصب عليا في الدولة، إضافة إلى اشتراط الشهادة الجامعية للترشح. وأكد مسؤولون أن الحوار داخل فريق «8+8» تعثر بسبب خلافات حول القضايا المطروحة، وحول بعض الأسماء الممثلة التي جرى استبدال بعضها. وتؤكد المصادر أن هناك «إجماعا من كل الأطراف على أن تكون الدولة اتحادية من عدة أقاليم، ولكن لا يزال الحوار مستمرا حول عدد الأقاليم وآلية تقسيم السلطة والثروة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية». يقول ياسر الرعيني، نائب أمين عام مؤتمر الحوار الوطني إن معظم فرق المؤتمر قدمت تقاريرها إلى رئاسة المؤتمر وإن فريق العدالة الانتقالية تبقت لديه بعض المواد التي لم يجر التوافق بشأنها، و«بالنسبة لفريق بناء الدولة أو الفريق المصغر، هناك إجماع على قيام الدولة الاتحادية، والنقاشات تدور فقط حاليا حول الأقاليم؛ إما إقليمان أو خمسة أقاليم». وذكر الرعيني لـ«الشرق الأوسط» أن فريق التوفيق يعمل على حل كثير من القضايا الخلافية التي أحيلت إليه من الفرق، والتي لم يجر الاتفاق عليها. وأضاف: «الأمور تسير بوتيرة عالية، ونحن في اللحظات الأخيرة والحاسمة من أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل». وبشأن الخلاف القائم حول ملامح الدولة، يؤكد الرعيني جازما الاتفاق على إقامة دولة اتحادية من أجل الحفاظ على اليمن موحدا، وأن البت في موضوع الأقاليم مسألة وقت وقد يجري البت فيها خلال أيام معدودات. وضمن القضايا التي تدور بشأنها نقاشات حادة في مؤتمر الحوار، قضية ما يسمى «العدالة الانتقالية»، أو «جبر الضرر لمن تضرروا خلال الصراعات السابقة». وفي هذا السياق تطرح مراحل زمنية لتصفية آثار الصراعات في الشمال والجنوب، ومن ضمن المقترحات أن يجري احتساب التعويض للضحايا في الشمال منذ ما بعد ثورة 1962. وفي الجنوب لمرحلة ما بعد عام 1972. والخلافات ما زالت قائمة حول تسمية القضايا والتواريخ بخصوص العدالة الانتقالية، و«الفريق يعدها مسألة شكلية لا أقل ولا أكثر» كما يقول الرعيني. وتشارك مكونات الأحزاب السياسية بما فيها حزب الرشاد السلفي، وجماعة «أنصار الله» وهم الحوثيون، وبعض فصائل الحراك الجنوبي، في المؤتمر، وهو ما يعد نقطة إيجابية في طريق التسوية السياسية. وخلال الأشهر الماضية من انعقاد المؤتمر، عمد المشاركون إلى إصدار اعتذار رسمي من حكومة الوفاق الوطني، للجنوب وصعدة، جراء الحروب التي شنها النظام السابق على تلك المناطق من البلاد، وذلك في ضوء توصيات مؤتمر الحوار بهدف الدفع بعجلة الحوار والمفاوضات نحو الأمام. لكن التشنجات ظلت باقية لتمثل معضلة كبيرة تواجه مخرجات الحوار الوطني. وتدفع فصائل الحراك الجنوبي الأخرى التي لم تشارك في الحوار، في اتجاه المطالبة بعودة دولة الجنوب، وفك الارتباط مع الشمال، حتى إن بعض هذه القوى تذهب إلى التأكيد على أن فك الارتباط جرى فعليا، وأن الجزء الجنوبي من البلاد يخضع للاحتلال، حسب تعبيرهم. وفي هذا الصدد، يؤكد صلاح الشنفرة، نائب رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي أن «الحراك ليس معنيا بالحوار مع صنعاء أو بما سيتمخض عنه من قرارات». وقال الشنفرة لـ«الشرق الأوسط» إن «الحوار يخص المتحاورين في الجمهورية العربية اليمنية.. وإننا في ثورة في الجنوب وسنمضي فيها حتى تحقيق أهدافها باستعادة الدولة الجنوبية المنهوبة». غير أن بعض الأوساط السياسية اليمنية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل سوف تكون ملزمة للجميع حتى الذين لم يشاركوا في المؤتمر، وأن المجتمع الدولي الذي يشرف على التسوية السياسية في اليمن لن يقبل بوجود بؤر توتر في اليمن تعيد أجواء الحرب بعد المشوار الطويل الذي قطعته دول الخليج والولايات المتحدة وغيرها من الدول من أجل تجنيب اليمن شبح الحرب الأهلية». وحسب ما هو مخطط له، فإن من المقرر وعقب الانتهاء من تقارير فرق العمل الميدانية حول جملة القضايا الخلافية وحسمها من قبل لجنة التوفيق، أن يجري الانتقال إلى الجلسات العامة للنقاشات الأخيرة من أجل اختتام هذه المرحلة الأهم من عمر الحوار الوطني، ثم الانتقال إلى مرحلة كتابة الدستور الجديد. ويدور حديث في الساحة اليمنية عن إمكانية تمديد المرحلة الانتقالية لخمس سنوات مقبلة من أجل استيفاء قيام الدولة الاتحادية وتقسيم الأقاليم. لكن معظم الأطراف والأوساط ترفض التعليق على صحة هذه الأنباء، حيث من المقرر أن تنتهي المرحلة الانتقالية في فبراير (شباط) المقبل، بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، غير أن المراقبين يؤكدون أن الفترة المتبقية ليست كافية لإنجاز كل الاستحقاقات كالتقسيم وكتابة الدستور وغيرها من الإجراءات المترتبة على إنهاء الفترة بالشكل المطلوب. ويؤكد المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر أن نهاية فترة حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي ترتبط بإنهاء المسائل العالقة والخاصة بالتسوية السياسية وليست بموعد زمني محدد. * المخاوف والقلاقل من أبرز الأجواء المصاحبة لمؤتمر الحوار، هي المخاوف من التدخلات الإيرانية عبر دعم جماعة الحوثي وفصيل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، وبالتالي تؤكد أوساط يمنية أن «أي فشل للتسوية السياسية يعني السيناريو الأسوأ وهو الحرب الأهلية، وأن ذلك سيفتح المجال أمام تدخلات إقليمية لن تكون في صالح اليمن»، هذا في وقت تلوح فيه الدول العشر المشرفة على التسوية السياسية في اليمن باستصدار قرارات أممية تعاقب كل من يقوم بأعمال تؤدي إلى عرقلة التسوية. وإضافة إلى المعضلات السياسية التي تقف حجر عثرة أمام إنهاء مؤتمر الحوار وحلحلة القضايا العالقة في التسوية السياسية، تشهد الساحة اليمنية مشكلة الملف الأمني ونشاط تنظيم القاعدة المتنامي في معظم المحافظات اليمنية، المتمثل في سلسلة الاغتيالات التي طالت أكثر من 100 ضابط في المخابرات والجيش خلال العامين الماضيين، غير أن ما أزم الأوضاع بشكل أكبر منذ نحو شهرين، هو الصراع المذهبي المسلح الذي اندلع في منطقة دماج معقل الجماعة السلفية في محافظة صعدة بشمال البلاد مع جماعة الحوثي التي تسيطر على المحافظة، واتساع رقعة المواجهات المسلحة إلى المناطق والمحافظات المجاورة بالقرب من الحدود اليمنية - السعودية، وتهديد «القاعدة» للحوثيين بالانتقام لمقتل السلفيين بالمئات في الحرب غير المتكافئة بين الطرفين. ويستخدم الحوثيون المدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة في ضرب دماج السلفية، فيما يظل تسليح السلفيين أقل من ذلك بكثير حيث يقاتلون بأسلحة شخصية، هذا إضافة إلى أنهم محاصرون في منطقة تدين بالكامل للحوثيين سياسيا ومذهبيا وعسكريا. * أصوات الشباب ورغم الإجماع على أهمية الحوار، فإن هناك بعض الأصوات التي تنتقد أداء مؤتمر الحوار الوطني؛ ومن هذه الأصوات الشباب، حيث يرى الناشط الحقوقي وضاح الجليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه جرى الالتفاف على موضوع الفيدرالية التي يراها نموذجا لشكل الدولة التي تحافظ على التنوع المجتمعي و«تحقق الثراء وتحافظ على الهويات الثقافية ضمن هوية وطنية جامعة، يتم إنتاج مسخ لها الآن في مؤتمر الحوار». وأضاف: «ما حدث في هذا المؤتمر كان التفافا على المنطق والحقيقة، فنحن نحتاج إلى فيدرالية تحمي مستقبلنا، لكن جرى إنتاج حلول ارتجالية تشي بنوايا سيئة للإساءة لهذا المفهوم أصلا». ويعتقد الجليل أن «ما يحدث مؤخرا يأتي على خلفية خلافات ونزاعات بين أطراف ومراكز قوى تتصدر المشهد باسم أصحاب المصلحة الحقيقية وهم الشعب الذي قدم التضحيات من أجل إحداث التغيير». وقال إن «الخلافات قادت أولا إلى خرق النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الذي صدر بقرار جمهوري، ومن ثم جرى تشكيل لجنة لصياغة حلول غير علمية أو غير موضوعية تقوم على فيدرالية مرتجلة ويجري صياغتها وفق أمزجة المتحاورين من ممثلي هذه القوى والأطراف التي تطمع لتكوين مراكز قوى جديدة على حساب القضايا المجتمعية التي لم يجر حلها في مؤتمر الحوار حتى الآن، ولا يبدو أن ثمة إمكانية لحلها حتى اللحظة». * الهجوم على الأمم المتحدة وتشهد الساحة اليمنية ومنذ عدة أيام هجوما سياسيا وإعلاميا لاذعا ضد المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر وبالأخص من قبل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وانتقل الهجوم إلى تحت قبة مجلس النواب (البرلمان)، حيث شن أعضاء البرلمان من حزب المؤتمر هجوما شديد اللهجة على المبعوث الأممي وعدوه وصيا على اليمن ولم يعد وسيطا دوليا. وفي هذا الصدد، يقول ياسر اليماني، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمور تسير في اليمن وفقا لما يخطط له الإخوان المسلمون بالتعاون، مع الأسف الشديد، مع مندوب الأمين العام للأمن المتحدة جمال بن عمر الذي كان وسيطا وتحول بقدرة قادر، والإخوان المسلمون، إلى وصي على اليمن الذي يسير نحو الفوضى التي جرى التخطيط لها». ويضيف اليماني أن اليمن «يحكم اليوم بأسوأ قيادة وحكومة عرفها التاريخ اليمني المعاصر، حكومة فشلت في ضبط المخربين.. للأسف اليمن يعيش خارج نطاق التغطية السياسية والأمنية والاقتصادية.. نحن لا نتشاءم، ولكن نقول إن اليمن يسير نحو الـ(لا دولة) ونحو الفوضى، خاصة أننا شارفنا على انتهاء الفترة المقررة للمرحلة الانتقالية، دون أي تقدم يذكر من قبل حكومة الوفاق التي للأسف جاءت لنهب وتدمير ما تبقى في اليمن». ويردف القيادي المؤتمري لـ«الشرق الأوسط» أنه و«بعد الفشل الذي فشلته الحكومة وبن عمر في إنجاح العملية السياسية من خلال الفترة الانتقالية.. يحاولون اليوم وضع بدائل أسوأ من ذي قبل ويسعون إلى التمديد لأنفسهم، وحل مجلس النواب، وإحلال مؤتمر الحوار بدلا منه.. وهذه هي الكارثة المقبلة لليمن والأشقاء في الخليج، النار التي سوف تشتعل في اليمن ستصل إلى الجيران في الخليج، خاصة أن الإخوان المسلمين تحولوا في اليمن إلى مؤخرة للإخوان المسلمين في المنطقة ومصر، فالامتداد أصبح من اليمن من تمويل مادي وبشري». وفي أول تعليق له على الهجوم الذي يتلقاه من بعض الأطراف في الساحة اليمنية، قال جمال بن عمر لـ«الشرق الأوسط» إنهم يلاحظون أن «هناك حملة ممنهجة ضد الأمم المتحدة والعملية السياسية في اليمن»، وإن هذه الحملة «تشن من قبل أطراف متخوفة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي لطالما تكلم بصوت واحد ولا يزال، والمجتمع الدولي مستعد لاتخاذ ما يلزم من إجراءات ضد معرقلي العملية السياسية. وفي الحقيقة تلقيت اتصالات من عدد كبير من قيادات (المؤتمر الشعبي) والتقيت آخرين منهم.. استنكروا جميعا الحملة الممنهجة التي تستهدف الأمم المتحدة وأبدوا تقديرهم لدورها في التسوية السياسية وفي تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف». وأكد المبعوث الأممي لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمم المتحدة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وليست لديها مصالح خاصة، بل هدفها الأساسي إنجاح مؤتمر الحوار والعملية السياسية لإيصال اليمن إلى بر الأمان، والمؤتمر الشعبي شريك أساسي في التسوية وفي العملية السياسية، ونتمنى أن يواصلوا التعاون مع باقي الأطراف للمشاركة في صنع مستقبل أفضل لليمن». * مخاوف سياسية ينظر كثير من المواطنين اليمنيين بتفاؤل حذر إلى مجريات مؤتمر الحوار الوطني، حيث عبر بعض المواطنين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» عن مخاوفهم من أن تكون مخرجات الحوار بداية إلى إعادة تشطير البلاد مرة أخرى، حيث ينظر بعض اليمنيين إلى الفيدرالية على أنها نوع من أنواع الانفصال، ويرجع محللون سياسيون ذلك إلى مرحلة ما بعد قيام الوحدة اليمنية والأزمة السياسية مطلع عقد تسعينات القرن الماضي، حيث كان يطرح أن الفيدرالية تعني الانفصال. وتظل آفاق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، إذا حظيت بالإجماع، هي أكبر المنجزات في نظر آخرين، لكن التطورات الراهنة سياسيا وأمنيا واقتصاديا تحير معظم المراقبين في استقراء مستقبل اليمن وإلى أين يتجه، فيما المواطنون يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من الغد المجهول.

من التاريخ: القياصرة وتحولات الدولة الروسيةمن التاريخ: القياصرة وتحولات الدولة الروسية

$
0
0
تابعنا، خلال الأسبوع الماضي، كيف تحولت دوقية موسكو إلى دولة على الساحة الأوروبية، ثم سرعان ما قام «إيفان الرهيب» بوضع الأسس الإدارية والعسكرية للدولة، وسعى لفتح طرق التجارة وتطوير بلاده، وعند وفاة الرجل في عام 1591، فإن روسيا صارت بالفعل دولة قوية لها ثقلها النسبي، ولكنها ظلت معزولة عن المسرح الأوروبي وامتدادها الطبيعي فيه، ولكن هذه الدولة سرعان ما عانت من غياب ولي العهد، فدخلت في حالة من الفوضى وحرب أهلية، كما كان لدول أخرى، مثل بولندا، أطماعها فيها، فبات كما لو أن الدولة الروسية على وشك الانهيار، بعد عمر نسبي قليل، خاصة مع التطاحن الشديد بين الإقطاعيين وبروز أطماعهم، ولكن القدر كان له حكمه المختلف، فسرعان ما استطاعت القوى الروسية المتفرقة هزيمة النفوذ البولندي، وذلك في الوقت الذي اجتمع فيه حكماء الأمة في مجلس قرروا خلاله حسم خلافاتهم من خلال الاتفاق على تثبيت «ألكسي ميخائيل» من عائلة الرومانوف ملكا على البلاد، وهي الأسرة التي حكمت روسيا حتى الثورة الروسية في 1917. على الرغم من حداثة سنه، فإن «ألكسي ميخائيل» استطاع أن يضبط إيقاع الدولة على وجه السرعة، خاصة المسائل الإدارية، وخلق نوعا من التوازن بين القوى الرئيسة الثلاث التي كان لها أكبر الأثر في السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، وعلى رأسها طبقة الإقطاعيين، أو «البويار»، ومجلس الدوما، ومؤسسة الكنيسة، والحاشية السياسية التي كانت حوله، وقد استطاع ذلك، من خلال منح الإقطاعيين مزيدا من النفوذ، خاصة فيما يتعلق بأراضيهم، كذلك بدأ الرجل في تنظيم الجيش الروسي مرة أخرى، والسعي لفتح قنوات اتصالات خارجية وتنظيم أمور الدولة، وهو ما سمح بانتقال سلمي للسلطة لابنه ألكسي بعد وفاته. سعى القيصر الجديد لتحسين الأوضاع في بلاده، ولكن في سعيه لاستمالة طبقة «البويار»، أصدر القوانين التي سمحت لهم بالتوسع في ممتلكاتهم، من خلال تمليكهم العاملين في إقطاعيتهم، أو «الأقنان»، مما حول الملايين إلى ما يشبه العبيد يُباعون ويُشترون في الأسواق، وهو ما خلق حالة من التذمر الشديد داخل البلاد انتهت بثورة عارمة لم يستطع الرجل السيطرة عليها بسهولة، خاصة بعدما أرسل جيشا لضربها، فما كان منه إلا أن انضم للثوار، ولكن كعادة مثل هذه الثورات، التي قد يكون الحق معها، ولكن ليس الغلبة، فيكون مصيرها الفشل، وهو ما حدث عام 1671، بعدما هزمتها قوات القيصر، وجرى القبض على قائد الثورة وإعدامه، مما أنهى المعارك الجارية، ولكنه لم يخمد الثورة الطبقية الداخلية، التي بدأت تشتعل ولكن بشكل خفي داخل البلاد، إلى أن بدأت تتفجر في مطلع القرن الـ20، كما سنرى، ولعل ما زاد من التوترات أن إصلاحات هذا القيصر استفزت الكنيسة المحافظة في روسيا، حيث كان الرجل في سعيه للتطوير والحداثة يلجأ لترجمة العهد القديم والجديد، وهو ما لم توافق عليه الكنيسة، التي بدأت تستشعر القلق من الوجود الغربي في البلاد، الذي بدأ يزيد نسبيا بسبب الخبراء الذين كان الرجل يجلبهم من الخارج، خاصة الألمان، الذين نقلوا معهم الحياة الغربية بكل ما حملته من متغيرات، فضلا عن المذهب البروتستانتي، لم تكن روسيا المحافظة وكنيستها على استعداد لاستيعابها. وعلى الرغم من الظروف السياسية الصعبة التي عاني منها هذا القيصر، فإنه استطاع أن يُسجل بعض النجاحات على الساحة الخارجية، فلقد مد حدود بلاده في الغرب حتى استولى على أوكرانيا، كما حجّم بولندا تماما، ومد الحدود الجنوبية حتى قرب البحر الأسود، وأعاد إحياء طرق التجارة التقليدية، وفتح طرقا جديدا حتى يمكن لبلاده أن تتفاعل مع الغرب. على الرغم من أن أسرة «الرومانوف» لم يكن لها من ينافسها على سدة الحكم، فإن الخطر الحقيقي الذي وقع عليها كان داخليا؛ فهذه الأسرة كانت مبتلاة بخلافات واسعة النطاق، فتاريخ تقلد القياصرة الحكم كان دائما محاطا بدسائس القصر والمؤامرات المختلفة، التي وصلت لحالات القتل والعزل وغيرها من الأمور المعروفة في صراعات السلطة السياسية، ولكن الرومانوف عانوا منها بشكل محدد، فالتحديات كانت داخلية في هذه الأسرة، ومع ذلك فكأن الله وهب روسيا قيادات كل 50 عاما أو ما يقرب تجدد لها شبابها ورونقها السياسي والعسكري والتجاري والثقافي، وفي هذه الحالة فقد كانت هاتان الشخصيتان هما بطرس الكبير (الذي سبق أن تناولناه في مقالة منفصلة في هذا الباب) و«كاترينا الكبري»، وهما في حقيقة الأمر تجسيد لروح الزمن السلطات المطلقة للملوك Age of Absolutism الممزوجة بروح التنوير Enlightenment، وهما الظاهرتان الأوروبيتان اللتان على الرغم من تناقضهما الظاهري، فإنهما سارا معا بشكل متوازٍ دون أي مواجهات سياسية أو اجتماعية مرتبطة بهما. لقد أخذ بطرس الكبير على عاتقه عملية تطوير البلاد وإدخالها للحداثة الأوروبية القائمة، من خلال جلب الخبراء في كل الميادين، وفتح طرق التجارة الروسية مع الغرب، بعد أن كانت في شبه عزلة، كما أنه يرجع له الفضل في إقامة أول جيش قومي في أوروبا من خلال الجيش الروسي المعتمد على تجنيد الفلاحين الروس، وهو ما يعكس أن روسيا قد سبقت أوروبا، في أنها كانت أول دولة مبنية على الأسس القومية في العصر الحديث، وهي ريادة سرعان ما تبعتها أوروبا بعد ظهور عهد الدولة القومية الذي بدأ في القرن الثامن عشر، ولكن هذه الإصلاحات ووجهت بكنيسة متصلبة رفضت قبول الخبراء الأجانب خاصة البروتستانت منهم والبدع التي كان هذا الرجل يريد إدخالها في المجتمعات الروسية المنغلقة، ولكن الرجل واجه كل هذه الضغوط بمنتهى القسوة والحزم والعنف، وهو العنف الذي لازمه حتى في تعامله حتى مع ابنه، الذي يقال إنه عذبه حتى الموت، ولكن يبدو أن الاتزان النفسي لم يكن أفضل سمات هذه الأسرة الحاكمة على الإطلاق. لقد تولت كاترينا الحكم، بعدما شاركت في مؤامرة من القصر لقتل زوجها القيصر، الذي كان يعاني من الاضطرابات النفسية والتقلبات المزاجية الحادة، وعلى الرغم من كونها ألمانية الجنسية وبروتستانتية الملة، فإنها استطاعت أن تدخل النسيج الروسي، من خلال إتقان اللغة الروسية واعتناق المذهب الأرثوذكسي، كما أنها استطاعت أن تجذب بشخصيتها القوى الروسية المختلفة إلى أن أصبحت الموازنة والمهيمنة عليها وعلى مقاليد الحكم في البلاد، بلا أي منازع، خاصة أنها أحاطت نفسها بمجموعة من الرجال الأقوياء سياسيا، وكانت على علاقات مختلفة معهم، إلى الحد الذي جعلها تضع أحد عشاقها على عرش بولندا. ويرجع الفضل إلى كاترينا الكبرى في خلق الروح الثقافية الروسية، حيث كان اهتمامها الشديد بالثقافة الأوروبية، وكانت على اتصال بالأدباء والمفكرين الغربيين، كما أنها استطاعت في المجال الخارجي أن تستثمر عمل بطرس الكبير، فأصبحت روسيا في عهدها القوة الإقليمية الأساسية في شرق أوروبا على حساب الدولة التقليدية، مثل بولندا وليتوانيا والسويد والدنمارك، وهكذا أصبحت روسيا جاهزة للأقدار التي رمتها في أتون حروب فرنسا الثورية على يدي نابليون بونابرت لتخرج روسيا من ثوب القوة الإقليمية إلى ثوب القوة الدولية، بعدما أصبحت حدودها تمتد من بولندا إلى سيبريا وألاسكا في الغرب وحتى القوقاز في الجنوب، وهكذا أصبح المارد الروسي مستعدا لهز أوروبا وحسم مستقبلها، على الرغم من المنافسة الشديدة. * كاتب مصري

مصر.. التظاهر ضد «قانون التظاهر»مصر.. التظاهر ضد «قانون التظاهر»

$
0
0
مع انتهاء العمل بقانون الطوارئ في مصر، في ظل أوضاع أمنية تواجه كثيرا من المهددات، لجأت الحكومة المصرية إلى محاولة البحث عن بديل لضبط الحالة الأمنية. وكان أن خرج قانون تنظيم التظاهر إلى الوجود أول من أمس، ليواجه بانقسام حاد في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض، بما يشي بصدام قادم بين جنبات الجبهة التي اتحدت يوما في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وأسقطتهم عن الحكم. وبعيدا عن معارضي القيادة المصرية الحالية، وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الإسلامية المتحالفة معهم، شهدت الأشهر الماضية وحدة للصف بين المصريين في مؤازرة الإجراءات التي تتخذها الإدارة الجديدة.. ونادى الجميع بضرورة اتخاذ الدولة خطوات صلبة في مواجهة الإرهاب والانفلات الأمني المتزايد من أنصار الإخوان المسلمين. لكن إقرار اللجنة المسؤولة عن تعديل الدستور المصري (لجنة الخمسين) الأسبوع الماضي مادة تبيح محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية استثنائية؛ ورغم قول المدافعين عن الإجراء إنه سوف يستخدم في ظروف محددة، فإنه أظهر أول شرخ في واجهة هذه الجبهة.. فيما كان إقرار الرئيس المصري المؤقت منذ يومين لقانون «تنظيم التظاهر»، كالقشة التي يأمل المصريون جميعا ألا تقصم ظهر البعير. وبعد يومين فقط من إصداره، فرقت قوات الأمن أمس مظاهرتين على الأقل وسط العاصمة، باستخدام خراطيم المياه والضرب بالهراوات، كما اعتقلت العشرات من المشاركين في المظاهرة المنددة بالحكومة الحالية. وأشار ناشطون إلى أنهم نظموا عدة مظاهرات أمس، إحداها لإحياء ذكرى مقتل أحد شباب الثورة في مواجهات مع الأمن العام الماضي، مؤكدين أنهم لم يقوموا بإخطار وزارة الداخلية بذلك وفقا لآليات قانون التظاهر الجديد، كونهم يختصمون قوات الأمن في مقتل الشاب. فيما نظم ناشطون آخرون مظاهرة أمام مقر مجلس الشورى، الذي يشهد جلسات لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري، اعتراضا على إقرار المادة التي تبيح المحاكمات العسكرية للمدنيين. وطالبت قوات الأمن منظمي الوقفتين بإنهاء فاعلياتهما قبل أن تقوم بتفريقهما عن طريق خراطيم المياه. وقال شهود عيان إن قوات الأمن المركزي ألقت القبض على عدد من المتظاهرين المشاركين في المسيرتين. ويأتي ذلك في وقت تدعو فيه قوى ثورية لتنظيم مظاهرات احتجاجا على قانون التظاهر الذي يصفونه بـ«القمعي». وقدم عدد من الناشطين، في كناية عن السخرية من الأمر، طلبات إلى وزارة الداخلية للتظاهر ضدهم وضد القانون خلال الأيام المقبلة. وتعمل الحكومة المصرية جاهدة على وقف مظاهرات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، المستمرة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو (تموز) الماضي. وقال المتحدث باسم الحكومة، هاني صلاح، إن «الحكومة تعمل على مواجهة أعمال العنف والإرهاب بموجب أحكام القانون»، مشيرا إلى أن «جماعة (الإخوان) أصبحت هي والعدم سواء»، وفقا لأحكام قضائية حظرت جميع أنشطتها. وكان الرئيس عدلي منصور أصدر الأحد الماضي قانونا لتنظيم حق التظاهر يعطي الحق لوزارة الداخلية؛ إذا ما توافرت لديها معلومات جدية عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، في إصدار قرار مسبب بمنع الاجتماع العام أو المظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر، على أن يبلغ مقدمو الإخطار ذلك قبل الموعد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل. ويقول حقوقيون إن القانون يسعى لتقييد المظاهرات والحريات العامة، وإعطاء الشرطة الحق في فضها وفرض عقوبات كبيرة على المخالفين تصل إلى حد الحبس. وهو ما يراه مراقبون نوعا من الردة إلى ممارسات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، التي كان خلالها جهازه الأمني القوي يمثل إحدى الأذرع الفولاذية لترويع المصريين. وهو السبب الأبرز - في رأي هؤلاء - لخروج آلاف المصريين إلى الشوارع للثورة على مبارك وجهازه الأمني. وبينما يؤيد بعض المصريين الإجراءات الأخيرة للحكومة المصرية، ويدعوها لاتخاذ إجراءات أكثر ردعا في مواجهة الانفلات الأمني والإرهاب بعد توالي أحداث التفجيرات واستهداف ضباط الشرطة، توالت ردود الفعل المعارضة سواء داخليا أو خارجيا. ومن جهتها، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء ما وصفته بـ«الآثار المحتملة» لقانون التظاهر الجديد. وذكر بيان للوزارة أمس أن «القانون الجديد لا يفي بالمعايير الدولية ولن يجعل مصر تتقدم نحو الانتقال إلى نظام ديمقراطي». وأضاف أن «الولايات المتحدة ترغب في نجاح مصر في إقامة نظام ديمقراطي يشمل كل الأطراف». وحثت واشنطن الحكومة الانتقالية على احترام حقوق الأفراد في الدستور الجديد. كما انتقدت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قانون التظاهر الجديد بمصر، عادة إياه «قانونا معيبا» وأن من الواجب تعديله. وحذرت بيلاي، في بيان لها أمس في جنيف، من أن القانون الجديد يمكن أن يؤدي إلى «انتهاكات خطيرة للحق في حرية التجمع السلمي»، مشيرة إلى أنه «يعطي صلاحيات واسعة النطاق لسلطات الأمن لحظر تلك التجمعات». وأضافت أن «التعبيرات المستخدمة في مواد القانون؛ مثل أن المظاهرات تمثل خطرا على الأمن والنظام العام وتعرقل مصالح المواطنين أو العدالة، دون توفر تعريفات واضحة لتلك الشروط، تستوجب - ووفقا للقانون الدولي - مراجعة تلك التعبيرات وتوخي الدقة في تفاصيل ما يحظره القانون». ونفى السفير هاني صلاح المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري (الحكومة) ما نسب من تصريحات للدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء، بشأن رفضه وضع جماعة «الإخوان» تحت طائلة قانون الإرهاب، ووصفها بأنه منظمة «إرهابية». وأكد المتحدث في بيان له أمس أن «رئيس مجلس الوزراء لم يصرح بأن جماعة (الإخوان) ليست إرهابية، إنما أكد على التزام الدولة بالقانون، قائلا: لا أعرف إن كان توصيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية اختصاص القضاء أم من، ونحن نفذنا حكم القضاء فيما يتعلق بحظر أنشطتها». وقال صلاح إنه «بمجرد صدور حكم المحكمة بشأن حظر نشاط التنظيم الدولي والجماعة والجمعية وما ترتب عليه، وهو الحكم الذي التزمت الحكومة بتنفيذه، فقد أصبحت هذه الجمعية غير موجودة، فهي والعدم سواء»، موضحا أن «الإرهاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، والقضاء وحده هو المختص بالفصل فيها». وكان حكم محكمة الأمور المستعجلة قد قضى في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ«حظر أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين». وفي مؤتمر صحافي عقده أمس، قال المستشار محمد أمين المهدي وزير العدالة الانتقالية إن «قانون العقوبات نظم كل ما يخص جرائم الإرهاب وكيفية مواجهتها»، مؤكدا أنه «إذا صدر حكم قضائي بأن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية فسننفذه، لأن القانون هو السيد». وأضاف المهدي أن الحكومة حريصة على العمل بمنتهى الشفافية، وجادة في تخطي المرحلة الانتقالية التي تشهد مزيدا من أعمال العنف الذي يمكن أن يكيف قانونا على أنه إرهاب، موضحا أن الحكومة دعمت الشرطة والقوات المسلحة في محاربة الإرهاب، وطالبت بتخصيص دوائر خاصة لمن يتهم بارتكاب إحدى جرائم الإرهاب لتحقيق العدالة الناجزة، كما شدد مجلس الوزراء على أهمية تنفيذ حكم حظر جمعية وجماعة الإخوان المسلمين من خلال اللجان المتخصصة. وأشار إلى أن سبب مراجعة قرارات العفو هو ردع من يعاود ارتكاب جريمة كان قد حصل على عفو عن مثيلتها، موضحا أن وزارة العدالة الانتقالية هي التي تقدمت بمشروع هذا القرار. وأكد المهدي أن اللجان التي شكلها مجلس الوزراء لتنفيذ حكم حظر نشاط جمعية الإخوان المسلمين بدأت عملها على الأرض بشكل فعلي. من جهته، دعا التحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يضم ائتلافات مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، للاحتشاد يوم الجمعة المقبل في ذكرى مرور 100 يوم على ما وصفه بـ«محرقة سجن أبو زعبل» تحت عنوان «القصاص قادم». وكان 37 سجينا من «الإخوان» قتلوا في أغسطس (آب) الماضي أثناء ترحيلهم لسجن أبو زعبل باختناقات بالغاز، عقب وقوع اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أثناء محاولتهم الهرب، حسبما قالت وزارة الداخلية. وأحال النائب العام أربعة ضباط للمحاكمة بتهم التقصير والإهمال والشروع في قتل السجناء. وقال التحالف، في بيان له أمس، إن التظاهر يوم الجمعة يأتي «لنذكر الانقلاب بجرائمه، ونجدد العهد على القصاص العادل والعاجل لكل الشهداء، ونطور حراك ثورتنا نحو حسم كامل».

قالواقالوا

$
0
0
* «(لن يكون للرئيس السوري) أي دور في المرحلة الانتقالية». * أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، في تصريحات للصحافيين عقب لقائه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بخصوص مؤتمر «جنيف 2» للسلام في سوريا * «لن نكون شيطانا أخرس». * رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يدافع عن تصريحاته التي انتقد فيها حكام مصر وأثارت أزمة دبلوماسية جديدة بين أنقرة والقاهرة * «الاتحاد الأوروبي لم يقدم أي شيء غير التصريحات». * رئيس الوزراء الأوكراني، ميكولا أزاروف، يقول إن روسيا تقف وراء قرار أوكرانيا تعليق الاستعدادات لتوقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي * «سنعزز وجودنا. نحن ننتظر قرار الأمم المتحدة الذي يتعين أن يصدر الأسبوع المقبل». * وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، يقول إن فرنسا ستزيد عدد جنودها في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى 1000 جندي على الأقل * «مستقبل اسكوتلندا أصبح بأيدي الاسكوتلنديين». * رئيس الوزراء الاسكوتلندي القومي، أليكس ساموند، بعد الإعلان عن الاستفتاء على استقلال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة الذي حدده في سبتمبر المقبل

ضاحي خلفان.. مسيرة «قائد شرطة»ضاحي خلفان.. مسيرة «قائد شرطة»

$
0
0
عرف الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام السابق لشرطة دبي، الذي أصبح الآن نائبا لرئيس الشرطة والأمن العام في دبي، بحضور لافت إبان قيادته لقطاع الشرطة، كما أنه عرف عنه حضوره السياسي غير المباشر من خلال مواقفه المعلنة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وأطروحاته المختلفة في قضايا سياسية وخصوصا في ما يتعلق بعلاقة إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأصبح الفريق ضاحي خلفان محط أنظار المصريين والعرب منذ قضية مقتل سوزان تميم عام 2008، مرورا بانتقاداته لجماعة الإخوان المسلمين التي تولت الحكم في مصر عام 2012، إلا أن قياديا في الجماعة بالقاهرة عد تصريحات خلفان «سلبا أو إيجابا» تدخلا في شؤون البلاد. وقال عنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إنه «يعد نموذجا للولاء والانتماء والتفاني في حب الوطن وخدمته والسهر على أمنه وسلامته، وللدور الكبير الذي لعبه الفريق خلفان في إرساء منظومة أمنية متكاملة وفعالة، ساهمت في تحقيق أعلى معدلات الأمن والاستقرار المجتمعي ومكنت من توفير المناخ الآمن والمستقر الذي يعتبر من أهم مقومات النهضة الشاملة». خلفان هو من مواليد مدينة دبي، حيث ولد في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1951، ابتعث إلى الأردن في أول بعثة تدريبية لشرطة دبي خارج الإمارة ليتخرج منها عام 1970، وذلك قبل قيام دولة لإمارات، كما حضر الكثير من الدورات التدريبية في مجال العمل الشرطي والمباحث الجنائية. في عام 1979 عيّن نائبا لقائد عام شرطة دبي، وترقى في مناصبه حتى عين عام 1980 قائدا عاما لشرطة دبي، استطاع من خلال منصبه أن يسهم في بناء قطاع الشرطة في دبي، الذي يعتبر واحدا من أكثر القطاعات تطورا، وذلك من خلال تبني أعلى معايير الجودة التي استطاعت أن تتواكب مع رؤية دبي في تبنى أعلى معايير الجودة العالمية، لينضم مع القطاعات الكبرى في دبي، التي شهدت تطورا متتابعا خلال العقود الماضية وحتى الآن. حصل قائد شركة دبي السابق على شهادة درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الحياة الجديدة المفتوحة للتنمية البشرية لجهوده في التنمية الأمنية، وشارك في إنشاء أول إدارة لرعاية حقوق الإنسان في عام 1995، كما شغل منصب مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية. وقبل أيام أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء، بصفته حاكما لإمارة دبي، مرسوما يقضي بتعيين اللواء خميس مطر المزينة، قائدا عاما لشرطة دبي، خلفا لضاحي خلفان، الذي بات يشغل منصب نائب لرئيس الشرطة والأمن العام في دبي، وفقا لمرسوم أصدره الشيخ محمد في أكتوبر الماضي، في حين قال الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوطني الاتحادي في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «تحية وتقدير للأخ ضاحي خلفان على جهده في تطوير شرطة دبي والوصول بالمؤسسة إلى حرفيتها العالمية». وشغل ضاحي خلفان منصب رئيس اتحاد الإمارات لألعاب القوى سابقا، وله بعض المؤلفات في كفاءة الأداء الشرطي في غرف العمليات، وساهم في إنشاء «غرفة العمليات الشرطية»، بالإضافة إلى إدخال نظام مراقبة الدوريات عبر الأقمار الصناعية، كما قام بإنشاء المختبر الجنائي، وإدخال نظام البصمة الوراثية (دي إن إيه)، وعمل على إدخال نظام المرور الإلكتروني في عام 1986، كما أدخل الكثير من الإصلاحات كإنشاء قسم الطب الشرعي وفرق الإنقاذ البحري، والبري، والجوي. وإنشاء نظام البصمة الإلكترونية على مستوى الدولة، وإنشاء أكاديمية شرطة دبي وإنشاء إدارة التخطيط والموارد البشرية، وإدارة أمن الهيئات والمنشآت، وإدارة حقوق الإنسان. نالت شرطة دبي تحت قيادته عام 1998 جائزة أفضل دائرة في الأداء الحكومي المتميز في أول مسابقة تجريها حكومة دبي، كما نالت شرطة دبي ثماني جوائز عام 1999، وتسع جوائز عام 2002، وثلاث جوائز عام 2003، من جوائز الأداء الحكومي المتميز لفئات مختلفة في تلك الأعوام. يعرف عنه مشاركته الفاعلة في العمل الأهلي والتطوعي، فقد أنشأ ورأس جمعية توعية ورعاية الأحداث بدبي، وهو رئيس لجمعية الإمارات لرعاية الموهوبين، ورئيس لمجلس آباء منطقة دبي التعليمية، وقد رأس سابقا اتحاد الإمارات لألعاب القوى، وأنشأ ورأس جمعية الإمارات للسنوكر، وكان عضوا بمجلس إعمار دبي، وعضوا بالمجلس البلدي للإمارة. لديه الكثير من الكتب المؤلفة في مجال العمل الشرطي، هي: «نظام النقاط السوداء وأثره على فعالية الضبط المروري»، و«الشرطة وحقوق الإنسان»، و«دور الشرطة في علاج وتأهيل المدمنين التائبين»، وغيرها، كما ألف في مجال القضايا العامة كتبا، منها «راشد والمسيرة البناءة»، و«هم وأرق على الورق»، و«كلام في الدعاية والإعلان والتسويق»، و«التخطيط المحكم». شكلت تحقيقاته خلال فترة قيادته لشرطة دبي مفترقا عمليا، خصوصا في قضية اغتيال قيادي حماس محمود المبحوح في دبي، حيث استطاع إبراز قدرة دبي على متابعة كل ما يحدث في أراضيها، من خلال عمليات مراقبة الحركة الموجودة، التي عززت وضع دبي كمدينة تتميز بالأمن والأمان، وذلك بعد أن كشف خلال أيام قليلة أن من يقف وراء اغتيال المبحوح هو جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد). وقال إنه تلقى تهديدات من الموساد بعد أن كشف معلومات تتعلق بقضية اغتيال المبحوح، وتضمن التهديد في رسالة تتضمن «احمِ ظهرك إن كان بمقدورك أن تظل طليق اللسان»، كما قال إن شخصا مزدوج الجنسية تبين أنه عضو سابق في الموساد بعث له. كما ساهمت شرطة دبي في عهده بالكشف عن أدلة في قضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، حيث قدمت شرطة دبي أدلة تدين محسن السكري، حيث كان الشخص الموجود في دبي، وأرسلت الشرطة الخبراء والضباط المحققين وجميع ما طلبته المحكمة في القاهرة. وخلال أحداث الربيع العربي سجل ضاحي خلفان مواقف ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث قال إنهم يشكلون خطرا على أمن دول الخليج العربي، لأنهم يخططون لقلب أنظمة الحكم. يقيم ضاحي خلفان بمنطقة الجميرا بدبي، وهو متزوج لديه من الأبناء خمسة، 3 بنات وولدان. وعاد اسم خلفان للواجهة بمصر بعد ترقيته أخيرا ليكون في موقع أكبر من السابق وليتوعد بطريقته الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي جماعة الإخوان مجددا. والرجل مولود في دبي في الأول من أكتوبر عام 1951 تحول إلى واحد من أبرز النجوم على الساحتين المصرية والعربية رغم أن عمله الأساسي هو قيادة شرطة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وظهر اسمه لأول مرة بشكل قوي على ساحة الإعلام المصري حين كشفت تحقيقاته النقاب عن ضلوع رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وأحد مساعديه في قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم منذ نحو خمس سنوات، وهي القضية التي نالت تغطية واسعة من وسائل الإعلام بسبب اختلاط الجريمة الجنائية بالسياسية، خصوصا أن مصطفى كان نائبا في البرلمان ومقربا من رجال الدولة المصرية في ذلك الوقت. كما أصبح الرجل محط أنظار العالم حين نجحت شرطة دبي في 2009 في كشف تفاصيل اغتيال القائد الشيشاني السابق سليمان مادوف، أثناء وجوده في دبي، ثم زاد الاهتمام بخلفان أثناء التحقيقات في قضية اغتيال محمود المبحوح، القيادي في كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في دبي عام 2010، واتهم فيها، حينذاك، عناصر تابعة للموساد الإسرائيلي بتدبير عملية الاغتيال، وكشف عن تفاصيل القضية خلال وقت قصير. كما أظهرت كاميرات المراقبة المتهم الرئيس في قضية مقتل تميم وهو يصعد لشقتها ويخفي ملابسه الملوثة بالدم، ظهر على شاشات التلفزيون حول العالم، بعد ذلك صور المتهمين بقتل المبحوح وهم يتنقلون عبر ردهات الفندق قبيل تنفيذ الجريمة. ثم عاد اسم الفريق خلفان مرة أخرى بقوة على ساحة الإعلام المصري بعد تولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر عام 2012، ومحاولات هذا التنظيم الانتشار والتمدد في عدد من بلدان الخليج، بما فيها دولة الإمارات حين اكتشفت شرطة دبي بقيادة خلفان أيضا خلية إخوانية تضم نحو 56 عنصرا كانت تخطط لممارسة نشاط يخالف القانون في ذلك البلد، ومن هنا بدأت الجماعة وهي في قمة السلطة في مصر منذ صيف العام الماضي الهجوم والانتقاد ضد دولة الإمارات وقائد شرطة دبي. وتمكن ضاحي خلفان من استغلال وسائل الاتصال الحديثة، خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في التصدي لهجوم الإخوان، ليرد من خلال صفحاته على «تويتر» و«فيس بوك» على جماعة الإخوان، في وقت كانت فيه الغالبية العظمى من المصريين تضج من حكم الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي إلى الجماعة. ولهذا كانت الانتقادات اللاذعة التي يبثها خلفان بين حين وآخر ضد الجماعة في مصر تحظى باهتمام واسع بين المصريين، وتتناقلها وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة. ويقول بعض المقربين من الفريق خلفان وبعض ممن عرفوه خلال السنوات الماضية إن الرجل يتميز بالكثير من الخصال النادرة في القيادات العربية التي ظهرت على السطح في السنوات الأخيرة، من بينها أنه رجل أمني عصري يعتمد في تحقيقاته على الأساليب العلمية، مستندا في ذلك إلى نظام سياسي لا يتدخل في الشأن القضائي. ويضيف أحد نواب البرلمان في دولة البحرين ممن تعاملوا مع الفريق خلفان أثناء قضية سوزان تميم، موضحا لـ«الشرق الأوسط» خلال وجوده أخيرا في القاهرة، أن الرجل مورست عليه ضغوط كبيرة من قيادات مصرية في النظام السابق لحل حادثة مقتل تميم بطريق ودي وبتعويضات لأسرتها تصل إلى ملايين الدولارات، بشرط أن يكون الأمر برمته بعيدا عن الإجراءات القضائية، إلا أنه رفض ذلك، ورد بشكل حاسم بقوله إن القانون لا بد أن يأخذ مجراه بغض النظر عن الشخصيات التي يمكن أن يطالها. ومن بين مميزات خلفان أنه لم يترك نفسه لمجال العمل الشرطي فقط، بحسب ما يقوله صديقه البحريني المشار إليه، ولكنه «موجود في الحياة العامة، وله حضور في الكثير من المناسبات السياسية والاجتماعية.. إنه يشبه الشريف (الشرطي) الأميركي الذي يوجد في كل مكان، كما صورته سينما هوليوود.. أعتقد أن هذا يصب في مصلحة عمل خلفان»، الذي جرى تعيينه قائدا عاما لشرطة دبي منذ عام 1980. وشارك الفريق خلفان في العمل العام من خلال مشاركته في إنشاء أول إدارة لرعاية حقوق الإنسان في منتصف التسعينات، وكذا عضويته في المجلس التنفيذي في حكومة دبي وعضويته في مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، وله خبرة في إدارة الكثير من المجالات البعيدة عن السياسة والشرطة، منها رئاسته لاتحاد الإمارات لألعاب القوى، وتأليفه كتبا عن مجال العمل الشرطي العصري، كما طبق نظام مراقبة الدوريات عبر الأقمار الصناعية، وإنشاء المختبر الجنائي، وإدخال نظام البصمة الوراثية في التحقيقات. ولم يبادر خلفان بمهاجمة الإخوان إلا بعد أن اكتشف على ما يبدو أن ما انتفضت الجماهير من أجله في «ثورات الربيع العربي»، لم يتحقق منه شيء، وأن جماعات أخرى استفادت من هذه الانتفاضة لتحقيق مآربها، وعلى رأسها الإخوان، باعتباره تنظيما دوليا عابرا للحدود، ويعمل داخل بعض الدول ضد حكوماتها الوطنية. ومما قاله خلفان وأغضب الإخوان أنها جماعة مصدر خطر على أمن دول الخليج. وبالعودة إلى النائب البحريني، صديق خلفان، فإن أحد أسباب الاهتمام الإعلامي الواسع بما يقوله عن الإخوان هو اعتماده على الأسلوب الساخر والجمل القصيرة والمباشرة في الانتقاد. ومن أقوال خلفان أن جماعة الإخوان أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأنه (أي خلفان) سوف يسقط الإخوان. وقوله أيضا إن تنظيم الإخوان قائم على «قانون الطماطم». واستخدام خلفان أحد التعبيرات كان مرسي قاله خلال لقاء مع رئيسة وزراء ألمانيا، أنجيلا ميركل، في برلين، حين أشار وهو يخاطب الألمانيين: «أنتم تقولون الجاز والخمر Don›t Mix» (لا يختلطان). وهنا قال خلفان مداعبا: «إخوان ودين Don›t Mix». ثم زادت انتقادات الرجل من غضب التنظيم الدولي للإخوان حين هاجم أحد أبرز قيادات الجماعة وهو الشيخ يوسف القرضاوي، ما تسبب في توتر في العلاقات بين الإمارات ونظام حكم الإخوان قبل سقوطه في يوليو (تموز) الماضي. إلا أن التغيير الكبير الذي جرى في مصر وترتب عليه الإطاحة بمرسي، وبروز اسم قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أعاد العلاقات المصرية مع الإمارات ومع غالبية دول الخليج إلى سيرتها الأولى من التقارب والتعاون وعدم التدخل في شؤون بعضها بعضا. ولم يترك ضاحي خلفان هذه المناسبة ليشارك ملايين المصريين فرحتهم بالتخلص من مرسي، ووصف السيسي بأنه صمام أمان للأمة. ويقول خلفان إنه لا توجد خصومة بينه وبين جماعة الإخوان، ولكنه يقف ضد محاولة هذا التنظيم «زعزعة الأمن في بلداننا»، بينما ترى قيادات في جماعة الإخوان أن خلفان «تجاوز حدوده كثيرا ضد قيادات الجماعة والرئيس محمد مرسي»، وقال أحد قياديي حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة في محافظة المنيا، طالبا عدم ذكر اسمه بسبب الملاحقات الأمنية للإخوان في مصر، إن انتقادات خلفان «نعتبرها تدخلا في شؤون مصر الداخلية منذ فوز مرسي بالرئاسة حتى اليوم، سواء كان ما يقوله عن مصر بالسلب أو بالإيجاب».

أكثر من ثلث مقاتلي «حماية الشعب الكردية» من النساءأكثر من ثلث مقاتلي «حماية الشعب الكردية» من النساء

$
0
0
تشكل المقاتلات الكرديات نحو 30% من إجمالي المقاتلين في صفوف «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تواجه التنظيمات الإسلامية في شمال شرقي سوريا. وتقاتل هؤلاء النساء في صفوف ما يعرف بـ«وحدات حماية المرأة» المؤسسة منذ سنة، بعد تزايد عدد النساء اللاتي يرغبن بالانضمام لقتال المتطرفين، وفق ما أكده المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية ريتور خليل لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «المقاتلات الكرديات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 سنة، يخضعن لتدريبات عسكرية قاسية مشابهة تماما للتدريبات التي يخضع لها الرجال». ويخوض المقاتلون الأكراد معارك عنيفة ضد التنظيمات الإسلامية مثل «داعش» و«النصرة» في مدن الحسكة والقامشلي، حيث تنتشر غالبية سكانية كردية. ويؤكد خليل، أن «للرجل الكردي واجبات تتلخص بالدفاع عن منطقته وكذلك للمرأة الحق في ممارسة هذه المهام»، عادا «المرأة المقاتلة أثبتت كفاءة عالية وحرفية عسكرية أثناء الاشتباكات مع الخصوم». وتمكنت المقاتلات الكرديات قبل نحو أسبوع من طرد عناصر إسلامية تابعة لتنظيم «داعش» من قرية تلعين بريف القامشلي، إضافة إلى سيطرتها قبل يومين على حاجز لكتائب إسلامية في قرية الطويلة غرب الحسكة. وتنضم النساء الكرديات إلى «وحدات حماية المرأة» عبر مراكز تجنيد تنتشر في المناطق ذات الغالبية الكردية، بحسب ما يؤكد خليل في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «كل امرأة تحاول الانضمام إلى قواتنا يجب أن تتقدم بطلب إلى هذه المراكز». وبعد أقل من شهرين على تأسيسها، أصدرت «وحدات حماية المرأة» بيانا أشارت فيه إلى أن «مقاتلاتها قاومن في الخنادق الأمامية بشجاعة بدءا من عفرين وإلى حلب وكوباني والجزيرة، ليكسرن النظرة التي كانت تحط من إمكانية المرأة في النضال». وأفاد البيان بأن «العناصر النسائية الكردية صدت هجمات القوى التكفيرية وأثبت أن المرأة الكردية وصلت إلى مستوى عال من الوعي والقدرة التي تؤهلها لقيادة المجتمع على كل الأصعدة وقيادة الحرب بمسؤولية عالية وفي كل الجبهات». ونقلت وكالة «هاوار» الإخبارية الكردية عن جميلة ولات، إحدى المقاتلات في «وحدات حماية المرأة» قولها: «نسبة من شبابنا قد هاجروا إلى خارج الوطن للبحث عن لقمة العيش، ولكننا نملك وحدات تقوم بحمايتنا دائما، ونحن النساء مستعدات دائما للدفاع عن مناطقنا ولن ندع المرتزقة يدخلون إلى المناطق الكردية». في حين قالت أمارا شيار، عضو «وحدات حماية المرأة» للوكالة ذاتها، إن «العدو يعتقد أنه إذا أفرغت المناطق الكردية من الشباب، فسيكون من السهل السيطرة على المناطق الكردية، ولكن العدو لا يعلم بأننا في وحدات حماية المرأة مستعدات للدفاع عن مناطقنا وحمايتها». وتضيف: «في كل امرأة كردية قوة عظيمة لا يستهان بها، لن نقف مكتوفات الأيدي في وجه من يحاول الاعتداء على مكتسبات الأكراد. قاومنا ونقاوم وسنقاوم حتى تحرير المناطق الكردية وضمان حقوق شعبنا». وتعد مريم محمد المتحدرة من قرية علمدار التابعة لمنطقة راجو بمنطقة عفرين أول مقاتلة من «وحدات حماية المرأة» قضت في سوريا خلال المعارك مع الكتائب الإسلامية.

مقاتلات كرديات في خط المواجهةمقاتلات كرديات في خط المواجهة

$
0
0
بينما كانت شمس الشتاء توشك على الأفول خلف الأفق البعيد، أشارت المقاتلة الكردية روساير إلى كتلة بعيدة من المباني التي خيم عليها الظلام. قالت: «هذا مكانهم». لم يبد ذلك المكان خط مواجهة، بل كان بضع أفدنة من مزارع البرتقال التي تتلألأ في حمرة ضوء الغسق الخافت. لكن الأراضي التي كنا نقف عليها، والتي تبعد نحو ربع ساعة عن رأس العين الواقعة على الطريق الذي يعانق الحدود التركية، تشهد الآن ذروة مرحلة جديدة حاسمة في الحرب الأهلية السورية، حيث يدور صراع بين الميليشيات الكردية متمثلة في قوات الحماية الشعبية (YPG وYPJ) ومقاتلين تابعين لجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، على خط مواجهة يمتد بطول 330 كيلومترا من هنا إلى معبر اليعربية الحدودي على الحدود الشمالية الشرقية السورية مع العراق. كان العدو الذي أشارت إليه روساير يتمركز على بعد ميلين من السهول التي تنتشر شمال سوريا. في الليلة التالية شن مقاتلو النصرة هجوما، ودخل مقاتلوهم في نطاق 50 مترا من المواقع الأمامية لقوات الحماية الشعبية قبل أن يعودوا أدراجهم مرة أخرى إلى مواقعهم السابقة. ويضحك دليل، وهو أحد مقاتلي «الحماية الشعبية» التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، أحد أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، وهو يعيد رواية تفاصيل الهجوم أثناء جلسة استرخاء: «في الليلة التالية نادينا عليهم، تعالوا واشربوا معنا الشاي». وأضاف مقاتل آخر: «يجب أن يشعروا بالخزي. لم يستطيعوا السيطرة على خربة البنات. لم يستطيعوا ذلك لأنهم ضعفاء». وبالمصادفة، كانت المواقع الأمامية للأكراد في قرية خربة البنات (كان الاسم متناسبا مع الموقف بشكل كبير، ففي هذه الميليشيات الكردية تقاتل النساء والرجال بعضهم إلى جانب بعض دون تمييز)». وصاح مقاتل شاب مبتهجا: «صبايا وشباب». وشرحت روجدا، القائدة المحلية، كيف يغير حضور النساء في الميليشيات الكردية من ديناميكياتها على الجبهة. وقالت: «نميل في الشرق الأوسط إلى التفكير في الرجال كقادة. لكن الرجال يميلون إلى التباهي نوعا ما، أما النساء فهن أكثر صبرا ودماؤهن أقل حرارة، ولا يملن إلى التصرف وفق القواعد المألوفة للحرب». وأخبرتنا أن النساء يتلقين تدريبا مختلفا عن الرجال، فتقول: «أجسادنا تتحرك بشكل مختلف؛ فالرجال يملكون العضلات، لذا فإن تدريب النساء يستهدف بناء القوة». وأشارت إلى أن النساء أظهرن تفوقا واضحا في المراقبة والتخطيط على الجبهة. وأضافت: «النساء يتمتعن بقوة تركيز كبيرة ولن يسمحوا بأن يخيبوا ظن حراسهم. ولذا فإن العمل الجماعي يحقق نتائج أكبر». بدت روساير محاربة محنكة وهي تقف على الجبل الذي يطل على أعدائها وهي تحمل بندقيتها على كتفها، لكنها لم تكن سوى واحدة من بين 50 ألف مقاتل في المنطقة الكردية السورية اللائي انضممن إلى قوات الحماية الشعبية خلال العامين الماضيين للقتال ضد الإسلاميين الذين يزحفون باتجاه المناطق الكردية. وتقول روساير: «اتخذت قراري بالانضمام إلى قوات الحماية الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2012. فعلت ذلك لأنني أرى أن الجماعات المتشددة يشكلون تهديدا لشعبي، ولذا اتخذت قراري إما أن أموت أو أن أعيش حرة». لكن قرارها الانضمام إلى قوات الحماية الشعبية كان مفاجئا لعائلتها؛ ففي مزرعة العائلة الواقعة على سفح تل يقع على بعد 50 كيلومترا من القاعدة في خربة البنات، روى والدها قصة تحول روساير من طالبة تدرس الموضة إلى مقاتلة في الصفوف الأمامية. وقال والدها: «لم تجد عملا لها هنا، لذا اتجهت إلى الدارباسياه للعمل معلمة للغة الكردية في مركز ثقافي. وذات يوم قررت الانضمام إلى قوة الحماية الشعبية، لكنها لم تتحدث معي عن ذلك قط». تحول هذا المسار إلى توجه عام، قالت لي روساير إن الكثير من معلمي اللغة الكردية الذين عملت معهم انضموا للعمل كمقاتلين. وقال والدها إنه اضطر إلى قبول قراراها، وقال: «كنت غاضبا في البداية، لكن الغضب لم يستمر طويلا وتقبلت الأمر. أنا فخور بها، وأتمنى من الله أن يحميها. يأتي المتطرفون إلى هنا من الخارج، وهي تدافع عن أرضنا». قبل أن نغادر عرض علينا بعض الصور التي تخص ابنته التي نادرا ما يراها. المرة الأخيرة التي حضرت فيها روساير إلى المزرعة كانت قبل شهر. وظلت مع أسرتها لبضع ساعات، لكنها رفضت النوم هناك ليلا، وبدت سعيدة حقا بحياتها، كانت تريد العودة كي تحتضن أختها بين ذراعيها. لكن في القاعدة، بدا أن الهجوم الذي وقع في الليلة السابقة لم يقلق روساير ورفاقها كثيرا. أكلوا ودخنوا السجائر وكانوا يضحكون وهم يناقشون الموقف الذي كانوا فيه. وجدت نفسي أقارن المحادثات هنا بتلك التي أجريتها مع كتائب الجيش السوري الحر في حلب وإدلب ودير الزور. هنا لا يوجد اعتراض على موقفهم ولا غضب من الغرب للدعم الذي يشهدونه مطلقا. لم يبد مقاتلو الحماية الشعبية في خربة البنات أي إذعان لقدرهم، بل كانوا على النقيض سعداء بما هم فيه. ربما كان ذلك لأن الأشهر الماضية شهدت رجوح كفة الحرب لصالح الأكراد، في أعقاب عام حقق فيه الإسلاميون تقدما في شمال سوريا بدا أنه لا يمكن إيقافه. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 دخل الجيش السوري الحر، الذي يقوده لواء التوحيد المعتدل، رأس العين، المدينة ذات الأغلبية الكردية الممتدة على الحدود مع تركيا. ويقول خالد، مواطن كردي من رأس العين: «في البداية كنا سعداء بقدومهم، لكنهم سرعان ما بدأوا يتغيرون ولم يقبلوا الثقافة الكردية، أرادوا أن يجبرونا على تغيير عاداتنا». وبعد عشرة أيام من وصول لواء التوحيد إلى رأس العين، دخلت قوات جبهة النصرة المتطرفة المدينة. ويضيف خالد: «في البداية حاول الأكراد التفاوض معهم، لكن في 18 نوفمبر وأثناء جلوس الوفد الكردي مع أعضاء في جبهة النصرة، جرى إطلاق الرصاص على أحد ممثلي الأكراد من بندقية قناصة. حينئذ علمنا أنهم غير متحضرين، ورأينا الجانب المظلم لهم. بعد ذلك بدأ الأكراد في قتالهم. وعلمنا أنهم كانوا يحاولون السيطرة على منطقتنا». تطلب الأمر ما يقرب من عام، بيد أنه في الثامن والعشرين من أكتوبر تمكنت قوات الحماية الشعبية أخيرا من طرد قوات النصرة من رأس العين. ومنذ ذلك الحين كانت الأخبار التي ترد من شمال سوريا تتحدث عن تقدم الأكراد في المدن الخاضعة لسيطرة كتائب الإسلاميين. في هذه الحرب متعددة المراحل، يبدو واضحا أن هذه هي اللحظة الكردية. ومع تراجع الإسلاميين من رأس العين، تركوا وراءهم مدنا وقرى مليئة بالشباب والشابات الأكراد الذين أبدوا إصرارا على الدفاع عن منطقتهم ضد أي هجمات أخرى. وقالت نوجين، ابنة السادسة عشرة سنة، تلك الفتاة الهادئة ذات العيون الواسعة: «إنهم أشرار. جبهة النصرة وداعش ليس عندهم أي رحمة». وقالت إن إخوتها الأربعة انضموا إلى قوات الحماية الشعبية بعد مقتل ابن عمهم على يد الإسلاميين بأكثر الطرق وحشية. وقالت: «قطعوه إربا، فصلوا رأسه وقطعوا يديه ورجليه، وأعادوا جثته إلينا أشلاء». وبالنسبة للنساء المنضمة إلى قوات الحماية الشعبية، فإن هذا الأمر يضفي على القتال ضد جبهة النصرة في شمال سوريا مزيدا من الأهمية ومعنى آخر إضافيا للضرورة الملحة. وتشرح امرأة أخرى مقاتلة، تسمى أيضا نوجين، السبب وراء تركها حزب العمال الكردستاني، الجماعة الكردية المقاتلة التي تتخذ من شمال العراق مقرا لها، من أجل الانضمام إلى القتال مع قوات الحماية الشعبية في سوريا، قائلة: «التحقت بحزب العمال الكردستاني لأنه كان في ذلك الوقت الجماعة الوحيدة التي تقاتل من أجل الحصول على الحقوق الكردية. وفي شهر أكتوبر لعام 2011 سمعت عن قوات الحماية الشعبية، وعرفت أن واجبي بوصفي فتاة كردية هو الدفاع عن حقوق المرأة. ولا توجد مساواة بينهما. وأنا لا أوافق على هذا الأمر، ولهذا السبب انضممت إلى القوات المقاتلة». وتعد بيروالات أيضا محاربة خبيرة في صفوف حزب العمال الكردستاني، وهي بنت تبلغ من العمر 29 سنة وتتحدث بهدوء ودماثة وتتدلى شرائط بيضاء من شعرها الأسود الداكن الطويل، حيث التحقت بهذه الميليشيا عندما كان عمرها 12 سنة. عبرت بيروالات الحدود إلى سوريا منذ ثلاثة أشهر وانضمت إلى قوات الحماية الشعبية. وأوضحت بيروالات الاختلافات بين القتال مع حزب العمال الكردستاني في جبال تركيا والقتال مع قوات الحماية الشعبية في الأراضي الزراعية بشمال سوريا. وتقول بيروالات: «في تركيا كنا نحارب ضد الدولة، وكانوا، على المستوى الفني، أقوى من العدو الذي نحاربه هنا. ويتمثل الاختلاف في أن آيديولوجية المتشددين الإسلاميين هنا أكثر قوة، بيد أنه في النهاية يمكننا هزيمة كلا الطرفين». يعد النضال الكردي بمثابة حياة لبيروالات. وعندما سألتها عما إذا كانت تريد الزواج وتكوين أسرة في المستقبل، هزت رأسها وضحكت، وأردفت قائلة: «بالنسبة لنا، ليست هناك بداية أو نهاية للصراع؛ لأنه صراع من أجل الحرية وحقوق المرأة في أرجاء العالم كله. أفضل عدم الزواج لأننا لا نعيش في بلد حر، وقد يتعرض أطفالي للاضطهاد بسبب مشاركتي في القتال. وعندما تضع الحرب أوزارها في سوريا، فسأنضم مرة أخرى إلى حزب العمال الكردستاني في العراق أو تركيا أو فلسطين». دخول حزب العمال الكردستاني على خط الأزمة السورية يضفي على هذه الحرب الأهلية طبيعة غريبة ومظهرا عاما غير محتمل، فمنذ تسعينات القرن الماضي، قام الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية بتصنيف حزب العمال الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي محظور. وعلاوة على ذلك، وصف الجيش التركي قوات الحماية الشعبية أيضا بأنها «منظمة إرهابية منشقة». وفي الوقت ذاته، ترتبط «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» بتنظيم القاعدة. وعليه، فحسبما يرى كثيرون، تعد هذه الحرب حرب إرهابيين ضد إرهابيين. بيد أنه بالنسبة لأغلبية مقاتلي قوات الحماية الشعبية في خربة البنات، يعد الأمر أقل تعقيدا، حيث إنها معركة فقط لحماية وطنهم ونمط حياتهم. وفي حين يستمر البعض، مثل بيروالات، في مواصلة القتال في سبيل القضية الكردية في بلاد أخرى، يقول البعض الآخر، مثل روساير، إنهم سيعودن إلى ممارسة الحياة المدنية بمجرد أن تنتهي الحرب ضد هؤلاء المتشددين. وتقول روساير: «لقد شهدت الأسابيع الأخيرة تحقيق انتصار كبير بالنسبة لنا، ولن ندع الجهاديين يواصلون مسيرتهم. وسنواصل القتال طالما بقوا في أراضينا».

قالوا

$
0
0
* «سنستمر في التقدم في الاتجاه الصحيح». جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني متحدثا عن العلاقات مع دولة الإمارات. * «الاتفاق النووي لا يعطي فرصة لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية». مايكل هايدن المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه). * «البعض في أوروبا يريد حبس الصين خلف ستار العوائق التجارية.. ونحن نريد إزالة هذه العوائق». ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا خلال زيارته إلى بكين. * «الاستثمارات الخارجية هبطت 50 في المائة وسنستمر في سياسة رفع الدعم». مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار السوداني. «نشعر بالقلق لأننا لم نعد متاخمين لدائرة المنافسة». ديفيد مويز مدرب مانشستر يونايتد بعد تدني فريقه إلى المرتبة الثامنة في الدوري الإنجليزي.

أسكوتلندا.. ثمن الانفصال أسكوتلندا.. ثمن الانفصال

$
0
0
أسكوتلندا.. ربما تنهي علاقة ممتدة لأكثر من 300 سنة من الاتحاد مع لندن، إذا صوتت لصالح الاستقلال خلال الاستفتاء المزمع تنظيمه في 18 سبتمبر (أيلول) المقبل. وإذا ما تحققت هذه الخطوة بالانفصال، فسيكون لها ما بعدها على صعيد المملكة المتحدة التي قد تفتح الطريق لأقاليم أخرى للاتجاه في الطريق نفسه، كما أن ترتيبات إنهاء علاقة دامت ثلاثة قرون لن يمر مرور الكرام. ورغم أن أسكوتلندا تريد أن تحتفظ بالجنيه الإسترليني والملكية، وستكون خالية من الأسلحة النووية، إلا أن «شيطان التفاصيل» يبقى المحرك الخفي الذي سيلعب دورا كبيرا حينما تبدأ الدولتان في ترتيبات «الطلاق». ويحدد الكتاب الأبيض، الذي أفصح عنه الأسبوع الماضي ونشرته الحكومة المحلية بقيادة الوزير الأول أليكس ساموند زعيم الحزب الوطني الأسكوتلندي الحاكم بأكثرية في برلمان أدنبرة، معالم الدولة القادمة، ومنها رغبتها في أن يكون لها قوة دفاع مستقلة، والحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) وفي الاتحاد الأوروبي. ومن أجل إزالة الغواصات النووية البريطانية التي تتخذ من مياه الساحل الغربي لأسكوتلندا مقرا لها، فإن حكومة البلد الجديد ستتفاوض مع لندن ومنظمة الناتو ضمن برنامج زمني محدد. إلا أن لندن، التي وافقت على الاستفتاء عدت هذه الافتراضات، بخصوص العملة والعضوية في الاتحاد الأوروبي والناتو، «ضربا من الخيال»؛ لأنها شائكة ومعقدة وغير مضمونة، ولا يمكن لأسكوتلندا المستقلة أن تحددها كما تشاء. وقال ساموند في تقديمه للكتاب الأبيض، الذي يوضح الخطوط العريضة لآلية الاستفتاء، وكذلك يجيب في 650 صفحة على أسئلة تحدد رؤية الحزب الحاكم لأسكوتلندا المستقلة، لدى إطلاق الخطة في غلاسكو، إن «الاستقلال ليس غاية في حد ذاته، ولكن وسيلة لتغيير أسكوتلندا للأفضل». اللافت أن الحكومة البريطانية الحالية، المشكلة من ائتلاف حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار، اختارت وزير الخزانة العمالي السابق أليستر دارلينغ، رسميا ليقود حملتها المناهضة لاستقلال أسكوتلندا، في خطوة تحاول إظهار أن المؤسسة البريطانية بكل أطيافها السياسة تقف في خندق واحد أمام محاولات تقسيم بريطانيا وإضعافها اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وتقويض مكانتها على الساحة الدولية. وفي أول رد على الكتاب الأبيض الذي يحدد بالتفصيل رؤية حزب ساموند لأسكوتلندا المستقلة، قال أليستر دارلينغ السياسي والاقتصادي المخضرم، إن افتراضات ساموند ونائبته نيكولا ستيرجن «هي من وحي الخيال». وأضاف دارلينغ، الذي ينحدر من أسكوتلندا ولعب دورا أساسيا ومنقذا بشهادة الكثير من المعلقين الاقتصاديين عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية في عام 2007: «إنها فانتازيا أن تقول إنه يمكنك أن تنفصل عن المملكة المتحدة، لكن يمكنك أن تحتفظ بالمنافع التي يقدمها الاتحاد. الكتاب الأبيض هو وحي من الخيال، إنه سميك لكنه يحتوي على وعود كاذبة وتأكيدات لا معنى لها. وبدلا من خطة اقتصادية محسوبة التكاليف، فإن أليكس ساموند يقدم قائمة من التمنيات والوعود السياسية دون أن يشرح لنا كيف سيغطي مصاريفها». ومن هنا فقد وجه حزب العمال الأسكوتلندي، الممثل في البرلمان الأسكوتلندي الذي يعارض الاستقلال، اتهاماته لساموند على أن الكتاب الأبيض هو برنامج انتخابي لحزبه وأن الأحزاب الأخرى قد يكون لديها تصور مختلف لإدارة سدة الحكم في البلاد. ولهذا فإنه لا يقدم أرقاما دقيقة حول مستقبل البلد السياسي والاقتصادي. وقال البروفسور جون كيرتيس من جامعة ستراثكلايد في أسكوتلندا في تعليقات للقناة الرابعة البريطانية إن على ساموند إقناع الناخبين بأن «أوضاعهم الاقتصادية ستكون أفضل في أسكوتلندا المستقلة على المدى البعيد»، إلا أن الأرقام التي يقدمها ما زالت غير دقيقة حول عائدات البترول التي ما زالت موضع خلاف مع لندن. وقال ديفيد كاميرون: «أريد أن أكون رئيس الوزراء البريطاني الذي حافظ على وحدة المملكة المتحدة». بعد توقيعه في فبراير (شباط) الماضي مع أليكس ساموند على اتفاقية جرى بموجبها تنظيم الاستفتاء الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي، ويعطي أسكوتلندا حق الانفصال عن بريطانيا. (الكتاب الأبيض، الذي قدمه ساموند تمخض عن هذه الاتفاقية). وأضاف كاميرون رئيس وزراء بريطانيا تعليقا على خارطة الطريق التي طرحها أليكس ساموند حول عملية الانتقال إلى الاستقلال، الذي حدده في مارس (آذار) 2016 في حالة جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم، أن «هذا السؤال يعود إلى أسكوتلندا. لكن الجواب ستكون له نتائج على كل المملكة المتحدة. وضع أسكوتلندا أفضل داخل بريطانيا، ونحن أفضل معا، وسنكون أفقر إذا تفرقنا.. بريطانيا ناجحة. بريطانيا تعمل بشكل جيد. لماذا نقسمها؟». واعترف كاميرون بأن أسكوتلندا يمكن أن تكون مزدهرة كبلد مستقل. وقال أمام البرلمان: «أعرف أولا أن مساهمة أسكوتلندا والأسكوتلنديين تصنع نجاح بريطانيا، لذلك المسألة بالنسبة لي لا تتعلق بمعرفة ما إذا كانت أسكوتلندا يمكن أن تكون دولة مستقلة. لكن السؤال الحقيقي هو هل أسكوتلندا أقوى وأغنى وأكثر أمانا وعدلا داخل المملكة المتحدة أو خارجها؟ وهنا أعتقد أن الجواب واضح». وبعد التوقيع في فبراير على مذكرة التفاهم توجه كاميرون مباشرة إلى ميناء لبناء السفن الحربية في منطقة «فايف» بأسكوتلندا حيث يجري بناء حاملة طائرات بريطانية جديدة لصالح سلاح الجو الملكي. الزيارة انطوت على الكثير من الرموز، إذ أراد كاميرون جذب الانتباه إلى أهمية الاتحاد بين أدنبرة ولندن بخصوص قضايا الدفاع ووضع بريطانيا الاستراتيجي في العلاقات الدولية، وهذا ما ستفقده أسكوتلندا المستقلة التي ستكون عضويتها في منظمة الناتو موضع نقاش، لأن الحزب القومي الأسكوتلندي الحاكم يعارض السياسات النووية للحلف. لكن يشير الكتاب إلى أن أسكوتلندا ستسعى لتصبح «واحدة من أعضاء الناتو الكثيرين الخالين من الأسلحة النووية». وتتمتع أسكوتلندا حاليا بحكم ذاتي ولها برلمان وحكومة محلية تدير شؤون الصحة والتعليم والنظام القضائي، لكن لندن تتحكم بالمجالات الأخرى مثل الضرائب والدفاع والشؤون الخارجية. اختيار ساموند لعام 2014 للاستفتاء كان مقصودا، إنها الذكرى الـ700 لمعركة بانوكبيرن، وهي المعركة التي انتصر فيها الأسكوتلنديون على الإنجليز، ونتيجتها انفصلت أسكوتلندا عن إنجلترا، ويعتقد المعلقون أن ساموند أراد من هذا التاريخ تأجيج الشعور القومي الأسكوتلندي ضد إنجلترا ولندن. ولم يختر أليكس ساموند إطلاق حملة الاستقلال من العاصمة أدنبرة. اختار مكانا يتمتع بحضور كثيف لأبناء الطبقة العاملة الأسكوتلندية، أي غلاسكو، أكبر مدينة في أسكوتلندا والثالثة في بريطانيا، وتمتع بكثافة سكانية عالية. وقال في تقديمه: «هذا الدليل يحتوي على سياسات تقدم ما لا يقل عن ثورة في التوظيف والسياسة الاجتماعية لأسكوتلندا ورعاية الأطفال». وقال في مقابلة مع «بي بي سي»: «إننا ملتزمون بتخصيص آلاف الساعات سنويا لرعاية الأطفال. وهذا يعني انخراط أكبر عدد من الناس في سوق العمل، وبالتالي جني الضرائب، الأمر الذي سيزيد من مدخرات الخزينة». الكتاب الأبيض يتناول الاستفتاء والفترة الانتقالية التي تمتد إلى سنتين تقريبا، وسيكون إعلان الاستقلال في 24 مارس 2016. وتقول حكومة أسكوتلندا في مشروعها التاريخي الذي طال انتظاره للانفصال عن المملكة المتحدة إنه «المشروع الأكثر شمولا وتفصيلا» على الإطلاق في هذا الشأن. وقالت نيكولا ستيرجن نائبة الوزير الأول ساموند في تعليقات خلال مشاركتها في برنامج لهيئة البث البريطاني «بي بي سي» إن «هذا الدليل لأسكوتلندا مستقلة هو النموذج الأكثر كمالا وتفصيلا الذي ينشر، ليس فقط في أسكوتلندا بل في كل بلد يتساءل عن إمكانية استقلاله». وقالت ستيرجن: «إنها وثيقة تاريخية تحدد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي في حال الاستقلال»، مؤكدة أنها ستحدد توجه المناقشات حول الاستقلال. وأضافت أنها «تتضمن كل الميزات الاقتصادية لأسكوتلندا، وتحدد بالتفصيل كيف سنصبح مستقلين. المفاوضات والاستعدادات والاتفاقات اللازمة خلال المرحلة الانتقالية التي تفصل بين الاستفتاء الذي سيجرى في سبتمبر المقبل وتاريخ الاستقلال في 24 مارس 2016». وتابعت أن الدليل «يظهر كيف ستعود ميزات الاستقلال بالفائدة على العائلات والمجموعات والأمة بأسرها، ويرد على سلسلة من الأسئلة المفصلة». وأكدت أن هذه الوثيقة التي تقع في عشرة فصول ونشر عشرون ألف نسخة منها ومتوفرة بشكل كتاب إلكتروني حسب الطلب - وضعت من أجل الجمهور. وتابعت: «في قلب الكتاب الأبيض هناك مسائل النمو الاقتصادي والوظيفة والعدالة. الطريق إلى أسكوتلندا ناجحة يمر عبر نمو اقتصادي أكبر يستفيد منه الجميع ويتجه إلى توزيع أكبر، خصوصا فيما يتعلق بالنساء في العمل وفي الاقتصاد بمجمله». ويتضمن المشروع مساعي لإثبات أن الوضع المالي لأسكوتلندا «أفضل حالا منه في المملكة المتحدة ككل» بفضل عائدات النفط. وفي مقابلة سابقة مع القناة الرابعة البريطانية قال ساموند إنه سيحصل على 90 في المائة من مداخيل بحر الشمال التي تقدر بـ10.5 مليار جنيه إسترليني سنويا (حقول النفط والغاز في بحر الشمال تحتوي على 24 مليار برميل وتقدر قيمتها بـ1.5 تريليون جنيه إسترليني)، لكن هذه ما زالت نقطة خلاف بين لندن وأدنبرة. حكومة لندن تقول إن حصة أسكوتلندا هي ثمانية في المائة من مبيعات غاز بحر الشمال. ويعتقد بعض الخبراء أنه حتى في حالة حصول أسكوتلندا المستقلة على حصة الأسد من مبيعات بترول وغاز بحر الشمال (بعد الحسم جغرافيا للمياه الإقليمية بين البلدين) فإن التذبذب في أسعار السوق لن يكون دائما لصالح أسكوتلندا، كما أن احتياطي النفط في حالة تراجع. أضف إلى ذلك أن ملكية الآبار ستثير معارك قانونية بين البلدين. لقد ضخت بريطانيا ما قيمته 187 مليار جنيه إسترليني في البنوك الأسكوتلندية عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية، وهذا أكبر من الدخل القومي الأسكوتلندي الذي يقدر بـ122 مليار جنيه إسترليني. ويعتقد بعض المعلقين أنه لو كانت أسكوتلندا مستقلة في تلك الفترة لواجهت الأزمة التي أججتها أيسلندا التي أشرفت على الإفلاس واتجهت إلى صندوق النقد الدولي. هناك إجماع من قبل الكثير من المراقبين على أن الاستقلال ستكون تداعياته سلبية، إن لم تكن هدامة، على بريطانيا بشكل عام، لأنها ستفقد ثمانية في المائة من سكانها و10 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي في مرحلة يعاني فيها الاقتصاد البريطاني حالة تباطؤ وتراكم في الديون، أضف إلى ذلك أنها قد تفقد عامل الردع الذي توفره قوتها النووية ومكانتها الدولية، وبالتالي تثير علامات استفهام حول مقعدها كعضو دائم في مجلس الأمن. ارتبطت أسكوتلندا مع باقي أجزاء المملكة المتحدة لقرون طويلة، وخلالها تشكلت أكبر إمبراطورية في تاريخ البشرية. وحتى بعد تلاشي نفوذها الجغرافي المباشر، ما زالت بريطانيا واحدة من أعظم اقتصادات العالم. فماذا يعني انفصال أسكوتلندا عن المملكة المتحدة: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا.. وحتى عسكريا؟ كيف يمكن تفكيك قواتها المسلحة، المكونة من شعوب المملكة المتحدة، التي تنتشر قواعدها العسكرية على كامل أراضي المملكة المتحدة وأسلحتها وغواصاتها النووية في مياهها الإقليمية؟ ومن سيبقى من جنودها الموجودين في مهمات عسكرية خارج البلاد؟ ومن سيستحوذ على مقعدها الدائم في مجلس الأمن؟ وماذا سيحدث لسفاراتها؟ حتى العلم سيصبح محل نقاش، وسيجري فصل ألوانه التي تتشكل من اللونين الأحمر والأبيض (علم سانت جورج الإنجليزي، والأبيض والأزرق علم أسكوتلندا). الذين يرفضون الاستقلال والمدعومون من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يؤكدون أن أسكوتلندا أقوى إذا بقيت في المملكة المتحدة التي تتألف من إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية وأسكوتلندا. ودعا كاميرون الأحد أسكوتلندا إلى تجنب الانفصال عن المملكة المتحدة، مؤكدا أن الوضع الحالي يعود بفائدة أكبر على أسكوتلندا وبريطانيا على حد سواء. وفي آخر محاولاته لإقناع الأسكوتلنديين بعدم الانفصال عن بريطانيا، قال كاميرون إن إنهاء أكثر من 300 سنة من الوحدة بين الشعبين سيجعل كلا من بريطانيا وأسكوتلندا «أفقر». وتأتي تعليقات كاميرون التي وضعت على الموقع الإلكتروني لرئاسة الحكومة البريطانية، قبل نشر تحليل للحكومة الاثنين عن دور أسكوتلندا في المملكة المتحدة. وقال أليستر دارلينغ، الذي يقود حملة «معا أفضل» المعارضة للاستقلال، إن المشروع «لم يقدم جديدا»، وإن ساموند «أهمل جميع القضايا الكبيرة». وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن المشروع «لا يجيب حقا عن الأسئلة الكبيرة حول العملة والاستدامة المالية وأوروبا، إذا تناولنا فقط ثلاثة من القضايا الرئيسية». وأضاف أنه «من غير المرجح بشكل كبير» أن توافق الحكومة البريطانية على توحيد العملة مع أسكوتلندا حال استقلالها، كما جاء في الكتاب الأبيض، الذي أكد أن «الجنيه الإسترليني هو عملة أسكوتلندا طالما بقي عملة لباقي المملكة المتحدة». وجاء في المشروع أن أسكوتلندا المستقلة سوف «تستمر عضوا» في الاتحاد الأوروبي، ولكنها لن تصبح عضوا بمنطقة اليورو. ويعتمد ساموند في ذلك على تفسيره للمذكرة التي وقعها في فبراير الماضي مع كاميرون، والتي تطالب، كما يعتقد، بأن تدعم لندن مساعي أسكوتلندا المستقلة في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. يقول أليستر دارلينغ إن أسكوتلندا ستواجه مشكلات أكبر في حالة الانفصال ودخولها الاتحاد الأوروبي كبلد كامل العضوية. إذا قررت دخول الاتحاد الأوروبي فعليها قبول اليورو كعملة قانونية لاقتصادها. الاتحاد الأوروبي صرح سابقا بخصوص خطط انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا، وقال بأن عليه تقديم طلب العضوية للانضمام وسيجري النظر في الموضوع، أي أنه لن يحدث تلقائيا كون إسبانيا عضوا في الاتحاد. وهذا طبعا ينطبق على أسكوتلندا. كما أشار إلى أن نقل الأسلحة النووية البريطانية، المخزنة في قاعدة كلايد البحرية على الساحل الغربي لأسكوتلندا، سيكون من الأولويات، وسوف تسعى أسكوتلندا لأن تصبح «واحدة من أعضاء الناتو الكثيرين الخالين من الأسلحة النووية». وقالت ستيرجن إن «رسالتنا إلى شعب أسكوتلندا بسيطة: اقرأوه وقارنوه مع أي مستقبل بديل لأسكوتلندا وكونوا فكرة». وأشارت إلى أن الوثيقة «تقترح حدا لائقا للأجور»، ووعدت بـ«ثورة» اقتصادية واجتماعية في مشروع الانفصال عن بريطانيا. وقالت في إجابتها خلال اشتراكها في برنامج حواري للـ«بي بي سي» بأن أسكوتلندا ولعشرات السنين تحكمها أحزاب ببرامج سياسية واقتصادية غير مجدية بالنسبة لأسكوتلندا، وهذه الأحزاب قاعدتها الشعبية متركزة في إنجلترا، مثل حزب المحافظين الذي لا وجود له في أسكوتلندا. وحذرت ستيرجن من أنه «لن ننجح في تحقيق كل إمكانياتنا طالما أننا عالقون في اقتصاد غير متوازن يسيطر عليه برلمان لندن ويعود بفائدة متفاوتة على منطقة أو جزء من مجتمع». ولهذا يرى دارلينغ أنه من المهم جدا مواجهة ساموند بالقضايا الاقتصادية المهمة. ويطرح ثلاثة سيناريوهات بهذا الخصوص. يقول إن ساموند لم يتكلم بوضوح عن السياسات المالية المستقبلية. ويتساءل: هل يريد أن يبقى الجنيه الإسترليني عملة لأسكوتلندا المستقبلية؟ بهذه الحالة، الجنيه يصبح عملة بين بلدين، أي أنه اتحاد مصغر لمنطقة اليورو. لكن دارلينغ يقول: «إذا جلست مع باقي أعضاء المملكة المتحدة ووافقت على عملة مشتركة، فإن الأعضاء سيقولون له: هل سترفع سقف الضرائب؟ وهل ستستمر بمستوى الصرف العام نفسه على الخدمات، وتزيد من ديونك دون سقف واضح؟». وهذا ما يواجهه بعض أعضاء منطقة اليورو. عندما تكون هناك عملة مشتركة، فإن ذلك لا يعني اتحادا اقتصاديا فقط، لكنه يصبح اتحادا سياسيا، وإذا كان هذا هو المطلوب إذن، فـ«لماذا كل هذا التعب والمطالبة بالانفصال من أجل أن تجد نفسك مرة ثانية في نقطة البداية؟ ولهذا فإن العملية غير مجدية». كما أن الخيار الثاني، وهو أن تتجه أسكوتلندا لاختيار عملتها الخاصة، أمر مليء بالمخاطر. ويقول دارلينغ: «تصور كيف تفيق في صباح يوم الاثنين وتجد أن كل مدخراتك في البنوك لا تساوي شيئا، لأنه لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور بعد أن تقرر دولة استخدام عملة خاصة بها في بداية الأسبوع. وإذا خاف الناس قبل ذلك بيوم واحد وقرروا سحب مدخراتهم ووضعها في بنوك أخرى بعملة مختلفة، فإن ذلك قد يطيح بالنظام المصرفي الأسكوتلندي». وأخيرا وليس آخرا، هل ستبقى أسكوتلندا ملكية وتبقى إليزابيث الثانية ملكة على أسكوتلندا أيضا؟ أم تصبح جمهورية؟ ورغم تأكيدات ساموند أنه على علاقة وثيقة مع العائلة المالكة، فإن العلاقة تبقى غير واضحة. وقال ساموند إن أسكوتلندا ستكون ملكية دستورية. إلا أن هناك اعتقادا بأن أسكوتلندا المستقلة ستجري استفتاء آخر حول بقاء الملكية. وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن أقل من ثلث الأسكوتلنديين (29 في المائة) البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة، ينوون التصويت لمصلحة الاستقلال.
Viewing all 383 articles
Browse latest View live